تاريخ الدرس: 1995/01/27

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:00:37

سورة المرسلات، الآيات: 1-19 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلوات والتحيات العطرات على نبيننا وحبيبنا سيدنا محمد وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعدُ:

مَن المرسلات؟

فنحن الآن في سورة المرسلات، يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] هذه الواو: حرف قسم، فيحلف الله ويُقْسِم بالمرسلات وبالعاصفات وبالنّاشرات وبالفارقات، وهم ملائكة الله عز وجل الذين حملوا رسالته التي تحمل العلم والمعرفة والحكمة وتزكية الإنسان، فتقديساً لحَمَلَة الرسالة وتقديساً للرسالة المحمولَة جعلها الله عز وجل يميناً يحلف به.

ومن المرسَلات أيضاً نفوس الأنبياء الذين تقبلوا الرسالة وبلَّغوها للنّاس أحسن تبليغ، وبذلوا في سبيل تبليغها كل ما يملكون من طاقة ووقت وجهد وصعاب، فأُرسِلوا بالمعرفة والعلم ونقل النّاس من الظلمات إلى النور، ففي الظلام لا يرى الإنسان طريقه ولا يميّز الأبيض من الأسود ولا يميز الحفرة والبئر من الأرض السَّوِية.

ومن بعد الأنبياء كلّ من حمل الرسالة وقام بتعريف وتعليم الناس ما جاءت به الرّسل وملائكة الله عزّ وجلّ لصناعة الإنسان الفاضل والإنسان النّاجح والإنسان العظيم.

فأقسم الله بنفوس الملائكة ونفوس الأنبياء ونفوس العلماء الذين قاموا بعمل الأنبياء، فصاروا يصنعون من الجاهل والأمي والكافر والفاسق علماء حكماء فقهاء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء.

أيّها الإنسان إذا صارت نفسك تحمل رسالة المعرفة ورسالة الحكمة ورسالة التّزكية وتتزكى وتتطهر من النقائص والعيوب والرّذائل، ثمّ تقوم فتنظّف نفوس الآخرين وتعلِّمها العلم؛ علوم القرآن والحكمة، [تصير يميناً يحلف الله به]، والحكمة: أن تتعلّم القول الصحيح الصّائب الذي لا يُخطئ، والعملَ النّافع الذي لا يُخطئ، لذلك استطاع النبي ﷺ مع أنّه رجل واحد أن يصنع نصف العالم ويجعلهم أمّة واحدة مع اختلاف ألوانهم ولغاتهم وعقائدهم وأهوائهم، فالآن الأمة العربية منقسمة إلى أكثر من عشرين دولة، وحاول المخلصون منهم أن يَتَوَحَّدوا أو يُوَحِّدوا، لكنهم عبثاً حاولوا، فخلال خمسين سنة لم تتوحد دولتان؛ لأنه يوجد فارق كبير بين العمل في منهاج الله بديع السماوات والأرض الذي أحسن كل شيء خلقه [والعمل في المناهج البشرية]، فقانون الله هو القانون الصحيح وشرعه هو الشّرع الكامل، قال تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، كلّه قائمٌ على الحكمة والصواب، ومحمود من يؤمِن به ويعمل به ويجعله منهاج حياته، وكم أتت مناهج وعقائد دنيوية وآخرها الشيوعية وقد ملكت نصف العالم، فما استطاع منهاجها أن يصمد سبعين سنة، وانتهى إلى شرّ نهاية، مع أنّ موسكو ملكت العلم والمال والقوة والحُكم.. وإلى آخره، والآن كفروا بالشيوعية وألقوها على مزبلة التاريخ.

فحملة الرسالة من ملائكة أو أنبياء وبعدَهم العلماء الذين يحملون الرّسالة ويبلِّغونها للنّاس بقلوبهم وإخلاصهم وأعمالهم وحكمتهم هؤلاء قد اتخذهم الله وجعلهم يميناً له يحلف بهم ويُقسم، فقال: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] مرسَلين بماذا؟ بالعلم والمعرفة وبيان طريق السّعادة لمن يريد السّعادة، وبيان طريق الشّقاء والخذلان لمن يتنكر ويَرْفُض السّعادة والنّجاح.

رسالات السماء تعصف بالباطل

أقسم بمن؟ ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا [المرسلات:2] فالذي يمشي في ظلامٍ وجهل لا يعرف ماذا يظهر أمامه وغالباً يفشل ولا ينجح، أمّا رسالات السّماء فهي مضيئة تبيّن الحقائق وتَعصِف في طريقها وتزيل كلَّ الباطل والخرافات والتخلّف؛ ولذلك عندما أتى الإسلام بحقيقته الحيّة الرّبّانيّة عَصَفَ في طريقه كل العقائد الزائغة، فقذفت وعصفت الوثنية والأصنام والكهّان والخرافات والتخلف والفقر والجهل كما تعصف الرّياح الغبار في الفضاء فلا يبقى له أيّ وجود.

