تاريخ الدرس: 1992/10/02

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:32:53

سورة الحشر، الآيات: 6-9 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات والتَّحيات والتَّسليمات على سيّدنا محمّد خاتم النبيّينَ والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه مِن النبيين وآلِهِم وصحبهم ومَن تَبِعَهُم بإحسان إلى يوم الدين، وبعدُ:

خيانة اليهود للدولة استوجبَت عقوبتهم:

فنحنُ في تفسير بعض آياتٍ مِن سورة الحشر، وكما سبَقَ معَكُم أنّ معنى الحشر هو الإخراج والإجلاء، وهي تُشيرُ إلى إجلاء يهود بَنِي النَّضير حينما نقضُوا العهد والميثاق الذي عاهدَهُم عليه سيِّدُنا محمَّدٌ عليه الصّلاة والسّلام أن يكونوا في المدينة كمواطنين شُرفاء مخلِصين لوطنِهم ولِمواطنيهم وللدولة النبويّة التي هي مسؤولةٌ عن المواطنين، وأن يُعامَلوا كما يُعامَلُ المسلمون؛ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلِمين، لا يُعاوِنون عدوًّا على المسلمين، ولا يُقاتِلونَ أعداءَ المسلمينَ مع المسلمين، يعني يَكونونَ حيادييّن، فمعَ كلِّ هذه الحقوق المواطنية، ويُضافُ إليها عدم تكليفِهم بالقتال تجاه أعداء البلاد، لكنهم نقَضُوا العهدَ وأرسلُوا أربعينَ مِن زعمائِهِم إلى المدينة يَتحالفون معَهُم على محاربة رسول الله ﷺ، يعني لمحاربة إسلام الدّولة، اندفاعًا مِن محاربَةِ إسلام الدّين، ثم حاكوا مؤامرةً لاغتيال النبيّ ﷺ والقضاء على شخصيَّتِهِ، اعتقادًا منهم بأنهم إذا قضَوا على شخصية النبيّ ﷺ فإنهم قضَوا على الإسلام دينًا، وعلى الدولة العربية حكومةً وقوّةً، [يجدر التنويه أن سماحة الشيخ كثيراً ما يذكر في دروسه العامة “الدولة العربية- العرب- القومية العربية- العروبة وما شابهها من كلمات” ليوقظ العرب وخاصة الحكومات العربية التي رفعت شعار العروبة والقومية وحاربت الإسلام عملياً وانهزمت في معاركها، عَلَّها ترجع إلى الحق والصواب وتدرك أنه لا نصر ولا نجاح ولا قوة لها إلا بالإسلام] لكن الله جل وعلا أطلَعَ نبيَّهُ ﷺ على مؤامراتِهِم ومحالفاتِهِم.. وفي كلّ قوانين العالم مَن يَخونُ وطنَهُ يُحاكَمُ بالخيانة العظمى بمحكمةٍ عسكريَّةٍ ميدانية، وحكمُهُ الإعدام، فمِن سماحة الإسلام دينًا ودولة وقانونًا أنه لم يحكُمْ عليهِم بالقتل، ولكنه قال لهم: ((لا تُساكِنُونِي في المدينة)) 1 ، فهم خوَنةٌ متآمرون لهدم الدولة وهدمِ القانون واغتيال النبيّ ﷺ، فأيُّ قانون في الدنيا يحملُ الرأفة والرحمة والإنسانية كالقانون النبويّ الإسلاميّ؟ فهؤلاء أعداءٌ متآمرون على بلدِهم ووطنِهِم ومجتمعِهِم ودولتِهِم، ورغم كل ما فعلوا قال لهم فقط: ((لا تُساكنوني))؛ فما دام أنَّكُم تَرونَ أنّكم في مجتمعِ تُعادونَهُ فاذهبوا حيث شئتُم.

الإسلام لا يَعرِفُ التعصُّب:

وهكذا ﴿أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ولم يُسمِّ أهلَ الكتابِ كفّارًا بالإطلاق، لا، بل قال: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الحشر: 2]، ممّا يَدُلُّ على أنّ أهل الكتاب على قسمين: قسم مؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران: 199]، وفي آيات أخرى قال: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران: 113]، هذا في الإيمان، وأمّا في المعاملة فقال: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75]، كما أنّ المسلمين كذلك قسمَهُم إلى قسمين: منهُمُ المؤمنونَ الصّادقون ومنهم المسلِمون المنافقون، وقال عن المسلمين المنافقين: ﴿فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145].

فالإسلام لا يَعرِفُ التعصُّبَ، وهو ضدُّ التعصُّبِ، وهو مع الحقيقة، وهو مع الإيمانِ السَّماويّ العقلانيّ الإنسانيّ العِلْميّ الذي لم يأتِ لمصلحةِ الله سبحانه، وإنّما هو لِمَصلحة الإنسان، كما ورَدَ في حديث قدسيّ: ((ما خلقتُ الخلق لِأربحَ عليهِم، ولكن لِيربَحُوا عليّ)) 2 ، ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7].. هل يَرضى الأبُ لابنِهِ أن يَكون جهولًا أمِّيًا فقيرًا فقرًا مُدقعًا؟ لا، بل يُريدُ أن يَكون أعزَّ الناس وأسعدَ الناس وأعلَمَ الناس، فالله أعظَمُ رحمةً وحنانًا بمخلوقاته، ((الخلْقُ كلُّهُم عيالُ الله، وأحَبُّ الخلْقِ إلى الله أنفَعُهُم لِعيالِهِ)) 3 .

الفيء مالٌ جاء للمسلمين بغير قتال:

فلمَّا أجلاهم لأول الحشْرِ يَعني لأول الإخراج، وأوّل من أُخرِج مِن جزيرة العرب هم بنو النضير، ثمّ ثار لمصلحتهم بنو قريظة، وعملوا حلف الأحزاب، فجمعوا كلّ الأحزاب والقبائل ومنهم قريش، وأغروهم بالمال والعطاءات للقضاء على الإسلام دولة ودينًا، فأوّل من أُخرِجَ بنو قينقاع، ثمّ بنو النّضير، ثم قُضِيَ أخيرًا على بني قريظة تجاهَ خياناتهم ومؤامراتهم ومحاولاتهم للقضاء على الإسلام دينًا ودولةً، وعلى الأمة العربية تقدُّمًا وقوّةً ووحدةً ومناعة.. فبقيَت أراضيهم، فأراد الذين حاربُوهُم أو حاصرُوهُم أن تُقسَم الأراضي كما تُقسَم الغنائم؛ ثمانين بالمئة للمجاهدين، والخُمسُ الذي هو عشرون بالمئة لصالح الدولة المسمّاة، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال: 41] إلى آخره.

فأنزل الله عزَّ وجلّ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ [الحشر: 6]، هذا الفَيء: هو المال الذي يَحصُلُ للدّولة الإسلاميّة مِن غيرِ حروبٍ ولا معارك ولا قتال، فمع بني النضير لم تحصل حربٌ لكن صار هناك حصارٌ وكانوا ضِمنَ المدينة، فما تركوه يُسمى فَيْئًا ولا يُسمّى غنيمة، أمَّا الأشياء التي أُخِذت في معركة بدرٍ فاسمها غنائم، وتُقسَم ثمانون بالمئة للجيش وعشرون بالمئة لله ولرسوله ولذي القربى إلى آخره.. فأراد الذين ذهبُوا وحاصَرُوا اليهود أن تَكونَ هذه الأموال غنائم وليست فيئًا يعني ثمانين بالمئة لهم، فأنزَل الله سبحانه: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ هذا فيءٌ أُخِذَ بلا تعَبٍ ولا قتال، وأنتم لم تتعبوا، وهذا تدبير الله عز وجل، والله ألقى الرُّعبَ في قلوبِهِم فاستسلمُوا، وما حُكمُ الأراضي والأموال؟ قال: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ؛ لا أسرعتم بخيلكُم ولا سافرتُم خمس مئة كيلو متر حتى تَصِلوا إليهم، والرِّكَاب: هي الإبل الرواحل المركوبة، فهذا الفيء الذي ما حاربتُم فيه ولا ركبتُم خيلًا ولا سِرتُم على ظهور الجمال للمعارك، ولكنهُ هديةٌ جاءَت مِن طرَفِ الله عزّ وجلّ، فهذه ليسَت لكم أيُّها المجاهدون، هذه حكمُها لله سبحانه ولرسولِ الله ﷺ.

﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ من بني النضير، بلا إيجاف، والإيجافُ: هو الإسراع والركضُ بالخيل، لم تركبُوا خيلًا ولم تسافِرُوا على جمال، إذن بأيّ شيء حصلَ الفيء؟ قال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [الحشر: 6]، قذَفَ في قلوبهم الرعب، فهذا مِن الجيش الإلهيّ، وأنتم لم تتعبوا، لا حاربتم ولا سافرتم، إذًا هذه الأراضي والأموال تحت تصرّف الله وتصرُّف رسول الله ﷺ، والفيء إذا كان تحت تصرُّفِ الله ألا ينبغي أن نعرف كيف سيصرفه الله سبحانه؟ هل سيُعطيهُ للملائكة؟ الملائكة لا يَحتاجون، لكنه سيُقسَم على أهلِ الأرض، وعمل رسول الله ﷺ هو بوحيٍ من الله سبحانه وتعالى.

