تاريخ الدرس: 1982/01/31

في رحاب الآداب والأخلاق

مدة الدرس: 01:17:00

في رحاب الآداب والأخلاق (158): أركان الحكمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحكمة عطاءٌ من الله

يقول اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: 269] يُؤتي الحكمة: إذاً فالحكمة عطاءٌ من الله، وفي أكثر من موضع يرد في آيات القرآن ذكر الموهب: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] فالعلم في مثل هذه الآيات كذلك هو موهِبة إلهيةٌ، وهذه موهِبة كما أنّ السَّبَل في القمح يكون موهبة أيضاً، لكن هذا الوهب يكون لمن يلقي البذر (المزارع)، وهل تكون هذه الموهبة لمن أهمل الأرض فلم يحرث ولم يبذر؟ لا، كذلك الحكمة والعلم الرباني فهو لمن يتهيأ له، فمن يتهيأ بالزواج يهبه الله الولد، ومن يزرع الياسمين والفل والزنبق يهب الله له الورود والزهور والروائح العطرة.

دخل إلى عقول المسلمين التواكل والجبرية، ففي التواكل يظن أنه بالدعاء والتمني يعطيه الله ما يريد، وهذا جهل وخطأ وهدم للعقيدة الإسلامية، حيث إنه في العصور الأخيرة أثّر على كيان المسلمين وأثّر على صفاء العقيدة الإسلامية.

وكما أسلفنا في موضوع الحكمة بأنها على قسمين: حكمة علمية وحكمة عمليّة.

الحكمة العلمية

فالحكمة العلمية- هل تحفظون تعريفها؟ مَنْ كتب سيحفظ، ومن لم يكتب فقد نسي- [كان الشيخ كفتارو رحمه الله يحث الحاضرين في دروسه على الكتابة عند حضورهم مجالس العلم، وقد كان أكثرهم من المشايخ وطلاب العلم] الحكمة العلمية هي: “الاطلاع على بواطن الأشياء وحقائقها ومعرفة ارتباط المسبَّبات بأسبابها خَلْقَاً وأمراً”، إذا ضغطت على مفتاح النور الكهربائي فستحصل على إضاءة، فالإضاءة مسبَّبٌ والمفتاح الكهربائي وتحريكه هو السبب.. إذا أكلت ستشبع، فالأكل سببٌ والمسبَّب عنه الشّبع.

ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبَّباتها خَلْقَاً وأمراً، في الأمور الخَلْقِية الكونية الطبيعية يجب أن تعرف بأنّه إذا أردت الماء فيجب أن تحفر في الأرض، فقد خزّنَ اللهُ الماء في باطن الأرض. وإذا أردت الولد عليك أن تتزوج كي يعطيك الله الولد، فقانون الخلق والكون والطبيعة هكذا، وعليك أن تعرف الأسباب والمسبَّبات في الأوامر الإلهية، فقد أمرك الله بكذا لأجل كذا.

الحكمة في العبادات

حرّم الله عليك الخمر ليُبقي عليك العقل، وحرّم عليك القمار ليحفظ لك المال، وأوجب عليك الصلاة لتدرس في الصلاة الدّروس الأخلاقية والتربوية، ولتُغذي روحك بطاقةٍ وتيارٍ كهربائيٍ إلهيٍ، يُقوّي فيك الأعصاب والعزيمة والإرادة، ويخلق فيك البطولة ومكارم الأخلاق.. عليك أن تعرف الحكمة في الزكاة، وتعرف لماذا أمر الله بالزكاة.

كل شعوب العالم وقوانين حكوماتها فيها رعاية مالية، ففي الغرب لديهم نظام الضمان الاجتماعي، فيأخذ العجوزُ من الدّولة كفايته، وعلى الدّولة أنْ تؤمّن له السّكن والدّواء والطّب وكلَّ شيء، والدول الاشتراكية أيضاً لديها نظام، حيث لا يكون هناك شخصٌ مُتخَم بالمال وآخرٌ جائعٌ.

الإسلام فرض الزكاة قبل أن ينظّم الغرب والشّرق أنظمته، والنّبي ﷺ قال: ((إنّ في المال حقاً سوى الزكاة)) 1 وهذا عند عدم كفاية الزّكاة، فهذا يعني أنه ليس هناك حدٌّ وسورٌ نتقيَّد به، فإذا تغيّر الزمن بحيث لم تعد الزكاة تكفي ((فإّن في المال حقاً سوى الزكاة)).

الضيافة في الأرياف والبريّة واجبةٌ، ففي ذاك الوقت لم يكن هناك فنادق، فأهل القرية يجب عليهم أن يُضيّفوا الغريب، وإذا لم يعطوه ضيافته فيستطيع أن يُقيم عليهم دعوى في المحكمة الإسلامية، ويأخذ حقَّ الضيافة بما يعادل تكلِفة ضيافته ثلاثة أيام، أما ما زاد على الثلاثة فليس من حق الضيافة، وعندما يريد أن يسافر يجب أن يعطوه ما يكفي ليصل إلى المحطة التي يتأمّن له فيها ما يريد.

هذا في الإسلام، وهذه نصوص نبوية، ولكن المسلم لا يفهم ذلك، لأنه فقد المعلم وفقد المدرسة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي لا يريد معلِّماً، ولو شعر بحاجته إلى المعلّم كحاجته إلى الخبّاز لتغيّر الحال، ففي منطقة التَّل [مدينة صغيرة تقع في أطراف دمشق] مثلاً إذا لم يكن هناك فَرَّان ستخرج مظاهرات، وإذا لم يكن هناك حلّاق أو لم يكن هناك محروقات أيضاً ستحدث مظاهرات، لكن إذا لم يكن فيها معلِّمٌ وشيخٌ حقيقيٌّ فهل ستخرج المظاهرات؟ لا!

فالشعور الإسلامي في نفس الإنسان المسلم أصبح مثل شعور المحتضر الذي ينازع في الحياة، وإذا ذهب الإسلام لم يبق عنده شيء.. إن كل الأمم لها عقائد قوميةٌ ووطنيةٌ، ولها تربيةٌ أخلاقيةٌ ولها علومٌ تتعلَّمها.. والإسلام علومٌ وعقائد وأخلاقٌ.. والمسلم حالياً لا يملك شيئاً من هذا، فالمتديّن يصلّي أربع ركعات ولا يفهم لماذا، وغير المتديّن لا تهمه المسألة أيضاً، والنتيجة يمكن أن تكون واحدة.

الصلاة مكابح العبد

فالصلاة إذا لم تكن كالمكابح لا تستطيع إيقاف السيّارة، فإذا كانت “الكولييه” [كولييه في اللهجة العامية، وهي كلمة أجنبية، وهي القطعة المرنة المطاطية المركبة على العجلة الخاصة بكبح السيارة وإيقافها] ممسوحة ومهترئة والزيت فارغاً وضغطنا على المكابح فماذا سيحدث؟ ستذهب السيارة إلى الوادي.. وكذلك الصلاة إذا لم تضبطك وتعْقِلك وتوقفك عند حدود الله فهي ليست صلاة حقيقية، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45]، يعني نهياً عن الفحشاء والمنكر، فإذا لم يكن هناك ذكر- والصلاة أساساً ذكر- وإذا لم تكن الصلاة لك ذكراً وتريد ذكر الله خارج الصلاة فأنت لست مسلماً حقيقياً، بل تريد أن تكون مسلماً بالاسم.. قل أنا رئيسُ جمهوريةٍ.. وبالاسم فقط، ثم انظر ما يحدث لك.. وعندما تذهب إلى الآخرة كمسلمٍ مزوَّر، ستعرف ماذا يحدث لك!

