تاريخ الدرس: 1993/06/04

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:31:34

سورة التغابن، الآيات: 5-9 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلِّم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء، المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه المجاهدين المناضلين، ومن تَبِعَهُم وأحبَّهم وَوَالاهم إلى يوم الدِّين، وبعد:

التهديد الإلهي للكفار

نحن الآن في تفسير بعض آيات من سورة التغابن.. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم [التغابن:5] يقول الله سبحانه ذلك مخاطباً أصحاب رسول الله ﷺ والعرب كافة، وهذا الخطاب أيضاً موجهٌ لكلّ الناس مسلمهم وكافرهم، ويتوجَّه هذا الخطاب الإلهي بصورةٍ خاصَّة للمسلمين، وذلك بحسب ما هم عليه من تقصيرٍ في إسلامهم وإيمانهم واستجابتهم لكتاب ربهم.

فيقول الله تعالى مخاطباً -أولاً- قريشاً لما أعرضوا عن الاستجابة لرسالة الله إلى نبيه ﷺ: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن:5] كقوم نوحٍ وثمود قوم صالح، وقوم هودٍ الذين هم قوم عاد، وفرعون وكلّ الأقوام الذين كفروا بأنبيائهم ورسالاتهم، وكيف كان مصيرهم في الدنيا تجاه تمرُّدهم على أوامر الله، وكيف كانت عاقبتهم، وكيف أغرق الله قوم نوحٍ بالطوفان، وكيف أهلك الله فرعون وجنوده في بحر القَلْزَم [البحر الأحمر]، وكيف أهلك الله النمرود، وكيف أهلك الله ثمود قوم صالح، وصولاً إلى كلّ الأقوام الذين كفروا برسالات الله.. فهذا كان تهديداً لكفَّار قريش ولكفار العرب، ووعيداً من الله عزَّ وجلَّ إذا هم استمروا على عنادهم وإعراضهم أن يصيبهم ما أصاب الكفرة قبلهم.

﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ألم تأتكم هذه الأنباء؟ نعم أتتنا ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أي من قبلكم ﴿فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ [التغابن:5] فذاقوا جزاء كفرهم وعقوبة تمرُّدهم على أوامر الله وإعراضهم عن تقبُّل رسالة الله، وأنتم أيضاً -الخطاب موجَّه لكفَّار قريش- إذا كفرتم كما كفروا وأعرضتم عن الله ورسوله كما أعرضوا، ستذوقون وبال كفركم كما ذاقوا وبال كفرهم.

هذا الخطاب والتهديد الإلهي أصغى إليه كفار قريش في نهاية الأمر، فصار منهم ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [التوبة:100] ودخلت قبائل العرب كلّها في الإسلام، وانقلبت جزيرة العرب تحت هذا الإنذار الإلهي والنداءات الإلهية إلى جامعٍ وجامعة؛ جامعٍ جمع قلوبهم على الله وعلى كتاب الله، وجامعة أصبحوا من خلالها ((عُلَمَاءُ فقهاء حُكَمَاءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 1 ، ثم قاموا نيابةً عن سيدنا رسول الله ﷺ ليبلِّغوا رسالة الله عزَّ وجلَّ حتى أوصلوها إلى حدود الصين واخترقوا سورها، وأوصلوها إلى حدود فرنسا، مشياً على أقدامهم وعلى حدود السيوف، وصدموا صدورهم برؤوس الرماح وكتبوا إيمانهم بدمائهم، كما قال نابليون: “جعلوا من نصف العالم القديم أمةً واحدة ودولةً واحدة” ثقافتها القرآن المفسَّر بأعمال وأقوال وسنة سيدنا رسول الله ﷺ.

المسلمون بلا إسلام

والكثير الآن من المسلمين في عصرنا والذين لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه، رفضوا الكثير من الإسلام، فمنهم من يصلي ولا يزكي، ومنهم من يرتكب الكبائر والصغائر، ومنهم من يرتدُّ عن دينه ويعتنق عقائد خارجةً عن الإسلام ومعاديةً له.

فهذا الخطاب موجهٌ لكلّ إنسانٍ أعرض أو كفر بالإسلام كُلّياً أو جزئياً، كقول النّبي عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ)) 2 ، وكقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران:97] أي الذي لم يحجّ مع استطاعته على ذلك، فسمَّى المقصِّر بالحجّ مع الاستطاعة كافراً؛ ليس الكفر الكلّي ولكنَّه كفر بالحجّ، والمتَمَرِّد على أمر الله بالحجّ كالمتمرِّد على أمر الله في الصلاة وكالمتمرد على أمر الله في أداء الزّكاة وفي أي فريضة من فرائض الله عزَّ وجلَّ.

فهذا الخطاب لا يزال حيّاً وكأنَّه نزل الآن من السّماء، وذلك تبليغاً لكلّ من بلغته الدّعوة وكفر بها كلَّياً أو جزئياً، فيخاطب اللهُ بقوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن:5] ما هو النبأ؟ هو نبأ إهلاكهم وتذليلهم وتسلُّط العدوِّ عليهم وضَرْبِ الله لهم بالذِّلة وهي تسلُّط العدو، وبالمسكنة التي هي الفقر: ﴿وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِۗ [البقرة:61] لا لأن اسمهم يهود، فالله تعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فمن اليهود الذين كانوا في عهد موسى عليه السلام من آمن به، ومن النصارى من آمن بعيسى عليه السلام ورسالته.. ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62].

قال تعالى عن اليهود الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [البقرة:61].. فلو اختبرنا المسلمين اليوم فكم آيةً من كتاب الله آمنوا بها؟ وكم آيةً من كتاب الله أعرضوا عنها إهمالاً وإعراضاً ولا مبالاة؟ كم وكم وكم؟

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] معنى ذلك بعضهم أنصار بعض وأحباب بعض، والمؤمن للمؤمن كالجدار المرصوص ((المؤمن أَخُو المؤمن لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ)) 3 فهل الدول الإسلامية بعضها أولياء بعض؟ وهل موقف الدول الإسلامية في ما جرى في البوسنة والهرسك بعضهم أولياء بعض مع هؤلاء المسلمين؟ وفي الهند وفي فلسطين وفي كشمير وفي بلدانٍ متعددة؟

وهل يستجيب المسلمون إلى النداء عندما يؤذِّن المؤذِّن؟ ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ بالجماعة، ولو علموا مَا فِيهِمَا من الخير لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ زحفاً)) 4 .

ومرَّة قال ﷺ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثم أُوقِد فيه النار، ثم أعمد إلى أقوام يتخلَّفون عن صلاة الجماعة فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ)) 5 فأين هي الأخلاق الإسلامية في مجتمعنا؟ وأيننا من قول النّبي عليه الصلاة والسلام: ((مَا آمَنَ بِي ساعةً مِن نهار مَن أمسى شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ)) 6 .

الصناعة الحربية والمدنية والزراعية من الفقه الإسلامي

وأين نحن وقد رأى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم قوساً أعجميةً في يد أحد أصحابه، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((ارمها))، فهل يُرمى السلاح ويُزهَد فيه؟ قال له: ((ارمها، وعليكم بالأقواس العربية)) 7 يريد من ذلك أن تصنعوا أسلحتكم بأيديكم، وألَّا تأخذوا السلاح من عدوكم فتكونوا فقراء إليه، فإذا منعها عنكم صرتم غنيمةً لهم وضحايا بين أيديهم.

وأينَنَا نحن من قول الله عزَّ وجلَّ في حق سيدنا داود؟ ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وهي الدروع التي تستر كلّ ما يجب ستره من جسد المحارب، ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:10-11] ولتكن حلقات هذا الدرع ضيّقة حتّى لا تنفذ إليها الرماح أو السهام.. وهذا يعني: اصنعوا الصناعة الحربية المُتْقَنَة.

وبعدها قال في آية أخرى عن سليمان عليه السلام: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ:12] فداوود عليه السلام يصهر الحديد ويصنع منه الدروع ليستخدمه في الصناعات الحربية، أمَّا سليمان عليه السلام يستخرج النحاس ويصهره ويستعمله في الصناعات المدنية.