حكم الفيء لله سبحانه يعطى لآل البيت:

والآية الثانية أبانَت كيف تُصرَف هذه الأموال، قال تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ يعني الحُكْمُ فيها لله سبحانه، ﴿وَلِلرَّسُولِ فهذه تُقسَمُ خمسة أقسامٍ، وتوزّع بمعرفة النبيّ ﷺ على أقاربِهِ وأرحامِهِ من الفقراء، يعني الفقراء من أهلِ بيتِ النبوة، لأنّ الصدقات محرَّمةٌ عليهم، لأنَّ الصَّدقَةَ فيها نوعٌ من الذُّلِّ والإذلال للآخِذِ، وهؤلاء بحُكمِ نسبتِهِم إلى النبيّ وشَرَفِ النبوّة وشرَفِ نسَبِ النبوّة فيجبُ أن نرفَعَ مستواهم ولا نُعطيهم مُساعدةً كما يُساعَد الضعيف أو الفقير أو العاجز أو المريض، بل نُعطيهم تكريمًا لنسبِهِم لا ترحُّمًا وشفقةً، عندهم فقرٌ ولكن لا يُعطَون باسم الفقراء، يُعطَون تكريمًا باسم آل بيتِ رسول الله ﷺ وعِترتِهِ، ولذلك حُرِّمَت الصدقةُ على ذرية النبيّ ﷺ، قالوا: إلا إذا فُقِدَ هذا الخمس، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يُعطَون ولو مِن الزكاة، يعني إذا لم نستطع أن نطعمَهُ الحلويات والخاروف المحشي [الطعام الفاخر] ألا نُطعِمُهُ قليلًا من الزيتون أو قطعة جُبن [الطعام العادي]؟ حتى ولو كان الخبزُ يابسًا، فهل نتركُهُ يَموت مِن جوعه؟ أما إذا كنا مؤمنين بالمعنى الصحيح لا نُعطيهم من الزكاة، بل نُعطيهم مِن صُلْب مالنا تكريمًا واحترامًا وحبًّا برسول الله ﷺ، ولذلك سمَّى النبيّ ﷺ الصدقة ((أوساخ الناس)) 4 ، والأوساخ لا تُقدّم للأشراف.

الأقسام التي يُوزَّعُ عليها مالُ الفيء:

قال: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وللرَّسُوْلِ فصارَتْ تحتَ حُكْمِ النبيّ ﷺ فكان يأخُذُ مِنها كفاية سنة كاملة، يعني راتباً سنويّاً، وليس راتبًا شهريّاً، وما فضَلَ منها كان يُنفِقُه في مصالح المسلمينَ وفي تقوية الجيش وشراء السّلاح والكُراع، يعني لوازم الجهاد في سبيل الله، مضافًا إلى ذلك فُقَراء أهل بَيتِ النُّبوَّة ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى، لأقارب النبيِّ ﷺ، ﴿وَالْيَتَامَى، واليتيم: هو مَن فَقَدَ أباه ولم يَبلُغِ الحلم، أمَّا إذا بلغ مَبلغَ الرّجال فلا يعد يُسمَّى يتيمًا، أما إذا كان دون البلوغ وفقد أباه يكون يتيماً، وإذا فقد أمَّهُ وأباه فهذا اسمه “اللَّطِيْم”، يعني يُلطَمُ على الوجه رحمةً وحنانًا عليه.

﴿وَالْمَسَاكِينِ وفي تفسير “المسكين” قال بعضُهم: أنّه “الفقيرُ الْمُعدَم” أو الذي ليس له مِن المئة إلا خمسة أو عشرة، وبعضُهُم قال: لا، المسكين الذي يَكونُ عندَهُ بالمئة سبعون أو ثمانون ويَنقُصُهُ عشرون أو ثلاثون، وهذا على اختلاف المذهب، [وعموماً] يعني المحتاج، سواء أكانت حاجته كبيرة أم صغيرة، فإذا كانت كبيرة نملأُ له الفراغ الكبير، وإذا كانت صغيرةً نملأُ له الفراغَ الصَّغير، [أي نعطيه على قدر حاجته، سواء كثيرة أو قليلة] ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ السبيل يعني الطريق، فهذا الغريب ليس له بيتٌ فأين يأوي؟ هل يكون في الشارع؟ فابنُ السبيلِ يَعنِي الغريب، فيُقسَم ويُوزع الفيء لهؤلاء بعد أن يَأخُذ النبيُّ ﷺ كفايةَ سنة، على أن الجنود والعسكر ليس لهم من الفيء شيء.

مقصد الإسلام محاربة الفقر:

قالوا: لماذا خالَفَ حُكْمُ الفيءِ حُكْم الغنائم؟ قيل: إذا كانت كلّ الوارداتِ التي تَرِدُ للدّولة مِن الغنائم والفيء كلُّها للمُجاهدين فسيَصيرونَ أغنياء، والفقراء والأيتام والضعفاء يَبقون بلا شيء، ويَتَجمَّعُ المال في فئة من الناس، ويتجمَّعُ الفقرُ في جهة أخرى، والإسلامُ مِن مهمّاته محاربة الفقر، وأن لا يُوجَد في المجتمع فقيرٌ ولا مُحتاج، وأمّا إذا جعلنا كلَّ الغنائم وكلّ الفيء للمقاتلين فسيَصيرون أغنياء، ومَن للمساكين وللفقراء ولليتامى والغرباء؟ قال: قسمنا هذه القسمة بهذا الشكل: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً يعني المال ﴿بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ يعني هذه مكافحة للرأسمالية، لكن بالعُرف الإسلاميّ، فالرأسمالية أن تكون غنيًا، ولا مانعَ في الإسلام أن تكون غنيّاً مهما بلغ غناك، لكن بشرطٍ أن تكونَ الدولة والأغنياء مسؤولينَ عن الفقراء، ليكون مصداقَ كلام النبيّ عليه الصّلاة والسلام: ((مَا آمَنَ بِي -ساعةً من نهار- مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه)) 5 هذه كلمة “مَن” هنا تشمل الإنسان الفردَ، وتشمل الأسرة، وتشمَلُ القرية، وتشمَلُ المدينة، وتشمَلُ المجتمع وتشمَلُ العالَم، فإذا كان هناك مجتمع فيه جائع فالنبيّ ﷺ يقول عنه: هذا مجتمعٌ غيرُ مؤمن، وإذا كان في عائلتك جائعٌ وأنتَ ميسور فأنتَ غير مؤمن، وإذا كنتَ ميسورًا وجارُك جائع فأنتَ غير مؤمن.. فيا تَرى هذا التوزيع للمال وإيجاب المسؤولية على القويّ تجاه الضعيف وعلى الغني تجاه الفقير، ماذا كانت نتيجته في ظلّ هذا القانون الإلهيّ؟ كانت النتيجة أن أبقَتِ الغنيّ غنيًّا وجعلت الفقيرَ غنيًا، بينما جعلَتِ الشيوعيةُ الغنيَّ فقيرًا، وأبقَتِ الفقيرَ فقيرًا، وسلبَتْهُ حرَّيتَهُ الشخصية وأفكاره؛ فصار يُعَدُّ كآلة، والذي يقود المجتمع هو الحزب الشيوعيّ، أمّا في الإسلام فقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ [الشورى: 38]، ومَن لهم رأيٌ في الشّورى؟ كلُّ مُسلِم ومُسلمة صغيرًا أو كبيرًا.

قصة سيدنا عمر رضي الله عنه مع المرأة في قضية المهر بين عدالة الإسلام والديموقراطيّة:

مرّة أجمع الصحابة مع سيِّدُنا عمر رضي الله عنهم على أن يُحدِّدُوا مهور النّساء بخمس مئة درهم، وذلك رأيُ كلِّ البرلمان يعني كلّ أصحاب الرأي في مسجد النبيّ ﷺ ومعهم سيِّدنا عُمر رضي الله عنه، والنبي ﷺ يقول: ((لو كان بَعدِي نبيٌّ لكان عُمَر)) 6 ، ولكن هناك ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ هل للمرأةُ حقّ في أن تدخُلَ في مجلس الشّورى؟ كانت موجودة، وكانت امرأة أعرابية موجودة في آخِرِ الصُّفوفِ، قالت له أنا مخالفة ورفعَت إصبعَها، الديموقراطية هل تَسمَع للمرأة إذا كان البرلمان قد أجمَعَ وهل تَقبَل أن تسمَعَ صوتها وتُصغي بأُذُنِهَا إلى رأيها، يُقال: “انتهى، انعقد الإجماع وأنتِ لم يَعُد لك كلام”، هذه هي الديموقراطية!

المعترضُ ليته كان رجلًا! يَقولون: المرأة حقُّها نِصفُ حقِّ الرجل! هنا كلّ البرلمان وكل الصحابة بكفّة، وجاءت المرأة في الكفّة الثانية، يا تُرى أيُّ الكفّتين سترجح؟ شياطينُ الاستعمارِ وشياطين الاستشراقِ وأعداء الإنسانية والعقل والحقيقة يقولون: “ضاع حقّ المرأة في الإسلام”، الإسلام لم يفضّل رجلًا على امرأةٍ ولا امرأةً على رجُلٍ بالشكل العام، ففي مواضِعِ فضَّلَ المرأة على الرجل بمرّاتٍ، عندما سأل أحدُهُم: ((مَن أولى النَّاسِ بِحُسْنِ صحابتي يا رسول الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏‏أُمُّكَ‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏‏ثُمَّ أُمُّكَ‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏‏ثُمَّ أُمُّكَ‏‏، قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏ثُمَّ أَبُوكَ)) 7 ، فالأب كم كان له من النسبة؟ خمسةٌ وعشرون بالمئة، وهل الأم ذكر أم أنثى؟ فالأم الأنثى كم ذكراً تساوي؟ فكم تُمثّلُ المرأة من الذكور؟ هذا دليلٌ أن الرجل ليس نصفَ امرأة، بل ربع امرأة، [يقول ذلك سماحة الشيخ مداعباً] لكن كلّ ذلك من الفتن ليفتِنُوا صغارَ العقول وصغار ثقافة المسلمين عن دينهم، لِيفتنوهم فتنةَ المسيح الدّجال، ونحن في ظلِّ هذه الفِتنَةِ ولا نشعرُ بما نحن فيه.

