تاريخ الدرس: 1992/02/21

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:28:50

سورة القمر، الآيتان: 16-22 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل التحيات العطرات والصلوات المباركات على سيدنا محمدٍ النبي العربي الأمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانهم مِن النبيين والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه المجاهدين الصادقين، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وبعدُ:

ترحيب بوفد من الاتحاد السوفييتي ذاهب للعمرة:

فإنني وباسمكم جميعًا أرحِّب بزيارة إخوانكم في الإسلام وفد الاتحاد السوفييتي، الذين أَتَوا إلى بلدكم في طريقهم إلى العمرة والزيارة، فنرحِّب بهم أجمل وأحرَّ ترحيب، وأقول: أهلًا وسهلًا بإخواننا الذين فَقَدنا لُقياهم ورؤياهم مِن أكثر مِن سبعين سنة، والحمد لله بفضل الله ورحمته الآن عاد الطير إلى وكره، واجتمع الإنسان بأهله وعشيرته، وأسأل الله أن يجمع المسلمين على حقيقة الإسلام بجوهره وغاياته ومقدِّماته ووسائله وأسبابه، وبعدُ

قصة عاد قوم هود عليه السلام:

فنحن الآن في تفسير بعض آياتٍ مِن سورة القمر، يقول الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] والآن نحن في تفسير عادٍ قوم هود عليه السَّلام، وعادٌ اسم قبيلةٍ في جنوب الجزيرة العربية ما بين عدن وحضرموت، في مكانٍ اسمه الأحقاف، وسورة الأحقاف هي سورة المكان الذي كانت تُقيم فيه قبيلة عاد قوم هود، وهي عبارة عن جبالٍ وسهولٍ مِن الرمال، فذَكَر الله تعالى قصتهم لقريش، وقصة الشعوب قبل قريش مِمَّن أتتهم أنبياؤهم ورسلهم بالعِلم الذي يرفع شأن الأمم، وبالحكمة التي هي العقل الكامل الذي يُدرِك كلَّ شؤونه بكلِّ أبعادها وبواطنها وخوافيها وعواقبها.. والنبوَّة هي العِلم، والعلم هو: كلَّ العلم، وكلَّ ما ينفع الإنسان معرفته، والحكمة: هي الوسيلة التي تُطبَّق بها حقائق العلم على قواعد الحكمة حتى تنجح في الأمور كلِّها؛ في أمور الدِّين والدنيا والآخرة، في السياسة والزراعة والاقتصاد، وفي الأسرة والصحة وفي الغنى وفي كلِّ شؤون الحياة، فالدِّين ليس طقوسًا جسدية كحركات رياضية، أو تمتمات كلامية لسانية بلا مضمونٍ ولا أهدافٍ ولا حقائق وثمرات، الدِّين هو مصنعٌ يأتي بالإنسان الخام الذي يكون عبدَ الشهوات والجسد، وعبدَ الأهواء والتقاليد الباطلة، ليرفع شأنه إلى أعلى درجات الرقيِّ والتقدُّم والقوة والسعادة والحكمة والعلم.

بماذا تتفاضل الأمم:

يقول بعض الحكماء: “تتفاضل الأمم بثلاثة أشياء: فالأمم المتوحِّشة تتفاضل بالقوة البدنية”، فالقبيلة التي تكون أقوى بدنًا وأقوى إيذاءً وسلاحًا تكون المقدَّمة والمكرَّمة والمحترمة في نظر القبائل حولها، والآن القوة البدنية أُضيف إليها القوة الحربية، إلى أنْ وصلتْ إلى القوة النووية التي تُفنِي المهاجِم والمدافِع، وتفني الإنسان والحيوان والحياة والأحياء، وهذا هو التقدُّم بنظرهم وهذا العلم والرقيُّ، وإنَّ مِن أشدِّ الجهلِ الجهلُ بالجهل، قال: “تتفاضل الأمم المتوحشة بالقوة البدنية، فإذا ارتقتْ تفاضلتْ بالعلم والمعرفة والحكمة”، وتفاضلتْ بالعِلم وبمعرفة كلِّ ما تُسْعَد بمعرفته ويُفيدها العلم به، والحكمة هي العقل الصائب في كلِّ ما يعمله الإنسان، فيمشي بالتخطيط العقليِّ الذي يُوصِله إلى ما يُسعِده وما ينفعه.

فإذا ارتقت الأمم بعد القوة البدنية، وبعد القوة العلمية، وبلغت القمة والذروة تتفاضل بالأخلاق الربانية.. والإسلام أتى بمجموع هذه المنازل والمراتب الثلاث التي يصعد بها الإنسان نحو الكمالات، قال ﷺ عن القوة: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) 1 ، والقرآن يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، الخُلُق والعلم، وقال ﷺ: ((إنَّما بُعِثْتُ مُعلِّمًا)) لم يقل: عالِمًا، بل عالِمًا معلِّمًا ((لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ)) 2 ، يعني يوجد في المجتمع أخلاقٌ لكن ما استُوعِبَتِ الأخلاق كلُّها.

فالإسلام إذن قوةٌ وعلمٌ وحكمة وأخلاقٌ وفضائل في النفس، وهذا هو الإسلام الذي أراد الله تعالى أن يُظهِره على الدِّين كلِّه، يعني لِتكون شعوب العالَم كلّها قويةً عالِمةً حكيمةً ذات أخلاقٍ عالية، فهل بلغت البشرية الآن بكلِّ ما وصلتْ إليه وبما تسمِّيه علمًا وتقدُّمًا إلى المعنى الإسلامي قوةً وعلمًا وأخلاقًا؟

المسلمون اليوم بلا قوة ولا علم ولا أخلاق، كما يذكرون أنَّ شيخًا تحدَّث في درسه وفيه نساء، وأتى على حديث أنَّ النساء ناقصات عقلٍ ودِين 3 ، فقامت إحداهنَّ محتجَّةً وقالت: كيف لا يُعطي النبي ﷺ للمرأة حقَّها وينتقصها فيما هي جديرةٌ بعكسه؟ فأخبرها الشيخ قائلًا: يا ابنتي هذا الحديث بحقِّ النساء اللواتي كنَّ في زمن النبي ﷺ، لأنهنَّ كنَّ في البادية لا يقرأنَ ولا يكتبنَ، أمَّا أنتنَّ الآن في القرن العشرين فهذا الحديث ليس لكنَّ، قالت: نحن لو كنا في زمن النبي ﷺ كيف كان يصفنا؟ قال: لو كنتنَّ في زمن النبي ﷺ لقال عنكنَّ: لا عقل ولا دِين.. يعني ليس النصف بل فقدتنَّ الكل، [يحكي ذلك سماحة الشيخ ويضحك] والآن ليست المرأة فقط، بل الرجل أيضاً صار بلا عقل ولا دِين.. الدِّين قوة وعلم وعقل حكيم، فلا يدخل في موضوعٍ إلا يدرسه بكلِّ أبعاده، حتى يصل بدراسته إلى نتائجه وعَقَباته عقليًّا، فيرى النجاح والمخطَّط الصحيح، فيُطبِّق فيَنْجَح في العمل، ولَمَّا يُضاف إلى ذلك مكارم الأخلاق فهذا هو الإنسان الفاضل، وهذا هو المجتمع الفاضل والدولة الفاضلة والعالَم الفاضل، والله تعالى يقول للنبي ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، ليس لإقامة المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون، بل أقام النبي ﷺ الدولة العالمية الفاضلة التي تجمع كلَّ شعوب العالَم على العلم؛ كلِّ العلم: ((اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ)) 4 وهذا ليس عِلم الصلاة ولا علم الصوم، فالصين في ذلك الوقت مِن أرقى دول العالَم تقدُّمًا في علوم الحياة، وهذا الإسلام رحمة للعالمين مِن الجوع والجهل والظلم والتخلُّف والمرض، ليجعل الإسلام مِن الكرة الأرضية الجنة العالية المؤقَّتة ريثما يصل الإنسان إلى الفردوس الخالد الأبديِّ.

قراءة القرآن تلاوة وعلمًا وعملًا وتعليمًا:

فنرجع إلى تفسير الآيات، قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ [القمر:18] كانت بين حضرموت وعدن في منطقة اسمها الأحقاف، والتي سمِّيتْ سورتهم وقصتهم بسورة الأحقاف.. ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ [القمر:18] يعني أنبياءها ورسلها، ورفضتْ رسالة السماء، والآن المسلمون يقرؤون القرآن ويَقبَلونه تلاوةً ويرفضونه علمًا وعملًا، يقرؤونه تلاوةً أو يستمعون إليه نغمًا وموسيقى ويرفضونه فهمًا وتطبيقًا، والقرآن يبدأ مِن الإنسان العادي إلى أنْ يصل إلى رجل الدولة، وإلى أنْ يصل إلى كلِّ الدنيا ويحيط بها علمًا وحكمةً وقوةً وسعادةً، والله تعالى ذَكَر الكافرين بقوله: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61] الذِّلَّة هي الضعف، حتى يتسلَّط عليك القويُّ، وهذا الذي يسمُّونه استعمارًا، والمسكنة هي الفقر -الفقير والمسكين- وهذا لا يكفي، بل قال تعالى: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61] فالله تعالى يغضب عليك إذا كنتَ ضعيفًا ذليلًا يتسلَّط عليك العدو، ويغضب عليك إذا كنتَ مسكينًا فقيرًا محتاجًا، لأن الفقر يأتي مِن الكسل، ويأتي مِن البطالة، ويأتي مِن تضييع العمر والحياة، ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61] لأنهم ما ساروا على التخطيط الإلهي لسعادتهم، والنبي ﷺ كان يقول: ((لَا رَاحَةَ لِلمُؤْمِنِ)) 5 لا يوجد لديه وقتٌ ولا لدقيقةٍ واحدة ليصرفها مِن عمره بلا مقابل لها مِن عملٍ مفيد لنفسه أو لغيره جسدًا أو روحًا.

