تاريخ الدرس: 1992/10/23

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:33:19

سورة الحشر، الآيات: 18-21 / الدرس 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، وأفضلُ الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمَّدٍ خاتمِ النّبيينَ والمرسلين، وعلى أبيه سيّدِنا إبراهيمَ وعلى أخويهِ سيّدنا مُوسى وسيّدنا المسيح، وعلى أصحابِهِم وأتباعهم وأهليهِم ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وبعد:

القرآن مجمَعُ كُتُبِ الأديان الإبراهيمية الثلاثة:

نحن الآن في تفسير بعض آيات مِن سورة الحشر، وقد سبَقَ معَكُم بأنَّ كلمةَ الحشْرِ تَعنِي الجلاء والإخراج، والسُّورةُ تُشِيرُ بعنوانِها وبمضمونها إلى إجلاءِ النبيّ ﷺ وإخراجه لليهود مِن جزيرةِ العربِ، وذكَرَ الله عزَّ وجلَّ في السُّورة ﴿هو الذي أخرجَ، لم يقل: “الذين أُوتُوا الكتاب”؛ لم يقل: أَخرَجَ الذين أوتوا الكتاب”، لأنَّ الذين أوتُوا الكتابَ: أوتُوا التوراة والإنجيل علمًا وعملًا وأخلاقًا وسلوكًا هم موضعُ ثناء القرآن واحترامهم ومساواتهم بالمسلمين، كما قال الله تعالى: ﴿وإنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:199]، وفي آية أخرى، قال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [المائدة:68]، يَعنِي القرآن، فالقرآن مجمَعُ كُتُبِ الأديان الإبراهيمية الثلاثة، فمَن يَقرَأُ القرآن يَجِدُ في القرآن إبراهيم وموسى وداود وسُلَيمان وزكريّا ويَحيى والسَّيد المسيح ومحمّد عليهمّ الصّلاة والسّلام، ويجدُ في القرآن الكتب الثلاثة منقّحةً مجدَّدَة فيها العِلْمُ والحكمةُ، وفيها المنهاجُ الكامِلُ لِصُنعِ الإنسانِ الفاضِلِ والأسرة الفاضلَة، والمجتمع والوطن الفاضل والعالَم الفاضِل والدّولة الفاضلة، في ظلال شرائع السّماء التي أَتَى بها أنبياءُ الله ورسلُهُ.

فاليهود الذين أُجلُوا لم يعتبرهم القرآن مِن أهل الكتاب، لأنَّ التوراةَ تأمُرُ بالعدلِ، وتأمُرُ بأداءِ الأمانةِ وبالوفاء بالوعود وبالإخلاص للمجتمع وللوطنِ وللإنسانِ، فاليهودُ الذين كانُوا في المدينة نقَضُوا العهودَ وأثاروا كلَّ أعداءِ الرسالة الإسلامية التي هي مجمَعُ الأديانِ الثلاثة، وأثاروا الوثنيّينَ وحالفُوهُم ليَقضُوا على الإسلام الذي هو جامعة الأديان الإبراهيمية، فإذا كان هناك جامعة الأممِ المتحدّة والولايات المتّحدَة فالقرآن جامعةُ الأديان الإبراهيمية المتحدّة، وكما يقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ((مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ قومٍ بَنُوا دارًا فأكمَلُوهُ إلا موضِعَ لَبِنة، فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ)) 1

دعوة الإسلام إلى إيقاظ العقل:

لماذا خَتَم الله سبحانه الأنبياء بمحمّد ﷺ وبالإسلام؟ لأنّ النبواتِ السَّابقة كانَتْ تُقيمُ الحُجَجَ على أقوامِها وشعوبِها بخوارقِ العاداتِ وبالمعجزات، ولا تكتفي بالعقليّات والمنطقيّات والبراهين الإقناعيَة، فالإسلامُ لم يتحدَّ فرعونَ بِعَصا موسى ولا بِفَلْقِ البحرِ، وكان يقول: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:111]، ويقول: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون:117]، وقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:17]، يعني استعملُوا عقولَكُم، ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا [الأعراف:184] معناهُ استعمِلُوا تفكيرَكُم، أتعبد ﴿مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، فأرادَ الله بالإسلامِ أن تكونَ معجزتُهُ إيقاظَ العقلِ ليَعثُرَ على حقائق السَّماءِ وعلى قانونِ السَّماءِ وعلى عدالة السَّماءِ وعلى مساواةِ القانون السَّماويّ، وعلى فَرْضِيَّة السَّماء لِتعميم الثقافة ونَشْرِ العلومِ على كلِّ شعوبِ أهلِ الأرض.

وليس كما فعَلَ الاستعمار الغربيّ؛ حيث استعمَرَ الشُّعوبَ وبلدانَها وسدَّ في وجوهها أبوابَ العِلْمِ، ونهب ثرواتها واستذلَّ شعوبها، أمَّا الإسلامُ فقدَّمَ الثقافةَ والعدالة والمساواة، حتى كان النابغونَ في ميدانِ العِلْمِ والعلماء من الشُّعوبِ غيرِ العربية أكثرَ مِن العُلَماءِ في الشّعبِ العربيّ، فهل قامتْ فرنسا لَمّا دخلَتْ سوريا واستعمَرَتْ المستعمراتِ بجعل أفراد شعوبِها علماء كمثلِ علماءِ فَرنسا أو أزيَدَ مِن ذلك؟ فالفتحُ الإسلاميُّ لم يَكُنْ فتحًا استعماريًا، بل كان فتح تثقيفٍ وتآخٍ، ونقَلَ الناسَ مِن ضِيقِ الدُّنيا إلى سِعَتِها، ومِن الخرافة إلى الحقيقة، ومِن الجهالة إلى العلم، ولذلك ختَمَ الله به الأديان، وجعَلَ نبيَّهُ خاتم الأنبياء.

عزّ العرب بالإسلام:

فسورةُ الحشْرِ: هي سورة الإجلاء.. ولما كان العربُ في الانحطاط والتخلّف والوثنية والأميّة لم يكن يَذكرُهُم أحَدٌ مِن أممِ العالم، لأنَّهُم يَعيشونَ في الصَّحراء الْمُحرِقة، وكانوا يَموتُونَ جَوعًا إنْ لم تنزلِ الأمطار، ويَأكلونَ الجيَفَ، ويَأكلونَ الدَّم ويَطحنونَ العظْمَ ليَتَقَوَّتُوا بما يَحفَظُ عليهم وجودهم، وذلك بأقلّ ما يَكونُ مِن وجود، فأتى الإسلام للعروبَةِ فنفَخَ فيها مِن روحِهِ، ولم تمضِ مئة سنة -وفي أيّامِ الوليد وعمر بن عبد العزيز- حتى كانَتْ جيوشُ الفتحِ العلميّ وجيوش الفتحِ الثقافيّ وجيوش فتحِ التآخي العالميّ على أسوارِ الصّينِ وفي ضواحي باريس، هذا هو الإسلام لَمَّا كان روحَ العربِ والعروبةِ، وهكذا كان شأنُ العروبةِ والعربِ في عالم الوجود، ولَمّا بَعُدَ المسلمون عن الإسلام بروحِهِ وجوهرهِ وحقيقتِهِ صاروا شيَعًا يُقاتِلُ بعضُهُم بعضًا، وصارُوا في أُخرَياتِ الأمم ثقافًة وعِلْمًا وضَعفًا وامتهانًا.. ولو كان الإسلامُ الذي كان في زمَنِ الوليد وعمر بن عبد العزيز موجوداً في زمننا لكان هو وحدَه مجلِس الأمْنِ ورئيس الأممِ المتحدة، ولا بدَّ من أن يَعودَ الإسلامُ وذلك مِصداق قولِ الله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف:9]، ومصداق قولِ رسولِ الله ﷺ: ((سيَبلُغُ الإسلامَ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)) 2 .

توزيع الثروة على المجتمع كله:

وأُجليَ اليهود، ووزِّعَت الأراضي على الفقراء مِن المجتمع، وكان النبيّ ﷺ قد شارَكَ المهاجرينَ في أموال الأنصار مشاركةً مؤقّتة قبلَ أموالِ بني النَّضيرِ، فلَمّا حصلَ الفيء من بني النَّضيرِ خصَّصَه لفقراءِ المهاجرين، وردَّ للأنصار أموالَهُم التي قدَّمُوها لإخوانِهِم، فكان توزيعُ الثَّروةِ وتعميم الرّخاءِ على المجتمعِ، فلا غنيّ مُتخَم مِن كَثرةِ الأكلِ ولا جائع خاويَ الأمعاء مِن الفْقرِ والجوع، هذا هو الإسلام، وفي بِضْعِ سنين أو في خمس سنوات أمَّنَ الإسلامُ الرخاءَ للمجتمع، حتى قال خاتم النبيّين ﷺ: ((مَا آمَنَ بِي)) ساعةً مِن نهار ((مَنْ أمْسَى شبعان، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ)) 3 هذا هو التضامنُ الغذائيّ، والتّضامن العِلْمِيّ: العالِمُ يُعلِّمُ الجاهِل، والمهذَّبُ يُربِّي الفاسِق، والحاكم أجيرٌ في المجتمعِ لا أمير، دخَلَ أحَدُ الصَّحابة على معاوية، وقال له: “السَّلامُ عليكَ أيُّها الأجير”.

التقوى هي مقياس التفاضل في المجتمع الإسلامي:

يقولون “الدّيموقراطية”! في الديموقراطية إذا أرادُوا تشريعَ قانونٍ يُرجَّحُ رأيُ الأكثريَّة، فكان إجماع الصَّحابةِ على وجوبِ تحديدِ المهْرِ بخمس مئة درهمٍ، فقامَ صوتٌ واحدٌ وامرأةٌ واحدة، ويا ليتَه كان صوتَ رجلٍ! إذا قالوا إن المرأةَ نِصف رجلٍ ونصفُ صَوت! ولكن المرأةُ ليسَت نصفَ رجل، وإنما في الميراث لها نصفُ الميراث لأنّ الله سبحانه لم يُكلّفها بالإنفاق على بيتها وأسرتها وأولادِها، بل أعفاها مِن كلّ النفقات، ومقابل ذلك لا تَحتاجُ من الميراث كما يَحتاجُ إليه الرَّجلُ، أمّا في التفاضُل ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فهناك امرأةٌ خيرٌ مِن ألفِ رجلٍ ومن آلافِ الرجالِ، وألفُ رجلٍ لا يُساوونَ امرأةً ولا طفلًا.

