تاريخ الدرس: 1995/01/20

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:19:35

سورة الإنسان، الآيات: 23-31 / الدرس 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد سيّد ولد آدم، سيّد الأولين والآخرين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين، وآل كلّ وصحب كل أجمعين، وبعدُ:

أنواع الإنسان في القرآن الكريم

فنحن لا نزال في تفسير سورة الإنسان، سميت هذه السورة بسورة الإنسان أي كيف ينبغي أن يكون عليه الإنسان حتى يسمّى إنسان الإسلام والقرآن، أو حتى يسمى الإنسان الإنساني؛ لأن هناك أناساً كثيرون أجسامهم أجسام الإنسان لكنّ نفوسهم نفوس الحيوان، ونفوس بعضهم نفوس الوحش، فالحيوان لا يعرف إلّا بطنه وفرجه ولهوه ولعبه، والوحش لا يعرف إلّا أن يتعدَّى قويه على ضعيفه، وهناك الإنسان الشيطان الذي من دأبه وطبيعته أن يفسد في الأرض ولا يعرف الصّلاح ولا الإصلاح، أينما وَجد صلاحاً أفسده، وإذا وجد مصلِحاً يحاربه ويخرّب عليه عمله، أمّا الإنسان القرآني والإنسان الإسلامي الحقيقي فهو الذي ذكر الله بعض صفاته في سورة الإنسان، وإن كانت هذه الصفات تعتبر ككليات، ولكن القرآن ذكر في مواضع كثيرة بقية أوصافه بشكلها التفصيلي البياني الواضح.

فالإنسان البهيمي ذكره الله في القرآن الكريم بقوله: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ [الفرقان:44] أي كالدواب، وفي آيةٍ أخرى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ [الحجر:3].

أمّا الإنسان الشيطان كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام:112] يفسد بين الناس بأعماله وأقواله وحسده وأحقاده وغِلِّه وغشّه وخيانته وكفره وفسقه وفجوره.

أمّا الإنسان المسلم الحقيقي، فهو الإنسان الرباني والإنسان القرآني، والمسلم الحقيقي هو ما حصّل على الصفات التي ذكرها القرآن بصورة خاصة في سورة الإنسان، فالإنسان هو الإنسان الحقيقي، والإنسان قبل أن يدخل في معمل تصنيع الإنسان هو “حيوان ناطق” بحسب اصطلاح الفلاسفة وعلم المنطق، وكذلك الحمار حيوان ناطق، فالإنسان يفهم لغة الإنسان والحمير تفهم على بعضها.

من هم الأبرار؟

فأول صفة ذكرها الله تعالى عن الإنسان الإنساني: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ [الإنسان:5] الأبرار: جمع، ومفرده: البَرّ، فمن أسماء الله البَرّ الرحيم، فالله عز وجل مصدر البِر ومصدر الخير والكمال والعلم والحكمة، فأول صفة في الإنسان أن يُحَصِّل على صفة البِر حتى يأخذ لقب البارّ أو البَرّ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:28] والإنسان الذي يحرص على هذه المعاني يقال له: بَرّ وجمعه أبرار ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] فهم في نعيم في الدّنيا والآخرة.

عندما دخل العرب في مدرسة الله وسلَّموا قيادتهم لمعلّم السّماء، وجعلوا قلوبهم وعقولهم صفحاتٍ يكتب فيها رسول الله ﷺ تعاليمه وتربيته وسننه صاروا من الأبرار، وحصّلوا بصفة البِرّ والخير على أعلى ما يصل إليه الإنسان في الدّنيا، وصاروا أعظم أهل الأرض دولةً وأمة وعلماً وحكمة وأخلاقاً وإنسانية، كانوا يمثلون هيئة الأمم وكانوا يمثلون بالقوّة الصادقة مجلس الأمن، ومثَّلوا الدولة العادلة بين كلّ شعوب العالم التي تخيَّلها الفلاسفة بخيالهم، كانوا العائلة الفاضلة والمجتمع الفاضل والعروبة الفاضلة؛ عروبة العلم والحكمة، فالعروبة لغة والنبي ﷺ يقول: ((من تكلم العربية فهو عربي)) 1 ، فاللغة للتفاهم بين الناس، فإذا كانت بلا علم ولا حكمة فهذه لا ترفع أصحابها ولا تخفضهم، إنّما الرفع بالعلم والحكمة وتزكية النفس ومكارم الأخلاق للإنسان الفرد أو الأسرة أو المجتمع.. أو إلى آخره.

فأول ما وصف الله الإنسان الفاضل بالأبرار، وقيل: “الْبَرُّ هو من لَا يُؤْذِي الذَّرَّ” 2 فالذّر النمل الصغير، أي لا يكون مصدر أذى لأحد بقول ولا بعمل ولا بِنِيَّة ولا بفكر، وبعضهم يقول

لا تؤذِ نَملاً إن أردت كمالَكَ فإنّ لها نفساً تُحسُّ كما لَكَ

“لا تؤذِ نَملاً إن أردت كمالَكَ” إن أردت الكمال في البر لا تؤذِ نملة، “فإنّ لها نفساً تُحسُّ كما لَكَ” فإذا كسرت لها رجلها فإنها تشعر وتتألم كما إن كسرت رجلك، وإذا دهستها فإنها تشعر كما إن دهستك سيارة.. فالبَرّ هو من لا يؤذي الذر، إلا ما أذن الشارع بقتله من المؤذيات، كقول النبي ﷺ: ((اُقْتُلُوا اَلْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ)) 3 وورد الأمر بجواز قتل الفأر 4 ، يعني اقتلوا كل مؤذٍ.

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ [الإنسان:5] فأول صفة في الإنسان والإنسانية أن يكون من الأبرار لا يؤذي أحداً ويوصل الخير إلى كلّ أحد بكل ما يستطيع فعله ويمكنه.

من صفات الأبرار: العبودية الكاملة لله عز وجل

والصفة الثانية: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6] العبودية الكاملة لله، وامتثال أوامره في السر والعلن، وفي الرضا والغضب، وفي الحب والكراهية، مع العدو والصديق، ويمتثل أمر الله، فهل يجوز أن تظلم عدوك أو تأكل ماله؟ حتّى في كتب الفقه ذكروا: كما يحرم غيبة المسلم للمسلم تحرم غيبة المسلم للنّصراني أو اليهودي المواطن المسمّى بالذمي، وهو النّصراني المواطن الذي ليس بمحارب، أما إسرائيل فهي دولة محاربة لا ينطبق عليها هذا الكلام، فالمواطن في الدولة المسلمة له ما لهم وعليه ما عليهم.

فهذا الإسلام ليس مثل قرارات هيئة الأمم التي كتبوها على الأوراق لكنهم لم يكتبوها في الواقع العملي، فقرارات مجلس الأمن طُبِّقت في العراق لكن هل طُبِّقت في إسرائيل؟ وحقوق الإنسان تطبق حسب أهوائهم وأغراضهم وأهدافهم، أمّا في الإسلام فلو سَرقت فاطمة بنت محمد لأقيم عليها الحد، فالنبي ﷺ يقول: ((إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) 5 .