دراسة الأسباب في الطبيعة

الحكمة العلمية هي: “الاطلاع على بواطن الأشياء وحقائقها ومعرفة ارتباط المسبّبات بأسبابها خَلْقَاً وأمراً”، فيجب أن تعرف الحِكم والحكمة والسّر والهدف والغاية والأسباب الموجبة في الأمور الخَلْقِية الطبيعية.. لماذا جعل الله الأرض تدور حول نفسها؟ لكي يخلق الليل والنهار.. ولماذا خلق النجوم.. قد يكون بعض إشعاعاتها التي تصل إلى الأرض سبباً في بقاء الحياة على الأرض، ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا [الملك: 5] أي: أنا لن أضعك على الأرض دون أن أعمل لك زينة “ديكور” في السَّقف، سأجعل كلَّ السقف زينة، وسأجعله مُنوّراً، وواحدة من هذه البلورات [الأضواء- المصابيح] قَرَّبها.. كم شمعة هي بلورة الليل؟ وكم شمعة بلورة النهار؟ كم تحتاج من الوقود خاصة مع ارتفاع سعره هذه الأيام؟ ولو حاسبَنَا الله ولو يوماً واحداً على إضاءة الشمس لنفذت كل خزائن الدول.. قال: “خلقاً وأمراً” فعليك أن تعرف الحكمة في الأمور الخَلْقية.. والأوروبيون اليوم يدرسون هذا العلم؛ علم الأسباب والمسبّبات في الطبيعة، فمثلاً يدرسون الدودة والحشرة والخُنفساء.. قرأت في بعض المجلات منذ بضع سنوات أنَّ أعظمَ اكتشافات العالَم تلك السَّنة كان اكتشاف الخنفساء.. ماذا اكتشفوا فيها؟ هل يعني أنهم رأوها بعينهم؟ كلُّ الناس كانوا يرونها بأعينهم! ولكنهم اكتشفوا بعض الحِكم في وجودها، واكتشفوا الفائدة منها.. واكتشفوا الآن أن سمّ الكوبرا- والكوبرا من أكبر الأفاعي وسمُّها قاتل- يصلح دواءً للسرطان.. إذاً خَلْقُها وحملها لهذا السُّم فيه حكمة، وهي لا تؤذيك، فعندما تراك تهرب منك.. كذلك الدّبور وغيره كثير.. وأصبحت الدول تستورد الخنافس من دولٍ أخرى، لأن الخنفس خُلق ليلتهم ويأكل بعض الحشرات التي تُهلك الزرع، وهذه الخنفساء مضادة لتلك الحشرة التي تُهلك الثمر أو الزهر.. وأنت لم تكن تعرف هذه الحكمة، أمّا الأوروبي فيعرف هذه الحكمة.

أنت أيها المسلم لا تعلم الحكمة في دينك.. خَلْقَاً- في الأمور الخَلقية الطبيعية الكونية- وقَدَراً وشرعاً، فيجب عليك أن تعلم الحكمة في التَّشريع، وهذا ما يُسمّى في القوانين الحديثة بالأسباب الموجبة.

لماذا وضعت الدولة هذا القانون.. عليك أن تعرف لماذا حرَّمَ الله وحلَّلَ، وإذا ما سألت شيخاً يقول لك من جهله: لا تكفرْ! لا تسأل! فالسؤال للعلم أصبح عند بعض الشيوخ كفراً، وهل العلم كفر؟ وهل يجب أن نبقى جهلاء؟ ونحن لا نعرف كيف نخرج من هذا المأزق الذي نحن فيه!

الحكمة العمليّة

الحكمة العمليّة: هي “وضع الشيء في موضعه” ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ [البقرة: 269]، فإذا عَرَفْتَ الحكمة بقواعدها وطرق تحصيلها وطُرقها ومن ثَمَّ تطبيقها فأنت داخل في الآية الكريمة ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269].

في التجارة عليك أن تتعلّم حكمة التجارة، وفي الصِّناعة تتعلم الحكمة في الصِّناعة، وفي السياسة كذلك.. والنّبي عليه الصلاة والسلام وهو في إحدى الغزوات حصلت مشكلةٌ بين بعض عبيد رأس المنافقين ابن أبي بن سلول وبين بعض المهاجرين، حيثُ كان ابن أبي بن سلول زعيماً للمدينة آنذاك، فعندما بلغه ذلك تضايق وقال: “ما شأننا وشأنُ محمد وأصحابه إلا كما قال الأُوَل: سَمِّن كلبَك يأكلْك”، أتانا جائعاً مطارداً ونحن آويناه وشبع، ويريد الآن أن يعضّنا.. فهل هذا كافرٌ أم مسلم؟ إنه كافر.. فبلَّغ أحدُ الصَّحابة النّبيَّ ﷺ ذلك، فاستدعاه النّبيُّ ﷺ فحلَفَ الأيمَانَ بأنَّه لا علمَ له بذلك، فأنزل الله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 1]، ومن جملة ما قال: اصبروا، وعندما نصل إلى المدينة: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ [المنافقون: 8]، أي أنه هو زعيم المدينة والنّبي ﷺ والصحابة لاجئون، وبلغ ذلك النّبيّ ﷺ وشاعت الكلمة في الجيش، فحدث اضطرابٌ وكادتْ أن تحدثَ فتنةٌ كبيرةٌ، وشاع أنَّ النّبيّ ﷺ يريد قطعَ رأسه، وكان له ابنٌ من كبار الصحابة الصادقين رضي الله عنه، أتى إلى النّبيِّ ﷺ وقال: يا رسولَ الله- ﷺ- بلغني أنّك تريد قتل والدي، وقد عَلِمَتِ العَرَبُ أنِّي من أبرِّ الأبناء بآبائها، وأخشى إذا رأيتُ قاتِلَ والدي أن لا أَصبِرَ فأدخل النارَ- أي أن أقتله وهو مسلمٌ فأدخل جهنم- فإذا عزمت على قتله فأذَن لي فأنا أقتله.. ما هذا الإيمان! هنا تتجلى الحكمة في السياسة.. وفي المشهد نفسه نرى أيضاً سيدنا عمر رضي الله عنه يسلّ سيفه ويقول: يا رسول الله- وهو غاضب يريد قتله- فقال النّبي ﷺ لابنه رضي الله عنه: ((لا، ولكن نُحسن صحبته ما صحبنا)) 2 ، وقال لعمر رضي الله عنه كلاماً -معناه-: لو قتلناه لرجف له ألف شارب واهتزّ لأجله ألف سيف- هذا معنى حديث النّبي ﷺ- يعني أنه سيحدث ثورة بين أنصاره، وليس لدينا وقت لمثل هذه الأمور، وضعاف الإيمان سينقلبون مرتدّين، فيجب أن نكمّل إيمان ضعاف الإيمان، ومَنْ ليس عنده إيمان نزرع فيه الإيمان.

نحن لسنا بحاجةٍ إلى معارك جانبية الآن.. فمثلاً معركة العراق وإيران.. بالنسبة للمعركة مع محتل لأرضنا، فإسرائيل الآن مسرورة.. لماذا يفعل العرب هذا؟ لأنهم لم يتعلّموا الإسلام، ولم يتعلَّموا الحكمة في الإسلام، حتى الفقه تعلموا فيه فقط فقه الوضوء، والطفل يعرف كيفية الوضوء! لكن هل هذا بحاجة إلى كتب؟ كيف علّم النّبي ﷺ الناس الوضوء؟ هل ألّف لهم كتباً في الوضوء؟ عندنا الوضوء الشافعي والوضوء الحنفي، وهناك خمسون مذهباً من أجل الوضوء.. توضأ مرة سيدنا جبريل عليه السلام أمام النّبيّ ﷺ، وفي مرةٍ ثانيةٍ توضَّأ النّبيّ ﷺ أمامه وقال للصَّحابة: توضؤوا كما توضأت.. وانتهتِ المسألة.. ولكن علّمهم الحياة في كل وقته، وعلمهم النضالَ في بناء الأمّة الفاضلة في كلّ عمره وكلّ جهده.

الحكمة في السياسة

فقه الحكمة في السياسة؛ انظر مثلاً لأبي سفيان حينما كان عدوّ النبي ﷺ اللدود وأثار كل العرب على الإسلام وعلى النبيّ ﷺ، وتمّ القبضُ عليه عند فتحِ مكة، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه كمَنْ يجلس على جمرٍ من نارٍ ويقول: يا رسولَ الله اسمح لي بقطع رأسه! ولكنَّ النّبي ﷺ بقي جالساً معه من بعد العصر إلى الفجر وهو يحاوره في الإسلام بـــــــــ “لا إله إلا الله” وبترك الأصنام، وفي النِّهاية قال له: “فماذا أفعل باللات والعُزّى؟” يعني إذا أسلمنا وقلنا “لا إله إلا الله” ماذا أفعل باللات والعُزّى ودين آبائي وأجدادي؟ وكان سيدنا عمر رضي الله عنه في قمَّة الغضب، فعندما سمع هذا الكلام قال من خارج الخيمة كلاماً معناه: “ارمِها في المرحاض”، فقال له النبي ﷺ: ((ومحمد رسول الله))؟ فقال أبو سفيان: هذه في الَّنفس فيها شيءٌ 3 ، ولا تقبلها نفسي.

