تاريخ الدرس: 1993/06/25

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:29:31

سورة التغابن، الآيات: 11-14 / الدرس 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

الإيمان بالقضاء والقدر

يقول الله تعالى في سورة التغابن: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن:11] إلى آخر الآيات.

وقد ذكر الله مثل هذه الآية في سورة الحديد في قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا أي تحزنوا ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ فكم نحن عزيزين على الله تعالى؟ فهو لا يرضى أن نغتمَّ عند المصائب والكوارث، ويعزِّينا ويخفِّف علينا من آلام المصاب، ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ المراد بـ “لا تفرحوا” فرح البَطَرِ وفرح الكبرياء على الآخرين، أما إذا فرح الإنسان بنعمة الله عزَّ وجلَّ وشَكَر الله عليها فهذا من الأمور التي فطر الله الإنسان عليها، ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22-23].

فهاتان الآيتان تتعلَّقان بالإيمان بالقضاء والقدر الذي هو أحد أركان الإيمان، فمِن أركان الإيمان للمسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر، فإذا نزل القضاء والقدر لا يكون عنده تضجُّرٌ أو تبرُّمٌ أو سخطٌ أو اضطرابٌ، وبمقدار إيمانه -الذي من أركانه الإيمان بالقضاء والقدر- تمرُّ عليه الكارثة والمصيبة ولا يشعر بآثارها وبمخلَّفاتها وأضرارها، وهذا ما فقده كثيرٌ من الناس اليوم، كما فقدوا الإيمان بالله حقَّ الإيمان، وهو الإيمان الذي يُوجِب العمل، ويُوقِف المؤمن عند حدود الله، ويدفعه بلا اختيار إلى المسابقة والمسارعة إلى أداء فرائض الله، وذلك على مختلف مستويات الناس من الملوك والرؤساء والعظماء إلى الأغنياء والقُضاة والعمَّال والفقراء.

الإيمان بالله سُبحانَه وتَعالى شيءٌ عظيم، وكان سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول لأحدهم: “لن تبلغ حقيقة الإيمان ولو قُطِّعت إِرْبًا إِرْبًا” 1 ، وكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يتَّهم نفسه بقصور الإيمان، والتقى مرة بأحد أصحاب رسول الله ﷺ وهو حنظلة رضي الله عنه وقال له: كيف أصبحتَ؟ قال: إذا كنَّا عند رسول الله ﷺ صَفَتْ قلوبنا حتى كأننا نرى الدار الآخرة.. وهل يمكن لإنسانٍ إذا رأى التَّنُّوْر يَرتَفعُ لهبُه أن يُلقي بنفسه فيه؟! فالذين كانوا يرون جهنم بمرآة قلوبهم، ويرون نعيم الجنة في شاشة تلفزيونهم، كيف يستطيع أحدهم أن يُقصِّر في طاعة الله عزَّ وجلَّ؟!

فقال له أبو بكر رضي الله عنه: وأنا أيضًا كذلك، إذا كُنَّا عند رسول الله ﷺ صَفَت قلوبُنا ومرآتُها فينعكس فيها أحوال الدار الآخرة، حتى كأننا نرى.. فرؤية ذات الجنة شيءٌ وأن ترى الصُّوَر في المرآة أو في التلفزيون شيءٌ آخر، قد تقول: أنا رأيتُ رئيس الجمهورية في التلفزيون.. ولكن هل رأيتَ حقيقته؟ لا، رأيتَ ظلاله وصورته، وهكذا الإيمان، حيث تنطبع في مرآة القلب صُوَر ما يُؤمِن به المؤمن.

وإذا قلت لكم فإني أكون إن شاء الله صادقًا فيما أقول: في مجلسكم هذا من نساءٍ ورجالٍ مَن حصلوا على هذا الإيمان، وذلك ببركة كثرة ذكر الله، وببركة ارتباط قلوبهم بمحبة أحباب الله.. ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا حقائق الإيمان.

قال: فذهبا إلى سيِّدنا رسول الله ﷺ وأخبراه بحالهما فقال لهما: ((لَو بَقيتُم على ما أَنتُم عَليه عِندِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَلَكِنْ سَاعَةً وَسَاعَةً)) 2 .

الصبر على المصيبة من الإيمان بالقضاء والقدر

إن مِن أركان الإيمانِ الإيمانَ بالقضاء والقدر، فإذا أصاب المؤمنَ مصيبةٌ، كأن فقد ولده أو الزوجة فقدتْ زوجها، أو التاجر احترقتْ مخازنه أو غرقتْ في البحر بضاعته، أو ارتفعتِ الأسعار أو هبطت.. وكلُّ إنسانٍ في هذه الحياة مُعرَّضٌ للنكبات وللأزمات.. والقرآن كما قال الله عزَّ وجلَّ فيه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] وإنّ مرضَ ضعفِ الإنسان عند مواجهة الشدائد والأزمات والمصائب هو من ضعف الإيمان، والقرآن ﴿شِفَاءٌ لِمَن قرأه بقلبٍ ذاكرٍ طاهرٍ تائبٍ منيبٍ، ﴿وَرَحْمَةٌ ففوق الشفاء يكون فيه زيادة النور على النور، ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35].

والإيمان بالقدر يقول الله تعالى فيه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19] وقد فسَّر الله تعالى الهلوع بالآية بعدها فقال: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] يضطرب وينهار ولا يصمد، فمن الناس من يصيبه فَالِج، والآخر يتعطَّل عنده البنكرياس ويصيبه مرض السُّكَّر، والآخر تصيبه نوبة قلبية.. والقرآنُ ﴿شِفَاءٌ للمريض من المرض، ﴿وَرَحْمَةٌ وقايةٌ للنفس من أن تؤثِّر فيها الأزمات أو المصائب والصدمات.. قال: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] هذا الإنسان الخام الذي ما دخل في مصنع القرآن ولا في مصنع الإسلام، ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] مات ابنه، أو مات ابنها، أو طلَّقها زوجها، أو ضاعتْ منه أمواله وخسرها، أو تسلَّط عليه ظالمٌ، وغير هذا كثير.. فالإنسان العادي الخام جزوع.. ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] عندما يأتيه الخير من غنىً وثروةٍ ومالٍ أو حكمٍ أو سلطانٍ أو جاهٍ أو علمٍ ودراسةٍ وإقبال الدنيا عليه يمنع مساعدته عن الآخرين.

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] هذه صفة الحيوان، كالكلب أو الوحش إذا أخذ فريسته فإنه لا يمكِّن أحدًا من أن يُشارِكه فيها، وإذا كانت هذه الصفة في الإنسان فهو حيوان أو وحش، أما المؤمن فهو إنسانيّ ملائكيّ، وهو مصدرٌ للخير لكلِّ الخلق من إنسانٍ مؤمنٍ أو غير مؤمن، والنبي ﷺ يقول: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ)) 3 ،لم يقل: المؤمنون، بل “الخلق كلُّهم”، ولم يقل: الإنسان، بل بما يشمل الحيوان، فالحيوان صار له حظٌّ من ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِيْنَ [الأنبياء:107]، فكم أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بالحيوان! فقال: ((اركَبُوا هَذهِ الدَّوابَّ صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا))، احذر إذا ركبتَ الحمار أن يقول لك الحمار: أنا يجب أن أركبك، لأني لا أعصي الله عزَّ وجلَّ، فاللهُ تعالى أمرني بطاعتك فأنا أطيعك، وأمرك بطاعته فلم تطِعْه، فمَن الأولى بلقب الحِمَارِيّة التي هي في نظر الناس لقبٌ للنقص؟ ((فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ)) 4 ، إياك أن يكون البغل من الذاكرين وأنت من الغافلين المحجوبين، إياك أن يكون الكلب أفضل منك، هكذا يقول النبي ﷺ ولستُ أنا من يقول.. ((فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا))، أَمَا نَطَق القرآن بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]؟ أَمَا قال الله في سورة النمل: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل:18]؟ هل هذا يدلُّ على وجود عقلٍ في النملة أم على عدم وجود العقل أم أنك أنت فقط فيك عقلٌ؟

﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: 22]، لماذا لم يذكر الفقهاء شرائط الصلاة الروحانية في كتبهم الفقهيَّة؟ هم ذكروا في الصلاة ما يتعلق بأعمال الجسد فقط، فاللسان يتلو ويُسبِّح، بينما القلب غافلٌ غير حاضر، ولماذا ما ذكروا هذه الآيات وأمثالها في أبواب الصلاة؟ مثل: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فإذا أردتَ أن تصلي فشرط الصلاة المقبولة أن تحجزك عن محارم الله، فإذا كنتَ تصلي وترتكب الحرام، فإنه كما قال الله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:7]، وكما قال: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]، وكما قال: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة [الهمزة:1]، قال أيضًا: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، فإذا كنتَ مصلِّيًا وصلاتك لا تحجزك عن محارم الله فأنت غير مصلٍّ، وكما ورد في الحديث القدسي يقول الله تعالى: ((لَيْسَ كلُّ مُصَلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ الصَّلَاةَ مِمَّن تَواضَعَ لِعَظَمَتِي، وكَفَّ شَهَواتِه عن مَحارِمي، ولم يُصِرَّ على مَعصِيَتي، وأَطعَمَ الجائِعَ)) انظروا إلى إنسانية المصلِّي! ((وكَسَا الْعُرْيَانَ، ورَحِمَ الْمُصَابَ)) 5 ، شخصٌ مصابٌ بمصيبةٍ في ماله أو بدنه أو أهله عليك أن ترحمه وتعزِّيه وتخفِّف عنه، هذا هو المصلي، أمَّا إذا لم يُضِئْ المصباح الكهربائي في الظلام لأنه معطَّلٌ فما الفائدة منه؟ هذا عبءٌ، ويجب أن يُلقى في القمامة، وإذا كان عندك حصان ميِّت فما الفائدة من أن تشتري له علفًا وتبني له الإسطبل؟ هذا ميت، وفقدُه خيرٌ من وجوده.. إلخ.

الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الإجبار على العمل

ففي الإيمان بالقضاء والقدر يقول عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ العَبدَ لا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)) 6 .

وليس معنى ذلك أن الله عزَّ وجلَّ أجبرك على أن تُلقي نفسك في البئر، فهل بعث لك سيدنا جبريل عليه السلام وأنت على حافَّة البئر ودفعك ووقعت فيه؟ ولكن الله يعلم أنك ستسقط، وذلك بسبب إهمالك وعدم تنبُّهِك وعدم حَذَرِك.. وإن صار فقيرًا فالله مُقدِّر الفقر، يعني أن الله تعالى علم أنه سيكون فقيرًا، وصار فقيرًا لكسله ولقلَّة همَّته ولبطالته، فلانٌ علم الله أنه سيمرض بالملاريا، لأنه نام حول المستنقعات والبعوض الذي يحمل جرثوم الملاريا.. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، اعمَلْ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)).. فبعد: ((اعمَلْ وَلَا تَعْجَزْ))، وبعد: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))، بعد ذلك قال: ((وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)) من المصائب، وقد بذلتَ كلَّ الوسائل وكلّ الإمكانات، ((فقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ))، فما أحلى الإسلام!

بعض إخوانكم في لندن ولا أذكر في أي اختصاص في الطب، وأظنه في الطب النفسي، يذكر لي في بعض رسائله وكذلك لما يأتي إليّ، أنه مع كلِّ ما تعلَّمه في لندن من الطب إلا أنه صار يُداوي الناس بالآداب الإسلامية، وبالعلاجات القرآنية، فتقدَّم ونجح على كل الأطباء في لندن، وصاروا يتعجَّبون منه.. صار يعالج بالإيمان بالقضاء والقدر، لكن بحسب أصوله وحُسنِ استعماله، لأنَّ كلَّ شيء له “مكان” [وقت مناسب]، وله كيفيَّةٌ في الاستعمال، فصلاة الجمعة لها وقت، وإذا صُلِّيتْ بعد طلوع الفجر هل تصحُّ؟ بل يكون أداؤها محرَّمًا، لأنها في غير وقتها، مع أنها فريضةٌ حتميَّةٌ، كذلك القَدَر متى يكون الإيمان والتذكير به؟ القدر موضعه وموضع تنفيذه بعد أن تُعمِل كل عقلك وفكرك وطاقاتك، وتُهيِّئ كل الأسباب والمسبَّبات، فإذا لم يتحقق الهدف تقول: ((قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وإيَّاك ولَوْ!))، “آه، لو عملنا كذا.. آه، لو فعلنا هكذا..” فهذه ماذا تفعل؟ تجلب الهمَّ والحزن والأكدار، وتجلب الأمراض والجلطات الدموية والفالج.. إلخ.

فالإسلام أَمَرَك بالأسباب، وأمرك بالأخذ بكل الأسباب والاحتياطات والإمكانات أوَّلًا، وإن فشلتَ بقصورٍ منك أو بأمور خارجةٍ عن إرادتك، فإنّ الإسلام أيضًا حافظ عليك في مرحلة الإخفاق رعايةً لقلبك وحياتك وصحتك فقال لك: ((قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وإيَّاكَ و”لَوْ” فَإِنَّ “لَوْ” تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) 7 ، فشخص يَكْفُر، والآخر يَضرِب، وهذا يسبُّ.. إلخ.

والنبي عليه الصلاة والسلام في كل أعماله هل قصَّر؟ في أُحُد وقعت الهزيمة، فماذا قال المنافقون؟ ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا قالوا: “لو”، ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156]، إذًا وَلْوِلُوا [أي ابكوا واصرخوا وتذمروا] واضربوا وجوهكم، ومزِّقوا ثيابكم، وانتفوا شعوركم، وليُصَب أحدهم بالجلطة، والثاني بالسُّكَّر والثالث بالفالج، ولو كنتَ على طريقة هؤلاء فأصِبت بالفالج [أو الشلل النصفي هل تنفعك “لو” وتنفعك الحسرة؟].

[من أصيب بمصيبة أو فقد شيئًا فليفكر] لعل الله يريد أن يعطيني أكثر وأكثر! ولعل الله إذا أخذ المال أن يكون أَخْذُه خيرًا من بقائه عندي! فالمسلم والمسلمة إذا لم يكن فيهما هذا الإيمان فضد الإيمان هو الكفر، و((إِنَّ العَبدَ لا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ)) لا أن يشك ولا أن يجهلَ كلَّ الجهل.. وأكثر المسلمين حين تصيبهم مصيبة ترى هذا يفعل كذا، وهذا ينتف شاربه.. [سماحة الشيخ هنا يتراجع ويقول مستدرِكاً:] نتف الشوارب الآن ليس مصيبة، بل صار رفاهية، وكثير منكم شواربهم ولحاهم مَنْتُوْفة، أليس كذلك؟ [يقول الشيخ ذلك ممازحاً وهو يضحك.. ويقصد بالنتف هنا حلق اللحى والشوارب، حيث صار ذلك عادة سائدة في سوريا، وبخاصة حلق اللحى].. أما المؤمن فتراه إن أُعطِي شكر، وإن مُنِع صبر، كما كان النبي الكريم ﷺ يقول: ((عَجَبًا للْمُؤْمِنِ لا يَقضِي اللهُ لَه قَضاءً إلَّا كانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ نَعماءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لغير الْمُؤْمِنِ)) 8 ، وأنت إذا أصابتك مصيبة هل عندك صبر وتحمُّل لهذا المكروه برباطة جأش وعدم اضطراب؟

ذكرتُ لكم حديث الغلام مع أبي قدامة، لكن نسيتُ أن أُكمِله، قال: فلمَّا استُشهد الغلام في المعركة وأُخبرتْ أمه بذلك، وأُتي إليها بأمتعته وأغراضه، وبُلِّغت أخته الخبر من المخبِر، قالت الأخت: يا أماه أبشِري! لقد استُشهِد أخي في العام الماضي، وقد أكرمنا الله بشهادة أخي الثاني هذه المرة، فقالت أمُّها: اصبري حتى أسجد شكرًا لله تعالى.. وقلتُ لكم بأن الأرض لفظت جسده ولم تقبله، فقالت أمه للمُخبِر: أنشدك الله، هل قَبِلَتِ الأرض جسد ولدي أم لفظتْه ورفضتْه؟ قال: فدُهِشتُ، وذلك لأنها لا تعلم هذا الخبر، وثانيًا لأن هذا عند الناس شيء غير مستحسَن، فقال لها: ولكن الأرض قد لفظته، قالت: سأسجد شكرًا لله تعالى مرةً أخرى.. فهل هذه امرأة؟! وهل نساؤنا هكذا؟! نساؤنا مع “المُوْضَات” والشهادات والليسانس “والبُوْيَا” وأشكال وألوان وتبرُّج الجاهلية الأولى! [“الموضات”: جمع مُوْضَة، وهي العادات الحديثة في اللباس وأنماط الحياة، ويتبناها الناس وخاصة النساء لتظهر بمظهر راقٍ وجذّاب وجميل وجديد.. و”البُوْيا”: في الأساس اسم للمادة التي تُلَمِّع الأحذية، ومنها ألوان مختلفة حسب لون الحذاء، وهنا يستعير الشيخ رحمه الله هذه الكلمة ليعبِّر بها عن الألوان والمساحيق التي تُزَيِّن وجه المرأة.. ويذكرها بهذا الشكل لأنه فعل مُحَرَّم، ومنتهى طموح كثير من تلك النساء أن تجذب الرجال إلى شكلها وزينتها]، فهل نساؤنا عندهن هذه الشخصية بأن يَصْمُدن عند أشد الشدائد على الأم؟ هذه هي المرأة الفولاذية علمًا وحكمةً وإيمانًا وأخلاقًا وجهادًا وتضحيةً ونضالًا، وهكذا كانت المرأة في الإسلام، والآن المرأة صارت لا مسلمة ولا أوربية ولا أميركية، صارت لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، تلك المرأة فيها علم ووطنية ومبادئ، وهذه لا تعرف إلا شهوتها وزينتها ومتعتها كالحيوان.. فقال لها: “لِمَ سجدتِ لله شكرًا على أن الأرض لَفَظَتْه ولم تقبل أن يُدفن فيها؟” هذا الغلام كان عمره اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة، يعني في المدرسة الابتدائية، فهل مدارسنا الابتدائية تُربِّي الجيل هذه التربية الإسلامية؟ كان غلاماً بين قوائم الخيل وبقوسٍ لا أسهم معه يُقاتل فيها، وهو في المعركة يجابه الاستعمار ويجابه الجائرين.