وفي آية أخرى بعدها قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ [سبأ:15] وهذه تختصُّ في الزراعة، هذه ثلاث آيات؛ جاءت الآية الأولى في الصناعة الحربية والثانية في الصناعة المدنية والثالثة في الصناعة الزراعية.

الفقه القرآني الحقيقي يحقق الرفاهية

فهل فقهنا القرآن بحسب عناوينه وصريح ومنطوق آياته؟ وهل عمل المسلمون بهذه الآيات؟ ولو أنَّهم عملوا بها فهل نحتاج إلى استيراد الأسلحة واستيراد الصناعة المدنية من الشرق أو من الغرب؟ ثم إنَّ الله قد جعل اسم السورة وعنوانها “سبأ” مع أنَّ داوود عليه السلام نبيٌّ وهو أفضل من سبأ، فلماذا لم يكن عنوان السورة داوود وسليمان؟ أليس هذا تفقيهاً من القرآن للمسلمين بأن يكونوا أمّةً صناعيةً بأنواع الصناعة الحربية والمدنية والزراعية؟ وعندئذٍ لا نحتاج أن نستورد غذاءنا من أعدائنا.

أمَا قال ﷺ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) 8 فهل تعلَّمنا القرآن على مقتضى آياته؟ وهل علَّمْنا معاني الآيات على مقتضى مفهومها ومنطوقها؟ وهل استجبنا لتلك الآيات أم لم نستجب؟ ولا أريد أن أقول: كفرنا.. [“لا أريد أن أقول: كفرنا” لأن هذه الكلمة ثقيلة على المستمعين وعظيمة، لذلك يخففها سماحة الشيخ بكلمة “استجبنا”] لكن عدم الاستجابة للآيات كعدم الاستجابة للحج أو عدم الاستجابة للصلاة، والنّبي عليه الصلاة والسلام قال: ((مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ)) 9 .. فالّلوم على المشايخ لأنَّهم ما هكذا فَهِموا وفهَّموا، واليوم صار عندنا هذا الفقه، ولكنّنا مازلنا في حروفه الهجائية.

فالنّبي عليه الصلاة والسلام قال لمن كان بيده قوسٌ أعجمية أي مصنوعة عند غير المسلمين: ((ارمها، وعليكم بالأقواس العربية)) فيجب ألّا نفهم بأنّ الكفر هو مجرد عبادة صنم أو وثن أو إنسان، بل علينا أنْ نفهم معنى الإيمان والكفر في كلّ آيةٍ من آيات القرآن، وفي كلّ جملةٍ من جمل القرآن.

﴿الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] هل تجد الأرحام بعضهم أولياء بعض؟ وهل الكثير من المتدينين بعضهم أولياء بعض؟ وهل الشعوب والأمم والدول الإسلامية بعضُهم أولياء بعض؟ وهل هذا يا ترى إيمان أم غير إيمان؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإيمان بكتابه.

فالإيمان بالقرآن لا يكون إلّا بالعلم به وبمقاصده لنتمثَّلها وتنعكس فينا أعمالاً وسلوكاً وقوةً ومجداً وحكمةً، حتّى نكون خير أمةٍ كما كان سلفنا الصالح ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110].. وهل المسلمون اليوم خير أمَّة في قوتها وفي علومها وفي تقدمها وفي أمجادها؟ فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الفقه في الدين: ((مَن يُرِد الله بِهِ خيرًا يُفقِّهُهُ في الدّين)) 10 .

وإن أعرضنا عن علوم القرآن والتَّفقه به بالفقه الذي أراده الله عزَّ وجلَّ عندها يهدِّدُنا الله تعالى بقوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن:5] فيجب أن نجيب الله تعالى بالقول: نعم أتانا.. وهل فهمتم لم ذكرتُ لكم أخبار الأمم الهالكة قبلكم؟ فالإجابة: نعم يا رب، لنتعظ ولا نعمل كأعمالهم ولا نُعرض كإعراضهم ولا نكفر ككفرهم حتى لا نذوق وبال أمرنا.

وهل يتناسب واقع المسلمين الحاضر -وعلى كلّ المستويات- مع مدلول هذه الآية القرآنية؟ وهل واقع المسلمين: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]؟ والمفروض في المسلم أن يؤمن بكلّ كتب الله، فهل يا تُرى آمنتَ بآية واحدة؟

((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي، ولكنَّ الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 11 والنّبي عليه الصلاة والسلام يُفَسِّر هذه الآية بقوله: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كالْجَسَدِ الواحد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى)) يعني تنادى ((لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) 12 .

هل يتألم المسلمون لما يقع لإخوانهم المسلمين في أي بقعةٍ من بقاع الأرض؟ إن كنَّا كذلك فهذا هو الإيمان، أمَّا إن كان إيماننا كالذين ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] إذاً يَنْزِل علينا وبالُ أمرِنا ونحن لا نحس ولا نشعر ولا ندري، كالحيوان الذي يُضرب وهو لا يدري لماذا ضُرِب.. وهذا القصور سببه نحن المشايخ، لأنَّنا قَصَرْنا الفقه على أمور محددة من الشريعة المطهَّرة، أما الفقه فهو ما كان بين دفتي القرآن وهو فقه الآخرة وفقه: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وفقه: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن:5].

ولما كفروا هل تركهم الله بلا عقاب أو قصاص؟ بل قال: ﴿فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ [التغابن:5] ولم يقل: “جزاهم الله على حسب كفرهم”، بل قال: “ذاقوا”، كمن يذوق الأكل من الوعاء برأس أصبعه دون أن يأكل الطعام حتى الشبع؛ أمَّا عن العقاب الحقيقي في الدار الآخرة فقال: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التغابن:5] فهناك يكون العذاب كاملاً ولا يكون ذوقاً.. وهذه الآية وحدها لو أنَّ المسلم والمسلمة آمنوا بها إيماناً قلبياً ينعكس في الأعمال والأخلاق بمقتضى هذا الخطاب الإلهي، فإنَّ هذه الآية وحدها تكفي المسلمين.

ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُحيي قلوبنا بالقرآن، لأن القرآن لا يتمثَّل أعمالًا إلا لمن له قلب، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

شُغِلَ المسلمون ببسائط الأمور وأعطوها كلّ جهودهم، أمَّا عظائم الأمور فقد أهملوها وكأنَّهم غير مكلَّفين بها.. فنسأل الله أن يرُدَّنا من الجهل إلى العلم ومن الغفلة إلى الذكر ومن الغباء إلى الفهم والعقل والحكمة.

عذاب الله للمتكبرين الذين عميت عقولهم عن التفكير

فلماذا عذَّبهم الله في الدنيا بالغرق وبالطوفان، وبصواعق السماء وبزلازل الأرض، وبالرجم من السماء كقوم لوط؟ ﴿ذَلِكَ أي هذا العذاب في الدنيا، ومع ما ينتظرهم من عذاب الآخرة ﴿بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [التغابن:6] بالرسالات الواضحة المنطقية المقنعة والظاهرةِ حقيقتُها كظهور الشمس في رابعة النهار.. وكيف قابلوا هذه الرّسالات السماوية الرَّبانية الواضحة البيِّنة؟ قال: قابلوها كما قال تعالى: ﴿فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا [التغابن:6] فهم لم يتفكَّروا في الرّسالة، بل تفكَّروا في شخص الرّسول، وقالوا إنَّما أنت رجل مثلنا، فلمَ تفضِّل نفسك عنا بأنَّك نبي ورسول وإلى ما هنالك؟ ولم يتفكَّروا في رسالته، بل حادوا عن ندائه وعن حكمته إلى أمر خارجٍ عن الموضوع، فهل يرسل الله عزو وجل سيدنا عزرائيل إذا أراد أن يبلِّغ النَّاس رسالته أم يرسل إليهم أنبياء ومرسلين؟ فنسأل الله أن يحمينا من الشقاء والخذلان.

ثم استبعدوا أن يكون النّبي بشراً ولم يستبعدوا أن يكون إلههم حجراً؟ فكفروا برسالات الله وتولوا عن أنبياء الله، فأهلكهم الله عزَّ وجلَّ ﴿وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد [التغابن:6] والله غنيٌ عن عبادتهم وصلاتهم واستجابتهم، وهو حميدٌ فلا يحتاج لحمدهم ولا لثنائهم، فيحمده من في السماوات والأرض ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ [النور:41].

