تاريخ الدرس: 1981/11/22

في رحاب الآداب والأخلاق

مدة الدرس: 01:12:48

في رحاب الآداب والأخلاق (147): الإخلاص في الجهاد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

غازٍ في سبيل الله اشترى شيئاً أراد الربح فيه

يُروى عن بعضهم قال: غزوت في البحر- يعني الجهاد البحري أو القتال في البحر- قال: فعرض بعضُنا مِخْلَاةً [كيس يحوي لوازم ومهمات الجندي] فقلت: أَشْتَرِيها فأَنْتَفِعُ بها في غزوي، فإذا دخلت مدينة كذا بعتها فربحت فيها، قال: فاشتريتها، فرأيت تلك الليلة في النوم كأنّ شخصين قد نزلا من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: “اكتُب الغزاة”– أي اكتُب أسماءهم- فأملَى عليه: “خرج فلانٌ متنزهاً”، أي خرج للجهاد راكباً البحر للتمتع بالهواء العليل ورُؤية الجُزر ورؤية الدنيا والناس، فهذا هو الدافع الحقيقي له- “وفلانٌ مرائياً”، أي خرج للجهاد ولم يقصد الجهاد، بل قصد أن يراه الناس- الرّياء مشتق من الرّؤية- فيمدحونه، أو أنّه يريد الزواج، فيقول له أهل زوجته: أنت لم تجاهد.. فأراد الجهاد لكي يروه، أو لعلّ الناس عيّروه وعابوا عليه أنّه مسلم ولا يجاهد فأراد الخروج إلى الجهاد لكي يثبت لهم أنه مجاهد.. وهذا كله رياء.

أو خرج من أجل السمعة؛ ليسمع به الناس، فالرياء ليراه الناس، والسمعة ليسمع به الناس.. قال: فأَملى عليه- من يُملي ومن يكتب هما اثنان من الملائكة- “خرج فلانٌ متنزّهاً، وفلانٌ مرائياً وفلانٌ تاجراً، وفلانٌ في سبيل الله”، ثُمّ نظر أحد الملكين إليَّ وقال: “اكتب فلانٌ خرج تاجراً”، اشترى مخلاة الخيل، وقال سأبيعها في مكان آخر وأربح فيها، فقلتُ: “اللهَ اللهَ في أمري” أي اتقوا الله في أمري، فكيف تكتبون أنني تاجر؟ لقد خرجت للجهاد في سبيل الله، وما خرجت للتجارة وما معي تجارةٌ لأتاجر بها؛ ما خرجت إلا للغزو والجهاد، فقال: “يا شيخ لقد اشتريتَ أمس مخلاةً تريد أن تربح فيها” قال: فبكيت في المنام، وقلت: “لا تكتبوني تاجراً”، فنظر إلى صاحبه- أي الملَكُ إلى الملَكِ الآخر- وقال: “ما ترى؟” فقال: “إذن، اكتب خرج فلانٌ غازياً إلا أنّه اشترى في طريقه مخلاةً ليربح فيها، حتّى يحكم الله عز وجل فيه بما يرى” 1 .

من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله

لقد روى وسجّل لنا أمثال هذه القصص العلماءُ الشيوخُ الذين كانوا يقومون بتربية الجيش والقادة ليبينوا لنا كيف كانت شخصية الجنديّ المسلم، وكيف كانت دوافعه وكيف كانت أهدافه.. وهذا ليس في زمن النّبي ﷺ، بل بعد زمن النّبي ﷺ ولعلّه بمائتي أو ثلاثمائة سنة.. إذن من كان يقوم بتنشئة الجيوش؟ إنه الإسلام المتمثل في شخصية الشيوخ الذين كانوا يربّون الجندي على الإخلاص ويوجهونه الى الهدف الأعلى والهدف الأسمى والهدف الرفيع، وهو ما يُستمد من تعاليم المعلّم الأول سيدنا رسول الله ﷺ عندما سُئل: أحدنا يقاتل حميّةً- حميّةً لابن عمه أو لقبيلته أو للوطن- وأحدنا يقاتل شجاعةً- فطبيعته شجاع شاهد العمليّة واندفع إلى القتال- وأحدنا يقاتل ليُرى مكانُه في سبيل الله- لكي يراه الناس ويعطوه الأوسمة ويرفعوا درجته- فأيّنا في سبيل الله؟ فقال ﷺ: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) 2 أي من قاتل لتكون قوانين الله وشريعته وكتابه هي العليا وهي النافذة والحاكمة.