فتأمل! تمَّ أسرُه وهو من هو في الحرب والأذى، وكلُّ قوانين الحربِ عادةً تأمر بقطع رأسه، ولكنّ النّبيّ ﷺ لم يقطع رأسه، لماذا؟ لأنّ النّبيَّ ﷺ أُوتي الحكمة، بل على العكس، فبدلاً من قطع رأسه أعطاه مئة جملٍ.

النّبيّ ﷺ ليس مكلّفاً بقطع رؤوس الناس، ولكنّه يقطع رأس الكفر وليس الكافر، يقطع رأس الإلحاد وليس الملحد، بُعث ليحفظَ رأس الملحد، وليحفظَ رأس الكافر، وليحفظَ رأس الوثنيّ، ولينقذَه من الجوع والفقر والجهل والأميّة، ألم يكنِ العرب والصَّحابة هكذا؟ هل قطع النّبيُّ ﷺ رؤوسهم؟ لا، بل ألقى بعيداً برأس الكفر ووضع مكانه رأساً جديداً، فإذا تعطّلت “البواجي” [البواجي جمع “بُوْجِيَّهْ” في اللهجة العامية، وهي قطعة صغيرة، رخيصة الثمن عادة، تكون في محرك السيارة وظيفتها قدح الشرارة لتشغيل السيارة] فهل نُعدِم السيارة؟ لا، بل نرمي القديم ونضع الجديد مكان القديم وانتهت المسألة.. قال أبو سفيان: ولابني معاوية؟ فأعطاه مئةَ جملٍ.. ولابني الآخر؟ فأعطاه مئةَ جمل ثالثة.

وإذا بغى باغ عليك بجهله فاقتله بالمعروف لا بالمنكر

هذه هي الحكمة، وهذه من الإسلام، وهذه من الدين، لكن المسلم لا يعرفها ولم يسمع بها ويقرأ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269]، قرأها ألفَ مرّةٍ! وبالتّجويد والقراءات السبعة والعشرة والأربعة عشر! لكن هل فهم ما هي الحكمة؟ هذه القراءات هي لهجات عربية، وهل أنزل الله القرآن لتعرف اللهجات العربية فقط؟ أم أنزله لنفقهه ونعمل به ولنَسعَد ونُسعِدَ العالَم به؟ فالحكمة العمليّة: هي “وضع الشّيء في موضعه”.

مرةً كان أحدهم راكباً مع الملك في السّفينة في نزهةٍ في البحر، وكان بين يديهم برتقالاً أو تفاحاً، فقال له: أعطني تفاحةً، وعندما أراد أن يعطيه التُّفاحة شعر بوجود بلغمٍ في صدره، فأرادَ أن يبصقَها في البحر ويعطي التفاحة للملك، فأخطأ فبصق في وجه الملك ورمى التفاحة في البحر.. فهل هذه حكمة أم حماقة؟

هكذا وضع المسلمين الآن أن يبصق البلغم في وجه الملك! وبهذا يمكن للملك أن يقطع رأسه.. كما أنه أضاع التفاح أيضاً.. الحكمة هي وضع الشيء في موضعه؛ أن تضع الوقود في خزّان الوقود والماء في المـــُبَرِّد، فإذا وضعتَ الماء في خزّان الوقود، والوقود في المـــُبَرِّد، فتكون قد وضعت الشيء في غير موضعه، وتكون النتيجة الفشل والخراب.

مِن أسباب الفشل

الفشل دائماً يكون في أيِّ عملٍ بسبب فقد الحكمة، والحكمة هي النضج العقلي، والنضج العقلي يكون بالعلم والمعلِّم وبالمعرفة والمعرِّف، فلو وُجِد المعلِّم المعرِّف الحكيم فيصبح المتعلمون حكماء وأدباء وناجحين.

السياسة لها فقه، والعسكرية لها فقه، والنّبي ﷺ لم يُهزم في معركة حربية ولا في معركةٍ سياسية، لماذا؟ لأنه أُوتي الحكمة.. الصحابة تخرّجوا من مدرسة الإسلام التي كان معلِّمها النّبي ﷺ فتخرجوا حكماء وعلماء وفقهاء وأدباء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء 4 .. ما معنى النبي؟ النّبيُّ مهندس أمّة، كما أن هناك مهندس طرقات ومهندس خرائط ومهندس حديد، كذلك النبي ﷺ هو مهندس أمّة.

بُناة الحكمة والأمَّة

العالِم الإسلامي قال فيه النّبي ﷺ: ((العلماء ورثة الأنبياء)) 5 فالعالِم يجب أن يكون مهندس أمّةٍ؛ يبني أمّة؛ يبني علمها وأخلاقها وحكمتها وتحاببها وهمتها وإرادتها وإنتاجها واقتصادها وصحتها، هذا هو العالِمُ الديني.. كان قبل خمسين سنةٍ تَعَصُّبٌ وجمود وتزمّت، والآن هناك بقايا، لكن كان هناك تقوى وأخلاق، لذلك يجب على كل واحدٍ منكم أن يعتبر نفسه مسؤولاً عن كلِّ هذه الأمة، فيتعلّم ليعمل ثُمَّ يُعلّم، ولو كان عاملاً أو كان صاحبَ دكّان أو موظفاً أو طبيباً أو مهندساً.

ألم يكن ابن سينا طبيباً؟ كان طبيباً وفيلسوفاً وصوفيّاً ومن أكبر العلماء والمعلّمين، وسيدنا عمر رضي الله عنه ألم يكن معلِّماً؟ كان رئيس جمهورية وكان معلّماً وكان إمام مسجدٍ، وسيدنا عثمان رضي الله عنه كان رئيساً وتاجراً، وهكذا كان المسلمون، ولذلك كانوا خير وأفضل أمّة وشعب، والآن أصبح الدين وعلوم الدين شكليّةً ميّتةً جامدةً مخرِّبة، وباسم الدين يُخَرَّب الدين، وباسم العلم يُصْنَع الجهل.

درجاتُ الحكمة

الحكمة على ثلاث درجاتٍ، فالدرجة الأولى: “أن تُعطي كلَّ شيءٍ حقَّه ولا تعدّيه حده ولا تعجّله عن وقته ولا تُأخره عنه” كأنْ تُعطي السّيّارةَ حقها قبل أن تسافر بأن تملأ العجلات بالهواء والخزّان بالوقود والمـــُبَرِّد بالماء، وتعمل لها فحصاً كهربائيّاً إذا كان سفرك بعيداً، فعليك أن تعطي كلَّ شيءٍ حقه.

إذا أردت أن تزرع فعليك أن تحرث الأرض وتعشّبها [تزيل الأعشاب] وتنظّفها، وإذا كان هناك بقايا قطن فعليك حرقه؛ لأنك إذا لم تحرقه فسينبت الزَّرع الثاني ويكون مليئاً بالدود، فلذلك تأمر الدولة عبر وزارة الزراعة بحرق عيدان هذه الشُّجيرة، وهذا من الحكمة.

أكثر الأوروبيّين يمشون بطريق الحكمة، ولذلك ينجحون، والمسلمون- أهل الدين- يقولون: “اتركها لله” ولا يأخذون بالسبب الصحيح فلا ينجحون، فغيرهم ينجحون مع أنهم يشربون الخمر ويفعلون الكبائر! فيجب عليك أن تعطي كل شيءٍ حقّه، فتعطي زوجتك حقّها، وكذلك بيتك ودكّانك وثيابك ونعالك وسيارتك وقلبك.. وتعطي عقلك حقّه من العلم والتربية.

فأين المعلِّم الإسلامي؟ إن المساجد هي مدارس العلوم الإسلامية فأين أساتذتها؟ ومآذنها شاهقةٍ في الهواء، لكن مسجد النّبيّ ﷺ لم تكن له مئذنة، ومع ذلك فهو الذي فتح مشارق الأرض ومغاربها، وذلك بشخصية النّبيّ ﷺ.. إن المسجد هو الشيخ، فإذا وُجد الشيخ وُجِد المسجد، وإذا لم يوجد الشيخ فهو مجرد جدرانٍ وأحجارٍ مرصوفةٍ بشكلٍ معينٍّ أو بأشكالٍ مختلفةٍ؛ كشكل مستطيل وغيره، وما الفائدة من هذه الأشكال؟ المسجد مكانٌ يتمُّ بناؤه للشيخ، كما أن العيادة والمشفى يتمّ بناؤها للطبيب، وكذلك دكّانُ الحلاقةِ لأجل الحلاق، فإذا لم يكن فيها حلّاقٌ فلا فائدةَ منها.