((مرَّ مجنون على مجلس رسول الله ﷺ فقالوا: مجنونٌ، قال: لا تقولوا مجنون، قولوا مريضٌ، المجنونُ مَن يَعصِي الله)) 4 ، هل للمجنون نصفُ عقلٍ أم ربع عَقلٍ أم ليس فيه عقل؟ فإذا كان الذي يَعصِي الله ليس فيه عَقْلٌ، فإنّ المرأة التي بنصفِ عقلٍ أحسَن منهُ.. فهذه المرأة عارضَتْ عمرَ رضي الله عنه وأدركَ عقلُها الصَّوابَ دون عُمَر ودون كلّ الصّحابة رضي الله عنهم، ورجَعَ الكلُّ إلى فهمِها وعلمِها واستنباطِها ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ هذا قرآنٌ وليس حديثًا ضعيفًا أو مرسَلًا أو آحادًا، إنه قرآن! ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وإلى آخره.

وبعدَ أن ذَكَرَ الله سبحانه إجلاء النبيّ ﷺ لليهود وأنه حصَرهمَ وأخرَجَهم، ذَكَرَ المنافقينَ الذين كانوا يُظهِرونَ الإسلامَ، لكنّهم غيرُ مُخلِصين له؛ يُظهِرونَ أنَّهُم معَ النبيِّ ﷺ وهم في الخَفَاء يَعمَلُونَ ضدَّ رسالته، وهؤلاء يُسمَّونَ في عصرِنا الحاضر بالطابور الخامس [الشعب الذي يوافق العدو في فكره]، وكانُوا باطِنًا معَ أعداءِ العروبةِ والإسلامِ ومعَ أعداءِ الوطنِ والمجتمع ومع أعداء الأخلاق والفضيلة، فحمَّسُوهُم وقالوا: لا تخرجُوا، ﴿لئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ، ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وقال الله: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر: 11]، وانتهَى الأمْرُ بإجلاءِ بِني النَّضير.

نداء الله للمؤمن واستجابة المؤمن لله:

وبعد ذلك يقول الله تعالى -وهو مبدأُ درسِكُم هذا اليوم-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فعندما نسمع قول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهذا أولًا نداءٌ ويجب أن يُستجاب للمنادي، فإذا سمعتَ الله سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا كنتَ مؤمنًا تقول: لبيك اللهمّ لبيك، أنا عبدك، حاضرٌ بين يديك، بماذا تأمرُنِي حتى أمتثِلَ؟ ولأيّ شيء تهديني حتى أهتديَ؟ وعن ماذا تنهاني حتى أنتهي؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، [يجيب الحضور بصوت عال: لبيك اللهم لبيك!] فأنتَ أيضًا إذا قرأتَ القرآن أو سمعتَهُ في الراديو [استجب لنداء الله].. قال: “لم يُناد الله في القرآن نداءً إلا ويكون وراء النداء أمرٌ بخيرٍ أو نهي عن شَرّ”.. إمَّا دلالة على ما يُسعِدُكَ أو تحذيرٌ مما يُشقيكَ ويُهلِكُكَ.

من أراد لقب مسلم فعليه الانقياد لأوامر الله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18] التقوى هي امتثالُ أوامِرِ الله كلِّها في نفسِكَ وفي أسرتِكَ وفي مجتمعِكَ وفي الأمْرِ بالمعروف، إذا رأيت رجلًا تاركًا لواجب أو تاركاً فريضةً أو خُلُقاً فاضلاً تَرَكَه إلى خُلُقٍ معاكِسٍ فيَجبُ أن تأمُرَه بالمعروف، وأنتِ أيتها المسلمة يجبُ أن تأمُري تاركَة الصّلاة بالمعروف، لكن ((من أَمر بمعروف فَلْيَكُن أمره بِمَعْرُوف)) 5 ، فقد جَعَلَ الإسلام الشارعَ مدرسةً، فإذا رأى عالمٌ جاهلًا في الشّارع يُعلِّمُهُ ما يَجهَلُ بحسَبِ ما يُناسِبُ الموقف؛ في سَهرَةٍ أو ندوة أو نجوى أو في القطار أو في السيارة، وإذا رأى واجبًا متروكًا يأمر بأدائه، وإذا رأى منكَرًا ومحرَّمًا تُنْتَهَك به حرماتُ الله ينهى ويُبيّن ضرر الحرام.

وأنتَ أيّها المسلم: إذا أردتَ أن تأخُذَ لقَبَ مُسلِمٍ فاعلم أن كلمة “مسلم” تعني المنقادُ لأوامِرِ الله، فإذا امتثلتَ أوامِرَ الله في كلّ ما أمَرَ، وانتهيتَ عن كلّ ما نَهَى، وحرَّمْتَ على نفسِكَ ما حرَّمَهُ الله، وأوجبتَ على نفسِكَ وامتثلتَ ما أمر الله به، فأنت تقيٌّ وقد اتقَيت الله.. فالله سبحانه يَقول لنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ فأنتم قلتُم: “لبيكَ اللهمَّ لبيكَ”، يعني سنتقّي الله، فهل تُريدونَ أن تتقوا الله أم لا؟ أم تُريدونَ أن تكذبوا على الله؟ يعني إذا كذبتَ على الله عز وجل فأنت كما لو كنتَ عند الحدود [حدود الدولة] وقالوا لكَ: هل يوجَدُ معك هويّة؟ [بطاقة شخصية]، وقلتَ لهم: نعم، وكذبتَ، فإذا قالوا لك بعدَها: هاتِها ولم تخرجها فعليك جَزَاءان، جزاءُ اجتيازِ الحدود بلا هويةٍ وجواز، وعقوبةٌ ثانية بسبب الكذب على الدّولة وعلى المسؤولينَ على الأمن.

الإمارة للأعلم بالقرآن وليس للأكبر سناً:

فيا ترى هل أنتم مستعدِّون لامتثال أوامر الله كلّها في العبادات والمعاملات والأخلاق؟ في الرضا والغضب؟ في المصلحة وعدم المصلحة؟ في النُّصحِ والأمانة؟ علينا اجتناب الخيانة والغش والكذب، والتزام الصدق والأمانة، هذا معنى قول الله سبحانه: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ فهل أنتم تفهمون هذا عندما تقولون: لبيك وكما تريد؟ فأنتم تقولون كلاماً، فهل تَعُوْن ما تقولون وهل تقصدون أن تصدقوا فيما تجيبون؟.. كان المسلمُ في زمن الصحابة رضي الله عنهم يَعلو مقامهُ ويُقدَّمُ على غيره بمقدارِ حفظِهِ للقرآن، لأنَّهُم كانوا يَحفظون القرآن ويقرؤونَهُ عِلْمًا وعملًا وتعليمًا؛ ويَفهَم أحدهم ماذا يقول الله له، ويفهم أنه يأمرُهُ ليُنفّذ، ويَنهاهُ ليَجتنبَ، ويوصيهِ ليُنفّذ الوصية، ويَعهَدُ إليه ليقومَ بأداءِ العهد والميثاق.

لذلك أتى النبيَّ ﷺ وفدٌ يُريدُ أن يُرسِلَهُم في مهمة، فقام بعمَلِ فحصٍ لهم كفحص المقابلة، أيُّهُم أكثر حفظًا للقرآن، فأحدُهُم عشر آيات، والثاني عشرين، وآخر خمسة، وآخر لا يعرف، فكان أصغرُهُم سنًا أكثرَهم للقرآن حفظًا، فقال له النبيّ ﷺ: ((فأنت إذًا أميرُهُم)) 6 ، وقد يكون فيهم السَّادات والزُّعماء والكبراء، فكان العظيم عند النبيّ ﷺ والمقدَّم عندَهُ هو العالمُ العامِلُ الذي يَتمثَّلُ القرآن فيه أخلاقًا وأعمالًا وفهمًا وتعليمًا وإرشادًا، والسّنّ لا يُقدِّم ولا يُؤخّر.

ليس هناك أمة كرَّمت الإنسان كما كرمه الإسلام:

يقالُ إن إياس بن معاوية -فيما أظن، وكان مشهورًا بالذكاء في عصرِهِ وأذكى من تولّى القضاء- دخل على الخليفة على رأس وفدٍ، وكان لا يَتَجاوَزُ عمرهُ الثامنة عشرة -إن لم يكن أقلَّ- فلمّا دخَلَ كان هو أوَّلَهُم، فلمَّا صار الكلامُ لهم كان هو المتكلِّم فيهم مع الخليفة نيابةً عنهم، فاستغرَبَ الخليفة، ورأى أن فيهم الشُّيَّب وفيهم كبار السنّ، ويتكلَّم شابٌّ قريب من أن يكون أمرداً! قال له: كم عمرُكَ يا فتى؟ يعني كأنه يوبِّخُ الوفد، لأنهم لم يقدّموا إلا طفلًا حتى يكون هو المتكلّم عنهم، قال له: كم عمرُكَ يا فتَى؟ قال: عُمرِي يا أميرَ المؤمنينَ أكثر مِن عُمرِ أسامةَ بنِ زيد رضي الله عنهما لما ولاه النبي ﷺ على جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.. النبيّ ﷺ في مرضه الأخير الذي تُوفيَ فيه، وقد طهَّرَ الجزيرة العربية مِن الصهيونية بكلِّ أنواعِها، جهَّزَ جيشًا إلى بلادِ الشامّ وإلى سوريا وجعَلَ قائد الجيشِ ليس عبدَهُ بل ابن عبدِهِ، العبد بن العبد، لأنّ الإسلام أتَى لتحريرِ العبيد، وليس لِتحريرهم فقط، بل لتأميرِهِم وترشيحِهِم للقيادة ومِن جنودِهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.. فأيُّ أمّةٍ في القرن العاشر أو العشرين أو السّبعين كرّمت الإنسان -مهما حاولت- كما كرَّمَ الإسلامُ الإنسانَ؟ في كلّ آياتِ القرآن لا يُوجَد استرقاقٌ للعبيد، كلّ آيات القرآن فيها “فكُّ رقبَةٍ” و”عتق رقبة”، كل الآيات إذا ذكرَتِ العبيد لا تذكرُهُم إلا بوجوبِ تحريريهم والخلاص مِن ذلِّ عبوديَّتِهِم.. فقال له: “أنت جديرٌ بأن تكون رئيس الوفد وأنتَ المتكلّم والخطيب عنهم؛ تكلَّمْ يا فتى باركَ الله فيكَ”.