فالأخت استقبلت الخبر “أبشري يا أماه!” والأم “اصبري حتى أسجد لله شكرًا”.. هذه هي الطفلة في الإسلام، وهذا هو الطفل في الإسلام، وهذه هي الأم والمرأة في الإسلام، فهل جامعاتنا وشهاداتنا في الدكتوراه تخرِّج أطفالنا بهذا الإنتاج الإسلامي؟ وهل بناتنا في الجامعات والمدارس يتخَرَّجنَ على هذا المستوى الوطني الأخلاقي الفولاذي الروحي الملائكي؟ فقال لها: لِمَ سجدت؟ قالت: شكرًا لله لأن الله تقبَّل دعاء ولدي في حياته، فلقد كان يقوم الليل متهجِّدًا ويبكي ويتضرَّع إلى الله ويتذلَّل ويقول: “اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، ولا تحشرني إليك يوم القيامة إلا من بطون السباع وحواصل الطير”، أي تأكل الضباع والحيوانات والطيور لحمي، حتى أُحشَر إليك منها يوم القيامة، قالت: فسجدتُ شاكرةً لله على أن الله حقَّق لولدي هدفه ورغبته.

العلم والإيمان بدون عمل لا يفيد

هذا هو الإسلام، بينما المرأة الآن حتى ولو كانت متخرجة من الجامعة، أو معها دكتوراه وهي أستاذة في الجامعة إذا أصابتها نكبة، وكذلك الوزير والطبيب والمحامي والتاجر إذا أصابتهم مصيبة هل عندهم الإيمان بهذه الآية؟ هذه آية واحدة.. ومع أنه حتى يصحَّ إيماننا علينا أن نؤمن بالقرآن كلِّه، فإنك حين تجد الأفعى هل تؤمن بأنها قاتلة أم لا تؤمن؟ وبعد إيمانك بحقيقة الأفعى هل يمكن أن تضع أصبعك في فمها وتحت أسنانها؟ وإذا أعطاك شخص مئة ألف دولار وأنت تعرفها وتؤمن بأنها مئة ألف دولار هل يمكن أن ترفضها؟

فالإيمان إذا لم يكن هكذا بأن تتقبَّل أوامر الله وتبتعد عن محارم الله فاذهب وابحث عن طبيبٍ إيمانيٍّ يُطبِّب لك قلبك حتى يملأ نورُ الله ونورُ الإيمان قلبَك.. يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا من الذين ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41]، ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:74]، اليهود في زمن سيدنا موسى عليه السَّلام رأوا المعجزات، وأحيا الله لهم الميت بضربه ببعض أجزاء البقرة وقال: قتلني فلان الفلاني.. ومع رؤيتهم للمعجزة على يد سيدنا موسى عليه السَّلام إلا أنهم كما قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74] يعني ما لانتْ ولا خشعتْ ولا خضعتْ لأوامر الله عزَّ وجلَّ، ولا خافتْ ولا رهبتْ من مخالفة أمر الله، فهذا الإيمان ليس بالتمني ولا بأن تقول: أنا مسلم، حتى ولو صلَّيت ((لَيْسَ كُلُّ مصلٍ يُصَلِّي)) 9 ، ولماذا كانت الهجرة فرضًا على المسلم؟ لأن الهجرة تعني دخوله في مدرسة رسول الله ﷺ، فهو المعلم المربي وهو الحكيم المزكي، وإذا كان الإنسان خارج المدرسة فهل يمكن أن يتعلَّم؟ وكذلك في هذا الوقت فإنّ الهجرة فرضٌ، وذلك بأن تهاجر إلى المكان الذي تجد فيه العلم والحكمة والتزكية.

معنى القضاء ومعنى القَدَر

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن:11]، فعند المصيبة يجب أن تُؤمِن بقضاء الله الذي هو علمه الأزليُّ القديم، وبالقدر الذي هو علم الله عند حصول ذلك المقدور، فالتنفيذ يُسمَّى قدرًا، وعلم الله قبل الوقوع اسمه قضاء.. الآن أنا قدمتُ لكم تعريفًا للقضاء والقدر هو أهون التعاريف للفهم علينا جميعًا.

ولكن ليس معنى ذلك أن الله تعالى يمنعك من أداء الصلاة.. تسأل أحدهم: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: حتى يأذن الله.. إذن حين يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة:43] فهل الله يكذب علينا؟ هل يقول: أقيموا الصلاة، ثم من الخلف يقول: لا تصدقوني أنا لا أريدكم أن تُصلُّوا؟ هكذا يقول هذا الشخص، لأنه يقول: إن الله لا يريد أن أصلي، وإذا شرب الخمر تسأله: لماذا تشرب الخمر؟ فيقول لك: الله يريد هكذا، إذن فهل قال الله تعالى: اشربوا الخمر في القرآن أم أنه قال: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]؟ المسلم اليوم صار مثل اليهود الذين ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]، يُحرِّفه قولًا وعقيدةً وعملًا، وبعد هذا التحريف يقول: “اللهم انصر الإسلام والمسلمين” فهل هؤلاء مسلمون؟ هل هؤلاء مسلمون! هؤلاء هؤلاء، هل هم مسلمون!

الإنسان مخير وليس مسيرًا

أتى رجلٌ إلى سيدنا رسول الله ﷺ وقال: “يا رسول اللَّه، إِنَّ اللَّه كتب عَلَيَّ الشِّقْوة، فأنا مدركٌ ذلك لا محالة، جعل رزقي بضرب كفي على دفي”، أي هو راقص في محلات اللهو والخمر وغيرها.. “فَاذَنْ لي في الغِنَاءِ في غيرِ فاحشةٍ”، يعني أغني وأرقص لهم لكن بدون خمر وزنا وفواحش، فغضب سيدنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقال له: ((كَذَبْتَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ))، “أي”: في النحو حرف نداء، يعني كذبتَ يا عدو الله، وهذه يُنادى بها القريب، ((إنَّ اللهَ خَلَقَ لَكَ رِزقًا طَيِّبًا مُبارَكًا، فَاختَرتَ)) وهنا الشاهد، ((فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الرِّزقِ بَدلَ ما أَحلَّ اللهُ لَكَ، ولَئِنْ عُدْتَ إلى مَقالَتِكَ مَرَّةً أُخرَى لَأَجعَلَنَّكَ نَكَالًا لِلنَّاسِ)) 10 .

قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159] وما معنى “تَوَكَّل”؟ يعني ثِقْ، فما دمتَ قد عزمتَ على فعل شيء حسب المخطط الإلهي [فتوكَّل على الله].. ففي الجهاد ما المخطط الإلهي؟ ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فهذه “أعدُّوا” لنعدَّ للعدوِّ، ولماذا لم يجاهد النبي ﷺ في مكة؟ لأنه لا يوجد القوة المُعَدَّة التي تصلح لمقابلة العدو ومجابهته، حتى لمَّا قاتل ما قاتل النبيُّ ﷺ برغبته وإرادته بل بأمر الله ووحيه، وذلك بقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ “يُقاتَلون”: ليسوا هم الذين بدؤوا بالقتال، إنما الأعداء هم يبدؤونهم بالقتال، وبعد “يُقاتَلون” قال: ﴿بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا والمظلوم له الحق أن يدافع عن نفسه، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ ما دام بإذنه، وقوتِلوا، وظُلِموا، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ [الحج: 41]، وإقامة الصلاة إنما هي بأخلاقيَّتها وآدابها وخشوعها، والصلاة مدرسةٌ، فعندما تدخل في الصلاة تصير تلميذًا في مدرسة الله، والله عزَّ وجلَّ أستاذك ومعلِّمك ومؤدبك ومربِّيك ومزكِّيك، فهل تفهم ما الصلاة؟ إلى الآن لا تفهم عنوان الصلاة، فكيف تكون مصليًا؟!

تعزية أعرابي في موت العباس رضي الله عنه

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [التغابن:11] ويؤمن بقَدَرِ الله، و((عَجَبًا للْمُؤْمِنِ لا يَقضِي اللهُ لَه قَضاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، وَلا يَكونُ ذَاكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ)) 11 ، تجد المؤمن عند المصيبة مطمئن القلب هادئ النفس، رابط الجأش راضيًا بقضاء الله مُحتسِبًا ثوابه عند الله عز وجل.. يروى أنه لَمَّا توفِّي العَبَّاسُ قال عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: ما عزَّاني أحدٌ بوفاة والدي كما عزَّاني أعرابيٌّ ببيتين من الشعر.. يقول فيهما لابن عباس 12

اصْبِرْ نَكُنْ بِكَ صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ بَعدَ صَبْرِ الرَّاسِ

أنت شيخ الأمة وإمامها وابن عم سيِّدنا رسول الله ﷺ، وأنت رئيسنا ورأسنا فإذا صبرت نصبر.