تكذيب عاد لنبيِّهم:

﴿كَذَّبَتْ عَادٌ [القمر:18] فما معنى كذبت عاد؟ يعني رفضتْ العلم والحكمة، ورفضتْ الأخلاق والتعاون، ورفضتْ وصايا الله تعالى التي كلّها لمصلحة الإنسان فردًا أو مجتمعًا، والذي يكذِّب كمن يريد أن يأخذ جمرة النار، فقال له أحدهم: هذه تحرقك، فرفض خبره ولم يصدِّقه، وأخذها بيده، فمَن المتضرِّر؟ هل الناصح المرشد أو المكذِّب المعاند؟ ولذلك قال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] فإذا نصحك الناصح أن هذه أفعى، ولَسْعتُها قاتلة، ولكنَّك كذبتَ وأخذتَها وعَمِلْتَها “كرافة” [ربطة عنق]، فلَفَفْتَها حول عنقك، وجعلت ذنبها للأسفل ورأسَها للأعلى إلى رقبتك، فلَدَغتْكَ في عنقك، فهل أضررتَ بالناصح الذي رفضتَ نصحه أم أضررتَ بنفسك؟ ولـمَّا تقبَّل العرب القرآن علمًا وعملًا وتعليمًا وتبليغًا، وهضموه بعقولهم وآمنوا به في قلوبهم، وتمثَّل فيهم القرآن في أعمالهم وسلوكهم، وحَّدوا في خمسين سنة نصف العالَم القديم بمئات شعوبه ولغاته وجهله وجاهليته وتخلُّفه، وصاروا: ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] خيرهم قوةً وعزةً وعلمًا وغنًى وتقدُّمًا ووحدةً، وهدموا الاستعمارَين الشرقي والغربي، ولا يزال القرآن يملك هذه القوة، ولكن اليوم لا يُشترط أنْ يكون بالقنابل النووية ولا بالطائرات والقاذفات، ولكن بالإخاء والتلاقي، فإذا التقى الظلام والنور ينقلب المكان كلُّه إلى نور، وإذا أتى النور وكان نصف المسجد ظلامًا ونصفه نورًا، وكان الوقت ليلاً، وكان هناك جدارٌ بينهما فرفعنا الجدار وصار التلاقي، فالنصف الثاني ماذا ينقلب؟ ينقلب نوراً.

وهكذا الإسلام، لكنّ الإسلام اليوم مجهولٌ خاصةً في المجتمع الإسلاميِّ، فهل مجتمعنا صدقٌ بلا كذب؟ وهل هو حبٌّ بلا حقدٍ ولا غِيبةٍ ولا نميمة؟ هل هو نصحٌ بلا غشٍ؟ هل هو تعاونٌ بلا عداءٍ ولا تحاقد؟ هل هو علمٌ بلا جهل؟ هل هو وحدةٌ بلا تفريق؟ إنّ المسجد هو رَجُلُه، ومسجد النبي ﷺ هو النبي ﷺ، وهو علم النبي ﷺ، وهو حكمة النبي ﷺ، فمسجدنا لا علمَ فيه ولا حكمة، وصلاتنا فيه طقوس جسدية، فما أقلَّ الفائدة! وما أقدس الاسم! وما أغيب المسمَّى!

﴿كَذَّبَتْ عَادٌ [القمر:18] قال: هذه ليستْ أفعى بل هي “كرافِة” [ربطة عنق]، والـمُبلِّغ أنذره لا مرةً واحدة بل مرات، ثم رغم الإنذارات هناك وراءها العذاب، ليس إنذارًا واحدًا فقط، بل نُذر، أمَّا العذاب فلدغة واحدة وعضة واحدة مِن الأفعى تكفي، ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي [القمر:18] لم يقل: وإنذاري، بل قال: ﴿وَنُذُرِ [القمر:18] الله تعالى يُنذِرنا مرة واثنتين وثلاثًا وأربعًا وخمسًا، ثم لكل شيء نهاية وغاية، ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر:18-19] سلاح الله ليس قنبلة نووية، وعساكر الله لا تعدُّ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] يبعث لك سلاحًا اسمه بَقْلَاوَة، [بَقْلَاوَة: حلوى لذيذة واسعة الانتشار] وبلقمة بقلاوة تغصُّ وتَخرُج روحُك، بقنبلة مِن بقلاوة، وقد يُرسل إليك نقطة دم بحجم رأس الدبوس تسدُّ لك شريانًا مِن شرايين الدماغ فتُصاب بالفالج، [الفالج: السكتة الدماغية أو الشلل النصفي] فيُمِيْتُ نصفَك ويُحَمِّلُ النصفَ الميت على النصف الحي.. نقطة دم في الشريان التاجي الذي تتفرَّع منه شرايين القلب، فينقطع الوقود عن القلب، فيتوقف القلب، فلا تراه إلا سقط جثةً هامدة، فسلاح الله كثير، ويوقف لك الرئة فلا تستطيع أن تتنفس، ونقطة يضعها في عينك.. وخلايا المخ.. إلخ.

عذاب الله تعالى للمكذِّبين:

﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:18] للمكذِّبين، ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا [القمر:19] باردًا ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر:19] ريحٌ تقلع الأشجار، وتهدم البيوت على مَن فيها، وترفع الإبل والجِمال في الفضاء مع ركَّابها وتضربهم بالأرض فتجعلهم جثثًا هامدة.. وعند الله أشكال وألوان مِن العذاب، فهناك ريح وصواعق وطوفان نوح وصيحة جبريل وغرق فرعون وتسلُّط العدوِّ، قال تعالى عن اليهود: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا [الإسراء:4-5] سلَّط الله عليهم العراقيين والفرس فدمَّروهم تدميرًا، والإفساد الثاني سلَّط الله عليهم الرومان، فخربوا هيكلهم ومعبدهم، وهجَّروهم في بقاع الأرض، ثم قال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الإسراء:7]، ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [الإسراء:8] لكن يرحمكم إذا استحققتم الرحمة وتبتم وأنبتم، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ [الإسراء:8] يعني إلى فسادكم وضلالكم ﴿عُدْنَا [الإسراء:8] بالانتقام وبالضربات الإلهية، سواءٌ مِن الفُرس أو مِن الرومان أو مِن السماء أو مِن الأرض، أو حتى مِن نفسك، فهناك مَن يضع المسدس في رأسه ويقتل نفسه، فالله يسلِطه على نفسه، ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر:19] كيف بنا لو نزل المطر وما توقَّف؟ أو لو نزل الثلج وما توقَّف؟ أو صار ارتفاعه ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار، أَلَا يقدر الله تعالى أنْ يفعلها؟ لأنَّ الثلج يتبخَّر مِن البحر، ويسقط في أمكنة معيَّنة، فيمكن أن يُخرج الله تعالى كميةً كبيرة وينزلها، وفي يوم صرصرٍ بارد يدفننا بالثلوج، وهناك قرًى كاملة في هضبة الفرات في تركيا الشرقية الشمالية دُفِنت بالثلوج، وما خرج منها إنسانٌ حيٌّ.

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر:19] اليوم لا يكون نحسًا، بل النحس هي أعمال الإنسان، أعمال الإنسان هي التي تجعله يوم نحس أو يوم خيرٍ وسرور، ولا يوجد مكان منحوس، بل الذي ينحس المكان هم السكان وأعمال السكان، ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ [القمر:20] فقد يخبِّئ شخص نفسه في السرداب أو البئر فتأتي الريح وتسحبه، وترفعه سبعين أو ثمانين متراً، وتضربه في الأرض ضربة واحدة، ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20] العَجُز يعني الجذر، والأعجاز يعني جذور النخل القديم المهترئ، فإذا ضُرِب يَفْرُط كله، [ويتناثر].. ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي [القمر:21] فالنهاية هلاكهم وفناؤهم، ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ [السجدة:21] مِن هذا العذاب إلى عذاب جهنم.

﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:21] “ونُذُرِيْ”: إنذارات الله تعالى، فهو يُعاقِب، وهو ((يُمهِل وَلَكِن لا يُهمِل)) 6 ، وهل نفَّذ إنذاراته؟ وهل طَبَّق وعيده ونَفَّذ انتقامه؟

﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:21-22] جعلناه لكم بلغةٍ سهلةٍ ليفهمها حتى الطفل الصغير، ولقد يسَّرنا القرآن للفهم لقارئه إذا قرأه بقلبٍ ذاكرٍ وبعقلٍ حاضرٍ، ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:22] ذكَّرتكم فهل تذكَّرتم؟ ووعظتُكم فهل اتَّعظتم؟ لكن يوجد آية أخرى تقول: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] أما إذا كان ميتَ القلب فلا تنفعه الذكرى ولا يتَّعظ بالموعظة، ولا يتقبَّل النصيحة، وهذا معناه مات قلبه ومات وجدانه ومات تفكيره الصحيح الذي يقدِّر الأمور بقدرها، ويفرِّق بين القِثَّاء والحَيَّة، فهل هناك فَرق؟ تستطيع أن تأخذ القثاء وتضعها فوراً بفمك وتقضمها، وكيف إذا بدَّلت بالقثاء الحَيَّة، وقلت: لا هذه قثاء وليست أفعى! وأَصَرَّيت على قولك!

