تاريخ الدرس: 1992/03/13

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:29:37

سورة القمر، الآيات: 23-31 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمدٍ، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه مِن النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وبعدُ:

ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام:

فنحن الآن في تفسير بعض آياتٍ مِن سورة القمر، يقول الله عز وجل: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ [القمر:24]، الضلال يعني هو ضائع في متاهات الجهل والتيه، والسُّعُر يعني الجنون.. يعني: هل نحن مجانين وضالِّون ولا نفهم، لنسير وراءك، ونتقبَل هديك وما تدعو إليه؟ ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25] ألم يرَ الله غيرك ليجعلك زعيمًا علينا وتكون قائدنا؟ فنظروا إليه بنظر الاحتقار.. وكذلك الداعي إلى الله يجب عليه أنْ يفهم أنَّ طريق الدعوة كلّه أشواك، ولا تكون الورود إلا بعد الأشواك، فالأشواك أولًا والورود ثانيًا، والطَّلق وآلامه وأوجاعه وأخطاره أولًا، ثم الولد، وقد يكون قرَّة العين، وقد يكون قرحة العين.

هذه قصص الأنبياء في القرآن العظيم، وهي ليست للتلاوة فقط بلا فهم، أو لقراءة الجماد مثل “المسجِّل” [آلة تسجيل الصوت] الذي يَقرَأ أحسن القراءة، وبالتجويد وبالصوت الجميل والرخيم، لكن إذا سألته: ماذا فهمتَ؟ وماذا ستفعل بعد أنْ سمعتَ كلام الله؟ [فهو جمادٌ لا يجيب ولا يفهم].. وبعد أن أنزل الله تعالى الكلام على النبي ﷺ بواسطة جبريل ليبلِّغك إياه، وأنتَ الآن قد بَلَغك، [فهل تستجيب؟] ولو أنَّ شرطيًا بلَّغك بلاغًا أن لا تبني البناء [في المكان الفلاني]، أو تعال في الساعة الفلانية إلى المحكمة، فهل تستطيع أنْ تتخلَّف عن مضمون ما وُجِد في هذه الورقة الصغيرة؟ فعلينا أن لا نجعل الله تعالى أقلَّ مِن شرطيٍّ، أو أقلَّ مِن بَلَدِيَّةِ قريةٍ، أو أقلَّ مِن ورقة محكمةٍ.

عَظَمةُ نِعَم الله تعالى:

هذا كلام الله تعالى الذي وهبَنا السمع والعيون، ووهبَنا الحياة والوجود، وخلق لنا الشمس والقمر والثمار والهواء والأوزون، هذا الأوزون لم يكن يعرفه القدماء، وهو الدرع الذي يقي الحياة على وجه الأرض مِن وصول الإشعاعات التي تأتي مِن النجوم في السماء، فحين تصل هذه الإشعاعات إلى الأوزون لا يَعبُر منها إلا القليل الذي تتوقف عليه الحياة على وجه الأرض؛ والزائد القاتل يردُّه ويصدُّه، والآن ثُقِبَ الأوزون في القطب المتجمِّد الشمالي وأيضًا في جهات مِن كندا، وفي جهات من اسكندنافيا في السويد والنرويج، ويتوقَّعون أنه سيصير مِن الأمراض والسرطانات ما قطَّع له قلوبهم فزعًا وهلعًا.

وخَلَق لك الهواء مركَّبًا مِن أوكسجين بنسبة عشرين بالمئة، والآزوت بنسبة ثمانين بالمئة، وغازات أخرى نسبة بعضها واحد بالمئة، فلو أن تركيب الهواء والغازات كان أقل أو أزيد مِما هو عليه لكانت الحياة غير موجودة على وجه الأرض، وخلق لك الشمس والصيف والشتاء والخريف والربيع، مرة يقلب الأرض ويميلها قليلًا إلى الأمام ومرة إلى الوراء، فتكون الفصول الأربعة، والليل والنهار ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ [الزمر:5]، وكلمة التكوير مِن الكرة، الكرة الأرضية، ﴿وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5].

نعمة اللُّعَاب في فمك هل تتذكَّرها؟ لقد جعلها الله لك ست غدد في فمك تُفرز اللعاب أوتوماتكيًّا، فإذا كان الطعام جافًّا تفرز بكثرة، وإذا كان رطبًا كالشوربة أو الشاي لا تفرز، لذلك علميًّا وصحيًّا لا يجوز مع الأكل أنْ تأخذ السوائل، لأن سائل اللعاب فيه مِن الخمائر ما يُساعِد على الهضم، ويُعتبَر الهضم الأول قبل الهضم في المعدة.. فهذا الربُّ العظيم الـمُنعِم بنعمٍ بلا حدود وبلا حصر ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، والآن هو يكلِّمك.. ولو تنازل رئيس الجمهورية واتَّصل بك بالهاتف، ورفعت سماعة الهاتف وإذا بالموظف يُخبرك بأن الرئيس يُريد أنْ يتكلَّم معك، حتى وإن لم يكن الرئيس، بل رئيس الوزراء أو وزير، أو أمين سِرّ الوزير، أو حتى رئيس المَخْفَر [رئيس قسم الشرطة في الحَيّ] فإنك بكلِّ اهتمامك تتوجَّه له، وتُصغِي إليه، وفي كلِّ كلمة تقول له: أنا تحت أمرك سيدي! نعم سيدي! بأمرك سيدي.. أليس كذلك؟ فرَبُّ العالمين يُكلِّمنا فيقول: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر:23].

وثمود قومٌ مِن العرب كانوا يسكنون في مدائن صالح قرب تبوك، وهم في الأخلاق وفي العقول والتَّخلُّف في أسفل البئر، وأراد الله أنْ يُثقِّفهم ويُنقِذهم مِن الأميَّة إلى العلم والقراءة والكتابة، لكن على طريقة الله تعالى، فطريقة المدرسة تجعلك تقرأ جريدةً أو مكتوبًا وتفهم مضمون هذا المكتوب، [المكتوب: الرسالة] أمَّا مدرسة الله فمِن طريق أستاذٍ إلهيٍّ، وإن كتابة المدرسة تجعل الورقة البيضاء سوداء، أمَّا كتابة الله فتجعل قلبك الأسود شمسًا مُشعَّة: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]، ويقلب جسدك الإنسانيَّ الذي تسكن فيه روح الوحوش وروح الثعابين والثعالب من المكر والاحتيال والأذى.. مِن الناس مَن لا يعرف إلا الأذى، فإذا سهرتَ معه فسهرته أذى، وإذا اغتاب فأنتَ شريكه في الغِيبة، وكذلك أنت شريكه إذا عمل مكراً أو خديعة أو أي شيءٍ حرام وكنت قاعداً معه، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113] فلا تجلس معه، ولا تسهر معه، ولا تُداهِنه وتُسايِره، وإذا كنت معه فإمَّا أنْ تُنكِر المنكَر، وإذا لم تستطع فعليك أن تقوم عن مجلس المنكَر والحرام.

نعمة الله على ثمود وكفرانهم النعمة:

لقد كان تعليم الله تعالى لقوم ثمود بأنِ انتقى لهم أفضلهم وأزكاهم نفسًا، وأعظمهم عقلًا، وأشرفهم نسبًا، وجعله كِتابًا لهم، كتب في قلبه الإيمان نورًا وطاقةً وحياةً بالله، وقد كان جسده حيًّا بالروح الحيوانية.. والروح الحيوانية تجعل القلب يضخُّ الدم، والروح الحيوانية تُشغِّل الكليتين لتنقية الدم مِن البول، والبول أصله مِن أين؟ مِن الدم، فيمرُّ الدم على الكليتين، فتمتصُّ كل الماء الزائد عن حاجة الجسد، وتمتصُّ أيضًا الأوساخ والسموم التي في الدم، وتترك مِن السوائل بقدر ما يمشي الدم في العروق، فلا يكون لزجًا فيسبب الجلطات، ولا يصير مليئًا بالماء فينفجر في عروق القلب والعين ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

هذا هو القلب الحيوانيُّ، أمَّا الأنبياء فيُعطي الله تعالى لقلبهم قلبًا، وهو قلبُ القلبِ، ويُعطي لروحهم الحيوانية التي تحرِّك الأعضاء وتُشغِّل الخلايا روحًا إلهية ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:87] ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ [المجادلة:22]، فتحيا روحك بنور الله، وتحيا نفسك بالفضائل ومكارم الأخلاق، ويحيا عقلك بالعلم اللَّدنيِّ: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65]، وبذلك تصبح الإنسان الإنسانيَّ، فجسدك إنسانٌ، ولكن تصير داخليتُك إنساناً، ويصير عقلك عقل الإنسان، وأخلاقُك أخلاقَ الإنسان.