فالعبودية لله: امتثال أوامره في كلّ الشؤون وكل الحالات، سواء كان مَلِكاً أو مملوكاً، قوياً أو ضعيفاً، غضباناً أو راضياً، مع العدو والصديق، فهو عبدٌ لله يمتثل ما يأمره أن يفعله أو ينهاه عن فعله.

من صفات الأبرار: الإيفاء بالنذر والخوف من يوم القيامة

ثمّ الصفة الثالثة من الإنسان: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] فلا يكتفي لاكتساب رضاء الله أن يُنَفِّذَ ويفعل ما فرضه الله عليه، فقد فرض الله عليه الصلاة فيصلي، وفرض عليه الزكاة فيزكي، لا يكتفي بذلك، بل يفرض على نفسه فرائض ممّا يحبه الله ويرضاه من الأعمال وأفعال الخير زيادة عما فرضه الله عليه من فرائض.

هذه صفة الإنسان الإنساني القرآني، والإنسان المسلم الحقيقي لا المسلم المزيَّف الكاذب المنافق، فلو ادَّعى الإسلام وتمنَّاه ولم يكن بكامل العبودية مع أوامر الله فهذا مسلمٌ كاذب مزيَّف منافق، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145] في الطابق الأسفل من النار ﴿وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا [النساء:145] تابوا: تركوا صفاتهم الماضية، وأصلحوا: ما أفسدوا في الماضي ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146].

والتّوبة أن تترك أعمالك وأخلاقك ورفاق السّوء وكلَّ شيء لا يرضي الله وتبدِّلها بعكسها، فهذه هي التوبة الصادقة والتي يُرجى لصاحبها أن يغفر الله له ما مضى من ذنوبٍ وسيئات.

ومع كونهم من الأبرار وكونهم في تمام العبودية والطاعة لله، ويزيدون على فرائض الله فرائض يفرضونها على أنفسهم ابتغاء مرضاة الله حالهم كما ذكره الله تعالى: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7] وهو يوم القيامة، وأهوالها تنتشر في كل الآفاق، فكل الأمم خائفة مرتعبة وَجِلَة من محاكمة ومحكمة الله عزّ وجل، فكيف إذا لم يكن من الأبرار ولم يكن عبداً لله بل عبد البطن والفرج، عبد الهوى واللهو واللعب! فهو ليس من الأبرار لأنه يؤذي الناس بلسانه وأعماله.. الخ، ولا يتقرّب إلى الله زيادة عما فرضه عزّ وجل، فهل هذا إنسان القرآن وإنسان الإسلام؟ وهل هذا الإنسان الإنساني؟ هذا إما حيوان وإما وحش وإما شيطان.

من صفات الأبرار: إطعام الطعام مع الحاجة إليه

ومع الصفات السابقة التي ذكرها قال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] فمع حاجته إلى الطعام إذا وجد غيره بحاجة إليه يؤثره على نفسه، ويقول له: “تفضل هذا العشاء” وينام هو بلا عشاء، وقد ينام أهله وأطفاله بلا عشاء إيثاراً لغيره على نفسه، ما اسم هذه في لغة العصر؟ هل هي إنسانية؟ بل فوق الإنسانية بأن يؤثر الغير على نفسه وهو بحاجة إلى الطعام، فيبيت جائعاً ويطعم غيره من الجياع.

﴿مِسْكِينًا الفقير، هذه من حقوق الإنسان، هذا المسكين أليس إنساناً؟ أليس من حقوقه على المجتمع كفايته؟ فهذا القرآن في حقوق الإنسان يعطي المحتاج إلى الطعام من مسكين وفقير حقه.

﴿وَيَتِيمًا [الإنسان:8] واليتيم: هو الطفل الذي لا والد له، أمّا إذا بلغ مبلغ الرجال ولا والد له فهل اسمه يتيم؟ لا، بل اليتيم هو الطفل الذي فقد والده.

﴿وَأَسِيرًا [الإنسان:8] الأسير: هو العدو، فمع حاجته إلى العشاء يقدِّم عشاءه الذي يحتاجه لنفسه إلى عدوه الذي هو أسيره.

فعندما يقرأ أحدنا سورة الإنسان هل يفكّر أن يتخلّق بها حتى يكون إنسان القرآن؟ هذا معنى قول النبي ﷺ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) 6 ، وليس فقط أن يَعْلَمَه ليعمل به، بل يجب أن يَعْلَمَه ليفهم القرآن ثم يعمل به ثم يعلِّمه للآخرين ليصير بذلك مسلماً.

أنتم وكل من يسمع تفسير سورة الإنسان؛ فهل نريد أن نصير مسلمين حقيقين أم نغش أنفسنا، ويغشنا الشيطان ونكون خاسرين في الدنيا والآخرة؟

عندما عمل المسلمون الأُوَل بسورة الإنسان ربحوا بأشخاصهم وبمجتمعهم وبجيوشهم وبدولتهم، وصنعوا التاريخ المزهر المشرِّف وتاريخ الأمجاد وتاريخ الإنسانية وتاريخ الحضارة، وتاريخ العلوم والحكمة، وكان ذلك بقرآن العِلْم والعمل وقرآن المعلِّم الحكيم المزكِّي.

من صفات الأبرار: الإخلاص لله عز وجل

للإطعام غاية ليست لمجرد الإطعام، فقد يطعم أحدهم الفقراء لكن حتى يُمدح بين الناس ويقوم بدعاية انتخابية لنفسه، فالذين يترشحون لمجلس النواب ألا يصنعون طعاماً وقت الانتخاب؟ وهل إطعامهم لوجه الله أم حتى نعطيهم أصواتنا؟ إذاً هذا ليس لوجه الله، إذا كان لوجه الله فعليهم أن يطعموا الطعام في غير وقت الانتخابات، وعندما تنتهي الانتخابات يصنعون كل شهر طعاماً يدعون الفقراء ولا يريدون مدحاً ولا انتخاباً ولا أي مصلحة شخصية، إلا: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9] وإلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.

حال السلف في إخفاء الصدقات

كان بعض السلف الصالح إذا أراد أن يتصدق على فقير يمرُّ على داره في ظلام الليل ويضع المال في صُرَّة ويلقيها من فوق الجدار، حتّى لا يعلم صاحب الدّار من الذي قدّم له المال وحتّى لا يخجل منه، ولا يعلم به أحد حتى لا يكسب مديح الناس أو ثناءهم، فهؤلاء كانوا يفهمون القرآن ويقرؤونه ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:121] يتلونه حق التّلاوة، وقد تتلوه لكن ليست التلاوة الحقة، بل التّلاوة غير الحقة، فقط لمجرد القراءة، فلا تفهمه ولا تريد أن تفهمه، ولو فهمت لا تريد أن تعمل، وإن عملت لا تريد أن تعلّم، تقول: “ليس لدي الوقت ولست فارغاً”، فالمسلم الحقّ هو الذي يقدِّم دينه على كلّ شيء في حياته، حتّى يقدّم دينه على حياته وعلى نفسه وعلى أولاده وعلى وجوده.

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً [الإنسان:9] لا نريد منكم مقابلاً بأن تقول: “أنا عملت معك معروفاً وهكذا تفعل معي؟” فلا يطالبه بشيء، ولا ينتظر منه شيء ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً [الإنسان:9] حتى ﴿‌وَلَا ‌شُكُورًا ولا مدحاً، فلا تمدحني ولا تذكر أنّي فعلت معك.