تقوى الله في اجتناب ما يُغضِبُ الله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ فإن كنا صادقينَ في “لبيك” وصادقين في القراءة فهمًا وعلمًا، علينا أن نَتقِي الله بلسانِنا؛ فلا نَتكلَّمُ بما يُغضِبُ الله؛ لا في كذب ولا غيبةٍ ولا نميمة ولا لعْنٍ ولا شَتمٍ، والنبيّ عليه الصّلاة والسَّلام يقول: ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ!)) 7 ، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] أنتَ أيّها المسلِم وأنتِ أيُّتها المسلمة: هل أنتِ مؤمنة بالقرآن؟ وهل آمنتِ بهذه الجملة من القرآن؟ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ليس عن المرأة فقط، غض البصر أيضًا عن أي شخصٍ سواء كان شريككَ أو أخاكَ أو جاركَ أو زميلكَ في الصنعة أو الحرفة، دائمًا يَصيرُ التحاسُدُ بين الأقران والأقارب، لا تنظُرْ إليه بِنَظَرِ الحاسد، ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ، وكم مِن غنيٍ أهلكَتْهُ ثروتُهُ في دينه ودنياهُ! ولكن أنتَ جِدّ واجتهد، وارضَ بما قسَمَهُ الله وكتبه لكَ، كما أنّه في نَفسِ الوقتِ جعَلَ الله التضامُنَ الحياتيّ بين الأغنياء والفقراء، كذلك فالغنيُّ عليه واجبٌ نحو أخيه الفقير، والفقير عليه واجب ألا يَحسُدَهُ بكلام يُؤذيه ولا بعملٍ يؤذيه، لأنه بحسَدِ الحاسَدِ لا يَصِلُ الحاسد إلى نعمة المحسود، وكلُّ ما في الأمر أنه يَمتلئ غيظًا وحزنًا وغمًّا وهمًّا، ويكون مذمومًا في الأرض وفي السّماء.

﴿اتَّقُوا اللَّهَ بآذانكم، فلا يجوز أن تسمع كَذِبَ كاذبٍ أو غيبةَ مُغتابٍ أو كلمة باطل، ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، قل لهم: حديثكم هذا حرام، أنتم تغتابون وتنمّون وتحتقرون الناس وتحسدون، أما أنا فمِن التقوى ﴿اتَّقُوا اللَّهَ أن أتقي الله في سمعي، فلا أُخطِئُ بسماعي لكلامِ كاذبٍ أو مُغتاب أو نمّام أو حاقد أو حاسد أو ظالم أو حاقد.. هذا معنى ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وفي آية: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] قال: ((أن تُطيعه فلا تعصيَه، وأن تشكرَه فلا تكفرَهُ، وأن تذكُرَه فلا تنساه)) 8 ، عندما تكون فقيرًا تقول “يا الله”! ولَمّا تصير غنيًا لا تعود لقول “يا الله”؟ لقد ذهبت منك “يا الله” [من الملاحظ في مجتمعنا أن الفقير المسكين يُكثِر من قول “يا الله”، ويقولها بصوت عال، فإن أراد أن يحمل شيئاً أو يضعه أو يدخل مكاناً أو يخرج يقول: يا الله، بينما لا تجد هذا عند الأغنياء إلا نادراً] تقول: “أنا” وبعدها تُغترُّ بثروتك أو بمالك أو بجاهك أو بسلطانك، فتظلم وتغشّ وتمنع حقوق الفقراء من مالك ومن معونتك ومن عدلك.

قصة نور الدين الشهيد عند حصار دمياط:

كلمة ﴿اتَّقُوا اللَّهَ هذه مركَبُ النجاة والنجاح ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، مِن أيِّ ضيقٍ، ومن كلّ ضيقٍ مخرجًا ومن كلّ همٍ فرجًا، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحتَسِب [الطلاق:2-3].

يَذكُرونَ في هذا الميدان أنّه لَمّا حاصرَ الصليبيّون دمياط، ودمياطُ في مصر، والذي يَستولي عليها يُعتبَرُ قد ملك مفاتيح مِصر في يدِهِ فيَدخُلُ مصر ويحتلُّها متى يشاء.. وفي زمَنِ السُّلطان نور الدين الشهيد، وكان نور الدّين رحمه الله في دمشق، لم يكن ينام الليل خوفًا وهمًّا وحَزَنًا على المسلمين في مصر أثناء حصارِ دمياط، حتى إنّ إمامَ مسجدِهِ أراد يومًا أن يُخفّف عنه ويُسَرِّي عنه حزنَهُ وهمه، وكان نور الدين مغرَمًا بسماع حديث النبيّ ﷺ.. وأحاديثُ النبيّ ﷺ لها أسماءٌ متعدِّدة؛ مِن جملتها الحديث المسلسل، والحديث المسلسلُ: هو الحديث الذي يُروى عن النبيّ ﷺ بالشكل الذي كان عليه النبي ﷺ، فإذا تكلّم النبيُّ ﷺ بالحديث وهو حامِلٌ للكأس فالراوي عليه أن يَرويَهِ عن النبيِّ ﷺ وهو يَحملُ الكأس، والراويّ الذي بعدَهُ يَحملُ الكأس.. هذا يُسمونه الحديث المسلسل.. قال له: يا مولانا السلطان وجدْتُ حديثًا مسلسلًا فأريدُ أن أرويَهُ لك وأُجيزَك بروايته، لكن يجب أن يَكونَ على الصفة التي كان النبيّ ﷺ فيها حتى يَصِحّ أن تكونَ مِن رواة هذا الحديث، قال له: على أيِّ هيئة كان فيها النبيّ ﷺ حتى أعملها لأتلقّى منك الحديث وأرويَه عنك؟ قال: ((كان النبيّ ﷺ متبسّمًا)) 9 وقد كان حزيناً وعابساً ومهموماً على المسلمين، لأنّ الأعداء يحاصرونَهم ويُريدونَ أن يَقضُوا وينقضّوا عليهم، فقال له: ابتسِمْ حتّى أرويَ لكَ الحديث.. فغضِبَ نور الدين وخرج عن طوره، وقال له: أتقولُ لي: ابتسِمْ والمسلمون محاصَرون في دمياط؟ 10

فالمسلمون الآن يُذَبّحون في البوسنة والهرسك وفي كشمير وفي فلسطين والمجاعة في الصومال، والمسلمون في كلِّ بقاعِ الأرض يَرقصون ويُغنّون ويَطربُونَ ويَضحكُون ويَلهُون، هل هذا هو الإسلام؟ قال النبيّ ﷺ: ((الْمُؤْمِنونَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ)) هذه علامتهم ((كالْجَسَدِ الواحد؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ)) إذا أُصيبَ الظِّفرُ في وجعٍ ((تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) 11 إذا كان ظِفرُكَ فيه مرضٌ فالجسم كلّه تصيبه السُّخونة والحُمّى ويَسهر طول الليل مِن أجل الظّفْرِ، هذه علامة الإيمان في المؤمن وفي المجتمع أو في الأمّة، يا ترى هل نحن مُؤمنونَ وهل توجد فينا هذه الصفة والعلامة التي تدلُّ على وجود إيماننا؟

قال له: أأَبتسِمُ والمسلمون محاصَرون في دمياط؟ وتَراجَعَ الإمامُ، ونيَّتُهُ طيبة أنه يريد أن يُخفِّف عنه قليلاً، لكن ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا فنام الإمام مكسورَ الخاطر مِن الخجلِ الذي خجلَهُ، والردّ العنيف الذي ردَّهُ عليه نورُ الدّين، فرأى الإمامُ النبيَّ ﷺ في المنام.. عندما تكون نية الشيخ طيبة والحاكم نيّتُهُ طيّبة فالله ثالثُ الشريكين ويصير الله شريكَهُم فيما يَهمُّهُم، والذي يَكونُ الله شريكَهُ هل يخسَرُ معركة؟ أو هل يخسَر في تجارة أو يُهزَم؟ حاشى.. فالإمام رأى النبيّ ﷺ في المنام وقال له: بشِّرْ نورَ الدّين بأنّ الله رفَعَ الحصار عن أهلِ دمياط وهزَمَ الصليبيين، وليكن منشرحاً ومسرورًا، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، قال له: يا رسولَ الله، وإذا طلَبَ منّي علامةً على صِدقِ ما أقول وأُبشِّرُهُ، فماذا أفعَلُ؟ -هذا في المنام- قال: تقول له: بعلامة أنه لَمّا كان يَقودُ معركة حارِم -وهذه قريبة مِن إدلب- وكاد جيشُهُ أن يَنهزم.. كان المؤمنونَ يَلجؤونَ إلى الله ليس بالدُّعاءِ فقط، بل بالتَّقوى وأداء الفرائض واجتناب المحارم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالسهر على أمور الأمّة صغيرِها وكبيرها.. قال له: “فدخَلَ خيمتَهُ وصلّى رَكعتين وفي سجوده صار يَبكِي ويتضرَّعُ إلى الله قائلًا: “اللهم انصُر دينَكَ، اللهمَّ انصُرْ دينَكَ”، ونور الدّين هذا لقبه لكن اسمَهُ هو محمود فقال: “اللهمَّ انصُرْ دينَكَ ومَن هو محمود الكلب” أنا لستُ سلطانًا ولا مَلِكًا ولا رئيسًا، أنا كلبٌ من كلابك، فالنصر ليس للكلب، النصرُ لدينِكَ.. وهذا مثل قول عبد المطّلب: إن شئتَ أن تُمكّن الحبشةَ مِن الكعبة ليَهدموها ويَهدموا بيتَكَ فأنا ربُّ الجِمال.

واستيقَظَ الإمامُ على هذا المنام، وفي صلاةِ الفجر حكى المنامَ لنورُ الدّين، يُريد أن يزيل ثِقَلَ الهمِّ الذي يَملأُ قلبَهُ على المسلمين في مصرٍ وفي دمياط، والسلطانُ نور الدين يعرِفُ صِدقَ الإمام وورعَهُ؛ وأنه لا يَكذِبُ، واستبشَرَ وتهلّلَ وجهه، وبعد لحظات هدأ وفكّر، فقال له: لعلكَ تشكُّ في رؤياي فأنا طلبتُ مِن النبيّ ﷺ أن يُعطيَني علامة لتُزيل الشكَّ مِن قلبك إذا طرَأَ الشّكُّ على قلبك، قال له: وما العلامةُ؟ قال له: قال لي رسولُ الله ﷺ، قُلْ له: بعلامَةِ أنه لَمّا كاد جيشُهُ أن يَنهزِمَ في معركة حارم صلَّى رَكعتين في خيمتِهِ وقال في سجودِهِ: “اللهمَّ انصُر دينَكَ ومَن هو محمود” -ولم يكملها الإمام ولم يذكر كلمة “كلب” احترامًا لِمقام السلطان وولي الأمر، ولا يَعرِفُ بهذه القصّة والدُّعاء الذي دعاه في السُّجودِ أحد إلا الله، ولم يكن بينَهُ وبينَ الله أحد، وهذا دليل على أنّ المنام صحيح- فنفرت بالدموع عينا نور الدين، وقال: “صدَق رسولُ الله ﷺ، لكن لهذه الجملة تكمِلَة، فهل أكمَلَها لك؟” قال: “نعم يا مولانا السلطان، ولكن حياءً منكَ وإجلالًا لم أقلها” 12 .