فمن شرط الرّسالة أن تعصف الباطل، كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]، وقال أيضاً: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ [الإسراء:81] بعاصفته، فماذا تكون النتيجة؟ ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] فلو صمد يوماً أو يومين وانتصر مرة أو مرتين، ولكن العاقبة للتّقوى.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل التّقوى بمعناها الذي يريده الله عز وجل؛ تقوى القلوب وتقوى الأعمال وتقوى الأقوال وتقوى العقل والفكر ولا تفكر إلا بما فيه رضاء الله، لأن الله يعلم السر وأخفى.. تستطيع أن تخفيه عن الإنسان، ولكن كيف تخفيه عن الله؟ والله هو المكافئ على الصلاح، وهو المقاصِصُ على الضلال وعلى الزيغ والطغيان.

﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] أقسم بالملائكة وبأرواح الأنبياء وبأرواح الصالحين الذين حملوا رسالة الله التي هي رسالة العلم والمعرفة والحكمة، فإذا جعل الله مَن حَمَل الحكمة وبلَّغها للناس يميناً مقدساً، فكم يجب على المؤمن أن يكون هو أيضاً موضع يمين الله وقَسَمِه حتى يحلف الله به؟ فإذا كنت حاملاً للرسالة بالحكمة والمعرفة والصّدق والإخلاص فسيحلف الله فيك، فأيُّ شرفٍ وأيُّ فخار وأيُّ سعادة أن تكون يا إنسان يمين الله الذي يحلف به؟

كان المسلم إذا أسلم يهب كل وجوده وماله وشبابه وأهله وبلده لمصلحة الرسالة، فبصدقهم في تبليغ الرسالة استطاعوا أن يعصفوا من طريقها كلّ ما يعارضها، فعصفوا كفار قريش وعصفوا يهود بني قريظة ثمّ عصفوا دولة الرّومان التي كان عمرها أكثر من ألف سنة واستعمرت من إنكلترا إلى بلاد الشّام، وعُصِف الاستعمار الشّرقي الفارسي، وعُصِفت معه المجوسيّة وكلّ العقائد والأديان الباطلة.

فإذا لم تَقُمْ بتبليغ الرّسالة كقوة الرياح العاصفة بكل صدق ومواصلةٍ ليلاً ونهاراً، ولم تَحْمِل نفسك هذه القوة في الدعوة وتبليغ الرسالة، ولو حملتَ رسالة العلم والمعرفة، ولكن لم تُبَلِّغها كما تقوم العاصفة فتزيل من طريقها كل ما يعارضها فأنت لا تحمل صفات المرسلات عرفاً.

نشر الرسالة في العالم

﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات:3] فالملائكة والأنبياء وورثة الأنبياء قاموا بنشر رسالة الله في العالم، وما تركوا سهلاً ولا جبلاً ولا براً ولا بحراً ولا خَطَراً ولا سهلاً، وبذلوا أرواحهم ودماءهم في إعلاء كلمة الله وتبليغها إلى ما طلعت وغربت عليه الشمس، وكما قال النَّبيُّ الكريم ﷺ: ((سيصل هذا الأمر)) الإسلام ((حيث ما وصل الليل والنهار)) 1 ، بمن؟ بالنّاشرين نشراً وبالنّفوس النّاشرات نشراً، فهل أنت يا مسلم تقوم بنشر رسالة الله ومعرفته ومعرفة رسالته بكلّ قوة كقوة الرياح العاصفة فيمن حولك وفي كل ما تستطيع الوصول إليه؟ هكذا يُقرأ القرآن وهكذا يُتعلَّم، أما إذا قرأته ولم تفهمه، وإذا فهمته ولم تطبِّقه فرُبَّ تَالٍ يتلو الْقُرْآَن وَالْقُرْآَنُ يَلْعَنُهُ 2 .

رب تال يتلو القُرَانَ بِفِيْهِ وهو يفضي به إلى الخذلان

والآن يقرأ المسلمون القرآن فهل هم ناجحون أم مخذولون في الحرب والاقتصاد والصناعة والعلوم والتكنولوجيا؟ بينما الإسلام ما ذكر عبادة إلا ذكر وجهيها الدنيوي والأخروي، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201] هذا هو الدين! وفي الحج قال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ أي في الدّنيا وبعد ذلك قال: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [الحج:28] وهذه الآخرة، وفي صوم رمضان قال: ((صُومُوا تَصِحُّوا)) 3 فجمع بين مصلحة الروح ومصلحة الجسد، ومصلحة الدين ومصلحة الدنيا.

﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات:3] وأقسم بالملائكة وبنفوس الأنبياء وورثة الأنبياء الذين ينشرون رسالة الله نشراً بكل ما يملكون من طاقة وإمكان.

