تاريخ الدرس: 1992/10/09

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:32:29

سورة الحشر، الآيات: 8-13 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضلُ الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيِّدنا محمَّد خاتِمِ النَّبيينَ والمرسَلين، وعلى أبيهِ سيِّدِنا إبراهيم، وعلى أخويهِ سيِّدِنا مُوسى وعيسى، وجميعِ الأنبياء والْمُرسَلين، ومَن تَبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وبعد:

خلاصة في نَقضِ بني النّضير للعهد:

فنحنُ الآن في تفسير بعضِ آياتٍ مِن سورة الحشر، وتقدّم معَكُم أنَّ كلمةَ الحشر تعني الجلاء: أي سورة الجلاء، أو الإجلاء: وتَعنِي كيف أنَّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام صلّى الله عليه وآله وسلّم أجلى اليهود عن الجزيرة العربيّة مرّتين، مرّةً أجلى بني قينقاع بعد غزوة بدرٍ، والإجلاء الثاني كان إجلاء بني النّضير بعد معركة أُحُدٍ، وسورة الحشر أي سورة الجلاء: جلاء اليهود، أو إجلاؤُهُم وإخراجُهُم مِن المدينة المنوّرة، فتَعنِي السّورةُ قصَّةَ إجلاء اليهود من المدينة المنوَّرة الإجلاء الثانيّ، وذلك لِمَا فعَلُوا مِن نقضِهِم للعهود وخيانتهم للمواثيق ومحاولتهِم اغتيال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وتحالفِهِم مع أعداءِ الدّولة النبويّة الإسلاميّة، حيثُ تحالَفُوا مع قُرَيش ومع قبائل غطفان، على أن يُعطوهُم ثلثَ تمر المدينة، يَعنِي ثلثَ ثمارِها ليتحزَّبُوا ويَتَجمَّعُوا في معركة الأحزاب، ليَستأصِلُوا محمَّدًا والدّولة العربيّة القرآنيّة، ولا يُبقُوا مِن ذلك أثراً ولا يُبقوا خبراً.

وسبَقَ معَكُم شيءٌ في حدودِ التّفسير فيما يَتعلَّقُ بإجلاء بني النَّضير، والشروط التي أُعفُوا فيها عن إعدامِهِم، لأنّهُ في القرن العشرينَ تُعاقَبُ الخيانة الوطنيّة والتواطؤ على الدّولة والاتصال بالخارج مع أعداء الدولة، فهذا في القانون الحديث يُسمَّى الخيانة الوطنيّة، وعقوبتُها في كلّ دول العالم الإعدام في محكمة مدنية ورمياً بالرّصاص، فمن رحمة الإسلام وسموِّ وإنسانية قوانينه لم يُعدم بني النّضير واكتفَى بإجلائهِم عن الجزيرة العربيّة، فكانَت معاملتُهُم مِن أسمى قوانين العالم وإلى القرن العشرين، حيث أمثالُ هؤلاء في أيِّ دولة مِن أمريكا إلى أوروبا وإلى اليابان يُحكَمُون بالإعدام في القانون العالميّ في القرنِ العشرين- أليس كذلك يا أستاذ عدنان فأنت محامٍ؟- فإذن إذا أجلَاهُم هل يَكونُ الحكمُ قاسياً؟ لا يُوجَد قانون في الدُّنيا رحِمَ مجرِماً كجريمتِهِم كما رحمَهُم الإسلام.. ومِنْ قَبْلُ لإفسادهم في الأرض كما ذكَرَ القرآن: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء: 4]، فأجلَاهُم نبوخذ نصّر إلى العراق، وأخرَجَهُم الرّومان مِن كلِّ فلسطين بعدما هدَّمُوا القدس، ولذلك لَمّا فتَحَ عمرُ أميرُ المؤمنين بيتَ المقدِس اشترَطَ عليه البطارقة -يعني رؤساء الكنائس النصرانيّة- أنَّهم لا يُسلِّمونَهُ مفتاحَ القدس ولا يَعقِدون صُلحاً إلا بشروط مِن جُملَتِها وأولها أن لا يُمَكِّنَ ولا يُبْقِيَ يهودياً في فلسطين، هذا طلَبُ الكنائس النصرانيّة، وألا يَسمَحُ ليهوديّ أن يُقيمَ في فلسطين، فإذا عاملَهُمُ الإسلام بما عاملهم بعد تلك الخياناتِ والمؤامرات ومحاولة الاغتيالات، فهل يَكونُ هذا قَسوةً في القانون الإسلامي؟ هذا شيء.

التصرُّف في الفيء والتكافل الاجتماعيّ في الإسلام:

والشّيء الثّاني أنّ الله جعلَ أراضي بني النّضير فَيْئَاً بعد أن صاروا محارِبِين، لأنّهُ لم تكن هناكَ معركةٌ، فجُعِلَت أموالَهُم تحت تصرُّفِ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وفي القانون الإسلاميّ ثمانون بالمئة من غنائمُ الحرب تكونُ للمقاتلين، وعشرون بالمئة لبيت المال، حسَب الخُمسِ الذي ذكرَهُ القرآن في سورة الأنفال، أمّا ما يُؤخَذ بلا حربٍ فيُسمَّى فَيئاً، فهذا يَكونُ تحت تصرُّفِ النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام حسب ما وزَّعَهُ القرآن في سورة الحشر، فالنبيّ عليه الصّلاة والسّلام اقتطعَ منه راتباً سنوياً- الدّولة تجعَلُ راتباً شهرياً- فالنّبيّ صلّى الله عليه والسّلام اقتطَعَ راتباً سنوياً لنفسِهِ وأسرتِهِ وحوائج المسلمين، مثلما يقولون: النفقات الخاصة المَسْتُورة، وما بقي يُصرَفُ في السّلاح لِتقويةِ الجيش والدولة عسكرياً، فثمانون بالمئة مِن الميزانية الثابتة هي للسّلاحِ وتوابعِهِ، يَعني لِبناءِ القوة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60]، مثلُ هذه الآيات ليسَتْ للشّخص الفرد، بل هذه موجَّهَة للدّولة، وكل دّولة بحسَبِ زمانِها وظروفها.

ولَمّا أراد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أن يتصرَّفَ بالفيء أراد أن يَقضي على الفقر، وقد كان المسلمون الذين هاجَرُوا مِن مكّة إلى المدينة تركُوا أموالَهُم ومساكنهم وتجاراتهم وهاجَرُوا بدينهِم، وقابلهم الأنصار وشاركُوهُم في مزارعِهِم وفي بيوتِهِم، حتى أن البعض كان له زوجتانِ، فالأنصاريّ يقول للمُهاجر: اخترْ أجملَهُما لأطلِّقَها وتتزوَّجها، فبعشر سنوات يَنقَلِبُ المجتمع أخلاقياً وروحياً وبذْلًا وإيثارًا، فما هذا الشيء الذي حوّل المجتمع العربي في عشر سنوات؟ والجزيرة العربية تُعقَّمُ مِن الصهيونية العالميّة، وبعد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام بعشر سنوات عُقِّمَت بلاد الشام وبلاد مصر من كلّ آثار الاستعمار، فكان الجهادُ في سبيل الله محاربةً للاستعمار وللاستبداد وللظلم وللطغيان الأجنبيّ الذي عجَّمَ كلّ البلاد العربية وجعَلَها لا تتكلَّمُ باللغة العربية، فكانَت لغةُ بلاد الشام -سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ما عدا بادية الشّام- اللغة الرومانية واليونانية، فمَن الذي نَصَرَ العروبة وقومِيَّتها ولُغتها ووحَّدَها وحرَّرها؟ إنه الإسلام!

[يجدر الانتباه أن الشيخ رحمه الله كان كثيراً ما يستخدم مصطلح العروبة والقومية في الدروس العامة، لأنه كان شعاراً ترفعه كثير من الحكومات العربية، فكان يعلمهم بطريقة مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً أخرى أن الفخر والنجاح والحضارة التي كانت للعرب هي بسبب الإسلام لا بسبب العروبة، فارجعوا إلى دينكم فهو مجدكم وعزكم وسبب انتصاراتكم.]

لم يبقَ مِن الإسلام إلا اسمُهُ:

لكنّ الإسلام الذي حرّرها هو إسلامُ القرآن، والإسلام الذي يقودُهُ ويُعلِّمُهُ سيِّدُنا محمّد بن عبد الله ﷺ، ثمّ خلَفَ مِن بعدِهِم خلفٌ صاروا في عصرنا الآن كما قال سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه: “لا يبقى من الإسلام إلا اسمه” ولو صلّى وصام، هذا الهيكل العظميّ للمسلم، هل يُوجَد أحد يرضى أن تكونَ له زوجة من هيكلٍ عظميّ؟ نخرجها من القبر، وقد فقدت روحها وذاب لحمها ثم نضعُها له ليلة العرس على الأريكة أو على السرير ونغطيها ونقول له: تفضّل، ماذا يحصل إذا رفعُوا له اللحاف؟ وإذا دخلَت إلى الحفلة، هل يَصير هناك زغاريد أم “ولاويل”؟ [بكاء مع صراخ] والمسلمون الآن هل يحتاجون إلى زغاريد أم إلى ولاويل؟ لأنّ إسلامَهُم هيكل عظميّ، حتى في المسجد، حتى نحن المشايخ -بالطبع ليس الكلّ وليس كلُّ المسلمين- لكن الإسلام كمجتمعٍ وكدولة فلا يُوجَد بلدٌ إسلاميّ مِن إندونيسيا إلى المغرب يُقيمُ ما أقامَهُ القرآن أو ما أقامَهُ النبيّ عليه الصلاة السّلام، وأرجو الله أن يُوفّقهم كلّهُم لسُنَّة رسول الله ﷺ ولسِكَّة القرآن الذي لا عِزَّ للعرب ولا للمُسلِمين ولا سلام للعالم إلا بالقرآن.