تكون مثل ذلك الشخص الذي قيل له: إن مَن يأكل السمك ويشرب اللبن ويدخل الحمام يوم الأربعاء يجنُّ، فقال: هذا ليس صحيحًا، وأنا أتحدَّى هذا الكلام، وسأُريكم حقيقةً أنَّ هذا الكلام ليس بصحيح، فأكل السمك وشرب اللبن يوم الأربعاء ودخل الحمام، وكان الوقت شتاءً، ودرجة الحرارة ثلاث درجات أو أربعاً تحت الصفر، وخرج مِن الحمام عريانًا لا يوجد عليه شيء، ولا ورقة توت مِن الأمام ومِن الوراء، وصار يمشي في السوق مِن دكانٍ إلى دكَّانٍ، ويقول لهم: هل رأيتم؟ يقولون: إن الذي يأكل السمك ويشرب اللبن ويدخل الحمَّام يوم الأربعاء يُجنُّ، فانظروا! الحمد لله، ها أنا أكلتُ السمك، وكانت سمكة كبيرة، وشربت اللبن، شربت كيلو لبن، ودخلت الحمَّام الفلانيَّ، وها أنا أمامكم، هل أنا مجنون؟ [هنا يضحك الحضور]

إن أصعب الجنون أن لا تعرف الجنون، وأجهل الجهل أنْ تجهل جهلك، وأحمق الحمق أن تجهل حمقك، وأشدّ المرض وأخطره أنْ تجهل مرضك.

تفصيل قصة عاد:

إن قصة عاد هنا مختصرةٌ، وفي بعض السور جاءت مفصَّلةً أكثر، وفي سورة الأعراف يذكرها الله بشكل مفصَّل، وسأذكر لكم التفصيل: لـمَّا كذبت عادٌ قوم هود نبيَّهم بعد الإنذارات المتكررة، وبعد حِلم الله عنهم وإصرارهم وعتوهم وتمرُّدهم على أمر الله تعالى ضربهم الله بالجفاف والقحط وإمساك المطر عنهم، حتى كادوا يموتون جوعًا وفقرًا، وقد كانوا إذا صار مثل هذا القحط يُرسِلون وفدًا منهم إلى الكعبة يستسقون ويدعون الله أنْ يرفع الجفاف والقحط عنهم تبرُّكًا وتوسُّلًا بمقام إبراهيم عليه السَّلام، فأرسلوا وفدهم إلى الكعبة للاستسقاء، فدعَوا وتوسَّلوا وابتهلوا، فظهر لهم عددٌ مِن السحب والغيم، وسمع شيخُهم قائلًا يقول له في السحاب: هذه ثلاثٌ مِن السُّحُب اختر لقومك إحداها، الأولى بيضاء، والثانية حمراء، والثالثة سوداء، فقال: السوداء لأنها أكثر السحب مطرًا، فلمَّا سار سمع مناديًا يقول: “اخترتَ رَمادًا رَمْدَدًا، لا تُبقي من عادٍ أحدًا”.

العبادات بثمراتها:

هؤلاء الحجاج ذهبوا إلى مكة ودعوا، فما كان نتيجة الدعاء؟ ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7] كيف تُجاهر الله في المعاصي ثم تدعوه، وأنت تعمل عكس ما يريده الله، وتعمل ما يُغضِب الله، وتحارب فرائض الله، وتناصر معاصيَ الله.. وهل تحسب أن الله تعالى طفلاً صغيراً وأنك بكَلِمَتين تستطيع أن تقلب له عقله [حُكْمَه]؟

فلمَّا رجع وفد عاد أرسل الله على الداعين الذين ذهبوا إلى الكعبة -ولم يسفيدوا- أرسل عليهم رمادًا رمددًا، لا تبقي فيهم ومنهم أحدًا.. والناس اليوم يذهبون إلى الحج ويأتون إلى المسجد، وقد قال تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ فلا يوجد فيه كلام فاحش ﴿وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والصلاة ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، والصوم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ -الكَذِبَ- وَالجَهلَ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) 7 ، ((رُبَّ تَالٍ يَتلُو الْقُرْآَن وَالْقُرْآَنُ يَلْعَنُهُ)) 8 .

الصلاة التي طلبها الله هي: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] والتي تُثمِر أنْ تنهاك عن الفحشاء والمنكر: ((مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَلَيسَ للهِ حاجَةٌ في صَلَاتِهِ وَلَا يَزْدَادُ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا)) 9 ، وهكذا الحجُّ وهكذا قراءة القرآن: ((رُبَّ تَالٍ يتلو الْقُرْآَن وَالْقُرْآَنُ يَلْعَنُهُ))، يقرأ: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] وقد يكون ظالِمًا لزوجته أو لأخيه أو لجاره أو لأجيره أو لمعلِّمه، أو لزوجِها أو لابنها، أو لحيوانٍ أو لضعيفٍ، فالقرآن إذا لم تحوِّله مِن كلامٍ إلى أعمال، ومِن تلاوةٍ إلى سلوكٍ وأخلاق فستكون كما قيل

رُبَّ تَالٍ يَتلُو القُرآنَ بِفِيهِ
وَهُو يُفضِي بِه إلى الخُذلَانِ

القرآن لا يصير قرآنًا حتى تكون أنت قرآناً، وأعمالك تكون قرآناً، فعند قوله: ﴿‌وَأَقِمِ ‌ٱلصَّلَوٰةَ [هود:114] عليك أن تصلِّي، وتصلي حسب القرآن: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2]، ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-22]، فالمصلِّي الحقيقي مهما أصابته الشدائد والأخطار والمخاوف لا يفزع، وتجده صامدًا مثل صمود الجبال، ولا تزعزعه الرياح ولا الغبار، ومهما أنعم الله عليه مِن نِعم المال أو الجاه أو الحُكم أو السلطان لا يكون منوعاً، فإذا مسَّه الخير لا يكون منوعًا لعدله وإحسانه وتواضعه وحقِّ كل مَن له حقٌّ عليه، وهذه صفة المصلِّي في القرآن، فهل المصلي الآن يأخذ ثمرات الصلاة؟ إن المقصود مِن الزرع أنْ تحصد، ومِن الشجر أن تقطف الثمر، فإذا زرعتَ ولم تحصد، وتاجرتَ ولم تربح، فأيَّة تجارةٍ هذه؟ المقصود مِن القتال أن تنتصر، وأن ينهزم العدو، وتُكفى شره، فإذا لم تكن النتيجة هكذا فيكون التخطيط غير سليم وغير صحيح، أي يكون فاقدًا للحكمة.

والنبوة علمٌ وحكمة: ﴿وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمًا وَعِلۡمًا [الأنبياء:79] أي علمٌ وعقلٌ حكيم، هذا بالنسبة للمعلم، أما بالنسبة للمتعلِّمين: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ [البقرة:129]، لا قراءته ولا تجويد أحرفه، بل تجويد فهمه، وفهم علومه، وتجويد تطبيقه وتنفيذه، ﴿وَٱلۡحِكۡمَةَ [البقرة:129] حتى يجعل عقلك يقول عن هذه: سُبْحَة، وهذا كتاب، وهذه جُبَّة، ونحن في المسجد، [يشير الشيخ إلى سُبحَة بيده وكتاب أمامه وإلى الجُبَّة والعمامة التي يلبسها] فإذا قال العقل عن هذه: برتقالة، وعن العمامة: جُبَّة، فهل هذه حكمة؟ قال: ﴿وَيُزَكِّيهِمۡ [البقرة:129] يعني يطهِّر النفوس مِن رذائل الأخلاق ونقائص الصفات، فإذا كان المعلم هكذا وأنتَ تعلَّمتَ منه فأنتَ تلميذٌ ناجح، وأنتَ مسلمٌ حقيقيٌّ صادقٌ، وأمَّا إذا قرأتَ أو صلَّيتَ أو حججتَ أو صمتَ ولم تَصِلْ إلى ثمرات هذه الأعمال، فأنتَ تدور في حلقةٍ مُفرغة مثل الحمار طوال النهار يدور بالنَّاعُوْرَة، [كانوا يربطون الحمار برحى الطاحون، وربما يمشي النهار كله، لكنه يدور في مكانه حول الرحى] ولكن كم مترًا يقطع؟ يبقى في أرضه لا يتقدَّم ولا يتأخَّر.

نتيجة استجابة العرب للقرآن الكريم:

فالعرب وقريش سمعوا قصة عاد، وكررها الله في كثيرٍ مِن السور، وسمعوا قصة ثمود، وسمعوا غرق فرعون، وفي النهاية ماذا كانت النتيجة؟ استجابوا بأسماعهم وعقولهم وقلوبهم وأعمالهم، فبعد أنْ كانوا غُثاءً كغُثاء السيل، وكالوحوش في الصحراء لا علمَ ولا ثقافةَ ولا حضارةَ، والأخ يقتل أخاه، والأب يقتل ابنه مِن الجوع، فبهذا القرآن وأستاذِه النبيِّ الكريم ﷺ، صاروا أعظم أمم الأرض، وصارت دولتهم أعظم دول الأرض وقوَّتهم أعظم قوى الأرض، وعِلمهم وحكمتهم أعظم علوم الأرض وحكمتها، ولا يزال الكتاب بيننا، لكن ينقصنا المعلِّم الذي يعلِّمنا الكتاب والحكمة ويزكِّينا، ومن قصة عاد وأمثاله صاروا كما وصفهم النبي ﷺ بقوله: ((عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ فُقَهاءُ أُدَباءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 10 .. والنبي هو مهندسٌ يصنع أُمَّةً راقيةً؛ راقيةً بقوَّتها وراقيةً بعلومها وراقيةً بأخلاقها، والمسلم الحق هو الذي يَحمل هذه المعاني، أمَّا المسلم المزيَّف ومسلم الاسم فهو كما لو أنك سمَّيت نفسك إمبراطورًا وأنتَ بائع “بُوْشار” [ذُرَة: يأكلها الأطفال عادة] أو بائع ألعاب أطفال في الشارع! وادَّعيت أنك إمبراطور، وإذا شخص لم يلقِّبك بالإمبراطور فإنك تغضب وتسبُّ وتشتم، ماذا سيكون وضعك في هذه الحالة؟ وما هو محلُّك مِن الإعراب؟ ستكون مجنونًا ويأخذونك إلى مستشفى المجانين، وكذلك إذا كنتَ تدَّعي الإسلام ولم تأخذ علمه؛ العلم الذي يُوجِب العمل، أمَّا إذا ما أوجب فيك العمل فأنتَ مستمِعٌ ولستَ متعلِّمًا.