فقالت: “ليس لكَ ذلكَ يا ابن الخطّاب”، وانظُروا إلى حرّية الرأي وحرّية المواطِنِ وكرامةِ الإنسان وكرامة المرأة، هل يُسمَعُ في برلماننا الآن لامرأة إذا قامت بعدَ إجماع المجلس النيابي؟ ماذا يقول لها رئيس المجلس؟ يقول لها: هل أنتِ عمياء ألا تَفهمينَ؟ ألا تَرينَ المجلس بالإجماع أقرَّ المادة القانونية، وكذلك في فرنسا وفي أمريكا وسويسرا ماذا يقول رئيس المجلس؟ أمَّا الإسلام فقال للمرأة: لكِ حقُّكِ، والحقُّ للحقِّ، ولو كان طفلًا ولو كان امرأةً ولو كان عبدًا، فأيُّ تَسميَةٍ في العالم مِن خَلْقِ آدم وإلى أن تقوم الساعة كرّمتِ الإنسان وكرّمتِ المرأة كما كرَّمها الإسلام؟.. قال لها: “هاتِ أنتِ ما عندكِ؟ ماذا تقولين؟” قالت: ليس لك ذلك أمَا سمعتَ الله يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء: 20] يعني لو دفعتَ مَهْرَ زوجتِكَ قنطارًا مِن ذهب: ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا فالله لم يَقُلْ خمس مئة درهمٍ، قال لو كان: ﴿قِنْطَارًا أعطيتُموها مهْرًا، فما دام الله ذكر هذا فذلك يعني أنه لا يوجد مانع، فلو كان يُوجَد مانع لكان قال: لا تُعطوهُن قنطارًا، “أتَدري كم هو القنطارُ يا عُمر؟” يعني ألا تفهم أنت؟ وهذه امرأة! صَوْت المعارضة.. إذا كان في المجلس النيابيّ خمس مئة صوتٍ ويوجَد أربع مئة وتسعة وتسعون صوتاً للمعارضة، فهل تَنجَحُ المعارضة؟ فكيف إذا كان الإجماع وكانت المعارضة فقط امرأةً واحدةً بدويةً عجوزاً فقيرةً ودرويشة؟ [درويشة: في غاية البساطة وأقل من امرأة عادية].

قصة جحا وخطبة الجمعة:

هذا الإسلام أليس حرامًا أن يَجهلَهُ المسلمون؟ هذا الفِقْهُ لا يُفقَّهُ به المسلمون، يكتَفون بتعليم المسلم فِقْهَ الوضوء فقط، هل يُوجَد مُسلمٌ على وَجْهِ الأرض لا يَعرِفُ أن يتوضَّأ؟ هل يُوجَد مُسلمٌ لا يَعرِفُ أن يَستنجيَ؟ هل يُوجَد مُسلمٌ لا يَعرِفُ أنّ الخمرَ حرامٌ، هل يُوجَد واحد لا يَعرِفُ أنّ الصلواتِ فرضٌ، دعونا نُعلِّمُهُم ما يَجهلون.. وقد صار حالُنا مثل قصةِ جحا رَحِمَهُ الله عندما صار خطيبَ جامع، فجاء يومُ الجمعة وأراد أن يخطُبَ، فقال: أيُّها الناس أتدرون ماذا أقول؟ قالوا: نعم مولانا نَعلَمُ ما الذي تَقوله، قال: إنْ كنتُم تَعلمونَ ما أقول فلا حاجةَ لكم إلى خُطبَتِي، والسّلام عليكم، ونَزَلَ من على المنبر، فقالوا له: صلّ فينا، قال: كيف أُصلّي فيكم وأخطُبُ لكم ما دمتم تَعرِفُونَ، يعني إذا وضعنا مِلْحًا في الطعام هل نضع فيه مرة ثانية أيضًا؟ وفكروا في الجمعة المقبلة ماذا يقولون له إن سألهم السؤال نفسه قبل الخطبة، فاتّفقوا على الجواب، وفي الجمعة الثانية قال: أتدرون ماذا أقول؟ قالوا: لا، قال: ما دمتُمْ جُهلاء فمِن مضيَعَةِ الوقت أن أَصرِفَ وقتي معكم، والسلام عليكم، فقاموا في الجمعة الثالثة بخُطّة ثالثة واتفقوا على ما يقولون، فقال لهم: أتدرون ما أقول؟ فقال بعضهم: نعرف، وقال بعضهم: لا نعرف، قال: إذًا ليُعلّم عالِمُكُم جاهِلَكُم، والسَّلام عليكم.. يعني لا يُريدُ أن يُعلِّمَ أحدًا.

أهميّة وجود المعلِّم واحترامه وتبجيله:

وصار هذا العلم الآن الذي يُسمُّونَهُ شرعيًّا لا يَتَعلَّمُه أحَد، والشيء الذي يجهلهُ المسلمون ويفقدونهُ في الأخلاق وفي الروح وفي الحياة وفي الاقتصاد وفي الوحدة لا نُعَلِّمُه، وكيف يكون التعليم؟ العالِمُ لا يَقومُ بالتعليم بقوله فقط، بل يقومُ بالتعليم بأقواله وأعمالِهِ وقلبِهِ وروحانيّته، ((والعلماء ورثة الأنبياء)) 8 فيَرِثُ العالِم أقوالَ رسول الله ﷺ عِلمًا، ويَرِثُ أعمالَهُ وأخلاقَهُ وربّانيَّتَهُ وروحانيَّتَهُ، وهذا حتى يستحقّ لقب الوراثة، لذلك قال الشاعر شوقي رحِمَه الله:

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ الـمُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أعطِهِ حقَّهُ مِن التّكريم والاحترام والتعظيم، لِمَ؟ قال: كادَ الْمُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولاً، النبيّ ﷺ قال: ((العلماء ورثة الأنبياء)) ألا يَكفيكَ لِتعظيمِ العِلْم الموجود في العالِم قولُ النبيّ ﷺ؟ أين تكريمُكَ له؟ تكريمك بأيّ شيء؟ كيف كانوا يُكرّمون النبيّ ﷺ؟ قال

أرأيتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولا

هل يُوجَد على الأرض أعظَمُ من إنسان يَبني العقول؟ يكون عقلُكَ عقلَ جُرَذٍ وعقلَ فأرةٍ وعقلَ حيوان، ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان: 44] ﴿ذرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3].

يَبني الرِّجالَ وغيرُهُ يَبنِي القُرى
شتانَ بينَ قرىً وبين رجالِ

الذي يَبني جدرانًا وأسقفًا اسمُهُ مُهندس، ولكنّ الذي يَبني الإيمانَ والقلوبِ والعقول والأخلاق، أليس اسمُهُ مهندسًا؟ وإذا أردنا أن نُوازِنَ بين التّرابِ وبين الذَّهَبِ، وبين الذي يَبنِي المجاري والجدران والأسقف وبين الذي يَبني فضائل وأخلاقًا وعقولًا وحكمة ونجاحًا وسعادة، فما قيمةُ هذا المهندس الذي يُهندِسُ لكَ عقلك ويجعله متحضّراً؟ كان عقلُكَ عبارة عن صحراء فيَجعلُه لك جنّةً فيحاء، وكان في جهل وجاهليّة فنقله إلى عِلْمٍ وحكمةٍ وأخلاق ملائكيّة، هل تعرفُ قدْرَ هذا المهندس؟ إذا أردتَ أن تُشاورَ مهندساً في أمر فهذه المشورة لها ثمنها، ويكتب لك الثمن [على لوحة في مكتبه]، وكذلك زيارة الطبيبُ لها ثمنها، وتقعُدُ عندَ الشّيخِ عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة ولا تُفكِّرُ فيه كما تُفكّر بمُصَلِّح الأحذية إذا أصلَحَ لك حذاءكَ، فتعتقِدَ أنه صار له عليكَ حقّ.. والشيخ أصلح لك عقلَكَ وإيمانَكَ ودينَكَ وأخلاقَكَ ونجاحك في الحياة، فهل تفهم؟ لا بل على العكس، فلعلّ كلمةً واحدة إذا سمعناها مِن رجلٍ فاسق أو منافق ” تاخدنا وتجيبنا ” لتصرفنا عن الشيخ، [“تاخدنا وتجيبنا” أي تأخذنا وتأتي بنا، وهذا مصطلح عامي، بمعنى تضيعنا وتحيرنا وتصرفنا عن الصواب والحق، ونتيه من كثرة الكلام كما يتيه ويحتار من يأخذونه ويرجعونه مرات كثيرة] ونرمي بأربعين سنة من خدمات الشيخ في القمامة.

تقديس الإسلام للمرأة:

فنرجِعُ لبرلمان سيِّدنا عُمر رضي الله عنه، فلمَّا سمِعَ قولَها قال: “أصابَت امرأةٌ وكذَبَ عُمر”، أيُّ رئيس برلمان في كلّ الدنيا يفعل ذلك؟ حتى في سويسرا التي يقولون إنها أرقَى بلد.. وهم يَقولون أنّهم يُقدِّسُون المرأة ويُحرِّرُونها، هل حرّروها أم أساؤوا إليها ووسَّخوها وسوَّدوا وجهَها؟ وأنا رأيتُ المرأة في أوروبا في السّاعة الواحدة أو الثانية في منتصف الليل تُزيلُ الثلج مِن الشوارع، وهي تحملُ مكنسَةً بعصا طولُها متر ونصف وتَكنُسُ الشوارع، هل عامَلَ الإسلامُ المرأة هكذا؟ وإنما قال: ((خيركُم خيركُم لأهلِهِ)) 9 كان النبيّ ﷺ يَطحَنُ بيدِهِ مع الجارية ويكنس بيتَهُ بيدهِ مع أهلِهِ، ويَعلِفُ فرسَهُ معاونةً لزوجته، ويقول: ((لا يغلبُهنَّ إلا لئيم، ولا يَغلبنَ إلا كريم)) 10 ، [لقد أكرمها الإسلام بشكل أنه] لم يبقَ لنا غير أن نضعَها في المعرض وندقُّ لها على الدّفّ ونَطوفُ حولها ونقدِّسُها. [يقول ذلك سماحته مبيناً بأسلوب فكاهي مدى إكرام الإسلام للمرأة، وذلك رداً على الذين يزعمون أن الإسلام ظلم المرأة].