إسلام الإيثار:

فلمّا أراد أن يُوزِّعَ الفيء جمَعَ الأنصار وأثنى عليهِم بما قدَّموا لإخوانِهِم المهاجرين لِمُشاركتِهِم في أرضهِم وأموالهم، وقال لهم: ((إِنَّ إِخْوَانَكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَكُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ فَقَسَمْتُ هَذِهِ فِيهِمْ خَاصَّةً؟» قَالُوا: لَا، بَلِ اقْسِمْ هَذِهِ فِيهِمْ، وَاقْسِمْ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ)) 1 .. هل هذا إسلام أم ماذا؟ أهذا عروبة أم قوميّة أم وطنيّة أم تقدّمية أم رجعيّة؟ ما هذا؟

لكن هل هذا موجود الآن؟ تجد اليوم اثنين من المسلِمين يُصلّيان ويَصومان وأحدهما يَتَعدَّى على الثاني مِن أجلِ ليرةٍ سوريّة ظلماً وحراماً وغشًّا وكذباً وتَدلِيساً، هذا مثلُ السّيارة التي لم تَعُد تصلُحُ للسَّير ولا للعمَل، تحتاج إلى أن تُوضَعَ في حرارة ألف درجة فتنصهِرُ وتَرجِعُ حديداً خاماً، وبعدها تنصبُّ حتى ترجعَ سيارة بالمعنى الحقيقي.. أين الإسلام؟ وليس إسلامُ الإيثار، بل إسلام الزّكاة، فإذا كان عندَكَ مليون أعطِنا منهم خمسةً وعشرين ألفاً ودع لك الباقي، فلا يُعطي ولا ألفًا، وأمّا في الحرام واللهوِ والترَف والبطَر والتفاخر فيَصرفُ بلا حسابٍ ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاْطِين [الإسراء: 27]، إخوان الشياطين أَمْ “إخوان المؤمنين؟” فبدَلَ أن تشتري سيارة مرسيدس موديل 500، اشترِ واحدة موديل 200 مثلاً، [كانت المرسيدس موديل 500 في سوريا في ذاك الوقت أحدث وأغلى سيارة] ثم إن الاثنتين توصلانك إلى مرادك، والباقي تَصرِفُهُ في بناء الإسلام، والباقي تَصرِفُهُ على مَن لا يَجدون الطعام واللباس والمسكن، وعلى مَن لا يَجدُونَ العلمَ والتعلُّم.. هذا هو الإسلام!

تعلم الإسلام الصحيح يحتاج إلى التنفيذ العمليّ:

أمّا أن نَقرَأُ القرآنَ ونسمعهُ بالأصوات الشجيّة، ونقرأهُ بالهمهمة، فهذا مثل الذي استلَمَ شيك بمئة ألف دولار، وهو بأشدِّ ما يَكون حاجة للطّعام والشراب والمسكن والزواج، أو إيصالاً بخمس مئة ألف دولار، وهؤلاء يَقضُونَ كلّ حوائجه ويَزيدُ معَهُ، ويَصيرُ له رأسمال ويَشتغلُ، فأخذَ الشيك فَرِحاً وهو يرقص وهنّأهُ كلّ الناس، ولكن كيف استعمَلَه؟ يَقرؤه في كلّ مجلس يدخل إليه، ويقول: مكتوب في الشيك: “على البنك الفلانيّ أن يدفع لحاملِ هذا الشيك خمس مئة ألف دولار نقداً وعدًّا”، ويذهبُ إلى السينِما أو إلى حفلات الأموات (التعازي) أو حفلات الزواج فيُعيدُ قراءة الإيصال، والذين يَسمَعُونُه كذلك كلُّهُم يُطرَبون ويَهزُّون رؤوسَهُم طرباً، فماذا استفادوا؟ وماذا استفاد هو؟ هكذا يُقرَأ القرآن!.. القرآن يا بُنيّ كتاب تربية وأخلاقٍ وبناء الروح والنّفسِ والعقل بالحكمة، وبناء الإنسان الإنسانيّ، وتحويلهُ مِن إنسانٍ حيوانيّ لا يَعرِفُ إلا بطنَهُ وفرجَهُ، وتحويلهُ مِن إنسانٍ شيطانيّ لا يَعرِفُ إلا الشرَّ والفسادَ والإفساد إلى الإنسان الإنسانيّ والملائكيّ، وتحويلهُ مِن الإنسان الضّعيف أخلاقاً وإيماناً وروحاً وعقلاً وفكراً إلى الإنسان الفاضل، هذا هو القرآن!

لكن إذا جاء رجلٌ ليأخُذَ كتاباً إنكليزياً ولا يعرف قراءته هل يستفيدُ منه شيئاً؟ إنه يَحتاجُ إلى مترجِمٍ يُساعِدُه على فهمِهِ، والقرآن ليس للقراءة والفَهْمِ فقط، كما أنّ تعلُّمَ السّباحة لا يكونُ بالمحاضرات، بل يكون التعلُّم في النهر أو في البحر، وتعلُّم الطّبخ لا يكونُ بالمحاضرات، بل يَكون في المطبخ، فإذا لم يتعلم المسلِمُ الإسلام نظرياً وعلميّاً وصحبةً ومربّيًا ومرشدًا فسنَرى المسلمين كما هو واقعُهُم متخلفين في أُخرياتِ الأمم اقتصاداً وقوّة وعلماً وإلى آخره، فالأنصار قالوا: “ما أعطيناه يبقى لهم” ولم يكتفوا بذلك فقالوا: واقْسِمْ هَذِهِ فِيهِمْ، وَاقْسِمْ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ”.

قراءة القرآن تكون بالعمل بما جاء به:

هذه معاني سورةِ الحشر، هل نُحصِّلُ مِن هذه المعاني قليلاً أو كثيراً عندما نقرؤها؟ هل نَفهَمُ مِن هذه المعاني قليلاً أو كثيراً؟ فإذا لم تُحصِّل فأنتَ لم تَقرأ القرآن ولا فهمتَه ولا شمَمتَ رائحته، ولو كنتَ شيخ قرّاء مصر والبلاد العربية، ولو كنت تقرؤُهُ على القراءات الأربعة عشر، بل قراءتُكَ أنت ليست ولا على واحدةٍ من القراءات الأربعة عشر، بل قراءتُكَ على القراءة الخامسة عشر، ولا يُوجَد في عِلْمِ القراءات قراءةُ الخمس عشرة، فالقراءات أربعة عشر، أمّا الخامسة عشر التي أنا أكلمكم عنها، فهي التي ذكرَها القرآن بقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ يعني يَقرؤون التوراة قراءةً أو حِفْظاً من التوراة أو مِن الذاكرة ولا يَفهمونَها ولا يَعكِسُونها ولا يُحوِّلُونها إلى عَمَلٍ وسلوك وأخلاق، قال: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5]، السور في التوراة تُسمَّى “أسفاراً”، وفي القرآن اسمها “سُوَر”، قالوا: الحمار إذا كان حاملًا للأسفار فهل يصيرُ عالماً؟ أيضاً هؤلاء إذا قرَؤوها يَبقونَ حميراً، لأنّهم يَحمِلُونَ العِلْمَ ليس من أجل أن يَتعلَّموهُ فيَعمَلُوا به، ويَستمعون العِلْمَ ليس من أجل العمَلِ والتخلّق والسّلوك.

وبعضُ المنافقين كانوا يستمعون إلى النبيِّ ﷺ ليبلّغوا كلامَهُ إلى اليهود وإلى أعداء الإسلام، فذَكَرَ الله عنهم في سورة المائدة: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ [المائدة: 41]، يَأتون إلى الدّرس ويَحضُرونَ مجلسَ النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام لكن هل ليتعلّموا أو ليتفقّهوا أو ليتّقوا؟ يأتون لمجلس النبي ﷺ ويَسمعون حديثه ويستعملونَهُ بالشكل الذي يُريدُه لهم شيطانهم وأهواؤهم، ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ إلى آخر الآيات، إذاً هذا يَسمع ويحضرُ مجلس النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، هل هناك أعظمُ من رؤية النبيّ عليه الصلاة والسّلام ومن مجلسِهِ ومِن مسجدِهِ؟ وهم ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا [الأحزاب: 61]، لذلك يا إخوان يجبُ أن نَصيرَ مُسلمين ولو بحجم قيراط إسلامًا عمليّا قلبياً وأخلاقياً وعقليّاً وحياتيًا.

بَنى الإسلامُ الإنسانَ الفاضل والأسرة الفاضلة والمجتمعَ الفاضل والوطن الفاضل والعالَمَ الفاضل، فلَمّا أقبلَتِ الدّنيا على المسلمين وغرقُوا في شهواتها وملذاتها غابُوا عن الإسلام والقرآن بمقدار ما غرِقوا في الشّهوات واللّذّاتِ وأمور الدنيا، أمّا الصحابة رَضِيَ الله عنهم فهم تربيةُ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام الذين تعقَّموا مِن كلّ هذه الجراثيم، فصاروا أباطرة وهزَموا الاستعمارين الشرقي والغربي؛ الفارسيّ والروماني ولم تُغيّرهم الدّنيا، “يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك”.

الحسدُ هو حالقة الدّين:

ذكَرَ الله قسمةَ الفيء فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر: 8]، والنبيُّ عليه الصّلاة والسّلام أعطَى لثلاثة مِن الأنصار أيضاً كانُوا فُقَراء، فالعلَّة ليسَت المهاجرين والأنصار، وإنما العلَّة الحاجَة، قال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وللذين ﴿تَبَوَّءُوا الدَّارَ، يعني دار الإيمان والإسلام التي هي المدينة، يعني أهل المدينة ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ مَن كان يَسكن دار الإيمان التي كانَت المدينة؟ الأنصار، قال: لفقرائِهِم أيضاً، ﴿تَبَوَّءُوا الدَّار دار الهجرة التي هي المدينة ﴿وَالْإِيمَانَ والمؤمنون مِنهم، ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا لَمّا قسمَ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام الأموال على المهاجرين لم يحسدهم الأنصار ولم يغضبوا ولم ينتقدوا ولم يقع في قلوبِهِم حسدٌ.

هل يفكر المسلم عندما يقرأُ هذه الآية بهذه المعاني؟ وهل يجب على المسلمين الإيمان بهذه الآية أم ليس واجباً؟ إنه واجبٌ، فإذا رأيتُم أحدًا مِن أقاربِكُم أو مِن أصدقائِكُم أو ممّن تَعرِفُونَ قد أنعَمَ الله عليه بنعمةٍ، هل تجِدُ في صدرِكَ حاجَةً ممّا آتاه الله سواء أكان أباك أو عمَّك أو جارَكَ أو شريكَكَ أو رجلًا في السُّوق؟ الحسَدُ يَسري في الناس كسَريانِ الحريقِ والنار في الهشيم.. وسمّى النبيّ ﷺ الحسَدَ: ((الحالقة)) قال: ((لا أقولُ تحلِقُ الشعر، ولكن تحلقُ الدّين)) 2 وبسبب الحسَدِ كانت قصّة هابيل وقابيل؛ فامرأة هابيل أجمَلُ مِن امرأة قابيل، فذهَبَ وقتَلَ أخاه، ولَمّا رأى يوسُفَ عليه السّلام منامًا وكان ما زال صغيراً حسده إخوته على منام، وقالوا: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ [يوسف: 9]، ووجَّهُوا الألقاب لأبيه سيّدنا يعقوب أبو أنبياء بني إسرائيل فقالوا: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [يوسف: 8]، أمّا بالتربيَةِ المحمَّدية الإسلاميّة القرآنيّة فالذي كان مُنتسِبًا لمدرسة القرآن، ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً، يعني حقدًا وحسَداً وتضيُّقاً مما أوتي المهاجِرون، ولَمّا خصَّصَ النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام كلّ الفيء للمهاجرين هل غار منهم الأنصار؟ النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام قسمَ حسَبَ ما ألهمَهُ الله عزّ وجلّ.