التفريق بين الحق والباطل

﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4] إذا كان الإنسان يمشي في ظلام فقد يسقط في بئر؛ لأنه لا يوجد أمامه نور يكشف له حقيقة الطريق ويفرّق له بين الطريق السوي والطريق الخَطِر؛ فالرّسالة والإسلام [أمرا المسلم] بطريق الحكمة أن يُبَيِّن حكمة الأحكام ، فلم يفرض الله عز وجل شيئاً على الإنسان إلّا لأنّ سعادته لا تتم إلا بأدائه، وما حرَّم شيئاً على الإنسان من قول أو عمل أو فكر إلّا لأنّ في هذا العمل أو القول ضرره أو هلاكه أو شقاءه وتعاسته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

الفرق بين الإيمان والهوى

وقال أيضاً: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ألم يكن الصحابة في معركة أحد مؤمنين؟ وفوق إيمانهم من كان قائدهم؟ النبي عليه الصلاة والسلام، لكنهم لم ينتصروا! إذاً هؤلاء ليسوا بمؤمنين! لا؛ لأن كلّ عملٍ من الأعمالِ عَمِلَ الإسلامُ له خريطة خاصة به، فتطبيق الخريطة بهذا العملِ المُعَيَّن هو الإيمان بذلك العمل.

فخالفوا الإيمان، أليست طاعة النبيِّ ﷺ إيماناً أم ليست بإيمان؟ وقد أمر النبي ﷺ الرماة الذين يحمون ظهر الجيش فقال لهم: ((الزموا مكانكم إذا رأيتمونا انتَصرنا حتى ركبنا أكتاف القوم)) أي إذا هزمت عدوك وركبت على كتفه فهل هناك أعظم من هذا النّصر؟ قال: ((لا تبرحوا مكانكم)) ابقوا محافظين واحموا ظهرنا ((وإذا رأيتمونا قد قُتِلنا حتى أكلت الطير لحومنا لا تبرحوا مكانكم)) 4 .

فلمّا انتصر المسلمون وبدأ الصحابة بجمع الغنائم فحُمَاة ظهر الجيش قالوا: انتهى الموضوع وصار النصر، فلماذا نقعد؟ لنذهب نجمع الغنائم مع الآخرين، فذكَّرهم رئيسهم بوصية النبي ﷺ فلم يسمعوا، فإذاً خالفوا مقتضى الإيمان، فخرجوا من دائرة الإيمان في هذا الموضوعِ والحُكْمِ المُعَيَّنِ إلى دائرة الأهواء والأنا، وكلُّ أمرٍ تَدخُل فيه بالأنا وتتركُ التقوى لا تنجح فيه، وإذا نَجَحْتَ في الدّنيا ستخسر الآخرة، وقد تخسر الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] أي يفكر تفكيراً حتى يحيط في المعنى، أمّا إذا كان له قلب فصاحب القلب يفهمه بصورة أسرع وأوسع، ومَنْ صاحب القلب؟ قال الشاعر

قلوبٌ إذا منه خلَتْ فَنُفُوسُ لأَحرُفِ وَسواسِ اللَّعينِ طُرُوسُ

إذا خلا القلب من ذكر الله ونوره يصير نفساً، يعني نفساً أمارة بالسوء.

“لأحرف وسواس اللعين طُرُوْسُ”: الطُّروس: أي الدفاتر، فإذا كان قلبك خالٍ من ذكر الله ومن نوره فهو دفتر يكتب فيه الشيطان ما يطغيك ويرديك ويهلكك، فلا تغترَّ الآن إذا رأيت أن الله عز وجل لم يضربك كَفَّاً [ضربه كفاً: صفعه، وهنا كناية عن العقوبة] ((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ ولا يهمله، إِذَا أَخَذَهُ لا يُفْلِتْهُ)) 5 .. يقال: “إن البدوي يأخذ بثأره بعد أربعين سنة”، فقد يعاقب الله في بعض الأوقات بعد ساعة، وفي بعضها بعد أربعين سنة، فعندما دعا موسى وهارون عليهما السلام على فرعون قال الله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] ولم يُغرِق الله فرعون بعد استجابة موسى وهارون ودعوتهما إلّا بعد أربعين سنة.. فهل تصيرون من هذه النفوس ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا؟ [المرسلات:2] قال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] خذ أحكام القرآن بيدك اليمنى؛ بكل ما تملك من طاقة؛ طاقة العقل والحكمة والسيرة النبوية.. وليس المُهِمّ أن تدعو، بل المهم إذا دعوت أن يستجيب الناس لك، وليس المهم أن تقاتل، ولكن المهم أن تنتصر في القتال، أما إذا لم يحقق القتال النصر فهذا يكون انتحاراً وعملاً عابثاً، وإذا كان العملُ سيفشل مهما بذلتَ فيه فهذا لا يكون عملَ الأطفال وحسب، بل عملَ من لا عقول لهم.

تصير من النفوس العاصفات إذا التقيتَ بإنسان يهديه الله عز وجل على يدك بحكمتك وعقلك وتواضعك وإخلاصك وبالعلم والمعرفة، فتكون قد عَصَفْتَ منه ومن نفسه الباطلَ وأنقذته من الهلكة أو الغفلة أو من غضب الله عزَّ وجلَّ.

﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات:3] هل أنت مقتدٍ بالملائكة والأنبياء وأرواح الصالحين الذين نشروا الإيمان والعلم والحكمة ونقلوا الناس من الظلمات إلى النور حتى يحلف الله بك كما حلف بالأرواح التي سبقتك ومضت عبر الزمان؟

﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4] فالنور إذا ظهر تستطيع أن تفرق به بين الأبيض والأسود، وتستطيع أن تفرّق بين الطريق السَّويِّ والطريق الخَطِر الوعر.