واجب التعلُّم والتعليم

فهذه واحدة، وهي الإعراض عن رسالات الأنبياء، فهل المسلمون اليوم معرضون عن الرَّسالة النبوية؟ وعن رسالة الله وهي القرآن؟ وهل نقرأ القرآن الآن لنفهمه ثمَّ لنعمل به، ثمَّ لنعلِّمه للآخرين بحسب مفهوم ومنطوق كلمات القرآن؟ والنّبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) 13 ، وَلَوْ آيَةً واحدة! فقد كان عليه الصلاة والسلام يُكَفِّل كلّ إنسانٍ تعلَّم بإنسانٍ غير متعلِّم، ويُكَفِّل كلّ إنسانٍ عالمٍ بتعليم إنسانٍ جاهلٍ.

وذات مرةٍ صعد المنبر فقال: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يُعَلِّمُونَ جِيرَانَهُمْ ولَا يُفَقِّهُونَهُمْ وَلَا يَفَطَّنُونَهم، وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ)) يعني بالمعروف ((وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عن المنكر؟)) فالآن وقد أتيتم إلى الجامع، فعليكم أولاً أن تطبِّقوا كلَّ الذي تعلَّمتموه، ثم يجب أن تعلِّموه لجيرانكم.. وهذا كلام النّبي عليه الصلاة والسلام وليس كلامي.

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ في الدرجة الأولى ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] فالمسلمون اليوم سواءٌ منهم المتديِّنون وغير المتديِّنين والسياسيّون وغير السياسيين، والعوائل، فهل هم يا ترى بعضهم أولياء بعض؟ فلو كان المسلمون كذلك؛ إذاً لماذا هم خمسون دولة؟

وكان عليه الصلاة والسلام يقول: ((إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فاضربوا وجه أحدهما بالسَّيف)) 14 هذا حكمٌ سياسيٌ وإسلاميٌّ رباني، فأين نحن من تطبيق هذه الأحكام؟ وقد كان المسجد يخرِّج الخلفاء والحكماء والقادة، فأين المسجد اليوم من انتاجه السابق، ومن صناعته التي صنع فيها من صنعوا التاريخ والأمجاد؟

فإن عدنا إلى هدي رسول الله ﷺ ومدرسته، عندها يصير المسجد كما ينبغي له أن يكون.. ومن أين تخَّرج صلاح الدين؟ هل تخَّرج من لندن أم من باريس أم من واشنطن أم من موسكو؟ بل إنَّه تخرَّج من المسجد، فهزم الصليبين -معنى ذلك أنَّه هزم أوروبا- ولم يكن عربياً بل كان كردياً، وهل كان قطز الذي هزم التتار في عين جالوت عربياً؟ لا، بل كان تركياً، ولكنَّ الإسلام لا يوجد فيه تركيٌّ وعربي: ((لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أعَجَمِيٍّ وَلَا لأبيض عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)) 15 التفضيل فقط بالعلم والعمل.

ثم قال: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يَتَفَقَّهُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ؟!)) إن كان عندك جارك ولديه من العلم والتقوى ثم قصَّر معك، فعليك أنت الذهاب إليه وأن تدُقَّ بابه، وتسأله أن يعلِّمك ممَّا عَلِم وتعلَّم، فهل يفعل المسلمون هذا؟ وهل يفتِّش المتعلِّم عن الجاهل وهل يفتش الجاهل عن العالم؟.. الناس مازالوا بخير، وقد زرت الكثير من بلدان العالم فما رأيت إنساناً لا خير فيه، ولكن يجب أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيِّئها إلا أنت.

((وَمَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ وَلَا يَتَفَقَّهُونَ، وَلَا يَتَفَطَّنُونَ)) والفطنة هي ضد الغباء، فهل المسلمون لديهم الفطنة في كيفية النهوض بأممهم وشعوبهم ووحدتهم وقوتهم واقتصادهم وعقولهم؟

والفطنة هي العقل: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] والحكمة هي العقل الناضج الذي يتصوَّر الأشياء بحقيقتها، ثم ينفِّذُها كما هي عليه في الحقيقة، وحينها يكون النتاج صواباً وخيراً وبركةً.

ثم قال: ((لَيُعَلِّمَنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ)) ثمَّ كرر الكلام عليه الصلاة والسلام مرةً أخرى على منبره الشريف: ((وليُفقِّهُنَّهم وليُفَطِّنُنَّهُم وليَأمُرُنَّهُم وليَنْهَونَّهُم، وليَتَعَلَّمُنَّ قومٌ من جيرانهم وليتفَقَّهنَ وليتفَطَّنَّ أَوْ لَأُعَاجِلَنَّهُمُ الْعُقُوبَةَ في الدنيا)) 16 معنى ذلك أنَّ التعليم إجباريٌّ؛ فلمَّا فتح المسلمون البلاد كان ذلك ليجعلوا تعليم الشعوب إجبارياً، ولذلك تجد كبار علماء الإسلام ليسوا من العرب، كالإمام البخاري وهو أعظم محدِّث، فهو من “بخارى”، والإمام مسلم من “نيسابور” في إيران، وابن ماجه من “قزوين” في إيران أيضاً.

والشاهد من ذلك هو أنَّ الفتح الإسلاميَّ قد جعل من شعوب العالم أرقى شعوبها علماً وثقافةً وأخلاقاً وسلوكاً وحكمةً، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((إِلَّا بِالتَّقْوَى)).

ثم نزل عن المنبر، فقال الأشعريون: إنما عنانا النّبي عليه الصلاة والسلام في خطبته ولم يقصد غيرنا، فقالوا: يا رسول الله ﷺ: “لقد عنيتنا بكلامك، أَفَبِطَيْرِ غيرنا؟” أي أنَّ جيراننا لا يريدون أن يتعلَّموا فكيف نذهب نحن إليهم؟

فما قبل النّبي عليه الصلاة والسلام عذرهم وأمرهم بالذهاب إليهم، لأنَّ المعلِّم العالِم يجب أن يذهب هو إلى الجاهل: ((لَيُعَلِّمَنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ، وَلْيَتَعَلَّمَنَّ قَوْمٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ، أَوْ لَأُعَاجِلَنَّهُمُ الْعُقُوبَةَ)).

فلما رأوا بأن الأمر حازم ولا يوجد فيه استئناف، سألوا النَّبي عليه الصلاة والسلام أن يمهلهم سنةً فأمهلهم، حتى انقلب ذلك المجتمع إلى مجتمع العلم والمعرفة.. وكان العلم في زمنهم هو ما يثمر العمل والأخلاق والفضائل.. فنسأل الله أن يجعلنا مسلمي القرآن، وأن يرزقنا الرجوع إلى صراط الله المستقيم.

البعث بعد الموت والحساب على الأعمال

ثمَّ انتقل الله إلى موضوعٍ آخر بعد هذا التهديد، وهذا الإيقاظ للنفوس الغافلة أو النفوس المعرضة عن سماع هذا التهديد، فقال تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا زعموا بأنه لا يوجد قيامة ولا آخرة ولا حساب ولا عقاب ولا ثواب، ﴿قُلْ أجبهم: ﴿بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن:7] سيعيدنا الله بعد الموت إلى الحياة مرةً أخرى، في أرضٍ غير هذه الأرض: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48] والله أعلم في أي مجرة، وفي أيِّ مكانٍ في هذا الوجود وهذا الكون الإلهي.

﴿لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ [التغابن:7] حينها ستُعرَض عليك أعمالك، فإن كنت ملكاً فقد ذهبت عنك صفة الملك، وإن كنت صاحب الجلالة فقد ذهبت عنك صفة الجلالة، وإن كنت صاحب السعادة فقد ذهبت عنك صفة السعادة، وصاحب المعالي والشيخ الفلاني وغير ذلك كلّه سيذهب، ولن يتبقى هناك سوى الأعمال؛ الحسنات والسيئات.. على الإنسان أن يُهَيِّئ نفسه بأننا سوف نموت، وأنَّه ليس هناك فرار من الموت، فإذا متنا فبماذا نفرح وعلى ماذا نحزن ونندم؟

والنّبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا)) 17 وفي حديث آخر يقول: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ))، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ)) 18 فنسأل الله تعالى أن يرزقنا فقه القرآن.