من علامات بُغضِ الله لعباده

وقال بعضهم: “إذا أبغض الله عبداً أعطاه ثلاثاً ومنعه ثلاثاً: أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول عندهم” أي يصحبهم لكن لا يكون مقبولاً، لأن صحبته لا تكون مستجمعةً لآداب الصحبة، ولا يستطيع من خلال هذه الصحبة أن يؤدي حقوق الأدب في الصحبة، فليس المهم أن تجلس في مجلس النّبي ﷺ وتستمع إلى كلامه، وما يهم هو أن تكسب قلب النّبي ﷺ، يعني أن تطيعه الطاعة الكاملة، وتُقبل الإقبال الكلّي، أما المظهر فقط فلا ينفع، فالمنافقون في زمن النّبي ﷺ حصلوا عليه، والله ذكر صحبتهم ومجالستهم، وكانوا يغزون معه ويصلّون معه ويحضرون مجالسه، ولكن عند خروجهم يقولون: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً [التوبة: 124]، يخرجون ناقدين منتقدين غير قانعين وغير قابلين وغير مخلصين.. “إذا أبغض الله عبداً أعطاه ثلاثاً ومنعه ثلاثاً: أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول منهم، وأعطاه الأعمال الصالحة- أي يصلّي ويصوم ويحجّ وينفق ويجاهد- ومنعه الإخلاص فيها، وأعطاه الحكمة-يعطيه العلم فيقرأ ويفهم- ومنعه الصّدق فيها” 3 ، فتراه يسمع، ولكن لا يسمع سماع الصادقين.. وسماع الصادقين أنه إذا سمع يعمل مباشرة ويطبّق مباشرة وينفّذ مباشرة، فإذا سمع بمكارم الأخلاق يتخلّق، وإذا سمع الفرائض والواجبات ينفّذ ويمتثل، وإذا سمع الفضائل يرغب فيها.. فإذا صاحب الصالحين ولم يرزق القبول عندهم، وعمل الأعمال الصالحة ولم يخلص لله فيها، وسمع الحكمة ولم يَصْدُق في سماعها فما الفائدة؟ والنّبي عليه الصّلاة والسلام عندما رأى سيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه- وهو عم سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه- وكان غير حاضرٍ لمعركة بدر، وهي أول مشهد وأول معركة في الإسلام، ففاتته المعركة، وعندما عاد إلى المدينة وبلغه ذلك حزن كثيراً؛ كَيْفَ أنّ النّبي ﷺ قاتل أول قتال وهو لم يحضره فشقّ ذلك عليه وقال: “مشهدٌ شهده رسول الله ﷺ غبتُ عنه، أما والله لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله ﷺ ليرينّ الله ما أصنع!” هذا هو الرياء النافع- إن صحت التسمية- وهو أن يكون مقصدك أنّ الله هو الذي يراك.. والله ينظر إلى القلب، فليكن قلبك متوجهاً إلى الله، صادقاً في الطلب، كن كريم النفس في الهدف، اطلب الهدف السامي العالي، فمن يطلب القمح من زراعة القمح، سيحصّل على التبن أيضاً، لأن التبن لابد أن يأتي مع القمح، أما إذا كان الهدف من الزرع التبن فقط، فربما إذا ظهر السَّبَل يقول هذا عشب أخضر أفضل من التبن.. وهذا مستوى تفكير الحيوانات كالبغال والحمير.. أما من يريد القمح فلا يأكل العشب، بل ينتظر لحصاد القمح، ويعطي التبن للغنم وغيره.

وسيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه الذي شهد أُحداً في العام القابل، لقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: “إلى أين يا أبا عمرو؟” فقال: “واهاً لريح الجنّة- واشوقاه إلى ريح الجنّة- إني لأجد ريحها دون أُحد” قال: أنا أشم رائحتها أسفل جبل أحد.. فقاتل حتى قتل، فوُجِد في جسده بضع وثمانون- البضع بين ثلاثة إلى تسعة- ما بين رمية سهم أو ضربة سيف أو طعنة رمح، فقالت أخته ابنة النضر: “والله ما عرفت أخي إلا من ثيابه!” فوجهه غير معروف، ويداه غير معروفتين، فعرفته من ثيابه، ونزل في شأنه قول الله تعالى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] 4 أي قضى الحياة وأسلم الروح في سبيل الله، ومن لم يمت منهم رضي الله تعالى عنهم فإنه لم يكن بخيلاً ببذل الروح، بل ينتظر، وانتظاره أشد من انتظار المتشوق للطعام.. ومن ينتظر العرس هو متشوّق للعرس.

أعطاه الأعمال الصالحة ومنعه الإخلاص فيها

“إذا أبغض الله عبداً أعطاه ثلاثاً ومنعه ثلاثاً: أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول منهم” فهناك من يصحب الشيوخ فيسعَدُ ويُسعد ويكسب بصحبتهم وبالإخلاص فيها الدنيا والآخرة، فيكسب العلم والمال والحكمة والغنى والكرامة.. “وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه الإخلاص فيها” فأخلِص في العمل، واطلب الله فقط “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي” هل هناك شخصٌ صدق مع الله وعرف طريق الصدق وفشل أو لم ينجح ومنذ خلق آدم إلى الآن؟ لقد أنزل الله الشريعة والدين من السماء من أجل سعادة الإنسان.. هذا المجاهد الذي رأى في منامه ما رأى، وحادثة سيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه أيضاً وغيرها الكثير مما سجله العلماء والشيوخ، أليست هذه لتربية الجندي حتّى إذا ما داهم العدو بلدنا أو وطننا ليكون جاهزاً؟ ولكن مع الأسف فإن جنديّنا ومنذ ثلاث وثلاثين سنةً وإلى الآن لم يكسب معركة.. هل كسب؟ هل حرر كيلومتراً من فلسطين؟ ثلاثة جيوش: مصر والأردن وسوريا، مع غير من أتى للمساعدة.. ثلاثة جيوش مجموع سكان البلاد فيها خمسون أو ستون مليوناً، في مقابل اليهود الثلاثة ملايين! لم يستطيعوا أن يأخذوا شبراً أو يحرّروه.. لماذا؟ يا تُرى هل جنديُّنا تمت تنشئته كما تمت تنشئة الجندي عند النّبي العربي سيدنا محمد بن عبد الله ﷺ؟ هذا يرى نفسه خائباً غير ناجح إذا كان هدفه مخلاةً ويبكي، والآخر عندما فاتته المعركة ولكي يقضي ما فاته لم تعرفه أخته إلا من ثيابه.. فيا تُرى هل الدول الثلاث والعرب جميعهم وصلوا إلى أن أعدّوا جنديّهم لمقابلة إسرائيل على المستوى الذي أعدّه الإسلام؟ بدهياً.. لا، فالنتيجة ستكون لا. لا اليهود ولا أمم الدنيا يستطيعون أن يربّوا الجندي الذي ربّاه الإسلام إلا الإسلام.. والإسلام يعني المعلِّم.. فمن ينتج المشمش؟ شجرة المشمش.. وشجرة المشمش هي المشمش.. ومن يصنع الطب هو الطبيب، ومن يصنع الإسلام هو العالِم المعلِّم، وهذا المعلّم يكاد أن ينقرض.