إنزالُ الناس منازلَهم واحترام القادة والرؤساء:

ينبغي على الإنسان أن يُجِلّ مقامَ الدّولة والمـَلِك والرئيس؛ كان النبيّ ﷺ يُعامِلُ الناسَ على حسَبِ قدْرهم، فيأتيه الضّيفُ وهو نصرانيّ: ((لَمّا أتى عَدِي بنُ حاتم بن طيء وكان زعيمًا مِن زعماءِ العرب وهو مشركٌ، خَلَعَ النبيّ ﷺ له رداءَهُ))، الرداء مثل “سُترة البدلة” [ما يُلْبَسُ فوق الثيابِ كالجُبَّة والعَبَاءة] وبسطَها له، ((فأجلسَ النبيُّ ﷺ عَدِيَّ بنَ حاتم المشركَ على ثوبه وجلَسَ النبي ﷺ على التراب)) 13 ، إذا كان أحدهم جامدًا ومتعصِّبًا يقول: إنه يُكرِّمُ الكُفر، وتكريمُ الكفر كُفرٌ، [فلو فعلها أحد المشايخ لقالوا:] هذا الشيخ كافر، وصار [بزعمهم] النبيُّ ﷺ إذًا كافرًا!

هذا مَثَلُه كمثل غيرة المنافقين على الإسلام في زمن النبيّ ﷺ! فلَمّا مات النجاشيّ إمبراطور الحبشة، وكان مؤمنًا؛ كُشِفَت للنبيّ ﷺ أرضُ الحبشة حتى رأى قصرَ النجاشيّ ورأى النجاشيَّ على سريره، وقد فارقَت روحُهُ جسدَه، ((فأخبَر النبيّ ﷺ أصحابه، وقال: ماتَ أخٌ لكم في الله النجاشيّ، فلنَقُم لنُصلِّي عليه صلاةَ الغائِب، فصلَّى النبيُّ ﷺ وكبَّرَ التكبيراتِ)) 14 ، مَنِ الذين تحمَّسُوا للإسلام؟ المنافقون، قالوا: ألا تَرون؟ انظُرُوا يا قوم! أهكذا الدين؟ فقالوا لهم وما الذي حصل؟ “قالوا: عِلجٌ نصرانيٌّ أسود ليس على دِينِ محمَّد!” لأنه كان مسيحيًّا، لكن كان مسيحيًّا حقيقيًا وليس مسيحياً مزيَّفًا، فالمسيحي الحقيقيّ يُعَدُّ في مذهب الإسلام “مسلمًا”، أما المزيَّف فإن كان مسيحيًا أو كان مسلمًا فالإسلام لا يعتبره مؤمنًا، “يُصلّي على علج نصرانيّ ليس على دينه!” غارُوا على الإسلام، لأنَّ سيَّدنا محمد انتهك حُرماتِ الإسلام! [حسب زعمهم]. ألا ترون إلى هؤلاء؟

فالنبيّ ﷺ أكرم عَديّ بن حاتم.. والشيخ أكرم السلطان ورجل الدولة الذي قال عن نفسه: “ومَن هو محمود الكلب”، ولكن الشيخ لم يرضَ أنّ يروي كلمة “كلب” عن السلطان، فالسلطان يقولُ عن نفسِهِ أنه “كلب” لكن أمام الله، أمَّا أنتَ عندما تَروي كلامَهُ أمام الناس فلا تذكرها، فانظُرْ كم كان المشايخ فقهاء في الأدب الاجتماعيّ؛ يُعطون لكلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ.

دخَلَ سيَّدُنا عمرُ رضي الله عنه مرَّة إلى المسجد، ومَرَّ على مُنافِق ولم يكترث به ولم يَقم له، فسيّدنا عمر رضي الله عنه أخَذَ بكفّه وضربَهُ على رأسه، وقال له: “أنتَ لا تَعرِفُ قدْرَ الخلافةِ، والخلافةُ لا تَعرِفُ قدرَكَ”، سيُّدُنا عمرُ رضي الله عنه لا يُريدُ أن يُذلَّهُ، لكنَّ عدم القيام له هذا كتحقير وعدم اكتراث بمَن يُمثّل الإسلام ودولته.

“قال: لا، أكمِلْها، قال له: قال لي النبيّ ﷺ أنك قلتَ: “ومَن هو محمودٌ الكلب”، قال صدقتَ وصدَقَ رسول الله ﷺ، وما أصبَحَ الصباح إلا ووصَلَ طير الحمام الزاجل الذي كانوا يُرسلون معَهُ البريدَ ففتَحوا المكتوب وإذا به: في تلك الليلة انسحَب الصليبيّون وهُزِموا وفرَّجَ الله عن المسلمين في مدينة دمياط في مصر 15 ، هذا ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ.

التقوى طوقِ نجاة لا بدَّ منها:

وعلى مثل هذا فالرجل والمرأة والكبيرُ والصغيرُ في أزماتهم يلتجِؤون إلى الله بِخالِصِ العمَلِ، “وفي قصة الثلاثة الذين وصفَهُمُ النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام بأنّهم كانوا في صحراء ونزلت الأمطار وسالَتِ السُّيولُ ولجؤوا إلى غار، فأتت صخرةٌ فسدَّتْ فمَ الغار مع الرَّملِ والطين وأيقَنُوا بالهلكة، لأنّه لا قدرةَ لهم على أنّ يُزيلُوا الصخرة عن مكانها، فتوسَّلُوا إلى الله بالدّعاء والتضرّع بصالحِ أعمالهم، فقال الأول: ربّ أنا فعَلْتُ كذا وكذا ابتغاءَ وجهِكَ، وكذلك الثاني والثالث، فبتضرُّعهم ودعائهم وتوسُّلهم بأعمالهم الصالحة فرَّجَ الله عنهم” 16 .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [يردُّ الحضور: لبيك اللهم لبيك] إذا قلتُم: “لبيكَ” هل تتحمّلون المسؤولية أم أنه كلام في كلام؟ يعني يَنبغي ألَّا نَكذِبَ على الله سبحانه، من كان لا يريد أن يتقي الله فهذه واحدة، أمّا أن يكذب زيادة على عدم التقوى فسيصير الإثم مضاعفاً، فإن كان لا يتقي فهو بسيئة واحدة، ويعترف أنّه لن يتقي الله، ويقولُ لله: لا أريدُ أن أتقيَ، ألم تعطني الحرية؟ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ [الكهف:29]، [يقول ذلك سماحته مناقشاً ضعيف الهمة، ويحثه على الالتزام بالتقوى حقيقة] أظنُّ أنّ هذه أيضًا لا تنفَعُ لنا، إِذَنْ دعُونا نَقولُ: “لبيكَ اللهمَّ لبيكَ”، سنتقيكَ فأعنَّا اللهمَّ على ذكرِكَ وشُكرِك وحُسْنِ عبادتِكَ.

صحبة الصّالحين والعلماء تُعين على التقوى:

ومتى يُعينُكَ؟ عندما تَصحَبُ الأتقياء وعندما تجلِسُ في مجالِسِ الصَّالحينَ والعلماء الورثة لرسولِ الله ﷺ، فيُعطيك الله عز وجلّ الشّفاءَ عندما تَذهَبُ إلى الطبيبِ والصيدليّ وتُنفِّذُ الوصفةَ الطبيّة بحسَبِ مخطّطِ الطبيب، ويَصيرُ لك بناءٌ عندما تستعينُ بالمهندسينَ والمعمارييّن، وهل تُريدُ التّقوى بالكلام؟ هذا لا يَكونُ، فيَجِبُ أن تبحثَ عن العالِمِ الوارث المحمّدي فتلتزمُهُ وترتبِطُ بهِ ارتباطَ الروح بالجسَدِ.. كان ارتباطُ الصَّحابة بالنبيِّ ﷺ كمُتعلّمٍ ومُعلّمٍ.. وإنْ كان هو في مقام خاتم النبوّة، لكن بعدَها قال: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 17 يعني هؤلاء وكلائي، لهم مِن الحقوق عليكم ما لي عليكُم، وعليهِم مِن الواجبات لكم ما على أصحابي، وعليهِم أن يُعلِّموكُم ويُرشِدوكم؛ ويُعلِّمُوكُم الكتابَ والحكمة ويُزكّوكم، ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّه هل من الله فقط؟ ﴿وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ [التوبة:24].

ما هذه التربية الإسلامية وما هذا البناء الإسلاميّ للشخصية المسلمة؟ الارتباط بالمعلّم وبالمربّي وبالمزكّي وبالحكيم، أمّا أن يكون عالماً وليس بحكيم، أو عالِمًا وليس مُزكِّياً فضلًا عن يكون غيرَ مزكَّى، وإذا كان هو غير مزكّى فـ “فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه”، فإذا وُجِدَ العالمُ؛ عالمُ القرآن الحكيمِ في أقوالِهِ وأعمالِهِ ودعوتِهِ وتربيتِهِ وتعليمِهِ، وكان عندَهُ قوّةُ التزكية روحيًّا وعلميًا وحكمةً وعقلًا فيَجِبُ عليك أن ترتبِطَ بهِ ارتباطَ الإنسان بوكيلِ الأصيل، فإذا كان مديرُ الدّائرة غير موجود ولك معاملة عنده ووكَّلَ وكيلًا فعليكَ أن تُعامِلَ الوكيل كما يُعامَل الأصيل، وإذا لم يأتِ الطيّار وأتَى نائبه فعليك أن تنقادَ له كما تَنقاد للطيار، وإذا لم يأتِ القاضي وأتَى نائبهُ فحُكْمُ الوكيل كحُكْمِ الأصيل، فهل هكذا يتعامل المسلمون مع ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ))؟ فإذا كانت هذه الرابطة موجودة واجتمع المعلِّمُ والمتعلّم؛ المعلِّم الكُفء والمتعلِّمُ الصَّادقَ في التعلُّم حصَلَ المطلوب، فيَصيرُ المجتمع مجتمعاً علميّا وحكيمًا وأخلاقيًا وتقياً ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا.