إنّ الله يخبرك عندما تقرأ هذه الآية بأنه سيعيدك بعد الموت خلقاً جديداً، وستصير إلى حياة الخلود والأبد، والدنيا مزرعة الآخرة، فماذا زرعت في هذه الحياة؟ إن زرعت زنبقاً فإنَّك ستقطف زنبقاً، أو زرعت مشمشاً فستقطف مشمشاً؟ ولو زرعت شوكاً فستقطف شوكاً، وإذا ربَّيت طيور الشحرور فستسمع أصواتها الجميلة، وإذا ربَّيت الذئاب والأفاعي فسوف تنهش في جسدك: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:16].

فهذه الآية عندما يقرؤها المسلم والمسلمة، هل يؤمنون بها الإيمان الحقيقي؟ فإذا آمنت هذا الإيمان بالآخرة والبعث والقيامة وبأن أعمالك مسجلة وسوف تُعرَض على الله ثم تَشْهَد عليك جوارحك [كيف يكون أثر ذلك في حياتك؟]: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65] ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21].

فهل يتمثَّل قارئ القرآن هذا الواقع في نفسه، حتى يرجع عن غيِّه وعن ظلمه وعن إسرافه وعن أخطائه وخطيئاته؟ فإن كان مُقِلاًّ في أعماله الصالحة، فليتزوَّد منها قبل أن يُغلَقَ السوق.. فنسأل الله أن يُوفِّقنا للتزوُّدِ للدار الآخرة، ويُوفِّقنا لأن نرى الدنيا مزرعة الآخرة.

قال تعالى: ﴿وَذَلِكَ وسوف يبعثكم الله تعالى بعد موتكم ويعيدكم إلى الحياة مرةً أخرى، ثم يخبركم بكلّ أعمالكم؛ في يوم كذا فعلت كذا، وفعلت كذا مع فلان وفلانة وتحدثتم بكذا وكذا، ففي أيامنا هذه تسجيل الفيديو يصور أعمالك وكلماتك وهو من صنع الإنسان، فكيف بالتسجيل الإلهي؟ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] مراقب وعتيد أي حاضر فلا يفارقك للحظة.

فهل نؤمن بهذه الآيات القرآنية حتى نكون مؤمنين حقاً؟ وهل يفيد الإيمان اللساني بلا إيمانٍ قلبي وبلا إيمان عملي وبلا إيمان سلوكي إن نحن آمنَّا بأفواهنا ولم تؤمن قلوبنا؟ فنسأل الله تعالى ربنا أن يوقظنا من غفلتنا، ويتوب علينا ما مضى من تفريطنا، ويرزقنا الاستقامة على صراط الله حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.

الخالق العظيم لا يعسر عليه شيء

﴿وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] هل من الصعب أن يرجعكم مرة أخرى؟ ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28] فالذي خلق السماوات وخلق هذه المجرات وهذه العوالم وهذا الكون، هل هو عاجز أن يعيدك للخلق مرة ثانية يا صرصور؟ ثم تأتي الآن وتريد أن تتحدى الله خالق هذا الكون!.. قال بعضهم: إنَّ عدد العوالم في هذا الكون يزيد على عدد ذرات الرمل التي توجد في صحراء الجزائر الكبرى.. فكم حبة رمل في صحراء الجزائر؟ وسماؤنا التي نرى نجومها لا يُعَدُّ منها بالعين المبصِرة إلا ما يساوي ستة آلاف نجم، بينما عددها الحقيقي يتجاوز المليارات من العوالم والنجوم والشموس والأقمار، وهذا في المجرة، وعدد المجرات التي عرفها الإنسان يتجاوز المليارات، والله يقول: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].

وقد كنتُ ذكرت لكم بأن مجرَّتَين من آخر ما اكتُشِف من مجرات في أمريكا، والبعد بينهما وبين أرضنا سبعة عشر مليار سنة ضوئية -سرعة الضوء في الثانية ثلاث مئة ألف كيلو متر- فعندما يقول لك الله وهو الذي خلق هذا الكون بأنه سيعيدك مرة أخرى، فهل هو عاجز عن ذلك؟ إن الشريط [الكاسيت] يُسَجِّل صوتك، والفيديو يُسَجِّل صورتك وحركاتك وسكناتك، فكيف يكون تسجيل خالقك وخالق الكون؟

فنسأل الله أن يرزقنا الإيمان الذي يوجب العمل والاستقامة على صراط الله المستقيم.

قراءة القرآن من غير عمل كقراءة اليهود للتوراة

﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن:5] نعم أتانا، فماذا كان موقفكم بعد هذه الأنباء، هل آمنتم؟ قال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8] النور هو القرآن العظيم، هو النور الذي إذا جعله الإنسان أمامه كشف له طريق السعادة فسلكها، وكشف له طريق الشقاء فتجنبها، فالإنسان الذي يقود السيارة بلا نور في أرضٍ وعرة وعلى جبالٍ شاهقة وفي أرضٍ فيها الآبار العميقة يكون مصيره إلى الهاوية.

ومن قرأ القرآن فقط وتركه علماً وفقهاً وعملاً كما هو حال الكثير والكثير من المسلمين، وعلى كلّ المستويات، فإنّ حاله كحال اليهود الذين قرأوا التوراة وقال الله عن قُرَّائهم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].

فهل المسلمون في قراءتهم للقرآن صاروا كاليهود في قراءتهم للتوراة؟ قرأوها لفظاً ولم يقرؤوها فهماً ولا علماً، مسلمون بماذا، وأين واقع المسلمين؟ يا سبحان الله!.. لكن مع ذلك أبشروا، فحاشى لفضل الله أن يُضِيْع دينَه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

مهمة الحفاظ على الدين تنبع من إزالة معاني الفرقة والفتن

فنسأل الله أن يُوفِّقَنَا أن نكون من جنوده الحفظة لكتابه، علماً وعملاً وتعليماً ودعوةً إلى الله، ونتباعد عن توافه الأمور، ونتباعد عن اللغو في الأمور الّتي لا تُفِيد ولا تضرُّ ولا تنفع، فضلاً عن الخوض في أمورٍ تضرُّ ولا تنفع، كما كان أهل العلم في بلدنا قبل خمسين أو ستين سنة، يختلفون في رفع اليدين عند الركوع أو عند الرفع من الركوع، وفي الجهر بالبسملة أو عدم الجهر بها.. والمسلمون في أيِّ هاويةٍ ساقطون؟ وهم في أيِّ معركةٍ! والأعداء محيطون بهم، والقرآن يناديهم للوحدة، ويناديهم إلى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ [الحج:24].

فقد كان الشافعي لا يصلي وراء الحنفي، وأنا كنت أحد النَّاس إذا صليت وراء إمامٍ حنفي -ولأنَّي درست الفقه الشافعي- كنت أسجد للسهو؛ لأن مشايخي رحمهم الله وغفر لنا ولهم هكذا علموني، أما شيخنا الوالد فقد خَرَّجَنا من هذه الدائرة إلى دائرة “إذا صح الحديث فهو مذهبي” 19 كما أنَّ هذه الأمور الآن عند بعض الناس -والحمد لله- آيلةٌّ إلى الزوال والانتهاء.

أحدهم يقول: سنيٌّ، وآخر يقول: شيعيٌّ؛ هذا حرام، فلا يوجد مسلم إلا ويُحبُّ آل بيت رسول الله ﷺ، فالإسلام يأمرنا أن نقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، فإن لم تصلِّ على آل سيدنا محمد فصلاتك مرفوضةٌ وباطلة.

ماذا يُفعَل اليوم بالمسلمين في فلسطين وفي البوسنة والهرسك كلّ صباحٍ ومساء؟ بلغني عن الشيخ محسن الأمين -رحمة الله عليه ورضي الله عنه- أنَّ بعض المسلمين من إخوانه قد طلبوا منه أن يسعى لتشكيل محكمة شرعية شيعية، فقال لهم رحمة الله عليه: لا يوجد في الإسلام سنة وشيعة، إنَّما المسلمون أمةٌ واحدة.