فمن النادر العثور على المعلّم المربّي البنّاء للشخصية، وهو مثل العثور على الكنز.. احفر في الجبال والوديان والغوطة، فهل تجد الكنز؟ ورد في الحديث وورد من قول الإمام مالك: ((لن يصلح آخر هذه الأمّة إلا بما صلح عليه أولها)) 5 ، ورد كحديث وورد من قول الإمام مالك.. على كل حال فالكلام صحيح وواقع.. فلو قلنا إن اليوم هو يوم الأحد سواء قال النّبي ﷺ ذلك أو قاله إنسان عادي، فالأحد يبقى أحداً ولن يتغير شيء.. والإخلاص جزء من الإسلام.. إن الشيوخ في المساجد يعلّمون الوضوء، وأغلب الناس يعرفون كيفية الوضوء، فهم يقومون بتعليمهم شيئاً يعرفونه، فإذا أرد أحدهم أن يعلّم كيفية شرب الشاي يقول: تمسكه بيدك اليمنى وبإصبعي الإبهام والسبّابة، ولا تضع يدك أسفل الكأس.. نحن لا نحتاج إلى هذه الفلسفات الفارغة التي لا طائل منها، فأي إنسان يعرف كيف يشرب الشاي.. لقد علموهم ما لا حاجة لهم به، أما الأشياء الضرورية والتي هي جوهر ولب فمهجورة، وكذلك فإن هذه الأمور العظيمة يتم تعلميها بالتدرج.. إن الإسلام علوم يجمعها علوم القرآن.. ولا يمكن أن تصير مسلماً إلا بالتعلم، ولا تتعلم الإسلام من طريق الأذن فقط، فالإسلام يُتعلَّم من طريقين: من طريق الأذن والسماع، ومن طريق النظر والقدوة والقلب النقي الطاهر الذاكر، وهذا كي يتأثر بالسماع والرؤيا: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2].

بناء الإسلام في نفسيّة الإنسان العربي

علوم القرآن فيها خير الدنيا والآخرة، وهي كالدستور، والدستور لا يكفي لوحده بل يجب أن يكون هناك قانون يشرح الدستور ويفصّله، والقانون هو فعل النّبي ﷺ وأقواله وتقاريره- عمل تم عمله وكان النّبي ﷺ موجوداً وسكت عنه فهذا يعتبر سنّة، لأن الإقرار كأنّه فعل- فشرح النّبي ﷺ للقرآن في الأقوال والأعمال والتقرير مع: ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] بذلك بُني الإسلام في نفسيّة الإنسان العربي؛ في الجهاد وفي الأعمال الصالحة.

لم يكونوا مثاليين، بل فوق المثاليين، ولم يكونوا خياليين، بل فوق الخياليين، وليس في ناحية العبادة أو الجهاد، بل في كل نواحي الحياة؛ في العقل والعلم والاقتصاد والنظام والقانون والأسرة والاجتماع والمعاملة والمجاورة.. بل حتى في حال العداوة والخصومة: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة: 8] ما هو الشنآن؟ ﴿إِنَّ شَانِئَكَ [الكوثر: 3] الشنآن هو البغض والشّانئ هو العدو المبغض.. فلو كان الشخص عدوك فإنه لا يجوز أن تحيف عليه؛ لا في القول ولا في العمل ولا في البيع ولا في الشراء.. فهكذا تكون معاملة المؤمن مع أعدائه، فكيف تكون معاملته مع غير الأعداء أو مع أصحاب الحقوق عليه كأرحامه وجيرانه ووالديه وعلمائه؟ يا بني: لا يوجد من يبني للمسلم إسلامه بالعلم والحكمة والذكر والإيمان والقدوة والسماع والقلب.. كم تبذل الدول العربية والإسلامية حالياً على جيوشها؟ وإلى أين وصلت؟ كلهم في تخلّف.. فباكستان أصبحت اثنتين! كم هزيمة سجّلت أمام الهند؟ في إندونيسيا الآن نار التبشير تشتعل فيها اشتعالاً، ذاك التبشير الأمريكي البروتستانتي.. أنا منذ عشر أو خمسة عشر عاماً كنت هناك.. يملك التبشير فيها أسطولاً للمواصلات البحرية أقوى من أسطول الحكومة الأندونيسية، بل إن الحكومة في بعض الأحيان تستعير من قطع البحرية للمبشرين لتستعين بها على بعض أغراضها الحكومية، والسبب كله هو بعد المسلم فرداً أو مجتمعاً أو دولةً عن كتاب الله وفقهه.. وتعلُّم كتاب الله ليس فقط بالنطق بكلماته، فلو أنك نطقت وقلت أنا عريس وأنا أحبّ العروس.. فهذا الكلام لا يأتيك بعروس.. إن ذلك بحاجة إلى عمل وتعب وعرق ووقت وصبر.. فالإخلاص صفة من عشرات الصفات، وخُلق من عشرات الأخلاق في الإنسان حتى يكتسب لقب مسلم ومسلمة.. فانظر كيف كان المسلمون الأولون في زمن النبي ﷺ يسألون عن القتيل متى يكون شهيداً؟ حميةً أم شجاعةً أم ليُرى مكانه..

والنّبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا)) فمن يبذل روحه لإعلاء كلمة الإسلام وشرعه وأخلاقه وعلومه ونشره، هل يبخل في بذل المال؟ فمن يبخل في بذل المال أضعف إيماناً، والذي يبخل ببذل الوقت ويقول: لست فارغاً.. هو بخيل.. كم ستربح؟ عشرين ليرة؟ إذن فالعشرون ليرة أغلى عندك من الإسلام. أو يقول: أتاني فلان، إذن فلان أغلى عندك من الإسلام! ولو كان عندك إيمان قوي لاستطعت أن تأتي بفلان معك أيضاً، فلو كان عندك محاكمةٌ مثلاً هل يمنعك فلان إذا أتاك من الذهاب للمحكمة؟ وإذا كان لك موعدٌ مع زبون يريد أن يدفع لك أو تعقد معه صفقة، فماذا تقول لفلان؟ ستقول له: عفواً! فلماذا تجعل الله والإسلام والعلم والدين أرخص الأشياء عندك؟ إذا كنت تشعر بالنعاس وأنت مجنَّد، وفي الساعة الفلانية يجب أن تحضر في الثّكَنة، وإذا لم تأت فإنك تعرف ما يحصل، فماذا تقول للنعاس؟ تقول لزوجتك: احذري، فإن تأخرت يسجنوني أسبوعاً.. أما حبس جهنم فلا نهتم له، ونهتم لغضب القائد ولا نهتم لغضب الله.. سبب هذا كله أن المسلم لم يتم تصنيعه، ومازال خاماً، فهو تراب وصخر في الجبل.