ذكر الله عز وجل

﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] التي تلقي في القلوب ذكر الله عز وجل وتعلِّم النّاس كتاب الله لا مجرد تلاوته وتجويد وإجادة النطق بحروفه، فالتجويد هو إجادة النطق بأحرف القرآن، أمّا الإجادة بأن تُفْهِم الناس معاني القرآن وحقائقه ويكون لك من النور والصدق والإخلاص ما يَجْعَلُ نورَك إلى قلوب المستمعين يَسْبِقُ كلامَك وتفسيرك وتعليمك.

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يُهدَى لعاصي

“وأخبرني بأنّ العلم” ليس قراءةً فقط ولا كتابةً فقط، “بأنّ العلم نور” نور في القلب يضيء الطريق فتُفَرِّق بين الكفر والإيمان وبين الهدى والضلال وبين السم والعسل، وإذا صار الضوء مكشوفاً وفرّقت بين كأس العسل وكأس السم، فبعد التفريق والوضوح أيهما تختار؟ العسل، أما لو أن النور لم يظهر فيمكن أن تأخذ كأس السم بدل كأس العسل، نسأل الله أن يجعلنا من الأرواح والعقول والنفوس الفارقات فرقاً.

متى يبدأ الإنسان بالتذكير بذكر الله عز وجل؟

﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] فبعد تقديم الرّسالة بالحكمة والمعرفة ووضوح البيان مع قوة الرّوح والإيمان العاصفة عصفاً والناشرة نشراً، الموضحة للرسالة بالشكل الذي لا يبقي شَكَّاً أمام المستمع ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4] يصير المستمع يفرق بين الحقيقة والخرافة، وبين الحق والباطل، فعند ذلك ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] مثل الفلاح الذي يُنقّي الأرض من أحجارها ومن جذورها ثم يحرثها ثم يهيئها حتى تَصْلُح لقبول البذار، فعند ذلك ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا فتُبَلِّغُها رسالةَ اللهِ بعد أن هيأتَها لقبول الرسالة.

لا قبول لعذر من اعتذر عن عدم الإيمان

﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا [المرسلات:6] فقد بلّغ النَّبيُّ ﷺ الرسالة وكذلك بلّغها الأنبياء ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] فإذا لم يُبَلِّغ الله الرّسالةَ للناس [قد يقولون إن لهم حُجة أو عذراً]، ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] فلو لم يكن هناك رسول سيعتذر الناس ويقولون: “يا رب لم نعرف رضاك ولا تقواك ولا الدين الذي يجب أن ندين به، فهل تريد أن تؤاخذنا وتعذبنا؟” فهذا يكون عذراً لهم، أمّا بَعْدَ ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا [المرسلات:6] لقَطْعِ أعذار المعتذرين ﴿أَوْ نُذْرًا إنذاراً للمستكبرين والمتعالين والمتمَرِّدين على أمر الله عزّ وجل.

لماذا حلف الله عز وجل خمس أيمان؟

فكم يمين حلف الله تعالى؟ ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا هذا أول يمين، ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا هذا اليمن الثاني ﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا هذا اليمين الثالث ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا خمس أيمان، فهل صدَّقتم الله؟ فالله عز وجل يُصدَّق من غير يمين.. فكم يتودد الله عز وجل إلينا! وكم هو رحيمٌ بنا وحنَّان علينا ويهتم بهدايتنا وسعادتنا! ويحلف لنا الأيمان، فمن أنت حتى يحلف لك؟ إذا أراد رئيس الجمهورية أن يبلّغك رسالة فهل يحلف لك خمس أيمان حتّى تقبل كلامه؟ وهل يحلف شرطي السير خمس أيمان حتى تمتثل أمره؟ هذا رب العالمين ورب الكون يحلف لك الأيمان! فهل قَبِلْتَ رسالته؟ وعلى ماذا يحلف لنا؟ وماذا يريد منا أن نفعل حتى يحلف لنا هذه الأيمان؟

قال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات:7] أقسم بهذه الأيمان الخمسة بأنّ ما وعد الله عزَّ وجلَّ عباده من مكافأة المؤمن بالجنّة وعقوبة الكافر بجهنّم، ومن ثواب التّقي الصالح وجزاء الفاسق الفاجر، ومن نصرة الحق إذا قام أهله بنصرته وأداء حقوقه، وخذلان الباطل إذا وقف الحقُ في وجهه وبالتخطيط الإلهي، لا بحسب مزاجك وبحسب أهوائك.. فلو وُجِد للإسلام الدّعاة الأكفاء واللهِ لن يحتاجوا لضرب ولا لحرب ولا لنزاع، لا في بلادهم وأوطانهم ولا خارج بلادهم وأوطانهم.. والإنسان الآن في الغرب وإلى اليابان في خواء وجوع روحي، فهو مثل المنقطع في الصّحراء يكاد أن يَقْطَعَ عنقَه العطشُ والظّمأُ، فينتظر كأساً من ماء الدّعوة من داعية يحمل هذه المعاني، فتَجِدُهُ كما قال الشاعر