فالحكمة أن تعطي كل شيء حقه، وإضاعة الحكمة تعطيلٌ لها، وهي بمنزلة إضاعة البذر وعدم سقي الأرض، فإذا لم تعطِ الزراعة حقها فلم تضع البذار ولم تسقِ الأرض فلن تحصد الثمار، وتريد مسبَّباً بلا سببٍ، وذلك لأنَّك جهلت ارتباط المسبَّب بالسبب.. تقول: أحضرْ لي سجادة الصلاة وسأصلي كل يوم مئة ركعةٍ والله على كلِّ شيء قدير.. وادعُ اللهَ أنْ يُنبتَ لكَ الزَّرع من غير أسبابٍ ولا بذارٍ ولا زرعٍ.. هذا هو حال المسلمين!

إذا كان الحال بالزرع هكذا فكيف يكون بالنصر؟ وكيف يكون بالرُّقِيِّ وبالوحدة؟ نحن نريد وحدةً، لكن هل نأخذ بأسبابها؟ كلا.. بل نخلق أسباب الفرقة وأسباب البعد، وإذا أردنا أن نتغلَّب على أعدائنا علينا أن نتغلب عليهم بالعلم والأخلاق والمحبة والاتحاد.. لكننا لم نأخذ بهذه الأسباب، فكيف ننتصر؟ هذا لا يمكن! وإضاعة هذه الأسباب تعطيلٌ للحكمة.

“أن تعطي كلَّ شيءٍ حقه ولا تعدّيه حده” وتَعدّي الحق كأن تملأ العجلات بالهواء أكثر من اللازم أو تسرع بالسيارة أكثر من إمكانية الطريق وحاجة المسافر فهل تصل؟ لا، وتعدّي الحق كسقي الزرع فوق حاجته بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد، “وتعجيلها عن وقتها” كالحصاد قبل إدراك الزرع وكماله، كأنْ تزرعَ القمح فينبت، ثمَّ يصبح طوله شبراً فتحصده بعد أسبوعين دون أن تصبر عليه مدة ستة أشهر، بزعمك أنَّ هذا مضيَعةٌ للوقت! فيكون حصادك عشباً قصيراً لا يصلح حتّى للأرانب، وهل بهذا تكون حكيماً؟ وهل أنت مسلم؟ والله يقول عن النبي ﷺ: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة: 2].

فَهْمُ المسلم اليوم جاهليةٌّ بحتة!

كان عندنا جار- رحمه الله- توفي منذ أربعين سنة عندما تزوّج كان عنده قاعدة أنه يجب قطع رأس القط من ليلة العرس، [“اقطع رأس القط من ليلة العرس” القط هو الهرّ، وهو مثل عامي في سوريا يقوله العوام قاصدين أن تأدب زوجتك من اليوم الأول في حياتك الزوجية، وتكون قاسياً معها لا ليناً.. وهذا كغيره من الأقوال التي دخلت حياة كثير من المسلمين الجهلة بدينهم] وفي أثناء العرس عندما كانت زوجته جالسة- وهو كان يعمل دكّاكاً، وكان طويل القامة ويداه قويتان- وإذ به قد رفع يده وصفعها على وجهها ففقدت السمع، وكانوا يقولون عن بيته بيت الطرشاء.

فهكذا وصل فهم المسلم، وهذه جاهليةٌّ بحتة، ولم يعد الموضوع جاهلية الآن، بل أصبح جاهليةً وفجوراً وعهراً وغروراً وكِبراً، كبالون فارغ، ويقول هنا الكنز، وهو بحجم كبير.. وبدبّوسٍ صغيرٍ تعرف حقيقته.. الآن أرسل الله إسرائيلَ، كانوا ثلاث مئة أو أربع مئة ألفٍ والعرب مئة وخمسون مليوناً والنتائج كما ترون! هذا الغرور وهذا الكبر سببه أنَّه لا يوجد علمٌ ولا معلّم، ليس هذا فقط، بل نحن أعداءُ العالِم والعلم، فإذا عاديت الطبيب فأنت عدو الطّب، وإذا عاديت المهندس فأنت عدو الهندسة، وإذا عاديت صانع الحلوى فستبقى محروماً منها ما دمت عدواً لصانعها.. هذا واقع المسلمين.

الدستور يذكر العموميات والقانون يُفصّله

قال: “وتعجيل الأمر عن وقته” كالحصاد قبل الإدراك والكمال، وكترك الغذاء والشراب واللباس والدَّواء.. والدواء هو من الأسباب التي تجلب الصحة، وعندما قام سيدنا عمر رضي الله عنه بجولةٍ تفقديةٍ للبلاد أتى إلى سوريا ووصل إلى حوران، فبلغه أنَّ فيها الطاعون، فاستشار الصحابة، ماذا نفعل؟ قال بعضهم نُقدم ونتوكلُ على الله، وبعضهم قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] -القرآن كلُّه عموميات، والنّبيُّ ﷺ يبين الأمورَ التَّفصيليّة، فالدستور يذكر العموميات والقانون يُفصّله- فاختلفوا في ذلك، وإذ بسيدنا عمر رضي الله عنه -وبما أُلهم من الحكمة- يقول: لن ندخل، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أَفِرَاراً من قدر الله؟

انظر يا بني! فأمر الدين خَطِر، كمثل السيارة إذا أردت استعمالها وأنت لست ماهراً في القيادة، فتصبح نقْمةً ونكبةً وكارثةً.. مرةً أحدُ إخواننا رحمه الله- وهذا في أوائل الأربعينات- وكان عندي فرس بيضاء، وكانت من الخيول الأصيلة، وفي يومٍ من الأيام قال لي: أنا آخذها- ولم يكن خيّالاً- فركبها، وكان من طبيعتها أنها بمجرد الرّكوب ووضع القدم على الرِّكاب تبدأ بالجري السريع من غير مقدّمات-هذه يسمونها شلوشاً أي مجنونة- ويبدو أنَّه ركِب وبدَأَت بالجري مثل الريح في شارع بغداد، [شارع بغداد: أحد شوارع دمشق الرئيسة] وهو على ظهرها يصرخ وينادي الناس ليوقفوها، وكادتْ أن تصطدم بعمود الكهرباء لولا لطفُ الله.. فلم يكن حكيماً في ركوبها.. وهكذا السيارة والمال والشباب والعلم.. نسألُ الله أن يُرسلَ للمسلمين من يعلّمهم.

فأجاب سيدنا عمر رضي الله عنه على القائل “أفراراً من قدر الله”- وهو أبو عبيدة رضي الله عنه- وقال: “أومثلك يقولها؟” كيف وأنت من العشرة المبشّرين؟ كيف تقول ذلك؟ وأنا أردت أن أحتاط للأمّة وأحفظها من الكارثة، فهل هذا نقص في الدين؟ قال له: أرأيت لو كان لك غنمٌ ترعاها ودخلت وادياً، وفي إحدى جانبيه الرّبيع والغذاء الكثير وفي الجانب الآخر لا يوجد شيء، ألست إذا رعيت غنمك في الجانب الأيمن بقدر الله، وفي الجانب الأيسر بقدر الله، أليس كلاهما قدر؟ أيُّ القدريْن ستختار أنت؟

قال: جانب الربيع والغذاء، فقال له: ونحن أيضاً، هناك موتٌ وهنا نجاة، فماذا نختار؟.. إن الإسلام عقل.. ولو أخذ سيدنا عمر رضي الله عنه برأي سيدنا أبي عبيدة رضي الله عنه لهلك الجيش.

فدخل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائباً عن الجلسة وقال لهم: لا تختلفوا- وهم الآن يعملون بالاجتهاد لعدم وجود النص- أنا عندي نص من النّبي ﷺ، والنصُّ هو الدليل الذي لا يحتمل التأويل، فإذا قلت أنَّ الشيخ موجودٌ في المسجد وهذا هو، فهذا اسمه نصٌ، أما إذا كنت خارج المسجد وقال بعضهم بأنَّ هذا صوت الشّيخ، وبعضهم الآخر قال: لا، فهذا ليس بنص.