النظر إلى الغد في الدنيا والآخرة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، فالمفسّرون يُفسِّرون ﴿لِغَدٍ بالآخرة، وهذا التفسيرُ المشهورُ المتواتر، لكن لفظَ القرآنَ يَتحمَّلُ معنى آخر إضافة إلى معنَى المفسِّرين، فغَد: “الدُّنيا يومٌ والآخرة غدُها”؛ غَدُ ذلكَ اليوم، وكذلك ﴿لِغَدٍ لمستقبلكَ الحياتيّ في هذه الدُّنيا، فلا يجوز أن تعمَلَ لحاضرِكَ وشبابِكَ وتَنسَى شيخوختَكَ، ولا أن تترك العمل عندما تأتيكَ الفرصُ، وتظنُّ أنّ الحياة كلّها فرص! ففي الفرص قد يأتي رزقُ السَّنة في يوم، ورزقُ العُمرِ في سنة، فينبغي ألا تنفق الذي يَأتيكَ لسنة في نفس اليوم فتبقى طول السنة فقيرًا، والدولة أيضاً عليها في قوله تعالى: ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ أن تجتهدَ في بناءِ الاقتصاد والزراعة والتجارة، وتهيئ كلّ الوسائل التي تُعطيها القوَّة المالية والقوّة العسكرية، فعليها في وقْتِ السَّلامِ أن تنظُرَ إلى وقتِ الحربِ وتكونَ دائمًا على أُهبَة: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، فالرباطُ دائمًا وهو انتظارُ ملاقاة العدوِّ.

فالطالبُ في أوَّلِ السَّنة أيضًا: ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ عليه ألّا يُفكِّرَ أنه الآن لا يُوجَد فحصٌ بل في آخر السنة؛ فلا يَصحُّ أن يَلهو ويَلعَبَ وفي آخر السَّنَةِ يَبكِي ويَشهَق.. والغدُ الأكبر هو الدارُ الآخرة، والدارُ الآخرة يومَ تُنزَع روحُكَ مِن جسدِكَ، وقد كنتَ قبل ذلك مثل ساعةِ ألماس ثمنُها خمسونَ ألفِ دولار موجودة في علبةِ كرتونٍ، فجسدُكَ هو علبة الكرتون، وعلبةُ الكرتون تُلقَى في القمامة، بينما الساعةُ توضَعُ في مكانها، فإذا أتاكَ هذا الغدُ وانتُزِعَت روحُك مِن جسدِكَ، وكنتَ غنيًا فلن يَنفعكَ غناك، حتى لو كنتَ تملكُ الدُّنيا فقد أصبحتَ أفقرَ خلق الله، ولو كنتَ مَلِكَ الدنيا فقد أصبحتَ أضعفَ خَلْقِ الله، ولو كنتَ أعزَّ الخلْقِ وأنتَ مذنبٌ خاطِئٌ مقصِّر تَصيرُ أذلَّ خلقِ الله، فدائمًا فكّر في غدِكَ: في دنياك وآخرتك، في حياتك الجسدية وحياتِكَ الرُّوحيّة، في الحياة الأرضية والحياة السَّماويّة، ما أعظمَ تربية القرآن! وما أعظَمَ تربيةَ الإسلام!

تأكيد الأمر بالتقوى، ولا ألقاب بعد الموت إلا “ميت”:

ثمّ قال مؤكّدًا مرّة ثانية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ فإذا نسيتم تقوى الله في المرَّة الأولى سأُكرِّرها لكم، فهذه مرتان، وها أنا أسَمِّيْكُم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهل نُضيِّع ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا؟ علامةُ الإيمانِ الامتثالُ والانقيادُ لكلِّ أوامِرِ الله، والوقوفُ عند حدودِ الله، عند ذلكَ تَكونُ مؤمنًا وتكونين مؤمنةً، وتَكونُ مُسلِمًا وتَكونينَ مُسلِمة.. ولا تغترَّ بشباب أو مالٍ أو غنىً أو حُكمٍ أو سُلطانٍ، الآن اسمُك فلانٌ: دكتور أو وزير أو أمير أو رئيس أو ملكٌ أو مفتي، وغدًا يقولون: ماتَ فلان، وهل جهَّزتُم الميت؟ ولا يقولون حينها: رئيسًا ولا وزيرًا ولا أميرًا ولا شيخًا ولا مفتيًا، بعد قليل لَمَّا يكفِّنونَهُ ويَضعونَهُ في النَّعشِ ويُحضِرونَهُ إلى الصّلاة، هل يقولون: أتى الملك أو أتى الوزير أو أتى المفتي؟ يقولون: أتت “الجنازة”، وبعدها يَضعونكَ في القبر، ويتحول اسمُكَ مِن خريج “بَكَلُوْرْيا” [المدرسة الثانوية] إلى ليسانس ثم إلى ماجستير ثم إلى دكتوراه ثم إلى ماذا؟ إلى قبر، وآخرُها “إمّا شقيٌ وإمّا سعيد”، لا أولادُكَ الذين تَشتغِلُ من أجلِهِم ولا حبُّكَ للدُّنيا سيَبقى معَكَ، لا يبقى إلا عملُكَ الصَّالح، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ تهيؤوا لغدٍ

إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَومًا فَلا تَقُل
خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ

إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ: إذا خلوت بنفسِكَ ولا يَراك أحدٌ، تَسرق وتَغُشُّ وتَخونُ، ثم تلتفت يميناً وشمالاً فترى أنه لا يَراك أحَدٌ، انظُر للأعلى هل يَراك أحَدٌ؟ هل أنتَ مؤمنٌ بهذه الجملة الصَغيرَة من القرآن: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد:4]، هل تؤمِنُ بها؟ هل تؤمِنُ بقولِ القرآن: ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19]، هل أنت مؤمنٌ بقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [النحل:19] أين الإيمانُ بالقرآن؟ إذا آمنتَ بالسُّمِّ ثم شربتَهُ فهل هذا دليلُ الإيمان أم الكُفْرِ؟ وإذا آمنتَ أنّ هذه السُّبحَة مِن ألماس، وألقيت بها في القمامة فهل أنتَ مؤمنٌ بالألماس أم كافر؟ إذا كنتَ مؤمنًا أنَّ هذه حمارة وهذه ملكة جمال، وعند كتابة عقد النكاح قلتَ لهم: اعقدوا نكاحِي على الحمارَة، لأنك تراها ملكة جمالِكَ، لو لم تكن حمارًا لَمَا اخترتَ أن تكونَ زوجتُكَ أتانًا. [الأتان: أنثى الحمار]

لا يُمكنُ أن تصيرَ مسلِمًا بلا مُعلّم:

فدليلُ الإيمانِ أن يَكونَ عملُكَ موافقاً ومتلاقياً مع حقيقة ما تدَّعِي الإيمان به، أمَّا إذا كانَت أعمالُكَ لا تنطبِقُ على ما تدِّعي الإيمان به فأنتَ منافقٌ، ويَقولُ عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي ولا بالتحلِّي، إنَّما الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 18 ، وتريدُ أن تصيرَ مسلمًا بلا معلِّم! من أين أتَت عظمة أبي بكر رضي الله عنه؟ أتَتْهُ مِن مدرسةِ الإسلام ومن مصنَعِ الإسلامِ؛ دخَلَ خامًا أُميّاً لا يَقرَأُ ولا يَكتب ولا يَعرِفُ شيئًا في هذه الحياة فخرَج أعظَمَ رجل في هذه الأمّة بعد نبيّها ﷺ، وكان عمرُ رضِيَ الله عنه دلّالَ جِمال فأخَذَ لقب مُسلِمٍ مِن الدّرجة الممتازة، وخرج فهزَمَ بعبقريَّتِهِ الإسلاميّة أعداء الإسلام، وكانت عبقريته الشخصيّة موجودةً قبل الإسلام، فماذا صنعَتْ له؟ وماذا صنعَت لمجتمعها؟ لكن عندما لُقِّحَت بعبقرية الإسلام صارت: ((خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا)) 19 .

إذا أردتَ أن تتعلَّمَ اللغة الإنكليزية بلا معلِّمٍ فهذا مُستحيلٍ، وإذا أردتَ أن تتعلَّمَ الطيران وتَصيرُ طيّارًا بلا معلِّم فهذا مُستحيل، وإذا أردتَ أن تصيرَ مُسلِمًا فالمسلم العظيم العبقريّ التاريخيّ كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وصلاح الدين ونور الدين وسعد وطارق مستحيل أن يكونوا بلا معلّم وبلا مُصنِّع وبلا مَصنَع، فأرجو الله عزَّ وجلَّ أن يَرزُق المسلمين صِدْقَ الطَّلَبِ في اللقاء بالمعلِّمِ الحقيقيّ وفي طَلَبِ العالِمِ المحمّدي الوارثِ النبويّ.. مِن هُنا عندما يَلتقي الحاكمُ معَ العالم الحقيقي يَكونُ طائر الإسلام قد كَمُلَ جناحاهُ، فبذلكَ يَعلو ويَرتفِعُ، وأمّا إذا كانَ جناح الحُكمُ بلا جناح إسلامي إيمانيّ وعمليّ وسلوكيّ يَكونُ كالطائر بجناحٍ واحدٍ لا يستطيعُ أن يَعلو ولا أن يَرتفِعَ، بل يَسقُطُ وتأكلُهُ الكلابُ والقطط ويكون مَصيرُهُ الفناء.. فأسأل الله أن يُهَيِّئَنا ويهيّئ للمجتمع العلماءَ الذين هم مصابيحُ الدُّجى، والذين هم وَرَثَةُ الأنبياء، ويُوَفِّقَ حكَّامَنا ورؤساءَنا وملوكَنا لأن يُفتِّشُوا عن هذا العالِم أكثَرَ مما يُفتِّشُوا عن آبار البترول، وأكثَر مما يُفتّشوا عن الحفاظ على مُلكِهِم وعلى سُلطانِهِم، فهذا السُّلطان يَزولُ، أمّا إذا جعَلَ الله عزّ وجل للحاكم الْمُسلمِ العِلمَ والعمَلَ والقرآن وصار المسلمَ بحقيقته وجوهره، فإنّ العالَم الآن كلّهُ مهيَّأ، وأكبرُ دولِهِ وشعوبه مهيأةٌ لاعتناق الإسلام.

