تاريخ الدرس: 1992/04/24

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:33:05

سورة الرحمن، الآيات: 31-56 / الدرس 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ، سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

معنى الثقلين:

فنحن الآن في تفسير بعض آياتٍ من سورة الرحمن، يقول الله عز وجل: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31]، الثقلان المقصود بهما الإنس والجن، لأنهما عليهما أنزلت التكاليف والشرائع والحلال والحرام والفرائض وحُرِّمتِ المحرمات فأُثقِلوا بما طلب الله تعالى منهم وحرَّمه عليهم.

وتارةً تطلق هذه الكلمة ويراد منها معنى آخر كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثقَلَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا إِن تَمَسَّكْتُم بِهِما))، “ثقلين”: يعني أمرين عظيمين، وتحمُّلُ آداء حقوقهما مما يُثقل عزائم أهل العزائم، أولهما ((كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) والآخر ((سُنَّتِي)) 1 .

السنة هي الطريقة، يعني الطريقة التي نُقل القرآن بها من الألفاظ والتلاوة إلى الأعمال والأخلاق والسلوك والتنفيذ، وفي رواية: ((كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي)) 2 أي أهل بيتي، وعترته ﷺ كعليّ وفاطمة، والأئمة الأحد عشر رضي الله عنهم أجمعين، كانوا قمةً في القدوة برسول الله ﷺ قولًا وعملًا وإيمانًا وسلوكًا.

فالثقلان هما الإنس والجن، لأنَّه في هذه الكرة الأرضية لم يُكلَّف فيها بأعباء ثقيلة وشرائع سماوية إلهية إلا هذان الصنفان من المخلوقات: الإنس والجن، ولذلك شرح الله تعالى معنى الثقلين بقوله بعدها: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الرحمن:33].

التفرغ إشارة إلى المحاسبة على كل شيءٍ:

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ [الرحمن:31] الله عز وجل لا يشغله شأنٌ عن شأن، وذلك كأن تنظر فتُشَغِّل عضو البصر، وفي نفس الوقت تسمع فتُشَغِّل أداة السمع، وفي نفس الوقت تُشَغِّل عضو اللسان بالكلام، واليد بالعمل والرجل بالمشي، فلا يشغلك شأنٌ من هذه الشؤون عن الآخر.

واللهُ عز وجل لا يحتاج إلى تفرُّغ، لكن هذه إشارة إلى أنَّ الحساب سيحيط بكل أعمالك، كما إذا قال لك مدير المعمل: “أنا سأتفرَّغ لحسابك”، لأنه إذا كان مشغولًا يُمكن أن ينسى شيئًا، أو لا يتفرَّغ لكل شيء، أو يترك شيئًا ويحاسب على شيءٍ آخر.. فهذا كناية عن أن الله سيحاسبنا على كل شيء. 5:30

وَلَو أَنَّا إِذا متنا تُرِكنا
لَكانَ الْمَوتُ راحَةَ كُلِّ حَي

وَلَكِنّا إِذا متنا بُعثِنا
وَنُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِ شَي

فالمتفرِّغ إذا أراد أن يُحاسِب يُحاسِب على كل شيءٍ.

الإيمان بالقرآن [واجب عليك]، وإذا آمنتَ بهذه الآية يصير عندك من يقظة الضمير والشعور والوقوف عند حدود الله فلا تتجاوزها إلى معاصيه ما يجعلك من أكمل المؤمنين إيمانًا.

وعندما نقرأ هذه الآية هل يبقى أثرها في أنفسنا بأن نتهيَّأ لذلك اليوم الذي سيتفرَّغ الله فيه لمحاسبتنا؟ وهو تعالى قادرٌ على أن يُحاسِبَ الكلَّ دفعة واحدةً في لحظة واحدة، كالذين ينامون وكل شخص منهم يرى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، فروح النبي ﷺ تتعدَّد على حسب تعدد عاشقيها.

وكذلك الله عز وجل يتفرَّغ لك ويتفرَّغ للكل بوقتٍ واحدٍ، وسيسألَكَ ويسألكِ عن الصغير من الذنوب وعن الكبير، وعن الجهر به وعن الإسرار به الذي كنا نخبِّئه عن الناس حياءً أو خجلًا أو خوفًا، كالسارق يخاف أن يُرى وهو سارق، أو المجرم يخاف أن يُرى وهو مجرم، أو الظالم.

لكن الله عزَّ وجلَّ لا تخفى عليه خافية: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:10] على حدٍ سواء، ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] ما الأخفى من السر؟ هو السر قبل أن تُسِرَّ به، وقبل أن تفكِّر فيه وتحاول إخفاءه، فإن الله تعالى يعلم منك ما تريد أن تخفي وما تريد أن تعلن من قبل أن تُسِرّ ومن قبل أن تعلن.

عمل المحاسِب ليس بسيطًا، فهل هو بأن يعرف الجمع والطرح فقط دون أن يعرف الضرب والقسمة؟ [بل عليه أن يعرف الكل]، فهل الله تعالى يعرف الذي تعمله في السوق ولا يعرف الذي تعمله بالبيت، أو يعرف الذي تعمله بالنهار ولا يعرف ما تعمله بالليل؟ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ عن الناس ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284].

وهذا الإيمان موضعه القلب، فإذا صار لك قلبٌ يصير لك هذا الإيمان العملي والأخلاقي والسلوكي، وهو مثل المكابح التي توقف السيارة عندما تصل إلى شفير الوادي وحافته، أو عند المنعطف الخطير، فبالضغط على المكابح تبطئ السير وتتجاوز المنعطف بيسر وسهولة، وإن لم يكن معك مكابح وكنتَ تمشي بسرعة مئة وخمسين وكان المنعطف قويًّا وخطيرًا تنقلب السيارة خمسين مرة، وإذا كنت على حافّة الوادي أو حافّة النهر تموت.

الإنسان محاسَبٌ مهما تكن هويته:

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] لذلك كان النبي ﷺ يقول: ((أنا أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ)) 3 ، ورأى مرة سيدنا الحسن رضي الله عنه في المسجد قد أخذ تمرة وهمَّ بأكلها، فقال له النبي ﷺ: ((كِخْ كِخْ)) 4 ، يزهِّده فيها ويبعده عن أكلها.

لماذا؟ التمرة ليست حرامًا، قال: ((لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ)) 5 ، لأن الصدقة محرَّمة على النبي ﷺ وأهل بيته، ومع أنَّ هذا طفل وهو غير مسؤول، لكن من يُشاهده مسؤول عنه، وهو رسول الله ﷺ، وكان يقول من خوفه من الله ومحاسبة الله تعالى له: ((أَمَّا أَنا فَلَا أَدرِي ما يَفعَلُ اللهُ بي)) 6 .

وبعض الناس يقع في الذنوب والفواحش والمحرمات ويقول: أنا عالِم.. فهو يظنُّ أنَّ العالِم لا يُحاسبه الله، وآخر يقول: أنا جَدِّي رسول الله ﷺ.. فهو يظنُّ أنَّ رسول الله يعطيه جوازًا للجنَّة بغير حساب، بينما القرآن يقول: ﴿يَانِسَاءَ النَّبِيِّ أَوَلَسْنَ من أهل البيت؟ ﴿مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ القنوت الدوام على الطاعة والتقوى، لا أن نُظهِر اليوم أنفسَنا أناساً صالحين وغدًا ننسى وندير ظهرنا ولا نهتم بأمر الله، ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ تستقِمْ على التقوى ولا تنقطع، ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب:30-31] مرةً على عملها ومرةً على قدوة الناس بها.

إنّ الشيخ أو العالِم أو الصالح أو الذي يكون من أهل بيت النبي ﷺ عندما يعمل العمل الصالح يتعلم الناس منه العلم بأعماله، فيتعلَّمون من العالِم التقوى والدِّين بأعماله وسلوكه.

وقال ﷺ: ((وَما يُدرِيكِ؟ أَمَّا أَنا فَلا أَدرِي ما يَفعَلُ اللهُ بي)) 7 ، وكما قال الشاعر بالنسبة للمغرورين وأصحاب الأماني والتمني

تَضَعُ الذُّنُوبَ على الذُّنُوبِ وتَرتَجي
دَرَجَ الجِنانِ وَطِيبَ عَيشِ العَابدِ

ونَسيتَ أنَّ اللهَ أَخرجَ آدمًا
مِنها إلى الدُّنيا بذَنْبٍ واحدِ

“تضع الذنوب على الذنوب وترتجي درج الجنان”: هل تطلب الجنة بمعصية الله؟ والجنة لا تُنال إلا بتقوى الله، “ونسيتَ أنَّ الله أخرج آدمًا”: الذي خَلَقه بيده، ونفخ فيه من روحه، “منها”: أي من الجنة “إلى الدنيا بذنبٍ واحد”.

وإبليس بعد عبادة خمسين ألف سنة خالف أمر الله تعالى في سجوده لآدم، وهو لم يخالف أمر الله تعالى في سجوده لله، بل قال في نفسه: مَن هذا آدم؟ هو ابن يوم، فكيف يصير أعظم مني وأنا منذ خمسين ألف سنة في عبادة الله؟! فإبليس بذنب واحد صار ملعونًا إلى يوم يبعثون، وماذا عن تارك الصلاة؟ صلاة فرض الظهر كم سجدة فيها؟ ثماني سجدات، إضافة إلى العصر والعشاء، ثلاثة في ثمانية؟ [تساوي أربعاً وعشرين]، والمغرب ستة صاروا ثلاثين، والصبح أربعة، فهذا الذي ترك صلاة يوم وليلة صار أربعة وثلاثين إبليسًا، بل هو مضاعفٌ، لأنه ترك السجود لله تعالى، ولو أنَّ إبليس أمره الله تعالى أن يسجد لله فإنه يسجد خمسين مليار سجدة وترليون سجدة، لكن السجدة لآدم استصعبها، ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] الذين يخشون ربهم.