لكن أول العلم الاستماع، ثم التعلُّم، ثم العلم، ثم التعليم مع الحكمة، لذلك قال ﷺ: ((كُنْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا)) لأنه ((مَنْ حَامَ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَقَعَ فِيهِ)) 11 ، فمَنِ استمع إلى مجالس الحكمة، وداوم عليها سيصير حكيمًا، وإذا أدمن مجالس التقوى مع المتَّقِين سيكون تقيًّا، وهكذا: ((المرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه وَجَلِيسِه، فَليَنظُرْ أَحَدُكُمْ مَن يُخالِلِ)) 12 .. ((أَوْ مُحِبًّا)) إذا لم تحصِّلِ العلم والتعلُّم والاستماع فكن محبًّا ولو عن بُعدِ، ((وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلِكَ)) 13 ، والخامسة أن تكون عدوًّا مؤذِيًا مجافيًا مبتعِدًا، فهذه القصة مع بقية القصص، كقصة فرعون وإغراقه وقصة ثمود وإهلاكهم بصيحة جبريل، وقصة قوم نوح وطوفانه مع الآيات الأُخر، ومع الآيات المرغِّبة المبيِّنة لِمَن يتقبَّل غذاء الإسلام، ويجعله غذاء عقله بالحكمة، وغذاء قلبه بالنور، وروحه بالحياة بروح الله.. بهذا الإسلام صار أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، وما كانت شخصية أبي جهل أقلَّ مِن عمر رضي الله عنه، بل كان مِن عظماء شخصيات قريش، ولكنه أبى واستكبر وكان مِن الكافرين، فهل نفع نفسه وأضرَّ ربه؟ هل نفع نفسه وأضرَّ محمدًا ﷺ؟ نعم لقد آذاه، لكن هل استطاع أن يُطفئ نور الله تعالى؟ قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].

بهذه القصص [تربى المسلمون]، والقصص مِن أنواع القرآن، وهناك الأوامر والنواهي والأخلاق والوصايا، فيجب أن تصير خريج مدرسة القرآن علمًا وعملًا وأخلاقًا وسلوكًا، وهذه تحتاج لقلبٍ ذاكرٍ، وتحتاج لمعلِّمٍ منوَّرٍ باهرٍ، وتحتاج لحبٍّ حارٍّ كالنار المحترقة، ولقد كانوا يحبُّون المعلم أكثر مِن أرواحهم ومُهَجهم، ويفدونه بأعزِّ ما يملكون، وبهذا الحب مع هذا اللقاء ومع هذا القَبول ومع هذا الإيمان صارت شخصيَّتهم تاريخية في تاريخ الأرض والسماء، وصارت سيرتهم وأسماؤهم مخلَّدةً في الأرض وفي السماء، وهزموا الاستعمار الغربي الذي كان يمثِّل أوروبا كلّها، فبيزنطة كانت مستوليةً على معظم أوروبا وشرق آسيا، والعرب قبل الإسلام كانوا كالعبيد للفُرس والرومان، والذين في الصحراء اعتبروهم وحوشًا لا موضع لهم.

العالم يبذل والجاهل يُمسِك:

[كانوا علماء عاملين، ولم يكن في قلوبهم غلّ:] ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] وكانوا يقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكَر، وكانوا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] يُهاجرون ويَهجرون أوطانهم وأهليهم ونساءهم، والمرأة تترك زوجها في مكة وتهاجر أرملةً إلى المدينة، والرجل يترك تجارته وديونه وأمواله ويهاجر إلى المدينة، يعني إلى العلم والحكمة والتزكية، وإلى المعلم الحكيم المزكي، صحيح أنهم خسروا، لكن حين يزرع الْمُزارع القمح ويبذر عشرة أكياس في التراب ماذا يقول عنه الجاهل؟ يقول عنه: هذا المجنون أضاع قمحه في التراب فكيف يجمعه؟ أمَّا العالِم بالزراعة الذي يفهم العمل فيقول: لا، بل إنّ المئة كيس التي يبذلها سيأخذها غداً ألف كيس، وذاك يقول: هذا مجنونٌ، كيف سيجمعهم؟ وكيف ستصير العشر أكياس مئة أو ألفاً؟ وإذا قال له رجل عاقل: ازرع هذه الأكياس العشر في أرضك، فسيقول له: هل أنا مجنون؟ هل أرمي قمحي على التراب؟ كيف سألتقطه بعد ذلك وأجمعه؟ فالجمع بين جاهلٍ وعالِم وبين حكيمٍ وأحمق شيء صعبٌ جدًّا.

قصة أبي نواس مع صاحب التيس:

يقولون عن أبي نواس: إن الخليفة غضب عليه، وكان الخليفة إذا غضب على إنسان يضعه في بئرٍ فيه دبٌّ ليأكله، فكان أبو نواس قد جمع خبزًا وكعكًا وتينًا وتمرًا وخمرًا، وقال لهم: قبل أنْ توصلوني إلى الدب توقَّفوا قليلًا، فلمَّا صار قريبًا مِن الدبِّ ألقى إليه الخبز فأكله، ثم ألقى إليه التمر والتين وأكل حتى شبع، ووضع له الخمر أيضًا حتى سَكِر، ومعه دفٌّ فأخذ يدقُّ على الدف والدب يرقص، فلمَّا رقص قال لهم: أنزلوني، وصارت ساعات وليال مِن ألف ليلة وليلة بالرقص والفرح والأكل والكعك والتمر والغناء.. كان الخليفة يريد بوضعه مع الدب أنْ يغيظه، فبلغه ما حدث معه، فقال: إذن لم نستفد شيئًا! فقال له أحدهم: يا مولانا الخليفة، ضع معه في السجن دُبًّا مِن بني آدم، فالدبُّ الحيواني يُعاشَر أما الدب الإنساني -فنسأل الله العافية- “تحاكيه في الشرق فيحاكيك في الغرب” [تُكَلِّمه بموضوع فيكلمك في موضوع آخر]، إنْ قلتَ له: هذه عمامة يقول لك: هذا بطيخ، والدبُّ إنْ قلت له: هذه بطيخة يأكلها، ضع له العمامة فإنه يشمُّها ولا يأكلها، يفهم أن هذه لا تؤكل بينما البطيخة تؤكل، أمَّا هذا فيرمي العمامة، ويضع البطيخة على رأسه، فلا انتفع مِن العِمامة ولا مِن البطيخة.. قال: فأحضروا له شخصًا أعرابيًّا مِن البادية أو الجبال، وأخرجوه من البئر، ووضعوه في سجن عادي، ووضعوا هذا الرجل معه.. وصار الدُّبُّ المسكين يبكي عليه حين أخرجوه، وهو صار يبكي على الدب، لأن بعض الناس صحبة الدبب أفضل مِن صحبتهم وأسلم وأذكى وأكثر سُرُوراً.. نعوذ بالله مِن الإنسان الدبِّ ومِن الحمار من بني آدم الذي ليس له ذيل، وليس له أذنان طويلتان، أمَّا الحمار الذي له أذنان طويلتان وذنب فكلُّه نفعٌ، فهل سمعت عن حمار يغتاب حمارًا أو يسبّه أو يحسده؟ ومهما سببتَه وشتمته لا ترى منه إلا الحِلم وحُسن الأخلاق، وإذا ضربتَه هل يسبُّك؟ بل يقول لك: سمعًا وطاعة! ولا يقول لك: لماذا تضربني؟ وكما تريد أن تسوقه يُساق.. يقولون عن هذا حمار! وأما الإنسان الذي يأمره الله فلا يُطيعه، وينهاه فيُقدِم على معصيته، ويهدده بجهنم فلا يفهم، فمِن منهما الحمار؟ وإذا قلتَ له: “يا حمار” فقد شرَّفته وكرَّمته.. قل عنه: حمار الإنسان، وليس حمار الحيوان.

فأحضروا هذا الرجل ووضعوه مع أبي نواس، فقال في نفسه: الحمد لله كنا مع الحيوان، والآن مع ابن آدم ويُمكن أنْ نتفاهم، فصار يُنشِد له الأشعار فيبكي، ويذكر له القصص الظريفة فيبكي، ويقرأ له القرآن فيبكي، ويروي له الأحاديث النبوية فيبكي.. وإذا جلس الإنسان مع الذي فيه كآبة يكتئب ومع الحزين يحزن، ومع المصاب تُؤثِّر فيه مصيبته، فقال له: لقد قتلتَني، وما تركتُ لك شيئاً كي أُحَرِّكك، وعلينا أن نُمضِيَ الوقت ونتسلى ونُسَرّ وأنتَ تبكي، فقال هذا البدويُّ: كل هذا البكاء الذي أبكيه بسببك أنتَ، وأنت الذي تدخل على قلبي الهم والحَزَن، قال: لِمَ؟ قال: لأنني كان لي تَيْس لحيته مثل لحيتك، وقد مات -رحمه الله- منذ زمن، وكلما تكلَّمتَ وحَرَّكتَ لحيتك بالكلام أتذكَّر التيس وأتذكَّر مصيبتي، فأبكي على ما فقدتُ مِن خيرٍ ونعمةٍ.. فصار أبو نواس يصرخ ويستغيث لينقذوه مِن مصيبته.. وهذا إذا كان الدب الإنسان أو الإنسان الدب أو الإنسان الحمار أو الحمار الإنسان، ولذلك قال تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18].