الآن إذا كان هناكَ مَن أعطاهُ الله نعمةً ترى أخاه وجاره وعامله وعمّه وخاله ينظر إليه نظرة حسَد، ((لا يَجتمعُ حسدٌ وإيمان في قلبِ مؤمنٍ)) 3 ، انتبِه إلى الحسَدِ والحقد والعُجب والرياء ومَن يَظهرُ بوجهين -هنا وجْهٌ وهناك بوجْهٍ آخر- والنبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: ((ذو الوجهين لا يَكونُ عند الله وجيهاً)) 4 ، والغيبة والنميمة والعُجْب بأعماله، والنبيّ عليه الصّلاة والسّلام مع ما أثنى الله عليهِ وأعطاه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح: 2]، كان يقول: ((يا مُقلَّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلبِي على دينِكَ)) 5 ، ولَمّا مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه قالت زوجتُهُ عنه: “هنيئاً لك الجنة”، فغضِبَ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وقال لها: ((وما يُدريكِ؟)) قالت: “يا رسول الله صاحبَكَ وقاتَلَ معَكَ وهاجَرَ معَكَ..”، قال: ((أمَّا أنا فلا أَدرِي ما يَفعَلُ الله بي، قولي: أرجُو له الجنّة)) 6 ، لا نتألَّى على الله عز وجلّ.

الإيمان هو أن تُخرج مِن قلبك حبّ كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ:

قال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ لم يتَضايَقُوا مِن مُساعدتِهِم على فقرِهِم وإفلاسِهِم، بل شاركُوهُم بالأموال، ومعنى ذلك أنّ الإيمان هو أن تُخرج مِن قلبك حبّ كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ، “إلهي أنتَ مقصودِي ورِضاكَ مطلوبي” لا تجارةٌ ولا زوجة ولا أب ولا أمّ ولا ولدٌ أحبّ إليك مِن الله ورسوله.. وماذا يعني حبُّ الله سبحانه؟ هل يعني أن يُقَبِّلك؟ وماذا يعني حب رسول الله ﷺ؟ هل أن تقبِّل يده؟ حبُّ الله يَعنِي حبّ دينِهِ، وحبُّ رسول الله ﷺ يعني إطاعة أمرِهِ واتباع سنَّتِهِ، فهذا الإيمان المنعكِسُ إلى حُبٍّ في القلب وفي الروح وفي النفس ثمّ في الأخلاق ثم في الأعمال والسّلوك، هو الذي يُعبَّرُ عنه بالإسلام وصاحبُهُ يَستحقُّ لقب مسلمٍ، وإذا أخذ لقب مُسلم ولم توجد فيه هذه المعاني فهذا اسمه في القرآن “منافق”.

والنفاق على قِسمينِ: فإذا كان نفاقًا اعتقادياً فهو نفاقُ الكفر، وإذا كان نفاقًا أخلاقياً فهذا نفاقُ الفِسْقِ، فأسأل الله عز وجلّ أن يَتوبَ علينا جميعاً وأنا أوّلكم، وأسأل الله أن يَتوبَ علينا ويرزُقَنا الإسلام الحقيقي، فكلّ ما خُلقنا مِن أجله هو الإسلام، ومهما ملكتَ مِن مالٍ أو مِن دولة أو مِن جاه فعندما يَضعونَكَ في الكفن تَفقِدُ كلَّ شيء، ويبقى كلُّ شيء لغيرك، وتصير [جُثة هامدة] كجريدة عتيقة مِن عشرين سنة لا تصلُحُ إلا للحرق، فنسأل الله ألا يجعلنا من المغرورين ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر: 5]، مَن هو الغَرور؟ هو الشيطان الذي يَغرُّك بدنياك أو بجاهك أو بسلطانك أو بمالك أو بثقافتك أو بعِلْمِك ويُنَسِّيكَ الدّار الآخرة، ويُنسّيكَ ذكْرَ الله سبحانه الذي ينبغي أن تَذكُرَه في رضاك وغضبكَ وعداوتكَ ومحبّتك وصداقتك ومع القويّ والصّغير والكبير، فتكونُ ذاكراً لله في كلِّ شؤونكَ، وتمشي على صراطه المستقيم.. لما تقرَأُ الفاتحة تقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6]، الله سبحانه يهديك الصّراطَ المستقيم، وها هو يقول لك ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ هل تُحبُّ أخاك المسلم وأختك المسلمة؟ ((لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتّى يُحِبُّ لأخيهِ)) هذا كلام النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام، فهل نسمع هذا كي نَسْمَعَهُ فقط أم كي يكونَ خُلُقاً من أخلاقنا؟ ((حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه)) 7 إذا لم تُحبّ له ما تُحبُّ لنفسك فأقلُّ الدّرجات ألا تؤذِيهِ ولا تحسُدهُ ولا تَغتابهُ ولا تغشّهُ ولا تَكذِبُ عليه.

الحبُّ في الله شرطُ الإيمان:

قال: ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوْتوُا هذا وصفٌ للأنصار- مُسلِمي المدينة- ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ماذا تعني “حاجةً”؟ يعني حسداً و”ضِيْقَة عَيْن”؛ [ضِيقَةُ عَيْن: مصطلح عامِّي بمعنى حَسَد مع تضايق وانزعاج، ويقولون: ضاقت عينه على كذا: بمعنى تضايق وانزعج من خَير أصاب غيره] لماذا النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أعطاهم ولم يُعطِنا؟ والنبيّ عليه الصّلاة والسّلام لا يَقسِمُ شيئاً كهذا إلا بأمرٍ مِن الله، وإذا أحبَبْتَ إنساناً وكان حبّكَ صادقاً ولو ضربَكَ بالنعل ترى ضربَ النعل أحلَى مِن خمسين قُبْلةً وأحسَنَ من خمسين هدية “ضرْبُ الحبيب زبيبٌ وحجارتُهُ رُمَّان” [مثل شعبي] ألا يقولون هكذا؟ إذا كنت محبّاً فهذا هو حالك ولو ضربك أو سبَّكَ أو شتمَكَ، إذا غضب تغضبُ من نفسِكَ لأنّك أغضبتَهُ، هذا هو الحبّ! فاللهمّ إنّا نسألُكَ حبَّكَ وحُبَّ من يحبُّكَ وحبَّ عملٍ يُقرّبُنا إلى حُبِّكَ، “إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ” و ((لا إيمان لمن لا محبَّةَ له)) 8 ، يجبُّ أن نُحبّ الله ورسولَه وأحبابَه، أما إذا عاديتَ أحباب الله وآذيتَ أحباب الله وأنت تدَّعي محبّة الله فهذا كذبٌ.. قالوا: “الأصدقاء ثلاثة: صديقك صديق وحبيب، وصديق صديقك صديق وحبيب، وعدوّ عدوّك صديق، والأعداء ثلاثة: عدوّك عدوّ، وعدوّ صديقك عدوّ، وصديق عدوّك عدوّ” تذهَبُ فتُصادِقُ مَن يُعاديه وتدّعي أنكَ صديقٌ له، هذا كذبٌ، وهذا ليس حبًّا صحيحاً في قاموس الحبّ والصداقة.

من صوَرِ الإيثار في التاريخ الإسلاميّ:

فوصف الأنصار ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ما معنى حاجةً؟ أي حسَدًا أو حقداً على المهاجرين لِمَا أعطاهم النبي ﷺ من فيء بني النضير، وليس هذا فقط، قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فالذي يَملِكُونَهُ أيضاً كانوا يُقدِّمُونَهُ لهم، هذه صفةُ المسلم والمسلمَة! هكذا وصفَهُم الله سبحانه في القرآن، فكيف كان انعكاسُ هذه الآيات القرآنية في مرائي نفوسِهِم؟ في معركة اليرموك كان أحدُ الجنود جريحاً وقد نزَفَ دمه، وذهبَتْ سوائل بدنه، وإذا ذهبت السوائل يشتدّ العطش، والممرضون والممرّضات؛ مسعفو الجرحى سمعوا أنينَه، فجاؤوا إليه يسألونه ماذا يريد، فطلب كأس ماء، فجاؤوا ليَصبّوا له، فسمعَ صوتَ جريح بجانبه، “آه عطشان”، قال: “أعطُوا رفيقي”، ورفيقُه الثاني أيضاً أتى ليَشرب فسمع صوتاً، فقال: أعطوا رفيقي.. فذهبوا إلى الثالث، والثالث سمع صوت الأول: فقال: أعطوا رفيقي.. فرجعوا إلى الأوّل فوجدوه قد مات، ورجَعُوا إلى الثاني فوجدوه مات، ورجعوا إلى الثالث فرأوه قد مات أيضاً.. ماتوا ولم يَشربوا، يعني آثروا إخوانَهُم بأرواحِهِم، هذه تربية القرآن!

القرآن ليس للغناء بل للتزكيّة من مرشِدٍ حكيم:

هذا القرآن ليس للغناء أو لنتغنّى به، وليس للقراءة على أرواح الأموات، هذا للأحياء، إذا لم ينتفع فيه الأموات بحياتهم لن يَنتفِعوا فيه في مماتِهِم، وإذا كان هناك رجلٌ فقيرٌ مُفلِسٌ طوال عمرِهِ وأراد أن يَتزوَّج ولم يستطع، وبعد أن مات أحضرنا له عروساً إلى القبر فهل يَستفيدُ شيئاً؟ وإذا لم يأكل البقلاوة طوال عمرهِ وبعد أن مات ملأنا قبرَهُ بقلاوة ودفنَّاهُ بالبقلاوة فهل يستفيد شيئاً؟ والذي لا يَستفيدُ من القرآن في حياته فهذا هو الميّت، هذا يحتاجُ إلى مَن يَقرَأُ عليه القرآن مِن قلبٍ حيّ، وفي مدرسة حيّة، ومن مرشدٍ ومزكٍّ حكيم، وعليه أن يُعطيه قلبَهُ، لأنّ البِذَار تُوضَعُ على الأرض المحروثة لا أرض الصخر، والقاسية قلوبهم ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22]، عندما يَسمَعُ آيات الله وأحكام الله لا يلينُ القلب والنفس لأحكام الله خضوعًا وطاعة وامتثالاً فهذا اسمُهُ قلبٌ قاسٍ ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22].