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت الصدقات إلى الفقراء تقول لمن يحمل الصدقة عند رجوعه: “ماذا قال الفقير عندما أعطيته؟” فيقول: “دعا لك قائلاً: اللهم اجز عائشة عنا كل خير”، فتقول عائشة: “جزاه عني كل خير، فهذه دعوتي مقابل دعوته حتى تكون صدقتي لوجه الله بلا مقابل”.

تربية الإسلام للمسلم

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9] فهل يوجد تربية في الدنيا؛ في أميركا أو سويسرا أو هولندا أو اليابان مثل تربية القرآن؟ أين المسلمون؟ أين المسلمون وأين القرآن؟ ما بيننا وبين القرآن بُعد ما بين المشرق والمغرب، نحن في المشرق قد أدرنا ظهورنا للقرآن، والقرآن يقول: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30] هجروا علومه فلم يتعلّموها ولم يطبِّقوها وهجروا أعماله، فماذا كانت النتيجة؟ فالمسلمون الآن اثنتان وخمسون دولة، وعندما كانوا خريجي مدرسة القرآن كم دولة كانوا؟ كانوا دولة واحدة وأمة واحدة في أعلى قمم المجد والشرف والعز والحضارة والتقدم والحكمة والعقل والفكر من الصين إلى حدود فرنسا.

رحم الله المشايخ وغفر الله لنا ولهم.. إن الشيخ هو الذي يصنع الإسلام في العقول وفي النفوس، وقد كان التعليم شبه ممسوخ، فكانوا يعلِّمون الجزء اليسير ويتركون الجزء الأعظم لا يَعْلَمُونه ولا يعلِّمونه، ولذلك تخلَّف المسلمون وضعفوا وتمزقوا، كما يحصل للغنم إذا فقدت راعيها في البرية، فتكون طُعمة وأكلة للذئاب والوحوش، كما نحن في عصرنا الحاضر.

مهمة المربِّي

فهل المسلمون أمة واحدة؟ وهل هم أمة واحدة عندما تريد الدخول من بلد إلى بلد آخر في البلاد العربية؟ فعندما تريد الدخول إلى الأردن اسمك أجنبي، واذهب إلى السعودية اسمك أجنبي، وإلى العراق اسمك أجنبي، وإلى إيران اسمك أجنبي، وكذلك إلى باكستان، والإسلام لا يقول بهذا، فالسبب هو هَجْرُنا للقرآن ولِتَعَلُّمِنا للقرآن، فهو يفرح أنّه حفظ القرآن، لكنه حفظ ألفاظه، فهل إذا حفظ أحد لفظ “الكمبيالة” [الشِّيك] مئة ألف دولار عن ظهر قلب وذهب وقرأها في البنك فهل يدفع له أحد شيئاً؟ هل يدفعون له مئة؟ يقول: “لا أريد مئة ألف، أعطوني ألفاً، لا أريد ألفاً أريد مئةً، لا أريد مئةً أريد عشرةً، لا أريد عشرةً، بل دولاراً واحداً، لا أريد دولاراً، بل ليرةً سورية”، فهل يعطونه بالقراءة؟ كذلك القرآن، فليس المهم القراءة، فالقراءة للعِلْم، والعِلمُ للعمل، والعلم يحتاج إلى معلّم، والعمل يحتاج إلى مربٍّ، فإذا لم يصر لك المعلم الحكيم المزكي الذي ﴿‌وَيُعَلِّمُهُمُ ‌الْكِتَابَ ‌وَالْحِكْمَةَ [فما تعلمتَ الإسلام] والحكمة: “هي فعل ما ينبغي”، يعني أن كل مسلم عليه أن يكون حكيماً، لأنّه هو الإسلام، ﴿‌وَيُعَلِّمُهُمُ ‌الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وهذا التعليم هو مهمّة النبي ﷺ، والعالم وارث النبي ﷺ عليه أيضاً أن يعلّمهم ﴿‌‌الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 129] ما الحكمة؟ هي أن تعمل ما ينبغي أن تعمله، وأمّا ما لا ينبغي عمله فتتباعد عنه؛ لأنّك تعلَّمت الإسلام الذي من ضمنه تعلُّم الحكمة، فإذا كنت بائع لحم وقد تعلمت الحكمة تنجح، أو صاحب مطعم وتعلّمت الحكمة تنجح، أو رجل دولة وتعلّمت الحكمة تنجح، أو رجل جيش وتعلّمت الحكمة تنجح.

رضي النبي ﷺ بشروط مذلَّة للإسلام في صلح الحديبية، فهل كان حكمةً أم خارجاً عن الحكمة؟ فهو معلّم الحكمة، رفض الجيشُ كلُّه شروطَ الصلح، وكان الجيش من الصّحابة وعددهم ألفاً وخمس مئة؛ لأنّ الشروط كانت مذلَّة، لكن النبي ﷺ رضي بها، ولم يوافقه إلا أبو بكر رضي الله عنه، وفي النتيجة كان هذا الصلح أعظم عمل في الإسلام، حيث كان من شروطه هدنة بين المسلمين والكفار لمدة عشر سنوات، وفي هذه الهدنة والصلح دخل الدعاة إلى مكة، واشتغلت الدعوة الإسلامية فيها، ولم تمضِ سنتان إلا وكلُّ عظماء مكة مهاجرين إلى النبي ﷺ في المدينة المنورة، وأتى النبي ﷺ إلى مكة وقد فتحها من دون حربٍ، ففُتحت مكة يوم صلح الحديبية، هذه هي الحكمة التي: “هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي” فإذا صليت العصر عند طلوع الشمس، هل هذا في الوقت الذي ينبغي؟ وإذا صمت رمضان في ربيع الأول، هل هذا في الوقت الذي ينبغي؟

“وعلى الشكل الذي ينبغي” بأن تقود السّيّارة بالمقود وتضع لها الوقود المناسب، وإذا أردت أن تقودها بالعصا أو تضع لها طعاماً كاللَّبَنِيَّة والشاكرية والرز بالحليب! [ألوان من الطعام والحلوى]، فهذا ليس على الشكل الذي ينبغي.

﴿وَيُزَكِّيهِمْ والتزكية هي الأخلاق.. فالإسلام هو هذا.. علمٌ وعقلٌ حكيم وتزكية، [فتحمل هذه الصفات] حتّى تستحق أن تسمّي نفسك مسلماً وتسمين نفسكِ مسلمة.

صفات المسلم

فمن صفات المسلم في تعلم الكتاب والقرآن: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] و ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9] يوجد من يعطي عطاءً ثمّ يفضح من أعطاه أمام الناس ويقول: “أعطيت فلاناً”، قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263] والمرائي الذي يعمل ليراه الناس، فعمله مردود وغير مقبول عند الله عز وجل، وإن كان العمل من أجل السّمعة ليسمع بك النّاس، فالمُسَمِّع أيضاً عمله مرفوض وغير مقبول عند الله، أمّا المقبول فهو ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً [الإنسان:9] لا تكافئونا ولا تمدحونا ولا تقولوا لأحد أننا عملنا معكم ما عملنا، يا سلام! فهل تَنْوُون [على تطبيق ذلك؟] وهل تعاهدونني على سورة الإنسان علماً وعملاً وتعليماً؟ ومن كلام سيدنا عيسى عليه السلام: “من عَلِم ثم عمل ثم عَلَّم دعي عظيماً في الملكوت الأعلى”، ففي عالم السماء يقولون: “فلانٌ من العظماء”، فإذا كنت عند الله من العظماء فهل تبالي بشيء بعد ذلك؟ نسأل الله أن يجعلنا من العظماء في الملكوت الأعلى.