خَيْرٌ مِنَ العَبَّاسِ أَجرُكَ بَعْدَهُ وَاللهُ خَيْرٌ مِنْكَ لِلعَبَّاسِ

صحيح أنك فقدتَ العباس، ولكن إذا فقد إنسان محفظته وفيها عشرة آلاف ليرة، وأعطاه شخص بدلًا عنها محفظة فيها مئة ألف ليرة مقابل ما خسر هل يغضب؟ بل يقول: ليته كان عندي محفظةٌ أخرى وضاعت! وهل إذا ضاعت هذه المئة ألف تُعَوِّض لي بمليون؟ لذلك كان المسلم لا يخاف من المصائب ولا من الموت ولا من القتل ولا من أي شيءٍ يصيبه في ذات الله، وهذا يجعل الإنسان فولاذياً عظيماً، كما جعل من المرأة أمِّ الغلام، ومن الطفلة أخت الغلام، ومن الطفل الذي هو الغلام، أليس هذا تراثنا؟ فهل نُربِّي عليه أبناءنا وبناتنا؟ هل التلفزيون أو وسائل الإعلام تُربِّي المجتمع على هذه التربية المحمدية؟ أليس كلنا نؤمن بأن محمدًا رسول الله؟ لكننا نؤمن بالأقوال لا بالأعمال، والقضية تحتاج إلى تذكير، وبلطفٍ ورفق، والناس كلها بخير، لكن المذكِّرين بالحكمة والموعظة الحسنة لقلَّتهم أو فَقْدهم قد لا نجدهم في الوقت المناسب، ولذلك لا يزال حال من يُسمُّونهم عربًا أو مسلمين على ما نحن عليه، ولا نزال في التردِّي والتقهقر.

خَيْرٌ مِنَ العَبَّاسِ أَجرُكَ بَعْدَهُ وَاللهُ خَيْرٌ مِنْكَ لِلعَبَّاسِ

“خَيْرٌ مِنَ العَبَّاسِ أَجرُكَ بَعْدَهُ”: أنت أُصِبتَ بالعباس فأعطاك الله تعالى شيئًا أغلى من العباس وهو الثواب، والعباس فَقَدَك، “واللهُ خيرٌ منك للعباس”، فإذا كان العباس عندك لتخدمه كابن بارٍّ فالآن صار في ضيافة الله عزَّ وجلَّ، واللهُ تعالى يُكرِمه أكثر منك بمئة ألف مليون مرة وبلا حساب.. إلخ، هذا هو الإسلام، في الرجل والمرأة وفي الطفل والطفلة وفي الخادم والعبد وفي الجارية.

ثقافة المؤمن بفقه القرآن لا بأوراقٍ وشهادات

وهذه كانت ثقافة المسجد، والآن إذا قُلتُ -بلا مبالغة-: لا يوجد في المجتمع الإسلامي مساجد يقال عنها: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108]، التقوى: علمٌ وعمل وحكمةٌ وتزكية، والمسجد اليوم يوجد فيه فقط جدران “وثُرَيَّات” وسجاد، [ثُرَيَّات: جمع ثُرَيّا، وهو اسم لقطعة تحوي عدداً من المصابيح، تُزَيَّن بها المساجد والبيوت]، ولكن هل فيه مدرسة القرآن؟ هل فيه حكمة القرآن؟ هل فيه تزكية القرآن؟ فإذا كانت روح المسجد مفقودةً فهذا كما إذا فَقَدتِ العروس روحها، فأيُّ فائدةٍ في جسدها وقد أصبح جثةً هامدةً وجيفة قذرةً؟ لا نقول هذا عن المساجد، لا، لكن علينا أن نُعَمِّر المساجد بالعلم والحكمة والتزكية، وأنتم الذين أخذتم الشهادات لا تغتروا، ولو كانت مئة ألف مليار شهادة، فإذا لم يدخل النور في القلب، ولم يَصِرْ ذكر الله كالنَّفَس لطالب العلم فليعمل حدادًا أو نجاراً، ولا يطلب العلم، ولا يأخذ الشهادة.

نحن نرى الشهادات صارت اليوم بالألوف، ونحن لسنا في أزمة شهادات، لكننا في أزمة عقول حكيمة، ونفوس مزكَّاةٍ بمجاهدة النفس وبدوام ذكر الله، وبصحبة مَن إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ، وكما قال سيدنا رسول الله ﷺ: ((أَلَا أَدُلُّكُم عَلَى خِيَارِكُمْ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ)) 13 ، وأيضًا هذا [العالِم] إذا أتى إلى المسجد فبماذا يقابله المسلمون؟ يجعلون له راتبًا قليلًا تسع مئة ليرة أو ألف ليرة، [يذكر سماحة الشيخ هذا الرقم في حين كان راتب الموظف العادي خمسة آلاف أو ستة آلاف في أيام هذا الدرس، وحتى من كان راتبه ستة آلاف كان يُعطى من الزكاة، لأن راتبه لا يقوم بكفايته]، ولو كان هذا راتب الشرطي هل تجدون شرطيًا في البلد؟ وهل تقدرون على أن تسيروا في المدينة من غير أن يسرق أحد أغراضكم أو يقطع الطريق عليكم؟ وحتى لو كان الطريقُ مثل “طريق الصَّالِحِيَّة”! [طريقُ الصَّالِحِيَّة: أحد أسواق دمشق المشهورة والمزدحمة، وهو أيضاً طريق يقع وسط دمشق، وفي حيٍّ راق]، لماذا؟ لأن الشرطيَّ براتبٍ لا يقوم بكفايته، أما العالِم فيجب أن يكون له ما يقوم بكرامته لا بكفايته، بل وبتعظيمه وبما يليق به.. وهل المسلمون يا ترى اليوم يقومون بذلك؟

لماذا قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]؟ كانت خُمُس الغنائم تُخرَج لتكون تحت تصرُّف سيِّدنا رسول الله ﷺ، فيؤمِّن لأهله مؤونة سنة، والباقي يصرفها في مصالح الدعوة وبناء الإسلام، والآن إذا وُجِد الداعي فماذا خَصَّص له المجتمع الإسلامي من المال الذي هو أحد الأركان الخمسة في الإسلام؟ فالزكاة ركنٌ ماليٌ بحت، والمسلم هل يفهم أن من جملة أركان الإسلام هو المال؟ وما الإسلام؟ هل هو هذه الأعمدة [في المسجد] أم رخام المنبر؟ الإسلام هو معلِّمه وهو المربي للإسلام في القلوب والعقول والنفوس، والمسلم ما إن تتكلم معه بهذا الموضوع [وهو الحق المالي للشيخ] فإن خمس مئة شيطان يدخلون عليه، وكل واحد منهم يوحي له بشيء، ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [الأنعام:121].

إذاً لماذا خصَّص الله من المئة عشرين من كل الغنائم للنبي ﷺ؟ ولماذا أعطاه كلّ الفيء؟ فالفَيء أو الغنائم التي حصل عليها النبي ﷺ من بني النضير -والتي كانت بلا حرب- جُعِلت كلّها تحت تصرُّف سيدنا رسول الله ﷺ لا الخُمس فقط، وذلك لأن المجاهدين ما حاربوا، فالنبي عليه الصلاة والسلام هو القائد وبتخطيطه وبكذا وكذا حصل هذا النصر، فيكون المال تحت تصرُّفه.

الإيمان بالقضاء والقدر والصبر علاج المصائب

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ مَن يؤمن الإيمان الحيَّ عند المصيبة ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] يعني إلى الرضى بقضاء الله، وإلى التسليم لقدر الله، ويحتسب مصيبته عند الله، فالله عزَّ وجلَّ يعطيه من الأجر أعظم مما فَقَدَ.. ولمَّا توفي أبو سلمة رضي الله عنه عزَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة رضي الله عنها وقال لها قولي: ((الحمد لله))، فعند المصيبة هناك شكر وثناء، ((اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وعوِّضني خَيْرًا مِنْهَا))، احذر أن يفوتك الأجر! فإذا لم تستقبل القضاء والقدر بالرضى والتسليم، أو كان بغير الآداب الإسلامية يفوت أجرك، وهذا أقلّ الدرجات، وإذا خالفتَ الإسلام أيضًا يكون عليك وزرٌ، وبهذا تكون عليك مصيبة في دينك ثم في دنياك.. قالت: يا رسول الله، وهل أجد خيرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ!.. ربما لأنه كان معها من خير الأزواج الصالحين، قال لها: ((قُولِي: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وعوِّضني خَيْرًا مِنْهَا)) 14 ، فلمَّا انتهت عدَّتها -وكان أبو سلمة من فضلاء الصحابة والمؤمنين- خطبها رسول الله ﷺ، فكانت زوجته ووزيرته ومستشارته، فهل عوَّضها الله؟ إن خزائن الله مليئة.