ندوة في أمريكا بعنوان “الاتجاه إلى مكة”:

أتاني أخٌ مِن إخوانِكُم البارحة بهذه الورقة -والتسجيل الصوتي موجود عندي- مُسجِّلٌ فيها حديثاً إذاعياً مِن “صوت أمريكا” بتاريخ 08/09/1992م الساعة الثامنة والربع مساء بتوقيتِ دمشق تحت عنوان “اهتمام الأمريكيين بالتعرُّف على الإسلام”، يا تُرى هل يَهتمّ المسلِمُ بالتعرّف على دينه؟ تكلّمُوا! كلُّ همِّهِ المال والفلوس، والثاني همُّه الكرسيّ، والثالث “كَنَبَايَة”، والرابعُ يريدُ سُلَّمًا حتى يدخُلَ مِن النافذة، والآخر امرأة، وأخرى هَمُّها زَوْج. [هنا بعض الكلمات من اللهجة العامِّيَّة التي يفهمها مباشرة السوريون الحضور، والمقصود بالكرسي المنصب، والكَنَبايَة: هي كرسي كبير في العامِّيَّة، فترمز لمنصب أكبر، أما قوله “يريد سُلماً حتى يدخل من النافذة”: فيعني البحث عن طريقة أو عن أشخاص من المسؤولين في الحكومة ليصل عن طريقهم إلى ما يريد من منصب أو أي حظ دنيوي آخر.. والله أعلم]

فالعنوان “اهتمامُ الأمريكيين بالتعرُّف على الإسلام”، في بيان في إذاعة “صوتِ أمريكا”، يقول: “حرصَ الأمريكيّون على معرفة المزيد عن الدّين الإسلاميّ والمسلمين، وهناك جامعة اسمُها “دارتموث” في ولاية “نيو هامبشر”new hampshire) )‏”، وهذه شرق شمال أمريكا، وتعتبر مِن أجمل الولايات في طبيعتها وجمالها وجبالها وأشجارها، وهذه تقوم في كلّ صيف بندوة صيفيّة مدَّتُها أسبوعان تَستعرِضُ موضوعًا مِن الموضوعات، قال: في صيفِ هذا العام 1992م كانت الندوة بعنوانِ -توقَّعُوا ما هذا العنوان؟- “الاتجاه نحو مكّة”، هل يَدخلُ في العقلِ أنه في آخِرِ مغرب الدنيا، ولا يَعرفونَ العربية ولا يَعرفونَ شيئًا [عن الإسلام] أن يَكونَ العنوان “الاتجاه نحو مكّة”! يا ترى هل هذا دراسة أم فهمًا أم إيمانًا؟ على كلّ الأحوال فالإيمان أوّله الفهم والعلم والاطلاع، فإذا لم تلتقِ بالنبيّ ﷺ ولم تعرفه فهل تؤمِنَ به؟ قال: قدّمت الجامعة فيها مُقَرَّرًا وتقريرًا مكثّفًا عن الإسلام، وحضَرَ هذه النّدوة ضِمنَ أسبوعين مجموعة من مختلف شرائح المجتمع مِن أطباء وأساتذَة جامعات ومُحامِين ورجال إدارة وفنون.

اهتمام الأمريكيين بالتعرُّف على الإسلام:

وتقول رئيسةُ هذا البرنامج “ماري هايد” في جامعة “دارتموث”: إنَّ المشتركينَ هم مِن المهتمِّينَ بالتعرُّفِ على الإسلام.. إذا تَعرَّفْتَ على ملكة الجمال وأنت تخطُبُ، فيا تُرى ماذا تكون النتيجة؟ هل الزُّهدُ أم العِشق؟ هل الإقبال أم الإعراض؟ لكن نسأل الله أن يهيئ لهم رجالًا يُحسنون التعريف بالإسلام، لأننا نَعرِفَ الطَّيرانَ مِن الطَّيارين والصناعَةَ مِن الصناعيين والطبَّ مِن الأطباء.. لكنَّ الإسلام في مخاضٍ وسيلدُ قريبًا وسيُشِعُّ بنوره على العالم كلّه، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5] ولو كرهَ الكارهونَ، وإن شاء الله لا أحد يكره ذلك؛ لأنه لا يُوجَد غريقٌ يكرَهُ المنقذَ إذا أتى ليُنقذَهُ، والشابُ لا يَكرَهُ مَن يقدِّم له عروسًا جميلة لتكون زوجتَهُ.

فهذا البرنامج الذي مدّته أسبوعان وفي العطلة الصيفية حضَرَهُ الأطباء والمهندسون والمحامون ورجال أعمال وإداريّون وفنانون.. وهؤلاء أتوا للتعرف على الإسلام بدلاً من أن نذهب نحن الدعاة إليهم ونُعرِّفَهُم بالإسلام.. وقد دخَلَ المغنّي الذي لقبُهُ مطرِبُ القارّتينِ أوروبا وأمريكا في الإسلام نتيجة دراستِهِ مِن الكتب، وليس نتيجةَ لقائِهِ بالدُّعاة.. هل سمِعنا عظيمًا مِن عظماء الإسلام تنصَّرَ؟ يَذهبون للأفريقيينَ المساكين الذين يَموتُون مِن الجوع والعطش، ويُطعمونهم ويَسقونَهُم ويقولون عنهم: أنهم تنصّروا، أمّا “روجيه غارودي” فهل أسلَمَ جوعًا وعطشًا أم دراسة وعلمًا وفهمًا؟ “مايكل هارت” و”اللورد هتلي” وغيرهم من العظماء والكبار، هؤلاء دخلوا الإسلام من تلقاء أنفُسِهِم، أمّا لو كان هناكَ دعاةٌ.. إنّ الغربَ اليوم بيدِ الإسلام، لكن لِتقصيرنا يَضرِبُنا الله بعصًا لنستيقظَ ولِنقومَ بأداء واجبِ الدّعوة، والدّعوة لا تكون ببرنامج نظريّ يُدَرَّس في الكلّيات ويُحفَظ في الذهن ويُتلى باللسان أو القلم، وإذا لم يصحب ذلك قلبٌ مُنوَّرٌ بنور الله وروحٌ حَيِيَتْ بروح الله، وأوتيَتِ الحكمة وفقه القرآن لا تقوم الدعوة ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46]، منيراً بقلبِهِ وروحانيّتِهِ.

دعوة الأمريكيين إلى تصحيح مفهومهم الخاطئ عن الإسلام:

فرئيس الجامعة الذي هو أستاذ التاريخ في الوقت نفسِهِ في جامعة “دارتموث” (dartmouth) يقول: “لقد شعرنا جميعًا أنّ الإسلام دينٌ عالميّ بالغ الأهميّة وأنّ الأمريكيين يَجهلونه كثيرًا” ويقول: “ومِن الأمور المهمة جدًّا للبرنامج هو أن يُفكّر الأمريكيّون بموقفِهِم مِن الإسلام والمسلمين بالإضافة إلى تعلُّمهِم الكثير عنه كثقافة عالميّة مُهمّة، وأن يَتعلَّمُوا فنونَهُ وتاريخَهُ وسياساتِه وآدابه” وأضاف البروفسور “كاركويك”: “إنَّ البرنامج الخاصّ بالإسلا¬م ساعَدَ المشتركين على تفحُّصِ المواقِفِ الخاطئة للأمريكيّين”، يقولون لهم: يا أمريكيّون مواقفُكُم خاطئة تجاه الإسلام والمسلمين.. هذه جامعة وهناك حرية! فهناك يَنتَقِدُ أحدُهم “بوش” [رئيس أمريكا في هذا الوقت] وينتقد أيّ شيء صغيرًا كان أو كبيرًا، مثلما قال عمرُ رضي الله عنه: “رحِمَ الله امرءًا أهدى إليّ عيوبي”، وامرأةٌ نقضت إجماعِ البرلمان كلِّهِ، والديموقراطية لا تسمعُ صوتًا واحدًا، أمَّا الإسلام فسمِعَ صوتَ امرأةٍ مخالفة للإجماع ورضَخَ لقولها، لأنّها كانَتْ على صوابٍ وحقيقة، هذا هو الإسلام الذي هو فوق الديموقراطية، هو مع الحقيقة ولو كانت من طفل صغير.

قال: “ساعَدَ المشتركين على تفحُّص المواقف الخاطئة للأمريكيين التي كثيرًا ما يَتّخذونها عندما يَتعلّق الأمر بالعالم الإسلاميّ” يقول: إنهم يُخطِئون!.. هذه الندوة الجامعية تحت عنوان “الاتجاه نحو مكّة” التي كانت ضِمنَ أسبوعينِ في هذه الجامعة في هذه الولاية، ويتابع: “كما أنَّهُم في الوقتِ ذاتِهِ اكتسَبُوا معرفةً بالإسلام وبأنفُسِهِم وبكيفيّة فهمِهِم لهذا الدّين العالمي المهمّ”، إلى أن تقول الإذاعة عن المحاضر الذي هو رئيس الجامعة: “وأدرَكَ “هاموند” ضيقَ أُفِقِه في نظرته للعالَم”، وأضاف: “إنّ الإسلام ثقافةٌ مهمّةٌ في الوقت الحاضر”، يعني العصرُ الحاضر يَحتاجُ إلى الثقافة الإسلاميّة لأهمّيتِها، “وعلى جميع الأمريكيين أن يَطِّلعُوا عليها” ثم قال: “لَكَمْ أَندهشُ أحيانًا لجهلنا نحن الأمريكيين بالإسلام!”.

صلة الإسلام بالأديان السّماوية:

والآن سأحكي لكم واحدة أكبر من هذه، ثم قال: “لم أكن أُدرِكُ أنَّ الإسلامَ له صلة بالتوراة وأنّ المسيحَ مذكورٌ في القرآن”، القرآن مجمَع الأديان الثلاث؛ فمُعظمُ سُوَرِ القرآن لا تجِدُ سورةً -البقرة أو آل عمران أو النساء أو المائدة- إلا وفيها موسى وعيسى عليهما السلام، وتوراة موسى وإنجيل عيسى مجرّدًا مِن كلّ ما يرفضُهُ العقل ومثبِتًا لكلّ ما يَلتقي مع العقل والحقيقة والقناعة، قال: “كنتُ أعرِفُ أنّ محمّدًا ﷺ كان نبيًّا، لكن لم أكُنْ أعرِفُ مدى ارتباط الدين الإسلاميّ بالأديان الأخرى” ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، فالإسلام مجمَعُ الأديان العالمية، خاصة الأديان الإبراهيميّة الثلاث.