لا تدخلوها ولا تخرجوا منها!

فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إذا سمعتم بالوباء في أرضٍ وأنتم خارجها فلا تدخلوها، وإذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها)) 6 ، ((إن الفارّ من الوباء كالفارّ من الزحف)) 7 – مثل الهارب من المعركة- من أين تعلَّمَ النّبيّ ﷺ هذا؟ هل كان له معلّم؟ لا، بل بالوحي الإلهي، وقد أوتي الحكمة، واليوم فإن آخر ما توصّل إليه العلم الحديث نظام الحجْر الصحي في حال الأوبئة، فالخارج لا يدخل والموجود لا يخرج، كان عليه الصلاة والسلام وهو الأمّي وقبل خمسة عشر قرناً قد قال ذلك، فهذا وحده دليل النبوّة.. وتلامذته الحكماء عندما لم يبلغهم النص أيضاً أُلهِموا الحقيقة، ليس كلهم، فبعضهم كاد أن يهلكهم، لكن من فهِمَ من المسلمين قبل ورود النص وكان إلهامه كالنص هو واحد، ألا وهو سيدنا عمر رضي الله عنه، ولو لم يأخذوا بكلامه لهلكوا جميعاً، وبعدها جاء كلام النّبيّ ﷺ وحسم الأمر، هذه الحكمة ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269]، فهي “أن تعطي كلَّ شيءٍ حقَّه ولا تُعدّيه حدّه ولا تُعجله عن وقته”، فلا تتعدى الحدود، كأنْ تُصلي الجمعة أربع ركعات، فتتجاوز من اثنتين إلى أربع، أو أنْ تصلّي قبل الوقت أو بعده، إذن أنت تتعدى قدرك وحدّك وطاقتك وإمكاناتك، فإذا أردت أن تنام فلا تنم الليل كله مثلاً، فهذا تعدٍّ مخالفٌ للحكمة ومخالفٌ للإسلام.

الإسلام لا يترك فقيراً أو جائعاً

الإسلام دين الفطرة؛ دينُ ما يتوافق مع طبيعة الإنسان ليصل به إلى السعادة، ليس في الجنة وفي الآخرة فقط، بل في جميع العوالم، لذلك فإنّ (غوربتشوف ولينين وستالين) قالوا: “المتديّنون يريدون فردوس السماء وقد حُرموا فردوس الأرض”، لا، بلِ الإسلام أولاً يقوم ببناء فردوس الأرض لينتقل منها إلى فردوس السماء، فلو عرف (لينين) أنَّ الإسلام هكذا لانتقل من النَّصرانية التي كانت دائماً توحي للشعب الروسي أنِ ارضوا بالفقر ولكم الجنّة، وأنَّ الغنى للكنيسة والقيصر والنبلاء، والشعب كلُّه ميِّتٌ.. وانتقل إلى الإسلام.

يُقال إنه كان هناك غرابان -الغراب يُقال له باللهجة الشعبية (القاق) نسبةً إلى صوته- أحدهما يأخذ ثمر الجوز ويخبِّئه للشتاء، والآخر ليس لديه شيء، فكان منْ لديه الجوز يذهب سراً ليأكل ويعود إلى صديقه الذي كان جائعاً جداً، ويقول له: توكّل على الله، يجب أن تصبر.. اصبروا فإنَّ اللهَ مع الصابرين.. وما الحياةُ الدُّنيا إلّا متاع الغرور.. وبطنه يكادُ أن يتمزَّقَ من كَثرة أكلِ الجوز واللوز، فقال الغراب الجائع لنفسه: ما هذا؟ يطلب مني أن أصبر وبطنه يكاد ينفجر من التخمة! فقرر اللحاق به ورأى أين يخبِّئ الجوز، فانتظر ذهابه وأخذ الجوز إلى مكانٍ آخر وأكل حتى الشِّبع، وعندما عاد الغراب ولم يجد شيئاً ليأكله وأصابه الجوع ورأى الغراب الآخر يكاد ينفجر من كثرة الطعام، سأله ما بك؟ فأخبره بأنه جائعٌ، فقال له: توكّل على الله، يجب أن تصبر، اصبروا فإن الله مع الصابرين، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور..

فالكنيسة قالت ذلك لتعين القياصرة على امتصاص دم الشعب، والإسلام يَثُور، ولكن ليس بهذا الشكل، فالإسلام له نظامٌ مختلفٌ، ولا يترك أحداً جائعاً، ولا يُعتبر المجتمع مسلماً إذا وُجد فيه جائعٌ أو عارٍ أو ضائع، ونحن لجهلنا بآبائنا لا نعرف، وآباؤنا كانوا ملوكاً.. حتى إن بعض الشيوخ والعلماء اليوم لا يعرفون الإسلام، فهل رأيتم طوال حياتكم في أي مسجدٍ شيخاً يتكلّم عن الحكمة؟ تجدونه يُعطي دروساً في الوضوء والتيمم والطهارة والنجاسة.. هل هذا هو الإسلام فقط؟ كل الناس تعرف الطهارة والنجاسة، لِنفترض بأنَّ خمسين بالمئة مَنْ يعرف الطهارة والنجاسة، ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن الحكمة، فعلّمهم ما لا يعلمون، ولا تعلّمهم ما يعلمون ويعملون.

أكملُ الخَلْق عندهم الحكمة الكاملة

الحكمة “فِعلُ ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشكل الذي ينبغي”، [كان من عادة الشيخ كفتارو- رحمه الله- أن يذكر هذا التعريف دائماً ويكرره، ويمكن القول إنه ذكره في أكثر محاضراته وبخاصة في أواخر سنوات حياته] وقد أورث الله الحكمةَ سيدنا آدم عليه السلام وبنيه، فالرَّجل الكامل من له إرثٌ كاملٌ من أبيه، فالذي يرث الحكمة الكاملة هو الابن وهذا هو الرَّجل الكامل، ونصف الرَّجل له نصف الميراث، فله نصف الحكمة، فمرةً يصيب وأخرى يخطئ، والأبلهُ الذي كلما دخل في شيء فشل به، وهو غير ناجح، قد حُرِم الحكمة.. وأكمل الخلق في هذا هم الرسل، وأكملهم أولو العزم من الرسل، وهم خمسة مذكورون في الصفحة الثانية من سورة الأحزاب ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: 7]

هؤلاء هم أولو العزم، لماذا أولو العزم؟ لأنَّهم كانوا صابرين صامدين في تحقيق ما يهدفون إليه، وعملهم في تحقيق الهدف قائمٌ على العلم وعلى الحكمة وعلى الصبر والصمود، أمّا إذا كان صبرٌ وصمودٌ وليس قائماً على الحكمة فهذا يكون محنةً وكارثةً، والصّمود والصّبر القائم على العلم والمنطق والحكمة فهو كصبرك على الزرع وأخذك بكلِّ الأسباب حتّى يصبح سَبَلاً، أما إذا لم تزرع وصبرت على الأرض لكي تعطيك الحصاد فهذا جنون، وكما قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ [النساء: 113] وقال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151].

إن الآيات كلّها دلائل وبراهين تدلُّك على ما يُسعدك وعلى ما يجعلك ناجحاً، وعندما قرأ العرب الآيات قراءةَ علمٍ وتفهِّمٍ ودراسةٍ نجحوا وأفلحوا في ذلك؛ في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والأمن والمرأة والحكم والحروب.. أما الآن فنحن فاشلون بكلِّ شيءٍ ومغرورون.. وهنا تكمنُ المصيبة.

لماذا باؤك تجر وبائي لا تجر؟

أحد الجهلة الأمّيين أتى كي يتحدى سيبويه في النحو- جاهلٌ وأمّيٌّ ويريد أن يتعالى على سيبويه- دخل على سيبويه، فسأله سيبويه ما فعل أبوك بحمارِه؟ فقال: “باعِه” بكسر العين، قال له: أخطأتَ قُل “باعَه” بالفتح، قال: لماذا أخطأت؟ لماذا أنت قلت: بحمارِه؟ أنا أريد أن أقول “باعِه”، قال: “بحمارِه” الباء حرف جر، وحمار مجرورة بالباء، أما في “باعِه” فالباء هنا ليست حرف جر، بل من أصل الكلمة، فقال له: لماذا باؤك تجرُّ وبَائي لا تجرُّ وكلاهما حرف باء؟ فمثل هذا ينطبق عليه القول “ما جادلني جاهلٌ إلا غلبني”.. وهكذا حال كثير من الناس مع الحكمة.