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] إلى الرضى بقضاء الله، والفرح بقدر الله، و((الإيمانُ بالقضاء والقدر يُذْهِب الهم والحزن)) 15 ، وفي قصة الخضر لمَّا قتل الغلام -وهذه مصيبةٌ على الوالدَين- ذكر الله الحكمة فقال: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا [الكهف:80]، فإذا عاش ربما يكون سببًا لكفر أمه وأبيه، فقَتَله حتى يكفيهم شرَّه، وأبدلهم عِوضًا عنه بنتًا خرج من نسلها سبعون نبيًّا.. فلا تكره البنتَ، ولا تُعلِّق قلبك بالصبيِّ، بل تعلَّق بفضل الله عزَّ وجلَّ، وادع الله: يا رب ارزقني الولد الصالح ذكرًا أو أنثى.

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [التغابن:11] وإذا لم يكن هناك إيمان وأصابته مصيبة فهذا يكفر وهذا يسبُّ الدين وهذا ينتحر.. والانتحار في أوروبا وأمريكا بسبب أقل الأشياء، فالمرأة إذا لم تنجح في زواجها تنتحر، والرجل كذلك لأي سبب ينتحر، وفي الإسلام لا يوجد ذلك، لأنه كما قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، فالصيدلية في القرآن، ولكن نريد الطبيب الذي يفحص بشكل صحيح ويكتب الوصفة الطبية بشكل صحيح، وعليك أنت أن تستعمل الوصفة على حسب توجيه الطبيب.. ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، لا ينسى أمرك، ويعلم مصيبتك قبل ملايين السنين ويعلم أن هذا ما سيحدث معك، وما أصابك بناءً على قصورك وتقصيرك، أو سُنَّة الله عزَّ وجلَّ في الكون، فالموت مثلاً سُنَّةُ الله في الكون: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:35].

ثم قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ بماذا؟ دائمًا الأمر بالطاعة يرجع إلى أقرب مذكور، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ يعني بتعاليمهما في الإيمان بالقضاء والقدر، لتكونوا كالجبال الراسية عند المصائب وعند الأزمات، فيتغلَّب إيمانكم عليها، ولا تجعلوا المصائب تتغلب على إيمانكم.. ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ورفضتم طاعة الله عزَّ وجلَّ في أوامره عامةً، أو في الإيمان بالقضاء والقدر خاصةً، ﴿فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [التغابن:12] ها قد أرسل الله لكم جبريل عليه السَّلام أشرف الملائكة، وأرسل محمدًا ﷺ أشرف الأنبياء، وبلَّغكم.. وليس أيّ بلاغ، بل “البلاغ المبين” بحكمته وغاياته ونتائجه وثماره.

لما شكا كفار قريشٍ النبيَّ ﷺ لأبي طالب، وقالوا له: نريد أن تحل المشكلة بينا وبين ابن أخيك.. فقال أبو طالب للنبي ﷺ: يا ابن أخي أنت تسبّ آلهتهم وأصنامهم، فكُفَّ عنهم، قال له: ((أكفُّ عَنهُم إذا أَعطَونِي كَلِمةً واحِدةً))، فقال أبو لهب: وأبيك أعطيك كلمةً وعشرة كلمات فوقها، فقال له: ((قولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ))، وكلمة “لا إله إلا الله” ليست كلمة تقولها بلسانك، “لا إله إلا الله” يعني: لا أعظم ولا أقدر ولا أعلم ولا أغنى ولا أعزَّ ولا أحد يعلم ما تسرُّ وما تُعلِنُ إلا الله، فإذا كانت “لا إله إلا الله” بهذا المعنى فهي التي ((تَملِكُونَ بِهَا العَرَبُ، وتَدِينُ لَكم بِهَا العَجَم، وَتُؤَدِّي لَكُمُ الجِزْيَةَ)) 16 ، فتَصِيرُون مُلوكَ الأَرضِ.. والعجم: في اللغة كلُّ من ليس بعربيٍّ، فالفرنسيُّ أعجميٌّ والألمانيُّ أعجميٌّ، ونحن بالنسبة للغاتهم أعاجم، لأننا لا نفقه لغاتهم.. إلخ.

قال: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ [التغابن:12].. الرسول ﷺ أدَّى المهمة وهي البلاغ المبين الذي يرفع الشكوك ويُوضِح الحقائق، فهل العلماء الذين هم ورثة الأنبياء يقومون بالبلاغ المبين؟ وهل دخلوا في مدرسة حراء خلوةً مع الله؟ وذلك حتى تتحلَّل ظلماتُهم وتتنظَّف من الكَدُرات قلوبهم، وتتألَّق الأنوار في أُفُق أرواحهم، فتصير من الشفافية بحيث تنعكس فيها أنوار الله عز وجل عندما تتجه إليه في ذكرها وفي إقبالها عليه.. وهذه النتائج هي التي سمَّاها النبيُّ ﷺ والقرآنُ العلمَ -إضافةً إلى الأعمال الجسدية- وهذا روح صلاتنا وصيامنا وحجِّنا، وإلخ.

معنى لا إله إلا الله

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [التغابن:13] لا يوجد غيره، أغنى الأغنياء وأعظم العظماء وأقوى الأقوياء، ولا يخفى عليه شيء من شأنك، فلا يخفى عليه السِّرّ ولا ما هو أخفى من السِّرّ، ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19]، ((يَعلَمُ ويَسمَعُ ويَرَى دَبِيبَ)) يعني مَشية ((النَّملةِ السَّوداءِ في اللَّيلةِ الظَّلماءِ عَلى الصَّخرةِ الملساءِ)) 17 ، فأين ستذهب؟ وأين ستهرب؟ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]، تغلق الباب وتغلق السِّتارة وتنظر هل يراك أحدٌ! ومعنى ذلك أن الله ميتٌ في قلبك، لأنه إذا كان حيًّا فبإيمانك الحيِّ تجد الله معك رقيبًا عليك، وشاهدًا لأعمالك في سِرك وفي خفايا صدرك، فلا يجوز أن يكون في قلبك دَغَلٌ أو حقد أو خيانة أو غش أو نفاق.. إننا نُداري الناس وكأنَّ الله ميتٌ! ونهتم بالناس، ونخاف أن يتكلَّموا علينا أو يسبُّونا أو نصغر في عيونهم، أما إن رآنا الله أو لم يرَنا أو صغرنا في نظره أو كبرنا [فلا نهتم بذلك]، لأن الإيمان ميِّتٌ.. والإيمان بمعناه الحيِّ أن تجد الله عزَّ وجلَّ معك في كلِّ نَفَسٍ من أنفاسك، وعند كلِّ كلمةٍ من كلماتك، وعند كلِّ عملٍ من أعمالك.

كان أصحاب رسول الله ﷺ يعمل أحدهم في حياته ذنباً واحداً، وإذا عمل الذنب يكون مثل الثلاثة الذين تَخلَّفوا عن تبوك، وقد أمر النبي ﷺ حينها بمقاطعتهم خمسين ليلةً، ومنع أحدًا أن يُسلِّم عليهم أو أن يكلِّمهم أو أن يجلس إليهم.. قد تقول: ما الذي حدث ليفعل كل هذا؟! الجيش كان ثلاثين ألفًا فإذا تخلَّف منهم ثلاثة فهل سيؤثر هذا في نصر الجيش؟ وأما هم فماذا كان موقفهم؟ هل قالوا: إن النبي ﷺ يريد أن يُذلَّنا ونحن ماذا فعلنا ليعاقبنا بهذه العقوبة؟!.. المسلم الآن إذا نصحتَه لا يقبل النصيحة، وإذا علَّمتَه يرفض التعليم، فكيف سيكون مسلمًا؟! ثم أمر نساءهم أن تعتزلهم 18 ، هل قالوا: يكفي إلى هنا، هل يريد أن يتدخل بيننا وبين نسائنا؟!

أليس حال المسلمين هكذا؟ لماذا؟ لأنه ليس هناك هجرة إلى المعلم الحكيم المزكي، ولا يوجد جامع، وجامع الجدران لا يصنع إيمانًا وإسلامًا، وفي مكة هل كان هناك جامع؟ لم يكن، والكعبة ما كانت للصلاة، والكعبة في الأصل مسجد سيدنا إبراهيم عليه السَّلام، لكن كان يوجد المعلم، والمسجد يُبنَى لأجل المعلم ولأجل الحكيم المزكي، والآن المسلمون ينفقون عشرة ملايين على الجامع، والشيخ مسكينٌ يعطونه ألف ليرة.. ما أغباهم! وهل هذا عقل وفهم؟ يجب أن يعطوا الشيخ ثلاثين ألفاً، وأن يقولوا له: هذه عشرون ألفًا لمصروفك، وهذه عشرة آلاف لضيوفك، ونشترِي لك سيارة “مرسيدس 500″، [سيارة مرسيدس 500 أحدث سيارة وأغلاها أيام هذا الدرس] وقد خصصنا لك سائقًا، وهذا مصروف السيارة في كل شهر خمسة آلاف ليرة، فهؤلاء ربما يكونون قد شمَّوا رائحة الإسلام.. ولكن المسلمين الآن إذا رأوا الشيخ يركب دراجة هوائية يغضبون ويقولون: من أين له هذا؟

فعلينا أن نتوب إلى الله من غفلاتنا وجهلنا ومن جاهلياتنا وغرورنا بأننا مسلمون.. والإسلام علمٌ، وعليك أن تتعلَّم القرآن آية آية وكلمةً كلمة، وأن تتعلَّم الحكمة، وهل يمكن أن يكون الإنسان نجارًا من غير معلمِ نجارة؟ وهل تصير طبيبًا بلا معلم؟ الطبيب كم أستاذًا له في الطبِّ؟ وكذلك الصيدلي والمحامي والطيَّار، وأنت كم أستاذًا لك في الإسلام؟ نسأل الله أن يجعلنا مسلمي العلم والحكمة والتزكية، ومسلمين نأخذ العلم من المعلِّم والحكمة من الحكماء والتزكية من المُزَكِّين.