الفهم القرآني يصدقه أو يكذبه موقف الإنسان أمام الله في الآخرة:

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] هذه الآية وحدها تكفي.. مرة جاء أعرابي إلى النبي ﷺ وقال له: عظني يا رسول الله وأوجز، قال له: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، فقال الأعرابي: “كفتني كفتني”، فقال النبي ﷺ: ((أَفْلَحَ الأَعرابِيُّ إِنْ صَدَقَ)) 8 .

والموت في كل لحظة يمكن أن يخطفك، سواء أكنتَ صحيحًا أو مريضًا، شابًّا أو شيخًا، صغيرًا أو كبيرًا، فإذا خُطفتَ وذهبتَ إلى لقاء الله، ونَفِدَ منك الوقت وخرج نَفَسُك ولم يَعُد، فماذا سيكون موقفك بين يدي الله؟ يقول لك: أرسلتُ إليك أشرف الملائكة جبريل، وأفضل الأنبياء محمداً عليه الصلاة والسلام، وأفضل الكتب القرآنَ، وأرسلتُ لك دعاة وعلماء، وبنيتُ لك مساجد، وأعطيتك المصحف.. إلخ.

الصحابة كان مصحفهم مكتوباً على الحجارة وعلى العظام، وأنتَ الآن تحمل مصحفًا مذهَّبًا ومطبوعًا وورقًا مصقولًا، فماذا عملتَ؟ هل تشتري القرآن أم ورقاً مصقولاً؟ [بمعنى: عندما تشتري المصحف هل تشعر أنه قرآن وأن عليك أن تأخذه وتعمل به كما ينبغي أن تأخذ القرآن أم هو في نفسك مجرد كتاب مطبوع في ورق جميل مصقول؟] وعندما تأخذ القرآن من السوق بأحسن طبعة هل قَصْدُك منه المعاني أو الورق أو الكرتون؟ إنك تشتري الكرتون إذا لم يكن فيك إيمان، وتشتري صورة من الصور، وهذه الصورة مثل التي في المجلات، والتي فيها أشكال وألوان، [فالزخرفة والألوان في المصحف مجرد صور].. فنسأل الله عز وجلَّ أن يجعلنا من الذين ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121] والإيمان به هو الذي يثمر العمل به والوقوف عند حدوده.

وذلك مثل سيدنا عمر رضي الله عنه لما أراد أن يحدِّد مهور النساء بخمس مئة درهم، فقامت امرأة في آخر الصفوف وقالت له: ليس لك ذلك يا ابن الخطاب.. بعد أن وافقه كل عظماء الصحابة، يعني بالإجماع، قالت له: “أَمَا سمعت قول الله تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء:20] أتدري يا عمر كم هو القنطار؟” 9 .

إذا قلتَ لشرطي البلدية: أنت مخطئ، فسيغضب منك ويقول لك: ماذا تقول؟ كيف تجرؤ أن تقول: أنا مخطئ؟! وكذلك الأب مع ابنه أو الأخ مع أخيه أو الناصح مع المنصوح يقول له: أخي والله هذا الأمر غير جائز شرعًا فحبذا لو تتركه، فتراه ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْم تَظهر عزته الشيطانية الضلالية، فيتعالى على الله وعلى أمر الله وعلى كتاب الله وعلى شريعة الله ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].

الحب رابطة:

فأين نحن من القرآن؟ والأمر واضح، فلا يمكن الانتفاع بالقرآن إذا لم يكن لك قلب، والقلب هو الذي يُعمَّر بذكر الله، وهو الذي يحيا بارتباطه بعارفٍ بالله، فإذا لم يرتبط قلبك برابطة الحب، الحب كل الحب، حتى يصير الذي يدعوك إلى الله ومربي الإيمان أغلى عليك من روحك ومن والدك وولدك وابنك وكل شيء في الوجود بعد الله ورسوله، فإنك لا تصير نجارًا وأنت قاعد بالحمام، ولا تصير حدادًا وأنت قاعد عند الحلاق، ولا تصير حلاقًا إذا كنت أجيرًا عند الحداد، فتقول حينها: أدوات الحدَّاد أكبر، وسأحلق ذقن الرجل بالمطرقة وبالمَجْرَفة.. وأدواتك للحلاقة هي المطرقة والمجرَفة والمحافير والسِّكَك، فهل تصير بذلك حلَّاقًا أو تصير بهذه الأدوات طبيب أسنان؟ نسأل الله أن يجعلنا من أهل القلوب.. والقلب لا يكون ولا يُبنى إلا بدوام ذكر الله والعشق والحب بكل ما فيه من عمق، وبكل ما فيه من فروع، وإذا لم يوجد هذا الحب لأهل القلوب لا يمكن أن يصير لك الإيمان الذي هو الطريق إلى الجنة وإلى ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119].

بداية جلسة ذكر الله يوم الأربعاء في جامع أبي النور:

لقد سرَّني كثيرًا اجتماع إخواننا مساء يوم الأربعاء على جلسة الذكر، واللهِ إن هذه لنِعْمَتِ السُّنة! لقد سَنُّوا سنَّة حسنة، وأنا يجب أن أكون معكم أيضًا، فجزاهم الله عنا وعن الدعوة إلى الله كل خير، فيجب علينا أن نتعلم من مدرسة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 282].

العلم بالأُذن وحدها لا يكفي، وبالعين وحدها لا يكفي، بل يكون بالعين والأُذن والقلب وصحبة الذاكرين، ويكفيهم أن الملائكة تحفُّهم وتحيط بهم، وعندما يصعدون إلى ربهم يقول لهم: ((اشهَدُوا بِأَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فتَقُولُ الملائِكةُ: إنَّ فيهم فُلانًا ولَيسَ مِنهُم، فيقولُ: هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)) 10 ، فكيف إذا كان منهم؟ نسأل الله أن يجعلنا منهم بفضله وكرمه.

[قبل يومين من تاريخ هذا الدرس بدأت هذه الجلسة، وهي جلسة عامّة لذكر الله تعالى في مسجد أبي النور في دمشق، أي في تاريخ: 22/4/1992م، والتي عادة ما تكون بين المغرب والعشاء، وتنتهي بصلاة العشاء وقيام الليل جماعة، ويواظب على حضورها الذاكرون لله تعالى من إخوان الشيخ وتلامذته، وكانت بداية بإمامة وإشراف الشيخ عمر الصباغ والشيخ بشير الرز وغيرهما من الرعيل الأول، ثم تابع فيها بعد وفاتهم غيرهم من الشيوخ العلماء، ولا تزال قائمة ولله الحمد حتى تاريخ تحرير هذا الدرس كتابة، أي في: الأربعاء 10/7/2024م. وتكون جلسة الذكر قلبية أي بشكل سِرِّي، فلا تسمع فيها صوتاً، ويعم الهدوء والجلال المكان، ويجلس الذاكر مغمضاً عينيه ومتوجهاً للقبلة، ويتوجَّه بكل طاقاته إلى الله تعالى، ويُرَكِّز على قلبه الذي يقول: الله الله الله الله الله.. ويقول بعد قول “الله” مئة مرة أو ما يقارب: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”.. تبدأ جلسة الذكر بالاستغفار وقراءة الفاتحة وسورة الإخلاص وسورة الشرح والرابطة والصلاة على النبي ﷺ، ثم يبدأ الذكر القلبي السري، والذي يدوم في أغلب الجلسات لنصف ساعة أو أكثر، وينتهي بقراءة الفاتحة والدعاء.. وجلسة الذكر تكون بشكل جماعي وبشكل فردي، والجلسة الفردية مطلوبة من الذاكر يومياً.. وهذه باختصار هي طريقة الذكر عند سماحة الشيخ أحمد كفتارو والتي كان يعلِّمها لإخوانه].

تحذير الله لنا نعمة تستحق الشكر:

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] إذا قال لك الشرطي: انتظر حتى أتفرَّغ لك وهو يهدِّدك، فإنك تحسب له خمسين حسابًا، وإذا كان ذا سلطة أكبر تخاف منه أكثر، فكيف إذا كان جبَّار السموات والأرض؟ واللهِ إن هذا لشيء تُوهَن منه الركب ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

الله عزَّ وجلَّ يحذرنا: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:31-32]، فإذا حذرك شخص وقال لك: الحية بجانبك وستلتفُّ على رقبتك.. أليست هذه نعمة يجب أن تشكره عليها؟ لأنه إذا تركك ولدغتك من رقبتك أهلكتك، فكلامه وتنبيهه أنقذك من الهلكة.

والله تعالى يذكر لنا ما سيستقبلنا بعد موتنا، وهذا إيقاظ وتنبيه لنا لنستعد لذلك اليوم، كالطالب بالمدرسة يستعدُّ من أول السَّنة لامتحان آخر السنة، مع أن السعادة غير موقوفة على شهادات المدارس، ولكن السعادة الأبدية موقوفة على نجاحك يوم القيامة يوم الحساب، وهناك لا يوجد أمير ولا مأمور، ولا ملك ولا مملوك، بل كلهم ينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

فالله تعالى يصوِّر لنا ويبيِّن لنا موقف الحساب فيقول: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الرحمن:33] الذين هم الثقلان في قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:31-32] الخطاب للجن وللإنس.

﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ [الرحمن:33] في موقف الحساب عندما تدخلون المحاكمة والمحكمة الإلهية هل تستطيعون أن تهربوا؟ أو تخلِّصوا أنفسكم؟ القاضي في الدنيا قد يأخذ الرشوة، ولكن الله عز وجل لا يرتشي، وهو يقبل منك الرشوة في الدنيا، ولكن ليس بمعنى الرشوة المعروفة إنما بمعنى أنه يرضى، فهو سبحانه يُرضيه عنك إذا أذنبتَ أن تتوب إليه التوبة النصوح، والتوبة النصوح هي أن تترك الذنب وتُقلع عنه فلا تعود إليه أبدًا، وأن تُقلع عن صحبة من أوقعوك في الذنب.