ومع إخلاصهم وكونهم من الأبرار وعبوديتهم لله عز وجل ومخافة القيامة، قال: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا [الإنسان:10] في الدنيا قبل القيامة دائماً خائف من الله ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:10] هذا اليوم العبوس سواءٌ في الدنيا بأن تعبس الأيام في وجهك وتعبس الأقدار في وجهك ويحاربك الله، فإذا صرت عدواً لله ويحاربك الله فهل تستطيع أن تنجو من عذاب الله أو من ملاحقته أو من سخطه؟ فهم مع كلّ الأعمال الصالحة خائفون من القيامة وخائفون من الله في الدنيا قبل الآخرة، وتأتيهم أيامٌ في الدنيا عبوسة وشديدة العبوس، فإذا أراد الله أن ينتقم من إنسان.. فهذه اليابان وعظمتها وتقدّمها وتكنولوجيّتها بدقيقتين أو ثلاثة جعل عاليها سافلها، وقد يحاربك الله بجرثوم صغير لا تراه العيون، فهذا فيروس الإيدز إلى الآن لم يعرفوا ما هو؟ ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [يونس:31] من ينزل الأمطار وينبت الزرع؟ ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [يونس:31] يوجد في عيونك ثلاثون مليون عصب فمن ركَّبها؟ ومن صمّمها؟ ومن يصونها ويغذّيها؟ وكذلك سمعك وعقلك ونجاحك وفشلك.. ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [يونس:31] فالبيضة لو بقيت ألف سنة تبقى ميتة، فمن يخرج الفرخ منها؟ ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31].. إلى آخر الآيات.

ما أعده الله عز وجل للإنسان المسلم

بعد أن ذكر الله تعالى صفات الإنسان العشرة في سورة الإنسان، وذكر ما أعدَّ الله لهذا الإنسان؛ إنسان القرآن، فهل أنت إنسان القرآن أم إنسان الشيطان أم إنسان الهوى أم إنسان الأنانية أم إنسان الحقد أم إنسان النفاق أم إنسان الجهل أم إنسان الجاهلية؟ أين تصرف وقتك؟ وما الذي تعلَّمته في حياتك من الإسلام؟ وماذا عملت بالإسلام؟ وماذا علّمت من الإسلام حتى تستحق لقب مسلم؟ فالصحابة رضي الله عنهم كانوا أمِّيين، امرأة أسلمت، فرجعت إلى قومها وأتت بهم ألف مقاتل مسلم إلى رسول الله ﷺ، وهذه امرأة أُمِّية لا تملك “سَرْتَفِيْكا” [شهادة المرحلة الابتدائية] ولا “كَفاءة” [شهادة المرحلة الإعدادية أو المتوسطة] ولا “بَكالُوْرْيا” [شهادة المرحلة الثانوية] ولا “ليسانس” [شهادة الجامعة] ولا غيرها، ولكن تملك ثقافة الإيمان.

وقد يملك أحدهم دكتوراه في العلوم، ولكنه أميٌّ في الإيمان وأميٌّ في الإسلام، ويعتبر من أجهل الجهلاء في أحكام الله عز وجل، لذلك الآن لا ينقصنا جامعات ولا ينقصنا شهادات وما أكثرها! وتعد بالألوف ومئات الألوف، والمسلمون في تقهقر إلى الوراء، فلو كنَّا أميين مثل الصحابة وعملنا كأعمال الصحابة، هل هذا أفضل أم إذا كنا مثقفين كحالنا الآن وأعمالنا إلى الوراء؟ هل استطعنا في خمسين سنة أن نحرر فلسطين؟ وحرر المسلمون فلسطين مع الأردن ومع بلاد الشام ومصر وإلى حدود الصين وحدود فرنسا بأقل من مئة سنة، فهل أميَّتهم أفضل أم ثقافتنا؟ كانوا أمِّيين في القراءة والكتابة، لكنهم كانوا يكتبون في قلوب الشعوب حقائق الإسلام والقرآن فأدخلوهم في الإسلام، وكانوا يقرؤون علم الله وحكمته في صفحات قلوبهم، وكانت تَظهر في “مَرايا” [جمع مِرآة] حياتهم أعمالاً وأخلاقاً وحِكَماً ونجاحاً ونصراً ووحدة وعزة ومجداً.

ذكر الله تعالى هذا الإنسان وما أعطاه مكافأة له على إنسانيَّته في الدنيا من نصرٍ ومجدٍ وفي الآخرة من نعيم الأبد، وفي حديث النبي ﷺ: ((إِنَّ لَكُمْ)) يا أهل الجنة ((أَنْ تَعِيشُوا فَلَا تَمُوتُوا وَأَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا وَأَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا)) 7 .

ففي الدنيا أخذوا “الكمبيالة” سلفاً، [الكمبيالة: ورقة بنكية فيها رصيد مالي، وهنا بمعنى الجائزة]، وهم بانتظار “الكمبيالة” [الجائزة] الكبرى في الدار الآخرة، فهل خسروا في الدنيا والآخرة؟ فإذا خرجت عن القرآن فلو كسبت الدنيا يأتيك وقت يسلبونها كلها، فلا تأخذ معك إلّا الكفن ونصف أوقية من القطن وعشرة دراهم كافور، ويحشون فمك وفتحاتك قطناً من فوق ومن الأسفل، ويجعلونك طعاماً للدود، فهل ربحت الدنيا؟ وإذا ذهبت إلى الآخرة أيضاً تكون خاسراً، أما هم فقد كسبوا الدنيا والآخرة.

نعيم الأبرار في الجنة

فبعد أن ذكر الله تعالى مصيرهم في عالم الأبد والخلود قال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ حالتهم ﴿ثَمَّ هناك في الآخرة: ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان:20] ويقول النبي ﷺ: ((آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة رجل يقال له: جُهَيْنَةَ، فيقال: عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ)) 8 ، ويدخل إلى الجنة فيجد الجنة قد تم تقاسمها ولم يبقَ له مكان يقول: يا رب لم يبقَ لي مكان في الجنة، يقول له: أيرضيك أن أعطيك مثل الدنيا من أولها إلى آخرها؟ لا يعطيه سوق الحميدية ولا طريق الصالحية ولا قريةً في الغوطة [أسواق ومناطق في دمشق] بل الدنيا من اليابان إلى أمريكا، فهل يرضى؟ ((فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا)) 9 ، هذا أدنى أهل الجنة عطاءً ومنزلةً عند الله عز وجل.

فإذا صَدَّقْتَ تصديقاً حقيقياً ستركض إلى امتثال أمر الله، وإذا صدّقت بلسانك وكذّبت بأعمالك فأنت منافقٌ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، فلا تأخذ عطاء الدنيا ولا عطاء الآخرة.