الحديد يأتون به على شكل تراب وصخر ويقومون بطحنه ثُمَّ يقومون بتصفيته وإذابته ويضعونه في قوالب، وإذْ بهذا الصخر والتراب الذي كان في الجبل ولم تكن له أي قيمة يصبح طائرة سعرها مئة مليون ليرة أو يصبح سعرها خمسمائة مليون ليرة، فما الذي جعل المعدن غالياً؟ إنه العلم.. وما الذي يجعله رخيصاً؟ فقده للعلم.

الفرق بين العلم والجهل

وأعظم العلوم علوم القلب، وهو الذي يخالط النفس والشعور والوجدان والحس والفكر والعقل والإدراك.. فلو كنتم في ظلام دامس وأمامكم شيكات ودولارات، وأردتم تشغيل المدفأة، وتحسّسْتم بجانبكم أوراقاً فإذا بكم تقومون بأخذها لإشعال المدفأة بدون أن تعرفوا ماهِيّتَها.. لماذا؟ لظلمة الجهل.. أما لو أشعلتم الضوء ورأيتم الأوراق وعرفتم بأنها أموال، فإنكم لو ارتعدتم من البرد فلن تقوموا بإشعال المدفأة.. هذا هو الفرق بين العلم والجهل وبين نور العلم وظلمة الجهل.. والإخلاص من أجزاء الاسلام.. ورحم الله علماءنا الذين جمعوا وشرحوا وألفوا لنا كي نبني إسلامنا.. والقرآن يقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]، ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 3].

حُكِي عن بعضهم أنه قال: قضيت صلاة ثلاثين سنةً كنت صلّيتها في المسجد في الصف الأول- ثلاثون سنةً لا يصلّي إلا في المسجد وفي الصف الأول وبعدها أعاد الصلاة وقضاها- لماذا؟ قال: لأني تأخرت يوماً عن الصلاة لعذرٍ فصليت في الصف الثاني فاعترتني خَجْلةٌ من الناس، فعرفت أنّ نظر الناس إليّ في الصف الأول كان مَسرّتي وسبب استراحة قلبي من حيث لا أشعر، فعرفت بأنني كنت أفرح بنظر الناس إليّ لا بنظر الله إلي، وعرفت أنني كنت أندفع إلى الصف الأول ليراني الناس لا ليراني الله، فعرفت عند ذلك أنّ صلاتي غير مقبولة، فأنا أصلّي للناس وليس لله، فأعدت صلاة ثلاثين سنة.. ففكّروا بجيلٍ هذه ثقافته وهذه تربيته! في الصلاة هكذا وفي الجهاد هكذا.. اشترى المخلاة فأراه وجدانُه الداخلي في المنام بأن عمله غير صحيح- لأن الإنسان دائماً يرى في منامه ما انطوت عليه نفسه في اليقظة، فمن يشرب الخمر يرى نفسه في المنام في حالة بهجة وسرور، ومن يلعب القمار يرى نفسه في المنام إما رابحاً أو خاسراً، وأما التّقي فيكون منامه بحسب تَقواه- فلما كانت تربيتهم بهذا الشكل، وكانت مصادر ثقافتهم القرآن والسنّة، وقتها أين كانت حدود الدولة العربية؟ [يستخدم الشيخ رحمه الله مصطلح “الدولة العربية أو العرب أو الحكم العربي” أو ما شابه كثيراً في فترة السبعينات والثمانينات قاصداً به المسلمين، لأنه في تلك الآونة كان كثير من العرب يتغنى بالعروبة.. فكان يرمي إلى تفهيم الناس أن العرب كانوا عظماء بالإسلام، ولولا الإسلام لما كان العرب شيئاً] كانت في كاشغر داخل الصين، ووصلت حدودهم إلى ضاحية باريس الُمسمّاة “سانس” والتي تبعد عن باريس سبعة وعشرين كيلومتر، ومن الممكن أن تكون قد دخلت الآن في باريس نسبة إلى اتساع البنيان.. يعني كانت جيوشهم في باريس، ووصلت جيوشهم إلى حدود ألمانيا من جهة سويسرا في بحيرة على الحدود.. إلى أين وصل الجيش العربي الذي كانت عاصمته دمشق؟ إلى حدود ألمانيا وإلى ضواحي باريس.

سويسرا بقيت تحت حكم الإسلام مئة عام وفرنسا مائتي عام وإيطاليا مائتي عام، وجزر البحر الأبيض المتوسط كانت كلها تحت حكم وعلم الدولة العربية المسلمة إسلام العِلم والمعلّم، وإسلام التربية والمربّي، وإسلام القلب والذكر، وإسلام الإخلاص واليقين والصدق.. هذا الإخلاص نشأ من الذكر.. لذلك فأول شيء في الإسلام يجب عليك أن تذكر الله، وإذا انتقلت إلى معركة أخرى فدع الذكر مصاحباً لك.