وبلغني عنه أيضاً خبراً آخر –فقد كان صديقي، وكنَّا دائماً نتزاور ونتحادث ونتلاقى ونتعاون، فعليه رحمة الله- وترك له خَلَفَاً صالحاً وولداً عالماً فاضلاً هو السيد “مكِّي”، وأسأل الله تعالى له التوفيق، وقد أتى إلى السيد “محسن” وقال له: أنا أريد أن أصبح شيعياً فكيف ذلك؟ قال له: قل بسم الله الرحمن الرحيم، وقل الحمد لله والصلاة والسلام.. وقل: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمد رسول الله، ثم قال له اقرأ الفاتحة.. قال السيد مكي: أنا أريد أن أصير شيعياً، فماذا أقول؟ قال له: أنت أردت أن تصير شيعياً، وقد صرت الآن شيعياً.

فالشيعيّ هو المسلم.. أليس من الحرام أننا إلى الآن ما زلنا نقول سنّي وشيعي؟ أليس حراماً؟ وهل يجوز هذا؟ والأعداء مازالوا يدخلون بين هذين اللفظين ويخترعون الأكاذيب والمفرِّقات، فعلينا أن نصحى لنمحو هذين الاسمين، لأنَّ كلّ سنيٍّ هو من شيعة آل بيت رسول الله ﷺ.

أنا لو كنت في زمن سيدنا عليٍّ لكنت خادماً له وجندياً في جيشه، ولكنت في أيِّ معركةٍ حضرها وقاتل فيها، لأنَّ النّبي عليه الصلاة والسلام أوضح مناقبه وشمائله، وكذلك أوضح مناقب وشمائل كلّ أصحاب رسول الله ﷺ؛ كلّ حسب مقامه: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات:164]، فلو كنت حياً في زمانه لكنت جندياً معه في حروبه.. ولكن ماذا يُفيدنا أن نعيد الماضي ومآسيه؟ فعلينا أن نترك معركة “صفين” هذا الزمان ومعركة “جمل” هذا الزمان، [علينا أن نترك المعارك التي تقام اليوم بين المسلمين]، فالمسلمون اليوم يذبحون؛ يذبحون بأيدي أعداء الإنسانية وأعداء الإيمان وأعداء الأديان، ونحن اليوم نرجع لأمور لا يفيدنا البحث فيها ولا الخوض فيها!

وقد كانت أسماء أولاد سيدنا علي رضي الله عنه؛ أبو بكر وعمر وعثمان، ثم مهما حصل بينهم: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ [البقرة:134]، فلنبحث في أمورنا، ولنبحث في مشاكلنا، ولنبحث في أخطارنا، ولنبحث في مصيرنا الديني والدنيوي، حتى لا نضيِّع الوقت والجهد.

الشيخ محسن الأمين قال للسيد “مكِّي”: إن أردت أن تصير شيعياً فقل: أشهد ألا إلا الله.. فرحمة الله عليه وقدس الله سره وجزاه الله عن المسلمين خيراً.. وأمثال الشيخ محسن الأمين صاروا والحمد لله لا بالعشرات ولا بالمئات بل صاروا بالألوف، وهذه الأمور ستصبح في أقرب وقت إن شاء الله في حيز العدم والانتهاء، ونعود إلى قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78].

وكلُّ من يطعن في سيدنا عليّ رضي الله عنه أو يطعن في جيشه سواء في صفين أو في الجَمَل أو في أي شيء يُنسب إلى سيدنا علي، فهو بعيدٌ عن الإسلام وبعيد عن القرآن وبعيد عن الواقع وبعيد عن الحقيقة.

واحذروا كلّ الحذر يا إخوان! فكثير من أعداء الإسلام يدسّون أشياء بين المسلمين مع بعضهم البعض تَروْجُ على العوام والرِّعاع، فكونوا على حذر، لأنَّ العدوّ لا يحاربنا بالسلاح الحديدي فحسب، بل يحاربنا بالسلاح وبالكلمة وبالإعلام وبالفتن، وبتفريقِ جَمْعِ المسلمين بعضهم عن بعض، لذلك علينا أن نتمسك بكلام الله عزَّ وجلَّ، حيث قال: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] هل الإيمان بهذه الآية موجود فيكم أنتم المجتمعون؟ وإنْ بلغ أحدكم خبراً عن أخيه المسلم فهل يا ترى تقف هذه الآية أمامه؟ فمن يبلغه منكم خبراً عن أخيه أو عن صديقه أو عن أيّ إنسان فليقل له: أنا لا أقبل منك حتى أتبيَّن.. هكذا نكون قد طبقنا هذه الآية عملياً، وإن أردنا أن نكون مسلمين، علينا نحن أن نكون القرآن العمليّ، فهذه الآية نقرأها بألسنتنا لكن إن كنا مسلمين علينا أن نقرأها بأعمالنا.

﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] إذا نمَّ أحدٌ وأبلغك خبراً عن أخيك أو صديقك، أتؤمن أنت بهذه الآية؟ ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10] ليس حالفاً بل حلَّافاً، يحلف لك خمسين يميناً؛ مبالغة، ومهينٍ أي حقير، فالنمام حقير، ﴿هَمَّازٍ مغتاب، ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11] ونحن نطيع النمام.

هذا النمام وهو صادقٌ في خبره، فما بالك إذا كان كاذباً في خبره، فهذا أفَّاك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11].

كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((ألا أنبئكم بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، قال: الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المفرِّقون بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ)) الباغون يعني القاصدون، للبُراء: بضم الباء جمع بريء، وجمعها: أبرياء، ويقال لهم أيضاً في الجمع بُرَاء، ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، قال: الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ)) وما هي النميمة؟ أن تنقل خبر فلان لفلان وأنت صادق، تقول: فلان سبك أو شتمك، وهو قد سبَّه أو شتمه حقيقة، أما إذا نقلت الخبر وأنت كاذب، فهذا أبلغ وأنت أشد مقتاً عند الله من النمَّام، فأنت أفَّاك.

((الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المفرِّقون بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ)) يلصق بالبريء ما هو منه بريءٌ، وذلك للإفساد والإحراج والإيذاء.. فهؤلاء من شِرار النَّاس.

((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ)) 20 .

في بعض الأوقات تكون في الجرائد أخبار كثيراً ما تكون كاذبة، وقد تُصحِّح الجريدة الخبر أو لا.. إلى آخره، كذلك يحدث هذا في بعض الأوقات في الصحف إما خطأً أو قصداً، وذلك أنَّ أحدهم يريد أن يسيء إلى آخر، أو يسيء إلى جهة، أو يسيء إلى مبدأ، أو من أجل أن يفتعل الفتن، والمسلم لا تدخل عليه هذه الأمور، لأنَّ الله تعالى قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات:6] وقد قالوا عن النّبي عليه الصلاة والسلام: إنَه ساحر، وقالوا: إنَّه شاعر، وقالوا عن القرآن: أساطير الأولين، وجعلوا لله ولداً، فهل علينا أن نصدق أقوالهم؟

﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2] فالقرآن هو العقل الإلهي.. وإن كان المسلمون قد اختلفوا بأنه هل يجوز إطلاق العقل على الله أم لا، فهذا اختلافٌ لفظي، فهل الله بلا إدراك؟ وهناك من قال: نطلق عليه الحكيم، لأنَّ الحكيم هو العقل الكامل، إلخ.

فانتبهوا! فالإسلام يُحارَب بكلّ الوسائل الصغيرة والكبيرة، والقريبة والبعيدة، وما يُصدَّق وما لا يُصدَّق، فنسأل الله ألا يجعلنا أغبياء ويجعلنا فطناء: ((وليفطننهم وليفقهنهم)) 21 .

القرآن نور وعلم وهدى

﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8] والقرآن نورٌ يُبَيِّن لك طريق الحق من الباطل، وطريق السعادة من الشقاء، وطريق النصر من الهزيمة، وطريق القوة من الضعف، فإذا مَشَيْت على نور القرآن وهديه [فلن تضل أبداً].