التربية القرآنية

فبعد ذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23] يخاطب الله تعالى نبيه ﷺ: نزلناه عليك مفرَّقاً في مدة ثلاث وعشرين سنة، فربى النبيّ ﷺ الإنسانَ بثلاثٍ وعشرين سنة، وربى الأمة بثلاثٍ وعشرين سنة، فجعل من الإنسان العربي رغم أميَّته ورغم صحرائه وفقره وجهله الإنسان الرباني الإنساني القرآني، وجعل أمته خير أمة أُخرِجت للناس، وجعل دولته كما قال الأوربي: “ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب”، يجب أن يقول: “أرحم من المسلمين” لأن العرب هل صار لهم المجد باللغة العربية؟ لا، بل صار لهم المجد بالثقافة الإسلامية القرآنية.

فبثلاث وعشرين سنة بُنيَت الأمة والدولة، أمّا الإنسان كشخص فكان أحدهم يسري النور من قلبه إلى كلّ وجوده في مجلس واحد، فتستجيب نفسه وعقله وفكره وجوارحه لكلّ أوامر الله.

حضر أحدهم الجهاد فصلى ركعتين مستقبلاً القبلة ثمّ قال متضرعاً إلى الله: “اللهم لقني في هذا الحرب” اجمعني “بكافر شديد بطشه شديد بأسه، يقاتلني وأقاتله فيك، فيقتلني”، لا يريد أن ينتصر، بل يريد أن يقدّم أعزّ ما يملك في سبيل الله، وما أعز ما يملك؟ الجسد الحي “يقاتلني فيقتلني ويجدع أنفي” وأيضاً يريد أن يمثّل به “ويقطع أذناي حتى إذا لقيتُك يوم القيامة قلتَ لي: فيما أُصبت يا عبدي؟” قلت لي: لماذا هكذا؟ “فأقول فيك وفي سبيلك يا رب” 10 .

هذا الإسلام وهذا الإيمان! والجهاد ليس مطلوباً منا الآن؛ لأنّ الجهاد في يد الدّولة وهذا من خصائصها، لكن كن الآن مسلماً لشخصك وأسرتك وفي مجتمعك وسهرتك وفيمن حولك من أصحابك وأقرانك، لا أن تعلمهم الإسلام بالقول، بل بالقول والعمل والذكر والأخلاق والسلوك، لعلّك أن تُدعى في الملأ الأعلى عظيماً، قال سيدنا عيسى عليه السلام: “من تَعَلَّم وعمِل وعَلَّم دُعِيَ عظيماً في الملكوت الأعلى” لو لم تكن عظيماً عند الناس وكنت عظيماً عند الله فأيهما أربح؟ واللهِ إذا صدقت مع الله سيجعلك عظيماً في الأرض وفي السماء، نسأل الله أن يجعلنا منهم، فالعمر ذاهبٌ، واللهِ الدنيا كلها خسارة، وهذا هو المكسب ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46] وهل يقول لك الإسلام: اترك دُكَّانَك وصَنْعَتَك [عَمَلَك] ووظيفتك وطِبَّك وعيادتَك؟ لا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]

فالمسلم الحق هو الإنسان العظيم في الدنيا قبل الآخرة، فنسأل الله أن يجعلنا ذاك المسلم مسلم القرآن.

الحاجة للصبر

﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الإنسان:24] كان النبي ﷺ وحده في أول الإسلام، وكان الذي يُسلم ويؤمن من ضعفاء الناس ومن العبيد مثل بلال وصهيب الرومي ومن الفقراء والضعفاء الذين لا ناصر لهم ويحتاجون لمن يحميهم، ويتوجه الأذى عليهم وعلى النبي ﷺ، فكم بُصق في وجه رسول الله ﷺ، وكم ناله من الضّرب والإهانة والسّباب والشّتائم! ثم المؤامرات لقتله واغتياله! وكان يمرُّ على الصحابة فيرى بلالاً قد رُمِي على ظهره ووضعت الصخرة على صدره وفي حرارة مكة التي تقدر درجة الحرارة بخمسين أو ستين فوق الصفر، كانوا يضعونه تحت حرارة الشمس المحرقة، ويمرّ على عمار بن ياسر وأمه وأبيه رضي الله عنهم يُحرَّقون في النار، يلقونهم على بطونهم ويضعون الجمر على ظهورهم حتى ينطفئ الجمر مما يذوب من شحوم ظهورهم، ويقولون: “إلى متى يا رسول الله؟” عندهم الصمود والصبر والتحمل وعدم التراجع فيقول: ((صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ)) 11 ، عليكم بالصّبر إلى الموت، ولقاؤنا في الجنة.

ونحن الآن لا يوجد عندنا مثل هذا الشيء ولا نعمل شيئاً! ونحسب أنفسنا مسلمين وعلى منهج الله والإسلام والقرآن! واللهِ هذا ليس له أصل، [هذا الادعاء ليس صحيحاً ولا حَقّاً] وإذا لم نعمل عملهم ونطبِّق القرآن عملياً وأخلاقياً وواقعياً وإلا ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي ولا بِالتَّحَلِّي)) تستطيع أن تدّعي وتقول: “أنا” فهذا هيّن ((ولكن الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 12 .

حتى إن النبي ﷺ يقول يا رب دبّر لنا وضاقت علينا الأمور، ووعدتنا نصرك، فيقول له: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الإنسان:24] لا بدَّ من المعاناة والتعب والصبر والتّأني “من استعجَل الشيء قبل أوانه عُوقِب بحِرْمَانه” فحكم الله: اصبر على أذاهم، وقال تعالى: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب:48]، وقال: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية:14] فلو تَعَدّوا عليكم فعليكم أن تتحمَّلوا.. ولو كنّا نقرأ القرآن للعلم والعمل كإنسان فرد وكأسرة وجماعة ودولة وجيش لصدَقَنا الله وعده.

((صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا شَيْءَ قبله ولَا شَيْءَ بَعْدَهُ)) 13 ، أما ادِّعاء فتستطيع أن تدَّعي أنك رئيس وزراء ورئيس جمهورية أو ملك، لكن هل يصير شيء بالادِّعاء؟

﴿فَاصْبِرْ [الإنسان:24] وما معنى الصبر؟ الثّبات وعدم الانهزام وعدم التّراجع والصمود على المبدأ الإلهي، وهل الله يغش؟ وهل الله يخطأ؟ وهل يضع الله برنامجاً غير صحيحٍ أو برنامج فاشلاً؟ هو العليم الحكيم.

الإغراء في سبيل ترك الدعوة

﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان:24] فكانوا يأتون إلى النبي ﷺ ليرْجِعُوه عن دعوته، فتارةً يعرضون عليه المال، يقولون: “خذ ما شئت من المال” مليون، مئة مليون، لكن ارجع عن دعوتك، “وإن كنت تريد نساءً” فاخطب الفتاة التي تريد نقدمها لك ونكلّلها بكلّ ما يقدَّم للعروس، “وإن كنت تريد جاهاً نجعلك رئيسنا”، لكن اترك الدعوة إلى الإسلام، فقال الله: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا.