فالله تعالى أرسل المعلِّم إلى ثمود، فلم يقل لهم: أنا الإمبراطور، وأنا الملك، بل قال: “أخاهم”: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [هود:61] بلَّغهم رسالة الله تعالى، ووعدهم بسعادة الدنيا والآخرة إذا قبلوها، وأدُّوا فرائضها، ونفَّذوا وصاياها، واتَّبعوا تعالميها، وتجنَّبوا حرامها، ولكنهم قابلوه بالتكذيب فقالوا: ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:25]، ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [المطففين:13]، ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:39]، وكلُّ نبيٍّ هكذا كان يُقابل، مثل تصرفات الأولاد الصغار حين يضعونهم في المدرسة يهربون، ويختبأ تحت المقعد، ويكذب على معلمه حين لا يكون قد كتب وظيفته بأنه كان مريضًا، وهو يريد أن يتهرَّب مِن العلم، ويريد أن يُبعد نفسه مِن أن تكون وعاءً للفهم والثقافة ولِمَا ينفعه، هذا طفل الأجساد، وهناك طفل العقل وطفل القلب وطفل الإيمان، تأتيه موعظةٌ فيفرُّ منها، ويأتيه المرشِد فيعاديه، وتأتيه النصيحة فيرفضها، فليس عنده قابلية لفهمها، وهذا يسمُّونه موت القلب ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، والنبي ﷺ لم يذهب إلى المقابر ليلقي الدروس، ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [النمل:80] هل كان النبي ﷺ يجلس مع الصم ويتحدث إليهم؟

الهدف من قصص القرآن العلم والتطبيق:

إن الله تعالى يقصُّ علينا هذه القصص لكيلا نكون كثمود مع صالح عليه السلام، ويقص على قريش في زمن النبي ﷺ، وهذا يعني: يا قريش لا تكونوا مع النبي محمد ﷺ كما كانت ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، وهذا الكلام قائمٌ إلى يوم القيامة، وفي كل جيلٍ وفي كلِّ مكان، ويُفرَض على المسلم أن يكون صالح زمانه ومكانه ومجلسه وجليسه، فمع أي إنسانٍ جلستَ إذا رأيتَه ثمود عليك أن تكون معه صالحًا، وإذا كان عادًا عليك أن تكون معه ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف:65] وإذا كان مِن قوم لوط يجب أنْ تكون معه سيدنا لوطًا عليه السلام، وقد كان شيخنا ينهانا عن نسبة الفاحشة إلى اسم لوط كما يقال: لوطيٌّ، والآن يسمُّونه الشذوذ الجنسي، فكلمة المحَمَدِيِّين أي التابعين لسيدنا محمد ﷺ، لذلك لا نقول: اللوطيين، فهل كان سيدنا لوط عليه السلام يعمل هذا العمل الفاحش؟ فلا يليق أن نلوِّث هذا الاسم النبوي بنجاساتهم.

لقد كذَّبت ثمود فأنذرهم الله بعذابه، مِثل الأب عندما يقول: يا بنيَّ تعلَّم! يا بنيّ انتبه! لماذا تهرب مِن المدرسة؟ لماذا لا تسمع كلام معلِّمك؟ غدًا ستصير جاهلًا، وغدًا ستصير فقيرًا.. والولد الموفَّق لا يحتاج النصيحة، ولا يحتاج أن يكذِّب الكلام، وغير الموفق يدخل الكلام مِن هذه الأذن ويخرج مِن الأذن الأخرى [تعبير عن عدم الاستفادة من الكلام].. نسأل الله أنْ يجعلنا مِن الموفَّقين.

إنذار الله تعالى قبل عذابه:

قال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر:23] أنذرهم عذاب الله إذا هم أصرُّوا على إعراضهم وتمرُّدهم وكفرهم وفسوقهم وعصيانهم، ولم ينفِّذ الله تعالى الإنذار مِن أول يوم، ولا مِن أول شهر، ولا مِن أول سنة، والله أعلم كم مهلة أمهلهم الله إياها! ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا [القصص:58]، كم وكم؟ الله عز وجل يُمهِل، فأبو جهل كم المهلة التي أعطاه الله؟ شهرًا؟ سنةً؟ عشر سنين؟ خمس عشرة سنة، ثم أُتي برأسه وألقي أمام النبي ﷺ مثل رأس اليَخَنَة [اليَخَنَة هي الملفوف باللهجة الدمشقية]، فلمَّا رأه النبي ﷺ سجد لله شكرًا، وقال: ((الحَمدُ للهِ الَّذي قَتَلَ فِرعَونَ هَذِه الأُمَّةِ)) 1 ، فسمَّاه فرعونًا، لا فرعون موسى، بل فرعون محمد ﷺ، قال

كُلُّ عَصرٍ فِرعَونُ فِيهِ وَمُوسَى وَأَبو الجَهلِ في الوَرَى وَمُحمَّدُ

فرعون لم يُهلكه الله تعالى مِن أول يوم، ولا مِن أول سنة، قال: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] بحقِّ فرعون، وبعد أربعين سنة من استجابة الدعوة أهلكه الله تعالى بالغرق، وهل بالغرق انتهت المسألة؟ مِن غرق البحر إلى حريق جهنم ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا مَن؟ فرعون وقومه ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا هذه بالنسبة لأرواحهم ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أكثر الناس لا يخافون إلا مِن انتقام الدنيا، بأنْ يَسلب الله تعالى ماله أو صحته أو يسلب عيونه أو يشلَّه، وأمَّا بعد الموت فنادرٌ مِن الناس مَن يخاف الله تعالى وعذابه وانتقامه وقِصاصه، وكأنَّ الآخرة صارت محذوفة مِن صفحات القلوب، والسبب أنَّ الأرض التي ليس لها مُزارِع ماذا تُنبِت؟ تُنبِت نباتًا للحمير، وإذا ذهبَتِ الحمير إلى أرض بُوْر وكان قد نزل المطر تجد العشب فتأكل وتفرح، أمَّا إذا ذهب إليها وزير فهل يستطيع أنْ يأكل مع الحمير؟ وإذا ذهب أحد أغنياء المال هل يستطيع أنْ يأكل مع الدوابِّ؟

شقاء ثمود بسبب تكبُّرهم:

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ [القمر:24] يعني هذا يريد أنْ يكون زعيمًا علينا، وأنْ يكون كلَّ شيءٍ، وأنْ يسلب جاهنا إلى جاهه، ويجمع قلوب الناس عليه، ونحن نبقى بلا جاهٍ وهكذا.. قالوا: ﴿إِنَّا إِذًا إذا مشينا وراءه، واتبعنا هديه، واستجبنا لدعوته ﴿لَفِي ضَلَالٍ نكون ضالِّين، ﴿وَسُعُرٍ [القمر:24] مجانين.. فانظر إلى الشقاء والخذلان! تأتيك السعادة وتقول: إذا قبلتها أكون ضالًّا، وأكون مجنونًا، فهل هناك أعظم مِن نور النبوة ومِن عقل النبوة وأخلاق النبوة وزهد النبوة؟

قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90]، ((قُولُوا: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَمْلِكُون بِهَا الْعَرَبَ والْعَجَم)) 2 ، تعالوا لأجعلكم ملوكًا، فإذا قلتَ للخنافس: تعالوا لأجعلكم نحلًا، هل يفهمون عليك؟ إذا أحضرتَ لهم العطر هل يُسَرُّون؟ ولكن عندما تُرَوِّث البقرة ترى الخنافس كلها قد اجتمعتْ واشتغل مَعْمَلُها، فكلُّ واحدةٍ منها تصنع كرة صغيرة وتسوقها بأنفها إلى عُشِّها، حتى تؤمِّن مؤونة الشتاء، وإذا قلتَ لها: خذي مِن العطر والعنبر والياسمين، فإنها حين تشمُّهُ يُغمى عليها.. فإذا كان طبعه طبع الخنافس فالخبيث لا يمكن أنْ يقبل الطيَّبات، كما أنَّ الطيِّب لا يمكن أنْ يقبل الخبائث، قال تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] الطَّيِّب لا يَقبَل أنْ يُصاحِب خبيثًا، ولا أن يَجلس في مجلس الخبائث، ولا يميل بقلبه إلى الخبثاء، لا مجلسًا ولا حبًّا ولا ابتسامةً ولا مداراةً، وهكذا الإيمان الحقيقي أينما وُجِد، فالخير والشر لا يجتمعان في إناءٍ واحد، ولا في مجلسٍ واحد، ولا في قلبٍ واحد.

﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25]، وكذلك قالوا للنبي ﷺ: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، أما رأى الله إلا محمدًا يتيم أبي طالب هذا الفقير؟ إن كان يُريد أنْ يرسل نبيًّا فليبحث عن أحد مِن عظماء مكة أو من الطائف! فالله تعالى ردَّ عليهم ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف:31] هذا الأمر من اختصاص الله تعالى، فالله عزَّ وجلَّ قد يأتي بصعلوك ويملأ قلبه إيمانًا، وربما يكون رجلٌ أغنى الأغنياء وأعظمَ العظماء ويجعل قلبه أنجس وأقذر مِن المزبلة.

أدب الداعي في الرد على الأذى:

﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:25] ليس كاذبًا، بل مبالغة: “كذَّاب”، و”أشر” زيادةٌ في الكذب والاختلاق، وحين قالوا له: كذَّاب، لم يقل لهم: بل أنتم الكذَّابون، وهذا مِن أدب الداعي، بل قال: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر:26] وما قابل السيئة بمثلها، وما ردَّ الشتيمة بشتيمةٍ مثلها، بل قال: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا إذا كنتُ أنا فسيعلمون، وإن كانوا هم فكذلك سيعلمون.. هذه سياسة الداعي وأخلاق الداعي، لأنه إذا سبَّهم يُثيرهم، وإذا أثارهم وهم أقوياء يكون هذا سببًا للقضاء على الدعوة.. حتى النبي ﷺ لَمَّا مَلَك القوة كلَّها كان يُقابِل السيئة بالحسنة، ولَمَّا فتح مكة وكان بينهم الذي بصق في وجهه، والذي وضع التراب على رأسه، والذي داس بنعله على عُنقه الشريف وهو في الصلاة، فقال: ((مَا تَظُنُّونَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُم؟)) وقد صار النبي ﷺ في مرتبة رجل الدولة، وهم يعرفون أخلاق النبي ﷺ ((قَالُوا: أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قال: لَا أَقولُ لَكُمْ إلَّا كَما قَالَ يُوسُفُ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92] اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ)) 3 .