وجوب طلب العلم القلبيِّ على المؤمن والدعوة إلى الله

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [التغابن:13] فإذا عرفت أنه لا إله إلا هو، فهو الأعظم والأقدر، وهو الأغنى والأعزُّ والأعلم، وكانت حياتك على أساس “لا إله إلا هو”، فعند ذلك ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التغابن:13] يثقون بكلامه وتعالميه وبأوامره، ويثقون بشريعته أنهم إن نصروها نصرهم الله، وإن أعزُّوها أعزَّهم الله، وإن رفعوها رفعهم الله.

ثم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14]، [الحضور يقولون كما علمهم الشيخ: لبيك اللهم لبيك، فيجيبهم الشيخ:] هذا الكلام ليس أمامي فقط، فحين تقرأون القرآن فإن الله يناديكم، وأنا إذا ناديت الدكتور أويس: يا دكتور أويس، فإنه يأتي إلي مسرعاً ويقول: شيخي ماذا تريد؟ فإذا كان الله ينادينا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] [الحضور يقولون: لبيك اللهم لبيك، فيجيبهم الشيخ:] هل هذه التلبية بفمكم أم بقلبكم؟ هل بالأقوال أم بالأعمال؟ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] الاستجابة بالأعمال: إذا أمر أن نأتمر، وإذا نهى أن ننتهي، وإذا رغَّب بشيء أن نرغب به، وإذا حذَّر من شيء أن نحذره.. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] هل ينادينا ليشرب سيجارة؟ هل ينادينا حتى يعطينا “نَكَّاشَة أسنان”؟ [نَكَّاشَة أسنان: أداة صغيرة مصنوعة من الخشب أو غيره لإزالة ما علق بين الأسنان]، إذا نادى الرئيس حافظ أسد أحدًا منكم ربما لا يستطيع أن يمسك سماعة الهاتف، يقول له بارتباك: أمرك سيدي.. بأمرك سيدي.. تحت أمرك سيدي.. فهل الله أعظم أم حافظ أسد؟ هل الله أعظم أم المفتي أو الملك فهد؟ وهل الدنيا أعظم من الله؟ الدنيا كلها كذَرَّة من مخلوقات الله.

وهذا كله بسبب غفلة القلب ونسيان الله، فإسلامٌ بلا ذكرٍ لا يكون، وطالب العلم بلا ذكرٍ لا يكون، وطالب العلم عليه أن يدخل الخلوة، لا أربعين يومًا فقط، بل أربعينات حتى يصير حقيقةً طالبَ علم، والأنبياء من أين طلبوا العلم؟ هل من الكتب والمدارس؟ سيدنا موسى عليه السلام طلب العلم في جبل الطور، فترك الخلقَ كلَّهم وأقبل على الخالق ذكرًا وتضرُّعًا وإقبالًا، وترك كل شيء إلا التوجه إليه، فأعطاه الله فوق كلِّ ما يُفكِّر ويُفكِّر الناس فيه، وسيدنا رسول الله ﷺ من أين طلب العلم؟ هل من الأزهر؟ هل من الكتب؟ بل من المغارة؛ من غار حراء، وهي لا تتَّسع إلا لرَجُلَين، فطالب العلم لا يُفلح إذا لم يذكر وإذا لم يجاهد النفس وإذا لم يرتبط بالمعلِّم المربي، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ)) 19 ، فهل النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “أحبوني” من أجل مصلحته؟ وإذا أحببنا الله عزَّ وجلَّ فهل لأجل مصلحة الله؟ والآن إذا أحبَّ شخص رئيس الدولة وقَبِله كمحبٍّ، فمن المنتفع المحبُّ أم المحبوب؟ والصغير إذا أحبَّ الكبير لمن يكون النفع؟ النفع يكون للمحبِّ الصغير من المحبوب الكبير.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] [الحضور يقولون: لبيك اللهم لبيك] ولماذا لا يُلبي الناس اليوم؟ معنى ذلك أنهم ليسوا من الذين آمنوا، إذا قلتُ: يا أستاذ صَفُوْح، هل يرد عليَّ الشيخ بشير؟ وإذا قلت: يا شيخ بشير، هل يرد علي: الأستاذ صَفُوح؟

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14]، إذا لا نردُّ فمعنى ذلك: نحن لسنا من الذين آمنوا، أليس كذلك؟ فإذا قلنا للمحامي عدنان القاري رضي الله عنه: يا أستاذ عدنان القاري، هل يرد علينا أبو الفضل؟ وإذا ناديتُ أبو الفضل هل يردّ غيره؟ فحين ينادينا الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] ولا نرد عليه فكأننا نقول له: يا ربي أنت مخطئ، فنحن لسنا من الذين آمنوا، نحن من الذين نافقوا، نحن من الذين جهلوا، نحن من الذين غفلوا وعصوا فنادِنا بحقائقنا.. نسأل الله أن يتوب علينا، واللهُ تعالى لا يخطئ وهو عالِم السِّرّ والنجوى.. واجتهدوا يا بني.. وقبل أن نموت نتمنى الرجوع لنصحِّح إيماننا: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا لا يوجد رجعة ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100] أعطيناك خمسين وستين وسبعين سنة ماذا فعلت بها؟

التحذير الربَّاني من عداوة الأقرباء

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] معنى ذلك أنه يوجد شيء هامٌّ يريد الله عزَّ وجلَّ أن يبلِّغنا به، قال سبحانه: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] “مِنْ” للتبعيض، يعني بعض أزواجكم وبعض أولادكم يكونون عدوًّا؛ الزوج للزوجة والزوجة للزوج، والابن أو البنت للأب وللأم.

﴿إِنَّ مِنْ يعني إن بعض ﴿أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] يجب أن تكون على يقظةٍ وحذر من غدره أو مكره أو مكرها أو أن يمكر بكِ، أو أن تمكر بكَ أو ابنك أو بنتك، ولم يقل: إن من آبائكم ومن أمهاتكم، لأن الأم لا تغدر ولا تعادي ولدها، والأب لا يغدر ولا يعادي ابنه، ولذلك لا يوجد آية في القرآن وصَّى الله بها الوالدين بالأولاد [لمعاملتهم بالحسنى]، بينما توصية الأولاد بالوالدين في كل القرآن.

﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14] كيف يجب أن تكون تجاه العدو؟ تكون متحفِّظًا وحذرًا ويقظًا، فانتبه من ابنك.

والعداوة تكون على قسمين

تارةً يُعاديك من أجل الدِّين، فيمنعك إذا أردتَ أن تفعل الخير أو تُنفِق في سبيل الله أو تجاهد، وبعض الصحابة أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة، فقالت له زوجته وأولاده: أين تتركنا؟ سنضيع بعدك، فخلَّفوه وأخَّروه عن الهجرة إلى العلم والحكمة والتزكية في شخص سيدنا رسول الله ﷺ.

وهناك عداوة دنيوية، فيعاديك على أمور الدنيا من مال أو جاه أو مدح أو ذم أو نصيحة، وقد قال الله تعالى: ﴿فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14] كن على يقظة، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((اُخْبُرْ تَقْلِهْ، ولا تَثِقْ بِالنَّاسِ إلَّا رُوَيْدًا)) 20 من الذي يُعلِّمنا؟ النبي ﷺ، وهذه حكمة.. يعني قبل أن تعطيه الثقة اختبره وافحصه حتى وإن كان ابنك أو أباك، وقلَّ أن نسمع أن أبًا اعتدى على ابنه، بل إنه يبذل جهده وماله وحياته وعقله وفكره ليجعل ابنه أحسن وأغنى الناس، لكن إذا كان عقله قليلًا أو نظره قاصرًا فإنه يفهم الأمور بعكسها، مثل الأَحْوَل الذي يرى الواحد اثنين.

يذكرون عن جحا أنه تزوَّج امرأة حولاء، وفي ليلة العرس قدَّم لها هديتها فقالت له: لم أحضرتَ هديتين؟ تكفي واحدة، ولما اشترى لها سوارًا، فقالت له: لماذا سوارين؟ واشترى لها سيارة، فقالت له: لماذا سيارتين؟ وأحضر لها بطيخة فقالت له: ليس هناك إلا أنا وأنت فلِمَ البطيختان؟ وفي يوم من الأيام دخل البيت فقالت له: يا عديم الشرف والنخوة، ألا تستحي من نفسك وقد أحضرتَ معك رجلًا آخر؟! فقال لها: شاهدي كلَّ شيء اثنين إلا أنا. [يضحك الشيخ ويضحك الحضور].