مدرسة الذكر

ولو أصبحت في الدرجة الثالثة ليكن الذكر معك حتّى تخرج من الدنيا وفي آخر نفس وأنت ذاكر.. هذه مدرسة الذكر وثقافة الذكر.. والذكر ليس بحاجة إلى فلسفات كثيرة.. فما هو الذكر؟ هو عملٌ فكري وعملٌ شعوري، وهو أن تشعر بالله وترى نفسك جليساً مع الله.. ومن أجل الذكر فأنت بحاجة إلى المعلّم والرفيق والأنيس، فالذكر سفرٌ إلى الله يوجب عليك أن تترك مشتهياتك ومحبوباتك، فلا تتركها تركاً عملياً، بل تركاً فكرياً حتى لا يبقى في قلبك وفكرك إلا الله، وهذا هو أول العلم وأول الإسلام وأول بناء الشخصية.. كنت أسمع من شيخنا قدّس الله سره العزيز يقول لي: “والله وأنا على فراش الزوجية كان قلبي لا يغيب عن الله” فما كانت نتيجة هذه المدرسة؟ لقد كان شيخنا أمّةً وربّى فحول الرجال وعظماءهم، كان أحدهم سفيراً، وهو الدكتور مدحت شيخ الأرض، أتى مرةً إلى المسجد وكنا نضع الأساس، فأتى ورأى الأساس قد اجتاز النهر إلى الجانب الثاني، ووقتها لم أكن موجوداً، فشهق من البكاء وكاد أن يغمى عليه، وعندما صحا سألوه لماذا؟ قال يا ولدي كان جدّك الشيخ أمين يدعو الله أن يوسّع المسجد حتى يصل حده إلى النهر وإلى القبّة، وقد مضى على وفاته أربعون سنة، وها قد وصل المسجد حيث حدّ حدوده.. فلولا مكانته عند الله، ولولا منزلته الرفيعة ما كان هذا.. وكان له -قدس الله روحه- دعواتٌ وطلباتٌ وكلها تحققت.. فهذا كان أوله الذكر وأوسطه الذكر وآخره الذكر.

فمسلم لا يذكر لا يمكن أن يكون مخلصاً، لأن الشهوات ستغلبه وأهواءه ستغلبه وكسله سيغلبه وكذلك أمورُ الحياة ستغلبه، أما المؤمن فإنه عندما يؤمن قلباً لا يكون كالأعراب: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14] قالت الأعراب: “آمنا” بالقول، قل لم تؤمنوا؛ فالإيمان لا يكون بالقول، ولكن قولوا أسلمنا: “أسلمنا” يعني انقَدْنا لحكم الدولة الإسلامية.. فعندما أصبح هناك دولة أذعن بعض العرب خوفاً من قوتها، فكان إسلامهم هكذا، ولم يكن إسلاماً قلبياً عشقياً وشوقياً وروحانياً ونورانياً وربانياً.. حتى يصير مثل أنس بن النضر رضي الله عنه ومثل ذلك الذي اشترى مخلاةً ووجدانه أراه في المنام أنه أصبح تاجراً، فإيمانه أراه ذلك؛ إيمانه النّزيه، وإيمانه الفاضل الكامل هكذا ربّاه، ولم يمضِ عليه الكثير من الوقت، بل وفي الليلة نفسها.. بينما هناك من يغرق في خمسين نهر أسود في الشاغور، [الشاغور هو حي من أحياء دمشق، والنهر الأسود كناية عن النهر المليء بالقاذورات والأوساخ] ويسبح طوال حياته ولا يرى لا في اليقظة ولا في المنام ولا في الحس ما يعرِّفه بحقيقة وضعه.. هذا هو موت القلب وموت الشعور، وهذا من باب: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14].

هذا الرجل الذي قضى صلاة ثلاثين سنة لأنه عندما رأى نفسه متأخراً استحى من الناس ورأى أنه يجب أن لا يفكّر بالناس مدحاً أو ذمّاً، قبولاً أو إعراضاً، ثناءً أو ذماً.. اعتبر نفسه وكأنه تارك للصلاة- لأن الصلاة الحقيقية أن لا تشهد مع الله شيئاً سواه، فيكون رضاه هو الرضا وسخطه هو السخط ومدحه هو المدح وذمّه هو الذّم.. كان الفُضيل بن عياض يقول: “فعل العمل من أجل الناس شركٌ والترك رياء والإخلاص أن يعافيك الله منهما” فمعناه إن فعلت شيئاً لكي تكسب قلوب الناس وثناءهم ومدحهم ورضاهم فأنت تقوم بهذا العمل ليس لأجل الله، بل لأجل الناس، فتصلّي لأجل الناس، وتتصدق لأجل الناس، وتخطب لكي يمدحك الناس، وتعلِّم الناس كي يقبلوا عليك.. فهل تريد الله؟ هذا شرك لأنك تطلب اللهَ وغير الله، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، فلا تعمل لأجل الناس ولا تترك لأجل الناس، بل اعمل لأجل الله محبةً ورغبةً ورضاً، واترك لأجل لله خوفاً وحذراً وتقوىً وحباً.. اللهم ارزقنا كمال الإيمان.

لو لم يخفِ الله لم يعصِه

كان النّبي ﷺ يقول: ((نعم العبد صهيب! لو لم يخفِ الله لم يعصِه)) 6 يعني لو علم أن الله لن يعاقبه ولو لم يكن هناك جهنّم ولو علم أن الله لن يغضب عليه فإنه لن يعصي الله.. هناك بعض الإخوان يفعلون الأشياء التي تسر الشيخ.. هل يقومون بها خوفاً من الشيخ؟ لا، ليس خوفاً، بل حباً بالشيخ.. وهكذا فالنّبي ﷺ يدلّنا على الإيمان الحبّي، وهو أن تعمل الأعمال الصالحة حباً في الله، واستجابةً وتلبيةً لنداء وأمر الله، لا خوفاً من عذاب الله أو غضبه أو ناره.. فمن هذا المنطلق كان عليه الصلاة والسلام وقد أتاه رجل سائلاً، فقال: ((أَرَأَيتَ رجلاً غَزَا يلْتَمِسُ الأَجْرَ والذِّكْرَ))، فيذهب إلى الجهاد من أجل أن يُؤجر ومن أجل أن يترك ذكراً حسناً، فيقول الناس عنه مجاهد، ويكسب حمد الناس وثناءهم، (مَالَهُ؟) فقال رسولُ الله ﷺ: ((لا شْيء له)) فأعَادهَا ثلاث مراتٍ، والنبي ﷺ يقول: ((لا شيء له)) ثم قال: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لا يقْبَلُ منَ العْمَلِ إلاَّ ما كان له خالصاً، وَابتُغِيَ به وجْهُهُ)) 7 .