قال: “ولم أكن أعرفُ مدى تقبُّلِ الإسلامِ للأديانِ الأخرى” وعبَّرَ السّيد “هاموند” عن دهشتِهِ لمعرفتِهِ أنّهُ “خلال الفتوحات الإسلاميّة لم تُكثَّفْ جهودُ الفاتحين لإدخال الناس في الإسلام”، لَمّا فُتِحت الشام هل أجبَرَ سيّدنا خالد النّصارى على اعتناقِ الإسلام؟ هل أجبرَ القبطيين على الإسلام؟ أمَّا الأوربيّون في المستعمرات يستخدمون كلَّ الوسائل؛ بالرّضا وبالاختيار وبالإكراه وغير ذلك لِتنصيرِ الشعوب، ومضَتْ مُدَّة في الأندلس قتَلُوا مئات الألوف مِن المسلمين لأنهم لم يَتنصَّرُوا، والعذاب الذي عذّبوه للمسلمين وعذَّبوا بعضهم بعضًا من الكاثوليك والبروتستانت عذاباً تَقشعِرُّ منه الأبدان، أما الإسلام فقال: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، هو الدّين الوحيد الذي شرَعَ حرّية المعتَقد، قال “وهذا أمرٌ غيرُ معهودٍ لدى الفاتحين من أتباع الأديان الأخرى”، لأنه في بعض الحالات كان إدخالُ الناسِ بالدين هو السبب وراء الحروب ، حيث كانوا يَقومون بحروبٍ صليبيّة حتى يُدخِلُوا الشعوب في النصرانية، أمّا فتحُ الإسلام فكان فتحَ تحريرِ الشّعوبِ مِن استعمار المستعمرين وجَورِ الجائرين، وترَكَ للنّاسِ معتَقدَهُم وما يشاؤون، ولَمّا رأوا الإسلامَ بأعيُنِهُم؛ عدالة ومساواةً وعلمًا وتقدّميّة ورخاء وإعدامًا للفقر وإيجادًا للمجتمع الغنيّ.. ماذا يُريد الإنسان من الحياة أكثر من ذلك؟ ولذلك دخَلُوا في دين الله شعوبًا وأممًا، قال: “ومن الأمور التي أثارَت إعجابَ المحاضِرِ اللغةُ العربيّةُ التي قُدِّمَت للدارسين في مرحلتها الابتدائية”، ويقول: “إنّها أصبحَت ذات معنى في نظري بعد أن كانت مجرَّد خَرْبَشَة” مثل “خرابيش الدجاج” [مثل شعبي للرسم والكتابة غير المفهومة] ويعتقد السيد هاموند “أنّ تعلُّم لغةِ أيّةِ ثقافةٍ هو السبيلُ لفَهمِها”.

التهيّؤ للمستقبل في الدّنيا والآخرة:

فأيُّها الإخوةُ والأخواتُ: هذا الإسلام وهذا القرآن لَمّا يَقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ يعني ابنُوا مستقبلَكُم سواء المستقبل الباقي الخالد وهو الآخرة، أو مستقبلُ الدّنيا الحاضر الذي نعيشُهُ، فالمسلمون في الأعصُرِ الأخيرة لم ينظروا للمُستقبلِ نظرةَ الاستعداد، والاستعداد لمواجهةِ الأعداء يكونُ بالعلم وبالقوة وبالاقتصاد، ولذلك حال المسلمين كما كلنا يَعلم، والله يقول: تهيّؤوا لمستقبلكم في دنياكم وفي آخرتكم.

إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَومًا فَلا تَقُل
خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ

وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يغفلُ لحظة
وَلا أَنَّ ما تخفيه عنه يَغيبُ

ألم تر أنَّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ
وأنَّ غدًا للناظرينَ قريبُ

سواءٌ غدُ الآخرة قريبٌ أو غَدُ الدُّنيا أيضًا قريب، فهل ستَبقى شابًا، أو هل ستَبقَى بالحالة التي أنتَ تَعيشُها؟ ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [النور:44].

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ فكما تَزرَعُ تحصُدُ، وكما تغرِسُ تقطفُ، وكما تَعمَلُ تَنالُ جزاءً على عمِلِكَ، فإنّ الله خبيرٌ بما تعمَلُ ويُعطيك استحقاقًا حسبَ ما تعمَل ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [هود:5] ولا يَظلمُ مثقال ذرّة.

التحذيرُ من نسيان تشريع الله.. وتقصيرُ الدعاة بعرض جوهر الإسلام الصّحيح:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ [الحشر:19]، نسُوا قانونَهُ ودستورَهُ وتَشريعَهُ وجعَلُوهُ خلْفَ ظهورهم؛ بعضُهُم قال: “ديموقراطية”، وبعضُهم قال: “برجوازية”، بعضهم قال: “شيوعية”، وبعضُهم قال: “غربية”، وبعضُهُم، قال: “شرقية”، وأين “المحمديّة”؟ الحقُّ علينا نحنُ المشايخ! نحن الذين نُسمِّي أنفُسَنا علماءَ دينٍ لم نعرض الإسلامَ بحقيقتِهِ وجوهرِهِ الصّحيح الواقعي، ولم نعرضه بأسلوبِ العصر؛ ((أُمِرنا أن نُخاطبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ)) 20 ويُقرَأ كتابُ الله كما تَقرَأُ الببغاء، فهي تتكلّم بلُغَة الإنسان ولكنها لا تَفقَهُ منه حرفًا واحدًا، فكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: “أوتينا الإيمان قبل القرآن”، فالقرآن هو المدرسَة الثقافيّة، “فكنَّا نَقرَأُ عشرَ آياتٍ عشرَ آيات، فلا نقرأ العَشْر الثانية حتى نُتقِنُ الأُولى إيمانًا وعِلْمًا وعَمَلًا”.

الآن طلابُ الأزهر أو الجامعات الدينيّة هل يَقرَؤون للقراءة أم للعمَلِ أم للتَّعليمِ أم للأستاذِ أم للدَّعوَةِ إلى الإسلام؟ يأخُذُ شهادةً ويَتَوظّف! هذا ليس داعيةً، الصحابة رضي الله عنهم كانُوا أمِّيينَ لم يقرؤوا ولم يكتبوا ولا كتابًا، ولم يدخلوا مدرسةً إلا المسجد فأخَذُوا شهادة ((عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 21 ففي السّياسة هزمُوا الاستعمارين الشرقي والغربيّ في آن واحد، وفي الثقافة والعلوم لم يتركوا مكتبةً مِن مكتبات العالم شرقًا وغربًا إلا ترجَمُوها، وأخذوا علومَها؛ علوم ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]، وعلومَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [الزمر:10]، للذين أحسنوا فهم الإسلام في هذه الدنيا حسنة، فلهم الحياة الحسنة والقوة الحسنة والعلوم الحسنة والحياة العزيزة الكريمة الحسنة، وهذا نِصفُ الإسلام، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201] وهذا هو الجناح الثاني، وبالجناحين يَتحقّق للمسلم إسلامُهُ الحيّ.

تخلّف المسلمين بسببِ نسيان أوامرِ الله:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ نسُوا شرعَهُ ووصاياهُ وأوامِرَهُ فلم يُنفِّذُوها، ونسُوا نواهيه ومحارِمَهُ فارتكبُوها، ونسُوا نصائحَهُ فلم يُطبِّقُوها، ﴿فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]، فأهمَلُوا مُستقبلَهُم، وأهمَلُوا كيانَهُم وعِزَّتهُم وأَهملوا وأَهملوا.. حتى صار المسلمون يُسمَّونَ بالعالَم الثالثِ، يعني العالَم المتخلِّف، وذلك بعد أن كانُوا خيرَ أمَّةٍ سياسةً ودولةً وعدالة وثقافة وإخاء وتعاونًا ووحدَةً، وبمئة سنةٍ وفي عهدِ الوليد وعمر بن عبد العزيز كانَت حدودُ الدّولة العربية في أسوار الصّين وفي ضواحِي باريس، وكانت قطعةً واحدة، هذه هي العروبة إذا لُقِّحَت بإسلام عِلْمِ القرآن وحكمتِهِ وتزكيةِ النفوس، فإذا ما وُضِع برنامجُ تزكيةِ النفوسِ وبرنامج الحكمة والقرآن علمًا وعملًا؛ فالطيران لا يُدرَّسُ نظريًا فقط، بل نظريًا وفي الفضاء، وقيادةُ السّيارات ليسَتْ بالمحاضرات فقط، بل بالمحاضرات ووراءَ مِقْودِ السّيارة، وإذا لم يتدرّب طالبُ العِلْمِ علمًا وعمَلًا وأخلاقًا وسلوكًا وروحانيّة وقلبًا فسنبقى على وضعنا الحاضر، فأسأل الله أن يُهيّئ الأسباب ويُصَحي العقول لِنقومَ بالواجبِ، عسى أن نَرَى عزَّةَ الإسلام والمسلمين، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7]، ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:84-85].

معنى صفة الفاسقين:

﴿فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أهمَلُوا حقوقَها، وأهمَلُوا أسبابَ عزَّتِها وكرامتِها وأسبابَ تقدُّمِها وأسبابَ رِفعتِها، قال: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19]، كما أنَّ “دولابَ” القطار [عجلة القطار] عندما يخرج عن سِكَّتِه وقضبانِهِ الحديديّة يُقال: “فسَقَ الدُّولاب” لأنه خرَجَ عن طريقِهِ المستقيم، كذلكَ مَن يَخرجُ عن تقوى الله، وتقوى الله ليست الصّلاة الصورية؛ بل هي: علمٌ وعملٌ وإخلاص، عِلمٌ وحكمة ونفوسٌ مُزكّاة، ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ [الحشر:20]، لا يَستوي العلمُ والجهل، ولا يَستوي الإيمان والنفاق، ولا يَستوي التقوى والفسوق ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:20-21]، قال: لو كانت الجبال لها عقلٌ كعقولِكُم أيُّها الناس، وكان لها إدراكٌ كما تُدرِكُون ونزَلَ القرآن عليها وخوطِبَت الجبال بها ﴿لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا الجبلُ يَخشع مِن هيبة الله ويمتلِئ خشية وامتثالًا ومُسَارعَةً إلى تنفيذِ أوامِرِ الله و ﴿مُتَصَدِّعًا متشقّقًا ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فما لكم أنتم قسَت قلوبُكُم فكانت ﴿كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74]؟

فقد رأى بنو إسرائيل معجزة موسى عليه السّلام بفَلقِ البحر وعبدوا العجل! ورأى فرعون تسعَ معجزات مِن سيّدنا موسى، لكن القلب القاسي ميِّتٌ لا تؤثِّرُ فيه العظَة ولا تَنفعُهُ موعظة.. وكم كان النبيّ ﷺ في حكمته وبلاغته وأخلاقه ونورانيّته! ولكن: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ [يونس:42-43]، فاللهمّ لا تُعمِي قلوبَنا ولا تصمَّ آذانَ عقولنا ونفوسنا، ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:28-29].