الحيوان يتربى والإنسان لا يتربى بسبب فقد المربي:

كان عندي أحد السفراء منذ يومين، وهو سفير البرازيل، وكنتُ أتكلَّم معه عن الإسلام والعلم والحكمة والسلام والإخاء، فقال لي: هل يمكن بهذا العصر أن يكون الناس على هذا الشيء الذي تدعو إليه؟ قلتُ له: لماذا لا يكون؟ في هذا العصر يأتون بالدبِّ ويُركبونه على درَّاجة فيقودها، أفلا نستطيع أن نُفهم بني آدم الحكمة والإخاء والحبَّ حتى يصير السلام العالمي والإخاء العالمي؟ إن الحيَّة والفهد والأسد يصيرون مهذَّبين، حتى إن الطفل والمرأة يجعلونهم لعبةً لهم، وهؤلاء تغيَّرت طباعهم بالتربية والتعليم، فهل الإنسان أشدُّ غباءً وأصعب قابليةً للفضائل مِن الأسد ومِن الدب والثعبان؟

لكننا فاقدون للمربي المعلم الحكيم، فعلينا أن نرجع إلى القرآن، لكن مع أستاذه، فالطائرة بدون طيَّار ماذا تفيد؟ هل تنقلك مسافة كيلومتر واحد؟ حتى الطائرة “بوينغ”، أو التي تطير بسرعة الصوت -اسمها “كونكورد”- إذا كانت بلا طيَّار فالحمار أفضل منها، والدراجة الهوائية أفضل منها، فهي تحتاج إلى طيَّارها.. فالإسلام فاقدٌ لمعلِّمه، والمعلِّم لا يعلِّمك اللفظ فقط، فالآلة الجامدة وشريط التسجيل يحفظ القرآن مِن مرة واحدة ويُسمِعُه بالتجويد وبأحسن الأنغام وأعذبها، ويكرِّره كما سمعه مِن مرة واحدة، وأنتَ كم مرة تحتاج لتحفظ القرآن؟ وهل يكون نغمك مثل أنغام مصطفى إسماعيل أو غيره؟ فإذا كان القرآن لفظاً ونطقاً فشريط التسجيل يقوم بهذا العمل ويؤدِّيه أحسن الأداء، ولكن القرآن للفهم والعلم والعمل والتخلُّق والسلوك، ثم تنتقل لتُعلِّمَ الآخرين بأعمالك وأخلاقك وإخلاصك وتقواك وسلوكك، تعلِّمهم لا بآذانهم بل بآذانهم وأعينهم، وأعظم مِن ذلك أنْ تعلِّمهم مِن قلبك المملوء نورًا وقوةً روحيةً قدسيةً تلقِّح بها أرواحهم، حتى تنتقل مِن أرواحٍ منجَّسة إلى أرواحٍ مقدَّسة، وترتفع عن كلِّ قاذورات الأخلاق، وترتفع عن كل قاذورات الصفات والأعمال وتتزكَّى، وما هي التزكية؟ التزكية هي أنْ تنتقل مِن الكذب إلى الصدق، ومِن الخيانة إلى الأمانة، ومِن لغو الكلام ولغو الأعمال ولغو الأوقات بأن تُسرِف الوقت لغوًا بلا فائدة إلى الوقت المنتج وإلى القول النافع وإلى الاستماع المفيد، وهذه صفةٌ مِن صفات خريج مدرسة القرآن.

القرآن سبب نصر المسلمين:

هذا القرآن كتابٌ واحد، ولم يكن مجموعًا في كتابٍ، كان مكتوبًا على الأحجار، وعلى أوراق النخيل وعلى عظام الحيوانات، وكان الصحابة منهم مَن يحفظ عشر آيات وعشرين آية وسورة وسورتين.. وبهذه المدرسة كانت معركة القادسية التي قضت على الاستعمار الشرقي الفارسي بأربعة أيام، وعلى الاستعمار الغربي في اليرموك بستة أيام، فعشرة أيام مِن أيامهم تساوي كم سنة مِن سنين أجيالنا وعصرنا؟ ونحن كم نحتاج لنهزم الغرب بما فيه إسرائيل؟ كم يومًا؟ وكم سنةً؟ وكم قرنًا إذا بقينا على ما نحن عليه؟ وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، بالنوايا وبالنية يُعطي الله عز وجل ويمنع، وبالنية ينصر ويهزم.

النمل أحسّ بخيانة الشريك:

يقال: إن شريكين بالتجارة كانوا متشارِكَين، فأتى أحدهما إلى شريكه وقال له: أرجوك أريد أنْ نفكَّ الشراكة، فقال: لماذا؟ قال: على كل حال فإن الأفضل أن يعمل كل واحد منا بنفسه، قال: لا يمكن إلا أن تخبرني عن السبب، فإن صدر مني خطأ أرجع عن خطئي، وإذا أذنبت معك أتوب مِن ذنبي، قال: واللهِ أنا لم أَرَ منك شيئًا، قال له: لكن لماذا؟ قال له: رأيتُ شيئًا يدلُّ على شيءٍ آخر، قال: وما هو؟ قال: كان النمل قبل هذا الأسبوع يأتي بالقمح من خارج مستودعنا ويضعه في مستودعنا، ولكن صرتُ أرى النمل من بضعة أيام يخرج القمح من مستودعنا ويضعه في مستودع آخر، والسبب أنه رأى أننا لسنا أُمناء مع بعضنا، لذلك خاف على قمحه أن يضيع فصار ينقله، فإمَّا أنني فعلتُ معك شيئًا غير مستقيم، أو أنتَ فعلتَ شيئًا، قال له: فراستك صادقة، وأنا المذنب المخطئ.. والنمل مع أنه حيوان إلا أنه يعلم أشياء لا يعلمها الإنسان، فيعلم مثلاً نزول المطر قبل نزوله، يكون قد أخرج حبوبه خارج العُشّ، فيشمَّ رائحة المطر، فيُدخِل حبوبه إلى المستودعات ويُغلِق الأبواب قبل يوم أو يومين من هطوله.. قال له: الحقُّ معك، لقد جاءتنا سلة بيض مِن الشراكة، فقسمتُها نصفين، فانتقيتُ البيض الكبير لنفسي، وأرسلتُ الصغير لبيتك.. فهل هذه أمانةٌ أم خيانة؟ وهل هذا إخلاصٌ في الشراكة أم عدم الأمانة في الشراكة؟

قصة شريك في الربح بالنِّيَّة:

سمعتُ مِن شيخنا رضي الله عنه -وأنا في أول شبابي- عن شخص كان رجلًا كبيرًا في السِّن، يذكر له عن تربيتهم الأخلاقية، لكن كانت تربيتهم العقلية والعلمية متخلِّفة، فلا يصح أخلاقٌ بلا علمٍ، ولا علمٌ بلا أخلاق، ولا قوةٌ بلا علم وبلا أخلاق، والإسلام قوةٌ وعلمٌ وأخلاق، فيكون المسلم مَلَكًا في النفس والروح والأخلاق، وجبَّارًا على أعداء الله بالقوة، وعالِمًا لا يجهل شيئًا مما يجب أنْ يعمله ويحقِّق له السعادة.

قال له هذا الرجل: يا شيخي، لي شريك كنا نشتري الخيول العجفاء المريضة ونربيها في الجولان ونأخذها إلى مصر، ونتاجر بها ونربح، فأتى شريكه على حسب العادة وقال له: أنا في هذه السنة ليس عندي فراغ لأشتغل، فاستدان الشريك الآخر واشترى الخيل وربَّاها في الجولان وسمنتْ وأخذها إلى مصر ورجع، وأتى إلى شريكه الذي لم يقدِّم رأس المال ولم يشاركه، جاء إلى بيته وزاره، وبعد أنْ قدَّم له القهوة.. قال: يا شيخي قدَّم لي مئة ليرة ذهبية.. فقال له: ما هذه؟ قال له: هذه حصَّتك مِن ربح الشراكة التي اشترينا بها الخيل التي أخذتُها إلى مصر، قال له: أنا لم أشاركك، ولا دفعتُ لك المال، فمِن أين الشراكة؟ قال له: أنا نويتُ في قلبي وفي نفسي أنك أنتَ شريكي في الربح، والله أربحني مئتي ليرة ذهبية، ولذلك أنا لا أغيِّر نيَّتي، وهذه حصتك، قال له: ولو خسرتَ؟ قال له: لو خسرتُ لا أُلزِمك بشيء، لأن هذا تبرُّع مني.

فرحم الله مَن ربَّاهم وربَّى نفوسهم وأخلاقهم، لكن الأخلاق وحدها لا تكفي، فالغنمة لا يوجد أحسن مِن أخلاقها، لكن لعدم وجود القوة عندها تكون لقمة وطُعْمَةً للذئاب

وَمَنْ لَم يَذُدْ عَن حَوضِهِ بِسِلاحِهِ يُهَدَّمْ وَمَنْ لَا يَظلِمِ النَّاسَ يُظلَمِ

[يجدر التنويه عند بيت الشعر هذا لمن لا يعرف الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله أن الشيخ يستشهد بالشطر الأول من البيت، وهذا ما يُقِرّه، وأما قوله: “ومن لا يظلِم الناسَ يُظلَم” فلا يوافق عليه أبداً، ولا يُقِرّ الظلم بأي شكل من الأشكال، وهو دائماً يحارب الظلم ويوضح مصير الظالمين، لكنه أتى بالشطر الثاني من البيت تكملة لبيت الشعر فقط.]