كان أصحاب رسول الله ﷺ يقولون: كنا نقرأ القرآن عشر آياتٍ عشر آيات، فلا نقرأ العشْر آيات الثانية حتى نتقن الأولى علماً وعملاً 22 .

هذه القراءة التي علَّمهم إياها النّبي عليه الصلاة والسلام، فهل أنتم مستعدون لأن تقرأوا القرآن كما كان النّبي عليه الصلاة والسلام يعلِّمه لأصحابه؟ أم أننا نقرأ القرآن فقط لأجل القراءة!

إذا أتاك بلاغ من الدولة أنَّه في اليوم الفلاني يوجد توزيع للمواد التي فيها منافع لك، فهل تقرأ [هذا البلاغ] للعلم والتلاوة فقط أم لتعمل بمقتضى ما تقرأ؟ فكذلك القرآن.. نحن نؤمن بأفواهنا فقط، ولكنْ لم تؤمن قلوبنا، فالواقع العملي يكشف لنا الحقيقة، أين ﴿فَتَبَيَّنُوٓاْ [الحجرات:6] إذاً؟

طرفة: الآيات التي ماتت عند البدوي

يُذكر بأنَّ أحد المشايخ لم تُتح له الإمامة في المدينة [التي يقيم فيها]، فذهب إلى قبيلة من قبائل العرب في البادية، فلمَّا وصل إليهم عرَّفهم بنفسه وأخبرهم بأنَّه الإمام الفلاني فرحَّبوا به، فلمَّا بدأ بتعليميهم وجدهم لا يستطيعوا قراءة الفاتحة، فحاول بكلِّ جهده تعليمهم الفاتحة لكنَّه لم يستطع، فانتبه إلى أنَّهم يشتغلون برعيِّ الغنم، وعقولهم مشغولة عند الغنم والكِباش، فجمع رؤساء القبيلة وقال لهم: أريد أن أعلِّمكم الفاتحة، قالوا: لا نستطيع التَّعلَّم، قال: بل سأعلِّمكم، أحضروا لي سبع غنمات، فأحضروها، ثمَّ قال لهم: هذه الغنمة اسمها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1] وهذه اسمها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وهذه: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] وهذه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] و[هكذا إلى آخر السورة]، فلما كان عقلهم وقلبهم عند غنمهم حفظوها، ثمَّ قال لهم: أسمعوني أسماء الغَنَمَات؛ على الفور قالوا له: هذه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهذه ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. إلخ، فقال لهم: حين تُصَلُّون اقرأوا أسماء الغنمات.

وبعد زمن ذهب الشيخ إلى الحجّ، ولـمـَّا رجع من الحجّ جاءوا يسلِّمون عليه، فسأل أحدهم أنَّ يسمِّع له أسماء الغنمات، فقال له: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1] ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] آمين.

قال: ما هذا يا بني؟ أين ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]؟ قال له: قد أكلها الذئب، وأين ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]؟ قال له: واللهِ يا شيخي قد دهسها القطار، وأين ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال له: أتانا ضيف وذبحناها له.. فهل يكون إسلامنا هكذا! فلو سُئِلنا عن هذه الآية: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فهل نقول أكلها الذئب!

ما حقيقة الإيمان بالله؟

﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8] فالإيمان بالله هو: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 23 ، وأن تؤمن بأنَّه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] وأن تؤمن بأنَّه: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19] وأن تعلم: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الأنفال:43].

فهل تؤمن بالله بهذه الصفات؟ أم تؤمن بالله بمجرد ألف ولام ولام وهاء بلا معنىً ولا أوصاف! ولذلك تترك كلّ فرائض الله وتَنْتهِك كلّ محارمه.. ما معنى الإيمان بالثعبان، هل هو أن تنطق بهذه الَّلفظة فحسب، أم أن تعلم بأنَّ لدغته قاتلة؟ وإن آمنت بأنَّ الثعبان يقتل بلدغته، فهل تجعله “كرافة” [ربطة عنق] أو عمامة.. ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي، ولكنَّ الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 24 ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ [التغابن:8].

قصة فأين الله

يُذكر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان بين مكة والمدينة مسافراً، فرأى راعياً وقد اشتد حرُّ الظهيرة وكان عَطِشَاً، فآوى إليه وطلب منه أن يسقيَه حليباً فسقاه، فزاد شيءٌ من الَّلبن فعَرَضَه على الراعي، وهو رجلٌ أفريقيٌ أسود اللون، فقال له: إنّي صائم، فقال له: أتصوم في حرِّ مثل هذا اليوم؟ فقال له: أصوم في حرِّ هذا اليوم اتقاء شرّ ذلك اليوم، فأُعجِب عبد الله بن عمر بهذا العبد -لكن كثيراً ما تسمع من شخصٍ كلمةً طيبةً وعملاً طيباً، ولكنَّه في المقابل يفعل أموراً غير طيبة- فأراد أن يختبره فقال له: إنِّي جائع فلو أنَّك تذبح لي شاةً! قال له: أنا لست ربَّ -يعني صاحب ومالك- الشِّيَاه، إنما أنا عبدٌ عنده، وهذه الشياه لسيِّدي، قال له: تذبحها لي وأنا أُعطيك ثمنها وتقول لسيّدك: قد أكلها الذئب، فما استكمل عبد الله بن عمر كلمته للراعي حتَّى صاح الراعي بوجهه قائلاً: فَأَيْنَ اللَّهُ.. فَأَيْنَ اللَّهُ؟ حتى دَوَّى صوته في الوادي، وعَلَا وظهر صدى كلمة هذا الراعي المؤمن في كلّ أرجائه 25 .

فعرف عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنَّ الراعي من حزب ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ -هذا هو الإيمان بالله- فرجع إلى المدينة فاشترى العبد وأعتقه، ثمَّ اشترى كلّ غنمه ووهبها له مكافأةً لإيمانه وصدقه في يقينه.. ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ [التغابن:8]، فالإيمان بالله يجب أنْ يكون على هذا المستوى.

إذا غضبت فهل أنت مؤمنٌ بالله! فالإيمان بالله هو أن تعمل حينها بقوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] وإذا لم يتمثَّل القرآن أعمالاً وأخلاقاً وسلوكاً فهذا ليس بإيمان، وهذا من النوع الذي في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41].

أهمية المربي في تحقيق التقوى

فنسأل الله أن يرزقنا تقوى الله.. أصحاب رسول الله ﷺ، قالوا: “ما نَفَضْنَا أيدينا من تراب قبر رسول الله ﷺ حتّى أنكرنا قلوبنا 26 فبعد وفاته ﷺ توقف اتساع صحبتهم له وأحسُّوا بالفارق، فكيف بالمسلم الّذي لا مرشد له، ولا معلِّم ولا مربِّي ولا مزِّكي ولا حكيم، وليس له أيُّ مرشدٍ ينهل من بحر أنوار سيدنا رسول الله ﷺ! “ومن لا شيخ له فشيخه الشيطان” 27 .

والمطلوب من كلّ مسلم أن يتعلَّم الكتاب لا تلاوته وقراءة ألفاظه فحسب، بل أن يتعلَّم أحكامه وآدابه وأخلاقه وأهدافه وأن يتعلَّم الحكمة.. فالعلم يحتاج إلى المعلِّم، والحكمة تحتاج إلى الحكيم، والتزكية تحتاج إلى المربي.

فكيف ينشأ المسلم في عِلْمه القرآني وفي حكمته القرآنية وفي تزكية نفسه؟ لذلك على كلّ واحدٍ منكم أن يُعلمَّ ما يتعلَّمُه للآخرين، وأن نتوجَّه جميعنا إلى الله بأن يُنجِدَنا بنجدةٍ ربانية، يُحيِيْ بها قلوب المسلمين وعقولهم، ويُوحِّد بينهم، ونتفقَّه من مدرسة القرآن الكريم ونتخرَّج منها، ونأخذ شهادة القرآن في أعمالنا، لِيُقرأ القرآن في أعمالنا وأخلاقنا وسلوكنا.

﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ [التغابن:8] فهل نحن آمنا بالله حباً، وآمنا بالله مراقبةً، وآمنا بالله ذكراً؟

قصة تاجر أراد امرأة بالحرام فعَفَّ فأعطاه الله المرأة وما معها بالحلال

يذكرون قصةً عن تاجرٍ من التجَّار في زمن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- وكان بزَّازاً، أي يبيع الأقمشة، وكان في وقتها هدنةٌ بين المسلمين والصليبين، فمرَّت على دكانه إحدى النّساء الأوربيات -وكانت على ما يبدو جميلة- لتشتري بعض حاجياتها، لكنَّه لم يتدرَّع بدرع: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ  [النور:30] فأصابه الشيطان بسهمه فوقع في العلاقة بها، قالت له: كم تريد ثمن هذه الأقمشة؟ قال لها: الدّكان كلّها على حسابك -العبد وما ملكت يداه لسيده- ثم سألها أن يواعدها، فاتفقا على موعدٍ بمئة دينار، وأن تأخذ الأقمشة أيضاً بلا ثمن، فلمَّا كاد أن يقع في الحرام ذكر الله –وهذه من رشحات: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ [التغابن:8] فإن لم يكن للإيمان هذا الأثر فهو إيمان مَيِّت- فلبس ثيابه بعد أن نزعها عنه، وغضبت منه فبصقت في وجهه، قال: بَصْقَة في وجهي خيرٌ من أنْ أقع في غضب الله ومقْتِه.

ثمَّ عادت بعد مدةٍ، فوقع في سهام النَّظر مرَّة أخرى.. فلو أنَّه وضع الدرع على عيونه لما أصابه السهم، فهل نؤمن بقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]؟ وهل هو إيمان الكلام من الفم أم إيمان العمل؟

أيضاً هذه المرَّة أخذت منه البضائع بلا ثمن كأول مرَّة، لكنَّها طلبت ثمن السهرة مئتي دينار، وعندما كاد أن يقع في الحرام ذكرَ الله، فدَمَعَت عيناه، ثمَّ لبس ثيابه، وأيضاً بصقت في وجهه وطردته، وفي المرة الثالثة قالت له: الليلة بثلاث مئة دينار.

وبعد فترة من الزمن ينادي المنادي بأنَّ الهدنة بين المسلمين والصليبين قد انتهت، ورجع كلّ أناس إلى بلدهم، لكنه كان قد وقع في نار العشق، وما كان يهدأ له نومٌ ولا قرار، فصار يشتغل ببيع الجواري لعله يسلو عما أسَرَ قلبه، ثمَّ عادت الحروب بين المسلمين والصليبين، وصار يشتري الجواري الأسيرات.

وكان صلاح الدين الأيّوبيّ قد اشترى منه بعض العبيد، وبقي له في ذمَّة صلاح الدين عشرين ديناراً، وفي أحد الأيام طالبه بهذا الدّين، وكان المال قد نفذ من خزينة صلاح الدين، فعرض عليه أن يأخذ بدل العشرين ديناراً عشرين أسيراً ينتقيهم بنفسه.. كل أسير بدينار.

وعندما دخل إلى معتقل الأسرى، وقع نظره أول ما وقع على صاحبته، فإذا هي بين الأسرى، فقال لهم أريد هذه فقط، وحين أخذها وأراد أن ينصرف، قال له الجنود: إنّ السّلطان أمر أن تأخذ عشرين أسيراً، فخذ البقية.. لكنه لم يعرف ما يختار، لأنَّ عقله مشغول بصاحبته.. وكانت قد تغيَّرت ملامحها بسبب الأسر والخوف والفزع.

ثمَّ بعد أن اغتسلت ولبست الثياب النظيفة وعادت كسابق عهدها، تزوجها بملك اليمين، وبعد ذلك حصلت هدنة، فأتى أهلها يفتِّشون عنها، فلمَّا عرفتها أمّها وذَوُوها عرضوا عليها أن ترجع معهم، فأبَتْ وقالت لهم: أنا حبلى ولم يعد بالإمكان الرجوع، وقد صرت زوجة هذا الرجل.

فقالت لها أمّها إذاً لابدَّ أن نرسل لك أغراضك، فأرسلت لها ثلاث صُررٍ من الملابس، فوجدت في كلِّ صُرّة الأقمشة التي أخذتها منه بلا ثمن، وفي الصُرّة الأولى وجدت المئة دينار، وفي الثانية المئتين وفي الثالثة ثلاث مئة دينار.. فإيمانه بالله هو السبب الّذي حجبه عن الحرام: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2].

أمّا الإيمان باللسان فقط فهو إيمان المنافقين.. فنسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين الإيمان العملي والإيمان القلبي والرّباني والسلوكي، وأن يكون القرآن نورَنا وقبلتنا وإمامنا.

المراقبة الإلهية

﴿وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا، ثم أخبرنا الله أننا تحت المراقبة الإلهية، فقال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8] لم يقل بما تقرؤون خبير، بل قال بما تعملون، فإن جاء عملُكم منطبقاً مع الإيمان بالله كما قال رسول الله ﷺ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) وكان إيمانكم بالله أنه يعلم ما تُسِرَّون وما تُعلِنون، [فالجهر بالقول والسِّرّ به عنده سواء]: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:10] فهذا هو الإيمان بالله.

أمّا أن تؤمن بألف ولام ولام وهاء [الله] وأنت شاردٌ بكلّ ما يملي عليك شيطانك ونفسك الأمّارة بالسوء، فهذا ليس بإيمان: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8].

﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التغابن:8] والإيمان بالرسول هو اتباع الرسول ﷺ بأقواله أعماله وهديه.. ﴿وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8] وبعد ذلك يقول الله عز وجل: إنَّكم تحت المراقبة لإيمانكم في المراحل الثلاثة، فهو يراقب إيمانكم بالله وإيمانكم برسوله وإيمانكم بالقرآن، وبما أنَّ: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8] الله كان بما تعلمون خبيراً، فهذا يعني أنَّكم ستحاسبون على أعمالكم كلّها صغيرها وكبيرها: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ أي وما يغيب ﴿مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61].

يوم الجمع يوم التغابن

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8]، إذاً عنده علمٌ بكلّ أعمالكم، ثم سيجمعكم ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن:9] ((يجمع الله فيه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وينادي مُنَادٍ من السَّماء: سَيَعْلَمُ الْجَمْعُ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ))، لِيَقُم الذين: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16] ليقم الحمَّادون الله على كلّ حال؛ الحمَّادون الله في البأساء والضراء -البأساء الفقر، والضراء المرض- فيقومون فيُذَهب بهم إلى الجنة، ثمَّ يُعْرَض النّاسُ على الحساب.. وهم يذهبون إلى الجنّة بغير حساب 28 .

إنّ يوم التغابن يظهر فيه من باع دنياه واشترى آخرته، فهل هذا مغبونٌ أم رابح؟ وهناك يظهر من باع آخرته واشترى دنياه ومن اشترى دنياه بآخرته؛ من اشترى الجهل بالعلم، والضلالة بالهدى، وإيمان اللسان بإيمان العمل، فسيظهر له أنه كان مغبوناً، حينها: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ وسَدٌّ فلا رجوع إلى الدنيا.. ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ يعني اذكروا ولا تَنْسَوا ذلك اليوم، وليكن في بالك، وفي بيعك وفي شرائك، في رضاك وفي غضبك، وفي مطامعك وأهوائك، ومع حبيبك ومع عدوك، وفي خلْوتك وجلْوتك، وأمام النّاس وأنت وحدك لا يراك أحد إلا الله، فاذكر: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ الّذي هو يوم القيامة.

الغبن والربح

﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] إذا اشتريت شيئاً من السوق بخمسين ألفاً، وكان سعره الحقيقي عشرة آلاف، وعرضت ذلك على أمّك وهي تعرف سعره الحقيقي، أفلا تغضب منك؟ وتقول لك: هذا سعره عشرة فكيف تشتريه بخمسين يا مغبون! أمَّا إن اشتريت الذي قيمته خمسين بعشرة، فتقول لك حينها: رضي الله عنك، وتثني عليك وتدعو لك.