الكون كلّه قائمٌ على الحكمة

وقوله تعالى: ﴿ويزكّيكُم أي يُطهِّر النفس من رذائل الأخلاق ويجمِّلها بمكارم الأخلاق، ﴿ويُعَلّمُكُم الكِتَاب، بعضهم قال: المقصود من الكتاب هو الكتابة، يعني يأمركم بتعلّم الكتابة، وبعضهم قال: الكتاب هو القرآن أي علوم القرآن، ﴿والحِكْمَة: “هي الاطلاع على بواطن الأشياء وحقائقها، مع معرفة ارتباط المسبَّبات بأسبابها خَلْقاً وأمراً، قدراً وشرعاً”، أنتم يا طلاب العلم إذا تعلّمتم الحكمة وعلّمتموها للناس وسلكتم في طريق تعليم الحكمة ستنجحون، لأن الحكمة هي أداة النّجاح.

وإذا كان هناك حمق أو نَزَقٌ فلن تنجحوا.. فكل نظامٍ في الوجود مرتبطٌ بالحكمة، والكون كلّه قائمٌ على الحكمة، وكلُّ خللٍ في الوجود أو في الإنسان سببه فقْدُ الحكمة، فأكملُ الناس أعظمُهم من الحكمة نصيباً، وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال أقلُّهم منها ميراثاً.

أركان الحكمة ثلاثة

ولها ثلاثةُ أركانٍ- أركان الإسلام الخمسة ليست الإسلام، بل هي أعمدة وأسس الإسلام، هل تجلس في الأعمدة أم أنه يجب أن يكون هناك جدران وسقف وسجّاد وثُريَّات؟ فأركان الإسلام ليستِ الإسلام، بل هي الأعمدة والأسس فقط، وأركان الحكمة- والتي هي الأساس- ثلاثةٌ: “العلمُ والحلمُ والأناة”.

العلم: فكلُّ شيءٍ تريد أن تدخل به حتى تكون به حكيماً ناجحاً لابد أن تدرسه جيّداً، وكلُّ قضيةٍ تُقدِم عليها عليك أن تعرف عواقبها وماذا سينتج عنها، فإذا غضبت وضربت أحدهم بالسّكين وأنت مـُمْتثلاً المثل الشعبي: ” واضرب خنجر لا تخاف، هيّه حبسة وشدّ كتاف”

[قول في اللهجة العامية، ويمكن قوله في الفصحى: “اضرب خنجراً ولا تخف، فهي حَبْسٌ -سجن- وشَدُّ كَتِفٍ.. شد كتف: بمعنى تنشيط للجسم وتقوية]

فحينما يأتون ويضعون القيود بيديك ستبدأ بالصراخ، وستغني أغنية أخرى غير الأولى “لا تأكل العسل إلا من جَني نَحلكَ، ولا تركب الأسد ولو مِثْل الجَمَل ناخ لَكْ” فالأسد لو أناخ لك مثل الجمل فلا تركبه، لأنك إذا ركبته فسيقضي عليك، ولا بارك الله في الشجاعة والرُّجولة التي يأتي بعدها الندم، فتذكَّر ذلك في البداية أفضل من النّهاية.

الحِلم: هو بطء الغضب، فلا تغضب بسرعة لأيِّ شيءٍ بسيطٍ، تجد بعضهم من كلمةٍ بسيطةٍ ينفجر ويصبح فظَّاً ويسبُّ الدِّين، وقد يكون شيخاً، فهل هذا شيخ؟ وهل هو من العلماء والحكماء؟ هذا يجب أن يوضع في مكان آخر، ويجب أن ننزع عنه الجُبَّة والعمامة ونحلق لحيته- ومع أنه من دون حلق اللحية ترى الناس كلهم قد حلقوا لحاهم، فلم يبقَ هناك لا لحية ولا جُبّة، أعاننا الله يا بني!- لا نعلم ماذا سيحدث لنا بعد ذلك! وهل بذار الزيوان ستنبت قمحاً؟ [الزيوان: من الأعشاب الضارة التي تنبت مع القمح] أو بذار الثوم ستنبت زنبقاً؟ هذا مُحال! العاقل يرى الأشياء بعين عقله وتفكيره قبل وقوعها وقبل أن يراها بعين رأسه، والأحمق لا يرى إلا بعينيه.

فالعلم يُوجب عليك في كلُّ قضيةٍ تريد أن تدخل فيها أن تدرسها دراسةً كافيةً، حتى يحيط علمك بها من كل جوانبها، وليس المقصود من العلم هو علم الوضوء وعلم الاستنجاء والاستبراء، فهل هذه قواعد الحكمة؟ بالتأكيد لا، إذا أردت أن تصلي فيجب أن تعرف علم الصلاة، وإذا أردت قيادة السيارة فيجب أن تتعلّم قيادتها بالشكل المتقَن، ومن أفضل معلِّمٍ حتّى تنجح في القيادة.

ثُمَّ الحِلم، وهو ألّا يستفزك الغضب مهما أغضبوك وأتت الأمور على خلاف رأيك ومُرَادِكَ، وإذا كنت مسلماً متعلِّمَ الكتاب والحكمة فيجب أن تكون هادئاً ساكناً تملك نفسك، وتكون لديك المكابح، كالسيارة، إذْ بمقدار السّرعة يجب أن تكون سرعة المكابح أقوى، وإذا لم تتجاوب سرعة عمل المكابح مع سرعة السيارة ستكون الكارثة.

وكذلك في الزراعة: فإذا أردت أن تكون مُزارعاً مسلماً فيجب أن تتعلّم الحكمة في الزّراعة، وتطبق عليها أركان الحكمة، ففي العلم عليك أن تتعلّم متى يُزْرَع القمح وكيف يُزرع، والمقدار الذي ينبغي أن تحرثه بالوقت الذي ينبغي، وعلى الشكل الذي ينبغي ذلك.. والحلم: فتصبر عليها إلى أوانها، وهكذا.

لكي يتعلّم طلاب الشّريعة أركان الحكمة كالحِلم مثلاً، يتوجّبُ على الأستاذ أن يُثير غضبهم، ويُجَرِّبهم مرةً واثنتين وثلاثاً، فنَيلُ الشّهادة لا يكون بمجرَّد حفظ الدّرس فحسبْ، فإن لم يتمتّع بالحلم فلا يجوز له أن يصير شيخاً عالماً، بل سيكون أحمقاً.. ما هو الحَمَق؟ هو سرعة الغضب، فلسببٍ بسيط يغضبُ ويبدأ السّباب والشّتائم ويدير ظهره، ثم بعد هذا كلّه يريد أن يعلّم الحكمة! كيف ذلك؟

الحِلم من أركان الحكمة

أين الحكمة مع الجاهل؟ أما رأينا كيف أتى البدويّ وشدَّ النّبيَّ عليه الصلاة والسلام من صدره الشّريف، قائلاً له: أنتم يا بني عبد المطلب مُطُلٌ 8 – تأكلون حقوق الناس- وإذ بسيّدنا عمر رضي الله عنه يقول له: سأقطع رأسك، فيقول النبي ﷺ له: ((دعوه، فإنّ لصاحب الحق مقالة)) 9 فمن حقه أن يتكلّم.

فهذا هو الحِلم، وضدُّه الحَمَق والطيش وسرعة الغضب. والسيدة عائشة رضي الله عنها مرة غضبت من النّبي ﷺ حينما كانوا في سفرٍ، وكان جملها قويّاً وحمله خفيف، وجمل ضُرّتها عجوزاً وضعيفاً وحمله ثقيلٌ، فتأخر عن القافلة، فأصبحت القافلة تتأخر في المشي.. وفي إحدى المحطات أمر النّبيُّ ﷺ أن يُوضع حملُ عائشة رضي الله عنها الخفيف على جمل ضُرّتها الضعيف، وحمل ضُرّتها الثقيل على جمل عائشة رضي الله عنها القويّ الفتي.