هؤلاء هم العرب.. صاروا جميعاً هكذا عندما ربّاهم المربّي الأول عليه الصلاة والسلام.. اللهم ارزقنا عشق الله ومعرفة الله بدوام ذكر الله.

وضوء الذكر الحقيقي طهارة النفس

والذكر يحتاج إلى وضوء قَبْلَه، ووضوء الذكر الحقيقي طهارة النفس والتوبة الصادقة بالفكر وبالعزم وبالإرادة وبالأعمال وبالأخلاق.. طهّر نفسك من كل المعاني المخالفة، وبعد ذلك اذكر الله ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ [الأعلى: 14].

ما هي التزكية؟ هي تنقية النفس، فإذا قمت بتنقية القمح فقد زكّيته، وذبح الغنم ماذا يسمّى؟ يسمى تزكية، لأنه تمّ تنظيفها من الدّم وهو موضع الجراثيم والميكروبات.. كذلك الذكر يجب أن يكون مسبوقاً بالتزكية.. فبطهارة النفس وبالتوبة الصادقة في الأعمال وفي الأخلاق وفي الرفاق وفي الأصحاب يكون الخير بإذن الله تعالى، فلا تصحب الأشرار، ولا تصحب الفسّاق، بل اصحب أهل الذكر وأهل الإيمان وأهل الكمال، فتصلح أفكارك وإرادتك وسهراتك واتجاهك.. وهذه هي التوبة، ثم تذكر الله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14- 15] ما اسم ربّكم؟ “الله”.. اذكر “الله الله” ثم صلّ.. إذن “حيّ على الفلاح”، كي تفلح في الصلاة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2] متى تخشع؟ ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ [الأعلى: 14- 15] فأولاً التزكية والذكر ثُمَّ الصلاة، فإذا صلّيت وقد زكّيت نفسك وأنت ذاكرٌ لربّك ثُمَّ صلّيت ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2] فيخشع قلبك ويتضاءل ويتذلل، لأنه ينكشف في مرآة قلبك ظهور وتحسس واستشعار عظمة الله، فتستشعر جلال الله وجماله، ويظهر جماله فتحبه وتعشقه، ويظهر جلاله وكبرياؤه فتخشع وتضمحل وتتلاشى بين يدي عظمته.. ومن هنا يأتي الإخلاص.. وقد تم بناء المآذن ليقول لك المؤذن “حيّ على الفلاح”.. ما هو الفلاح؟ اسأل المؤذن وقل له أنت تقول: “حيّ على الفلاح” ما معنى هذا؟ هل معناه أيها المؤذن أن نذهب إلى الطعام؟ ما هو الفلاح أيها المؤذن؟ اسأل الإمام.. مع الأسف لا الإمام ولا المؤذن ولا المآذن تعطيك روح الجواب.. فهل الأذان كذب؟ أم أن المؤذن كاذب! ماذا سنقول؟ لذلك.. المسلمون الآن ألف مليون، ما هو نتاجهم؟ لا شيء!

كنت أقرأ البارحة في مجلّة “المسلمون”- وهذه يشرف عليها الأستاذ زهير الأيّوبي وتصدر في لندن- أن في فرنسا ثلاثة ملايين مسلم، وهؤلاء أغراب، أما الفرنسيون فعددهم مئة ألف.. ولو كان منهم ثلاثين مسلماً حقيقياً سيغيّرون وجه فرنسا.

واحد من المسلمين دخل جاكرتا وفيها خمسة ملايين فقلبها كلها إلى مسلمين.. لأن فحمةً واحدةً مشتعلة ضعها في كيس من الفحم، وعلى شرط أن يكون هناك من يُهَوِّي، فإذا لم يكن من يهوِّي ولا يوجد هواء فستنطفئ.

في إنكلترا هناك الكثير من المساجد، لكن لا المساجد ولا المآذن ولا المكتبات ولا الكتب تقوم بما يريده الاسلام تماماً.. نحن بحاجة إلى قلب منوَّر بنور إلهي يشع ويضيء لك فتعرف حقائق الأمور، فتعرف جهنّم رؤيةً، وتعرف الجنة رؤيةً، وتعرف الملائكة رؤيةً، وتعرف الله مشاهدةً في مرآة القلب، فقد يرى الإنسانُ الله في المنام.. في عالَم المثال، وهذا الإيمان كان له تلك الآثار في الأخلاق والأعمال والدولة والجيش والحرب ومع الأعداء وتجاه الشعوب وفي العالم.