فإذا ما دخَل المسلمُ مدرسةَ الذّكْرِ وفَنِيَ في ذِكْرِ الله سبحانه حبّاً وشوقاً وعشقاً وحضوراً، بعدها يَظهَرُ أثَرُ هذا الذِّكْرِ أخلاقاً وأعمالاً ومسارعةً إلى امتثال أوامر الله وابتعادًا عن محارم الله بكلّ جوارحه وأعضائِهِ حتى وأفكاره وقلبه، ما معنى ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُوْر [غافر: 19]؟، وما معنى ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل: 19]؟ الغدّار يكونُ قد نوى نيّة، وهذه النيّة تُعَدُّ معصيةً وفسقاً وإثماً، فهل يمكن أن يصير النجّار بلا مُعلِّم؟ وهل يصير حدّاد بلا معلّم؟ أو طيار بلا معلّم؟ أو مهندس بلا أساتذة؟ وكلمةُ مسلمٍ أعظمُ مِن كلّ هذه المعاني، هل إسلام أبي بكر رضي الله عنه أعظمُ أم طِبُّ الطبيبُ أعظَمُ أم وزارة الوزير أعظم أم رئاسة الوزارة أعظم؟ وهل إسلام سيدنا عمر أعظم أم هؤلاء؟ كان عنده الإسلام في كلّ الميادين: إسلام الشّخص وإسلام الأسرة وإسلام العائلة وإسلام الأخلاق، وبعدها إسلام السّياسة وإسلام الدولة وإسلام الحرب.

الدّعاء من دون مباشرة الأسباب اعتداء:

فنسأل الله أن يَرزُقَنا الإسلام كلّ واحد منّا على حسَبِ حدودِهِ وأبعادِهِ، ولكنّ الدُّعاء يكونُ اعتداءً، وهو مرفوض من الله إذا كان الدّاعي لا يُباشِرُ ولا يَبدأ بالأسباب التي يَملِكُها في الوصول إلى تحقيق ما يَدعُو؛ إذا كان هناك رجلٌ عطشان وسيموت مِن عطشِهِ ويقول: “يا ربِّ اسقني، وإلا سأموت، يا ربِّ أغثنِي فقد قتَلَنِي العطش، يا ربّ أعنّي، يا ربّ يا ربّ”، وجاء مَن قال له: البئر هناك أمامك والدلو فيه موجود.. فمع الدعاء إذا باشر الأسبابَ يَكونُ دعاؤه حقيقيّاً ويكون دعاءً، وإذا كان يَدعُو: “اللهمَّ ارزقني ولداً” ومعه مال وكلّ الوسائل مهيّأة ولا يخطُبُ ولا يَتزوَّج، فهذا لا يُسمّى دعاءً وهذا اسمه اعتداءٌ، يقول الله تعالى في هذا المعنى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً بالتذلُّل وبكلّ مشاعرك وبكلِّ توجُّهاتِكَ، ﴿وَخُفْيَةً مِن سرِّكَ وسرّ سرِّكَ، وليس باللسان، ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55]، قال: دائماً يجب أن يكون تفسيرُ كلّ كلمة بحسب ما سبَقَها مِن ألفاظ وكلام، فلو كانوا يتضاربون فقال: لا يحب المعتدين، يعني لا يحب أن يضرب أحدهم الآخر، وإذا كان في الأموال وقال: “لا يحبّ المعتدين” أي أن يأكل أحد مال الثاني، وإذا كان في موضوع الدعاء يكون اعتداء خاصّاً بالدعاء، فالاعتداء بالدّعاء أن تدعوَ الله وتطلبَ منه وتملك الأسباب لوصولِك إلى ما تدعوه، ثم لا تُباشرُ الأسباب.. “اللهمّ انصر الإسلام والمسلمين” هل النصر بلا أسباب؟ تملك بعضها وتفقدُ البعض الآخر، فاستعمِلْ ما تملِكُ وادعُ الله واطلب ما لا تملك، بذلك يُستجابُ دعاؤك.

عبادة الهوى:

فالشاهد هو أننا ينبغي أن نطبق هذه الآية، وإذا لم نستطع أن نُطبِّقها كلّها فلا بأس، ولكن دعونا نطبّق نصفها أو أن نقوم بربعها، ونتعلّم الإيثار والبعدَ عن الحسد والحقد، والإذعان إلى الحقّ والبُعْد عن الباطل، أمّا إذا كنّا مع أهوائنا ومع أنانيَّاتِنا وشهواتنا ومصالحنا فنحن إذاً لسنا مِن أهل “لا إله إلا الله”؛ نحن من أهل لا إله إلا أنا، أو لا إله إلا نفسِي، أو لا إله إلا مصلحتي، أو لا إله إلا بيعي وشرائي! ولكن الحقيقة لا إله إلا الله، قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ((أبغضُ إله عُبِدَ في الأرض الهوى)) 9 ، ما هو الهوى؟ مصلحتُكَ الشخصية وأهواؤكَ، فإذا غضبتَ تهوَى الاعتداء، هواكَ هذا صار إلهاً، وتَهوَى نفسُكَ أن تضربَ وتَعتَدِي، وإذا كنتَ تبيعُ تهوى أن تغُشّ وتكذِبَ وتُدلّس، هذا هوىً، إذاً أنت تعبُدُ هواك، والله يَنهاك عن الغشّ والتدليس والكذب، فإذا خالفتَ فقُلْ: لا أعبُدُ إلا نفسِي، أنا أعبُدُ هواي وأنانيّتي وأنا مُعادٍ لربِّي وقرآني وإسلامي، وانتمائي له كلُّهُ كذبٌ في كذِبٍ ونفاقٌ في نفاقٍ، ويقول: “بيني وبينكَ- يا إلهي- إِنّي لا تُفارقني”.. هل عرفتَ مرضك؟

إذا لم تتخلص من هواك فالدابة أفضل منك:

لماذا تَذهَبُ أيها الإنسانُ إلى الطبيب وتعطيهِ الدم من وريدك وتسمح له بأن يعطيك الإبرة؟ مِن أجل أن يفحصك ويحلل لك، ولماذا تدفعُ له النقود؟ مِن أجل أن يَدُلَّكَ على عيبِكَ الصحّيّ وعلى نقصك الجسدي، تدفع للطبيب، وهو ينخزك بالإبرة ويأخذ من دمك! ثم تدفع لصاحب مخبر التحليل، ثم للصيدليّ ثمن الدواء، وتكلّفك هذه الزيارة خمس مئة أو ست مئة ليرة ثم تقول: شكراً لك يا دكتور، أعطاك الله العافية.. فهل تستطيع أن تدفع لمن يدلّك على عيبك أن تعطيه كما أعطيت للطبيب؟ وإذا قال لك: أنت كذّاب! والكذب يجري في عروقك، هكذا تبين في التحاليل.. فهل تقول له كَثّر الله خيرَك لأنك نبهتني أن الكذب بدمّي؟.. والنبيّ عليه الصّلاة والسّلام جعَلَ الكذبِ ثلثَ النفاق ((إذا حدَّثَ كذَبَ)) 10 ، يعني أذهبت ثلث إسلامِكَ ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله [النحل: 105]، فإذا لم تزكِّ نفسكَ ولم تنقلها مِن كذبٍ إلى صدق، ومِن رياء إلى إخلاص، ومِن غفلة عن الله إلى ذكْر، ومِن حبٍّ للدُّنيا وتفانٍ فيها وفي أهوائها وأهواء النفس إلى تقوى الله ومرضاته، فَوَاللهِ إن الدابّة أحسَنُ منك، لأنّ الدابّة ليس أمامها جهنمُ، ولا يُوجَد أمامها غضَبُ الله، هل رأيتم حماراً مغضوباً؟ هل غضِبَ الله على حمار أو على بغلٍ؟ لكن هناك مغضوبين من الله في بني آدم كتارك الصلاة أو مانع الزكاة أو آكِلُ الرّبا أو الزاني، والنساء لا يُوجَد أكثر من المغضوبات فيهنّ، أمَّا في الحمير فأنا في كلِّ حياتي لم أر حماراً مغضوباً عليه من الله، هل رأيتم أنتم؟ [يقول ذلك الشيخ وهو يضحك] اللهمَّ لا تجعلْنا من المغضوب عليهم.

قال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هذه نقرؤُها نحن، وأولئك آثروا الله وأنزل الآيات في شأنهم، وأبقاها لأجلنا نحن، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]: “بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ”، تقتدي بأبيكَ إذا كان يَعمَلُ الصالحات، أمّا إذا كان يتعاطى الحشيش هل يصح أن نقول: “بأبه اقتدى عديّ في الحشيش”؟ هذا الاقتداء لا يَرفَعُ صاحبه، اقتدِ بالفضائل

بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ
وَمَنْ يُشابِهُ أَبَهُ فَما ظَلَمْ

إذا تعلمت شيئاً تصير عالماً به وتحاسب على علمك هذا:

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة المشايخ أيضاً هناك حسدٌ بين بعضهم البعض، أيضاً المحامون بينهم حسد “الكَار” [المهنة]، بعض الأحيان تحدُثُ مشكلة بين اثنين مِن الإخوان [في المسجد] من أجل شيء دنيويّ تافه، أين القرآن؟ وأين الذّكْر؟ وأين الطريق؟ وأين هذا العمرُ الذي أمضيتَهُ مع الشّيخ؟ فقط حتى نُتعِبَ الشيخ وعلى حساب قلبِهِ! أنا لو كنت أسمعُ كلام الأطباء لا يتركونَنِي أقعُدُ معكم إلا نصفَ ساعةٍ، وذلك مِن أجل قلبي، أنا أُعطيكُم على حساب قلبيّ وصحتي وحياتي، وبعد هذا كله تضعون البنزين للسيارة في خزان وقود مثقوب، أليس حراماً عليكم؟ لا تُضيِّعُوا تعبي، إذا كنتم لا تُريدون أن تمشوا عمليًّا فعدم مجيئكم إلى الدرس أحسَنُ، أولاً لأنّهُ ((أشدُّ الناس عذاباً يومَ القيامة عالمٌ لم يَنفعْهُ الله بِعلْمِه)) 11 ، كلّ شيء تَعلَمه فأنت به عالمٌ، وإذا لم تعمَلْ به فأنتَ أشدُّ الناس عذاباً، وليس المقصود مِن العالم الذي يَكونُ له عمامة وجُبَّة ولحية وشهادة، لا، إذا كنتم تعرفون أنّ الكذبَ حرام فأنتُم عالمونَ بِهِ وبحُكمِهِ الشرعيّ، وإذا كذَبتُم فأنتم أشدُّ الناس عذاباً، والغيبة والنميمةُ والإفساد بين الأحبّة ومنع الزكاة.. إلى آخره، فنسأل الله أن يجعلنا مِن العالمينَ العاملينَ المخلِصين.