والسيدة عائشة رضي الله عنها شابّة تريد أن يكون جملها الأسرع، وفجأةً رأته يتأخر وخفّت سرعته، وعندما عرفتْ بما حدث، وسألت مَنِ الذي أمر بذلك، فقالوا لها: النّبي ﷺ، فغضبت، فجاءها النّبيّ ﷺ ليرضيها، فقالت له: “أأنت الذي يزعم الناس أنك رسول الله؟” هل أنت النّبي؟.. فلو أخذها النّبي ﷺ بمدلول قولها فهذا كفرٌ، ولكنَّه عرف أنَّ هذا مجرَّد غضبٍ، وهي لا تُنكر النبوّة، ولكنَّها غاضبةٌ، وقالت ذلك بسبب غضبها.. فلو لم يكن النّبي ﷺ حليماً وحكيماً لأمر بقطع رأسها، ولقال هي تُنكر النبوّة وتُنكر مقامي، بل ابتسم لها وقال لها حِلماً وسعةَ خُلق وصبرٍ: ((أوفي شكٍ أنتِ يا أمَّ عبد الله؟)) 10 هل تشكّين بنبوّتي؟ فخفَّت حدةُ غضبها وقالت: لا، ثم قالت: فلماذا لا تعدِل؟.. آمنت بالنبوّة، ولكنها غضبت في مسألة العدل.. وهي تريد العدل الذي يرضيها، فيتأخر جمل ضُرَّتها وربما تضيع في الصحراء، هل هذا عدل الإسلام؟ إن عدل الإسلام يشمل الجميع.

الأناةُ من أركان الحكمة

الأناة: أن لا تستعجل، فمَنِ استعجلَ الشَّيء قبل أوانه عُوقِب بحرمانه.. انتظر حتّى يدخل وقت الأذان ثم صلِّ ما أُمِرت به، وعندما يحين وقت الحج اذهب إلى الحج، وانتظر نضوج الطعام لتأكل.. أما أنْ تستعجل، فالعجلة من الشيطان إلا في ثلاثة: تزويج البنت إذا أتاها الكفء- لماذا تؤخرها؟ الكرنب إذا أخّرناه في الأرض يتغيَّر ويصبح أكله غير ممكنٍ- ودفن الميت إذا تحقق موته- فبتركه يومين أو ثلاثة ستظهرُ رائحته- وإكرام الضيف إذا أتاك، وكان الطعام جاهزاً، فادْعُه إلى الطعام، هذا إذا جاء في وقت الطعام، أمّا أن تؤخّره ثلاث أو أربع ساعاتٍ فهذا لا يليق.. زار أحدهم شخصاً بخيلاً وقت الظّهيرة، ثم حان العصر ولم يضع له الطَّعام، ثُمَّ أذَن المغرب ولم يضعِ الطعام، فسأله البخيلُ مساءً: عندي أدوات موسيقى، فماذا تريد أن تسمع منها؟ فأجابه: إذا أردت أن تسمعني شيئاً يُطربني، فأسمعني صوت الملاعق والأطباق، فإذا كان عندك هذه الموسيقى نكون لك من الشاكرين.

فالشاهد أنّ الأناة من أركان الحكمة، فإذا لم يكن علم ولا حلم ولا أناة، وبدلاً من العلم صار الجهل، فلا حكمة لجاهلٍ، وبدلاً من الحلم الطيش، فلا نجاح لطائشٍ، والأناة ضدُّها العجلة، ولا توفيق لعجولٍ قطّ.. فأركان الحكمة ثلاثةٌ العلم والحلم والأناة، وأضدادها الجهل والطَّيش والعجلة، فإذا كنت تملك أضداد الحكمة الثَّلاثة، فمثلاً بدلاً من أن تكون عالماً كنت جاهلاً، فهل تصبح حكيماً بعد ذلك؟ وإذا كنتم تجلسون وحولكم مجرد جدرانٍ بلا نوافذ وبلا أبواب وبلا سجّاد، فستكون الأركان كالبناء العاري، فما هو الكساء لهذا البناء؟ هلِ العلم من أركان الإسلام؟ لا، بل هو من الكساء.

فمثلاً عليك تعلّم علوم الصلاة حتّى تؤدي الصّلاة التي أرادها الله، وليس الصلاة التي تريدها أنت، لماذا الصلاة التي يريدها الله؟ لأن التي يريدها الله هي التي توصلك إلى النّجاح، أما الصَّلاة التي تريدها أنت فلا تقودك للنجاح، وأنت بحاجة إلى معلّمٍ للصلاة، والركوع والسجود هي حركاتٌ يستطيعُ الطفل القيام بها.

لا حكمة لجاهلٍ ولا نجاح لطائشٍ ولا توفيق لعَجول

إذن لا حكمة لجاهلٍ، ولا نجاح لطائشٍ، ولا توفيق لعَجولٍ، وهنا انتهتِ الدرجة الأولى من الحكمة، أما الدرجة الثانية فهي أن تشهد نظر الله ووفاء الله وكرمه في وعده، فإذا وعد ستشهد وفاء الوعد، وعندما يَعِدُ الله فدائماً يفي بوعده.. وتعرف عدله في حكمه، فإذا حكم فعليك أن تشهد بأنَّ حكمه هو العدل الكامل المطلق.. وتلحظ بِرَّه في منعه، فإذا منعك من شيءٍ تريده، كأن تشتهي نفسك الخمر أو زوجة أخيك أو زوجة جارك أو القمار فمنعك، فإذا منعك شيئاً فما منعك بخلاً أو ضنّاً، فالله ليس شحيحاً ولا يريد أن يستفيد من ذلك، فقد منَعَك مما ترغب حكمةً ورحمةً.. فمنعه عطاءٌ.

هل يقومون بتدريس الحكمة في الجامعات الإسلامية وكليات الشريعة؟ لذلك فالشيخ صار مسكيناً، نجعل منه شيخاً ونعلِّمه من العلم الديني أن يمسك المِقوَدَ فقط، فبمجرَّد أنْ فعل ذلك لا تمشي السيارة.. فهذا يقول له أضعت علينا المحكمة وآخر أضعت علينا الحجَّ، وسيكون الشيخ مَلُوماً.. لقد ظلموا الشيخ، وقد ظلمه الذين قاموا بتعليمه، ثم هؤلاء أيضاً لا يعرفون كيف يعلِّمون.. ولذلك ضاع المسلمون.

الشيخ هو العقل، وهو عقل المجتمع وتفكيره، وهو الدّليل إلى سعادته، وهو سبب غنى المجتمع وصحته.. وهذا لا يعني أن يصبح طبيباً، ولكن يعرف القواعد العامة للصِّحة، ويعرف القواعد العامة للاقتصاد، وهذا كله مذكور في القرآن.. هذا هو الشيخ.

إلى أين وصلت الأمة عندما كان النّبي ﷺ شيخ الأمَّة؟ إلى قمة السعادة، وعندما أصبح الشيخ مسكيناً.. فيا حسرتاه على الشيخ! اللهم أعنِ الشيخ! وبسبب هذا البلاء لم يعد أحدٌ يريد أن يصير شيخاً، لأنَّهم رأوا ما يحدث للشيخ، والشاب اليوم يريد أن يكون طبيباً أو بائعاً للقماش أو الخضروات، أمَّا أنْ يصبح بائعَ حكمةٍ فلا يريد.. مع أن الحكمة سوقها رائج، وهي أفضل من المال والسيارات والبيوت.. والحلم سوقه رائج أيضاً.

بظلم المسلمين لعلمائهم فشلوا في حياتهم؟

مهمَّة الشيخ أنْ يبيعك النّجاح والسّعادة في دنياك وأُخراك.. لكن هل عرفت قيمة هذه البضاعة؟ وهل عرفت تكلفتها على أصحابها؟ وهل تدفع رأس المال؟ وهل تعرف الحق؟

أيُّها العاق، أيُّها الجَهول: هل تعرف أن جحودك يسبّب القضاء على العلم.. فعندما يرى الناس العالِمَ غير مكرَّم وغير مُعطى حقوقه، ليس حقّ الحياة فقط، بل له حقّ التكريم والإجلال ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] كلُّ الناس اليوم يريدون رفع أصواتهم فوق صوت الشيخ، والذي هو نائب النبي ﷺ، ويريدون الاستعلاء على الشيخ وتنزيل مقامه.. هذا هو واقع المسلمين، فمَنْ سيُعيد الأمور إلى ما كانت عليه؟ لذلك نحن فاشلون في كلِّ شؤوننا.