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ الذينَ اتَّقُوا اللَّهَ حقّ تقاته في كلّ أوامر الله، فأدَّوْها أحسَنَ الأداء، واجتنبُوا كلّ محارم الله كامِلَ الاجتناب في أقوالِهِم وأسماعِهِم وأبصارِهِم وأعمالِهِم وفي حياتهم وشبابهم، وفي حُكمِهِم وفي سلطانهم.

فوز أهل التقوى بالدنيا والآخرة:

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] هل في الآخرة؟ لا، بل في الدُّنيا والآخرة، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ كانَت خلافة سيّدنا عُمَر رضيَ الله عنه حسنةً بأيٍّ شيء؟ هل دخل جيشُهُ معركة وانهزمَ؟ هل كانت وحدةُ العربِ في زمانِهِ حسنَة؟ هل كان يُوجَد عربٌ على قسمين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرين عربًا؟ الآن بلدٌ عربيّ يكون سكانها حوالي مئة ألف أو مئتي ألف يُسمُّونها أمّة، الأمّة الحورانيّة والأمّة الحلبونيّة والأمة الحرستانية.. [حوران وحلبون وحرستا: قرى تابعة لدمشق] بينما القرآن جعَلَ مِن الصّين إلى ضَواحِي فرنسا أمَّة واحدة، هذا هو الإسلام! ولا يزالُ الإسلامُ كما هوَ، لكن هل نُحسِنُ نحن قيادتَهُ واستعمالَهُ؟ فإذا رَكِبَ الناسُ في الطائرة ولا يُوجَد طيّار، وبَقُوا خمسين سنة في مكانهم، فهل العيبُ في الطائرة أم في فَقْدِ الطيار؟ وإذا كان نصفَ طيّار وطارَتْ بهم ووصلت إلى جدَّة، ولكن لم يُحسن النزول، وقال: أنا طيار ولستُ نَزّالًا.. [الشيخ يقول ذلك وهو يضحك] وهكذا حتى نفِدَ الوقود، وقال لهم: ما إن ينفَد الوقود تهبط من تلقاء نفسها، والذي تعلمتُه أنا أنّها تعرِفُ النُّزولَ.. ثم سقطت الطائرة في البحرِ الأحمر وصارُوا طعامًا للقِرْشِ، الذي مُصَغَّرُهُ “قُرَيْش”.. وسيَّارة مرسيدس إذا قادها شخص لا يُحسِن قيادتها، فقتلت أو جرحت أصحابها، فمن المسؤول: السيارة أم قائدها المزوَّر؟ كذلك الإسلام إذا كان لا يُوصِلُ إلى الفلاحِ والنجاح والنصر والعِزّ والبذلِ فلأنَّ قادتَهُ لا يُحسِنون القيادة، ابتداءً مِن المشايخ وانتهاءً بكلِّ مَن يَتحمّل مسؤولية المجتمع الإسلاميّ.

فأسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من أهل القرآن، ويجعلنا مِن العالمين به، العاملين به، المعلِّمين له بأقوالنا وأعمالِنا وقلوبنا وسلوكنا، وأسأل الله أن يُلهم كلَّ قادة العرب والمسلمين أن يُفتّشوا عن الدُّعاة الأكفاء.. لم يبقَ الآن بين أيدي المسلمين والعربِ إلا سلاحُ الدعوة الإسلامية، لكن لا تيأسُوا، وأنا واقع في قلبي أن الإسلام سيَعمُّ في نهاية هذا القرن، وإذا لم يَكُن مِن طريق المسلمين فالله ليس بحاجة إلينا ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم [محمد:38]، لكن أسأل الله ربّي إن شاء الله أن يَجعلَنا مِن جنود الإسلام، الذي هو رحمةٌ قبلَ كلِّ شيء للعالَمِ العربيّ، والعالَمِ الإسلاميّ، ثم رحمة لكلِّ شعوبِ العالم.

[يكثر سماحة الشيخ هنا الكلام عن العرب والعروبة، وذلك ليقول للعرب الذين يحملون شعار العروبة ويحاربون الإسلام عملاً، وبعضهم يحاربه عملاً وقولاً: إنه لولا الإسلام لما كان عرب ولما كانت عروبة، وإن المجد الذي كان به العرب كان بسبب الإسلام وحده.]

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، رقم: (3342)، (3/ 1300)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، رقم: (2286)، (4/ 1790)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
  2. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (16998)، (3/ 103)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (1281)، (2/ 58)، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
  3. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
  4. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ».
  5. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7603)، (6/ 99)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5830)، (3/ 585)، عن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنه.
  6. سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي، رقم: (2876)، (5/ 156)، سنن النسائي، كتاب السير، باب من أولى بالإمارة، رقم: (8749)، (5/ 227)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ، فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ القُرْآنِ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ يَا فُلَانُ»؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ البَقَرَةِ قَالَ: «أَمَعَكَ سُورَةُ البَقَرَةِ»؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ».
  7. سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم: (2616)، (5/11)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب التفسير، سورة السجدة، باب قوله تعالى: ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع..﴾، رقم: (11394)، (6/ 428)، شعب الإيمان للبيهقي، فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه وترك الخوض فيه، رقم: (4958)، (4/ 247)، بلفظ: ((عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحْتُ قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبْعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ»، ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» , قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟»، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)).
  8. فيض القدير للمناوي، رقم: (2790)، (11/ 190)، عن سعيد بن يزيد بن الأزور الأزدي، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((أوصيك بتقوى الله بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8502)، (9/ 92)، والمستدرك للحاكم، رقم: (3159)، (2/ 323)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: 102]، قَالَ: "أَنْ يُطَاعَ وَلا يُعْصَى، وَأَنْ يُشْكَرَ وَلا يُكْفَرَ، وَأَنْ يُذْكَرَ، وَلا يُنْسَى".
  9. سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في بشاشة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3641)، (5/601)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17740)، (4/190)، عن عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، بلفظ: ((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))، وفي مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (1001)، (2/434)، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (3/ 383)، عن عمرة، قالت: سألت عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في البيت؟ قالت: ألين الناس بساماً ضحاكاً".
  10. البداية والنهاية لابن كثير (12/ 261)، بلفظ: (ولما أنجلت الفرنج عن دمياط فرح نور الدين فرحا شديدا وأنشد الشعراء كل منهم في ذلك قصيدا وقد كان الملك نور الدين شديد الاهتمام قوي الاغتمام بذلك حتى قرأ عليه بعض طلبة الحديث جزءا في ذلك فيه حديث مسلسل بالتبسم فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل فامتنع من ذلك وقال إني لأستحي من الله أن يراني مبتسما والمسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط).
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/ 2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، (12/ 468)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، (18/ 137)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
  12. ينظر البداية والنهاية لابن كثير (12/ 261)، بلفظ: (وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ أَنَّ إِمَامَ مَسْجِدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَجْلَى فِيهَا الْفِرِنْجُ عَنْ دِمْيَاطَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقول: سَلِّمْ عَلَى نُورِ الدِّينِ وَبِشِّرْهُ بِأَنَّ الْفِرِنْجَ قَدْ رَحَلُوا عَنْ دِمْيَاطَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَيِّ عَلَامَةٍ؟ فَقَالَ: بِعَلَامَةِ مَا سَجَدَ يَوْمَ تَلِّ حَارِمٍ وَقَالَ فِي سُجُودِهِ: اللَّهمّ انصر دينك ومن هو محمود الكلب؟ فَلَمَّا صَلَّى نُورُ الدِّينِ عِنْدَهُ الصُّبْحَ بَشَّرَهُ بذلك وأخبره بالعلامة، فلما جاء إلى عند ذكر «من هو محمود الكلب» انقبض من قول ذلك، فقال له نور الدين: قل ما أمرك بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال ذلك: فقال: صدقت، وبكى نور الدين تصديقا وفرحا بذلك، ثم كشفوا فإذا الأمر كما أخبر في المنام).
  13. السيرة النبوية لابن هشام، (قُدُومُ عَدِيٍّ عَلَى الرَّسُولِ وَإِسْلَامُهُ)، (2/580)، السيرة النبوية لابن كثير (4/125)، بلفظ: ((قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيته، فو الله إنَّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ، إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ، فَاسْتَوْقَفْتُهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ، تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٍ لِيفًا، فَقَذَفَهَا إلَيَّ، فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ، قَالَ: قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ، فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْضِ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ)).
  14. سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على النجاشي، رقم: (1534)، (1/490)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن النجاشي قد مات) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى البقيع، فصفنا خلفه، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر أربع تكبيرات))، وفي صحيح البخاري في كتاب الجنائز، بَابُ الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ، رقم: (1188)، (1/420)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة رقم (951)، (2/656)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا)).
  15. هذه تتمة قصة نور الدين الزنكي، وقد سبق تخريجها.
  16. صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا فترك أجره فعمل فيه، رقم: (2152)، (2/793)، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، رقم: (2743)، (4/2099)، بلفظ: ((عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ)).
  17. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/ 341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/ 48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/ 81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.

  18. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، (3/ 404)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، (6/ 163)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، (1/158)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفاً، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561) (4/921).
  19. صحيح البخاري، كتاب المناقب، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾، رقم: (3304)، (3/ 1288)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب خيار الناس، رقم: (2526)، (4/1958)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ: ((تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً)).
  20. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1611)، (1/398)، بلفظ: ((أمرت أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ))، عن ابن عباس، وفي الضعفاء الكبير للعقيلي، رقم: (2053)، (4/ 425)، عن سعيد بن المسيب، بلفظ: ((إنا معشر الأنبياء كذلك أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم))، وفي مسند الفردوس، رقم: (111)، (1/45)، عن جابر بن عبد الله، بلفظ: ((أَيهَا النَّاس جالسوا النَّاس على قدر أحسابهم وخالطوا النَّاس على قدر أديانهم وأنزلوا النَّاس على قدر مرؤاتهم وداروا النَّاس على قدر عُقُولهمْ)).
  21. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
WhatsApp