الشيوعيّة والإسلام:

فنرجِعُ إلى قوله تعالى: ﴿كي لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ، ثم قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، لأنَّهم كلّهُم كانُوا مُنتظرينَ أن يأخذُوا ثمانين بالمئة مِن هذه الأموال والأراضي، فلمَّا نزلَت هذه الآية القرآنية قدَّرَ النبيُّ ﷺ أنّ في نفوسِ بعضِهم شيءٌ، فجمَعَ النبيُّ ﷺ الأنصار، وقسَّمَ الأموال على الفقراء الذين كانوا يُمثِّلُونَ المهاجرين.. يقولون: شيوعية واشتراكية! أليس كذلك؟ أخذُوها مِن ماركس ولينين، لماذا لا نأخذُها مِن سيِّدنا محمَّد ﷺ ومن القرآن؟ وإذا لم تكن أحسَنَ فَلْنَرْمِ بها في النهر: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمًا [النساء: 122]، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87]، هذه شريعة السماء، والله خلَقَ الإنسان، هل يستطيع كل أهل الدنيا أن يخلقوا بَقَّة أو قملة أو ذبابة أو بعوضة؟ وإذا كنت لا تريد الإيمان فاستعمل العقلَ والدّراسة، فاثنان واثنان يُساويان أربعة. [2+2 = 4 هذا مثل شعبي، يعني أن المسألة سهلة ومنطقية عقلاً، وليست بحاجة لتفكير كثير].

ولذلك يا بُنيّ ثقوا وتأكّدوا من أنّ الإسلام سيَظهَرُ في العالم المتقدِّم، نحن لا نصلحُ للإسلام، لأننا لا نستعمِلُ عقولَنا، وحتى في أمورنا الحياتية تجدُ كثيرًا من الأهواء والشهوات والعواطف ونقل الكلام من دون تثبت، وإلى آخره.. الإسلامُ يَحتاجُ إلى أُمَمٍ راقية، أو يحتاج إلى دُعاة ربّانيّين حكماءَ عقلانيينَ عُلَماء عِرْفانِيِّين، ويكونون عُلماءَ بالمعنى الذي أرادَهُ القرآن وأراده النبيّ ﷺ، فهؤلاء هم العلماء وإلا فإن اسم الباقين هو “القرّاء” ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5]، يَقرَأُ القرآن ولا يَفهَمُ شيئًا مِن القرآن، ويَقرَأُ القرآن في الصّلاة أو يَسمَعُ الإمام فلا يفهَمُ شيئًا.

الأخوة الإيمانية بين الأنصار والمهاجرين:

فلمَّا صارَت هذه الأموال وصار التصرُّف فيها تحت حُكْمُ النبيّ ﷺ جَمَعَ النبيُّ ﷺ الأنصارَ.. المهاجرون لَمَّا أتوا إلى المدينة تركُوا بيوتهم ودكاكينهم وتجاراتهم وكلّ أموالِهِم، وآخى النبي ﷺ بينهم وبين الأنصار ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10].. ما معنى “الأخوّة” يا ترى؟ هل هي كلمةٌ مِن لسانِ النبيِّ ﷺ لآذانِهم؟ وهل كان لها أثرٌ أم لم يكن لها أثر؟ ماذا كانت آثارها لَمَّا قال: آخَى النبيُّ ﷺ بين المهاجرين والأنصار؟ قاسَموهُم أموالَهُم، يقول أحدُهم: ألم تصبح أخي؟ إذن صارَتْ نِصفُ ثروتي لي ونصف ثروتي لك، وصار بستاني نِصفُهُ لي ونصفُهُ لكَ، وصارت الأغنام بيننا مناصفة؛ ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يَتَسابَقون عليهم ويَتَخاصمون، حتى أنّ الخصومة بينَهُم لا تُحَلَّ إلا بالقُرعة، فمن كانت له القرعة أخذ أخاه من المهاجرين، تَسابَقُوا إلى نُصرَتِهِم ورفدِهُم ومواساتِهِم ومشاركاتِهِم في السّكن وفي الزراعة، وبعضُهُم في زوجاته، عندَهُ زوجتان فقال له: اخترْ أجملَهُما لأُطلِّقَها لك وتتزوَّجَها.

أهميّة الانتساب إلى الإسلام الذي هو أشرَفُ نسبٍ وأفضلُ نظامٍ:

فيا تَرَى هل عَمِلَت الشيوعية في موسكو مثل هذا؟ قالوا إنه بعدَ سبعينَ سنة ستصير دولتهم فردوسًا، ولن يبقى ظلمٌ، وسيَستغنون عن الدّولة، فقاموا بعد سنةٍ بِسَبِّ الشيوعية ولعْنِ أبيها، والآن أصبحوا لا يَصلُونَ إلى رغيفِ الخبز، أمَّا العربُ بالإسلام فقد امتدَّت جزيرةُ العرَبِ بعد سبعين سنة إلى قَلْبِ فرنسا وإلى حدود الصّين، فأيُّ الفكرَتين -سمِّها فكراً سياسياً أو عالميّاً أو إنسانيّاً سمّها ما شئت- أيُّها الناجحة وأيُّها الفاشلة؟ فيا ترى نحنُ العرب هل درسنا الإسلام؟ تقول عن نفسك بأنك مثقّف ولا تدرُس! ولو كان أبوك “نَوَرِيّ” فيَجِبُ أن تعرِفَ نسبَك، [نَوَرِي: من النَّوَر أي الغجر، وهم أناس رُحَّل يسكنون الخيام، ومعروف عنهم أنه لا يتعلمون وليس لهم مكانة بين الناس، فلذلك يضرب المثل بهم في التخلف] تقول: أنا النوري وأبي فلان النوري، وجدّي كذلك.. فتعرِفُ نسبَكَ وحسبَكَ، فإذا كان حسبُكَ ونسبُكَ في أشرَفِ ما خلَقَ الله ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110].. لكن [المسلِم] ليس عنده دراسة، ولم يَدرُس تاريخه، وكيف أنّ قُتَيبة المسلِم دقَّ أبوابَ الصّين في عهد عبدِ الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك، ولَمَّا دخَلَ موسى بن نصير فرنسا قال: “لو أطاعنَي الجيشُ لفتحْتُ روما”، ووَصَلَ جيش العرب الذي كانت عاصمتُهُم دمشق إلى أسوار باريس ومدينة سانس التي تبعُد سبعة وعشرين كيلو متراً عن باريس.. الآن يا ترى هل يَستطيع العرَبُ كلُّهُم أن يُحرِّرُوا فسلطين؟ مضَتْ خمسون سنة وهم يَبذلُونَ جهودًا لكن بلا إسلام، ونحن لا نُريدُ إسلامَ التّمني، ولا الإسلام الميّت، ولا إسلامَ الجمود والتزمُّت، ولا إسلامَ التعصُّبِ والتَّمذْهُب، بل نُريدُ إسلامَ القرآن وإسلام النبوّة، فواللهِ ما لم نَرجِع إلى هذا الإسلام فنحن في خطر.

الإسلام يسري في البلدان الغربية من دون دعاة:

والإسلامُ الآن يَسري في أوروبا وفي أمريكا وفي اليابان بلا دعاةٍ، فكنتُ أَقرأ في كتاب الأستاذ شوقي أبو خليل، وهو مِن إخوانكم- عن إسلام بعض الفرنسيين في الوقت الحاضر، ومنهم حفيد وحفيدة رئيس ومؤسّس الحزب الشيوعيّ في فرنسا واسمه موريس توليز -وهذا مثل خالد بكداش مؤسس الحزب الشيوعي في سوريا- فقد أسلَمَ حفيدُه المسمَّى كليمون، وتسمَّى بعبد الرحمن توليز، وأسلمت أختُهُ كاترين، وتسمَّت بلطيفة، وجدهما مؤسس الحزب الشيوعي!

ويوجَدُ فرنسيّ آخر أسلَمَ وتكنَّى بأبي فريد القطّاني في فرنسا في باريس وأسس مجلة إسلامية للدعوة الإسلامية، وسألوه: ما الذي حملك على الدخول في الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء وجدتها في الإسلام ولم أجدها في غيره، وقد رأيت بعد أن درست النصرانية واليهودية والبوذية والشيوعية أنه لا يوجد دين غير الإسلام يَصِحُّ للإنسان أن يتديَّنَ به، قالوا: ما الذي وجدتَهُ في الإسلام؟ قال: “ثلاثة أشياء، أولًا: بساطتُهُ”؛ يُفهَم بسهولة، وطفلٌ صغير يَستطيعُ أن يفهَمَ الإسلام؛ أنّهُ دِينُ الحقّ والحياة والتقدُّمِ والعِلْمِ والعقلانية والأخلاق والإنسانية، “وثانيًا: وضوحُهُ، وثالثًا: التوافقُ مع طبيعة الإنسان”.

كذلك أسلَمَ مطربُ القارّتين -أوروبا وأمريكا- بعد أن درَسَ كلّ الأديان، وهذا المطرب بريطانيّ، لم يعجِبْهُ أيّ دينٍ، فلمَّا اطَّلَعَ على ترجمة معاني القرآن أسلَمَ لمجرَّدِ قراءته لمعاني القرآن باللغة الفرنسية، وقال: رغم ما حصَّلتُ عليه من مئات الملايين، لم أجد السّعادة في المال والثروة، وإنما وجدتها في الإسلام، وهذا مطرب القارتين أوروبا وأمريكا!