يبدأ الإسلام بالذكر وينتهي بالحكمة

الإسلام له مراحل، فله أول وله آخر.. وهذا أمر أصبح العلم به قليلاً، ولذلك نجد نقصاً في دراسة الاسلام من أغلب دارسيه؛ فهم يدرسون شيئاً من الإسلام.. ناحية جانبية.. كمن يأخذ من السيارة عجلتها، ويقول من يريد الذهاب إلى الحج حتى نأخذه معنا بالسيّارة! أين سيارتك؟ فإذا به يريهم العجلة فقط.. هل يقبل الناس السيارة بهذا الشكل؟ وهل يستفيد هو شيئاً مهما صاح ومهما صرخ ومهما خطب؟ وآخر يحضر محرك السيارة فقط، وهل يكفي هذا؟ لا يكفي. إن الذكر هو الحجر الأساس، وبعد الذكر يتدرّب شيئاً فشيئاً وبحسب قيادة المعلم المربّي الحكيم الذاكر الحاضر المُزكّى والمزكِّي حتّى يصل إلى إسلام القمة.. فإسلام القمة هو الإنسان الكامل العظيم الحكيم الناجح، والإنسان الذي يألف ويُؤلف- ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف- ويصل إلى درجةٍ حتّى أن عود الثقاب لا يستهلكها في غير فائدة وفي غير مردود حسن، والحكم الفقهي في ذلك أنه لو صرف درهماً في غير محلّه يحكم عليه بالسفه.. فإذا صرف وقتاً أو مالاً أو جهداً أو فكراً في غير فائدةٍ ومصلحةٍ شرعيةٍ يُحكم عليه بالسفه، فالإسلام لا يترك لك المجال لتخطو خطوة أو تنظر نظرة أو تسمع كلمة إلا في فائدة ونفع، والله وصف سماع المسلمين فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً [الواقعة: 25]، فأُذنه منزّهة عن سماع اللغو، واللغو هو كل كلامٍ لا ينفع ولا يضر، أمّا الإثم فهو الكلام الضار غير النافع: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء: 36] فالإسلام يبدأ بالذكر وينتهي بالحكمة.. ينتهي بالنجاح والنصر والغنى والعلم والوحدة.. ينتهي بقيادة العالم.. هذا هو الإسلام.

هل تدرسون هذا الإسلام في هذا العصر في المعاهد الشرعية؟ هذا تدرسونه في المسجد، وأنتم الآن تدرسون دراسة فوق الجامعية وفوق الأكاديمية، فابدؤوا بالذكر.. والذكر ليس بالاختيار.. ثقوا وتأكدوا أنّ الذكر فرض، وفرضيته أكثر من فرض الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وصلاة الجمعة وأكثر من فريضة الصيام والحج والزكاة، لأن الصلاة إذا لم يكن معها ذكر، والحج إذا لم يرافقه ذكر، وحياتك إذا لم يكن فيها ذكر، فكل حياتك فارغة وصلاتك عند الله غير مقبولة، وهذا صريح القرآن: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] لأجل أن تذكرني، فالصلاة وسيلة والذكر هدفها وغايتها، فبالذكر يصبح عندك خوف الله وخشيته ومحبته، وتخرج محبّة الدنيا من قلبك.. والإسلام لا يقول لك اترك عمل الدنيا.. لا. فسيدنا عثمان وسيدنا عمر رضي الله عنهما والنّبي ﷺ ملكوا الدنيا وكانوا ملوكاً؛ فهم ملكوها ولم تملكهم، وهذه هي العظمة بأن تملكها ولا تملكك، ولكن المصيبة إذا لم تكن تملكها وهي تملكك.. يعني إذا ملكتها وهي تملكك فهذه نصف مصيبة، أما إذا لم تملكها وهي مالكتك فهي مصيبة.. قال: أرأيت رجلاً يلتمس الأجر والذكر في غزوه؟ ما له؟ قال: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات وهو يقول: لا شيء له، ثم قال: ((إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابْتُغي به وجه الله تعالى))

وفي حديثٍ آخر: ((الرجل يعمل العمل فيُسِرُّه)) هذا من الإسرار لا السرور، بمعنى يخفيه حتّى لا يطّلع عليه أحد حرصاً على الإخلاص في العمل.. فقد كان المسلمون الأوائل إذا أراد أحدهم أن يتصدّق بصدقة يأتي في منتصف الليل إلى بيت الفقير ويضع النقود في صرّة ويرميها من فوق الحائط، وفي الصباح يرون صرّة النقود في البيت ويتساءلون من أين أتيت؟ فلا أحد يعرف.. وذلك حرصاً على الإخلاص وعدم كسر خاطر الفقير. نرجع إلى السؤال الذي عرض على النّبي ﷺ: الرجل يعمل العمل فيُسرّه، فإذا اطُّلع عليه أعجبه- فيفرح، ولكن ليس مراده أن يطَّلع عليه أحد، فقد قام به خالصاً لوجه الله.. اطَّلع عليه الناس فأعجبه وفرح- قال: ((له أجران: أجر السر وأجر العلانية)) 8 .

زُخرف الدنيا وزينتها

إن المقصود من كل الأعمال والأحكام نجاحك.. لكن من ينجح؟ إنه المخلص.. إنه ذو الأخلاق.. الصادق في العلم والإسلام والجهاد والحكم وفي كل شيء.. فهذه التربية كانت عامّة لكل الناس في زمن رسول الله ﷺ، والذين أسلموا في زمنه كانوا حول مئة ألف ولا يمكن أن يتجاوزوا هذا العدد، أما الذين ربّاهم النّبي ﷺ مباشرةً فهم أقل، فهؤلاء المئة ألف استطاعوا أن يقودوا نصف العالم.. وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنّ أخوف ما أخاف عليكم ما يُفتح لكم من زُخرف الدنيا وزينتها)) 9 ، فيتعلق القلب بالدنيا، ويبدأ طلبها بالحلال أو الحرام.. بالظلم والعدوان والرياء، فيفقد الإسلام الحقيقي ويصبح أنانياً وطمّاعاً وظالماً، فتتفسخ الأمّة وتتفرق وتنهزم وتتأخر.. وهذا ما حصل مع المسلمين بعدما وصلت فتوحاتهم إلى الصين وإلى باريس، ولو بقوا على التربية والثروة والغنى القلبي والأخلاقي والنفسي والفكري الذي نشَّأهم عليه رسول الله ﷺ لكانوا أحاطوا بالدنيا ولانقلبت الدنيا إلى المدينة الفاضلة والشخصية الفاضلة وإلى الفردوس.. هكذا كان يصنع ذلك الإسلام.. ومع ذلك فنحن إذا عرفنا هذا فلا بدّ أن نصدق الله لنكون المسلمين الذين من جملة خصالهم الإخلاص في العمل.