الإسلام هو أن تتثقَّف هذه الثقافة تعلُّمًا ومعلِّمًا وتربيةً ومربيًّا، حتى تظهر هذه العلوم فيك أخلاقًا وأعمالًا وسلوكًا، وتصير في مجلسك وسهرتك ومع أهلك وعشيرتك كما كان صالحٌ عليه السلام مع ثمود، فتبلِّغهم رسالة الله تعالى، ولقد كان كلُّ مسلمٍ في حياة النبي ﷺ بهذه الصفات، وكلُّ مسلمةٍ في حياة النبي ﷺ أينما ذهبتْ إلى قومها المشركين كانت كصالحٍ عليه السلام مع ثمود.. امرأةٌ عجوزٌ في زمن النبي ﷺ أسلمتْ وذهبتْ إلى عشيرتها، فأتتْ بهم ألف عربيٍّ مؤمنٍ بالله ورسوله.. لكن كانوا يملأون بَطَّارِيَّتَهم وبطارية قلوبهم بذكر الله تعالى، وكانت قلوبُهم تمتلئ بمحبة رسول الله ﷺ.. وإذا أحببتَ أيَّ شيء بالمعنى الحقيقي تراه في منامك، والحبُّ إذا كان بمعناه الحقيقي يكون المحبوب دائمًا في فِكرك وخيالك، فتصير تحبَّ أن تقلِّده في صفاته وأخلاقه وكلامه ونَغْمَةِ نُطْقِه.

وهذا الحب في التصوُّف يُسمُّونه الرابطة، فإذا رَزق الله تعالى الإنسان حقيقة الرابطة، وارتبط بأهل الله فتسري محبة الله تعالى فيه مِن قلوبهم إلى قلبه، وتسري تزكية نفوسهم فيه مِن نفوسهم المزكاة، وتسري الحكمة والمعرفة فيه مِن عقلهم الحكيم إلى عقله، أمَّا إذا لم تكن فيه هذه الرابطة -رابطة الحب- فلا يحصل على ذلك.

الحب في الله من الإسلام:

لقد كان المسلم يحبُّ النبيَّ ﷺ أكثر مِن أبيه وأمه وأخيه وزوجته، وأكثر مِن روحه التي بين جنبيه، وقد كانوا أُميّين لا يقرؤون قراءة الورق، ولا يكتبون بالحبر الأسود -والقراءة للعلم- فصار العلم بهذا الحب وهذه الرابطة ينطبع في قلوبهم وأرواحهم انطباعًا بلا قراءة، كما إذا أخبرك إنسانٌ أنَّ ما في هذه الكأس ضارٌّ، فإذا ذقته بلسانك وأدركت ذلك، أو أدركته بلون أو رائحة فلا حاجة حينها للكتابة، وهم صاروا كذلك مع أنهم كانوا أُميّين بالقراءة والكتابة والعلم والسياسة وتنظيم الجيوش، وصاروا السادة في كلِّ ميدان مِن الميادين، ففي الحروب مع الرومان -الذين كانت ثقافتهم في الحروب لألف سنة- هزموهم في ستة أيام في اليرموك، فهل معركة الستة أيام هذه كانت بثقافةٍ أم بجهل وجاهلية؟ لماذا؟ ألم يكونوا في الجاهلية عربًا؟ لماذا لم يتوحَّدوا؟ ولماذا ما وحَّدتهم اللغة؟ ولماذا ما وحَّدتهم الأرض؟ الأرض تراب فهل توحِّدك؟ وهل اللغة توحِّدك؟ الذي يوحِّدك هو الواحد الأحد، أو أستاذٌ متخرِّجٌ مِن مدرسة الواحد الأحد، والفُرقَة تأتي مِن الأنا ومِن الهوى والمطامع والحرام، ويأتي الإيمان والدِّين مِن قِبَلِ المؤمن الكامل [الأستاذ العارف بالله] فيُنقِّيك مِن كل هذه الجراثيم، ومِن كل هذه الأمراض، وتفنى أنانيَّتك في محبوبات الله، ورغباتك في رغبات الله، ومطامعك في مَرْضِيَّات الله، فلا تُفرِّق إذا كنتَ في الوراء أو في الأمام، أو إذا أُعطِيتَ أو مُنِعتَ، أو إذا كنتَ أميرًا أو مأمورًا.

…………………. وَلَيتَكَ تَرضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبعث النبي للأُمَّة لتثقيفها بالمدرسة الإلهية، فلمَّا أتى النبي ﷺ إلى قريش كانوا يعبدون الحجر ويشاورونه في الزواج والبيع والتجارة والسفر، هل من يفعل ذلك فيه عقل؟ وفي ذلك قال تعالى: ﴿أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا [المائدة:76]، ﴿لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ئًا [مريم:42] فأيقظهم الله تعالى وعلَّمهم وثقَّفهم بالثقافة الحربية والاجتماعية والعائلية، وفي الصفات النفسية بدَّل غَضَبهم وحَمَقهم إلى تُؤَدة وحِلمٍ وهدوءٍ وسكينةٍ، وبدَّل بُخلهم إلى سخاءٍ وإلى بذلٍ وإيثارٍ، فقد كان الواحد منهم يُقدِّم عَشاءه لضيفه، ويترك نفسه وزوجته وأولاده جياعًا بلا عَشاء، هل استطاعت موسكو أنْ تفعل هذا الشيء؟ بعد سبعين سنة خرجتْ مفلسةً.. أمَّا الإسلام فهل أفلس؟ لقد أفلسوا حين تركوا الإسلام، وأوروبا نجحتْ في علوم الحياة لَمَّا تركت الكنيسة، والآن في روما التي تُعتبَر مكة النصرانية كنائسها الكبرى والعظمى صارت متاحفَ لا مصلِّين فيها، وضعوا فيها الجباة ليجمعوا المال مِن السائحين، أمَّا الإسلام فإلى الآن وبالرغم مِن كلِّ ضَعْفه لا يوجد جامعٌ مغلق، وهم يبيعون الكنائس في المزاد العلني، لتكون خمارة، أو كراجًا للسيارات، أو مستودعًا للتبن، أو جامعًا للمسلمين، ما معنى هذا؟

العلم الحقيقي الذي يورث العمل:

إن الله تعالى حين يُريد أنْ يرفع شأن أمة يرفعها بالعِلم، ليس بالعقل فقط، بل بالعقل الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها، فيغضب في محلِّ الغضب، ويحبُّ في محلِّ الحبِّ، ويُعادي في موضع العِداء، ويبذل النفس والنفيس بأمر الله تعالى، ولذلك صاروا كما وصفهم النبي ﷺ حكماء، لا طائشين ولا مجانين ولا حمقى: ((فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 4 .

والآن نحن عندنا آلاف الجامعات في العالَم العربي والإسلامي، وعندنا شهادات بألقاب مستوردة كلها مِن الخارج، فالألقاب في الإسلام وفي القرآن: ﴿وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ [النساء:69]، فهل أخذتَ لقب صالح؟ أسأل االله أن يعطيكم شهادة الصالحين، وأن يجعلكم مِن الصالحين، هل أخذتَ لقب صدِّيق؟ الصِّدِّيق ليس بينه وبين النبي شيء، فلو فُتِح الباب له يكون نبيًّا فورًا، هل أخذتَ لقب شهيد؟ الشهيد في مقاتلة العدو المستعمر، أمَّا أنْ تُقاتِل أخاك الذي يقول: “لا إله إلا الله”، أو أخاك بالوطن [مواطن غير مسلم] فالنبي ﷺ يقول: ((إذَا اقتَتَلَ المسلِمَانِ بِسَيفَيْهِما فَالقَاتُلُ وَالمقتُولُ في النَّارِ، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل عرفنا استحقاقه فما بال المقتول؟ قال: إنَّه كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ)) 5 ، أحدهما أدخله الله تعالى جهنم بالفعل، والآخر أدخله جهنم بالنية، والنية تُساوي العمل.. نسأل الله تعالى أنْ يجعل نوايانا صالحة، حتى إذا حُرِمنا العمل الصالح لا نُحرَم نيَّته، فإذا نويتَ وعجزتَ فإن الله يكتب لك ما نويتَ مِن عملٍ صالحٍ.

استكبار ثمود وإصرارهم على الكفر:

﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25]، هل هذا يجعله الله نبيّاً؟ كأنَّ الله يعمل “سكرتيراً” أو أجيرًا عندهم، ولا يجوز أن يشتغل حتى يأخذ الأوامر والإذن منهم.. ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105] ما الجواب؟ هذا كلُّه تعليمٌ لنا، بماذا أجابهم سيدنا صالح عليه السلام؟ قال: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا [القمر:26] ما المقصود مِن “غدًا”؟ ليس يوم القيامة، فغداً غداً، “وإنَّ غدًا لناظِرِهِ قريبُ” ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34] فهناك غد للدنيا، وغد للآخرة ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] ما المقصود من كلمة “غد” هنا؟ الآخرة، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34] يعني اليوم التالي [في الدنيا].. ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا [القمر:26]، غدًا هنا في الدنيا وفي الآخرة، هل فهمتم؟ مَن الكذَّاب أنا أم أنتم؟ أأنتم البَطِرُون أم أنا البطران؟ أأنتم المتجاوزون لحدود الله أم نحن؟ في نهاية الأمر قالوا له: لا نُصدِّقك، ولا نؤمن بك حتى تُخرِج لنا ناقةً مِن هذه الصخرة، ويكون معها ولدها، فإذا فعلتَ هذا نُصدِّق أنك نبيٌّ ومُرسَلٌ مِن عند الله.