كيف تصير ذاكراً

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [الإنسان:25] حتى تستطيع أن تصمد في المعركة تحتاج إلى الذّكر الكثير بكرةً وأصيلاً، فمسلمٌ لا يذكر الله! وليس الذكر ذكر اللسان، فإن لم ينبع الذكر من القلب وتسري كهربائية الذكر في كل أعصابك ومشاعرك فأنت غافلٌ ولست بذاكر، فعليك أن تذكر مع الجماعة ومع معلم الذكر، ومع المداومة يحيى قلبك بذكر الله فتنقلب إلى إنسان جديد، وتنقلب إلى إنسانٍ عظيم وإلى إنسان إنساني، ويكون ذلك بإشراف من يُعلِّم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا صباحاً ومساءً.

وقد قال تعالى: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191] يعني أصل الدّين هو الذّكر، وروح الصلاة هو الذِّكر، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14] والذّكر ليس معناه أنه طريق [تصوف] ونقشبندي، فالذّكر قرآن وروح الإسلام، وعليك أن تتعلّم الذّكر من معلّم الذّكر ومع الجماعة الذّاكرين، لذلك ورد في الحديث: ((صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تفضل صَلَاةَ المنفرد بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)) 14 ؛ لأن القلوب إذا كانت مع الله تجتمع في حضرة الله فقَوِيُّها يمدُّ ضَعِيْفَها.

قال: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الإنسان:25] هل هذا فقط؟ لا، قال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ [الإنسان:26] الأمر بالذّكر في الصباح والمساء بآية، والأمر بذكر الليل بآية أخرى ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26] أي صلِّ له مدة طويلة ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ فرض الله على النبي ﷺ قيام نصف الليل ﴿أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] اقرأه قليلاً قليلاً بالتأني والتَّفَهُّم لتَعْلَمَه حتى تعمل به وتطبِّقه.

﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ وأشار بهم إلى الكفار مشركي قريش الوثنيين ﴿يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ شغلوا عقولهم كلّها في الدنيا؛ في نسائها وأموالها وتجارتها ولهوها ولعبها وغفلاتها ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يرمون وراءهم الإيمان بالآخرة الذي هو يوم ثقيل ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27] ثقيلاً: عظيم الأهوال ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:10] يذرون: ينسون ويرمون.

دقة خلق الله عز وجل

﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ [الإنسان:28] نسوا خالقهم الذي نقلهم من العدم إلى الوجود، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] فبعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً قال: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [الإنسان:28] أَسْرَهم: أي أعضاءهم وعضلاتهم ومفاصلهم وأعصابهم، وربط بعضها ببعض، فإذا جاء أحدهم وشدَّ كفك فهل تنفصل عن الذراع؟ وإذا شدَّ لك الذراع فهل تنفصل عن العضد أو عن الكتف؟ فمن الذي ربطك هذا الربط؟ فلو كانت براغي وبالحبال وشدّ لك أحدهم يدك وانقطع الحبل لخرجت يدك وذهبت! فمن الذي شدّها لك؟ ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [الإنسان:28] أي مفاصلهم وأعصابهم وعضلاتهم وأعضاءهم كلها؟

﴿وَإِذَا شِئْنَا [الإنسان:28] إذا لم يرجعوا إلى صراط الله ويستجيبوا إلى نداء الله ويمتثلوا أوامره ﴿بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [الإنسان:28] ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

﴿إِنَّ هَذِهِ السورة ﴿تَذْكِرَةٌ يا سلام! يا سلام! فهل يتنازل وزيرٌ أن يتكلّم معك أو رئيس الوزراء؟ لأنّه مشغول، فالله عز وجل يتحدّث إليك ويكلّمك ويصير أستاذك ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ [الرحمن:2] يصير الله معلّمك، فإذا حفظت الدرس وأخذت الشّهادة من الله وأعطاك شهادة الإيمان العلمي والعملي من المعلم الحكيم المربي المزكي، واللهِ خيرٌ لك من الدنيا وما فيها، واللهِ لتأتين إليك الدنيا وتقبِّل يدك وقدمك، ((أوحى الله إلى الدنيا يَا دُنْيَا مَنْ خَدَمَنِي فاخدميه)).

وأصحاب رسول الله ﷺ هل خدموا الله وهل خدموا رسول الله ﷺ؟ آثروا الله ورسوله وطاعتهما على دنياهم فماذا كانت النتيجة؟ هل خدمتهم الدنيا أم فرَّت منهم؟ ركضت على أقدامهم تقبِّلها، وصار الملوك وأبناء الملوك يقبِّلون نعالهم وأقدامهم.

والذي همُّه الدنيا والأنا والهوى ((ومَنْ خَدَمَكِ فاستخدميه)) 15 ، فالآن أبناء الدنيا يركضون إلى نصف الليل من الشرق إلى الغرب، وبعد ذلك ماذا يأخذ معه؟ لا يأخذ معه إلّا عمله، فنسأل الله أن يوفقنا لنفهم القرآن ونؤمن به، فإذا آمنت بالعقرب فهل تمسكه بيدك؟ وإذا آمنت بالسّمّ فهل تشربه بفمك؟ وإذا آمنت بالنار فهل تضعها على ثيابك؟ فالإيمان الحقيقي هو الذي يوجب العمل، أما إذا ادَّعيت الإيمان من غير عمل فأنت منافقٌ، فلا تغترَّ.

القرآن تذكرة

قد بعث الله لكم تذكرة ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ [الإنسان:29] وإذا بعث لك “المَخْفَر” [مركز الشرطة] مذكرة تقتضي أنه عليك الحضور الساعة الثانية عشر غداً يوم السبت، ماذا تكون نتيجة التذكرة عندما تقرأها؟ أين تكون في الساعة الثانية عشر؟ وهو مجرد شرطي أو عامل بلدية أو مَحضَر محكمة! [موظف يبلّغ الأشخاص لحضور جلسات المحكمة]، فكيف إذا بعث الله لك تذكرة، وعلى يد أشرف خلقه سيدنا رسول الله ﷺ! والقرآن تذكرة، وهذه السورة تذكرة: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29] فالذي يحب أن يقيم جسراً بينه وبين الله ويتصل بالله فهذه الجسور، وهي: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [الإنسان:5] ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا [الإنسان:10] هذه الوسائل والجسور التي توصلك إلى رضاء الله، وتكون قد عَمِلْتَ بالمذكّرة التي توصلك إلى سعادة الدنيا والآخرة.

﴿فَمَنْ شَاءَ [الإنسان:29] الأمر كما تحب ولك الخيار، ولكن هل لشجرة المشمش خيار في حمل ثمر المشمش؟ فهل تستطيع أن تحمل برتقالاً؟ والبرتقال هل يستطيع أن يحمل “كرنب”؟ [الكرنب: هو نبات الملفوف] أمّا أنت فلك الخيار والإرادة ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37] ﴿ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ [فصلت:40] لكن بعدها ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40].