والآن العالَم العربي والعالَم الإسلامي منذ خمسين سنة مع إسرائيل، لماذا كلُّ هذه المعارك والتضحيات بالأرواح والمهج والمنشآت؟ ولماذا لم ننتصر؟ لأن القرآن مهجورٌ، وليس مهجورًا تلاوةً، ولا مهجورًا قراءةً، ولا مهجورًا بأنْ نجعله مغنًى نتغنَّى به، بل مهجورٌ تعلُّمُه وتعلُّمُ علومه، مهجورٌ مصنعُه ومَعِدتُه العقليةُ للعلم والفهم، والقلبيةُ للإيمان الذي يُثمِر العمل، ولذلك نقرأه بأعينٍ ميتة، ونسمعه بعقولٍ ميتة وبقلوبٍ ميتة.

ومهما صلَّينا الصلاة الجسدية، ومهما تَلَونا القرآن التلاوة اللسانية، فإننا ما لم نتلوه تلاوة العمل والعلم والفهم والقلب والنور والروح فنحن كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الأنعام:25] والله تعالى يقول: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ [يونس:42]، الأذن تسمع الصوت والكلمة، لكن هل سمع القلب؟ ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] النبي ﷺ ما كان يذهب إلى المقابر ويُلقي المواعظ على الأموات، ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [النمل:80] هل كان النبي ﷺ يجمع الصُّمَّ، ويلقي عليهم المحاضرات؟ لا، فهم لا يسمعون، ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ [النمل:81] إذا كان هناك ضالٌّ في الطريق وهو أعمى وقلت له: إن الطريق كذا، فهل يرى الطريق حتى يسلكه؟ ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [النمل:81] فالإيمان الحقيقي بالآيات يُثمِر العمل بها، فإذا أدخلتَ إصبعك في النار ماذا يثمر إدخال الإصبع في النار؟ الاحتراق، وإذا كنتَ عطشانًا وشربتَ كأسًا مِن الماء ماذا يُنتِج شربك للماء؟ إذهاب العطش وحصول الريِّ، وأيضًا ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [النمل:81] والإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولا بالادِّعاء ولا بالألفاظ: ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي))، يعني بالحلْيَة كأن تضع العمامة، وتلبس الجبة، وتطيل اللحية، يعني بالشكل، فهو ليس بالتَّشَكّل، ((وَلَكِنَّ الإِيمَانَ مَا وَقَرَ في الْقَلْبِ)) 14 ، فحين تؤمن أنَّ هذه أفعى يستقرُّ الإيمان في قلبك، وماذا يُثمِر هذا الإيمان؟ هل يُثمِر وضعها في حِجرك بين قميصك وجلدك أم أنك تأتي بعصا وتقتلها أو تفرَّ منها وتبتعد عنها؟ لأن الإيمان بها وقر في القلب، وإذا وقر في القلب صدَّقه العمل.

مهمة المسجد صناعة الإنسان:

المساجد اليوم عامرةٌ بالجدران والسقوف والثُّرَيَّات والسُّجَّاد، [الثُّرَيَّات: جمع ثُرَيا، وهي مجموعة الأضواء التي تُزَيَن بها المباني كالمساجد والقصور والبيوت وتتدلى من السقف] لكنها خَرِبةٌ مِن العلم ومِن الحكمة ومِن تزكية النفوس، والمسجد مصنعٌ يُؤتى إليه بالعقل [ويكون صغيراً] كنواة وبذرة فيحوِّل المربي الحكيم المزكي هذه النواة إلى نخلةٍ، ويحوِّل بذرة التين الصغيرة التي كرأس الدبوس إلى شجرةٍ ودوحةٍ، كما حوَّل مسجد النبي ﷺ الصحابة، وهل حولَّهم بجدرانه؟ كانت جدرانه من لَبِنٍ بلا طين وأرضه ترابٌ، وكانوا يسجدون على التراب في عهد النبي ﷺ وخلافة أبي بكر رضي الله عنه حتى صار الإسلام في غنًى وبحبوحة في عهد عمر رضي الله عنه، ففرش المسجد، وكان سقفه مِن جريد النخل، وهذا المسجد المتواضِعُ بُنيانًا الشامخُ العظيم علمًا وحكمةً وتربيةً ورجالًا عظامًا، هذا المسجد يعني شيخه، يعني إمامه وخطيبه، ومَن الذي كان إمام المسجد وخطيبه؟ النبي ﷺ، ومَن هو النبي ﷺ؟ هو بحر العلم، وبحر الحكمة، وقوةُ وتيارُ التزكية، فصنع مِن أناسٍ لا تعرفهم الأمم خير أمة أخرجت للناس.

لقد كانت سورية؛ بلاد الشام لا تتكلَّم مدنها إلا باليونانية، ومصر كانت لغتها القبطية، وشمال أفريقيا كانوا يتكلمون البربرية، فمَن خلق وصنع العروبة حتى وصلتْ إلى البحر الأطلسي والخليج؟ الإسلام، وقد صنع ذلك بمهندس الإسلام، والآن يوجد مسجد، ولكن لا يوجد به رَجُله، ويوجد قرآن وليس فيه معلمه، ويوجد إسلام ولا يوجد مَن يحوِّله مِن كلمات إلى أعمالٍ وسلوكٍ وعقلٍ حكيمٍ، فإذا دخل في قضيةٍ لا يخرج منها إلا ناجحًا مظفَّرًا منتصِرًا: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] الإيمان القائم على العلم وعلى الحكمة والأخلاق وعلى تزكية النفوس، أمَّا إيمان الادِّعاء وإيمان القول والتمني فقد قال تعالى عنه: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123].

ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب:

اجتمع مرة بعض الصحابة مع فئةٍ مِن اليهود، وقالوا: نحن أولى بالجنة منكم، لأن دِيننا جديدٌ، ودِينكم قديم، فقال لهم اليهود: نحن ندخل الجنة لأن دِينكم بدعة وحادثٌ، صغير وابن سنتين، ودِيننا عمره مئات السنين.. وهذا كلام الأطفال.. فأنزل الله في شأنهما أنَّ دخول الجنة: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] ليس بالأماني والانتساب والألقاب، فإن لقَّبتَ نفسك ملكًا أو رئيس جمهورية أو إمبراطورًا أو مليارديرًا وأنتَ بقميصٍ بلا سروال، فما هذا الإمبراطور وما هذا الملياردير؟ ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123] فلا يصح الإيمان وأنتَ سيء الأعمال وسيء الأخلاق وسيء العقل، وتقول عن الأبيض: أسود، وعن الأحمر أخضر، فهل أنتَ مؤمنٌ؟ المؤمن هو الإنسان الكامل علمًا وخُلُقًا وروحًا وحكمةً، هذا هو الإيمان! والإيمان بهذا المعنى، فحين يقول تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] صدق الله العظيم؟ هل صدق؟ الآن نحن حين نقرؤها ولا ينصرنا، ونزداد في التراجع، كأنَّ أحدنا يقول: “كذب الله العظيم”، لأنه يقول: إنه ينصر المؤمنين وأنتم مؤمنون ولكن لم تنتصروا، فإمَّا أنكم أنتم كاذبون.. أو هل الله يكذب؟ هل هو جاهل؟ فعلينا أنْ نتوب إلى الله توبةً نصوحًا، ونعزم العزم الأكيد على أنْ يكون أحدنا مسلمًا حقًّا ومسلمةً حقًّا.

المعلمون أربعة:

من أين يبدأ الإسلام ومِن أين يبدأ كلُّ شيء؟ يبدأ مِن المعلِّم، وقيل: المعلم أربعة: الأول الأستاذ المربي الحكيم المزكي، والمعلم الثاني هو الكتاب، فإن كان عندك وقت فارغ وأنتَ وحدك فليكن كتابك معك.. وأنا في السيارة عندي مكتبة، وفي الليل هناك ضوءٌ خاصٌّ في السيارة، وحتى لو كان الوقت ليلاً فإني أفتح الكتاب أو المصحف، لا أضيِّع وقتي، وعلى الدراجة الهوائية [التي أستخدمها للرياضة] أقرأ جزءًا أو جزئين، ولا أضيِّع مِن حياتي ومِن عمري دقيقةً واحدةً إلا أنْ آخذ مقابلها عملًا نافعًا في دنياي أو في دِيني، والمعلم الثالث هو الرفيق والصديق والجليس، فالذي صار حشَّاشًا مِن أين أخذ التحشيش؟ مِن الرفيق والجليس والصديق، والفحمُ الأسود ممَّ يصير متوقِّدًا وملتهبًا ومشعًّا؟ حين يصحب الفحم المتَّقد، فبالصحبة والمجالسة تسري صفات المشتعل الملتهب إلى الأسود البارد الجامد، والحليب كيف يتحوَّل إلى لبنٍ رائبٍ؟ وعاءٌ فيه عشر كيلوات مِن الحليب يوضع فيه ملعقتان مِن اللبن الرائب، وبصحبة ساعة أو ساعتين يصير كلُّه لبنًا رائبًا، ولذلك كان النبي ﷺ يقول: ((الْجَلِيسُ الصَّالِحُ كَحَامِلِ الْمِسْكِ)) 15 ، لو كان أبوك غير صالحٍ فلا تُجاِلسه إلا بمقدار ما تؤدِّي إليه حقَّه الذي فرضه الله تعالى عليك، أمَّا إذا كان يشرب الخمر فهل تجلس معه؟ أو إذا كان يحشِّش، وإذا كان كلامه غِيبة ونميمة ومخالف للشرع، حتى وإنْ كان أباك وكان مجلسه مجلس معصية فلا تجلس معه، ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68] أليس هذا إسلامًا؟ حين تجلس في سهرةٍ أو جلسة مع أصحابك أو أقاربك أو رفاقك فهل هذا الإسلام يكون معك؟ إذا كنتَ مسلمًا حقيقيًا فسيكون معك بكلِّ أجزائه، وهذه الآية أليس لها وجود؟ ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:45]، ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِ [الأنعام:68]، ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140] وإنْ تستمروا على المجالسة ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140].