لو يَسمعَون كما سَمعتُ كلامَها خرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُوداً

فهذا العصر عصر الإسلام وعصر الدّعوة والدّعاة، والدّاعي إذا لم يتخرّج من مدرسة الدّعاة [لا يكون كما] قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا [فصلت:33] فالدعاة ورثة الأنبياء الذين يعلِّمون الكتاب والحكمة، والحكمة: هي الأسباب والمسبَّبات والمكان والزمان والإمكان والمقدار، فالطبيب هل يستطيع أن يعطي المريض الدّواء دفعة واحدة ويقول له: اشرب العبوة دفعة واحدة بدل أن يشربها في شهر، أو يشرب خمسين حبة في ساعة واحدة بدل أن يشربها خلال خمسين يوماً، فهل يصل إلى الشفاء أم يصل إلى القبر؟ ((إن اللَّهَ لا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ أَحَدكم)) 6 .

فالصحابة رضي الله عنهم كانوا أميين، ليس عندهم كليّة شريعة ولا ثانوية ولا ليسانس ولا دكتوراه ولا ماجستير، فهذه كلّها ألفاظ أجنبيّة أَتَتْ إلى بلاد المسلمين، ولا مانع أن نستخدم مراتب العلم.. أما مع كل هذه الشهادات والجامعات والأزهر فهل تكون النتيجة كما أنتج الأمّيّون في زمن رسول الله؟

فالنبي ﷺ أُمِّي وهو سيد الأميين وسيد العالمين، وتلامذته كلّهم لا يوجد عندهم ابتدائية ولم يكونوا يقرؤون ويكتبون، وفي ثلاث وعشرين سنة فقط جعل الجزيرة العربية أعظم جامعة في الدنيا، وأعظم مدرسة في العالم، وجعل الذين تخرجوا منها يعتز ويفتخر بهم التاريخ، فالآن عندما نريد أن نفتخر بمن نفتخر؟ هل نفتخر بماضينا أم بحاضرنا؟ بأحيائنا أم بأمواتنا؟ بأمواتنا وماضينا.. والماضي لا يفيدنا شيئاً، ويجب أن نكون أبناء حاضرنا ونُهَيِّئ الأمور التي تجب لمستقبلنا.

فنسأل الله أن يهيئ النّفوس المرسلات عرفاً، فالعاصفات عصفاً، والناشرات للعلوم نشراً، والعاصفات تُطَهِّر في طريقها وتزيل كل ما يقف في طريق الحقيقة والإيمان والإسلام ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] خمس أيمان لماذا؟ ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات:6] أنت يا مسلم وأنتِ يا مسلمة عندما يقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] هذا هو وعد الله، وما معناه؟ أي عليك أن تفعل الخير ولا تزهد به ولو كان الخير مثقال ذرة، وإذا كان الخير رطلاً أو كان عشرين رطلاً أو كان طنّاً! فالله تعالى يقول لك لا تزهد في الذّرة وافعلها وأكافئك عليها وهذا وعد الله ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] وأيضاً لا تستهن بعمل الشّرّ ولو كان مثقال ذرة ولو كانت فكرة أو كلمة أو حرف، يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ))، لم يقل له: “اقتله” اِقْسِمْ كلمة “اقتل” نصفين، ماذا يقول له؟ “اق” لم يكمل اقتله، فهذا شطر كلمة ((مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مكتوباً بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)) 7 . وإذا أعان بشطر كلمة على أيّ عمل من أعمال السّوء أو أعمال المعاصي أو الفسق أو الإضرار بالناس أو الغش أو الكذب أو الإخلاف بالوعد أو التفريق بين الأحباب والأصحاب، فكل ما يغضب الله ولو شطر كلمة مسجَّلة عليك، ويكون الثواب في الخير والعقوبة في الأذى بمقدار ذلك العمل، فالأَيمان كلها لتحقيق ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات:6].

أنواع الحساب عند الله عز وجل

فالحساب واقع، وقد وعد الله أنه سيحاسبك، فهناك حساب سريع ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [إبراهيم:51] وهناك حساب متوسط، وهناك حساب في آخر العمر، وهناك حساب في القبر، وهناك حساب في عالم البرزخ، وهناك حسابٌ يوم القيامة، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

متى يقع هذا الوعد؟ فالحساب العام الذي يشمل كلّ الأمم ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة:109] فهل بلّغتم؟ لذلك كان النبي ﷺ عندما يبلّغ يسألهم: ((هل بلغت؟ فيقولون له: نعم، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: اللهم فاشهد)) 8 . ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ بعد موتكم ﴿قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109].

مقدمات يوم القيامة

﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات:8] تبدأ مقدمات القيامة، والظاهر أن مجرتنا تنهار كلها وتفنى، وتفقد نجومُها نورَها إمّا بتفجرها أو بما يعلمه الله عز وجل.