الرابحون هم من يَتخلّون عن طمَع النفس:

قال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ما هي الخصاصة؟ أشدُّ الفقر، ففي أشدِّ الحاجة إلى الماء يُقدِّمُ أخاه، يُقدّمُ أخاه إلى صدر المجلس، يُقدّمُ أخاه في الجلوس على الكرسيّ، ويُقدّمُ أخاه في كل ما يَسُرُّ أخاه في حدود وفي ظلال حُكم الله وشرعه، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ما معنى قول المؤذّن: “حيّ على الفلاح”؟ “حيّ” تعني تعالوا إلى الفلاح، يعني إلى النجاحِ والفوز والربح، فمن الرابح؟ الرابح هو الذي يَستطيعُ أن يتغلَّبَ على شُحّ نفسِهِ، والشحُّ: هو عدم موافقة النفس على بذلِ ما يجب وطمَعها فيما لا يَحِلُّ لها، أو تجاوزُها من الحلال إلى الحرام، سواء مِن مال أو غيره، فالذي يستطيع عليه أن يقي نفسَهُ مِن الشح؛ أن يؤدّي الفرائض ويجتنب المحارم في كلّ شيء، وأن يَبذل نفسه لله ولا يَضِنَّ بها ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة: 111]، باع الكذب واشترَى الصّدق، وباع الرّياء واشترى الإخلاص، وباع الفِسْقَ واشترى التوبة، وباع صحبةَ الفسَقَة والفجرة واشترى صحبةَ أحباب الله والعلماء والحُكماء.

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فهذا قد فهِمَ الأذان، ولربما وجدت المؤذن لا يعرف معنى “حي على الفلاح”! ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2]، إذا كنتَ مِن الخاشعين فأنت مفلح، و “حيّ على الفلاح” ، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]، إذا أذنبنا فعلينا أن نتوب، كان بعضُهُم إذا عمِلَ سيّئة يَضَعُ حصًى في جيبِه الشمال، وإذا عمِلَ حسنةً يضعُ حصًى في جيبه اليمين، وعند المساء يَفعلُ كما يَفعلُ التجار في آخر السّنة؛ يقومون بالجرد والإحصاء، فعلى حسب الجرْد مساءً إذا زادت الحسنات يقول: ربحنا هذا اليوم، وإذا زادتِ السيئات يَستدرِكُها بحسنات؛ ((وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ)) 12 .. ثم قال الله تعالى في موضوع الفيء: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وللأنصار المحتاجين أيضاً، ووصَفَ الأنصارَ بما وصفَهُم، ولَمَّا بذَلَ الأنصار ما بذَلُوا وآثَرُوا المهاجرين على أنفسهم قالوا: “دعْ أموالَنا التي أعطيناها للمهاجرين لتبقَى لهم، وكذلك الفيء أبقِهِ لهم، وخذ ممّا تبقَّى مِن أموالنا ما شئتَ لِمَن شئتَ”.

لا يصِحُّ أن تكون قراءتنا للقرآن وسماعنا لحديث النبيّ عليه الصّلاة والسّلام للتسلية، مثل عبد الوهاب (أحد المطربين المصريين) نَسمعُ منه الأغنية ساعةً فنطرَب وعندما تَنتهِي الحفلة ينتهَى كلُّ شيءٍ، أما القرآن لا يُستمَعُ إليه لأجل هذا، نستمع للقرآن من أجل التدبّر والتفهُّم والتّطبيق والعمل والتخلّق، وبعدَها للتّعليمِ بالأعمال والأخلاق والسّلوك والنُّطق والحكمة والموعظة الحسنة، حتى يأخُذَ أحدُنا لقَبَ مسلمٍ، والمرأة تأخُذُ لقَبَ مسلمةٍ، وإلا فإننا نضحَكُ على أنفسنا، والشيطانُ يَضحَكُ علينا، فنسأل الله ألا يجعلنا مضحكةً لشياطينِ الإنس ولا مَحْقَرَة لشياطين الجنّ ولا الإنس.

دعاء من جاء بعد المهاجرين والأنصار:

﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: 10]، بعدَ المهاجرين والأنصار، أيضاً إذا كان هناك فيءٌ يُعطون إذا حمَلُوا هذه المعانيّ وكانوا ملحَقَين في المكان والاحترام والتكريم كالمهاجرين والأنصار، ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، فنحنُ [في هذا الزمن] والأجيال التي بَعدَنا والتي كانت قبلَنا ممن جاء بعدِ الصحابة رضي الله عنهم، يعني الأجيال التي جاءت بعدِ المهاجرين والأنصار يقولون: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا المهاجِرون هاجروا وتركُوا الأموالَ والأنفس والمصالح في سبيل الله، والأنصار فعلوا الذي فعلُوهُ، فماذا يَنبغِي على الأجيال التي تأتي من بعدهم أن يعملوا؟ قال: يجب أن يقولُوا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا، إذا طلبتَ المغفرة فعليك أن تطلُبَها بأسبابِها؛ بالتوبة الصّادقة وصُحبَةِ الصّالحين وِتَركِ صحبةِ الفجَّار والأشرار والفاسقين، أما أن تقول: “اغفر لنا” وأنت مقيم على المعصية! وتقول: “اللهمّ اجعلَني مِنَ التّوابين واجعَلْنِي مِنَ المتطهِّرين” وأنت تجلس في المياه الملوّثة! أو يقول: اللهمَّ اجعَلْ روائحِي مِسْكاً وهو يَغطُّ في نجاسات بيت الخلاء بعُمْقِ مترٍ أو مترين! هل هذا دعاؤُهُ صحيحٌ أم يحتاج لخمسينَ ضربة على رقبتِهِ؟ [خمسين “طيارة” أو ضربة على رقبته: كلمة عامِّية شائعة، ويجدر الانتباه أن سماحة الشيخ كثيراً ما يستخدم كلمات عامية في دروسه حرصاً على إفهام الحاضرين ووضوح كلامه] وهل هذا يَهزَأُ بنفسِهِ أم يَهزَأُ بربِّهِ أم يَهزَأُ بالدّعاء؟ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا إذا قلتَ: “اللهمّ اغفِرْ لنا” فعليكَ أن تسلُكَ طريقَ المغفرة، وإذا قلتَ: “اللهمّ إنّي جائعٌ فأطعِمْنِي” فيَجبُ عليك أن تسلُكَ الطريق إلى المطعم وإلى الخباز لتأخذ الخبز وإلى بائع اللحم لتأخذ اللحم، أمّا أن تقول: “يا ربّ أطعِمْني” وأنت قاعدٌ في أرضِكَ، فالله لا يُطعمُك ولا حتى قشر البطيخ.

الواجبُ أن يكون موقِفُنا من المهاجرين والأنصار الدّعاء لهم:

فقد قال الله عزّ وجلّ للأجيال التي بعد المهاجرين والأنصار أن اقتدُوا بهِم وادعُوا لهم ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ إذن ماذا يجبُ أن يَكونَ موقِفُنا نحن مِن المهاجرين والأنصار؟ الدعاء لهم، اغفِرْ لنا ولهم، لأنهم سبقونا بالإيمان، وكانت سيدتُنا عائشة رضِيَ الله عنها تقول: “أُمِروا بأن يَستغفِرُوا لهم، فسبُّوهم وشتَمُوهم ولعَنُوهم” 13 ، أين أمِرُوا؟ عند قوله تعالى: ﴿اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، اللهمّ اصرفنا عن كلّ لغو.. إذا كان الله تعالى وَصَفَ المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3]، اللغو: كلُّ قولٍ أو عَمَل لا يَنفَعُ ولا يَضرُّ، واللغو ليس خلُقاً مِن أخلاق المسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة.. تقول: “اللهمّ اختُمْ لنا بالإيمان” كيف سيَختُمُ لكَ بالإيمان وأنت ما زلتَ لا تَفهمُ الإيمان؟ تطلُبَ الإيمان وأنت تقومُ بأعمالٍ ضدَّ الإيمانِ وتمحُو الإيمان، هذا لا يصحّ يا بُني! لا يَجوزُ أن تقول: “اللهمّ أوصِلْنا إلى بيروت بهذا البنزين” وتأتي بالمطرقة والمسمار وتَثقُبُ خزّان الوقود! هذا تلاعبٌ على الله واستهزاء بالله سبحانه وتعالى، ((وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ)) 14 أظنّ أن هذا من كلام سيّدنا عليّ رضي الله عنه.

الموت يأتي فجأة:

فنسألُ الله أن يُفهِّمَنا ما نقول وأن يُفهِّمَنا إسلامَنا حتى نَحيَا بالإسلام لِنموتَ عليه، ((يَموتُ المرءُ على ما عاش عليهِ ويُحشَر على ما مات عليهِ)) 15 ماذا تَنتظِرُون؟ ربما يكون موت أحدنا بعد ساعة، مِنذ شهرٍ أخوكُم أبو غنيم كان يحضر الدرس، [أبو غُنَيْم: من تلامذة سماحة الشيخ أصحاب القلوب والبصيرة، كان عاشقاً لشيخه وملازماً لدروسه، وكان كثيراً ما يَضْرِب به الشيخُ المثلَ على علم القلب والتأثير في الناس، حيث كان عامِّياً لا يقرأ ولا يكتب، وكان يُدَرِّس في المساجد ويحضر في دروسه عدد غفير، يفوق أعداد الحضور الذين يحضرون مجالس الفقه والعلوم الشرعية] خرَجَ من الدّرسِ وركِبَ بالسّيارة، وكان يُريدُ أن يَذهَبَ إلى بيتِهِ ومات في السّيارة، ألا يُمكنُ لأحدكم أن يصير معه هكذا؟ وهناك شخص سقط وهو يأكل، وثمّة مَن نزَلَ مِن سيّارته ووصَلَ إلى الباب وزمّرَ حتى تفتح له زوجتُهُ الباب، فانتظرَتْهُ دقيقةً أو دقيقتين أو ثلاث دقائق أمام الباب ولم يأتِ، فنزلَتْ لعنده وإذ بها تراه خافضًا جبينَهُ على المقود ميّتًا، وكم كان عمره؟ هل كان عمرُهُ تسعون سنة؟ هل يَقود سيارة من كان عمره تسعون سنة؟ فعلى أيِّ شيء أنتم معتمدون؟ “جَذْرُكُم وجَذْرُنا على بلاط” [تشبيه لقرب الموت بنبات ليس له جذر ثابت في التراب، فما أسهل اقتلاعه!]

نام ابنُ الشيخ عبد الرؤوف أبو طوق- حفظه الله ورحم ولده رحمة واسعة- وكان عمرُهُ خمسًا وعشرين سنة، وكان مهندساً في ريعان الشباب، وقد أتى مِن السعودية لِيزورَ أباه، ويُريدُ أن يَذهب إلى أوروبا بعمِلٍ هندسيّ تجاريّ، وصباحاً لم يأت إلى الفطور، فقال الأبّ لابنه: انظُرْ إلى أخيكَ، لِماذا لم يأتِ إلى الآن، هل ما زال نائماً؟ فتَحَ الباب فرآه في فراشه، صار يناديه: يا أخي، قُمْ فالمائدة جاهزة، فلم يردَّ عليه، أخي قُم فأبوك يَنتظر، فلم يردَّ عليه، فظنَّ أنه مُتناوِم، فجاء إليه مِن تحت غطاء النوم فدغدغَهُ مِن أسفلِ قدميهِ فما تدغدغَ، فهزَّ له رجله قليلاً فما تحرَّكَ، فشدَّهُ أيضاً فما تحرَّك، وتبيّن أنّ الوضع غير طبيعيّ، فكشفَ الغطاء عنه، وإذ به طار مِن قفص جسده إلى عالم السماء إن شاء الله وإلى المغفرة والرحمة.