الإنسان ينتقي نعله من بين خمسين نعلًا، و”جرْزة” الكزبرة ينتقيها من مجموعة كبيرة منها، مع أنه يمكن أن يُحضَّر الطعامُ بدونها، [جُرْزَة، تستخدم بالعامية، وهي فصيحة لغوياً، وجمعها جُرَز، وتعني الحُزْمَة، وهذه الجرزة تكون وسطياً مئة غرام أو مئتين أو ما يقارب ذلك] أما الجليس والصاحب والصديق فإما أن تشقى به وإما أن تسعد به، إما أن تهلك به وإما أن تنجو به.

والحذاء إذا لم يعجبك بأن كان ضيقًا أو غير صالح للبس تتركه وتمشي، أمَّا الصديق فإذا علقتْ فيك أخلاقه وسيئاته وجرأته على الله وغفلته عن الله، ومات قلبك فلن ينفعك قرآنٌ ولا عظةٌ ولا هدايةٌ.. فنسأل الله أن يحمينا من موت القلوب، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6].

هل لك قوة أعظم من قوة الله حتى تهرب؟:

فعلى ماذا تعتمدون؟ هل تظنون أنَّ الله لن يُحاسبكم؟ إنه يقول لكم: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] فإذا كان الله سبحانه هو من سيتفرَّغ لك فكيف سيكون الوضع؟ قال: سأهرب.. ولكن الله تعالى يقول: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا تهربوا ﴿مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا فافعلوها إن كنتم تستطيعون، لكنكم ﴿لَا تَنْفُذُونَ ولا تستطيعون أن تنجوا من الحساب ﴿إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] بأن تكون عندكم قوة أكبر من قوة القاضي، فهل قوتك تغلب قوة الله؟ هل تقدر أن تهرب من بين يديه؟ ﴿لَا تَنْفُذُونَ ولا تنجون ﴿إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] بقوة، فهل لديك قوة تقارنها مع قوة الله أو تكون أقوى من الله سبحانه؟

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:34] أنا أنبِّهُكم وأنصحكم وأنا أريد سعادتكم.. أليست هذه النعم من أجلِّ النعم عليكم؟ أَلَا يجب أن تشكروا هذا المعلم وهذا المربي وهذا المنذِر؟ إذا قال الطبيب لك: إياك أن تأكل هذا الطعام، أو إياك أن تشرب هذا الشراب فهو يقتلك أو يصيبك بالمرض الفلاني، أو قال لك: إذا أكثرتَ من السكر يصيبك مرض السكر.. ألا تقول له: شكرًا لك، جزاك الله خيراً.. والله تعالى يقول أيضًا: هذا التنبيه من نِعم الله عليكم ومن آلائه، أَلَا يجب أن تشكروني عليها، أم يجب أن تُعرِضُوا عنها كأنَّكم المكذِّبون بها؟ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ ونِعَم ﴿رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:34]؟

قال: فإذا كنتم في طريق الغواية وطريق المعصية وعدم الإصغاء إلى كلام الله إصغاءَ الطائع الممتثل فإنه ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ نار خالصة ليست حمراء، بل زرقاء وليس فيها دخان أبدًا، فهي نار صافية، فهل تستطيع أن تتحمَّل نار جهنم التي يقول الله عنها: ﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ نار بالدخان ونار النحاس، ومنهم من قال: إن النحاس دخان، وقد يكون النحاس المذاب.. على كلٍّ، فإن الأمر مع الله تعالى، والله يقول لك: هذه العصا التي سأضربك بها ليست من شجرة الرمان لتنكسر، لكنها من نار، ﴿فَلَا تَنْتَصِرَانِ [الرحمن:35] لا تستطيعون أن تتغلبوا على الله أو تنفذوا وتنجوا من عذاب الله عز وجل.

قصة العابد الذي حرق أصابعه العشرة:

يُقال: إنَّ أحد العبَّاد كان في صومعته، وكان الوقت شتاءً، وقد نزلت موجة ثلج كثيفة، وكانت فَلّاحَة [امرأة] من الفلاحات في البرية فما وجدت ملجأً سوى صومعة هذا الرجل الصالح، فأخذ الشيطان في الليل يزيِّن له محاسنها: انظر إلى عيونها وطولها.. الله غفور رحيم.. كذا وكذا.

وكانت جالسة، فلم تره إلا وهو يضع أصبعه على نار الشمعة، وعندما شعر بالألم أرجعها، وبعد ساعة وضع أصبعه الثاني، فما طلع الفجر حتى أحرق أصابعه العشرة، فخافت المرأة وقالت في نفسها: هذا الرجل مجنون، وربما يفعل بها شيئًا أو يقتلها أو يذبحها.

وفي الصباح تفقَّدها أهلها، فرأوها عنده وشكروه على حُسن صنيعه، فقالت لهم: واللهِ أنا طول الليل كنت خائفة.. لقد فعل كذا وكذا، ورأوا أصابعه كلها ملفوفة، فسألوه: لِمَ فعل ذلك بنفسه؟ فقال لهم: ((ما خَلا رَجلٌ بامرَأةٍ إلَّا كانَ الشَّيطانُ ثالِثَهما)) 11 .. والشيطان إذا حضر جلسةً هل يُفسد أم يُصلح؟

أما شيطان الإنس فهو أفظع ألف مرة من شيطان الجن، فشيطان الإنس يقول لك: افعل من أجل خاطري، وإلا انزعت منك، وقد يغريك، وقد يُوسوِسُ لك.. فهذا شيطانٌ مضاعف، رَكِبَه شيطان الجن فجعله حماره للإفساد في الأرض.

قال لهم: الشيطان زيَّن لي الحرام فتذكرت مثل هذه الآية: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ [الرحمن:35] فهل نار الشمعة شواظ؟ هي شعلة صغيرة بسيطة، أما شُواظُ جهنم، فلعل طول لسانها حوالي خمسين كيلو متر.. ألسنة اللهب التي تخرج من الشمس طولها عشرة آلاف كيلو متر، فكيف ستكون جهنم؟ كان الناس لا يصدِّقون بوجود جهنم، والآن العلم كشف أشياء أكثر مما ذكر القرآن في صفحاته.

قال: فقلت لنفسي: هل تصبرين على نار جهنم؟ قالت: نعم أصبر، والله غفور رحيم، فقلت لها: أَمَا حسبتي احتمال أن لا يغفر الله لكِ؟ لأنَّ الله قال: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ الذي يترك الذنب، وليس “تاب” وحسب، بل ويقوِّي إيمانه حتى لا يقع مرةً ثانيةً في الذنب، والإنسان يقع في الذنب من ضعف الإيمان، أمَّا قوي الإيمان فهو معقَّم من جراثيم الذنوب، ولا يمكن أن تعيش فيه جراثيم الذنوب ولا مكروباتها، ﴿وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] يبحث عن مجالس الهداية، فهذا الذي يغفر الله له.. هذا كلام اللهِ تعالى.. ولكنَّ الجهل إذا عشعش في الرأس فإنّ قراءة الكتب وغيرها لا تفيد، والعلم إذا لم يدخل إلى الداخل وإلى باطن القلب فهو قيل وقال.

فخاطب هذا الرجل نفسه: سأجرِّبك على نار هذه الشمعة، فإذا تحمَّلتِيها أصدِّقك أنك تتحمَّلين نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة.. فلمَّا احترق وشعر بالألم قالت له: لا أستطيع أن أتحمَّل، وبعد قليل سكن الألم، فجرب مرة ثانية وثالثة فلم يتحمَّل.

فقال لهم: وهكذا مرة بعد أخرى حتى أحرقتُ أصابعي خوفًا من أن أقع في نار جهنم، وخشيةً من الله ومخافةً من عقابه، قالوا: ما دام هكذا فإنَّا سنقدِّمها لك هدية بالحلال وسنزوِّجها لك.. ومن عفَّ عن الحرام عوَّضه الله ما هو خيرٌ منه من الحلال.

هكذا كان خوفهم من الله عزَّ وجلَّ، كان الشخص منهم يسمع آيةً واحدة تكفيه طول الحياة، لأن قلوبهم كانت حيةً بالله وبنور الله وبروح الله.

أهوال يوم القيامة:

قال: ومتى يوم القيامة؟ قال: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ [الرحمن:37]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار:1]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1]، ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة:9-10] يعني نظام مجرتنا كله سيختل، وكأنَّ المجرة كلها أدوات لاستقرار الحياة على هذه الكرة الأرضية، والله ورسوله أعلم.

قال: فهل تذكَّرتم يوم تنشق السماء وتتصدَّع النجوم وتخرج كلها عن أفلاكها ومساراتها ويصطدم بعضها ببعض؟ والأرض: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:5-6]، قال: حتى السماء والفضاء والكواكب تصير ﴿وَرْدَةً كلها حمراء من الاشتعال ﴿وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] وتذوب كما يذوب السمن إذا وضعته في المقلاة على النار.

قال: هكذا يكون حال مجرَّتكم أو الكواكب التي مع كرتكم الأرضية في هذا اليوم الذي هو يوم الحساب وخراب الدنيا، حيث لا يبقى بستان ولا بيت ولا عمارة ولا دولة ولا رئيس ولا مرؤوس ولا وزير ولا قاضٍ ولا مفتٍ، فهل حسبتم حساب هذا اليوم؟

الله تعالى يصف لنا كيف يَنْفَعل الكون ليوم القيامة، ويصف لنا عجز الإنسان في محكمة الله ﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33]، وينبهنا أنَّ الحساب واقع ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31].

ومع كل هذا الكلام -وهذا كلام الله- [ألا نتَّعظ؟] فالشرطي إذا قال لك: توقَّف، هات دفاترك، [دفاتر جمع دَفتَر، وتعني هنا وثائق السيارة الرسمية] تقف وتقول له: تفضل هذه دفاتري، والله تعالى يخاطبنا ويحذِّرنا ويخوِّفنا، ولكننا لا نحذر ولا نخاف ولا نبالي، ثم نرتكب المعاصي، ويقول أحدنا: “الله غفورٌ رحيم” ويقول آخر قولاً مثل قوله، ولا يَذْكُر أن الله يراه، وأنه مطَّلع عليه، مع أنك لو رآك طفل صغير على المعصية أو شخص يعرفك تستحي منه، ولكن ألا تستحي من الله؟ إن الله ليس له وجود في قلبك، لأنك لست ذاكرًا، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22]، الله تعالى يقول في “الويل”: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]، ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7]، وكذلك ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22] فيجب أن تداوم على الذكر حتى يلين قلبك القاسي ويصير مثل العجين، فيتأثر بكل أمرٍ ونهيٍ ووصيةٍ إلهيةٍ وآيةٍ قرآنيةٍ.