وأيضاً الدكتور موريس بوكاي طبيبٌ عظيم فرنسيّ، ألّف كتابًا ببيان إسلامه قال فيه: قدّم لي شقيقي نسخة من ترجمة معاني القرآن، ولا يمكن لمن يقرأ هذه المعاني أن يجحد الإسلام أو يُعادي الإسلام.. إخواني قَلَّ من يُحسِن تعليمَ الإسلام بحقيقته وجوهره، قلّ مَن يُعلِّمُهُ بروحانيته وربانيته، قلّ مَن يُعلِّمُهُ بتربيته وتزكيتهُ.

فشَل الرأسماليّة والشيوعية وقيامهما على الاحتكار والربا:

فنرجع للآية ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً فشلَت الرأسمالية القائمة على الاحتكار والربا، أمّا في الإسلام فكن غنيًّا، وكن “رأسماليًّا”، [المقصود بالرأسمالي هنا واسع الثراء، وهذا ما يُفهَم من لهجة الشيخ] لكن يجب أن تُقرِضَ الفقير بلا فائدة، وألا تحتكر طعاماً أو كلّ ما يَلزم من ضرورات الحياة لترفَعَ الأسعار، هؤلاء الرأسماليّونَ في أمريكا يَحرقون القمح بملايين الأطنان ويُميتُون الفقراء من الجوع باسم الحرية، ابتُلُوا بمرض الإيدز هذا مرض ووباء، وهذا الذي مُقدَّر له بأنه في سنة 2000م سيُفنِي ثمانين بالمئة من الشعب الأمريكي، وهذا تقديرُ علمائهم، هذا المرض الذي أعجَزَ أمريكا والعالم كلّه أن يَتَغلَّبُوا على فيروسِهِ، والفيروس أصغرُ مِن الميكروب، والميكروب أصغرُ مِن الطُفَيْلِي، وإلى الآن عشر سنين مضت ولا يَستطيعون أن يتغلَّبُوا على ما هو أصغَرُ وأحقَرُ من الميكروب، وكلّما حاولوا معَهُ يظهَرُ بقوّة، ولا يتأثّر بأيّ دواء ولا بأيّ مُبيد.

لَعلَّ هذا يكون مصداقُ قول النبيِّ عليه الصَّلاة والسّلام: ((أسرعُ الأرض خرابًا يسراها)) 11 أو العالَم اليساري، ماذا صار فيهم بعد أن كانوا يريدون أن تصير بلادهم فردوساً بمبادئ ماركس ولينين؟ الخراب وجعلوهم يَبيعون أولادهم مِن الجوع، هكذا سمعت، وهذا قد لا يكون عامًّا، وقد تَقع واقعات في ذلك وقد لا تقع، أمّا الجوع والفاقة والفقرُ فموجودون، وهم بعد سبعين سنة يَنتظِرُون الفردوس فظهر أن فردوسَهُم غثاء وسراب، ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور: 39].. فحديثُ ((أسرَعُ الأرض خرابًا يُسراها ثم يُمناها))، قبل مئة سنة هل كان هناك في العالَم مَن يَعرِفُ أن له يَسارًا ويمينًا؟ كانوا يعرفون فقط أنّ الإنسان له يمين ويسار، والحمار له يمين ويسار، أما البيت والجامع والبلد والجبل والعالَم فلا، أليسَتْ هذه مِن مُعجَزات النبيّ ﷺ؟ إذن: “أشهد أنَّ محمّدًا رسولُ الله؟

مِن أين يَصير مرض الإيدز هذا؟ من الزنا ومن اللواطة، كنت أقرأ في سورة الإسراء عندما ذُكرت المحرّمات قدّم ذكر الزنا قبل القتل فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء: 32] وبعدها قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [الإسراء: 33] يعني كأنَّ جريمة الزنا أعظَمُ مِن جريمة قتل النفس، لأنّ الزنا الآن -ورفيق الزنا اللواطة- نشَأَ منهُ مرضُ الإيدز الذي يَقتُلُ بالملايين، أمّا القاتل فقد قتَلَ نفسًا وانتهى الموضوع، فأيُّهما أعظم جرمًا؟ واللواطة في الإسلام يُحرَق صاحبها أو يُلقَى مِن شاهقِ جبل أو يُرجَم على حسب اختلاف اجتهاد المجتهدين.

النظام المالي في الإسلام وسط بين الشيوعيّة والرأسماليّة:

﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً يعني لا يجوز أن تستأثر فئةٌ بالمال وتَبقَى فئةٌ في الفقر وسوء الحال، ألا يلزم أن نُقدِّمَ هذا المبدأ الإسلاميّ على الرأسمالية وعلى الشيوعية؟ ((ما آمَنَ بِي -ساعة من نهار- مَنْ أمسى شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ)) 12 قال: فوزَّعَ النبيُّ ﷺ الفيءَ، والنبيّ ﷺ يُمثّل رجلَ الدولة، ألا يجب أن يُخصَّصَ له مِن المال ما يقوم بحاجته وكفايته؟ يعني هل يُنزّل الله له رزقه بالقُفَّة [من السماء]؟ لا، كان الصّحابة رضي الله عنهم كلُّهُم يُقدِّمُونَ حياتَهُم للنبيّ ﷺ قبل الفيء، وبعد الفيء أيضًا كانُوا يُقدِّمُونَ حياتَهُم له، كان يُعطونَ النبيّ ﷺ حبًّا وتكريمًا وليس صدقةً، ولا تساوي العطايا كلّها ذرّة مِن حقّه الذي هو كالبحر، كان النبيّ ﷺ يقول: ((ليس أحدٌ أمنّ عليّ في ماله وأهله من أبي بكر؛ أنفَقَ عليَّ مالَهُ، وزوَّجَنَي ابنتَهُ)) 13 انظُرْ إلى اعتراف النبيّ ﷺ وشُكر المحسِن، معَ أنّه لو أعطاه سيّدُنا أبو بكر رضي الله عنه الدُّنيا كلَّها تجاه الإيمان الذي أخذه مِن النبيّ ﷺ فلا يستويان، لكن ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله)) 14 .

وكلمة ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً هذه وَسْطٌ بين الشيوعية والرأسمالية مثلما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا وشريعةً وسطًا، لا ظالمين كما في الرأسمالية، فالغني في الرأسمالية ظالم، والفقير مظلومٌ، فملايين الأمريكيين الآن يَنامُونَ على الأرصفة، وملايين الأمريكيين مِن السُّود عاطلون عن العمل، وجهلاء لا يَجِدونَ مَن يُعلِّمُهم، أمَّا في الإسلام ((ليس منّي إلا عالمٌ أو مُتَعلِّم)) 15 ، فالإسلامُ قد فتَحَ البلاد ليُحرِّرَها مِن الظلّام والجائرين والمستبدِّين والاستعمار، وأوجَبَ التعلُّم على كلّ الشعوب المفتوحة، حتى صارَ منهم أنبَغ علماءِ المجتمع الإسلاميّ، فهل نوابغ علماء المسلمين من العالم العربي أم مِن العالم غير العربيّ؟ الإمام البخاري ليس عربيًا، وكذلك الإمامُ مُسلِمٌ والترمذيّ والنّسائي وابن ماجة والرازي، وفي كل العلوم.. يا ترى لَمّا استعمر الأوروبيون البلاد هل ارتقَوا بشعوبها؟ بل إنهم جهّلوهم ونشَرُوا الأمراض فيهم وأفسدُوا أخلاقَهُم وأفقروهُم وسحبُوا ثرواتِهم بكلّ أنواع الاحتيال والقهر والسّلب، والآن هيئة الأمم هي ضحكة [كذبة] على الأُمَمِ؛ تُسخَّرُ لمصالح الاستعمار الأكبر؛ الاستعمار بالنوع الجديد.

تربية الإسلام كانت بالحب والإيمان لا بالقوة والقانون:

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ “فلمَّا أرادَ النبيُّ ﷺ أن يَقْسِمَ الأموال جمَعَ الأنصار وقال لهم: ((أنتم شاركتُم إخوانَكُم المهاجرين في أموالكم وأراضيكم ومزارعكم)) 16 ، فأيُّ شعبٍ في الدنيا وفي تاريخ الإنسان يَقسِمُ فيه الغنيُّ مالَهُ شَطرين: شطراً له وشطراً لأخيهِ الفقير؟ وهل كان ذلك بالقانون أو بالعصا أو بالسيف أو بالإكراه؟ لا، بل كان بالحبّ وبالإيمان وبالإخلاص وبالصدق، فالإسلام دولة التربية، لم يكن يُوجَد شرطة في زمان النبيّ ﷺ وليس هناك محاكم ولا سجونٌ؛ وإذا كان هناك حاجة لسجن ولا بدَّ من أن يُسجَن أحدُهُم ففي مدرسة النبيّ ﷺ وفي مسجده الشّريف، هذا هو السجن! والسجّان هو النبيّ ﷺ، والدروس دروس السماء تَنزِلُ على السجّان فيُثقِّف بها المساجين فيَخرجونَ ((عُلَماء فُقَهاء حُكَماء، كادُوا مِن فِقهِهِم أن يَكونُوا أنبياء)) 17 .