ولكن كيف يُنال الإخلاص؟ الإخلاص عمل من أعمال القلب، والقلب ما هو؟ القلب هو النفس الذاكرة الحاضرة مع الله، المقبلة عليه، المعرضة قلبياً عما سواه ولا تطلب شيئاً في هذا الوجود إلا هو، لا إله إلا الله.. هذا قلبياً، أما عملياً: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15]، ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص: 77] فلا يوجد أروع ولا أكمل من الاسلام.

أخ من إخوانكم طالب في الجامعة لقيه أستاذ جامعة إنجليزي وبمجرد أن حصل تماس بسيط بين الطالب والأستاذ أعجبه سلوك الطالب ومنطقه، فسأله عن بعض الأمور.. فقال له: ديني يأمرني بهذا وهذا، فأتى إلى الشيخ وأسلم، والآن يذكر مع الذاكرين، وهو أستاذ جامعة وابن إنجلترا.. رأى أحد أبناء المسجد- وهذا الأخ أنا لا أعرفه أيضاً إلى الآن- أسألكم هذا الأستاذ الجامعي ماذا رأى من الإسلام؟ لقد رأى ذرة أو رذاذاً من بحرٍ محيط.. فالإسلام ناجح.. برناردشو يقول: “لا ينتهي القرن العشرون إلا وأوروبا كلها ستدخل في الإسلام” والذي يوقفها هو تخلف المسلمين وبعدهم عن الإسلام مع تسمية أنفسهم بالمسلمين، وهم الآن يسمّون أنفسهم تسميات شتى غير تسمية الإسلام.. فهناك من يقول عربي، وآخر يقول باكستاني، وغيرهم يقول إندونيسي.

هل يعود الإسلام بتنظيفه من نسبتنا إليه؟

قبل مئة عام كانوا يسمّون أنفسهم مسلمين.. وربما بتنظيف الإسلام من نسبتنا إليه يبقى الإسلام من غير علاقة لنا به فيُدرَس.. واليوم هناك دراسة، وبعضهم من يسلم، وإن كان العدد لا يزال قليلاً.. ومما يسيء هو وجود المسلمين في أوروبا، فتصدر منهم أعمال مشينة وأعمال في منتهى العار ومنتهى الفحش، وهذه ُتأخر مسيرة الإسلام ليتبوأ مكانته في قلوب الأمم الراقية، فالأمم الراقية تتربّى الآن على البحث عن الحقيقة، وتتربّى على البحث عن الكمال في الأخلاق والحياة وفلسفة الحياة.. فأنتم اشتغلوا في ذكر الله.. وفي مجلس العلم وبقدر ما يعطيكم الله أيضاً علّموا الآخرين.. تعلّموا وعلّموا. كان الصحابة رضي الله عنهم يتعلّمون من النّبي ﷺ ويعلّمون الآخرين.. يتقبّلون دعوة النّبي ﷺ ويدعون الآخرين، حتّى ببركتهم لم يتوحد العرب فقط أو يتحضَّروا، ولم يصيروا غرّة التاريخ فحسب، بل صاروا جمال الدّنيا وجمال العصور.. والناس تعتز بتاريخها وبتراثها وبآبائها وبأجدادها.

والاعتزاز الحقيقي هو أن نعتزّ لنعمل أعمالهم ولنسلك سلوكهم ولنتثقّف ثقافتهم ولنؤمن إيمانهم.. فعند ذلك يفيدنا التاريخ، وعند ذلك تنفعنا الدراسة والتراث.. ولكن لا تيأسوا.

عصرنا الآن فيه قابلية أفضل من كل العصور، ولكن هذا الإسلام الخفي في الأوراق علينا إظهاره إلى الأسواق، ومن الكلام إلى الأعمال، ومن النطق إلى الشعور والتذوّق.. وهذا بحاجةٍ إلى توبة وإلى ذكرٍ وصحبة وصدق في الطلب، كما صدق سيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه، والله جعله في الصادقين وأنزل في شأنه: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23]، عندما قال: إذا كان هناك معركة أخرى فليرينّ الله ما أصنع.. وأنتم عليكم بشحذ الهمم ليكون كلّ واحدٍ منّا من رجل وامرأة.. من شاب وشائب.. من صغير وكبير، لنكون مسلم الذكر ومسلم التوبة ومسلم الإنابة ومسلم الإخلاص ومسلم الصدق.

ونسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا من المخلصين الصادقين المخبتين المنيبين، صلّوا الضحى لعلّ الله يكتب لنا ثواب حجّةٍ وعُمرةٍ مقبولتين، مقبولتين، مقبولتين، كما قال النّبي ﷺ.

وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآلِهِ وصحبِه، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 378).
  2. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقم: (2655)، (3/ 1034)، ومسلم في الإمارة باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا رقم (1904)، (3/ 1512)، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)).
  3. إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 378).
  4. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}، رقم: (2651)، (3/ 1032)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنْ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابَهُ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ قَالَ سَعْدٌ فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ قَالَ أَنَسٌ فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ)).
  5. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، (2/ 88)، مجموع الفتاوى لابن تيمية، (20/375)، منهاج السنة النبوية لابن تيمية، (2/ 444)، من قول الإمام مَالِكٌ بلفظ: ((لَنْ يُصْلِحَ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا)).
  6. مسند الفاروق لابن كثير (2/681)، قال فيه: "فأما قول عمر رضي الله عنه في صهيب بن سنان الرومي نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فهو مشهور عنه ولم أره إلى الآن بإسناد عنه"، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (736)، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، ص: (448).
  7. سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، رقم (3140)، (6/25)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ
  8. سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب عمل السر، رقم: (2384)، (4/ 594)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الثناء بالحسن، رقم: (4226)، (2/ 1412)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يَعْمَلُ العَمَلَ فَيُسِرُّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: لَهُ أَجْرَانِ، أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ العَلاَنِيَةِ)).
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى، رقم: (1396)، (2/ 532)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، رقم: (1052)، (2/ 727)، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا)).
WhatsApp