والأستاذ الرابع هو الزمن والدهر، فمَن لم يربِّه أستاذٌ، ولم يربِّه كتابٌ، ولم يستفد مِن الجليس الصالح فالزمان سيتولَّى تربيته، وهو أقسى الأساتذة تربيةً وقسوةً وغلظةً، فأيها تختار؟ نختار الثلاثة: المعلم الأستاذ والكتاب الأستاذ والجليس الصالح الأستاذ، ونتجنب قُرَناء السوء، ولو كانوا كما قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مِن المواددة والحب ﴿مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الذي يُعادي الله والنبي ﷺ، والذي يُعادي شرعه بأعماله وأقواله لا يمكن لمؤمن -كما قال تعالى- أن يُوَادِدَه ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ فالذي يحمل هذه الصفات، فيبتعد عن كل مَن يُحادد الله تعالى ورسوله ﷺ، ولو كان أقرب الناس إليه نسبًا وحسبًا، قال: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:22] ليس المهم الإيمان باللسان، بل المهم أن يكون الإيمان مكتوبًا في القلب، ويُثمِر العمل والسلوك والاستجابة لأوامر الله تعالى، لا أنْ تدَّعي الإيمان ولو صلَّيتَ وصُمتَ وحججتَ.

إذا حَجَجْتَ بمالٍ أَصلُهُ سُحُتٌ فَما حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ العِيرُ

فالحَجَّة للجمل، وبدل أنْ نقول لك: يا حاج محمد، يجب أن نقول له: يا حاج جمل، فالحَجُّة للجمل، لأن مالك حرامٌ، وذهبتَ إلى الحج [وأمضيت الوقت] لغوًا وإثمًا ومعاصي، ولذلك فإنه لا يجوز أنْ يذهب الإنسان إلى الحج بلا الشيخ العالِم المربي الحكيم، وإن صلّى بلا معلم تُضرَب الصلاة في وجهه، فصلاته تُوزن يوم القيامة، فإذا كانت تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وكانت تنقله مِن الهلوع والجزوع والمنوع إلى المؤمن الكامل السخيِّ المقدام على الفضائل ولو فيها تَلَفُه، فهذا هو المصلِّي، وهذه الصلاة المقبولة، وهذه الصلاة التي أرادها الله تعالى والتي أمر بها ودعا إليها.

إذا حَجَجْتَ بمالٍ أَصلُهُ سُحُتٌ فَما حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ العِيرُ
لَا يَقبَلُ اللهُ إلَّا كُلَّ خَالِصَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيتَ اللهِ مَبرُورُ

حَجُّك مبرور وسعيك مشكور، ولكن كيف إذا كان مِن حرام، مع سَبِّ الدِّين وكلام اللغو؟ [يَذكر الشيخ مسألة سبّ الدين، لأنها انتشرت بكثرة في بلاد الشام عامة، وليس في سوريا فقط، حتى صارت عند بعض الناس مجرد كلام عادي مقبول، ودخلت في أحاديثهم اليومية.. نسأل الله اللطف والعفو والعافية وأن يردنا جميعاً إلى دينه] في عرفات شاهدتُ الناس بعيني، يجتمعون على شرب الشاي وشرب “الأركيلة” [النرجيلة أو الشيشة] والكلام الفارغ، وهذا لا يجوز! وهذا لأن المسلم لا يعرف مَن هو المعلم، ولا قيمته ولا تقديره ولا تقييمه، وإنَّ حياتك لا تكون حياةً إذا لم يكن لك المعلم الحكيم المربي المزكي، فأنتَ إنسانٌ خام، وإنسان حيوان لا تعرف إلا ما يعرفه الحيوان، والحيوان لا يعرف إلا حياته الجسدية ومصلحته الجسدية من أكل وشرب ونكاح، وإذا الشمس كانت حارَّةً يأوي إلى الظلِّ، وإذا أتاه عدوٌّ يفرُّ مِن وجهه، وإذا أتى صاحبه بعَلَفه يُقبِل عليه، وقد يستقبله الحمار بموَّال مِثل موال عبد الوهاب، [المَوَّال: أغنية يغنيها مغنٍّ واحد عادة، وعبد الوهاب: مغنٍّ مصري كانت شهرته واسعة في أواخر القرن العشرين] يعني مرحبًا وأهلًا وسهلًا بالذي جاءنا.

بالإسلام صاروا خير أمة أخرجت للناس:

ثم ذكر الله تعالى ثمودًا قوم صالح.. ولقد صار عبدة الأوثان بمدرسة القرآن وبأستاذ القرآن عظماء أهل الدنيا: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] وبماذا؟ هل لأنهم عرب؟ لا، وهل لأنهم كانوا في عصر النبي ﷺ؟ أبو جهل كان في عصر النبي ﷺ، وهل لأنهم رأوا النبي ﷺ؟ أبو لهب رأى النبي ﷺ، وكان عمَّ النبي ﷺ أيضًا، واللهُ تعالى ما ذَكَر كافرًا في القرآن مِن كفَّار قريش إلا عمَّ النبي ﷺ وامرأة عمه، لأنه إذا كان كافرًا وقريبًا يكون إيذاؤه أشدَّ، فكان إذا جلس النبي ﷺ بمجلسٍ، أو أتاه وفد ليُبَلِّغهم الإسلام كان أبو لهب يجلس وراءه ويقول: “لا تصدِّقوه فإنه مجنون” 16 .. يا الله! ما هذا العمى! وما هذا الشقاء! وما هذه التعاسة! الناس تأتي إليه من أقصى جزيرة العرب مؤمنِين مصدِّقين ويملأ النبي ﷺ قلوبهم حبًّا وعَظَمة، وكان عمه الذي هو مِن دمه ولحمه يقول مِن خلفه: لا تصدِّقوه فإنه مجنون يُهْذِي 17 .

والخنفساء إذا وضعت لها رائحة طيبة ماذا يحدث لها؟ تموت، وأين تنتعش؟ إذا وضعتها في مزبلة فيها روث جديد، تراها مباشرة تُكَوِّم “الزُبْل” [الروث] وتجعله كرات صغيرة، وتدفعه بأنفها إلى بيت المؤونة عندها، وأيضًا القطط إذا أردتَ أن تبعدها عنك فضع لها رائحة طيبة على أنفها، فإنها ستهرب إلى عشِّ الفئران والجرذان: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26].

﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:22] لم يقولوا: آمنا، وهم لا يؤمنون: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، والمؤمنون هم الذين قال تعالى عنهم: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22]، هذا بالصحبة، وأيُّ صحبة؟ ليست صحبة الجسد للجسد، بل صحبة الروح للروح، فإذا كانت ليلة عرسك، وأنت تحب زوجتك، وذهبتَ إلى السوق فروحك وعقلك أين يكونان؟ ولو نمتَ ماذا ترى في المنام؟ هذا “كتب في قلوبهم الإيمان”.. وهذا يكون بالتوبة الصادقة، وبالعهد مع المربي، والعهد بتقوية العزيمة والإرادة على الاستقامة في الطريق إلى الإسلام الحقيقي علمًا وعملًا وإيمانًا قلبيًّا وروحًا قدسيةً، وإلا فإنك لا تكون مهندسًا بلا معلِّم ولا مدرِّب، ولا تكون سائق طائرة ولا سائق دراجة بلا معلِّم وبلا مدرِّب، ولا تصير سبَّاحًا بلا معلِّم ولا مدرِّب، فكيف تريد أن تكون مسلمًا بلا معلم ولا مربٍّ؟ وتكون كأولئك الذين عملوا في حياتهم وسجَّلوا في التاريخ أعظم عملٍ قام به البشر؟ فبخمسين سنة -كما يقول نابليون- وحَّدوا نصف العالَم القديم.

وقد سألتُ إخوانكم المسلمين في الصين حين كنتُ عندهم في السنة الماضية: ما تاريخ وصول الإسلام إليكم؟ قالوا: في خلافة عثمان رضي الله عنه، وفي خلافة عثمان رضي الله عنه أيضًا نزل جيش المسلمين في إسبانيا، لكن نزول استكشاف لا نزول استقرار، وما كان نزولَ استعمارٍ وتسلُّطٍ ونهبٍ وسلبٍ وعدوانٍ على الإنسان.. وعندما دخل الجيش الإسلامي إلى سوريا كان الذي أعانه هم السوريون النصارى، فقد قاموا بثورةٍ ضد البيزنطيين الرومان، لأن البيزنطيين كان مذهبهم الأرثوذكسي، وكان عندهم تعصُّب مذهبيٌّ، فكانوا ضدَّ كل الطوائف المسيحية مِن الكاثوليك والآشوريين، ويصادرون كنائسهم وأوقافهم، فلمَّا عرفوا عدالة الحكم الإسلامي وحرية الدِّين كانوا مع العرب المسلمين ضد البيزنطيين الذين كان دِينهم مِن دِينهم، وهكذا في كل بلد يُحاصرونه يكون فيه الشعب مضطهَدًا مظلومًا مقهورًا، فلمَّا يأتي العرب الفاتحون وقد عرفوا عدلهم [يعاونونهم ويرحبون بهم]، فالعدالة للجميع والكرامة للإنسان.