مشيئة الله عز وجل

قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] فإذا كانت مشيئتك للتقوى والاستقامة صادقة ودخلت من الطّريق الذي يوصلك إلى إرادة الخير فمشيئة الله توافق مشيئتك، وإذا كانت مشيئتك كاذبة تقول: “هكذا يريد الله” فأنت كاذبٌ، فتشرب الخمر وتقول: “هكذا يريد الله”، وتترك الصلاة وتقول: “هكذا يريد الله”، فهل قال الله: لا تصلوا؟! هل هكذا قال؟! بل قال: ﴿‌وَأَقِيمُوا ‌الصَّلَاةَ [البقرة:43]، وهل قال تعالى: اشربوا الخمر؟! إنما قال: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى أن قال: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] هل تدل كلمة “اجتنبوه” على “أريد أن تعملوه”؟ فالمسلمون يحرفون القرآن عن مواضعه، وقد حرّف اليهود والنصارى كتبهم، والمسلمون أيضاً يحرِّفون، يقول أحدهم: “هكذا يريد الله”، إن قلت له: “لماذا لا تصلي؟” يقول لك: “حتى يريد الله” إذاً لماذا قال الله لك: ﴿‌وَأَقِمِ ‌الصَّلَاةَ [العنكبوت:45] فهل يقول لك: “أنا لا أريد الآن أن تقيم الصلاة”؟ وهذا من الجهل والبعد عن مجالس العلم وعن مجالس القرآن.

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] أيضاً في هذه السورة قال: ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57] [فمن شاء أن يسلك] طريقاً يوصله إلى رضاء الله وإلى الإسلام الحقيقي فالطريق أمامه مفتوحٌ، قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] إذا كانت مشيئتك حقيقية فيشاء الله أن يحقق لك مشيئتك، أما إذا كانت مشيئتك تمنٍّ وأماني وتَشَهٍّ فكل واحد يشتهي أن يصير ملياردير أو أن يصير رئيس وزراء أليس كذلك؟ لكن بمجرد الاشتهاء هل يصير؟ ألف واحد يتمنى أن يصبح رئيس وزراء لكن لا يخرج إلّا شخصٌ واحد، لأنه عمل كل الأسباب وكل الجسور وكل الوسائل، فعندما صدق فيها وافقت عليها أيضاً مشيئة الله فصار رئيس وزراء.

كذلك إذا كنت تريد أن تصير مؤمناً وتصير الإنسان الذي ذكره الله في سورة الإنسان في المشيئة الصادقة والإخلاص الحقيقي، فعليك قبل كل شيء ترك قرناء السوء ومجالس السوء، ولا تفتح أذنك لأهل السوء وأهل الشر، ولا تنظر في عينك لأهل الشر، وتكون في مجالس العلم والحكمة ومجالس الخير، فتمتثل أوامر الله وتقرأ سورة الإنسان قراءةً للعمل والتطبيق، عندئذ يشاء الله هدايتك، وتوافق مشيئته مشيئتك.

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان:30] فمشيئة الله مقرونة بالعلم، ويريد أن يختبرك، هل أنت صادق في إرادتك؟ وهل أنت صادق في مشيئتك؟ فإذا علمك أنّك صادق في إرادتك لتكون المؤمن الصّادق فيوافق على أن يرسل لك من فيضه ونوره وجنده وأحبابه ما يهدونك إلى الصراط المستقيم، ﴿حَكِيمًا يضع الأشياء في محلها.

﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان:31] من الذي يشاء الله أن يدخلهم في رحمته؟ من الذي يعرف منكم يرفع أصبعه؟ [يسأل الشيخ الحضور، فيجيبه أحدهم، فيقول: أريد من القرآن، فيجيبه الشيخ بشير الباني -رحمه الله- بقوله تعالى:] ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا سأسجِّلُها ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ [الأعراف:157] يجب أن تتبع النبي الأمي.. إلى آخر الآيات.

وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] أنصار بعض وأحباب بعض وكتلة واحدة ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71]

هل تظن رحمة الله حزمة فجل؟ حتى حزمة الفجل لا تأخذها إلا بثمنها، وكيلو الخبز لا تأخذه إلا بثمنه، ورحمة الله التي هي عزّ الدنيا والآخرة هل تنال بالأماني؟ إذن يصير معك كما صار مع جحا.

طرفة: أماني جحا

كان لجحا جار عنده منحلة، وعندما يجني العسل يبعث له عسلاً، وكلّما يعطيه شيئاً من العسل يجمعه، حتى ملأ الجرّة، فعلَّقها في السقف، وكان في يوم من الأيام مستلقٍ في فراشه وصار يفكر أنّه غداً سيبيع جرة العسل مثلاً بعشرة آلاف ليرة، ويشتري بها بقرة والبقرة تلد توأمَين، والتوأمان يكبران ويلدان توائم.. وبقي يولّدهم حتى صار عنده قطيع بقر، وبعد ذلك يبيع البقر ويشتري غنماً وجمالاً وبساتين؟ كله من ماذا؟ من جرة العسل، وبعد ذلك يتزوج ابنة الملك، ثم تحمل وتلد -وكان بجانبه عصاً- فقال في نفسه: “إذا لم يسمع الولد كلامي، سآخذ هذه العصا وأضربه على رأسه ضربة أُأَدِّبه بها تأديباً كبيراً”، فأصابت العصا الجرة التي فوق رأسه فانسكب العسل عليه.

هذا المتمني الذي يريد الأشياء بالأهواء وبلا استحقاق ولا جدارة.

مشيئة الله تعالى تنجز لك مشيئتك إن كنت صادقاً

﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29] هل عندكم مشيئةٌ أن تعملوا وسيلة إلى الله عز وجل وتفتحوا الطريق بينكم وبين الله وتغلقوا الطريق الذي بينكم وبين الشيطان؟ من شياطين الإنس وشياطين الجن، فإذا تبت تقطع كل الطرق مع قرناء السوء، حتى لو كان أبوك أو جدك أو ابنك أو كائناً من كان.

فالمشيئة ﴿فَمَنْ شَاءَ [الإنسان:29] ينظر الله في المشيئة، قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ [الإنسان:30] سينظر الله في مشيئتك، فإذا كنت صادق العزيمة مخلصاً في الإرادة فتوافق مشيئة الله على مشيئتك؛ لأن الله عليمٌ بضميرك ومقاصدك وأهدافك، فتستطيع أن تغش الناس لكن الله لا يُغشُّ.

و﴿حَكِيمًا يضع الأشياء في مواضعها.

﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان:31] من الذين ذكرهم بأنهم يدخلهم في رحمته؟ الذين ذكرهم الله في الآيات التي ذكرها الشيخ بشير [يشير الشيخ إلى قوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء..].

﴿وَالظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم، وطلبوا الأشياء بالأهواء والأماني والبطالة والكسل واللهو واللعب ومعاداة الأنبياء والرسل وهجر القرآن ﴿أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان:31].

فسورة الإنسان لتجعل من قارئها إنسان القرآن، فهل عندكم استعداد أن تكونوا إنسان سورة الإنسان؟ فالذي نوى ذلك في قلبه صادقاً عازماً يرفع إصبعه [يسأل الشيخ الحضور] ليس الأمر بالكلام، ولا أن ترفعوا أيدكم هنا وعندما تخرجون تنزلون أيديكم، دكتور أويس أنا واثق أنك صادق، من أيضاً؟ ألم تتجرؤوا أن ترفعوا أيديكم؟ الظاهر ليس من قلوبكم، هل تنوون؟ إن شاء الله، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ثقوا وفتشوا أنفسكم، فلو صدقتم في فهم القرآن والعمل به.. وأناشدكم بالله فهل أنتم واثقون أنكم ستكسبون الدنيا والآخرة؟ واللهِ ستكسبون الدنيا والآخرة يا بني، وينقلكم من فقر إلى غنى، ومن ذل إلى عز، ومن ضعف إلى قوة، ومن لا شيء إلى كل شيء، والذين سلكوا هذا الطريق على يد المربين -واللهِ- أكرمهم الله في الدنيا قبل الآخرة، في قلوبهم وأخلاقهم وعقولهم وأموالهم، فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الموفقين ولا يجعلنا من المخذولين والمنحوسين بفضلٍ منه وكرم، وهو أكرم الاكرمين.