فلمَّا أصرُّوا صلّى إلى الله تعالى ودعا وطلب مِن الله، فاستجاب الله دعوته، وما رأوا إلا والصخرة بدأت تُطقطق وتتشقق، ثم انفرجت فخرج منها ناقةٌ ومعها فَصيلها.. قولوا: آمين، نسأل الله أن لا يُشقِينا، فإذا كان إنسان يرى الشمس مشرقةً، ثم يقول لك: إنها ليست مشرقةً! هو يراها لكنَّ نفسه مِن الداخل لا تُريد أن تعترف، فهذا ليس الشقاء، بل شقاء الشقاء.. هذه الناقة! وهل هناك أعظم مِن هذا؟

معجزة الناقة وكفر ثمود بها:

قال: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ [القمر:27] امتحانًا، فإذا آمنوا وصدَّقوا وأذعنوا فلهم ثواب المؤمنين الصادقين، وإن هم كفروا وكذَّبوا واستكبروا فـ ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر:26] ما الشيء الذي سيرونه ليعرفوا مِن الكذاب أهو أم هم؟ قال: هو عذاب الله عز وجل.

قال: ﴿فَارْتَقِبْهُمْ [القمر:27] لا تستعجل، ((فالله لا يَعجَل لعَجَلة أَحَدِكُم)) 6 ، الآن ترى المظلوم يدعو على ظالمه، لكن هل يتركه الله تعالى؟

وَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ يَغفَلُ ساعَةً وَلا أنّ ما تُخِفيه عنهُ يَغِيبُ
أَلَم تَرَ أنَّ اليَومَ أَسرَعُ ذَاهِبٍ وَأنَّ غَدًا لِلناظِرِينَ قَرِيبُ

فغداً للدنيا موجودة، وغداً للآخرة موجودة.. وهناك أناسٌ يُكرمهم الله تعالى في غد الدنيا وغد الآخرة بحسب أعمالهم الصالحة، وهناك أناسٌ ينتقم الله منهم في غد الدنيا وفي غد الآخرة، لكن متى؟ بعد سنة! بعد شهر! بعد عشر سنين.. لكن هل يتركهم الله؟ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم: 42].

﴿فَارْتَقِبْهُمْ [القمر:27] اصبر ولا تستعجل ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا يعني بعجلة ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45].

صلاح الدين الأيوبي مع شيخه قبل المعركة:

في معركة حطين أو غيرها لَمَّا أرادوا بدء الهجوم دخل صلاح الدِّين على شيخه، وقال له: يا مولاي سيبدأ الهجوم العام من الصليبيين، فأرجوك أنْ تدعو لنا، لعلَّ الله عزَّ وجلَّ ينصرنا، لأنه: ((وَهَل تُرزَقُونَ وَهَلُ تُنصَرُونَ إلَّا بِدُعائِكُم)) 7 ، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، قال: يا صلاح الدين، أصلح داخليَّتك، قال له: يا سيدي الحرب والهجوم والزحف بين عشيةٍ وضحاها.. والشيوخ لا يغضبون، أي إنَّ نَفْسهم لا تستولي عليهم، لكن إذا غضبوا فرحمةً بالشخص، فدفعه في صدره: وكزه، والوكز هو جمع الأصابع والضرب بها، وقال له: قم لا نصرك الله.. هذا ليس دعاءً، بل هذا ترجمةٌ عن واقعٍ محتَّم، فما دمتم لا تَنصرون دِين الله بإطفاء نيران المعاصي وإزالة المنكرات، فالله تعالى يقول: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40]، فإذا كنتم تحاربون الله فهل يستجيب الله دعاء الذين يحاربونه؟ والشيخ هل يكون غشاشًّا؟ الشيخ لا يكون غشاشًّا، [كأن الشيخ يعني بكلامه الواقعَ الذي يعيشه، ويرى فيه محاربة المسلمين للإسلام، ويرى فيه هزائم المسلمين] يُقال: فسقط تاجه عن رأسه، فأخذ تاجه ووضعه ورجع القهقرى، ولم يُدِر ظهره إلى الشيخ.. وهكذا كانوا يُعظِّمون شعائر الله، فجعلهم الله عظماء في كلِّ ميادينهم، ففي الحروب كانوا عظماء، وفي الداخل والخارج، وكلُّ مسلمٍ كان عظيمًا.

قرأتُ في كتاب توينبي المؤرخ الإنكليزي أن أسيرًا أسره البلغار، فصار شيخَهم وهو في أسره، وصار الجنود مريدينه، فهل هذا ذليل؟ هذا عزُّ الإسلام! لكنه عزُّ إسلام العلم والعمل والخُلُق.. وهذا لا يكون كما لا يكون حليبٌ مِن غير بقرة، فإذا أردتَ الحليب مِن الثور فإنه يأتيك البول، وكيف إذا قدَّمته للضيوف: شاياً بحليب الثور.. نسأل الله أن لا يخزينا ولا يجعلنا مجانين.

وفي اليوم التالي أتى إلى الشيخ، وما غضب وما قال: كيف يفعل الشيخ هكذا معي وأنا الـمَلِك؟ فالإسلام والأنانية لا يجتمعان، والإسلام الحقيقي هو “الله”، يعني رضاء الله عزَّ وجلَّ وطاعته، وهل طاعة الله بالغضب أم بالحِلم؟ نفسك تُريد الغضب والله تعالى يريد الحِلم، فإذا أُزِيل الأنا والهوى يظهر الحِلم في مرآة أعمالك، وهل تقابل السيئة بالسيئة أم السيئة بالحسنة، فإذا وُجِد الهوى والأنا تقابل السيئة بالسيئة، وفي بعض الأوقات يكون مِن الحكمة أنْ تُقابل الإنسان السيئ بمثلِ عَمَلِه، وهذه ترجع للحكمة وللعقل الحكيم، فقال له: يا سيدي لقد أَعلَنوا علينا الحرب فادعو لنا، قال له: قلت لكَ: أصلح داخليَّتك.. فقال: أمرك على عيني! فأمر معاونه أن يرسل الأوامر للوزير ليُزيلوا كلَّ المنكَرات.. وقال له: يا صلاح الدين! إذا دعوتُ لك، ورأى اللهُ أعمالك، ورأى أنك لم تُزِل المنكرات التي تستطيع إزالتها فهل يستجيب دعائي لك؟ أمَّا الآن فقد نَصرتَ دِين الله، فسينصرك الله تعالى.. وكان نصرًا لا يدخل في العقول، فهزم أوروبا كلَّها.. والآن قليل مِن اليهود لكن وراءهم أمريكا، والصليبية في ذاك الوقت كانت صليبية دِينية، والآن صليبية استعمارية، ونحن نحتاج إلى الإسلام الحقيقي، لا إسلام الاسم.

صفات المصلِّي الحقيقي:

حتى لو أتيتم إلى الجامع فهذا لا يكفي، وصلاة الجسد لا تكفي، بل نحتاج إلى الصلاة التي: ﴿تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ [العنكبوت:45]، وهذه الصلاة في هذه الآية طهارةٌ مِن جراثيم النقائص والرذائل، وعليك أنْ تنتقل إلى صلاة الأخلاق العالية والفضائل التي ذكرها الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] إذا أصابتك مصيبةٌ في مالٍ أو بدن أو فراق حبيب فإنك تُوَلْوِل [تبكي وتصرخ وتتذمر] وتأخذك الأحزان وتُصاب بالجلطة، إذن أنت هلوعٌ، لأنك لما مسَّك الشرُّ صرت جزوعًا، ليس عندك صبرٌ وتحمُّل، ولكن المؤمن لو أنَّ جبال الدنيا أطبقت عليه يتقبَّلها بكل رضاءٍ عن الله بقضائه وقدره.

قصة الأصمعي مع الراضي بقضاء الله:

يقول الأصمعي: كنتُ في بادية العرب -وكان يتلمَّس ويفتِّش عن اللغة العربية- قال: فأمسى المساء عليَّ بإحدى القبائل، فرأيتُ سهولها كلّها جِمالاً ميتة، كأنَّ وباءً قد أصابها، فلمَّا وصل إلى القبيلة قال: لِمَن هذه الجِمال؟ قالوا: لرئيس العشيرة، والعادة أنَّ الضيف ينزل عند رئيس العشيرة، فقال لهم: أين هو؟ قالوا: هو جالسٌ على تلك التلة، قال: فذهبتُ إليه، فوجدتُ بيده المغزل يغزل الصوف، ويصنع منه الخيطان، فسلَّمتُ عليه، وأردتُ أن أعزِّيه بجِماله، فأجاب ببيتين مِن الشعر فقال

لا وَالَّذِي أَنا عَبدٌ مِن خَلائِقِـهِ وَالمرءُ في الدِّهرِ نُصْبَ الرِّزْءِ والحَزَنِ

فالإنسان في الحياة نُصب الرزء والحزن، والنُصب: الهدف، فهو مستهدَفٌ من كلِّ الأحزان والمصائب، وهذه طبيعة الحياة، فالإنسان دائمًا معرَّضٌ للبلاء، فمَن يُساعِدك على تحمُّل البلاء؟ الإيمان والإسلام والقرآن والصلاة، قال تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة:153]، لا صلاة الجسد فقط، بل أن تصلِّي بقلبك، فتكون مع الله تعالى، وبعقلك مع فهم كلامه، وأن يكون جسدُك مِثل الظلِّ للقلب والعقل والفهم، وعند ذلك تكون قد أقمتَ الصلاة.. قال