قال: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ هل تذكُر؟ وهل تفكِّر يوم تنشق السماء بكواكبها وشموسها وأقمارها حتى تصير باشتعالها مثل الوردة الحمراء، وتذوب كما يذوب الدُّهن على النار؟ ﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:37-38] أنا أذكِّركم وأنصحكم وأحذِّركم لتكونوا سعداء لا لتكونوا أشقياء، فهل شكرتم نعمتي على هذا التذكير وهذا التنبيه وهذا التحذير؟

معرفة أهل الذنوب من ذنوبهم وسحبهم إلى جهنم:

﴿فَيَوْمَئِذٍ يوم تنشق السماء، ويوم يرسل شواظ من نار ونحاس على الذي يريد أن يهرب من محكمة الله.. ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ [الرحمن:39] لماذا؟ قال: لأنه ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41] فالذي رأته الدولة والشرطة والأمن يقتل إنسانًا، هل يقولون له: هل قتلتَ؟ وإذا رأوه وهو يسرق هل يقولون له: هل سرقت؟ ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41] فإذا كانوا يُعرفون بسيماهم فلماذا السؤال؟ لماذ يُسأل: هل سرقت؟ هل تركت الصلاة؟ إنّ تارك الصلاة يَظهَر ذلك من وجهه الأسود، ومانع الزكاة ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:35].

﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] الناصية هي الشعر في مقدمة الرأس، شعر الجبين، فيسحبونه من شعره ويسحبونها من شعرها، إلى أين؟ إلى نار جهنم، على وجهها، أو بالأقدام فيسحبونها من رجليها، ولو كانت أم كلثوم! [أم كلثوم مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي]، ولو كانت الراقصة الفلانية! ولو كان الوزير الفلاني!َ ولو كان الملِك الفلاني! وعند الله هناك: ((يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا)) قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ؟ قال: ((النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ))، فقالتْ: وَاسَوْأَتَاهُ! كيف؟ قال لها: ((﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37])) 12 .

فإذا كانت المرأة في هذا الحال لا تُفكِّر بانكشاف عورتها، فأيُّ أمرٍ وأيُّ خطبٍ وأي مُفْزِعٍ ومرهِب يستولي على القلوب، حتى إنَّ المرأة تنسى نفسها في هذه الصورة فلا تفكر فيها!

أهمية ذكر الله:

الإيمان بالقرآن هو هذا، ولكنكم مع كل ما تسمعون [لا تستفيدون]، فيجب عليكم أن تجعلوا ذكر الله ليس كغذائكم ثلاث جلسات، بل ذكر الله يجب أن تجعلوه مثل نَفَسِكم، فهل تستطيع أن تقطع الهواء والأكسجين عن جسدك دقيقتين؟ نسدُّ لك أنفك، ونَسدُّ لك فمك دقيقتين ما الذي يحصل؟ ينقطع الهواء والأكسجين عن الدم، فيصل الدم إلى الخلايا بلا أوكسجين فتموت خلايا الدماغ.. فإذا كان وضع الإنسان بهذا الشكل من الخطورة بأنه لا يستطيع أن يعيش بلا هواء، فكذلك القلب والإيمان لا يعيش من دون ذكر الله.. أنت تأخذ طعامك على ثلاث وجبات، وكذلك يجب عليك أن تذكر الله في صلاتك، [فكأن الصلاة وجبة من الوجبات الروحية] فعندما تقول

• الله أكبر، يقول قلبك: الله أكبر، فتشعر بنور الله تملأ عظمتُه قلبَك وأرجاءَه وأركانَه.
• سبحان ربي العظيم، قلبك يقول: سبحان ربي العظيم، فتشعر بجلال الله وعظمته ونوره في قلبك.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] فتشعر بعظمة الله وجلال الله ونور الله فيه.. وقلبك يقول ما يقول لسانك، وذلك مع استحضار المعنى وعظمة المعبود.
• وكذلك عند ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

هكذا يجب أن يُصلى، وهذا هو الفقه في الدِّين، ولكن مع الأسف فإن الفقه الذي يسمونه فقهًا شرعيًّا لا يَذكرون فيه إلا فقه الجسد؛ كيف يركع الجسد، وكيف يسجد، وكيف يتكلم اللسان، أما القلب فهل ذكروه في الفقه؟ كيف يركع القلب؟ وكيف يسجد؟ وكيف يقرأ القرآن؟ لم يذكروه مع أنه واضح في القرآن: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]، ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ أي أداؤها أمر عظيم، وليس كل شخص يستطيع أن يؤديها ﴿إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ يعني يتيقَّنون ﴿أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:45-46] هذا هو المصلي.

في الفقه لا يذكرون ذلك، ويذكرون أركان الصلاة، أي أركان أعمال الجسد، وشروط صلاة الجسد، والتجويد: كيف ينطق بحروف القرآن، لكن هل علَّموا المسلم كيف يجيد فهم القرآن؟ وكيف يجوِّد تنفيذ أوامر القرآن؟ هذه تحتاج إلى قلب، والقرآن واضح فقال: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ [ق:37] بأن يفكِّر، فالفكر يقودك إلى الذكر.

إذا سحبك شرطي من يدك ودفعك أَلَا تصير كرامتك محقَّرة؟ وإذا ضربوك أمام الناس “طَيَّارَة” على رقبتك أليست هذه إهانة؟ [الطَّيَّارة في اللهجة الدمشقية هي صفعة بباطن الكف على الرقبة من الخلف]، فكيف إذا سحبوكَ من شعر رأسكَ وسحبوكِ من شعركِ؟ قد تقول: أنا سأحلق شعري.. ولكن هناك في الآخرة كل شعرك الذي حلقته وأظفارك التي قصصتها في الدنيا سترجع إليك.. هذا هو المصير الأبدي، الشرطي قد يضربك ويهينك ويتعدى عليك، ولكن بعد ساعة يُفرج عنك، أما هناك فحبس الله وزنزانات الله وسياط الله أبدية.

إنّ ذِكْر الله ميتٌ في قلوب الكثير والكثير من الناس اليوم، ولذلك لا يؤدُّون الفرائض ولا يهربون من المحرمات والفواحش ولا يخافون الله، فموت القلب كامل.. والميت لو كانت عيونه مثل عيون البقر هل تفيده؟ ولو كانت آذانه أطول من آذان الحمار هل تفيده؟ فنسأل الله عز وجل أن يُحييَ قلوبنا بذكره.

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:42] كل شيء يحذِّرنا الله منه يقول فيه: هذه نعمة مني عليكم ومن آلائي وتفضُّلي، فهل شكرتموني على هذا التنبيه؟ إنك إذا قلتَ لابنك: يا بني اجتهد، وإنك إذا لم تجتهد فسترسب غدًا.. وكذلك إذا نبهتنا الدولةُ على الشيء الفلاني المخالف للقانون.. أليست هذه النصائح نعمة؟ ألا يجب علينا أن نشكر مسديها والناصح بها؟

إحقاق الوعد بجهنم وما فيها:

قال: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ [الرحمن:43] بعد كلِّ هذا التنبيه والتحذير وكذا، إذا لم نفهم على الله عزَّ وجلَّ، ولم نتقبَّل نصائحه، ولا ابتعدنا عن الشيء الذي حذَّرنا الله منه، فإننا سنرى أنفسنا أمام جهنم وجهًا لوجه، ولن ينفعك المال ولا الشهادات ولا الوظائف.

عندما يصير الإنسان على النعش ما اسمه؟ هل اسمه العقيد أو العميد أو الوزير أو الأمير أو الملك أو المفتي؟ اسمه جنازة، وبعد قليل يترقَّى لمرتبةٍ أعلى فيصير اسمه قبر، وبعدها يترقَّى فإمَّا شقيٌّ وإما سعيد، وكل عمله الدنيوي من علم ومن شهادات ومن مال ومن مزارع ومن عمارات وغير ذلك كلُّه صار منامًا، واستيقظ النائم من منامه وحلمه.

يقال: إن جحا رحمه الله كان دائمًا يدعو الله ويطلب منه ألف دينار، ولكثرة دعائه استقرَّ في مخيَّلته، فرأى نفسه في المنام وأحدهم يقول له: أعطيك إيَّاها تسع مئة وتسعة وتسعين، قال: لا آخذها إلا ألفًا، فبين الأخذ والرد استيقظ من نومه، فلم يرَ شيئًا، فأغمض عينيه وقال له: هات التسع مئة والتسعة والتسعين. [يضحك الحضور للطرفة]

واللهِ إننا إن متنا فسيتمنَّى الواحد منا لو أنه يملك الدنيا وينفقها، وأن يرجع إلى الدنيا ليكسب صلاة ركعتين، ولكن انتهى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ من مال أو جاه أو قوة أو كذا.. ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا فلا يستفيد إلا الكلام ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ سدٌّ ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ [الرحمن:43] إنك لم تكن تصدق بها، فهل ترى أولئك الذين يسحبونهم من النواصي والأقدام؟ الآن أتى دورك وسحبوك، فإذا سحبوك ماذا يفيدك مالك أو “نَيَاشِيْنك” [الأوسمة] أو ألقابك أو غناك أو جَمالك أو صوتك؟ ﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:43–44] عندما يَشتكُون من الحريق يقولون: نتوسَّل إليكم احترقنا وصرنا رمادًا.. فيأخذونهم إلى الماء، وهو الماء المغلي واسمه الحميم، ما معنى كلمة “الحمَّى”؟ يعني زيادة الحرارة، والحمَّة بركةٌ جَوُّهَا حارٌّ، وماؤها حارٌّ، والحميم هو الماء المغلِّي، و”حميمٍ آن”: يعني أنه بلغ قمَّته في الغليان، فبين جهنم وبين حميمٍ آن، فالتنزه هناك كما كان يتنزه في معاصي الله ويروِّح عن نفسه بمعاصي الله عزَّ وجلَّ، فهذه مقابل تلك، وهذا البذر وذاك الحصاد.