﴿وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ [المرسلات:9] الآن نرى النجوم، ومن الممكن ألا نراها ويصير الطريق مفتوحاً إلى مجرة أخرى وإلى عالم آخر لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ، ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48] فتتغير هذه السماوات بشموسها وأقمارها ونجومها، فالنجوم طُمست والسماء فرجت وزالت هذه السماء إلى سماء وسماوات أخرى، هذه هي الرحلة، ألا تريد أن تقوم برحلة؟ [القيام برحلة هنا كما في الاستخدام العامِّي بمعنى الذهاب في نزهة إلى بلد أو مكان ما، وهذا شيء ممتع عادة عند الناس] وأيّ رحلة! نسأل الله أن يجعلها رحلة السعداء.

﴿وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ [المرسلات:10]، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا [طه:105] إشارةً إلى تَفَجُّر عالم الكرة الأرضية، وهذا علمياً ثابتٌ ويعتبر من الحقائق العلميّة، فكلّ نجم وكل كوكب وكل قمر له أجل ينتهي بانفجاره وتحوِّله إلى هباء منثور.

﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ [المرسلات:11] أيضاً توقيت لقاء الرسل بالله في محكمة الله عز وجل ليشهدوا لأممهم أو على أممهم ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] إذا شهد عليك النّبي ﷺ وسُئْلت: هل وصلتك الرسالة؟ تقول: نعم، فتُسأل: ماذا عملت؟ تجيب: لم أعمل شيئاً.. وشريط الفيديو موجود، فهل تستطيع أن تنكر كلامك عندما تنطق صورتُك بكلامك الذي تكلمت به؟ وهل تستطيع أن تكتم أو تنكر أو تخفي؟ هذا فيديو من صنع الإنسان فكيف بفيديو من صنع رب العالمين؟ فأعمالك مسجلة وكلماتك مسجلة، وخفايا نفسك وضميرك وما يكنّه صدرك كلّه مسجل، وما معنى ﴿عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ [الملك:13]؟ يعني نظّف صدرك ونواياك، ونظّف فكرك وأفكارك من كلّ سوء، فإنّ الله ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].

﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ [المرسلات:11] أقّت لها الوقت لتكون شاهدة في محكمة الله، المحكمة التي قاضيها ربّ العالمين.

يوم الفصل

﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ [المرسلات:12] توقيت الرسل وحضورها في المحكمة في أيّ يوم؟ قال: ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ يفصل الله عزّ وجل في يوم القيامة بين الإيمان وأهله وبين الكفر وحزبه، ويفصل بين السعداء والأشقياء، ويتبين فيه السعيد من الشقي والكافر من المؤمن، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].

﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ [المرسلات:13] فهل ستكون في يوم الفصل من بيض الوجوه أم من سود الوجوه؟ وهل ستكون في يوم الفصل ممن أوتي كتابه بيمينه إلى الجنة؟ حيث يُفْصَلُون لِوَحْدِهم، أو ممّن أوتي كتابه بشماله إلى جهنم؟ ويُفْصَلُون لِوَحْدِهم، أو ممن أوتي كتابه وراء ظَهره؟ الذي جعل القرآن في هذه الحياة وراء ظهره ولم يجعله إماماً يقتدي به ويُحِل حلاله ويحرم حرامه.

﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ [المرسلات:13] هل حسبت حساب يوم الفصل؟ فالطالب المجد يحسب حساب الامتحان من أول السنة؟ ويهيئ المزارع البذار الذي سيزرعه قبل بذاره بأيام أو شهور أو من السنة الماضية، فيأخذ القمح الذي يريد بيعه والتّغذي به ويترك قسماً ليزرعه في السنة الآتية، فهل حضَّرنا أنفسنا ليوم الفصل لنكون من أصحاب اليمين، ممن ابيضَّت وجوههم وممن يظلِّهم الله في ظل عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه؟ هذا هو القرآن! وتظهر معاني القرآن وآثارها العملية عند من كان له قلب، والقلب كما قال الشاعر

قلوبٌ إذا منه خَلَتْ فنُفوسُ لأحرفِ وَسوَاسِ اللَّعِينِ طُرُوْسُ

إذا لم يكن قلبك ذاكراً فأنت صاحب نفس أمَّارة بالسوء.

“لأحرف وسواس اللعين طروس”: قلبك فيه كتابٌ، من ألَّفه؟ الشيطان، ويُسيِّرك الشيطان على مقتضى هذه الخريطة وهذا الكتاب.

وإن مُلِئَتْ منه ومن نور ذِكْرِهِ فتِلكَ بدورٌ أشرقتْ وشُموسُ

“إذا مُلئت منه” إذا ملئت القلوب من جلال الله وعظمته وخشيته ومن نور ذكره.

“فتلك بدور أشرقت وشموس”، نسأل الله أن يجعلنا ممن له قلب -ليس أو ألقى- بل وألقى السّمع وهو شهيد، إذا لم يكن عندك قلب، فعلى كل حال فَكِّر: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82] فهذا بالفكر، ﴿أَمْ عَلَى ‌قُلُوبٍ ‌أَقْفَالُهَا [محمد: 24] فهذا لا يتدبر وليس له قلب منفتح ليدخل فيه نور القرآن فيتحوّل إلى الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والأرواح العالية العطرة المقدّسة.