لا وَالَّذِي أَنا عَبدٌ مِن خَلائِقِـهِ وَالمرءُ في الدِّهرِ نُصْبَ الرِّزْءِ والحَزَنِ

الرزء بالهمزة لا بالقاف، ويعني البلاء، فإن قلتَ: “الله يرزءه” يعني “الله يصيبه ببلاء”، وهذا في اللغة العربية، لكن هذه تختلف في لهجة أهل الشام، لأن دَمَّهم خفيف، فيُخفِّفون القاف، ويجعلونها همزة، ((وَإنَّما الأَعمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) 8 . [يشرح ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك.. ويجدر التنويه أنه في أكثر المدن السورية يجعلون القاف همزة، فلا يقولون بالعامّيّة: “الرّزق” بل “الرّزء” ولا يقولون: “الله يرزْقَك” بل “الله يرزْءَك”، وتأتي هذه الجملة كدعاء، بمعنى: “أدعو الله أن يرزقك”.. وأما قوله: دَمُّهم خفيف: فهو أيضاً تعبير عامي، ويعني أنهم خفيفوا الظل وغير غليظين] أما في حلب فيقولون “رزق” بالقاف، وهي أفصح.. والخلاصة

مَا سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبَارِكِها وَمَا جَرَى مِـن قَضَاءِ اللهِ لَـم يَـكُـنِ

مَا سَرَّنِي: لا أكون مسروراً.. مَا سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي -جِمالي- في مَبَارِكِها، وَمَا جَرَى مِـن قَضَاءِ اللهِ لَـم يَـكُـنِ: فما دام أن هذا قضاء الله وقدره، فنفوذُ قضائه وقدره وأنَّ الله يريد هكذا أحبُّ إليَّ مما أريد، هل فهمتم؟ هل هذا هلوعٌ؟ وهل هذا إذا مسَّه الشر جزوع؟ فلماذا ما صار جزوعًا؟ والهلوع: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: ] هذا الهلوع إذا أغناه الله تراه “يَضِرِب جْوَاز” [تعبير سوري، يقال عن الحمار لما يضرب برجليه، ويستعار للكلام عن إنسان إذا تكبر وتغطرس وكفر بالنعمة]، وإذا قوي قليلاً صار ينطح، وصارت له قرون كقرون الثور، وإذا اغتنى أكثر تصير له إبرة العقرب السامة، وهناك أناسٌ حتى لو أفلس تراه مؤذِيًا.. ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:22] ومعنى “إلا المصلين” هذه الصلاة التي تنقلك مِن الرذائل إلى الفضائل، وأما الصلاة الأولى التي: ﴿تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ [العنكبوت:45] هي المدرسة الابتدائيَّة التي تُنقِّيك وتُنظِّفك مِن الرذائل، فلا كذب ولا غِيبة ولا حرام؛ لا بالعين ولا باللسان ولا مع الرفيق ولا في السهرة ولا في الطعام ولا في الشراب، وتُنزِّهك مِن كل المعاصي، فإذا كان شخص قد وقع في كَنِيْف، وغسَّلناه بالحمام خمس مرات أو ست مرات وخرج عاريًا هل هذا جيد؟ لا، ماذا يلزمه بعد أن اغتسل من القذر؟ ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26] ما معنى: وريشًا؟ يعني لستر العورة وللتجمُّل بالثياب، فينبغي أن تلبس الثياب الجميلة التي تتجمَّل بها.

قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21]، الأطباء يُعطون المريض إذا ارتفعت حرارته أدوية ضد الحرارة، ويسمُّونها المضَّادَّات الحيوية، فهذه أمراضٌ، والهلع الذي هو الجزع عند المصائب، والمنع عند الغنى أو عند العز أو الْمُلك [هو مرض]، وما الذي يُكسِيْك بالفضائل بعد أن خرجتَ مِن الحمَّام؟ قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23] الدوام ليس بأن يكون في الركوع مع الله وإذا رفع رأسه يغفل عن الله، وإذا سجد يكون مع الله، وإذا رفع رأسه يغفل عن الله، وهذا الأمر يحتاج إلى أنْ تبقى تذكر الله حتى تَدْمَل أصابعُك مِن المَسْبَحَة أو تأكل المسبحة من رؤوس أصابعك، وأن يكون لك ربطٌ بالداعي إلى الله الوراث لرسول الله ﷺ، كما أنَّ روحك مربوطة بجسدك، وجسدك مربوط بروحك.. فإذا لم يتخلَّل الحب في لحمك وعظمك ودمك فلن تصير سِكِّيراً مع السكران، ولن تصير حشاشًا مع الحشاش، [الحَشَّاش: مدمن الحشيش وهو نوع من المخدرات]، ولن تصير “طنْبَرْجِيْ مع الطنبرجي” [الطنْبَرْجِيْ: سائق الطُنْبُر، وهو العربة التي يجرها الحمار أو البغل] وكذلك إذا لم يتعلَّق قلبك هذا التعلُّق بأحباب الله [فلا إيمان لك]: ((لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا مَحَبَّةَ لَهُ)) 9 كرَّرها النبي ﷺ ثلاث مرَّات.. وبالصلاة بعد النظافة مِن الرذائل والتخلُّق بالفضائل يصير العروج إلى الله: ((الصَّلَاةُ مِعرَاجُ المؤمِنِ)) 10 ، فتكون مع الله، فيصير لك مِن السعادات واللذائذ وقرة العين ما لا تُعرَف إلا بأنْ تتذوَّقها، فالأنبياء أساتذة ومهندسون ومعماريون للقلب السليم وللعقل الحكيم وللنفس المزكَّاة، وهذا هو الشيخ، وهذا هو طلب العلم الذي يُوصِلك إلى المراحل الثلاث، حتى تصير نيابة عن النبي ﷺ تُعَلِّم الكتاب والحكمة وتزكي النفوس: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129].. أضف إلى ذلك أنه ليس كلُّ الناس يَقْبَلون.. قال الأصمعي: فسمعتُه يقول

مَا سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبَارِكِها وَمَا جَرَى مِـن قَضَاءِ اللهِ لَـم يَـكُـنِ

هذا مُصَلٍّ، لأنه ليس هلوعًا أو جزوعًا مهما أعطاه الله مِن الخير ما أعطاه، فسيدنا دواد عليه السلام كان يأكل مِن عمل يده، فيصنع درعًا ويبيعها، فثلثٌ يُرجعه إلى رأسماله، وثلثٌ ينفقه على عياله، وثلثٌ يتصدَّق به على الفقراء والمساكين، وكانت أمُّ سليمان عليه السلام تقول لابنها سليمان: “يا بنيَّ لا تُكثِر النوم مِن الليل، فإنَّ كثرة النوم في الليل تجعل الرجل فقيرًا يوم القيامة”.

العلم الحقيقي والعلم المزيف:

طلب العلم يجب أن يكون بالعمل، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، أمَّا بعِلم الورق فأنتَ قارئٌ ولستَ بعالِـم، وأنتَ تطلب القراءة ولا تطلب العلم، وهذا العلم حُجَّةُ الله عليك يوم القيامة، وبسببه ستكون أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة: ((عَالِمٌ لَم يَنفَعْهُ اللهُ بِعِلمِهِ)) 11 ، لأنه ليس له قلبٌ، وفي ذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37].

لقد طلب قوم ثمود من نبيهم المعجزة، ولكنَّ الشقي شقيٌّ، كم معجزةً أحضر سيدنا موسى عليه السلام لفرعون؟ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101]، فهل استفاد منها هو وقومه؟

وهذا سيدنا نبي الله صالح عليه السلام أيضًا: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ [القمر:27] لنفحصهم، فإذا استجابوا نجوا، وإذا أصرُّوا دُمِّروا، واللهُ تعالى لا يستعجل، قال: ﴿فَارْتَقِبْهُمْ [القمر:27]، فالوعد قطعي، وانتظر مجيء الوقت ﴿وَاصْطَبِرْ [القمر:27].

كفران النعمة سبب للعقوبة:

﴿وَنَبِّئْهُمْ [القمر:28] لَمَّا أخرج الله تعالى لهم الناقة وكانت عظيمة الجسم، وكان عندهم موضع للماء، فكانت حين تأتي إلى مكان الماء تشربه كلُّه، وتعطيهم حليباً بمقدار الماء، ويكفي البلد كلها، فاليوم الذي تشرب فيه الماء تعطيهم بدله الحليب، وفي اليوم التالي يشربون الماء هم، قال تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ [القمر:28] بينهم وبين الناقة، ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر:28] كل واحد يحضر وقت حصته، فيوم الناقة للناقة، فتحضر الماء وتشرب وتعطيهم الحليب بدلاً عن الماء، وفي اليوم التالي يأخذون الماء ويكفيهم ليومين.. نسأل الله أن لا يجعلنا مِن المناحيس.. هذه معجزة خارقة للعادة، فلا يمكن عقلاً أنْ تَخرُج ناقةٌ وابنُها مِن الصخرة، لكن “المنحوس منحوس ولو وضعنا بين عينيه أو على رأسه خمس مئة ألف فانوس” ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] هؤلاء يجب على الإنسان أن يبتعد عنهم، لأنهم جُلساء السوء، وقد قال ﷺ: ((جَلِيسُ السَّوْءِ كنَافِخِ الْكِيرِ إمَّا أنْ يُحرِقَكَ بِنَارِهِ، أَو يُؤذِيكَ بِشَرارِهِ، أَو تَشمَّ مِنهُ رَائِحَةً خَبِيثَةً)) 12 ، فإذا كان الإنسان لا فائدة منه فمقاطعته فريضةٌ، ولو كان أباك، ولو كانت أمك، ولو كانت ابنتك، ولو كان أخاك، فعليك أن تُقاطِعه في الله، والحبُّ في الله والبغض في الله من أعلى درجات الإيمان 13 .