مرَّت جنازة يهوديٍّ بالنبي ﷺ، فقام لها، قالوا: يا رسول الله إنه يهودي وتقوم لجنازته! قال: ((أَوَلَيسَ إنسَانًا؟)) 18 هذه حقوق الإنسان.. هو يهودي من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61]، لكن هل خرج عن إنسانيته؟ صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.. لذلك أكثِروا مِن ذِكر الله، واجعلوا صلاتَكم ذِكرًا، فحين تقول: “الله أكبر” اجعلها تخرج مِن قلبك، وقلبك مملوءٌ مِن عَظَمة الله تعالى وخشيته ونوره، وحين تقول: “سبحانك اللهم” لاحظ انعكاس نور الله في مرآة قلبك الصَّدِأَة، فكلمة “الله” إذا مرَّت على قلبك بالتكرار والاستدامة فإن صدأ المرآة سيزول، والغبار الذي على القلب يزول، وفي النهاية فهذا هو الإيمان وسينعكس نور الله تعالى في قلبك، وإذا استدمتَ فستنعكس حكمة الله في عقلك، وستنعكس أخلاق الله في مرآة نفسك، وهذا هو الإسلام! فهذا المجتمع وهذا الجيش وهذه الأمة كانت خير أمةٍ أُخرِجت للناس.

الإسلام قادم:

وهذه لحيتي! [كلمة شعبية تُقال لتأكيد الوعد، حيث يقبض القائل على لحيته ويقول: هذه ذقني! ونادراً ما نقول في العامية: هذه لحيتي!] -وهذا شيءٌ خارج عن الأسباب والعقل- إن هذه السنوات العشر الآتية ستكون عِزَّة الإسلام وانتشاره في العالَم، وهذه لحيتي! وقلت لكم في سنة الثمانين: هذه لحيتي! ستزول الشيوعية بعشر سنوات، ألا تتذكرون؟ [يجيب الحضور: نعم] وهل زالت في سنة التسعين؟ نعم زالت، وهكذا يقع في قلبي، لا من شيء، بل هكذا ألهمني الله تعالى، وبإذن الله ستكون الثانية مِثل الأولى، لكن هذا يحتاج إلى سعيٍ.. أتى رجلٌ إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له: جَرِبت جمالي، يعني أصيبت بداء الجرب، فادعُ الله لي، قال له: “اجعل مع الدعاء قطرانًا” 19 .. فيجب علينا أنْ نرجع إلى إسلام العلم وإسلام الحكمة والموعظة الحسنة وإسلام الترتيب، وأنْ نُخاطب الناس على قدر عقولهم.

وأنا جُبتُ العالَم كلَّه مِن أقصى شرقه إلى أقصى غربه مرورًا بالكرملين، واللهِ لقد كان نائب بريجنيف والنائب الثاني و”غْرُوْمِيْكُو” [سياسي رفيع في الاتحاد السوفييتي، تسلم وزارة الخارجية لعدة سنوات] كالأطفال بين يدي الإسلام، ورئيس جمهورية النمسا بعد جلسة ساعة نزل وودَّعني إلى الشارع وإلى السيارة، وأنا هذا الشيء -واللهِ- لا يُساوي عندي ولا مقدار حبة حمص أو حبة فول، لكن أقول لكم هذا لتعرفوا أنَّ الإسلام إذا أثبت وجوده بشيءٍ مِن الحقيقة فهو المنتصر.. ورئيس الأساقفة في أمريكا هكذا فعل، وودَّعني إلى الشارع، وكان لا يودَّع ضيفه إلا في صالونه [مكان الاجتماع عنده]، وقبَّل يد الإسلام أمام الجمهور ثلاث مرات.

فهل يجوز أنْ نملك هذه القوة التي تملك العقول وتملك القلوب وتُخضِع الجبابرة وأن نجهلها ولا نعرفها، ولا نعرف كيف نستعملها، ولا كيف نبعثها مِن مرقدها حيث رقدت في قلوبنا الميتة وعقولنا المتخلِّفة، أليس هذا حرامًا؟

اللهم اجعلنا مِن جنود القرآن، ونسأل الله أن يُعيد العرب والمسلمين إلى حقيقة القرآن والإسلام رعاةً ورعية وأفرادًا وشعوبًا، وأن يجعل هذه الرسالة السماوية تعمُّ العالم كلَّه، لأنها الرسالة التي تؤاخي بين الناس جميعًا في ظل الإيمان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

قولوا: آمين، اللهم ردَّنا وردَّ المسلمين وعبادك أجمعين إلى صراطك المستقيم ردًّا جميلًا، اللهم اجعلنا مِن الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، الدَّاعِين إليك وإلى كتابك وإلى دِينك بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نكون مع الناس أطبَّاء نُعالج أمراضهم القلبية والإيمانية والروحية والأخلاقية، ولا نكون قضاةً نحكم بقطع الرؤوس والأيدي.. الناس حاجتهم الآن إلى الأطباء لا إلى القضاة، ولَمَّا كان يأتي المجرم إلى النبي ﷺ، والنبي ﷺ هو رجل الدولة، وهو قاضٍ وطبيب، هل كان يُقابله بصفة القاضي أم بصفة الطبيب؟ قال له ماعز: زنيتُ فطهِّرني يا رسول الله، فقال له النبي الطبيب ﷺ: ((لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ لَامَستَ)) 20 عملًا بقوله: ((ادْرَؤُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهاتِ)) 21 ، ونحن فورًا نريد أنْ نقطع اليدَين والرؤوس، فهل هذا هو الإسلام؟ هل هكذا كان النبي ﷺ يعلِّم الإسلام بالفظاظة والغلاظة؟ ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، ((الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ)) 22 .

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  2. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (20782)، (10/323)، ومسند القضاعي، رقم: (1165)، (2/192)، موطأ مالك باب ما جاء في حسن الخلق: (5/1330)، بلفظ: ((إنَّما بُعِثْتُ مُعلِّمًا، إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ))، وهو في مسند أحمد، رقم: (8952)، (14/512)، بلفظ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالحَ الأَخْلاَقِ)). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم: (304)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، رقم: (250)، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
  4. شعب الإيمان، للبيهقي، رقم: (1663)، (2/253)، الضعفاء الكبير للعقيلي، رقم: (777)، (2/230)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (963)، (4/ 118)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)).
  5. الزهد لوكيع، رقم: (86)، ص: (311)، الزهد لأحمد بن حنبل، رقم: (846)، ص: (128)، بلفظ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1306)، (2/229)، عن أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، بلفظ: ((الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن لَا رَاحَة لمُؤْمِن دون لِقَاء الله عز وَجل)).
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: ﴿وكذلك أخذ ربك﴾، رقم: (4686)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، عن أبي موسى رضي الله عنه. صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَنْفَلِتْ)) ثم تلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾)).
  7. صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، رقم: (1804)، (2/ 673)، السنن الكبرى للنسائي، رقم: (3245)، (2/ 238)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)).
  8. المدخل لابن الحاج، (2/ 295)، بلفظ: ((قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقُولُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ ظَالِمٌ))، وفي إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد للمليباري ص: (174)، عن أنس رضي الله عنه موقوفًا عليه: بلفظ: ((رب تال للقرآن والقرآن يلعنه)).
  9. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11025)، (11/54)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مسند الشهاب القضاعي، رقم: (508)، (1/305)، معجم ابن الأعرابي، رقم: (1954)، (3/926)، عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه. بلفظ: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا».
  10. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (52)، (1/ 20)، ومسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم (1599)، (3/ 1219)، بلفظ: ((كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ))، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  12. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  13. مسند البزار، رقم: (3065)، (8/ 470)، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (5171)، (5/231)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1581)، (3/ 229)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلِكَ».
  14. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، (3/ 404)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، (6/ 163)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، (1/158)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفًا عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561) (4/921).
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5214)، (5/ 2104)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628)، (4/ 2026)، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)).
  16. تفسير القرطبي (20/216)، وتفسير الماوردي (6/364)، بلفظ: ((عن عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم ابو لهب فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له: أنت أعلم به منا فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر فيرجعون عنه ولا يلقونه)).
  17. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37720)، صحيح ابن خزيمة، رقم: (159)، بلفظ: ((عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا، وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيَهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلاَمُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ؟ قَالُوا: هَذَا عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ))، وفي تفسير القرطبي (20/216).
  18. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي، رقم: (1312)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، رقم: (961)، بلفظ: ((كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا))، عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنه.
  19. أخبار القضاة لوكيع البغدادي، (2/424)، دُرَرُ الحِكَمِ لأبي منصور الثعالبي ص: (39)، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصفهاني (1/37)، بلفظ: "مرّ الشعبيّ بإبل قد فشا فيها الجرب، فقال لصاحبها أما تداوي إبلك؟ فقال: "إن لنا عجوز نتكل على دعائها". فقال: "اجعل مع دعائها شيئاً من القطران".
  20. صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت، رقم: (6438)، (6/ 2502)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم (2129)، (1/238)، بلفظ: ((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ)).
  21. سنن الترمذي، أبواب الحدود، بَابُ مَا جَاءَ فِي دَرْءِ الحُدُودِ، رقم: (1424)، السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (17062)، (8/414)، حلية الأولياء، (5/311)، عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: ((ادْرَؤوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ)).
  22. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (5787)، (6/58)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7252)، (10/115)، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (9187)، (2/400)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
WhatsApp