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:45] أنا حذَّرتُكم وأهديتُكم النصائح الثَّمينة لتَصِلوا إلى السعادة الخالدة، فهل شكرتُم الناصح على نصحه والمعلِّم على تعليمه؟

مرتبة الخوف من الله وجزاؤها:

هذه الآيات تُوجِبُ مخافة الله عزَّ وجلَّ، والوقوف عند حدود الله، فهل خفتم؟ قال: نعم لقد خفنَا.. فإذا خفتم الخوف الذي يحجزكم عن معاصي الله، فالله يقول: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ما مقام الله؟ مقام الله في محكمته وقضائه يوم القيامة.

فهل تحسب حساب هذا المقام الإلهي، وهذا القضاء الرباني؟ وأعمالك كلها المكتوبة في كتاب ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، “لا يُغادر”: لا يترك.. فنظرات عينك مسجَّلة، ما نظرت فيه إلى معاصي الله وما استعملت بصرك في مرضاة الله عزَّ وجلَّ.. ((النَّظرُ في وجهِ العالِم عِبادةٌ)) 13 ، والنظر في القرآن بالتلاوة والتفكر عبادة، وكذلك أذنك أيضًا بالسماع إلى العلم وإلى العظة وإلى كل ما يرضي الله تعالى عبادة، أما السماع إلى الغيبة والنميمة والأذى فهو ذنوب، [وهذا ليس مع العين والأذن فقط]، بل مع اللسان واليد والرجل والبطن والفرج، وكلُّ ما صدر منك في كتابٍ ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49].

هذه الأشياء التي يُخوِّفُنا الله تعالى ويحذِّرُنا منها هل فهمتَ منها شيئًا؟ هل صرتَ تخاف؟ إذا قال لك شخص: هذا ثعبان ولدْغتُه تقتل، أَلَا تشكره على تحذيره؟ أنت كنتَ تظنُّها قِثَّاءة سوداء، وتريد أن تُمسِكَها وتَعُضَّها [تَقْضِمها]، وإذا بقيتَ بهذا الجهل والجاهلية فستعضَّك وتلدغك من شفتك.

إن الذي حُذِّر فحذِرَ وخُوِّف فخاف، ووقف عند حدود الله تعالى فلم يتعدَّها، يقول: جزى الله خيراً الذين نصحوني وحذَّروني وخوَّفوني، ولقد رأيت أنّ المسألة صحيحة.. وأنتم أَلَا تعتقدون أن كلام الله صحيح، وأن هذا الذي يقوله الله سيحدث؟ هل آمنتم أنه سيحدث؟ إذا آمنتم فهل يمكن أن يعصي الإنسان الله عز وجل بلسانٍ أو بعين أو بأذن؟ وهل يستطيع أن يُقصِّر في مرضاة الله عزَّ وجلَّ؟ بل تراه دائم الذِّكر، دائم الطاعة، مستزيدًا من العلم والمعرفة وكلِّ ما يقرِّبه إلى الله، وبذلك يحصل على جنتين؛ جنة في الدنيا وجنة في الآخرة: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل:30]، ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ [الكهف:39]، ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا [الكهف:32].

واليوم لو خاف المسلمون الله عز وجل ألا يجعل دنياهم جنة عليهم؟ المسلمون اليوم صارت دنياهم عليهم جهنماً، جهنم الذل والفقر والتخلف والضعف واستيلاء العدو على عقائدهم وعلى أخلاقهم وعلى اقتصادهم وعلى كيانهم، فحُرِموا جنة الدنيا.

أمَّا أصحاب رسول الله ﷺ فهل خافوا مقام ربهم؟ نعم، قال ﷺ: ((وَمَنْ خَافَ أَدْلَجَ))، يعني المسافر الذي يخاف أن لا يصل في الوقت المحدد يمشي الليل مع النهار، هذا هو الإدلاج، وهو مشي المسافر في الليل، فيمشي في وقت الرطوبة لينجو من الحر.. ((وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَتَه هي الْجَنَّةُ)) 14 .

فإذا أردت أن تُسافر إلى الجنة فيجب عليك أن تمشي ليلًا ونهارًا، بكل جِدٍّ وبكل الطاقة وبكل الإمكان، ثم تكون نتيجة هذا المسير ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].

الصحابة هل أعطاهم الله جنةً في الدنيا؟ بل أعطاهم وملَّكهم الدنيا بكل ما فيها من جنان وقصور وذهب وفضة، وجعلهم أعظم وأعزَّ وأغنى أمم الدنيا، وفي الآخرة: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17]، ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17].

تَحَرُّك المجتمع الدولي وفق مصالحه:

لا تظنوا أن التدين والتقوى بأن نصلي كثيرًا ونصوم كثيرًا ونذكر الله كثيرًا، إنما هو أيضًا أن نعقل كثيرًا، ونفكِّر كثيرًا، ونأخذ بالأسباب والمسبَّبات في كل الشؤون، فالإسلام يَفرِض على المسلم أن يكون غنيًّا وقويًّا وعزيزًا وأن يقود العالَم، ولكن الآن صار مجلس الأمن يقودنا، وهو ليس مجلس الأمن، بل هو مجلس الاستعمار؛ مجلس الاستغلال للشعوب الضعيفة، مجلس اللَّعِب بمصير الأمم.. أيُّ عدل بأن يُنفِّذوا قرار مجلس الأمن في الكويت والعراق بسرعة البرق الخاطف، وقرارات مجلس الأمن في فلسطين لم تنفَّذ منذ أربعين أو خمسين سنة؟ قرار تقسيم فلسطين وهو أنَّ ربع فلسطين لليهود وثلاثة أرباعها للعرب، وأن يرجع اللاجئون إلى أراضيهم لم ينفَّذ، وقراراتهم كلها لم تنفَّذ.

وهذا مثل تلك القصة يقال: إن شيخًا دينه خفيف، والناس تظنه تقيًّا، وكانت له أرض زراعية، وله ثور، وفي يوم من الأيام تفلَّت هذا الثور ودخل أرض الجيران، وكسر الشجر وكسر الأغصان وداس الزرع.. إلخ، فتأذَّى الجيران منه كثيرًا، فجاؤوا إليه وقالوا له: يا سيدنا والله إننا خَجِلُون من أن نأتي إليك، ولكن لدينا ثور شرس لا نقدر عليه، وقد تفلَّتَ ودخل أرضك وكسر الشجر الصغير وخرب الزرع وكذا.. فغضب الشيخ وقال لهم: هل يجوز هذا؟ فالحكم عليكم أن تعوِّضوني عشرة أضعاف ما خرَّبه الثور.. فلمَّا أخرج الحكم عليهم وانتهى الأمر “وختم وأمضى” على ما قال، [خَتَمَ وأمضَى: وضع خَتْمَه وتوقيعه وإمضاءه] قالوا له: يا شيخنا والله نحن نسينا أمرًا، قال: ما هو؟ قالوا: الثور هو ثورك أنت، وليس ثورنا وقد أخطأنا، هو دخل أرضنا وأتلف زرعنا وكسر شجرنا.. فكيف سيحكم على نفسه؟ ففكَّر في الأمر مليًّا ثم قال: ناولوني الكتاب الأحمر، كي نجد الجواب.

وكذلك مجلس الأمن يحكم فيما يهوى الاستعمار، فإذا يكن لهم مصلحة يُخرج الحكم، وإذا كان لهم مصلحة يقول: هاتوا الكتاب الأحمر، وهذا هو الكيل بمكيالين، لكن هذا لا يدوم، والظلم لا يدوم والعدوان لا ينجح، ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، ولكن الهوى يتغلَّب على العقل وعلى العلم، إلَّا العلم بالله تعالى النابع من القلب ومن المرآة التي ينعكس فيها نور الله، وتحيا به روح الإنسان بروح الله، فهذا العلم النافع.. نسأل الله أن يرزقنا علمًا نافعًا.

دلالة الله لنا على طريق السعادة نعمة تستحق الشكر:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:45] أخبرتكم أنه ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].. أليست هذه نعمة أنني أعلِّمكم طريق السعادة؟ فهل شكرتموني عليها أم تقولون: هذه ليست نعمة وليست أيَّ شيء؟ إذًا أنتم تُكَذِّبون يا معشر الجن ويا معشر الإنس.. فكلُّ آية نعمةٌ، وكلُّ جملة من القرآن نعمة، ويجب الشكر عليها والعمل بمقتضاها وإلَّا ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:45] لَمَّا تلا النبي ﷺ هذه السورة على الصحابة قال لهم: ((لَإخوَانُكُمْ مِنَ الجِنِّ كانُوا أَكثَرَ فِقْهًا مِنْكُمْ، فَكَانُوا لَمَّا يَسمَعُونَ: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] يَقُولُونَ: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ)) 15 .

من أوصاف الجنة:

﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] ما الأفنان؟ يقولون: فلانًا متفنِّنٌ، يعني في كل مرة يُخرج شيئًا جديدًا، وهكذا الجنة ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] يعني فيها أنواعٌ من الأشجار والثمار بما ((لا عَينٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَرٍ)) 16 ، التفاح تفاح لكن هل هو مثل تفاح الدنيا؟ لا، بل هو لا يلتقي مع تفاح الدنيا إلا بالاسم فقط، أمَّا بالذوق واللذة فلا شيء في الجنة يشبهه شيءٌ في الدنيا، فهما يشتركان في الاسم فقط لا في الحقيقة.