وهؤلاء المناحيس نادَوا صاحبهم، واختاروا أحدهم نكاية بنبيهم سيدنا صالح عليه السلام، لأنهم لَمَّا تنادَوا أنذرهم بالعذاب، وأنذرهم بعد أن أصرَّوا وتمرَّدوا ولم يستغفروا ولم يرجعوا، فقال لهم: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [هود:65]، هذا إنذارٌ لكم، وبعد ثلاثة أيام ستكونون كلكم خاسرين: ﴿ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65] أنذرهم الله تعالى ثلاثة أيام.. فإذا كنتَ تفعل المعاصي، وتأكل الحرام، أو تظلم الناس، أو تتعدَّى حدود الله، أو تترك فرائض الله فلا تظنَّ بأن الله غافلٌ، أو أنه لا يعلم، فهو تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] هذا مِن حيث العِلم، وأما مِن حيث الجزاء والثواب والعقاب: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] فالعلم لا يُضيِّع مثقال ذرة من التسجيل في صفحات حسناتك وسيئاتك، والمكافأة والمعاقبة بمثاقيل الذَّرِّ، فإذا لم تؤمن بهذا الشيء فأنتَ كافر، لأن هذا في القرآن، وألا يجب عليك أنْ تؤمن بالقرآن؟ وهل الإيمان بالقول أم بالعمل؟ وذلك في كلامك ونطقك ونظرك وسمعك، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ [الإسراء:36] مع امرأتك ومع دابتك ومع حمارك.

أحد الأولياء ركب حمارًا، فضربه على رأسه لأنه لم يمشِ –وأهل الله يجعل الله لهم من الصفاء ما يجعلهم يسمعون نطق الجماد ونطق الحيوان- فكلَّمه الحمار وقال له: اضرب ما شئتَ أن تضرب، فَلَأَضرِبنَّك بعصاك يوم القيامة كما ضربتَني بها في دار الدنيا.. ((أَدخَلَ اللهُ تَعالَى امرَأةً نَارَ جَهَنَّمَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها حَتَّى ماتَتْ)) 14 .. فإذا كان مِن أجل قطة دخلتْ جهنم، فكيف إذا كان مِن أجل كلب أو حمار؟ أنا حين أُصِبتُ بالجلطة وكنت في المشفى لم تغب كلاب المزرعة عن بالي، هل هي تأكل وتشرب أم لا؟ لأن الله سيسأل الإنسان، ((وكُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ)) 15 ، ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

﴿فَعَقَرُوهَا [هود:65] انظر إلى المناحيس.. قبَّحكم الله! أنتم تأخذون حليباً لكل بيوتكم.. ولكن لا فائدة فالمَنْحُوْسَ مَنْحُوْس، يأتي إلى مصدر الخير والسعادة والنفع فيقلعه، كمن يقلع عينه نكاية بعينه الأخرى، وهل إذا قلع عينه يقلعها نكاية بعينه الأخرى؟ وماذا صار به؟ صار أعوراً، ثم إذا بكت عينه الثانية يقلعها نكاية بالأولى، وماذا يصير بعد ذلك؟ يصير أعمى، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].. نسأل الله أن لا يُعمي بصائرنا ولا أبصارنا.

بدء تنفيذ عقوبة ثمود:

قال: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ [هود:65] المعاملة ذهبتْ إلى دائرة التنفيذ الإلهي، وجاء الجواب أنه بعد ثلاثة أيام سيكونون كلُّهم في الإعدام، وقال لهم: أول يومٍ تصبحون ووجوهكم كلُّها صفراء مثل الليمون، وكان يوم الأربعاء، وفي اليوم الثاني تصير وجوهكم كلُّها حمراء مثل الدم، والثالث يوم الجمعة تصير وجوهكم سوداء مثل الفحم، واليوم الرابع فيه الإعدام، وكيف يكون الإعدام؟ هل بالمشنقة أو الخازوق؟ إنّ إعدامات الله لا تُعَد ولا تُحَدّ، ومن سيُطَبِّقها؟ الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا [هود:66].

يقولون: “إن البلاء يعمُّ”، لا، وقد ذكر الله ذلك، فقد نجَّى صالحًا عليه السلام، إذن فالبلاء لا يعمُّ، ولـمَّا نزل البلاء بقوم لوط عليه السلام ما عمَّ لوطًا والذين آمنوا معه، قال تعالى: ﴿نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [هود:66].. الناس يظنون أنهم صلوا بمجرد أنْ جاؤوا إلى الجامع، وصلوا صلاة “الخْشْتَمْرِيْ” [كلمة شعبية يقصد بها عدم المبالاة وعدم إتقان العمل].. ولماذا لم يذكر الفقهاء أن مِن شروط الصلاة أنْ ينتهي المصلِّي عن الفحشاء والمنكر؟ ولماذا لم يذكروا أن مِن شرائط الصلاة أن لا يكون هلوعًا وأن لا يكون جزوعًا ولا منوعًا؟ لماذا لم يذكروا أن مِن شرائط الصلاة حتى تكون معراجًا ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]؟ أليس هذا قصورًا؟ إنه قصور.. ولذلك فالشيخ يتعلَّم الصلاة الجسدية، ولا يتعلَّم الصلاة الأخلاقية، ولا صلاة التنظف من الرذائل، ولا صلاة لباسِ الفضائل، فضلًا عن صلاة العروج بالروح إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ، لذلك يخرج الشيخ عقيمًا، ولذلك لم يعد أحدٌ يرغب أنْ يكون شيخًا، لأن الشجرة التي لا تحمل ثمارًا ولا أزهارًا أين ستكون؟ ستكون حطبًا للشتاء.

فلما جاء يوم الأربعاء اصفرَّت وجوههم، ويوم الخميس احمرَّت، ويوم الجمعة اسودَّت، فقالوا: إذا كان الأمر هكذا فلنقتله قبل أن نُقتَل، فإن كان صادقًا عجَّلناه قبلَنا- نُرسِله للموت قبلنا- وإن كان كاذبًا نكون قد ألحقناه بناقته.. جاؤوا وقتلوا الناقة! انظر إلى المنحوس! هذه الناقة كانت مصدر النفع ومحل الخير.. يأتي إلى محل الماء ويطمر البئر ويطمر النبع! هذا هو الشقي التعيس المخذول! والموفَّق إذا خفَّ النبع يحفر ويُخرِج التراب والطين كي يصل إلى الماء.. وبعد أن قال المناحيس: إنْ كان صادقًا عجَّلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا ألحقناه بناقته.. يريدون أن يقتلوه على كل حال، لأنهم كالخنفساء لا تَقبل الروائح الطيبة، وكذلك القطط أيضًا فهي لا تحبُّ الرائحة الطيبة، فإذا أردتَ أن تهرِّب [تُبْعِد] قطًّا ضع العطر عند أنفه وانظر كيف يهرب بسرعة.

بعد ذلك قال المؤمنون منهم: إن العقل لا يقول هذا، بل تريَّثوا حسب وعده، فإن كان صادقًا فلا تزيدوا ربكم غضبًا عليكم، يعني إن كان صادقًا وقتلتموه فإن الله سيغضب عليكم أكثر، وإنْ كان كاذبًا، وما صدق وعدُه فأنتم في فُسحة مِن الوقت، فما دام كذَّابًا يمكنكم أن تقتلوه في أي وقت، لكن اصبروا حتى نتبيَّن صدق نبوته مِن كذبها.. لكن نسأل الله أن لا يشقينا، فالشقيُّ يرى الأبيض أسوداً، والحق باطلًا، والباطل حقًا: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].

يُروى أنَّ جحا تزوَّج امرأةً حولاء ترى الواحد اثنين.. ففي اليوم الأول أحضر لها هديةً، فقالت: لم أتعبتَ نفسك، والحال ضيِّقٌ، فلماذا أحضرتَ هديَّتين؟ وفي اليوم الثاني أحضر لها خاتمًا، فقالت له: لم أحضرتَ خاتمين، ثم أحضر لها بطيخة، فقالت له: لماذا بطيختان؟ تكفي واحدة فأنا وأنت في البيت فقط، فقال في نفسه: الحمد لله لقد أنعم الله علي نعمة، فزوجتي ترى كل شيء اثنين.. وفي يومٍ مِن الأيام دخل البيت فقالت له: يا قليلَ الشرف! يا قليل الدِّين! يا قليل المروءة! أَلَا تخجل مِن نفسك! كيف تأتي وتأتي برجل آخر معك؟ وهل أنا متزوجة من واحد أم من اثنين؟ قال لها: لا بأس أنْ تَرَيْ كل شيء شيئين إلا أنا، فلا تَرَيْنَنِيْ إلا واحداً. [يروي الشيخ الفكاهة ويضحك، ويضحك معه الحضور]

حبّ الشيخ العارف بالله سبيل النجاح:

نسأل الله أن يُرينا الحق حقًا ويرزقنا اتِّباعه، ونسأله أن يُرِيَنا شيخنا، فالشيخ أيضاً واحد، وأسأل الله أنْ يرضى على الإخوان الدعاة ويزيدهم رضى، فهؤلاء جزءٌ مني، وكلُّهم مرتبطِون بالشيخ ربط الأعضاء بالجسم الذي يشكِّل وحدةً كاملةً، وقريبًا إنْ شاء الله سأُجيز كلَّ مَن فيه الأهلية بالإجازة اللائقة به، وإن شاء الله يكونون أكفاءً في حياتي وبعد وفاتي، وعلى الطريق التي مشيتُ عليها، فلا تتدخَّلوا بالسياسة أبدًا، واتركوا تصليح الأحذية لأصحابها، والحدادة لأصحابها، وكذلك السياسة، فنحن نقوم بالتعليم والتربية فقط، ومع حاكمنا الوطني نكون معه بكلِّ الواجبات، وإذا تهيَّأ لنا نصحٌ ننصحه سرًّا، كما قيل: “مَنْ نَصَحَ أَخاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَجَهرًا فَقَدْ شَانَهُ” 16 .. نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدِّين.