بأيِّ شيء نغترّ؟ “جذركم على بلاط”، وأنا أوَّلُكُم، ولا يوجَد كبيرٌ أو صغير أو صحيح أو مريضٌ، قال

حافظ على صلواتك الخمْسِ
كم مصبحٍ وعساهُ لا يُمسي

واستقبل اليومَ الجديدَ بتوبة
تمحو ذنوبَ صبيحة الأمسِ

وانظر البارحة ماذا فعلتَ، ولسانك ماذا فَعَلَ، لسانك هذا يحتاج إلى تَجْلِيْخٍ وتنحيف وقطع مِن شمالِهِ أو من يمينه أو من فوقه أو من تحته أو من رأس لسانه، [تجليخ: كلمة عامية تُستخدم لقص الحديد بمقص كهربائي خاص لقطعه وتشكيله وقص الزائد منه، وهو تشبيه بليغ، حيث يُشَبِّه اللسان بالحديد القاسي الذي يحتاج إلى إصلاح، وأنه لتهذيبه وتأديبه يحتاج إلى منشار قوي يقطع الحديد ويهذِّبه.. وما بعد كلمة “تجليخ” كلمات أخرى يستخدمها الحدادون لقص الحديد وتهذيبه وإصلاح آلاته] قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام عن اللسان: ((وهل يُكِبُّ الناسَ على مناخيرهم في نار جهنم إلا حصائدُ ألسنتهم)) 16 ، هل نعرفُ ماذا يفعل اللسان بنا؟ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: الذي يَرمي الناس على مناخيرهم ووجوههم في جهنم هو لسانُهُم، اجعل لهذا اللسان فرامل [مكابح]، فإنَّ سيارتَكَ إذا لم يكن لها فرامل فستوصلك إلى الآخرة

فليَفعلنَّ بوجهك الغَضِّ البِلَى
فِعْلَ الظلام بصورة الشمسِ

“فليَفعلنَّ بوجهك الغضّ” وجهُكَ الحلو في مرحلة الشباب الأحمر والأبيض الظريف، الذي يَبرُق بالشباب والصحّة، “فليَفعلنَّ بوجهك الغَضِّ البِلَى”: يعني الموت، “فِعْلَ الظلام بصورة الشمسِ”: فإذا جاء الليل ماذا يَصيرُ بالشمس؟ لا يعُد لها وجودٌ في نظر ناظر.. فاللهمَّ لا تجعلنا مِن الغافلين، ولا تجعلنا مِن المغرورين، ولا تجعلنا مِن الذين يَستمعون القولَ فلا يَتّبِعُون لا حَسَنَهُ ولا أحسنَهُ، إنّما يَتبعون أسوأَهُ وسُوْأَه، ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء: 46]، أو عقله يَفهم القولَ بالمقلوب.. نسأل الله العافية من الشقاء والتعاسة.

لا غلّ ولا حقد والأجر العظيم لِلمسامح:

﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا ما هو الغلّ؟ هو الحقد، والحقد هو العداوة الباطنة، لا تستطيع أن تظهَر عداوتك لِمَن تُعادي بقولٍ أو بعمل، فتخبّئ عداوتك في قلبك بانتظار جو مناسبٍ حتى تُظهرها بقول أو عملٍ أو إيذاء أو إضرارٍ بمن تُعادي، المؤمن ((لا يَجتمعُ حسدٌ وإيمان في قلبِ مؤمنٍ)) 17 ، ولا يَجتمعُ حقدٌ وإيمان في قلبِ مؤمن، ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا.

مرّة كان الرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جالساً مع الصحابة الكرام فَقَالَ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ -تقطر- لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي -تخاصمت معه- فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ، فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، -ولم يكن بينَهُ وبين أبيه شيء إلا أنه يُريد أن يرى ما عملُهُ الذي استحقَّ هذه البشارة من النبيّ عليه الصّلاة والسّلام.. فإذا قال النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام: أنتَ مِن أهلِ الجنّة، يعني رآك ورأى مصيرَكَ في الجنّة وأنتَ تخوضُ في رياضِها ومع حوريّاتها، لذلك يُخبِرُ عن كشفٍ يقيني- قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عز وجل وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ، لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ” 18 .

مهما رأيت إنساناً في نعمةٍ فقد تَكون النعمةُ سببَ البلاء، فكم مِن الناس هلَكَ دينُهم وهلكَت حياتُهُم بسببِ ماله أو جاههِ أو حكمِهِ أو سلطانِهِ! لا تحسُدُ، فالكلام للخاتمة “وأبيتُ ليلة أبِيتُ وليس في قلبي غِلّ ولا حقدٌ على إنسان، أو على أحد من مخلوقات الله”، قال له: “هذه التي بلغتَ بها، وهي التي لا يُطيقُها الكثير من الناس”، فأنتم الآن إذا سمعتموها منّي هل مِن أجل أن تَتَسلَّوا أو تمضوا أوقاتكم على حساب وقتي أم حتى تنقِلَبَ فيكم خلُقاً؟ وهل تبقى معكم [هذه الموعظة] لبابِ الجامع أم تتركُوها في مكانها قبل باب الجامع؟ تقول: “يا شيخي لا تَمنُن علينا، فما سمعناه منك تركناه عندك، وخاطركَ مع السّلامة”، [خاطْرَك مع السلامة: مصطلح عامِّي للمغادرة، بمعنى: أنا سأذهب الآن، ومعنى الكلام عموماً أننا قد سمعنا ولا نريد التطبيق.. ويجدر التنويه أن سماحة الشيخ يقول ذلك شحذاً للهمم ويُدْخِل هنا أسلوب المداعبة قليلاً، ولا ريب أنه كان يعاني من أوضاع صحية صعبة للغاية، لكنه كان عظيم الهمة، فيأتي للدرس رغم كل الأخطار والعواقب، وقد كان أطباؤه يقولون: إن الآلام التي في جسده لا يَتَحَمَّلُها عشرة رجال] إذن لماذا تُتعِبُوني يا بُنيّ؟ فاللهمَّ لا تَجعلْنا مِن أموات القلوب، وعلامة موت القلب أن يَسمعَ العِظة فلا يتَّعِظَ، وأن يرى الذِّكْرَ فلا يَتذكّر، وأن يُؤمَر بتقوى الله فتأخذه العزّة بالإثم، يقول: “هل مثلك يقول لي: اتقِ الله؟ أنت اتقِ الله” ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206].

طريقة التعامل مع المؤمنين مِن قبلنا:

﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ نحن ومن كان قبل مئة ومئتين وثلاث مئة وأربع مئة سنة جئنا مِن بعدِ المهاجرين والأنصار، ماذا ينبغي أن نقول تجاه المهاجرين والأنصار؟ نقول: ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ، وليس فقط للمهاجرين والأنصار، بل وللأجيال التي قبلَنا ﴿الَّذِينَ سَبَقُونَا هذه المغفرة للذّنوب، وإذا كان للأعمال الصّالحة تقول: اللهمّ ارفَع درجاتِهِم وتقبَّلْ حسناتِهِم، وللذنوب إذا أذنَبُوا تقول: اغفِرْ لهم، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا حقداً.. يُوجَد أناس يحقِدُون حتى على الأموات! ما لَك وللرجل! لقد مات الرجل! وإذا كان بينَكَ وبينَهُ شيء فهو قد مات، فماذا تَستفيد من الحقد؟ وإذا كان بينَهُ وبين الله فقد صار حسابُهُ على الله! ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة: 134].. ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ الرأفةُ أدقُّ من الرّحمة، والرأفةُ زيادةٌ في الرّحمة، وروحُ الرّحمة، يعني ليس يَرحَمُ الفقير فقط، بل يُعطيهِ ويُكسوه ويُدفّئه ويعطيه أحسن العطاء، بل وقلبه محروق عليه، ويتمنى له أحسن مما أعطاه ومما هو فيه.. هذه من صفات الله، ولماذا يَحكِيها الله عز وجل لنا؟ حتى نتخلَّقَ بأخلاق الله عز وجل.

الحديث عن المنافقين:

يُريد الله عز وجل الآن أن يَنقُلَكُم إلى الشّطر الثّاني من السّورة بعد انتهاء الحديث عن اليهود، وسيَذكُرُ الطّابور الخامس [الشعب الذي يخالف دولته ويوافق العدو في فكره] الذين هم كانوا حلفاءَ اليهود باطناً ومن المسلمين ظاهراً؛ في الظّاهر مسلمٌ، ويأتي إلى الجامع ويُصلِّي مع النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ومعدودٌ مِن أهل المدينة، وفي الباطن كافِرٌ بالنبيّ صلّى الله عليه الصّلاة والسّلام وكافرٌ بالقرآن، وكافر بكلّ ما يقولُهُ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فهؤلاء كانوا يُسمَّون بالمنافقين، والنفاق يَظهَرُ في حال القوّة لا في حال الضّعف، لذلك لَمّا كان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام في مكة لم يكن هناك مُنافِقون، لأنّ الإسلام كان ضعيفاً، ولكنّ الإسلام في المدينة صار قويَّاً والكافر لم يعد قادراً على إظهار كفره، فكان يُخفي كفرَهُ ويُظهر إسلامه، والله عز وجل قال عنهم: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ أليس الله عز وجل مصدِّقاً بأن النبي هو رسوله؟ قال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ لكن ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1]، لكاذبون في عقيدتهم بشهادتهم، فهم يَشهدون شهادة يَعتقدون بكذبها، ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا، عقوبة على النفاق ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا [الفتح: 11] إن تُبتُم عن النّفاق وسلكتُم صراط الله المستقيم.

فما تبقَّى مِن السّورة نتابع الحديث عنه في الدرس القادم، وهو عن المنافقين الذين كانوا حلفاء اليهود، والذين كانوا يقولون للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام نحن معَكَ يا رسول الله، لكنّهم كاذبون فيما يقولون، وإذا ذهبوا إلى عند اليهود ينقلون لهم ما سمعُوه مِن كلامِ النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام وما الذي سيقوم به وما الذي يخطط له، حتى يَشتركوا في إفساد البناء الإسلاميّ، ويَعملون كلّ العمل للإضرار بالإسلام والمسيرة الإسلامية وبالنبيّ ﷺ وبالمسلمين.