فالله تعالى ما وَصّى الوالدين بأولادهما، لكن وَصّى الأولاد بالآباء والأمهات، وفوق عدم التوصية بالأولاد حذَّر الآباء، أما الأزواج؛ الزوج والزوجة فكلاهما يجب أن يكونا على حذر.. ((اُخْبُرْ تَقْلِهْ))، وكلمة “تقله” هي أيضاً في قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3] ما هو القِلاء؟ البُغض، يعني إذا اختبرتَه فإنك بدل أن تحبه تنقلب محبتك له بغضًا وعداوة، لأنه ليس موضع ثقة وحسن الظن الذي ظننته فيه، [اُخْبُرْ تَقْلِه: اخبُر تبغِض]، ((ولا تَثِقْ بِالنَّاسِ إلَّا رُوَيْدًا)).

﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ [الإسراء:39] وأنتم الآن تتعلمون القرآن والحكمة، فإذا اشتغلتم بالذكر ومجاهدة النفس واستجبتم لِما تسمعون فبمشيئة الله نصير مسلمين بالمعنى القرآني والمعنى الحقيقي.

الله تعالى يأمرنا بالعفو والصفح والمغفرة

قال: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا [التغابن:14] العفو: أن لا تُعاقِب وأن لا تُقاصص، فإن كان يستحق “الفَلَقَة” [الفَلَقَة: عقوقة جسدية، وهي الضرب بالعصا على أسفل القدمين] فما ضربته فهذا اسمه العفو، ﴿وَتَصْفَحُوا ما هو الصفح؟ الصفح أن لا تُعاتِب ولا تُثَرِّب، كما حدث مع إخوة يوسف عليه السَّلام لَمَّا أتوا إلى يوسف وأقرُّوا بالذنب: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92] لن أعاتبكم، ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف:100]، فيوسف عليه السَّلام جعل الشيطانَ هو المسؤول، وهل يعني ذلك أنهم غير مسؤولين؟ لا، ولكن هذا من باب الصفح.. فعدم المعاتبة صفحٌ، وعدم المعاقبة والقصاص عفوٌ.

﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا [التغابن:14] ذكر “تعفوا”، و”تصفحوا” فهل لكلمة “تغفروا” معنى زائد؟ المغفرة: أن تستر عليه الذنب ولا تذكر له ذنبه وتخلق له عذرًا ليعتذر به إليك، كأن تقول له: “هذا من النسيان.. أنت لم تفعل هذا عن قصد، وأنا لا أعرفك إلا رجلًا محبًّا.. وكذا وكذا..”، يا سلام! ما أجمل تعاليم القرآن! فهذا إذا قرأناه على الأموات أو على روح أبينا ماذا يستفيد أبونا؟ إذا كان أبونا لم يقرأ القرآن وهو حي.. فإذا كان لم يأكل البقلاوة وهو حيٌّ فإن أخذنا له “صدْر بَقْلاوة” وهو ميت ودفناه بالبقلاوة هل يستفيد شيئًا؟ [الصّدْر: وعاء مثل الصينية الكبيرة، توضع به كمية كبيرة من الحلويات مثل البقلاوة]، الذي لم ينتفع من القرآن في حياته لا ينتفع به بعد موته، وإذا لم ينتفع الإنسان بعروسته وهو حيٌّ فهل ينتفع بها وهو ميت؟ وهل يأتيه أولاد منها؟ حتى ولو دفناها معه في القبر، كما كان الهنود القدامى يدفنون الزوجة حيةً مع زوجها إذا مات.

﴿وَإِنْ تَعْفُوا ما هو العفو؟ العفو يعني لا عقوبة، ﴿وَتَصْفَحُوا لا معاتبة ﴿وَتَغْفِرُوا لا تَذْكُر له ذنبه الذي فعله، وإساءته التي أساء بها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن:14] فالله هكذا يعاملكم، فكما تعاملون عباده يعاملكم، فكيف تحبُّون أن يعاملكم الله عزَّ وجلَّ؟ هل بالعقوبة وشَدِّ الأذنين والإذلال؟ فيجب عليك أن لا تُهين المخطئ ولا تعاتبه، سواءٌ امرأتك أو ابنك أو غلامك أو خادمك أو أجيرك أو رفيقك، وهذا فقه القرآن، وهذا: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:129] وما تسمعونه الآن هو تعليم بالأقوال، والتعليم يجب أن يكون بالأحوال وبالقلب والصدق والإخلاص وبالأعمال.

قصة أبي حنيفة وجاره المجوسي

يذكرون أن أبا حنيفة رحمه الله رغم مقامه العظيم العلميِّ كان يشتغل بالتجارة، وكان من تلامذة سيدنا جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وعن كل أهل بيت سيدنا رسول الله ﷺ صغارًا وكبارًا وإلى يوم القيامة وعن أحبابهم وأنصارهم.

ومرة استدان مجوسيٌّ من أبي حنيفة رحمه الله دَينًا أو أخذ منه بضاعة بالدَّين، فذهب في وقت الأداء إلى بيته، وأمام بيته وطئ برجله على نجاسةٍ، فتلوَّث نعل أبي حنيفة، فنفض النجاسة فعلقتْ بجدار المجوسيِّ، فصار أبو حنيفة يفكر: أنا لوَّثت جدار هذا المجوسيِّ ونجَّست له جداره، ويجب عليَّ أن أُزيل هذه النجاسة، ثم فكر أنه إن أزال هذه النجاسة بالحكّ ربما يسقط شيءٌ من تراب حائطه، فنسي دَينه ولأي شيء أتى، وانشغل بشيءٍ من أمر الله.. فالمؤمن كلُّه سلامٌ لكل مخلوقات الله، فطرق الباب وخرج المجوسيُّ وظن أنه أتى يطالبه بدَينه فقال له: أنا جاهز لأدفع دَينك، فقال له أبو حنيفة: لا أريدك الآن من أجل الدِّين، ولكن لأمر آخر.. فشرح له عن النجاسة وكيف نفض الحذاء، وقال: أردت إزالة النجاسة، لكنني خفت أن يُزال قليل من التراب من الحائط، فأتسبب بأذية جدارك، وإن أبقيتُها فلا يحقُّ لي أن أنجِّس لك جدارك، فماذا تأمرني لأفعل؟ إن شئتَ أنزع النجاسة عن الجدار أو تبقى على حالها؟ فقال له المجوسي: أنت يا أبا حنيفة تطرق الباب من أجل هذا؟ لقد ظننتك جئتَ لأجل الدَّين، قال له: أنا جئتُ لأجل الدَّين، ولكنني نسيت الدَّين وفَكَّرتُ بالدِّين، قال: أهكذا الإسلام؟ قال له: نعم هذا هو الإسلام، فقال: إذا كان هذا هو الإسلام فأنا أشهد أن لا إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.

الدعوة إلى الله بالأعمال

هذه هي الدعوة إلى الله وإلى الإسلام بالأعمال والسلوك والمعاملة، وإذا كانت مع ذكر الله فتتكلم حينها بروح الله وبروح قدسه، ويصير كلامك روحاً تدخل في القلوب فتستنير بعد ظُلمَتها، وتلين بعد قسوتها، وتمتلئ بالعلم والحكمة بعد جهلها وجاهليَّتها.. فنسأل الله عز وجل أن يوفِّقنا لنكون أهلًا للنداء.. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14] والعدوُّ إذا كان عدوًا عليك أن تستعمل معه: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ألم يأمرنا القرآن بالمعاملة مع العدو هكذا؟ ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] فإذا لم يَصِرْ صديقَك يصير كأنه وليٌّ حميم، وتكون هذه العلاقة نابعة من صميم قلبه، فنحن حين نقرأ هذه الآيات هل نفهمها؟ وإذا فهمناها هل نستطيع أن نعامل أعداءنا هكذا؟ وإذا عاملنا أعداءنا هكذا وفقاً لتعاليم الله هل نكون بتعاليم الله رابحين أم خاسرين؟ وهل نكون مغشوشين أم منصوحين؟ هل الله يغشُّ؟ وهل تعاليمه غير صحيحة؟ هل أنت مستعد أن تذهب إلى عدوك وتقول له: سمعتُ في الدرس كذا وكذا، أو سمعتُ الله يقول: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا [التغابن:14] مع أن الحقَّ معك وعليه.. لأن في العفو مَن هو العافي؟ هل المُحِق أم المحقوق؟ هل الظالم أم المظلوم؟ ﴿وَإِنْ تَعْفُوا [التغابن:14] فهل قَبِلتم هذه حتى أقول لكم التي بعدها؟ إنّ المطلوب منا تجاه العدو ثلاثة أشياء: عفوٌ وصفحٌ ومغفرة، وهل هذا في المذهب الشافعيّ أو الحنفيّ؟ هل هذا السُنِّيّ أو الشيعيّ؟ السلفيّ أو الصوفيّ؟ هذا هو الإسلام، ومتى سنتخلص من هذه الألقاب؟ هل هناك مسلمٌ على وجه الأرض يُقال له: مسلم، وهو يبغض أهل بيت رسول الله ﷺ من زمن رسول الله ﷺ إلى يوم القيامة؟ هل يمكن لمسلم إذا أحبَّ سيدنا عليًا إلا أن يحب أحبابه وأنصاره وجنوده؟

أُحِبُّ لِحُبِّها السُّودَانَ حتَّى حَبَبتُ لِحُبِّها سُودَ الكِلابِ

الإيمان يحتاج إلى قلب ذاكر

وهذه تحتاج إلى ذكرٍ، لأن الله عزَّ وجلَّ هكذا علَّمنا حتى نستطيع أن نهضم القرآن ونَتَمَثَّله أخلاقًا وأعمالًا وسلوكًا فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] ما هو القلب؟

قُلوبٌ إذا مِنهُ خَلَتْ فَنُفُوسُ لِأَحرُفِ وَسواسِ اللَّعِينِ طُرُوْسُ

“قُلوبٌ إذا مِنهُ خَلَتْ”: إذا خلت من خشية الله ومن ذكر الله ومن محبة الله.. “طُرُوْس”: يعني تصير القلوب دفاتر ليطبع الشيطان فيها كلماته ودروسه، حتى تصير تلميذه النجيب.