وقد كنتُ أسمع مِن شيخنا رحمه الله أنَّ الشيخ عيسى [الشيخ عيسى: شيخُ الشيخ أمين كفتارو] كان يقول لشيخنا: اليوم سيأتي الشيخ الفلاني، وهو قطب زمانه، فيقول شيخنا: يا سيدي، لو بعدد ذرَّات التراب صار الأقطاب، فأنت قُطْبي، وهذا يكفيني! أنا يكفيني مِن الشُّرب كأس ماء، فلو أخذوني إلى نبع الفيجة هل سأضع النبع في بطني؟ -رضي الله عنه- لذلك كان إنتاج شيخنا غير إنتاج بقية الخلفاء، وبحسب الصدق: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب:24]، وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه هل كان له هدفٌ في حياة النبي ﷺ إلا أنْ يكون مع رسول الله ﷺ بكل وجوده؟ هل كان له مطمعٌ في مالٍ أو جاهٍ أو إمارةٍ أو رئاسةٍ؟ مرةً جعل عليه أسامة بن زيد رئيسًا، ومرة جعل عمرو بن العاص، وهذا يُعتبَر درجةً عاشرةً في الصحابة بالنسبة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.

عناد ثمود رغم رؤيتهم الحق:

نرجع إلى موضوعنا، فهم رأوا الحق، وتحقَّقتِ المعجزة، ودعوةُ الأنبياء كلُّها منطقٌ وعقلٌ ورفع مستوًى، لكن إن أردنا أن نجعل الغراب شحرورًا، ووضعناه في خمس مئة مدرسة، وأتيناه بخمس مئة شحرور ليعلموه ويصير صوته جميلًا، وبعد عشر سنين ماذا تسمع منه؟ لن تسمع منه إلا صوت النعيب فقط.. كيف لم تستفد من هذه السنوات العشر والخمس مئة شحرور؟ قيل: “إنَّ مِن التعذيب تَهْذِيب الذيب”. [الذِّيْب: الذئب]

إذا كَانَ الطِّبَاعُ طِبَاعَ سُوءٍ فَلا أَدَبٌ يُفِيدُ وَلا أَدِيبُ

وهذه مِن ناحية، ومِن ناحيةٍ ثانية قولوا كما قال رسول الله ﷺ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلوبَنا عَلَى دِينِكَ)) 17 ، والقرآن يقول: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ أي العذاب في الحياة مضاعفٌ ﴿وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:75]، هناك عذابَان، فقوم صالح عليه السلام لَمَّا أهلكهم الله تعالى، هل أهلكهم في الدنيا فقط وفي الآخرة يدخلون الجنة؟ لا ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى عذاب الدنيا ﴿دُونَ يعني قَبل ﴿الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21]، أمَّا إذا هلكوا على الكفر فمِن العذاب الأدنى إلى العذاب الأكبر.

﴿وَنَبِّئْهُمْ [القمر:28]. قال له: هذه الناقة امتحان، وانظر ولا تستعجل عليهم، فأنا لا أستعجل ((إنَّ رَبَّكُمْ لَا يَعجَلُ لِعَجَلَةِ أَحَدِكُم)) 18 .

﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ [القمر:28] ما الذي يضرُّ هؤلاء الأشقياء؟ لكن نسأل الله العافية مِن الشقاء.

نظرة حُبٍّ إلى شقي تشقيك:

واحذروا صحبة الأشقياء والمخذولين، ففي بعض الأوقات نظرة حبٍّ إلى شقيٍّ تُشقيك، وابتسامة تُذهِب لك كلَّ دِينك، وسهرة تُذهِب لك كلَّ دِينك، وهناك سمٌّ تَتسمَّم به ولا تشعر به، فسمُّ الدبور نعمةٌ، لأن فيه أَلَمًا لذلك تتحاشاه، ولكن يوجد سمٌّ يوضع لك في الطعام والشاي والقهوة فلا تشعر به، وهناك سمٌّ تَضعه الجواسيس على الجدران أو الطاولة، فتلمسها وتتسمم.. نسأل الله أن يحمينا.

هلاك ثمود بالصيحة:

﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ [القمر:29] الذي وكَّلوه بعقر الناقة، ﴿فَتَعَاطَى [القمر:29] هيَّئ كلَّ الوسائل ﴿فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:30] هل كان إنذاري صادقًا أم كاذبًا؟ كيف كان؟ لكن هل كان مِن أول يوم، أو مِن أول أسبوع، أو مِن أول شهر؟ الله أعلم، فهو سبحانه لم يذكر مدَّتهم.. ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً [القمر:31] في أي يوم؟ يوم السبت، لأن يوم الأربعاء اصفرَّت وجوههم، والخميس احمرَّت، والجمعة اسودَّت، والصيحة يوم السبت ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ [القمر:31] الهشيم أي العشب حين ييبس وتدوسه الدَّوابُّ في الحظيرة، فيَصير يابساً ناعمًا مثل الطحين، فهذا المهَشَّمُ هَشِيْمُ حظيرة الغنم، أي جعلناهم مثل ذرات التراب في الهواء.

القرآن يفهمه أصحاب القلوب:

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17] نخاطبكم بخطابٍ يفهمه العالِم والعاميُّ، والصغير والكبير، فليس هناك كلماتٌ ولا ألفاظ موحِشة وغير مفهومة إلا لعلماء اللغة، بل جعلناه ميسَّرًا للفهم، لكن مَن الذي يفهمه؟ يفهمه الموفَّقون، ومَن يتقبَّله؟ يتقبَّله المتَّقون.. والقرآن وهو كلام الله تعالى، وكلام النبي ﷺ الذي أُوتي جوامع الكَلِم، هل فهمهما كل الناس؟ قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس:9]، لا يرون الطريق المستقيم.. ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] يعني هل مِن متذكِّر؟ ليرجع عن غيِّه إلى الاستقامة، ومِن ضلاله إلى الهدى، ومِن كفره إلى الإيمان، ومِن فسقه إلى التقوى، ومِن عقوقه إلى البِرِّ، ومِن إساءته إلى الناس إلى الإحسان، ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]؟

هذه الآيات القرآنية خُوطب بها عبدة الأصنام كفَّار قريش، وببركة رسول الله ﷺ المعلم الحكيم المزكي صاروا كما قال تعالى: ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، أمَّا القرآن بلا معلِّم فهو ككتب الطبِّ بلا أساتذة الطب، فإذا قرأتها هل تصير طبيبًا؟ وهل تكون طيَّارًا بلا معلم؟ وهل تستطيع قيادة السيارة بلا معلم؟ كذلك القرآن بلا شيخ.. والشيخ ليس العمامة والجُبَّة والشهادة.

إجازة الشيخ أمين لولده الشيخ أحمد:

رضي الله عن شيخنا وقدس الله سره.. حين كتب لي الإجازة وكنتُ في خدمته في اعتكاف رمضان، دخل عليَّ في الثلث الأخير مِن الليل وأعطاني الإجازة وقال لي: ما كتبتُها لك إلا بإذنٍ مِن رسول الله ﷺ.. وأنا كنتُ أُريد أنْ أكون طبيبًا، فلمَّا أرسل أخي إلى الأزهر وما صار شيخًا قلتُ في نفسي: لا يجوز إنْ مات الشيخ أنْ يُغلَق بيت العلم بعد موت شيخنا، ففتح الله عزَّ وجلَّ بيتَ جامعِ أبي النور بالآلاف، ومِن مشارق الأرض ومغاربها.. فنسأل الله أن يجعلنا مِن السابقين إلى الخير.. وكان قد بقي لي لامتحان الشهادة الابتدائية شهر واحد، وكانت لا تنقصني درجة في الامتحانات، وكلُّ فِكري [كل ظني] أنْ أكون طبيبًا، فلمَّا رأيتُ أخي ترك قلتُ لشيخنا: أنا أريد أنْ أطلب العلم.

وكان مِن مريدي شيخنا الدكتور مدحت شيخ الأرض متَّعه الله بالصحة والعافية، واليوم تجاوز عمره التسعين، أتاني يومًا مِن الأيام، ورآني قد وضعتُ العمامة، وكان طبيب الملك عبد العزيز ووزيره ومستشاره، وكان مُحبًّا صادقاً، فلمَّا رآني وضعتُ العمامة والجبَّة قال لشيخنا: واحسرتاه على الشيخ أحمد! فقال: خيراً؟ قال: أنا أنتظره حتى يكون طبيبًا لأضعه مكاني، يعني وزيرًا ومستشارًا وطبيبًا، انظروا إلى المريد الصادق كيف يتقرَّب إلى الشيخ! هل هناك ما هو أعزّ مما ملكه الدكتور مدحت؟ يتنازل عنه كله لا لشيخه، بل لابن شيخه، حبَّا في شيخه: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ)) 19 ، ولكنْ مَن هم آل محمد ﷺ؟ مَن كان تقيًا: ((آلُ محمَّدٍ كلُّ تَقِيٍّ)) 20 ، أمَّا إذا كان غير تقيٍّ، فابن نوح عليه السلام قال الله تعالى عنه: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46].. فابتسم شيخنا، وقال له: إنْ شاء الله سيصير أحسن مِن طبيب.