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46] فالجنان ليست جنَّتين ولا أربع ولا عشرة، الله تعالى يقول: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البقرة:25] إحدى الصحابيات استُشهد ولدها في معركة بدر، فلمَّا وصلها الخبر ما بكيتْ، قالوا لها: ولدك -وقد يكون وحيداً- استشهد ووصلك الخبر، ولم يظهر عليك حزن ولا كدر ولا انزعاج! فكيف ذاك؟ قالت لهم: لا أبكي ولا أحزن، حتى يأتي رسول الله ﷺ فأسأله، فإن كان ولدي في النار فسأبكي عليه ما حييتُ، وإن كان ولدي في الجنة فلِمَ البكاء ولم الحزن؟ يعني لأنه قد وصل إلى حياة أرقى وإلى نعيم أوسع وإلى السعادة الكبرى، فالإنسان إذا أخذوا ماله يحزن، ولكن إذا أخذوا ماله وأعطوه فوق ماله خمسين مليون ضعفٍ، أو أخذوا الليرات وأعطوه أوراقاً من فئة الخمس مئة، فبعد أن كان معه خمس مئة ألف ورقة من فئة الليرة السورية الواحدة بدَّلوه بها نفس عدد الورق، ولكن من فئة الخمس مئة، فهل يحزن على هذا الفقد؟ لا، لأنهم أعطوه ما هو أعظم وأجلُّ.

قال: فلمَّا أتى النبي ﷺ من الجهاد قالت: يا رسول الله ﷺ أخبرني أولدي في الجنة أم في النار؟ فإن كان في النار فسأبكي عليه ما حييتُ، وإن كان في الجنة فلمَ البكاء؟ فقال لها: ((وَيْحَكِ أَوَهَبُلْتِ؟)) هل أنت مجنونة أو مَهْبُوْلة؟ ((أَتَحسَبِينَهَا جَنَّةً وَاحِدَةً؟ إِنَّهَا لَجِنَانٌ)) جنات وجِنان، ((وإنَّ ابنَكِ لَفِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى)) 17 .

ما أجمل هذا الإيمان! وما أجمل هذه المؤمنة وإيمانها! فقالت: بخٍ بخٍ لك يا حارثة! تعني هنيئًا لك! وصارت ترقص وتصفق فرحًا، ما هذا الإيمان! وما هذا الفقه في الدين! وما هذا العلم بالله وبأحكام الله! كان هذا لما فقهوا: ((مَن يُرِد الله بِهِ خيرًا يُفقِّهُهُ في الدّين)) 18 ، وهل هذا الفقه هو فقط في الأحكام الجسدية بأن يكون ركوعك صحيح جسديًّا وسجودك صحيحٌ جسدياً؟ وماذا عن روح السجود؟ وهو أن تسجد كأنك تسجد على قدمي الله تعالى تذلُّلًا واعترافًا بالخطيئة وبالتقصير وبسوء المصير، فتخاف الله عز وجل وتتوب من الذنوب وترتدع عن المعاصي وتتوب التوبة النصوح، عند ذلك: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].

ففي الحديث الذي رواه البخاري قال: ((جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ)) أي لا شيء يحجزهم عن النظر إلى وجه الله تعالى، يعني إلى ذات الله عز وجل، ((وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِياءِ عَلَى وَجْهِهِ)) أي الحجاب، ولكن ليس حجابًا مثل المنديل أو الجدار، بل هو حجابٌ يتعلَّق بنضج الإيمان والنضج الروحي في الإنسان يوم القيامة، ((إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ)) 19 .

وكان يقول ﷺ: ((لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ)) في ذهابك إلى الجهاد في سبيل الله لمقارعة المستعمرين والكفرة المستبدين بالضعفاء والشعوب، فإذا رحتَ في الصباح روحةً أو في المساء روحةً ((خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) أي ثوابها الذي تأخذه من الله يوم القيامة أحسن من الدنيا وما فيها، ((وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ سَوْطِهُ)) أي “خيزرانته” [قضيب من الخيزران] ((في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ولو اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِن نِساءِ أَهلِ الجَنَّةِ إلى الْأَرْضِ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا أَطيَبَ مِنَ الْمِسْكِ))، فهي لا تحتاج إلى العطر والطيب، وهل العطر غالٍ أم رخيص؟ هذه المرأة معطَّرة جاهزة، وكم مسافة عطرها؟ هل هي نصف ذراع؟ قال: يملأ عطرها ما بين السماء والأرض، ((رِيحًا أَطيَبَ مِنَ الْمِسْكِ، وَلَتَاجُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) 20 .

فكم من الناس لا يعرفون كيف يتاجرون مع الله؟! فيبيع الآخرة ويبيع عرائسه هناك والحور العين المقصورات في الخيام بجلسة لا يستفيد منها في الدنيا ولا في الآخرة، بجلسة كذب أو لغو أو لهو أو حرام، أو ترك صلاة أو كذا، وكل هذا من الجهل بالدِّين؛ الجهل الفكري، وأعظم منه الجهل القلبي.

مقام أهل الخوف من الله:

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46] ورد بـأنَّ رجلًا كان مسرِفًا على نفسه، يعني لا يتوقَّف عند حدود الله ولا يعرف حلالًا ولا حرامًا، فلما حضره الموت تاب إلى الله وقال: ليس لي وجه أقابل به ربي، لذلك إذا متُّ فأحضروا وقودًا وحطبًا وأحرقوا جثَّتي حتى لا ألقى ربي.. فهو ظن أنه إذا أحرق جثته ينجو من التوقيف والمحاسبة، قال: لعَلِّي أضل عن ربي، أي ربما أضيع عنه ولا يجدني فأنجو، قال: فقبل الله منه توبته، ونظر إلى خوفه منه، فغفر له وأدخله الجنة 21 .

وعن النبي ﷺ أنه لَمَّا قرأ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] سأله أبو الدرداء رضي الله عنه فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ يعني في ماضيه كان سارقًا وكان زانيًا، لكنه تاب إلى الله تعالى، وصار يحسب حساب الماضي، فبقي خائفًا من محاسبة الله عزَّ وجلَّ عن ماضيه، فهل يغفر الله تعالى له أم لا؟ ونحن الآن نفعل كل شيء ولا نخاف ولا نفكر بحساب ولا بالقرآن ولا: ﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ [الرحمن:35]، ولا: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31]، آمنْ بجملة من القرآن تصير من السعداء.. ثم يقول: نحن مسلمون، ونحن لنا الجنة، وهو لم يشم رائحة قشر الصبارة فكيف يأكل الصبارة؟ [الصَّبّارة: واحدة من تين الصَّبَّار، وله قشر شوكي، وهو مشهور في دمشق، وله بائعون خاصون على عربات في شوارعها].

فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ الخوف تتبعه التوبة، والخوف يتبعه أن يبدِّل بسيئاته وأعماله السيئة الأعمال الصالحة، ولكن كيف مع ذلك الماضي؟ الصحابة من فقههم كان أحدهم إذا عمل الذنب يرى نفسه كأنه سيلقى في جهنم فورًا.

والثلاثة الذين تخلَّفوا عن تبوك لَمَّا أمر النبي ﷺ بمقاطعتهم كان الواحد منهم يبكي الليل والنهار من شدة خوفه من الله تعالى 22 ، وكان أحدهم إذا وقع في ذنب، مثل ثَابِت بْن قَيْس بْنِ الشَّمَّاسِ لَمَّا أنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].. فإذا رفعت صوتك فوق صوت النبي عليه الصلاة والسلام يُخشَى أن يُحبَطَ عملك وأنت تظن أنك لم تفعل شيئًا، قال: كان ثابت بن قيس بن الشماس خفيف السمع، فإذا تكلَّم عند النبي ﷺ يظن أنَّ النبي ﷺ لا يسمعه فيرفع صوته، فلمَّا نزلت الآية قال: أنا والله كنتُ أرفع صوتي فوق صوت النبي ﷺ إذًا حَبِط عملي، وكان عنده إسطبل، فدخله وأغلق على نفسه الباب من الداخل بالمسامير، وقال: والله لا آكل ولا أشرب حتى أموت أو يغفر الله لي.. قد يقول قائل: ما هذا العمل الذي يستحق منه كل هذا! والآن يرتكب سبع مئة ألف ذنب، ويقول: ما عملت شيئًا.. الله غفور رحيم.. يظن نفسه أنه قد أخذ “فيزا” إلى الجنة و”ترانزيت” بلا توقُّف إلى الجنة.. هذا من الجهل بالدين، ومن الحماقة في الإيمان. [فيزا: بمعنى تأشيرة سفر أو بطاقة دخول الجنة، وترانزيت: بمعنى الذهاب مباشرة إلى الجنة ودون توقف].

قال: فتفقَّد النبي ﷺ ثابتًا وسأل عنه، فقالوا: قصته كذا وكذا يا رسول الله، قال: ((أَحضِرُوه))، فأتى، فقال له: ((لِم فَعلتَ بنفسِكَ ذلكَ؟)) قال: يا رسول الله أنا كما تعلم جهوري الصوت، وأرفع صوتي فوق صوتك، وسمعتُ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] فحبط عملي، فقال له: ((لا، لم يحبطْ عَمَلُكَ، بل إنَّكَ تَعِيشُ سَعيدًا، وَتَموتُ شَهِيدًا)) 23 ، [فهو لم يطمئن] حتى بشَّره النبي ﷺ وطمأنه.

التوبة إلى الله تَجبُّ الذنوب المرتكبة:

أين نحن؟ وأين إسلامنا؟ وأين قرآننا؟ وماذا نستفيد من القرآن؟ وماذا نتعلم منه من أخلاق وآداب وتقوى وورع ووقوف عند حدود الله عزَّ وجلَّ؟

قال: “وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟” لكن بعد ذلك تاب وصار يخاف من الله تعالى، ولم يرجع إلى المعصية، فقال النبي ﷺ: ((وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ)).