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ [المرسلات:14] هذا يوم الفصل يوم عظيم فهل تعرفه؟ لا تعرفه، كان من إيمان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومن عمق إيمانهم وصفاء قلوبهم يرون يوم الفصل، قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] يُلهي الناسَ جمعُ المال ومشاغل الدنيا وتكاثر منافعها ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يبقى سكراناً في الدنيا وهمومها وجمعها حتى يصل إلى المقابر﴿كَلَّا لا يلهكم التكاثر ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ فاليقين من أعمال القلب ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر:6] بعِلْمِ اليقين يَصِير قلبُك تلفازاً إلهياً، ألا نرى اليوم ما في القمر بالتلفاز الأرضي؟ فإذا صار قلبك حياً بذكر الله تظهر فيه صور الدار الآخرة من الحساب والعذاب وجهنم والنار، كما قال أحد الصحابة عندما سُئِل ((كَيْفَ أَصْبَحْت؟ قال: أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا، فقال له النبي ﷺ: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟)) الإيمان الحقيقي الحي ((قال: أَصْبَحْت وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا)) وظاهراً، فإذا كان أحدنا أمام جلال الله كيف تكون خشيته وتعظيمه لأمر الله؟ ((وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ في نعيمهم، وإِلَى أَهْلِ النَّارِ في عذابهم، فقال له النبي الكريم: عَرَفْتَ فَالْزَمْ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ قلبه بالإيمان)) 9 .. هذا لمن كان له قلب، وهذا هو

وإن مُلِئتْ منه ومن نور ذكره فتلك بدور أشرقت وشموس

﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ [المرسلات:11] جُعِل لها وقت معين تَحْضُرُ فيه ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ [المرسلات:14] وما أدراك ما أهواله! وفيه مصيرك الأبدي؛ فيه سعادة الأبد ونعيم الأبد وصحة الأبد وشباب الأبد أو شقاء الأبد.

مصير المكذبين

قال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:15] أي بيوم الفصل ويوم القيامة ومحكمة الله ومحاسبة الله، فهل أعمال المسلمين اليوم قائمة على الإيمان بيوم الفصل؟ يكذب، فهل حسب حساب يوم الفصل؟ يغتاب ويحقد ويحسد ويظلم ويبغي ويسرق ويتعدى ويترك فرائض الله ويرتكب محارم الله، فهل هذا مؤمنٌ بيوم الفصل؟ أم الويل له من يوم الفصل؟

﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ لماذا التكذيب بوعد الله ووعيده وعقابه وثوابه؟ [ألا يرون حساب الله في الدنيا؟] فيوجد حساب في الدنيا وحساب في الآخرة، وحساب الدنيا هو الحساب الصغير، فالحساب الصغير قال تعالى فيه: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ [المرسلات:16] الذين لم يقبلوا رسالة الله ولم يستجيبوا لأوامر الله كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ [المرسلات:17] كفارَ قريشٍ الذين أصرّوا على كفرهم، ألم يتبعهم الله بالمكذِّبين الأوَّلِين؟ وذلك في حياة النبي ﷺ.

قال: ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات:18] كذلك نفعل بالمجرمين بعد وفاة النبي ﷺ، والآن هل للمسلمين العطاء الذي أخذه المسلمون الأولون؟ ففي خلافة عثمان وصل جيش العرب إلى الصين، وهل كان ذلك بالعروبة أم بالإسلام؟ فالعروبة ليس فيها شيء، وهي أن تنطق باللغة العربية، وهي لا تعطي ربحاً ولا علماً ولا تجارةً ولا صناعةً، فالجاهل الأحمق يتكلم بالعربية، والطّفل الصغير يتكلم بالعربية، أمّا الإسلام فهو مبادئ وعقائد، وينتهي الأمر فيه إلى أن تكون الإنسان الفاضل وتكون عائلتك العائلة الفاضلة، وأمّتك خير أمّة أخرجت للناس، وحُكْمك شهد له الأعداء بأن قالوا: “ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب”، وكذلك النتائج بعد وفاة النبيِّ ﷺ، ففي عشرين سنة وصل الجيش العربي في الإسلام إلى بكين وفي إسبانيا، ولم يكن جيشَ احتلال أو استعمار أو نهب أو إذلال للشعوب.

ماذا فعل الاستعمار في أفريقيا للأفارقة المساكين؟ استولى على بلادهم جهلاء وتركهم وهم جهلاء بعد أن أمّن مصالحه الاقتصادية والاستعمارية، أمّا الإسلام فعندما فتح البلاد التي فتحها فقد ملأها علماً وحكمةً وحضارةً وتقدّماً وإنسانيةً وأخلاقاً وأمجاداً، وسطَّر لها في التّاريخ من الأمجاد ما لم يُسطَّر لأمةٍ مضت ولا لأمةٍ تأتي من المجد والفَخَار والعلم والحكمة والإنسانية.