خداع الإنسان لنفسه:

فالله سبحانه وتعالى قال له: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا [الحشر: 11]، يعني أن الله يَراهم فهل أنت تراهم؟ إنهم أصحاب وجهين: أمام النبيّ عليه الصّلاة والسّلام والمسلمين بوجه، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ قالوا قولاً، أمّا عند الله عز وجل ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 8- 9]، هل يَنخدِعُ الله عز وجل؟ أيضاً والذين آمنُوا لا يَنخدعون، لأنّ كل شيء بعد ذلك ينكشف: ((مَن أسرَّ سريرة ألبسَهُ الله رداءها)) 19 ، لا يُوجَد شيء يُخبّأ، فالكاذب ينفضِحُ بكَذبهِ، والمنافق ينفضح بنِفَاقِهِ، والمرائي ينفضح بريائه، وذلك في الدّنيا قبل الآخرة، فلماذا تُسوِّد وجهك عند الله وعند الناس يا بُني؟ إذا أردتَ أن تكفرَ فقل: “أنا كافر”، وإذا أردتَ أن تؤمن فقل: أنا مؤمن.. تريد أن تنافق على الله، والله ليس عندَهُ نفاقٌ، فكلُّهُ مكشوف، ﴿يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وليس إخوانهم المؤمنين: ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10].

أهلُ الكتاب قسمان: أُصلاء ودُخلاء:

فمَن إخوانُهُم؟ إخوانهم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فالقرآن قسَمَ أهل الكتاب اليهود والنصارى إلى قسمين: قسم مؤمنين وقسم كافرين، يعني قسمٌ أصلاء وقسمٌ مزيّفون، ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا هؤلاء أُصَلاء، فما هو مصيرُهُم؟ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران: 199] يَدخُلُون جنّة المسلمين، ويدخلون سوياً في جنة واحدة في جنّات النعيم، ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] والمنافقون إخوة لمن؟ هذه أخوَّةُ التشابه والتماثل في الأخلاق وفي العقائد وفي المقاصد وفي الأهداف، فإذا كنتَ قد اتفقتَ مع شخص بهذه المعاني تَصيرُ أخاه بهذه المعانيّ، وهناك الأُخوّة الوطنية، وهناك أخوّة السّلاح، وهناك أخوّة العلم، وهناك أخوة النسب، إلى آخره.

تحميس المنافقين لليهود ضدّ الإسلام:

﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ المنافقون يُحمِّسُونَهُم ضدَّ النبيّ ﷺ، ويُحمّسُونَهُم لتخريب الإسلام ولإيذاء المسلمين، ولكلّ ما فيه ضرَرٌ بالنبيّ ﷺ وبالإسلام وبالجماعة، فباطناً يَشتغلون مع اليهود، وظاهراً يأتون إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام ويقولون: “يا رسول الله روحُنا فداؤك”، هل يستطيع أحد أن يكذب على الله؟ ألم يفضحهم الله في الدنيا قبل الآخرة؟ ((مَن أسرَّ سريرة ألبسَهُ الله رداءها)) لماذا تفضَحُ نفسك ولماذا تكذبُ على الله وعلى نفسِكَ وعلى الناس؟ إذا كنتَ تحبُّ فقل: أنا أحِبّ، وإذا كنتَ لا تُحبّ فقل: أنا لا أُحبّ، وانتهت المسألة.. فاللهمّ وفِّقنا، اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزُقنا اتباعَهُ وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

كذب المنافقين وخذلهم لليهود الكفار:

فقالوا لليهود: ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ، إذا أرادوا أن يُخرجوكم مِن المدينة واللهِ لن نسْكُنَ فيها بعدكم! وإذا خرجتم فرِجْلُنا قبل رِجْلِكم، [أي: سنخرج قبلكم، ورِجْلِي قبل رِجْلِك: مصطلح عامّي شائع، والشيخ يقوله في سبيل الشرح والبيان للحضور] فنحنُ معَكُم في السّراء والضّراء! ﴿وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا أي إذا أمَرَنا محمّد أن نُعاديكُم فلن نسمع كلمته، وكذا.. إلخ، ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ، والله قال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ أليست شهادة الله سبحانه أصح؟ ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ [الحشر: 11-12]، لَمّا أجلاهُمُ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وحشرَهم خارجَ الجزيرة العربية لم يخرج المنافقون معهم، ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَمّا حاصرَهُم النبيّ عليه الصّلاة والسّلام للقتالِ أيضاً واستَسلمُوا ﴿لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لو أيضاً أضافُوا قوَّتَهُم إلى قوّتِهم فلن يفلحوا، فالله عز وجل لا يُحارَب ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47]، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51]، كن في صفِّ الله سبحانه وصفّ أحبابه وصفّ رسله وصفّ الإسلام، وعليك أن تُجاهد نفسك، تُجاهِدَ هواكَ في غضبك أو في رضاك أو في مصلحتك، ((مَن أرضى الله بسَخَطِ النّاسِ رَضِيَ الله عليه وأرضَى عليه الناس، ومَن أرضى النّاسَ بسَخَطِ الله- بغضب الله- سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)) 20 ، في يومٍ من الأيام سيقول له: أنت كنتَ غشّاشاً، وكنت تكذبُ علينا.

فهذا هو الذي صار مع المنافقين مِن أهل المدينة والكفار من الذين كفروا بالنبيّ ﷺ من اليهود، ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ فلَمّا حصَرَهَمُ النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام وأجلاهم وأخرجَهُم لم يخرجوا معهم، ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ دعونا نتخيّل فرضاً أنهم كانوا معهم فقال: ﴿لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ كلّهُمُ سيَنهَزِمُون ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81]، يَذكرُ الله عز وجلّ لنا هذه القصص من أجل أن يجعلها درساً لنا طول حياتِنا وعلى مدى الأجيال كلّها، أينما رأينا حقاً وباطلاً، كفراً وإيماناً، تقوى وفسقاً، استقامة وضلالة، هدى وضلالاً، ففي أيّ طريق نكون؟ في الخطّ الذي يُحبُّه الله ويرضاه، لكن إذا سلَكْنا الطريقَ الثاني فلا نحن ننجحَ ولا الذين نُناصرهم من أهل الباطل، ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ [الرعد: 17].

لو غضِبَ منكَ صاحبُكَ قل له: “أنتَ لستَ على حقّ، عملُكَ هذا ليس صحيحاً، وأنت تكذب وأنت تغشّ وأنت مغرور، عملُك هذا فيه مسؤولية بين يدي الله سبحانه، إن انزعجتَ منّي فليس رزقي عليكَ ولا حياتي بيدِكَ ولا مماتِي، وكلّ ما في الأمر أنك إذا أردت أن تَبقَى على هذه الحالة، فليس لي فائدة مِن صحبُتِكَ، لأنّكَ سالكٌ الطريق المعوَج، وهل أمشي معك على عِوَجك؟” فإذا انتصَحَ كان بها وإذا لم ينتصح ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ [الدخان: 21]، ((ومَن تركَ شيئاً لله عوَّضَهُ الله خيراً منه في دينهِ ودنياهُ)) 21 .. ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ [الحشر: 13]، كانوا يخافون من الصحابة أكثر مما يخافون من الله عز وجل، لأنهم ليسُوا مؤمنين بالله ولا يُوجَد إيمان ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ كان اليهود يخافون مِن الصّحابة رضوان الله عليهم أكثر من الله عز وجل، والمنافقون أيضاً كانوا كذيلٍ لهم، وينتهي الدرس إلى هنا.

دلالات تبشّر بعزة الإسلام في المستقبل:

يوجَدُ مقال في الجريدة لا أعرِفُ إذا سمعتُم به أم لم تَسمَعُوا، وخلاصتُهُ: “ولادة طفلٍ مسيحيّ في بلدة تشاد”، هذه جنوب ليبيا، وأنا قرأتُ هذا الخبر في غير هذه الصحيفة، لكن أيضاً الذي لم يقرأها فليَسمع، قالوا: “ولادة طفلٍ مسيحيّ وعلى يديه اسمُ الرسول محمَّد مرّتين”، فإذا كانت عيونك سوداء هل يتغيّر لونها؟ وبياض عينكَ هل يَصيرُ سواداً؟ فإذا كتب الله شيئاً هل يمحو أحدٌ كتابتَهُ؟ وعلى يدِ مَن؟ طفل مسيحيّ؛ أبوهُ مسيحيّ وأمُّهُ مسيحية، أظنّ أنه لا يوجد حاجة أن أتابع قراءتها لكم، فقد صار لها ضجَّة كبيرة بين الناس والعالم والمسلمين والإسلام والدّولة، مَن كتَبَ هذا “محمّد”؟ أبوه مسيحيّ لن يكتب، ولو كتبَ سيَكتبُ: ميخائيل أو جرجس أو أنطون أو كاترين أو ماترين أو غير ذلك، وأمّه أيضاً مسيحية، من كاتبُها إذاً؟ كاتبُ هذه الكتابة هو ﴿الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ [آل عمران: 6]، لماذا كتبَ؟ ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران: 191].

فأنا سأقول لكم لماذا كتَبَ؟ قبل أن يَظهَرَ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وعند ولادته كانَتْ تظهَرُ علامات تدلُّ على مجيئه، والعلامات التي تدلُّ على مجيء النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أو أمرٍ عظيم، هذه تُسمَّى “إرهاصات” يعني مقدّمات تدلُّ على النتائج، كذلك هذه الكتابة تُعتبَر إرهاصاً لعزّة الإسلام، كما قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ((سيصلُ الإسلام ما وصل إليه الليل والنهار)) 22 ، وسيبلغُ، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] والآن عملياً ينتشرُ الإسلام في أوروبا، والمساجد تملؤ أوروبا، وتجد المئذنة في روما طولُها ستون متراً، والمساجد في فرنسا بالمئات، والكنائس تُباع والمساجد تُشيَّد، ولا يُوجَد بلدٌ إسلاميّ في مشارق الأرض ومغاربها سمعنا أنهم طرحوا مسجدًا أو مصلّى صغيرًا للبيع!

والحال في كلّ العالم اليوم.. لماذا اخترعُوا الدَّول العلمانيّة؟ وهي التي لا تتبنَّى الدّين كما أنّها لا تُعارِضه، وهذا أصلُ العلمانيّة، لأن الكنيسة تُريد أن تفرِضَ معتقداتها على الدولة، وصارَت هذه المعتقدات تُخالفُ الحقائق العلميّة في كثيرٍ مِن الأمور، فصارت الطبقة العلميّة في تناقض، والدين يجب عليه أن يَلتقيَ مع الحقائق لأنه هو أبو الحقائق، حتى في الإسلام، فقد دخلَ في الإسلام دخائلُ كثيرة، وهذا مما شُوِّه به الإسلام، والإسلام بحقيقتِهِ أجمَلُ مِن كلّ جمال! وأعظم مِن كلّ عظيم! وأغنى مِن كلّ غنى! وأنا في حياتي- ورويتُ لكم كثيراً: رأيت من أمريكا إلى اليابان وإلى الاتحاد السّوفيتي وإلى أوروبا ومع أعظم الرجال علماً أو كنيسةً أو إلحاداً كيف كانوا يخضعون إلى الإسلام ركّعاً وسجّداً.