الدعوات الثلاث التي دعاها الشيخ أمين:

ومرة جاء [الدكتور مدحت شيخ الأرض] وكنتُ مسافرًا، وقد بدأنا في بناء الجامع، وكان [ولدي] أبو الفضل معه، ولَمَّا رأى حدود الجامع سقط بالبكاء مغشيَّا عليه، فبكى وبكى وبكى، حتى أغمي عليه، وقد اندهش محمود من ذلك، فرفعه وأنقذه، وقال له: يا عم! لماذا صار معك هذا؟ قال له: أنتَ لا تعرف، كنتُ أسمع مِن شيخنا رحمه الله يقول: دعوتُ الله عند الملتزم بثلاث دعوات؛ الدعوة الأولى أنْ يجعل الله تعالى حدود جامع أبي النور إلى النهر والقبة، قال له: وهذا الذي دعاه تحقق بعد خمسين أو ستين سنة، ولم يره هو وأنا الآن رأيتُه، فلمَّا رأيتُه أخذني الذي رأيتَه مني، والدعوة الثانية أنْ يجعل الله خليفته مِن صلبه، ورأيتُ ذلك أيضًا في الشيخ أحمد، والثالثة أنْ يجعل الله رفيقه في الجنة كلَّ مَن صحبه وأخلص في محبته وصحبته.. نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا مِن المحبين والمخلصين، ويثبِّتنا بقوله الثابت.

القرآن جعل من أبناء الصحراء خير أمة أُخرجتْ للناس:

هذا القرآن أتى إلى قريش، وجعل منهم السابقين الأولين مِن المهاجرين والأنصار، وخير أمةٍ أُخرجتْ للناس، وقد أَوصلوا الإسلام إلى حدود الصين وإلى حدود فرنسا بخمسين سنة، فإذا قرأنا صالحًا وثمود فالقارئ هل سيكون ثمود أم صالحًا؟ أم مِن الذين قال الله عنهم: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس:9] لا يعلمون، أم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18]؟ فكلنا يرجو أن يكون صالحًا، ولا أحد منكم يرفض هذا، لكن حتى تصير صالحًا في الحقيقة عليك أنْ تُهيِّئ طاقة صالح التي هي نور الله تعالى في قلبه، الناشئ عن الخلوة بربه، والناشئ عن كثرة ذِكره لربه.. وأن تكونوا ورثة صالحٍ هل يعني أن تهلِكوا قومكم؟ وهو ما أهلكهم، بل هم أهلكوا أنفسهم، ونسأل الله تعالى أن نكون مِن ورثة سيدنا محمد ﷺ، ننشر الإسلام أينما كنَّا، مثل المطر أينما نزل يَنبت الربيع والزهر والجَمال والرياض، وأينما نزل المطر تَخرُج الأزهار وتُثمِر الأشجار، وتغني الشحارير والأطيار، ولا تكونوا صحراء لا يكون فيها إلا النار المحرِقة، والغبار الذي يخنق الأنفاس.. فنسأل الله أن يجعلنا مِن الذين يتلونه حقَّ تلاوته، وإذا ما تلوناه واستمعناه أنْ يجعلنا مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

قصص القرآن نموذجنا في الدعوة:

إن ما قصَّه القرآن علينا مِن قصة صالح عليه السلام هو لنكون صالح زماننا، وقصَّ علينا إبراهيم عليه السلام لنكون إبراهيم زماننا، وذلك مع أبيكَ ومع أخيكَ وامرأتكَ، ومع زوجِكِ وابنكِ وابنتكِ، ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) 21 ، ولكن مثلما علَّمنا القرآن؛ بالحكمة والموعظة الحسنة، مثل قصة الشيخ الذي قال للص: تُب، قال له: أنا لا أترك السرقة، فقال له: إذن أنصف فقط.. وهذه مِن الحكمة. [وبقية القصة باختصار أن هذا اللص نزل إلى بيت أحد التجار ليسرقه، فوضع النقود في الكيس وأراد أن يخرج فتذكر كلمة شيخه، فقال: هل يعقل أن هذا التاجر تعب في جمع هذه النقود وأنا آخذها بهذه السهولة؟ فترك نصفها، ثم ترك ربعها، حتى قال: لا بد أن هذا الرجل مانع للزكاة، ولذلك سلطني الله عليه، فأنا سآخذ حصة الزكاة فقط.. وأخذ يُحصي نسبة الزكاة، وبينما هو كذلك إذ أحس به التاجر صاحب البيت، ورآه يُحصي النقود ويعدُّها، فدخل عليه وقال له: هل أنت مَلَك أو جني أو ماذا؟ قال: أنا لستُ مَلَكًا، ولكن هذه قصتي مع الشيخ، وقص عليه ما فعله.. فقال له: صدقت فأنا مانعٌ للزكاة وأنت قد أرسلك الله إليَّ لتنقذني من عقوبة منع الزكاة، وتاب هذا السارق، وكانت هذه الحادثة خيراً عظيماً عليه].

وكذلك مثل قصة الشيخ الذي دخل على الملِك الذي يلبس الحرير، وكلما نصحه ناصحٌ يقطع رأسه، فذهب إليه هذا الشيخ وقال له: ما هذا الذي تلبسه أيها الملِك؟ لقد صار هذا لبس العامَّة مِن الناس، ولقد نزل في السوق شَال ثمنه أكثر مِن الحرير بخمسين مرة، وهذا الذي يليق بك.. فجعله بالحكمة يخلع الحرير ويلبس الصوف.

اللهم وفِّقنا لِمَا تحبه وترضاه مِن القول والفعل والعمل والنية والهدى، إنك على كل شيء قدير.

أخونا بسام الزين توفيتْ والدته رحمها الله، وأمينة الخرفان بنت أبو حسن، ومحمود سليمان، نُشاركهم في التهليلة، ونسأل الله أن يغفر لنا ولهم، وأن يرحمنا وإياهم.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (4246)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37852)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8469)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقلت: إني قد قتلت أبا جهل، قال: «الله الذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟» قلت: الله الذي لا إله غيره لأنا قتلته، فاستخفه الفرح، فقال: «مر أرنيه» فانطلقت به حتى وقفت به على رأسه، فقال: «الحمد لله الذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب» قال: وقد كنت ضربته بسيفي فلم يحك فيه، فأخذت سيفه فضربته به حتى قتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
  2. الطبقات الكبرى لابن سعد (1/216)، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: قال: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيًا، ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين، يوافي المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة، فلا يجد أحدًا ينصره ولا يجيبه، حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ، وَتَذِلَّ لَكُمُ الْعَجَمُ، وَإِذَا آمَنْتُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنَّةِ)).
  3. السنن الكبرى للبيهقي، كتاب السَّير، باب فتح مكَّة، رقم: (18739)، (9/ 118)، السيرة النبوية لابن هشام (5/74)، البداية والنهاية لابن كثير (4/301)، بلفظ: ((ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: «ما تقولون وما تظنون». قالوا: نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال وقالوا ذلك ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقول كما قال يوسف ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾». قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: « مَا تُرَوْنَ أَنِّي صانع بكم؟». قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ»، وهذا اللفظ للبيهقي.
  4. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب ﴿وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾، رقم: (31)، (1/20)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، رقم: (2888)، (4/ 2213)، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ رضي الله عنه.
  6. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8542)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4452)، بلفظ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ وَلا يَخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ.. إلخ"، وفي السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (6014)، ((قال ابن شهاب وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب: كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ ولا يحف، لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا وما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله فلا يكون شيء إلا بإذن الله)).
  7. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، رقم: (2739)، بلفظ: ((عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ))، وفي سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب الاستنصار بالضعيف، رقم: (3178)، بلفظ: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ»، وفي حلية الأولياء للأصبهاني (8/289)، بلفظ: «هَلْ تُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ بِدَعْوَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ».
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (1)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنية)، رقم: (1907)، عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).
  9. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين (1/379)، مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات، محمد المهدي بن أحمد بن علي، (75)، فتح الكريم الخالق في حل ألفاظ الدر الفائق في الصلاة على أشرف الخلائق صلى الله عليه وسلم، علي المكي بن محمد بن أحمد بن حسن مكي، (219)، وفي صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم: (15)، بلفظ: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده)).
  10. تفسير الرازي، (1/226)، تفسير النيسابوري، (1/114).
  11. شُعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1778)، المعجم الصّغير للطبراني رقم: (507)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ)).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5214)، (5/2104)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628)، (4/2026)، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)).
  13. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18547)، مسند الطيالسي، رقم: (783)، بلفظ: ((عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قُلْنَا: الصَّلاَةُ قَالَ: الصَّلاَةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)).
  14. ) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم: (3140)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2619)، بلفظ: ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)).
  15. صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى، رقم: (853)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، رقم: (1829)، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
  16. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7641)، بلفظ: ((عَنْ صَالِحِ بْنِ رَنْبُورَ، سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، تَقُولُ: "مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ"، وفي الآداب الشرعية لابن مفلح، (1/303)، بلفظ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ"، وفي الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل لعبد القادر الجيلاني (1/114)، عزاه لأَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  17. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، (3/112)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
  18. سبق تخريجه.
  19. صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (5996)، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، رقم: (406)، عن كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ: ((فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)).
  20. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (3332)، السنن الكبرى للبيهقي، باب من زعم أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل دينه عامة، رقم: (2987)، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: «كُلُّ تَقِىٍّ».
  21. سبق تخريجه.
WhatsApp