فهل هناك دولة تخيَّلَها أفلاطون أو أرسطو أو حكماء الهند والصين كما أقامَها الإسلام؟ أليس حرامًا على المسلمين أن يكونوا أجهَلَ الناسِ بإسلامهم؟ كان عددُ المسلمين في أمريكا مِن سنتين ستة ملايين، في السفرة الأخيرة ذكَرُوا لي أنهُ صارَ عددُهُم ثمانية ملايين، كلّ سَنة يَدخُلُ مليون شخص في الإسلام، [فهناك يسلمون، بينما عندنا في صفوف الجاهلين] فكم شخصاً من المسلمين يخرُجُ في كلّ سنة مِن الإسلام ويتنكّر له ويُعاديه؟ وليته عن حقيقة! [يجدر الملاحظة أن هذا الكلام بعد سنتين من سقوط الشيوعية في العالم، بينما كانت موجة الشيوعية والإلحاد لا تزال تكتسح البلاد العربية، وفيها الكثير ممن يتبع الشيوعية الإلحادية أو الرأسمالية ويعادي الإسلام] يعني إذا عادى شخص العقرب فيكون عن عِلْمٍ، لأنّ العقرب مؤذٍ والأفعى مؤذية، لكن أن يُعادي طائر الشحرور أو ملكةَ الجمال أو العِلْمَ أو الحقيقة أو التاريخ! أيُّ إنسانٍ هذا الذي يُعادي الإسلام؟ إنما هو الجهل والجهل والجهل.. فنسأل الله عزّ وجلّ أن يرزُقَنا العلم ويَحمينا مِن جرثوم وفيروس الجهل.

تخيير النبيّ ﷺ للأنصار في قسمة الفيء:

قال للأنصار: ((فَإِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَكُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ فَقَسَمْتُ هَذِهِ -أموال بني النضير- فِيهِمْ خَاصَّةً؟)) حتى لا يكون هناك غنيٌّ فوق في الأعلى وفقيرٌ تحت في الأسفل، هذه هي المساواة! أما الشيوعية فملأ اسمها الدنيا، ولكنها بعد ذلك فشلت ورموها في القمامة، أمّا الإسلام فدعُونا ندرُسهُ فقط، دعونا ندرُس الإسلام، دعُونا نقول ما هو الإسلام فقط؟ فإذا أعجبك فاقبله وإن لم يعجبك فارفضه، ونحن نرفضُه معك إن لم يُعجِبِ العقل السَّليم، وكيف لا يُعجِب العقلَ السليمَ وهو غذاء العقل السليم، وهو روحُ العقل السليم.

“وإن شئتم أن نُرجِعُ لكم نصفَ أموالِكُم التي أعطيتموها لهم وأراضيكُم وبيوتكم وبضاعتَكُم؛ فترجعُ كاملةً، ونجعلُ أموال الفيء للمهاجرين دون الأنصار”.. الآن الشعوب تحت حُكم الشيوعية هل قبِلُوا بالشيوعية حبًّا وشوقًا وعشقًا؟ قَتَلَ ستالين خمسة ملايين إنسانٍ حتى نَشَرَ الشيوعية بحدِّ السيف، وبقيَتْ بحدِّ السيف حتى أعلنَتْ إفلاسَها وفشلها، أمَّا الإسلامُ بقي إلى يومنا هذا، وهل فشل؟ الكنائس تُباع في أوروبا وفي كلّ العالم المسيحيّ، وهل سمعتُم مسجدًا عُرضَ للبيع في كلّ العالم الإسلامي؟ يَدخُلُ عظماءُ العالم الغربيّ في الإسلام من أساتذة جامعات وسياسيين وقضاة ومحامين ورجال كنائس؛ بلغَنِي أنّ أحَدَ كبار رجال الكنائس في أفريقيا دخَلَ في الإسلام، ما سمعنا واحدًا من أبسط الناس أعلَنَ أنه خرَجَ مِن الإسلام وانتحل دينًا آخر، لكنّ الذي يخرج يَبقى بلا دِينٍ، مثل الحيوان الذي في الزُّقاق، [الزقاق: الطريق الفرعي الصغير، ومعنى كلام الشيخ أن بعض المسلمين يتركون الإسلام ويصيرون ملحدين تائهين- والله أعلم] الآن الحمار أو البغلُ ما دينُهُ؟ هل له دِين؟ ليس له دِين، هل هو كافِر؟ لا كافرٌ ولا مؤمنٌ، يجبُ أن يَكونَ لك عقيدةٌ في الحياة، وعليك أن تدرسُ هذه العقيدة، وإذا كانت تُحقّق سعادتكَ وسعادة عائلتك ومجتمعَكَ ووطنك ودولتك والعالم فهل ترفضُها؟ نعوذُ بالله من الجهل والعمى وعدمِ المعرفة وعدم العلم.

إيثار الأنصارِ للمهاجرين على أنفُسِهم:

قال: “وإذا شئتُم نبقي هذه الأموال للمُهاجرينَ، ويُرجِعونَ لكم أموالكُم التي أعطيتموها لهم، وإذا شئتُم أُبقِي القسمة على حالها وأوزّع الفيء عليكم جميعًا” فماذا كان الجواب؟ لو أُحضِرَ كاتب روائي ليتخيّلَ التضحية والإيثار فخيالُهُ لن يتخيّل أن يُقدّم قصّة تقبلُها العقول كما حقّقها الإسلام بالواقع العمليّ المشاهد المنظور! “قالوا: لا يا رسول الله: لا نقبَلُ لا هذه ولا تلك، إذن فماذا تُريدون؟ قالوا: ما أعطيناهُ مِن أموالنا وأراضينا ومنازلِنا لإخواننا المهاجرين فلْيبقَ لهُم، وهذا الفيء الذي حصَلَ كذلك أعطِه لهم، الذي أعطيناه لهم بارك الله لهم فيه، وهذا الذي جاء أيضاً نتركه لهم”.. هل هكذا تَكَلَّم الشعبُ الرّوسيّ لَمَّا طُبّقت الشيوعيّة في روسيا؟ فما كان من النبيّ ﷺ إلا أن قال: ((اللهمَّ ارحمِ الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار)) 18 ، وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9]، فمع حاجتهِم آثروا إخوانَهُم المهاجرين، هذا مِن الدِّينِ والفِقْهِ، هل يُعلّمُ الفقيهُ الناسَ بأقواله وبأعماله وبسلوكه وبالإقناع هذا الفِقْه؟ هذا أليس مِن الفقه؟ ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) 19 ، أليس هذا من الدين؟ هل الفقه هو أبواب الطهارة إلى أبواب العِتْقِ؟ كيف يُدرَّسُ “باب العتق” ولم يبق هناك عبيد؟ الـمُدَبَّر والمبعَّض وغير ذلك لم يبقَ منهم شيء، بقي الـمُدْبِرون عن الدين، اللهم اعفُ عنّا واغفِر لنا.

طهارة نفس الأنصار وشُكر المهاجرين لهم:

قال: ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الحشر: 9]، لَما قسَّمَ النبيُّ ﷺ لهم هذه القسمة لم يقع في قلب أحدهم ريبةٌ أنه لماذا حتى يأخُذَ المهاجرون ونحن لا نأخذ؟ لم يقولوا: ألسنا مسلمين مثلَهُم؟ لم يُوجَد مَن حسَدَ ولا اغتاظ ولا غضب ولا رفض، فما هذا الإسلام الذي صنَعَ بالإنسان العربيّ هذا الصَّنيعَ الذي عَجَزَ عن صنيعِهِ حُكماء التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل! هذا الإسلام، هل يجوز للإنسان المسلم ألا يَفهَمَ إسلامه؟ هل يجوز للإنسان أن يجهَلَ أباه وأمّه، هل يجوز للإنسان الجائع أن يَجهَلَ الطعام والمطعَمَ والـمَعجَن وبيت المؤونة؟ أسألُ الله عزّ وجلّ أن يشفينا مِن غفلتنا، ويُحيي مَوَات قلوبنا بِنوره وذكره وبالعُلَماء الذين هم ورثة الأنبياء.

وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه لَمَّا رأى الأنصار كيف قابلوا إخوانَهُم المهاجرين، قال

جَزى اللَهُ عَنّا جَعفَرًا حينَ أَزلَقَت
بِنا نَعلُنا في الواطِئينَ فَزَلَّتِ

أَبَوا أن يملُّونا وإنْ كانَ أُمُّنا
تُلاقي الَّذي يلقون مِنّا لَمَلَّتِ

“أَبَوا أَن يَمَلّونا”: تحمَّلُوا فقرَنا وأولادنا وزوجاتنا ومصروفنا وقدَّمُوا لنا بيوتَهُم ومزارعَهُم، “وإنْ كانَ أُمُّنا” أمُّك التي ولدتك.. فمعنى ذلك أنّ المؤمنَ يُحِبُّ المؤمن أكثَرَ ممّا تُحِبُّ الأمّ ولدها.

الإيمان لا يكون إلا بصحبَة النبيّ ﷺ أو وارثه من بعدِهِ:

أين هذا الإيمان؟ لا يخرج هذا الإيمان من كليّة الشريعة وكلية الدعوة، فالكلية لا تُعَلِّم هذا الإيمان، ولا يَصنَعُ الإيمانَ هذا إلا وارثٌ محمّدي ترتبطُ فيه برباطٍ فولاذيّ، مثل القاطرة والمقطورة، فالقسم الأمامي للقطار يسمّى قاطرة وهي التي تجرُّ المقطورات.. ركبتُ في اليابان قطاراً يُسمُّونهُ قطار السّهم وهو يمشِي ثلاثمئة كيلو متر في الساعة، ولذلك لا يمكن أن يكونَ لسكّتِهِ يمين أو شمال، ينطلق مثل السّهم ولذلك فالجبال كلها مخروقة، فالمقطورات إذا لم تكن مربوطةً بالقاطرة برباطٍ فولاذي فهل تَستفيدُ مِن سُرعَة القاطرة السَّهم؟ هل تَسيرُ بسيرِها؟ هل تصلُ إلى ما تصِلُ إليه؟ والرَّابطة رابطةُ الحبّ، فيجب أن يكون حبُّكَ للوارث المحمّدي هذا الحبّ الذي لا يَنفصِلُ لا بهوى ولا بأنا ولا بغضَبِ ولا بِرضى ولا بِفائدة ولا بلا فائدةٍ.