كنت في ليبيا وقرأتُ صفحةً كاملةً عن صناعة السلاح في إسرائيل؛ في كلِّ سنةٍ تُصدِّر ست مئةٍ وخمسين مليون دولار أسلحة، وربحها أكثر من ثلاث مئة مليون من الدولارات، إذ تقوم بصناعة الطَّائرة والَّدبابة والمدفع والرادار والصاروخ.

عمرها ثلاثون سنةً، ونحن أكثر عدداً وعدةً ومالاً.. كنَّا ننادي بالوحدة ولا أحد منَّا قد صنع وحدةً، إلا إذا كان المقصود بالوحدة أن تكون لوحدك فهذا صحيح، ثُرْ وحدك وابقَ وحدك وحارب وحدك، فهذه صحيحةٌ، أمَّا أن يصبح العرب جميعهم في وحدةٍ فهذا لا يجوز! هل عمل الإسلام معاهدةَ وحدة؟ لا، بل وحَّد بين الشرق والغرب. [تنويهاً من سماحة الشيخ على معاهدة الوحدة التي كانت بين مصر وسوريا].

بقيت إسبانيا ثمان مئة سنةٍ كلها عربية مسلمة، وكان في قرطبة ألف وخمس مئة مسجد، وهكذا كانت المدن الأخرى، وإلى كاشغار في داخل الصين، كل هذه البلاد كانت موحدة من دون شعار، لكن كان هناك شعار ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء: 92].

مَنْ سيصنع الإسلام؟ ومَنْ هذا الذي ستكون الوحدة جزءً منه والنَّصر جزءً منه والسعادة جزءً منه والنَّجاح جزءً منه؟ مَنْ سيصنعه؟ هل هذا الأمر سهل؟.. أما أن تعلِّم الفعل والفاعل وقواعد النحو وتعرف قراءات القرآن فهذا أمر يسير.. كان بعض إخوانكم في المسجد يريد جمع القراءات للقرآن، فقلت لهم لا تجمعوا القراءات الآن.. يعني هل نضع ربطة العنق على صدرنا ونمشي من دون ملابس داخلية؟ وإذا وضعتم ربطة العنق من دون ملابس داخلية، ومشيتم بين الناس هل هذا جيّد؟ إن ربطة العنق جيّدةٌ وجميلةٌ، ولكن بعد ارتداء الملابس الداخلية، فلو تركتُكُم لتجمَعوا القراءات هل أكون قد غشَشْتُكُم أم نَفعْتُكُم؟

وعند جمع القراءات عليكم أن تحفظوا ألف بيتٍ وتقوموا بتكرارها دائماً وإلا ستنسونها بعد أسبوعين، ولو حفظتم القرآن فذلك أفضل، وإذا اشتغلتم بالذكر فهذا أفضل. كونوا دعاةً إلى الله، وعندما يصبحُ لدينا عددٌ كافٍ للدعوة، سنقوم بتعليم واحدٍ أو اثنين علمَ القراءات، مع أنه ليس ضرورياً.

يجب أن نعلِّم النّاس ليس فقط كيف يقرؤون القرآن، بل كيف يفهمون وكيف يعملون، وعندما نصل إلى كيف يعملون وكيف يفهمون، عندها لا مشكلة بجمع القراءات، ثم ألا تكفي قراءة حفص لفهم القرآن؟

أنا لا أقول أنَّنا لا نريد القراءات.. فيجب بالإضافة إلى الملابس الداخلية وربطة العنق أن يكون هناك بنطالٌ وقميص، وإذا لم يكن عندك حذاءٌ فهل تشتري ربطة العنق أم الحذاء؟

رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي

طُرْفَة: يُحكى أنه مرة من المرّات سمِع أحدُهم أن منْ يأكل سمكاً ويشرب لبناً ويدخل إلى الحمّام يوم الأربعاء، يصيبه الجنون، فقال: هذا كذبٌ، وسأجرب ذلك!

فأكل سمكاً وشرب لبناً ودخل إلى الحمّام في يوم الأربعاء، وبعد أن أنهى الاستحمام خرج عارياً، وكان يقول للناس: انظروا كم هم كاذبون! وهو يمشي عارياً كما خرج من بطن أمّه.

يقول: هم قالوا إن الذي يأكل السمك ويشرب اللبن ويدخل الحمّام يوم الأربعاء يصيبه الجنون! الحمد لله أنا لم أجنّ، عليك ألا تصدق كلام الناس.. وهل المجنون يعلم أنه مجنون؟ وهل يُدرك عقله أنه مجنون؟ وهل يدرك الأحمق أنه أحمق؟

لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: “رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي” 11 ، لأنَّه مهما كانت عيونك جيدة فلن تستطيع أن ترى خدَّيك ووجهك، بينما غيرك يراك، أمَّا أنت فبحاجةٍ إلى مرآة، والمؤمنُ مرآة المؤمن، فإذا كان لك صديقٌ مؤمن ٌفسيريك عيوبك، ويُريك طريق الهدى.

وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآلِهِ وصحبِه، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي، كتاب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن المال حقا سوى الزكاة، رقم: (660)، (3/ 48)، سنن الدارقطني، رقم: (11)، (2/ 125)، سنن الدارمي، رقم: (1677)، (2/1019)، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
  2. أسد الغابة، (3/302). البداية والنهاية لابن كثير (4/181). دلائل النبوة للبيهقي، (4/62) ولفظه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من بني المصطلق أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبي قال له: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي، فإن كنت فاعلاً فأمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالده مني، ولكني أخشى أن تأمر به رجلاً مسلماً فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله يمشي في الأرض حياً حتى أقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا».
  3. سيرة ابن هشام، إسلام أبي سفيان على يدي العباس بن عبد المطلب، (5/ 58)، شرح معاني الآثار للطحاوي، رقم (5450)، (3/319).
  4. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  5. ذكره البخاري في بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند. سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223)، عن أبي الدرداء.
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، رقم (5397)، (5/2163)، صحيح مسلم، كتاب الطب، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، رقم: (2219)، (4/1740)، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ)).
  7. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24571)، (6/ 82)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (1403)، (3/ 777)، عَنْ عَائِشَةَ بلفظ: ((الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ، كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ)).
  8. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية (1/60)، بلفظ: ((«وَبَاعَهُ يَهُودِيٌّ بَيْعًا إِلَى أَجَلٍ فَجَاءَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ يَتَقَاضَاهُ ثَمَنَهُ فَقَالَ: لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكُمْ لَمَطْلٌ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إِلَّا حِلْمًا».
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون، رقم: (2183)، (2/809)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة: باب من استسلف شيئا فقضى خيراً منه، وخيركم أحسنكم قضاء، رقم: (1601)، (3/1225)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((نَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ثُمَّ قَالَ أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً)).
  10. مسند أبي يعلى الموصلي (8/ 129)، رقم (4670)، أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (ص: 95) رقم (56)، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ مَتَاعِي فِيهِ خَفٌّ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ نَاجٍ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ بَطِيءٍ يَتَبَطَّأُ بِالرَّكْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوِّلُوا مَتَاعَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلِ صَفِيَّةَ، وَحَوِّلُوا مَتَاعَ صَفِيَّةَ عَلَى جَمَلِ عَائِشَةَ حَتَّى يَمْضِيَ الرَّكْبُ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا لَعِبَادِ اللَّهِ غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ مَتَاعَكِ كَانَ فِيهِ خَفٌّ وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، فَأَبْطَأَ بِالرَّكْبِ فَحَوَّلْنَا مَتَاعَهَا عَلَى بَعِيرِكِ، وَحَوَّلْنَا مَتَاعَكِ عَلَى بَعِيرِهَا». قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟" قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ أَفَلَا عَدَلْتَ؟ وَسَمِعَنِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ فِيهِ غَرْبٌ - أَيْ حِدَّةٌ - فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَلَطَمَ وَجْهِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا أَبَا بَكْرٍ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغَيْرَى لَا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلَاهُ».
  11. سنن الدارمي، رسالة عباد ابن عباد الخواص الشامي (1/205) بلفظ "رحم الله من أهدى الي عيوبي".
WhatsApp