لقد كانوا يستفظعون أن يكون المسلم يزني! أو المسلمة تزني! أو المسلم يسرق! لا يجوز أبدًا، وهكذا كان مفهوم الإسلام عندهم، فمتى أسلم صار كل وقته طاعات وتقوى وقربات إلى الله ورفع درجات، والآن المسلم لا يعرف حلالًا ولا حرامًا وهو تاركٌ لكل الفرائض، ويرتكب كل ما استطاع من محارم، ويدَّعي أنه سَيَرْكَل باب الجنة برجله ويخلعه، وغدًا سيدنا عزرائيل ومالك خازن جهنم سيخلعان رقبته.. ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] أما هنا في الحديث: “وإن زنى وإن سرق” فهو قد تاب وأناب وخاف من الله، فقال له ﷺ: ((وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ)) ثلاث مرات، يعيدها، لأنهم كانوا يستفظعون أن يدخل الجنة بعد أن يعصي الله عزَّ وجلَّ؟

أخبره أنه إذا تاب وصار يخاف من الله، وأوقفته مخافة الله عند حدوده فلم يتجاوزها إلى معاصي الله، ((وَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ)) 24 .. أين دُفِنَ أبو الدرداء؟ في قلعة دمشق، ويوجد هناك مسجد يسمونه مسجد أبي الدرداء، وهو مدفون فيه.. قال له: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ للمرة الثالثة، ولكثرة ما أطال أبو الدرداء رضي الله عنه على النبي ﷺ قال له: ((وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ)) 25 ، يعني رغمًا عن أنفك، يعني أنه قد تاب وخاف ووقف عند حدود الله.. ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ آمن إيماناً يردعه عن معاصي الله، ﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70].

وصف نعيم الجنة:

ليس جنتان فحسب، بل ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] فيها أشجار مختلفة الثمار والأنواع والألوان والأوراق والزهور، ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:50-52] يابس وطري ومعروف وغير معروف.

﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54] الإستبرق الحرير السميك، وهو البِطَانَة، فإذا كانت البِطانة من حرير فكيف ستكون الظِّهارة؟

﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] المؤمن وهو قاعد في الجنة يشتهي العنقود من الدَّالِيَة فلا يصعد إلى الدَّالِيَة أو يضع سلماً، [الدَّالِيَة: شجرة العنب]، بل الغصن يدنو منه حتى يصير أمامه، فيقطفه ويرجع الغصن إلى مكانه، ويرجع العنقود مرة ثانية كما كان، ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:23]، ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان:14] فالغصن الذي تريد أن تقطف منه يتذلَّل لك ويأتيك ولا تذهب أنت إليه.

الذي يضيِّع الجنة أليس حمارًا؟ واللهِ إذا وصفناه بالحمار لاحتجَّ كل الحمير، لأنَّ الحمار لا يعصي الله، فالله أمره بطاعة بني آدم، ومع أنك تسبه وتهينه وتُحَمِّله فوق طاقته وهو يموت بين يديك ولا يعصيك، لأنَّ الله تعالى أمره بطاعتك، فالحمار لا يعصيك فضلًا عن أن يعصي الله، فالذي يعصي الله هل الحمار أحسن أم هو؟ وإذا قلنا له: “يا حمار” فنحن نُكرِّمه، لأنَّ الحمار لا يعصي الله، إلا إن “ضَرَبَ جْوَاز”، وإذا “ضرب جواز” أو عمل شيئاً يكون بسبب أنك لم تُعَلِّمه ولم تُرَبِّه. [الحمار ضَرَبَ جْوَاز: هكذا يقال في العامية السورية عن الحمار لما يضرب برجليه للخلف ضَرْبَته المعروفة.. ويقول ذلك سماحة الشيخ بأسلوب فكاهي وهو يضحك].

وصف حوريات أهل الجنة:

﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ في الجنان ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [الرحمن:56] كلهنَّ أبكار، ما اقترب منهنَّ إنسيٌّ ولا جنيٌّ، ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ [الرحمن:58] بحمرة الياقوت وصفاء الياقوت، مثل الياقوت، تراه صافيًا، وكما يقال: مثل عين الديك، ﴿وَالْمَرْجَانُ المرجان الأبيض، فهن بياض على حمرة.. نسأل الله أن يُبيِّض وجوهنا.

وهن حمر خدودهن، ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] يقول النبي ﷺ عن الحوريات في الجنة: ((لَهُنَّ مُجتَمعٌ يُغَنِّينَ فِيهِ)) يعني البَار، أليس البار هو محل الغناء؟ هل هو محل الغناء أم الرقص؟ [سماحة الشيخ يسأل الشيخ عمر الصباغ ممازحاً:] شيخ عمر، هل البار للرقص أم للغناء؟ لا تعرف! وأنا أيضًا واللهِ لا أعرف.. [يضحك الشيخ والحضور.. والبَارْ هو كلمة أجنبية، صارت تستخدَم بالعامية السورية، وهو مكان لأصحاب المعاصي، مثل النادي الليلي، حيث فيه النساء والغناء والخمور].. ((يَجتَمِعْنَ وَيُغَنِّينَ بِصَوتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِثلَهُ البَشَرُ)) من الطرب واللذة والسعادة.. نسأل الله أن يجمعنا بذلك البار.. أمَّا الدنيا فجمالها مخلوط بقبح، وسعادتها بتعب، اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.. ((فَيُغَنِّينَ قائِلاتٍ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ)) لا نموت ((وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ)) فلا وجههنَّ يتجعَّد، ولا يعجزنَ، بل يبقين شبابًا، ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37] في سن الثلاثة والثلاثين، لا يزيد ولا ينقص.. ((وَالرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ)) فلا تحزن ولا تغضب ولا تصير ناشزاً، ((طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ، نَحنُ الخَيِّراتُ الحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزواجٍ كِرامٍ)) فشدُّوا همتكم لتأخذوا واحدة أو اثنتين أو مهما تشاؤون، فعند الله المعملُ لا يتوقَّف أبدًا.

((قال: فتجيبهنَّ نِساءُ الدنيا)) تبدأ الغيرة عندهن، الحوريات يقلن هكذا، فتقول النساء اللواتي في الجنة كأم محمد مثلاً والحاجة زوجتي رحمها الله تجيبهنَّ ويقلن للحوريات: ((نَحنُ المصلِّيَاتُ وَما صَلَّيْتُنَّ، وَالصَّائِماتُ فَلَم تَصُمنَ، وَنَحن المتَصَدِّقاتُ فَلَم تَتَصَدَّقنَ)) فيقول عليه الصلاة والسلام: ((فَغَلَبْنَهُنَّ وَاللهِ غَلَبْنَهُنَّ)) 26 .

[الشيخ يقول عن بعض إخوانه من الحضور:] لقد ضحك الشيخ يوسف، يبدو أنه يريد حورية، وأبو غنيم أيضًا ضحك وأصابه السرور، [الشيخ يوسف وأبو غنيم من إخوان سماحة الشيخ القدامى، ومن أهل الذكر والحب والصفاء].. اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم إن نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل.

تقيؤ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للحليب الذي شربه:

يقولون: إن عبدًا لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه اشترى له حليبًا، فلمَّا شربه أحسَّ بظلمةٍ في قلبه، فقال له: من أين أتيتَ بهذا الحليب؟ قال له: تكهَّنتُ -يعني عَمِلتُ منجمًا أو ساحرًا أو كذا- فأعطوه “حُلْوَانًا” [مكافأة] فاشترى به حليب.. وأَخْذُ المال بشكل محرَّم يجعل الغذاء محرَّمًا، ويُحدِث ظلمةً في القلب.

قال: فوضع أصبعه في حلقه وتقيَّأ، ثم بعد أن فرغت معدته شرب ماءً، وبعد أن شرب الماء تقيَّأه، حتى لا يبقى أثر الحليب الحرام في المعدة، ثم قال: “اللهم لا تؤاخذني بما امتصته العروق” 27 ، هذا هو الخوف.

الآن يرتكب الإنسان مخالفة واثنتين وأكثر، واحدة بقدر الجبل، وأخرى بقدر العمارة، وأخرى صغيرة، وغيرها كبيرة، ويراقب كل الناس ولا يراقب الله، كأنَّ الله ميت أو طفل صغير لا يفهم، فهل هذا يخاف مقام ربه؟ ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] والله تعالى قيوم عليك يراك ماذا تفعل وماذا تفعلين، وإن خبأتِ نفسك خلف الستار أو وراء الحائط ولم يركِ أخوكِ أو أمكِ أو أبوكِ لكنَّ الله يراكِ.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإيمان به سبحانه وتعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا.

﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] هل نريدها بالتمني أو الأماني أم بالإيمان الصادق والعمل الصالح أم بعدم تزكية النفس؟ اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها.

إكرام هارون الرشيد للعالم محمد بن الحسن على فتواه:

يقال: بأنَّ محمد بن الحسن -وهو من كبار العلماء في زمن هارون الرشيد- يقول: بينما هو في منتصف الليل إذ طَرق بابه طارق، ففتح الباب وإذا برسول الرشيد يقول له: أجِبِ الرشيد الآن، قال: فَخِفتُ على روحي.. لأنَّ الخليفة يرسل لي في منتصف الليل، فلو لم يكن الأمر خطيرًا، أو وصلته تهمة عني، أو هناك أمر عظيم للدولة لَمَا استدعاني.

قال: فلمَّا دخلتُ عليه قال لي: دعوتُك في مسألةٍ، إنَّ أم محمدٍ -يعني زُبَيْدة- قلتُ لها: “إنِّي إمامُ العدلِ وإمام العدل في الجنة”.. قال لامرأته: إني حاكمٌ عادلٌ، والحاكم العادل في الجنة، فقالت: “إنك ظالم قاسٍ عاصٍ لله، وقد شهدتَ لنفسك بالجنة”، أي إنَّك تكذب على الله تعالى، فإذا كنت تكذب على الله، “فلن أمكِّنك من نفسي أبدًا”، يعني صرتُ محرَّمةً عليك، فهل يعقل أن رجلًا يكذب على الله وأصير أنا زوجة له؟ هذا غير ممكن أبدًا.. أسأل الله أن يرزقكم مثل هذه النساء عندهن فقه في دين الله، وأيضًا أسأل الله أن يجعلكم لنسائكم أيضًا مثل هارون الرشيد لامرأته.