الحبُّ ((لا إيمانَ لمن لا محبَّة له)) 20 ، علامةُ الإيمان الحبُّ، حبُّكَ للنبيِّ ﷺ هذا هو الإيمان، وإذا قال النبيّ ﷺ لكَ: هذا وارثي ونائبي ووكيلي! ((إنَّ الملائكةُ تضعُ أجنحتَها لطالبِ العِلْمِ)) 21 ، و ((إنّ الملائكةَ في السّماء، والطير في الهواء، والسّمك في الماء ليُصلُّون على مُعلِّمِ الناس الخير)) 22 ، إذا كانت الحيوانات في البرِّ والجوّ والماء والملائكة في السماء، وأنتَ مع مَن تكونُ معَ الشياطين أم مع الملائكة؟ كيف يكونُ الناس مع شيخِهم وعالِمِهم؟ ولذلك يُوجَد حديث: ((إذا أبغَضَ المسلمونَ علماءَهُم وأظهَرُوا عمارةَ أسواقهُم، وتألَّبُوا على جَمْعِ الدَّراهم ابتلاهم الله بخصال)) مِنها ((القَحطُ مِن الزمان، والصَّولَةُ من العدوّ)) 23 ، هؤلاء اليهود الأعداء في كلّ مراحل التاريخ لم ينتصِرُوا إلا على العربِ وفي القرن العشرين، أمَّا العرب فماذا فعلوا بهم في ظلّ الإسلام؟ هل أبقوا يهوديّاً في الجزيرة العربية؟ أجلَوهُم، الآن هم يُجلونَنا ويَعتدون على أوطاننا، والإسلام يقول لنا: “هلمَّ إليّ فنصرُكم عندي، وسلاحُكُم معِي، هلمُّوا هلمُّوا”.. فنسأل الله أن يُعيدنا إلى الإسلام عودًا ويردّنا ردًّا جميلًا.

توزيع الفيء كان من أجل مكافحة الفقر:

﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [الحشر: 7]، يَعنِي هذا الفيء الذي لم تَصِلُوا إليهِ بقتالٍ ولا بركوبٍ على الخيل ولا على الإبل، ولكن بالرُّعْبِ الذي سلَّطَهُ الله عليهِم، ما حكمُهُ؟ قال حكمُهُ ﴿فَلِلَّهِ وللرَّسُوْلِ إلى آخر الآية، قالوا لماذا خُصّص لهؤلاء، ولم يكن للجيش نصيبٌ؟ قال: لأنكم لم تُقاتِلوا ولم تبذِلُوا جُهْدًا، وهؤلاء الفقراء والمساكين أين سيصيرون؟ هل نُنشِئ رأسمالية؟ وما حال الفقراء والجياع؟ المجتمع الإسلاميّ لا يكونُ فيه جائعٌ ولا ضائع.. قال: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً حتى لا يبقى الأغنياء هم فقط من يتداولون المال، بل يكون المال يُتداوَلُ بين عموم الشعب والمجتمع.

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، النبيّ ﷺ مُبلِّغٌ عن الله عز وجل، ﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لا تتجاوزوا ولا تعتَرِضُوا ولا يَقع في قلوبكم شيء من خواطر النفس.. ولم يقَع- في الحقيقة- في قلوب الأنصار شيءٌ رضِيَ الله عنهم ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. هذا الفيء ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِم وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ يعني ينصرون دينه ﴿وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر: 7- 8] ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أعطى النبيّ ﷺ للفقراء الثلاثة من الأنصار، يَعني ليسَت العلة أن يكونوا مهاجرين أو أنصار، وإنما العلّة هي الفقر أينما وُجد، أيضًا ليس للفقراء فقط بل هو أيضًا للذينَ هم في المدينة، “تبوؤوا” يعني منزلهُم وموطِنهُم وسكَنهُم في المدينة وسكَنَ الإيمانُ في قلوبهم، وسكنُوا في باحة الإيمان؛ تبوَّؤُوا الدار وتبوؤوا الإيمان، مثلما يَسكنُ في بيته وفي بلدِهِ، كذلك الإيمان ساكن في قلبِهِ، فهو مع الله ومع إيمانه، قال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ لم يغتاظوا ولم يقولوا: لِمَ أعطاهم ولم يُعطِنا؟ ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا لم يحزنوا ولم يغضبوا ولم يقولوا: هؤلاء جماعتُهُ وأقرباؤه، وهؤلاء مِن قريش وهو مِن قريش.. المؤمن المحبّ الصادقُ ليس له اعتراض، وخصوصاً مع النبيّ ﷺ الذي لا يَنطق عن الهوى ولا يَعمَلُ إلا بوحي من الله عزّ وجلّ فلا يمكن الاعتراض عليه، قال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ مع شدّة الحاجة كان يقدّمُونَ غيرَهُم على أنفُسِهِم، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ كلّ إنسان فيه شحّ وحِرصٌ على المال واستئثارٌ بِهِ، فالإيمان هو الكابح الذي يَكبَحُ جماحَ الشُّحّ ويَنقلُكَ مِن الشُّحِّ إلى السّخاءِ والبذل، ولكن في مواضعه ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[الحشر: 9]، هذه بالنسبة لقضية بني النضير وفيئهم، ومن مدرسة القرآن هذه امتدّت هذه الأخلاق في المسلمين في زمن رسول الله ﷺ وبعده.

الإيثار في زمن النبيّ ﷺ:

ففي زَمَنِ رسول الله ﷺ يُقال إنه: “قُدّم رأس شاة لبيت فقيرٍ في المدينة، فقال: البيت الفلاني أفقَرُ منّي أعطوهُ لهم، فأعطَوهُ للثّاني فقال: البيت الفلاني أكثر حاجةً مني أعطوهُ لهم، فأعطَوه للثالث، والثالث قال: بيت فلان أفقرُ منِّي أعطوهُ لهم حتى دار على سبعة بيوتٍ من الفقراء”، وكلٌّ منهم يُفكّرُ في غيره ويؤثِرُهُ على نفسِهِ، أليس هذا مِن الفقه في القرآن وفي الإسلام؟ هل هذا فقه أم جهلٌ؟ هل نُعلّمُهُ للناس؟ علّمَهُ النبيُّ ﷺ بقولِهِ وبحكمتِهِ وبأخلاقِهِ وبأفعالِهِ، ويجبُ أن يَكون التعليمُ هكذا بربّانيّته وبروحانيّته، “فالسّابع قال: أعطوه لبيت فلان، فكان بيت فلان هو البيت الأول”، فهل عندكم هذا الإسلامُ؟ هذا أليس إسلامًا؟ هل هذا إسلامٌ مرفوض أم مقبول؟ هل تَستطيعونَ أن تُؤاثِروا؟ تعلَّمُوا الإيثار يا بني! قدّم أخاك على نفسِكَ بالتكريم والتعظيم، إذا كانت عندَهُ فائدة أو مصلحَة فلا تأتِ ولا تحاول أن تُفسِدَ عليه عملَهُ أو فائدتَهُ أو ربحَهُ أو زواجه أو بيعَهُ أو ثروته، هذا ضدُّ الإسلام، وهذا كفرٌ بالإسلام، وهذا عكس الإسلام.

الحسد وخطورته على الدّين والإيمان:

فهل يوجَدُ إسلامُ ﴿وَيُؤْثِرُونَ؟ أو هل يوجَد ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا؟ إذا كان أخوك اشتغَلَ وسعى والله قد أنعَمَ عليه وفتَحَ عليه أبواب الرزق، فلماذا الحسد وضيق الصدر والمعاداة والإيذاء بكلِّ أنواعِ الأذى؟ وهؤلاء الصحابة قد تنازلُوا عن حقّهم وما حَزِنوا؛ وما وجدُوا في صدورِهِم حاجةً، هل الحسَدُ من الإسلام؟ سمَّاهُ النبيّ ﷺ: ((الحالقة)) قال: ((لا تحلقُ الشعر، ولكن تحلقُ الدّين)) 24 ، الحسَدُ بين الجيران، والحسَدُ بين الأقارب، وحسد “الكار” [الكار: كلمة عامية بمعنى الصَّنْعَة أو المهنة، والمعنى هنا: الحسد بين أصحاب المهنة الواحدة] فيتحاسَدُ الأطباءُ مع بعضِهِم، والمحامون مع بعضِهِم، والمشايخ مع بعضِهِم، أسأل الله أن يَحميَنا مِن الحسد، فالحسد يحلِقُ الدّينَ كما تحلق الموسى [شفرة الحلاقة] الشعر.