فنسأل الله ألَّا يجعلنا مغبونين في ديننا، فلو غُبِنتَ في دنياك فالأمر سهل، أمَّا أن تُغبَن في دينك، فيقع عليك قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16] هل هؤلاء غابنون أم مغبونون؟ [أما الرابحون فقال فيهم:] ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ هذا هو الثمن، فماذا اشتروا به: ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].. ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وفوق ذلك: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119] فهل هؤلاء غابنون ورابحون أم مغبونون؟

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ﴿تِجَارَةً لَنْ تَبُور [فاطر:29] ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف:11] كان ابن أبي سلول والمنافقون يأتون النّبي عليه الصلاة والسلام ويحلفوا الأيمان له ويقولون: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1] ويقولون: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:8]، والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1].

فكيف حالك حين يأتيك منكر ونكير وتقول لهما: إنكَّ مؤمن، فيقولان لك: إنَّك كاذب! أو أن تُحشَر يوم القيامة ووجهك أسود، وميزان سيئاتك مُثْقَلٌ، فكَفَّة فيها خمسون طُنّاً من السيئات وكفَّة فيها خمس “كيلوات” من الحسنات، فماذا تكون حينها؛ رابحاً أم مغبوناً؟

اذكروا ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] يتبين فيه الرابح من الخاسر، ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يا الله.. يا الله.. يا الله.. نسأل الله أن يرزقنا حقيقة الإيمان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا زادتهم إيماناً بالعمل بها وتحويلها من تلاوةٍ إلى أعمالٍ وأخلاق، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] وبه يثقون، ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ [الأنفال:3] التي تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:3-4] أمَّا إذا كانوا من المؤمنين قولاً لا حقَّاً، وكلاماً لا قلباً، فإنَّهم لا يستطيعون خداع الله تعالى.

طرفة الجزار الذي ذبح أضحية غيره عن روح أبيه

ذات مرة في عيد الأضحى، أحد الجزارين يأتيه النَّاس يجلبون له الأضاحي ليذبحها لهم، فجاء بدويّ وأعطاه مالاً وقال له: إنّه مشغول، ويريد منه أن يشتريَ أضحية ويذبَحَها عن روح أبيه.. وعندما أراد الجزار أن يذبحها قال: اللهم عن روح أبي أنا -أي عن روح والد الجزار- فسمعه أحدهم وذهب إلى صاحب الأُضحية البدوي، وقال: إنّ الجزار لم يذبح الأضحية عن روح أبيك، بل عن روح أبيه، فقال له: يا أخي! ألا يعرف الله من الذي دفع المال!

فنسأل الله أن يجعل إيماننا حقيقياً، لأن الادعاء لا ينطلي على الله، ولا يمكن لك النَّجاح بالتمنيات والأماني، ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي))، و﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء: 123].

الإيمان والعمل الصالح يجب ما قبله ويكرم ما بعده

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ثم قال بعدها: ﴿وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ [التغابن:9] فما دام قد عمل صالحاً فإنه لن يعمل السيئات، ثُم ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] وهل يدخله جنة واحدة؟ بل: ﴿وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا [التغابن:9] من تحت قصورها وتلالها ﴿الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التغابن:9] فهناك شبابٌ ليس بعده هَرَم، وصحةٌ ليس معها سقم، وحياةٌ ليس بعدها موت أبداً، ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التغابن:9] الفَوْز الّذي لا مثيل له.

فاللهم بفضلك وكرمك اجعلنا من المؤمنين حقّاً، واجعلنا من التَّالين لكتابك والعاملين به، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنّة نبيك، واجعلنا الّلهم هادين مهديّين، ولا تجعلنا ضالِّين ولا مضلِّين، ولا تُخزِنا لا في الدّنيا ولا يوم الدّين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  2. صحيح ابن حبان، ذكر خبر قد يوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها، رقم: (1463)، (4/323)، بلفظ: «بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ»، وفي سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم: (2621)، (5/ 13)، سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم: (329)، (1/ 145)، عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم: (6551)، (2/862)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، رقم (2580)، عَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ»، وفي صحيح مسلم، رقم: (2564)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ)).
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل العشاء في الجماعة، رقم: (626)، (1/234)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم: (651)، (1/ 451)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ))، واللفظ لمسلم.
  5. صحيح البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة، رقم: (618)، (1/231)، سنن النسائي، كتاب الإمامة والجماعة، باب التشديد في التخلف عن الصلاة، رقم: (1274)، (1/297)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ))، واللفظ للبخاري.
  6. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
  7. سنن ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب السلاح، رقم: (2810)، (2/939)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، (4/173)، بلفظ: ((عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ عَرَبِيَّةٌ، فَرَأَى رَجُلًا بِيَدِهِ قَوْسٌ فَارِسِيَّةٌ، فَقَالَ: ((مَا هَذِهِ؟ أَلْقِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ وَأَشْبَاهِهَا، وَرِمَاحِ الْقَنَا، فَإِنَّهُمَا يَزِيدُ اللَّهُ لَكُمْ بِهِمَا فِي الدِّينِ، وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِي الْبِلَادِ)).
  8. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/ 1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/ 460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  9. سبق تخريجه.
  10. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/25)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/719)، عن معاوية رضي الله عنه.
  11. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، (3/404)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، (6/163)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، (1/158)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفاً عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561) (4/921).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، (12/468)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، (18/ 137)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
  13. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3274)، (3/1275)، سنن الترمذي، كتاب العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، رقم: (2669)، (5/40)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بلفظ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار))ِ.
  14. صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب إذا بويع لخليفتين، رقم: (1853)، (3/1480)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، بلفظ ((إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا)).
  15. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137)، (4/ 289)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))، وفي مسند أحمد بن حنبل، رقم: (23489)، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه بنحوه.
  16. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (1118)، (1/366)، تاريخ دمشق لابن عساكر، (32/58)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: ((خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَثْنَى عَلَى طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يُفَقِّهُونَ جِيرَانَهُمْ وَلَا يَعِظُونَهُمْ وَلَا يُعَلِّمُونَهُمْ وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ، وَمَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَلَا يَتَفَقَّهُونَ، وَلَا يَتَّعِظُونَ. وَاللَّهُ لَيُعَلِّمَنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ، وَيُفَقِّهُونَهُمْ وَيَعِظُونَهُمْ، وَيَأْمُرُونَهُمْ، وَيَنْهَوْنَهُمْ، وَلْيَتَعَلَّمَنَّ قَوْمٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَيَتَفَقَّهُون، وَيَتَفَطَّنُونَ، أَوْ لَأُعَاجِلَنَّهُمُ الْعُقُوبَةَ»، وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (6355)، (4/114)، عن أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه.
  17. شعب الإيمان للبيهقي، فصل في إدامة ذكر الله عزَّ وجلَّ، رقم: (512)، (1/392)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (182)، (20/93)، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، واللفظ: «لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا».
  18. سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب، رقم: (2403)، (4/ 603)، حلية الأولياء للأصبهاني (8/178)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله، بلفظ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ»، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ»
  19. روي ذلك عن الإِمامين أبي حنيفة والشافعي– رضي الله عنهما- انظر: مجموع رسائل ابن عابدين: 1/ 24، إيقاظ الهمم للفلاني: 62.
  20. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27640)، (6/ 459)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (24)، (5/180)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، بلفظ: أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ».
  21. سبق تخريجه.
  22. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (23529)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (29929)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ، فَلاَ يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ))، وفي تفسير الطبري، رقم: (81)، (1/80)، بلفظ: ((عن ابن مسعود، قال: كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ)).
  23. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50)، (1/27)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (8)، (1/ 36)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَان قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}الْآيَةَ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ)).
  24. سبق تخريجه.
  25. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (13087)، (12/263)، بلفظ: عن زَيْدُ بن أَسْلَمَ، قَالَ: " مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ؟ قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ، فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ".
  26. ريج
  27. تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (5/ 203)، من كلام أبي يزيد البسطامي قدس سره.
  28. الأهوال لابن أبي الدنيا، رقم: (175)، ص: (141)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (2305)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى الْخَلَائِقَ: سَيَعْلَمُ الْجَمْعُ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ ﴿لَا تُلْهِيهِمُ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور:37]، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانُوا يَشْكُرُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُحَاسَبُ سَائِرُ النَّاسِ)).
WhatsApp