قال: فالآن أنت الشيخ والمفتي فحُلَّ لنا المشكلة، فزوجتي نشزت، وكان القلب معلَّقًا بها -وهي بنت عمه بنت أبي جعفر المنصور- فقلت له: يا أمير المؤمنين إذا وقعتَ في معصيةٍ أَلَا تخاف الله من وبال وعذاب ومسؤولية تلك المعصية؟ فقال: إيْ والله أخافه خوفًا شديدًا، فقلتُ له: أنا أشهد أنَّ لك جنتين لا جنةً واحدة، أَمَا سمعتَ الله تعالى يقول: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].

فهذا خاف بسبب قوله “إمام عادل”، فكيف بالذي يرتكب “السَّبْعَةَ وزِمَّتَها” [“السَّبْعَة وذِمَّتها أو وزِمَّتها”: مثل شائع في اللهجة السورية، ويستخدمه الناس عموماً بمعنى أنه يعمل كثيراً من المعاصي أو يرتكب كل الكبائر] ولا يخاف من الله ولا من جهنم، ولا من: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] ولا من: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، الله يلاحظ كل إنسان، وقد بعث له رقيباً عتيداً إضافة إلى علم الله به.

فقال: “إي واللهِ أخافه، فقلت له: أنا أشهد أن لك جنتين لا جنةً واحدة، لأن الله يقول: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، قال: “فلاطفني وأمرني بالانصراف، فلما رجعت إلى داري” وكان الوقت منتصف الليل، “إلا ورأيت البِدَر”، البِدَر جمع بَدَرة، ما البَدَرة؟ التي فيها عشرة آلاف درهم، والدينار كان اثني عشر درهماً، فهي تقريبًا ألف دينار، وبِدَر جمع، وأقل الجمع ثلاثة، يعني أقل ما يكون ثلاثة آلاف دينار، وهذه على فتوى واحدة، فكم كانوا يقدِّرون العِلم! وكم كانوا يقدرون الدِّين!

ومَن هذا؟ هذا الذي كان إذا مرَّ به الغيم ولم ينزل المطر يقول له: اذهب أيها السحاب أينما ذهبتَ فلا ينزل مطرك إلا في ملكي ومملكتي.. لأن مملكته من الصين إلى البحر الأطلسي.. هكذا كان إسلامهم، وهكذا كان دينهم وإيمانهم ومخافتهم من الله عز وجل وتكريمهم للعلم والعلماء، والآن كيف تكريم المسلمين للعلم والعلماء؟ لقد أبغضَ المسلمون علماءهم، فهذا يتكلَّم على الشيخ، وهذا يستغيب الشيخ، وهذا يذم الشيخ، وآخر قد يربِّيه الشيخ عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة، ثم يكون عاقًّا ويصير مؤذيًا له.. وإنه لو ربَّى في عشرين أو ثلاثين سنة جَدْيًا لصار تيسًا [فيه نفع]، ولو ربَّى بقرة فإنها تعطيه الحليب وتعطيه ابنها للذبح، أليس كذلك؟ وتعطيه جُبْنَةً وقِشْطة وشَمَنْدُوْر، [الجُبْنَة: هي الجُبْن، والقِشْطَة ما يتكون على وجه الحليب، والشَّمَنْدُوْر هو الحليب الذي يكون في الأيام الأولى عقب الولادة] ولكن الشيخ يربِّي مريده سنة وسنتين وعشرة وعشرين وثلاثين وترى الحائط خيرًا منه، هذا إذا لم يكن مؤذيًا أو عاقًّا.. نسأل الله العافية والسلامة.

فعلى جلسة واحدة وفتوى واحدة كم أعطاه؟ قال: فما وصلتُ إلى بيتي إلا وقد سبقتني البِدَر من هارون الرشيد.. فرحم الله نساءهم، ورحم الله خلفاءهم، ورحم الله علماءهم.. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمانِ، لَا يَصلُحُ أَحدُهما بدُونِ الآخَرِ)) 28 ، والإسلام ليس إسلام التعصب، ولا إسلام التزمُّت، ولا إسلام الجنون، بل إسلام الحياة وإسلام التعاون وإسلام التآخي.

فنسأل الله عز وجل أن يَرُدَّنا والمسلمين جميعًا إلى حقيقة الإسلام وجوهر الإسلام، ويعين كل المخلصين من كل المسلمين، ويعين كل واحد منا على عبئه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (20124)، (10/114) بلفظ: « عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ» وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (4987)، (5/169)، عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ رضي الله عنه، ((إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)).
  2. سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أهل النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3786)، (5/662)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (2681)، بلفظ: ((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»
  3. صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم: (4776)، (5/1949)، وصحيح ابن حبان، رقم: (317)، (2/20)، بلفظ: ((أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ))، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، رقم: (1420)، (2/542)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله...، رقم: (1069)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)).
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق، رقم: (2299)، (2/857)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله، رقم: (1071)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا)).
  6. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، رقم: (1186)، رقم: (1/419)، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، بلفظ: قالت أم العلاء الأنصارية: ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا)).
  7. سبق تخريجه.
  8. سنن أبي داود، باب تحزيب القرآن، رقم: (1399)، (1/ 445)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب فضائل القرآن، باب إذا زلزلت، رقم: (8027)، (5/ 16)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6575)، (2/ 169)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ الر فَقَالَ كَبُرَتْ سِنِّي وَاشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسَانِي قَالَ فَاقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ حاميم فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ الْمُسَبِّحَاتِ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ مَرَّتَيْنِ)).
  9. مسند الفاروق لابن كثير، (2/ 573)، سنن الكبرى للبيهقي، رقم: (14114)، (7/ 233)، بلفظ: ((عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن وما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم قال ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت له يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على اربعمائة درهم قال نعم فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن قال وأي ذلك فقالت أما سمعت الله يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ قال فقال: اللهم غفرانك كل الناس أفقه من عمر قال ثم رجع فركب المنبر فقال أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على اربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب)).
  10. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل، رقم: (6045)، (5/ 2353)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل مجالس الذكر، رقم: (2689)، (4/2069)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»، وفي رواية مسلم: ((هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)).
  11. سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم: (2165)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب عشرة النساء، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عمر فيه، رقم: (9219)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ)).
  12. صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، رقم (2859)، (4/2194)، سنن النسائي، كتاب التفسير، باب سورة الكهف، رقم (11304)، (6/ 385)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ))، وفي المستدرك للحاكم، رقم: (8689)، بلفظ: ((قرأت عائشة رضي الله عنها قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: 94] فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاسَوْأَتَاهُ إن الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض».
  13. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (6867)، (4/294)، تذكرة الموضوعات للفتني ص: (10)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، بلفظ: ((النّظر إِلَى وَجه الْعَالم عبَادَة وَالْجُلُوس مَعَه عبَادَة وَالْكَلَام مَعَه عبَادَة))، وفي تنقيح القول الحثيث في شرح لباب الحديث للبنتني ص: (19)، بلفظ: وكان علي بن أبي طالب يقول: " النّظر إِلَى وَجه الْعَالم عبَادَة ونور في النظر ونور في القلب".
  14. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب، رقم: (2450)، (4/633)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (881)، (1/ 512)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)).
  15. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب سورة الرحمن، رقم: (3291)، (5/399)، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ))، وفي دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (528)، (2/232)، بلفظ: ((لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب)).
  16. صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2825)، (4/2175)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22877)، (5/ 334)، بلفظ: ((عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
  17. صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، رقم: (3761)، (4/ 1462)، وكتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم: (6199)، (5/2401)، بلفظ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُ الْأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ: وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ»، وفي رواية: وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى».
  18. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/25)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/719)، عن معاوية رضي الله عنه.
  19. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الرحمن، رقم: (4597)، (4/1848)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم: (180)، (1/163)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، بلفظ: ((جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ)).
  20. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين، رقم: (2643)، (3/1029)، سنن الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله، رقم: (1651)، عَنْ أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يَعْنِي سَوْطَهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
  21. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿يريدون أن يبدلوا كلام الله﴾، رقم: (7067)، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2756)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ)).
  22. الحديث بطوله ذكره البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل ﴿وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾، رقم: (4156)، (4/1603)، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: (2769)، (4/2120)، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ)).
  23. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12422)، (3/137)، مسند الشاميين للطبراني، رقم: (2582)، (4/11)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إِلَى قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، فَتَفَقَّدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَأَجْهَرُ بِالْقَوْلِ، حَبِطَ عَمَلِي، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَوْا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: لاَ، بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ أَنَسٌ: وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الاِنْكِشَافِ، فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، وفي رواية أخرى: ((جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَسَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرَ بِخَبَرِهِ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا؟» فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ)).
  24. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5470)، (4/378)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: ((سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ مَعَ الْعَالَمِينَ، يُدْخِلُهُمُ النَّارَ أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ النَّاكِحُ يَدَهُ، وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، وَالْمُدْمِنُ بِالْخَمْرِ، وَالضَّارِبُ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَسْتَغِيثَا، وَالْمُؤْذِي جِيرَانَهُ حَتَّى يَلْعَنُوهُ، وَالنَّاكِحُ حَلِيلَةَ جَارِهِ)).
  25. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8668)، (2/357)، سنن الكبرى للنسائي، كتاب التفسير، سورة الرحمن، رقم: (11560)، ((عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الثَّانِيَةَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾، فَقُلْتُ فِي الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ)).
  26. سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة والنار، باب ما جاء في كلام الحور العين، رقم: (2564)، (4/696)، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بلفظ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ العِينِ يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الخَلَائِقُ مِثْلَهَا»، قَالَ: " يَقُلْنَ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ))، وفي تفسير القرطبي (17/161)، قالت عائشة رضي الله عنها: "إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن، فقالت عائشة رضي الله عنها: "فغلبنهن والله"
  27. صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب أيام الجاهلية، رقم: (3629)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في طيب المطعم والملبس واجتناب الحرام واتقاء الشبهات، رقم: (5770)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ)).
  28. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
WhatsApp