وإنْ مُلِئَتْ مِنهُ وَمِنْ نُورِ ذِكرِه فَتِلكَ بُدُورٌ أَشرَقَتْ وَشُمُوسُ

“وإنْ مُلِئَتْ مِنهُ”: إذا ملئت من جلال الله وخشية الله ومحبة الله وذكره، “فتلك بدورٌ أشرقت وشموس”، ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ [النور:35] “مثل نوره”: يعني في قلب عبده المؤمن.. وكان بعض العارفين بالله يقول

كانَ لي قَلبٌ أَعِيشُ بِهِ ضَاعَ مِنِّي في تَقَلُّبِهِ

“كان لي قلبٌ”: معنى “كان” يعني كنتُ وزيرًا والآن أَنْدَبُوْرِيًّا [الأَنْدَبُوْرِي: الصعلوك الذي لا مال له ولا جاه] يعني ذهبَت الوزارةُ وذهب الشبابُ، وكنتُ ثريًّا والآن لست بثريٍّ.. “كان لي قلبٌ أعيش به”: قلبٌ مع الله ومع ذكر الله ومع السعادة التي لا توجد إلا في مجالسة الله.

كانَ لي قَلبٌ أَعِيشُ بِهِ ضَاعَ مِنِّي في تَقَلُّبِهِ

((القلبُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحمنِ)) 21 لذلك: “لا تصحبْ منْ لا يُنْهِضُكَ حالُه، ولا يَدُلُّكَ على الله مَقَالُهُ” 22 فالصاحب يُؤَثِّر في الإنسان أكثر من تأثير الطعام في جسد الإنسان.

كانَ لي قَلبٌ أَعِيشُ بِهِ ضَاعَ مِنِّي في تَقَلُّبِهِ رَبِّ فَاردُدْهُ عَلَيَّ فَقَدْ عِيْلَ صَبِري في تَطَلُّبِهِ وَأَغِثْ مَا دامَ بِي رَمَقٌ يَا خِيارَ المستَغاثِ بِهِ

اللهم هب لنا قلوبًا ذاكرة، وبعلمك وحكمتك عامرة، وبنور وجهك مضيئة مستنيرة، واجعلنا اللهم هادين مهدين، وردَّنا والمسلمين جميعًا إلى صراطك المستقيم ردًّا جميلًا، ووفِّق رؤساءنا وحكَّامنا وملوكنا لطاعتك وطاعة رسولك، ووفِّق رئيسنا لِمَا فيه خير هذه الأمة في دِينها ودنياها، واغفر اللهم لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

أحد إخوانكم المحبين الغالين عليَّ “الدكتور مصطفى عرفة” توفِّيت أمه، وقد جاء بها من أمريكا، نشاركها بالتهليلة على نيتها إن شاء الله، وشابٌّ عمره عشرون سنة أيضًا توفي، وأيضًا نشاركه بالتهليلة، ولكل أحبابكم.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (31058)، الإِيْمَانِ لأبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رقم: (69)، عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ لِرَجُلٍ: "لَوْ قُطِعْتُ أَعْضَاءَ مَا بَلَغْتُ الإِيْمَانَ -أَوْ كما قَالَ-"، وفي رواية أخرى في مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30419)، قَالَ سَلْمَانُ لِرَجُلٍ: «لَوْ قَطَعْتُ أَعَصَبِي مَا بَلَغْتُ الْإِيمَانَ».
  2. صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا، رقم: (2750)ـ، (4/2106)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (19068)، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)).
  3. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7447)، (6/43)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، (6/65)، مسند البزار، رقم: (6948)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)).
  4. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (15667)، (3/439)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (432)، (20/193)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ)).
  5. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (4485)، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، رقم: (130)، ص: (156)، عن حَارِثَة بن وهب: ((قَالَ الله عز وَجل لَيْسَ كل مصلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصر على معصيتي وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كل ذَلِك لي)).
  6. مسند البزار، رقم: (4107)، (10/45)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27530)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، بلفظ: ((لاَ يَبْلُغُ عَبد حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)).
  7. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/ 2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  8. صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، رقم: (2999)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18959)، عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)).
  9. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (4485)، (3/179)، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، رقم: (130)، ص: (156)، عن حَارِثَة بن وهب: ((قَالَ الله عز وَجل لَيْسَ كل مصلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصر على معصيتي وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كل ذَلِك لي)).
  10. سنن ابن ماجه، كتاب الحدود، باب المخنَّثين، رقم: (2613)، (2/871)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7342)، (8/51)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (7760)، عَنْ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ رضي الله عنه، بلفظ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ قُرَّةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ، فَمَا أُرَانِي أُرْزَقُ إِلَّا مِنْ دُفِّي بِكَفِّي، فَأْذَنْ لِي فِي الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ فَاحِشَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا آذَنُ لَكَ، وَلَا كَرَامَةَ، وَلَا نُعْمَةَ عَيْنٍ، كَذَبْتَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لَقَدْ رَزَقَكَ اللَّهُ طَيِّبًا حَلَالًا، فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مِنْ حَلَالِهِ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَفَعَلْتُ بِكَ وَفَعَلْتُ، قُمْ عَنِّي، وَتُبْ إِلَى اللَّهِ، أَمَا إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ بَعْدَ التَّقْدِمَةِ إِلَيْكَ، ضَرَبْتُكَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَحَلَقْتُ رَأْسَكَ مُثْلَةً، وَنَفَيْتُكَ مِنْ أَهْلِكَ، وَأَحْلَلْتُ سَلَبَكَ نُهْبَةً لِفِتْيَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».
  11. سبق تخريجه.
  12. بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية (4/ 1018)، ولَمَّا مَاتَ العَبَّاسُ: وَجَاءَ النَّاسُ؛ لِتَعْزِيَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبَّاسِ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ مُوَاسِيًا عَبْدَ اللهِ: اصْبِرْ نَكُنْ بِكَ صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ بَعدَ صَبْرِ الرَّاسِ خَيْرٌ مِنَ العَبَّاسِ صَبْرُكَ بَعْدَهُ وَاللهُ خَيْرٌ مِنْكَ لِلعَبَّاسِ فَقَالَ ابنُ العَبَّاسِ رضي الله عنهما: لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ عَزَاءً قَط.
  13. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27640)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (24)، (5/180)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ».
  14. صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، رقم (918)، (2/631)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (26677)، بلفظ: ((عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ فَقُلْتُ إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَالَ أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ)).
  15. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (277)، (1/187)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (384)، المتفق والمفترق للخطيب البغدادي، رقم: (367)، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي، رقم: (237)، (1/150)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ».
  16. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص، رقم: (3232)، سنن النسائي، كتاب التفسير، سورة الصافات، رقم: (11436)، بلفظ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ، وَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ قَالَ: وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: «إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ»، قَالَ: كَلِمَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: «كَلِمَةً وَاحِدَةً» قَالَ: " يَا عَمِّ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " فَقَالُوا: إِلَهًا وَاحِدًا مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ، قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِمُ القُرْآنُ: ﴿ص وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص:2] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص:7].
  17. تخريج الإحياء للعراقي عن شداد بن أوس (3/338) بلفظ: "أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية التي هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء"، وقال: أخرجه ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء عن أبي بكر بلفظ: "من دبيب النمل على الصفا"، وقال: إسناده ضعيف.
  18. متفق عليه، الحديث بطوله ذكره البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل ﴿وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾، رقم: (4156)، (4/1603)، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: (2769)، (4/2120)، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ،))، ((حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ...))
  19. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم: (15)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والنَّاس أجمعين..، رقم: (44)، (1/67)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، وفي تعظيم قدر الصَّلاة للمروزي، رقم: (469)، (1/452)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا يَطْعَمُ أَحَدُكُمْ طَعْمَ الْإِيمَانِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، وَمِنَ النَّاس أَجْمَعِينَ)).
  20. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (636)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1154)، (1/ 430)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، بلفظ: «اُخْبُرْ تَقْلِهْ، وَثِقْ بِالنَّاسِ رُوَيْدًا».
  21. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
  22. حكم الأيام، من حكم عطاء الله السكندري، ص: (31)، بلفظ: " لا تصحب من لا يُنْهِضُكَ حاله، ولا يَدُلُّكَ على الله مَقَالُهُ".
WhatsApp