أنواع الكفر:

صِرنا نحن بعكس الإسلام، وهذا اسمُهُ كُفرٌ بالإسلام ((من تركَ الصلاة فقد كفرَ)) 25 ، يُوجَد الكفر العامّ، وهو الذي يَكفُرُ بالإسلام جملةً وتفصيلًا ويرفضُه، ويُوجَد كفرٌ جزئيّ؛ يكفر بالصّلاة فلا يُصلّي أو يكفرُ بالزكاة فلا يُزكّي أو يكفر بالحجّ فلا يحجّ وهو مستطيع ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران: 97]، ما معنى ﴿وَمَنْ كَفَرَ يعني “ومن لم يَحُجّ” هذا الكفر الجزئي والكفر الخاص، فهل نستكمِل إسلامنا أم نتركهُ ناقصًا؟ هل تقبَلونَ بسيارة بثلاث عجلات؟ وإذا كانت السّيارة بعجلةٍ واحدة؟ فكيف لو كانت سّيارة ليس عندك منها إلا العجلة؟ وتمثّل بأن ناقل الحركة (الفتيس- الجير) في يدِكَ، وتُصدرُ أصواتاً بفمك وكأنها الزمور، ماذا سيقولون عنك؟ على هذا المقياس؛ فهل المجانين في الإسلام في مجتمعنا أكثر أم العقلاء أكثر؟

((مرَّ مجنونٌ على مجلس النبيّ ﷺ، قالوا: مجنون، قال: قولوا: مريضٌ، المجنون من يعصي الله)) 26 فهل المجانين الآن أكثر أم العقلاء؟ والجنون على قسمين: يُوجَد جنون مُطْبِق؛ مجنون بشكل دائم ليلًا نهارًا وفي كلّ ساعة، ويُوجَد جنون مؤقّت، تراهُ يومًا يجنُّ ويومًا يعقل، فعندما يغضب ويَسبُّ الدّين، هذا أليس مجنونًا؟ ((المجنون مَن يعصي))، يَسمَعُ الأذان ولا يُصلّي، هذا أليس مجنونًا؟ يصير وقت الزكاة ولا يُزكّي، أليس هذا مجنونًا؟ فإذا كان على هذا الأساس بحسب القاموس النبويّ- القاموس الإسلاميّ- وليس القاموس العربي الصحراوي، فهل المجانين أكثر أم العاقلون في المجتمع؟ فإلى متى سنبقى مجانين؟ ألا ينبغي أن نصير عقلاء؟ وإلى متى سنبقى مذنبين لا نتوب إلى الله؟ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] عندما يقول المؤذّن: “حيّ على الفلاح”، يعني حيّ على التوبة، ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1- 2]، هل خشعتم حتى نأخذَ الفلاح في الخشوع؟ “حيّ على الفلاح” هل هي لواحدةٍ في القرآن أم لكلِّ أنواع الفلاح القرآني؟

تجنب الغيبة والنميمة:

لذلك يَلزمُكُم شيئان: التوبة الصادقة؛ أن تقومَ كلّ يوم بِفحصِ أذنِكَ، ماذا سمعتَ؟ هل سمعت غيبة؟ ينبغي ألا تسمع غيبة ولا أن تنطق بها، هل سمعت نميمة؟ أحدهم بلَّغك بخبر سوء، يقولون: أتى شخص إلى ابن سيرين أو بعض علماء التابعين، وقال له: فلان شتمَكَ، فغضِبَ غضبًا شديدًا من القائل، وعنَّفَهُ ووبَّخه توبيخًا، ثم دخَلَ الشاتم والسبَّاب وهو ما زال في الجلسة فصافحَهُ ومدّ له يده وأجلسَهُ إلى جنبه وبشَّ في وجهه.. ترى الآن إنساناً ينقل لك الأخبار، فإن كان صادقًا فهو نمّام، وإن كان كذابًا فهو مفسِدٌ وشيطان وفتّان، ألستم تسمعون كلام النمّامين؟ من لا يسمع كلام النمّامين منكم فليرفع يده لأراه؟ يقول لك: فلان سبّك، أو أخوك تكلم عليكَ أو أبوك أو أمّكَ أو جاركَ أو شريككَ فعلوا أشياء لا تحبها، ويكون صادقاً في كلامه، ونتيجة لذلك فأنت غضبت وسبَبتَ وشتمْتَ، مع أنّه قبل كل شيء يقول الله سبحانه وتعالى لك: ﴿فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6]، فلعلَّ هذا يكون كذَّاباً، ولو كان صادقًا يجبُ عليك أن ترفضَهُ: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ -المغتاب- مَشَّاءٍ بِنَمِيم [القلم: 10- 11]، يقول الله سبحانه وتعالى لك: لا تسمع له، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36].

أليس هذا فقهًا؟ هل أنتَ فقيه؟ كان ابن عُمَر رضي الله عنه يُمسِكُ بكعب قَدَمِ “مجاهد” -الذي هو مِن كبار التابعين ومِن كبار العلماء- حتى يُركِبَه على فرسِه، الصحابي يُكرّم التابعي، فكان مجاهد يقول: “الفقيه مَن يَخاف الله وإن قلّ عِلمُه، والجاهل مَن يعصي الله وإن كثُرَ عِلمُهُ”.. فعلى كلّ حال دعونا نتوبُ إلى الله جميعاً ونَصدُقُ الله في مجاهدة نفوسنا.. فالتوبة أولًا، وكثرة الذكر ثانيًا، والرابطة مع الوارث المحمّدي أولًا وآخِرًا، فالذي سعِدَ في حياة النبيّ ﷺ هو من كانت رابطته بنبيِّهِ أقوى، وهل يدوم النبيّ ﷺ في كل القرون والعصور؟ قال: يُوجَد لي وكلاء ونوّاب، أنا لا أحتاجُ أحدًا.. هل يحتاجُ النبيّ ﷺ الناس؟ هل يَحتاجُ اللهُ الناس؟ نحن الذين نحتاجُ الله سبحانه والنبيّ ﷺ ونحن نحتاجُ الشيخ، وأنا في غنًى عنكُم جميعًا بفضل الله، لكن أقول لكم هذا الشيء لسعادتِكُم ولمصلحتكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وأن يجعَلَنا مِن فقهاء القرآن علمًا وعملًا وتعليمًا.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. الطبقات الكبرى لابن سعد، غزوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني النضير (2/ 57)، المغازي للواقدي (1/ 367)، بلفظ: ((همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت. وبعث إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا)).
  2. قوت القلوب للمكي، (1/366). الإحياء (4/184).
  3. المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10033)، (10/86)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7045)، (9/521)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/102). مسند البزار، رقم: (6947)، (13/332)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، (6/65).
  4. صحيح مسلم، كتاب الزكاة، بَابُ تَرْكِ اسْتِعْمَالِ آلِ النَّبِيِّ عَلَى الصَّدَقَةِ، رقم (1072)، (2/756)، مسند أحمد بن حنبل، رقم: (17553)، (4/166)، عَنْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، بلفظ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ)).
  5. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
  6. الترمذي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رقم: (3686). وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، رقم: (519)، (1/356). والمستدرك، الحاكم، رقم: (4495)، (3/92).
  7. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، رقم: (5626)، (5/2227)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، رقم: (2548)، (4/1974)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي...)).
  8. ذكره البخاري في بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند. سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223)، عن أبي الدرداء.
  9. سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3895)، (5/ 709)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، رقم: (15477)، (7/ 468)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
  10. تاريخ دمشق لابن عساكر، (11996)، (13/ 312)، بلفظ: ((مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلا كَرِيمٌ، وَلا أَهَانَهُنَّ إِلا لَئِيمٌ))، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
  11. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (3519)، (4/ 25)، حلية الأولياء للأصبهاني، رقم: (3519)، (4/ 25)، عَنْ جَرِيرٍ.
  12. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
  13. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11461)، (11/ 191)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَا أَحَدٌ أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَاسَانِي بنفْسِهِ وَمَالِهِ وأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ))، وفي صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، رقم: (3454)، (3/1337)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ)).
  14. سنن الترمذي، عن أبي سعيد، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، رقم: (1955)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة رضى الله تعالى عنه، رقم: (7495)، (2/258)، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
  15. حديث: ((ليس منِّي إلَّا عالم أو متعلِّم)) كنز العمال للهندي (28804)، وابن النجار "فر" عن ابن عمر. وأحاديث أخرى ورد فيها ما يساند هذا الحديث: الترمذي في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (4/139) ونصه: "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ". أو حديث في مسند الفردوس للديلمي، (3/419)، وفي المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10461)، بلفظ: «الناس رجلان؛ عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما». الجامع الصغير، للسيوطي، وقال: (ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس) رقم: (10410).
  16. تاريخ المدينة لابن شبة (2/ 489)، تفسير القرطبي (18/21) في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ [سورة الحشر: 9] وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا غَنِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، دَعَا الْأَنْصَارَ وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ فِي إِنْزَالِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: (إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ). فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: بَلْ نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا. وَنَادَتِ الْأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ). وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ، عن الكلبي.
  17. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  18. مسند أحمد بن حنبل، رقم: (11753)، (3/ 76)، دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (1929)، (5/176)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
  19. صحيح البخاري، عن معاوية، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/ 25). صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/ 719).
  20. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين، (1/452). وهناك أحاديث كثير صحيحة بهذا المعنى كما في البخاري عَنْ أَنَسٍ، «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ... ( 15) وعَنْ أَنَسٍ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (13).
  21. شعب الإيمان للبيهقي، فصل في فضل العلم وشرف مقداره، رقم: (1696)، (2/ 262)، مسند ابن أبي شيبة، رقم: (47)، (1/55)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
  22. سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة رقم: (2685)، (5/50)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (7912)، (8/234)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وأهل السموات والأرضين حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ))، وعند الطبراني: ((وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ)).
  23. مستدرك الحاكم، عن علي بن أبي طالب، رقم: (7923)، (4/361). واللفظ: ((إذا أبغض المسلمون علماءهم وأظهروا عمارة أسواقهم وتناكحوا على جمع الدراهم رماهم الله عز وجل بأربع خصال: بالقحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الأحكام، والصولة من العدو)).
  24. سنن الترمذي، أبواب: صفة القيامة والرقائق والورع، رقم: (2510)، أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، باب مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه، رقم: (1412)، بلفظ: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحمَّد بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ)).
  25. سنن الترمذي، كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم: (2621)، سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم: (463)، سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، رقم: (1079)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22987)، (5/346). ولفظه: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
  26. أخرجه الهندي في كنز العمال عن "ابن النجار". رقم: (1045) عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فمر بهم رجل مجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه المجنون المقيم على معصية الله تعالى، ولكن هذا رجل مصاب". وتاريخ دمشق لابن عساكر "رقم (10437) (40/159).
WhatsApp