مُلْحَق

كلمة للشيخ بوفاة باسل الأسد

سنجعل هذه التهليلة على روح فقيدنا الغالي باسل الأسد نجل رئيس الجمهورية حفظه الله، في الواقع كان فقده ليس رِزْءًا لوالده وأسرته فقط.. وكنت متوقعاً من وجوده مع وجود السيد الرئيس الخير الكثير، وكان لنا به صلة، وكنت أعرفه عن كثب، ولكن قد اختاره الله عز وجل إلى سمائه، وكانت نيّته أن يخدم أمته، وأسأل الله أن يكتب له ما نواه لأمته، ويعوّض رئيسنا بطول الحياة والعمر ويجعل البركة في نجليه بشار وأخيه.. وهذا هو حال الدنيا، قال تعالى: ﴿‌إِنَّكَ ‌مَيِّتٌ ‌وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30] وقال الله تعالى لنبيه: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:35] وهناك آية: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]

نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا وله ونرجو له المغفرة والجنة.

اللهم تقبل منا هذه التهليلة المباركة، وأوصل ثوابها إلى حضرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إلى من كانت بسببه وعلى نيته، آنسه الله ورحمه الله وعوضه الله الجنة، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مذنباً فتجاوز عن سيئاته، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمناً مطمئناً إلى جنتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله ولوالدينا ومشايخنا وأحبابنا والمسلمين أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

[أحب أن أنوه هنا إلى أن هذا الكلام من سماحة الشيخ -رحمه الله تعالى- يدلنا على أنه كان مشاركاً في الأحداث من حوله وفي قضايا الأمة وفاعلاً فيها، وكانت علاقاته طَيِّبةً مع الحكام في سوريا، وليس مع الرئيس في وقت هذا الدرس وحسب، بل مع كل الرؤساء من قبله، ومع كثير من الحكام والرؤساء والملوك من المسلمين وغير المسلمين في مختلف بلاد العالم، فهو لم يكن يعيش في زمن غير زمنه، ويبتعد عن الناس، بل كان يخالطهم ويألف الناس ويألفه الناس، وكانت هذه أيضاً طريقته في الدعوة إلى الله تعالى، حيث إنه كان يهتم بكبار القوم ويلتقي بهم ويقيم معهم علاقة المودة، ليخدم بها الإسلام والمسلمين، وليعرض عليهم الإسلام بجماله وليثبت أن الإسلام يصلح لكل زمان ومان، وكان كثيراً ما يُعَلِّم تلامذته أن يكونوا فاعلين في مجتمعاتهم على أعلى مستوى، اقتداءً بالنبي ﷺ الذي كان عالمياً في علاقاته ورحيماً وودوداً، وأن يكونوا دعاة إلى الله يذهبون إلى الناس، ولا يَحبِسون أنفسهم في المساجد.. ولا ريب أن علاقة الشيخ هذه مع الحكام جلبت له انتقادات لاذعة من عوام الناس محدودي التفكير والذين لم يدرسوا الإسلام كما ينبغي، وسببت له مشكلات كثيرة في حياته- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته].

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. تاريخ دمشق لابن عساكر، (21/407)، بلفظ: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ تلبيبه ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بمقالته فقام النبي صلى الله عليه وسلم قائما يجر رداءه حتى دخل المسجد ثم نودي أن الصلاة جامعة وقال: ((يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي، فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه قال فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله قال دعه إلى النار فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل))
  2. تفسير القرطبي (19/ 125)، روح المعاني للألوسي (10/ 202)، بلفظ: وَقَالَ الْحَسَنُ البصري رضي الله عنه: "الْبَرُّ الَّذِي لَا يُؤْذِي الذَّرّ".
  3. سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة، رقم: (921)، (1/ 305)، سنن الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، رقم: (390)، (2/ 233)، بلفظ: ((اُقْتُلُوا اَلْأَسْوَدَيْنِ فِي اَلصَّلَاةِ: اَلْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المناسك، باب ما يقتل المحرم، (1829)، ومسلم، الحج، (1198). عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: ((أَمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقَتْلِ خَمْسِ فَواسِقَ في الحِلِّ والحَرَمِ: الغُرابُ، والحِدَأةُ، والعَقربُ، والفأرةُ، والكلْبُ العَقورُ)).
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، رقم: (6406)، (6/ 2491)، صحيح مسلم، كتاب الحدود: باب قطع السارق الشريف وغيره، رقم: (1688)، (3/ 1311)، بلفظ: عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
  6. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/ 1919)، وأصحاب السنن، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  7. صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، رقم: (2837)، (4/ 2182)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، بلفظ: ((يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا))، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الزمر، رقم: (3246)، (5/374).
  8. غرائب حديث الإمام مالك بن أنس لابن المظفر البغدادي، رقم: (176)، ص: (241)، غرائب مالك للدارقطني، ص: (3)، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، رقم: (375)، (2/93)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ، سَلُوهُ هَلْ بَقِيَ مِنَ الْخَلَائِقِ أَحَدٌ)).
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم: (6202)، (5/ 2402)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجاً، رقم: (186)، (1/ 173)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ: تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ المَلِكُ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً».
  10. الحاكم في المستدرك كتاب الجهاد (2368) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : أَلَا تَأْتِي نَدْعُو اللَّهَ ، فَخَلَوْا فِي نَاحِيَةٍ ، فَدَعَا سَعْدٌ فَقَالَ : يَا رَبِّ إِذَا لَقِينَا الْقَوْمَ غَدًا ، فَلَقِّنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ ، فَأُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي ، ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الظَّفَرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ ، وَآخُذَ سَلَبَهُ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ ، قَالَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي غَدًا رَجُلًا شَدِيدًا حَرْدُهُ ، شَدِيدًا بَأْسُهُ ، أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنَي ، ثُمَّ يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي ، فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلْتَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أَنْفُكَ وَأُذُنُكَ ؟ فَأَقُولُ: فِيكَ وَفِي رَسُولِكَ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ. قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا بُنَيَّ كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ لَمُعَلَّقَانِ فِي خَيْطٍ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
  11. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1515)، (3/172)، المستدرك للحاكم، رقم: (5646)، (3/432)، عن جابر بن عبد الله قَالَ: مر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وأهله وهم يعذبون، فقال: ((صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ)).
  12. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، رقم: (3888)، (4/ 1509)، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم: (2724)، (4/ 2089)، بلفظ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب صلاة الجماعة، باب فضل صلاة الجماعة، رقم: (609)، (3/ 34)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب فضل صلاة الجماعة، رقم: (650)، (1/ 450)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)).
  15. حلية الأولياء للأصبهاني (3/194)، عن جعفر بن محمد موقوفاً: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلدُّنْيَا: يَا دُنْيَا اخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي، وَأَتْعِبِي يَا دُنْيَا مَنْ خَدَمَكِ».
WhatsApp