قصّة زيارة الشيخ كفتارو رحمه الله إلى بلغاريا:

وسأروي لكم قصّةً لعلّي لم أروها لكم من قبل، ففي أوّل زيارة زرتُ فيها بلغاريا وذهبتُ بنيةِ أنني كنتُ قد ترأستُ مؤتمراً للحوار الإسلاميّ المسيحي في سلوفاكيا، وكنتُ أنا أحَدَ الرئيسين، والرئيسُ الثاني مِن الكنيسة، وخرجنا بالبيان المشترك الذي سمعتموهُ، وهو مكتوبٌ في كتاب الدّعوة والدعاة، ومضمّن بأنّنا اتفقنا كنيسة ومسجداً، يعني مسلمين ومسيحين على “لا إله إلا الله محمّد رسول الله وعيسى رسول الله”، مثلما رأيتُم قبل سنة أنّ وَفْدَ الاتحاد الكنسيّ لَمّا أتى إلى هنا، فكلُّ واحد ألقى كلمة بدأها “ببسم الله الرحمن الرحيم”، وقال: “أشهَدُ أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله وعيسى رسول الله”، ووزارةُ الإعلام قامَتْ بحديثٍ معَهُم على التّلفزيون، وقالوا: بعدما التقينا بالمفتِي سنحمِلُ الإنجيل بيَدٍ والقرآنَ باليد الأخرى، ولا يُوجَد أحدٌ يَستطيعُ أن يَقولَ عن هذه القبَّعة أنها سوداء، ولو كان أكبرَ فلاسفةِ العالم، ولو كان لينين أو ستالين لا يَستطيعُ أن يَقولَ إلا بيضاء.

وكان يومَ الجمعة ففتحُوا لنا مسجد صوفيا، وكانت حالته أسوأ من الإسطبل، وكان مُغلَقًا مِن سبعين سنة، وقد جَعَلَت آثار الأمطار الجدرانَ بلون أصفر وأخضَر بشكلٍ مزريٍّ، والغبار في كل مكان، صعَدتُ على المنبر حتى أخطُبَ الجمعة، ويمكن أنّ الذي عَلِقَ بيديّ مِن الغبار حوالي سبع أو ثماني غرامات، والخلاصة صار لنا لقاء بعد العصر مع نائب رئيس الدّولة، ورافَقَني مفتِي المسلمين هناك، ولَمّا دخلنا عليه وإذا به عبوساً قمطريراً، عابسًا بنظرة حقد، وكأنّ فيها استخفافاً، وماذا يعني نائب رئيس الدولة؟ يعني جذر الشيوعيّة والإلحاد، أنا قلتُ في نفسي: سأشرَبُ فنجان القهوة بلا كلام، وبعدها أقول: “مع السّلامة” [سأغادر]، لأنه لا يوجَد مجال للكلام، وإلى أن شربنا فنجان القهوة لا بدّ وأن نتكلم فتكلمنا قليلاً، وإذا بنا نرى الباب المقفول قد زقزق وانفتَحَ قليلاً، وصار هناك مجال أن نتكلّم أكثر قليلاً، فتكلَّمنا فانفتحَ قليلاً، ولا زال ينفتح قليلاً قليلاً حتى دامت الجلسة ساعتين إلا ربع، فمن جملة ما قلتُ له: “إنني اليوم صلّيتُ الجمعة في مسجد صوفيا”، الذي هو مسجدُ المسلمين الوحيد، “وكان بحالة من الإزراء والإهمال كما هو الواقع”، قلتُ له: إنّ الإمبريالية وأمريكا تصرِفُ مئة مليون ومليار حتى تجعلوا مسجدَ المسلمين بهذا الشّكل، حتّى يَقومُوا بدعاية ضدّكم أنه أنتم مضَّطهِدُونَ للمسلمين وضدُّ الأديان وإلى آخره، والخلاصة حتى أكمَلْتُ حديثي، والتفَتُ للمُفتِي، قال له: انظر يا سماحة المفتي، أنت مسؤولٌ عن إعادة بناء المسجد على أحسَنِ طِراز وأحسن زينة، وأنت المسؤول، وكلّ ما تَطلبُهُ لهذا أنا المسؤولُ تجاهَكَ، ولَمّا صافَحنا بعضَنا البعضَ في نهاية الجلسة، ماذا كانت كلمتُهُ الأخيرة؟ قال لي: لقد أنعشتَني جسديّاً وروحياً.. وكذلكَ البابا بعد جلستي الأخيرة معه صافحَنِي وقال لي: أنا أقرأُ القرآن كلّ يوم.

فإذا كُتِب “محمّد محمّد” فهذا مثل الهاتف، فأوّلاً يَرنّ قبل أن تتكلم، وهذا رنين المدد الإلهيّ، واشهدوا على كلامي أنه لن يَنتهِي هذا القرن إلا وسيكونُ الإسلام هو العالميّ المسيطر في مشارق الأرض ومغاربها، فشدّوا الهمّة، فقط كونوا حُكماء لطفاء علماء وتدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40]. فهذا الطفل المسيحيّ كُتِب عليه اسم “محمّد”، وليس محمّداً واحداً، بل محمّدين، محمّد الأول هو الباني، ومحمّد الثاني هو الدعاة الصادقون الذين يجعَلُ الله على أيديهم تجديدَ الإسلام، أو تأكيداً لمحمّد أن رسالة محمّد هي التي ستثبُتَ، وها قد ثَبَّتْناها لكم، وإذا استطعتم فامحوها، وغَفَرَ الله لنا ولكم.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. تاريخ المدينة لابن شبة (2/ 489)، تفسير القرطبي (18/21) في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ [سورة الحشر: 9] وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا غَنِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، دَعَا الْأَنْصَارَ وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ فِي إِنْزَالِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: (إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ). فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: بَلْ نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا. وَنَادَتِ الْأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ). وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ، عن الكلبي.
  2. سنن الترمذي، أبواب: صفة القيامة والرقائق والورع، رقم: (2510), أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، باب مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه، رقم: (1412)، ونصه: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحمَّد بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ)).
  3. سنن النسائي، كتاب الجهاد: باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، رقم: (3109)، (6/12)، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِراً ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ».
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما قيل في ذي الوجهين، رقم: (5711)، (5/2251)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب خيار الناس، رقم: (2526)، (4/1958)، بلفظ: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي، (7/ 259)، اعتلال القلوب للخرائطي، رقم: (390)، (1/187)، بلفظ: «لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ وَجِيهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
  5. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/448)، الأدب المفرد للبخاري، باب دعوات النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (683)، ص: (237)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينَكَ)).
  6. صحيح البخاري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، رقم: (3929)، والحديث بتمامه: رُوِيَ أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ وهي امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ رضي الله عنها بَايَعَتِ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم وَأَخْبَرَتْهُ: "أَنَّهُ اقْتُسِمَ المُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم: ((وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟)) فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: ((أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ، مَا يُفْعَلُ بِي)) قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً".
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم: (13)، (1/12)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه، رقم: (45)، (1/67)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
  8. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين، (1/452). وهناك أحاديث كثير صحيحة بهذا المعنى كما في البخاري عَنْ أَنَسٍ، «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ... ( 15) وعَنْ أَنَسٍ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (13).
  9. معجم الطبراني الكبير، (8/123) رقم: (7502)، عن أبي أمامة الباهلي، بلفظ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْ إِلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ». وابن عدي في الكامل في الضعفاء (3/126)، وابن رجب في كلمة الإخلاص وقال إسناده ضعيف. تخريج أحاديث الإحياء، (5/2354). السنة لأبي عاصم (3).
  10. صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (33)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم: (59).
  11. المعجم الصغير للطبراني، رقم: (507)، (1/305)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1642)، (3/273).
  12. سنن الترمذي، أبواب ما جاء في البرِّ والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم: (1987)، (4/ 355)، مسند أحمد بن حنبل، رقم: (21392)، (5/ 153)، بلفظ: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه.
  13. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم: (3022)، (4/ 2317)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (847)، (2/ 321)، بلفظ: ((عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَتْ لِي عَائِشَةُ يَا ابْنَ أُخْتِي أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ))، وهذا اللفظ لمسلم.
  14. شعب الإيمان للبيهقي، باب في معالجة كل ذنب بالتوبة، رقم: (6780)، (9/ 362)، والتوبة لابن عساكر، رقم: (9)، (1/ 41)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
  15. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، (19/ 104)، الكبائر للذهبي، (88)، الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، (2/ 899)، بلفظ: ((يَمُوتُ كُلُّ إنْسَانٍ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، ويُحْشَر عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ))، وفي صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، رقم: (2878)، (4/ 2206)، ومسند أحمد بن حنبل، رقم: (14583)، (3/ 331)، عن جابر رضي الله عنه، بلفظ: ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ)).
  16. سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم: (2616)، (5/11)، شعب الإيمان للبيهقي، فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه وترك الخوض فيه، رقم: (4958)، (4/ 247)، عَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه.
  17. سنن النسائي، كتاب الجهاد: باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، رقم: (3109)، (6/12)، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِراً ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ».
  18. سنن النسائي، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا انتبه من منامه، رقم: (10699)، (6/ 215)، مسند أحمد بن حنبل، رقم: (12720)، (3/ 166)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  19. رواه الطبراني في الكبير، عن جندب بن سفيان رضي الله عنه، (1702)، رقم (1702)، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسرَّ عبدٌ سَرِيرَةً إلا ألبسهُ اللهُ رداءها، إن خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرٌّ». وروى الإمام أحمد والطبراني وأبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ: (لو أنَّ أحدكم يعملُ في صخرةٍ صمَّاءَ ليس لها بابٌ ولا كُوَّةٌ لخرج عملُهُ للنَّاسِ كائناً ما كان). قال العجلوني في كشف الخفاء 2/296: قال النجم: وسنده حسن.
  20. صحيح ابن حبان، رقم: (277)، (1/200)، ومسند عبد بن حميد، رقم: (1524)، (2/63)، بلفظ: ((قَالَ: مَنْ أَرْضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضَى النَّاسِ، وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ)) عن عائشة رضي الله عنها.
  21. تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 374)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((ما ترك عبد لله أمرا لا يتركه إلا لله تعالى إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه))، وفي المدخل لابن الحاج (2/111)، بلفظ: ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20758)، (5/78)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5748)، (5/ 53)، بلفظ: ((إِنَّكَ لا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ))، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءٍ رضي الله عنهما.
  22. مسند أحمد بن حنبل، رقم: (16998)، (3/ 103)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (1281)، (2/ 58)، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
WhatsApp