إلى ماذا يحتاج الإسلام في هذا العصر؟

والإسلام لا يحتاج في هذا الزمان إلا لرَجُلَين؛ عالمٍ حكيمٍ وحاكمٍ مؤمن يلتقي مع العالم الحكيم، ويمثلان شخصاً واحداً كجناحي الطائر، وكما ورد في الحديث: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمان لا يَصْلُحُ أحدُهما دونَ الآخر، فالإسلام أسٌّ والسلطان حارس)) 10 فالإسلام أسٌّ كتربية وعلم وحكمة وتزكية للنفوس، والسلطان بقوته حارس، ((فما لا أسَّ له ينهدم)) فمجتمع أو دولة لا تقوم على العلم والحكمة والأخلاق ينهدم، ((وما لا حارس له يضيع))، وإذا لم يكن للإسلام حُكْمُ يحرسُه ويُشَجِّعه ويتعاون معه يضيع، وهكذا ضاع المسلمون.. وإن شاء الله وبفضله نسأله أن يعيد للإنسان رسالة الله رسالة الإسلام، ويجعل العالِم والحاكم كجناحي الطائر، وأن يحقق الآمال، ليس للعرب ولا المسلمين فقط، ولكن للإنسانية جمعاء.

قال: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ [المرسلات:16] أيها الإنسان سواءٌ في زمن النبي ﷺ أو في أيِّ زمان لماذا لا تستجيب لنداء الله؟ ولماذا لا تعمل برسالة الله؟ ولماذا لا تتعلم القرآن العلم الذي يوصلك إلى حقائقه؟ أما رأيت كيف أهلكنا الأولين عندما خالفوا أوامر الله ثم أتبعهم بكفار قريش؟ كذلك أنت ولو ادِّعيت الإسلام بأهوائك وبأمانيك الخيالية! فإذا لم يكن إسلامُك عَمَلِيّاً قلباً وعقلاً وحياةً ودنيا وآخرة فكذلك نفعل بالمجرمين.

﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:19] الذي لا يفكّر كيف أهلك الله الأممَ قبلنا، ونحن كذلك يا بني، فالاستعمار في زماننا لم يترك بلداً إسلامياً من إندونيسيا إلى المغرب إلا وقد استولى عليه، ونحن مستعمَرون، فهل نحن المسلمون الذين ذكرهم الله في القرآن؟ لا واللهِ، والآن إذا قام كل واحد منا بما يجب في أهله وجيرانه وفي إخوانه وأصدقائه ويُبلِّغ ما عَرَف من رسالة الله عز وجل لعل الله يجعل نفسه وروحه من أرواح المرسلات عرفاً فيُباهي الله بنا ملائكته في السماء.

اللهم اجعلنا هادين مهديين، ولا تجعلنا ضالِّين ولا مضلين، ولا تخزنا في الدنيا ولا يوم الدين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (16998)، (3/ 103)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (1281)، (2/ 58)، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
  2. المدخل لابن الحاج، (2/ 295)، بلفظ: ((قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقُولُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ ظَالِمٌ))، وفي إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد للمليباري ص: (174)، عن أنس رضي الله عنه موقوفاً عليه: بلفظ: ((رب تال للقرآن والقرآن يلعنه)). وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، من قول أنس رضي الله عنه. (1/274).
  3. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8312)، (8/174)، الطب النبوي للأصبهاني، رقم: (113)، (1/236)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بلفظ: «اغْزُوا تَغْنَمُوا، وَصُومُوا تَصِحُّوا، وَسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا».
  4. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يُكرَه من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، رقم: (2874)، (3/ 1105)، عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ...)).
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك..}، رقم: (4686)، (6/ 74)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، (4/ 1997)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، عن أبي موسى رضي الله عنه.
  6. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8542)، (9/98)، أبو داود في مراسيله (58). وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4452)، (6/ 440)، بلفظ: "عَنْ مَعْمَرِ بن بُرْقَانَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ وَلا يَخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ.. إلخ"، وفي السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (6014)، (3/ 215)، ((قال ابن شهاب وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب: كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ ولا يحف لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا وما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله فلا يكون شيء إلا بإذن الله)).
  7. سنن ابن ماجه، كتاب الديات، باب التغليظ في قتل مسلم ظلما، رقم: (2620)، (3/ 640)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب النفقات، باب تحريم القتل من السنة، رقم: (15646)، (8/ 22)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)).
  8. صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (1218)، (2/ 886)، سنن أبي داود، رقم: (1907)، (2/122)، سنن ابن ماجه، رقم: (3074)، (2/1022)، عَنْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، بلفظ: ((وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)).
  9. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (3367)، (3/266)، مسند البزار، رقم: (6948)، (13/ 333)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في الزهد وقصر الأمل، رقم: (10591)، (7/ 363)، بلفظ: ((عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، قَالَ: "يَا حَارِثَةُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا))، وفي رواية أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أضاف: ((عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ)).
  10. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
WhatsApp