تاريخ الدرس: 1981/02/22
في رحاب الآداب والأخلاق
مدة الدرس: 00:50:06
في رحاب الآداب والأخلاق (105): ثلاث خصال للمصلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثَلَاثٌ لِلْمُصَلِّي
قال سيِّدنا رسول الله ﷺ: ((لِلْمُصَلِّي ثلاثُ خصالٍ: يتَنَاثَرُ الْبِرُّ عَلَيْهِ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ لدن قَدَمَيْهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَيُنَادِيهِ مُنَادٍ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا انْفَتَلَ)) 1 .
للمصلي ثلاث خصال: الله يخصه بثلاث عطايا في صلاته.
البِرُّ: هو الخير والعطاء الإلهي والرحمة والنور والتجلِّي، وعنان السماء: هو السحاب، أي يتناثر البر من عُلُوِّ السماء إلى مِفرق رأسه، هذا المصلي حسب معرفة النَّبيُّ ﷺ له، ليس الذي نحن نعرفه، فإذا ذُكِرت الصلاة في القرآن فهي كما أراد الله عز وجل، وإذا ذكرها النَّبيُّ ﷺ فهي كما عرفها الله تبارك وتعالى.
تنهى عن الفحشاء والمنكر
إن الصلاة التي أرادها الله تعالى هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي قال عنها: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [سورة طه: 14]، وقال أيضاً: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [سورة الأعلى: 14-15]، والتي أرادها الله عزوجل في قوله: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [سورة الجمعة: 9] هل قال: فاسعوا إلى الركوع وإلى السجود وإلى القيام؟ بل إلى ذكر الله، كما قال النَّبيُّ ﷺ: ((الحج عرفة)) 2 أي أن أعظم شيء في الحج هو عرفة، كذلك قال هنا أن الصلاة هي الذكر، ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه﴾ [سورة الجمعة: 9]، أي أن أعظم شيء في الصلاة هو الذكر، فإذا صلَّيت ولم تستشعر عظمة الله في قلبك، أو صلَّيت ولم تتوجَّه بكليَّتك إلى الله تعالى، أو أنك لم تعِ على الله ما يقول لك وما تقول له.. أي عندما تقول: “وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض” وعندما تخاطبه وأنت تقول له: “التحيَّات المباركات والصلوات الطيبات لله” فأنت تُسلِّم على الله، فهل يمكن أن تسلِّم على أحد وأنت تعطيه ظهرك، وتقول له: السلام عليكم؟ فإذا فعلتها مع أحد الناس ربما يضربك ويصفعك.. فأنت حين تُسلِّم على الله عز وجل، وتقول: “التحيَّات” فما هي التحيَّات؟ أي سلامات وليس سلام أو تحية واحدة؛ بمعنى أنه يجب أن يكون لسانك وقلبك وفكرك وكلُّ مشاعرك تُسلِّم على الله عز وجل، فهل تستشعر بالله تبارك وتعالى وأنت تُسلِّم عليه؟ وهل توجه قلبك إليه حتَّى تسلِّم عليه؟ قال تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه ِ﴾ [سورة الجمعة: 9] هل المعنى فاسعوا إلى الركوع وإلى السجود وإلى القيام؟ ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه ِ﴾ هذه هي الصلاة التي يريدها الله عز وجل والنَّبيُّ ﷺ منك، وهذه لا تصير إلا إذا سلكت الطريق إلى الإسلام الحق والإسلام الحي، ولا تصير عالماً إذا لم تكن ذاكراً، فلا تظنّ أنَّ العلم هو الذي تقرأه في الورق، لكنه العلم الذي تقرأه من ورقة قلبك، فعليك أن تنظِّف ورقة قلبك من الأوساخ وسواد الظلمات، وأن تبيضها باسم الله عز وجل.. واستدم على ذكر الله عز وجل، وعند ذلك اذهب إلى أي مكان- حتى لو ذهبت إلى أمريكا- فلن يضر إيمانك شيء.
ذهب أخوكم سعيد دياب -وقد كان يعمل لَحَّاماً- [بائع لحم] إلى أمريكا منذ ثلاث سنوات، قال لي: حين سافرت ودَّعني في المطار أكثر من مائة أمريكي وهم يبكون بكاء شّديداً، مع أنه كان لـحَّاماً، لكنه طوال وقته وهو في بيعه يدعو كل من يشتري من عنده إلى الله عز وجل؛ سواء أكان أستاذ جامعة أو ضابطاً أو تاجراً أو صغيراً أو كبيراً.. قال لي: أنا عرفت الشيخ.. مع أنه لم يرَ شيخنا بجسمه، لكن يصفه من رأسه إلى مِفرق قدمه، من أين عرف هذا؟ اكسبوا ثقافة الجامع وعلوم الجامع، وهذا يعطيكم مجد الدنيا ومجد الآخرة، ومعنى ذلك اكسبوا الإسلام، لكن الإسلام الحيُّ، إسلام الروح والقلب والعقل والحياة، فالإسلام ليس جوعاً ولا فقراً ولا ذلاً وليس ضعفاً ولا مسكنةً، فالإسلام عِزُّ ومجد الدنيا والآخرة، وهذا سعيد دياب [اللَّحَّام] كان فلَّاحاً “قروياً” مهندساً وليس من المدينة، بل كان من منطقة الزبداني [منطقة في قرى دمشق]، هل صار أستاذاً للأمريكيين وهم تلاميذه، أم العكس؟! هو تتلمذ على أيديهم في أمور الدنيا، لكنه بالرُّوح والقلب والعلم هو الآن يقودهم فصار أستاذهم.. وهذه عظمة الإسلام.
ما فائدة المستشفى بِلا أطبَّاء؟
المسألة موقوفة على إيجاد الشّيخ.. والناس يفرحون بالجامع، والجامع شيءٌ حسن وطيِّب، لكن ما خواص بيت العروس إذا لم يكن بها عروس؟ ما الفائدة؟ وما فائدة المستشفى إذا لم يكن بها أطبَّاء؟ وما فائدة السيارة إذا لم يكن فيها سائق؟ يجب عليكم كلُّكم أن تبذلوا كلَّ طاقاتكم الشبابية، وأن تبيعوا أنفسكم لله عز وجل، هذا هو عمل الله عز وجل، فحين تصدق معه يخرق لك العوائد، كيف أخرج الله الناقة لسيدنا صالح؟ هل كانت من بطن البقرة؟ أم من بطن الجمل؟ أخرجها من الجبل، وخلق سيدنا آدم من التراب، وأعطى لمريم سيَّدنا عيسى من غير أب.
قرأت في الجريدة أنَّ مولوداً وُلِد عمره شهرين انتفخت بطنه، فشقُّوا له بطنه فوجدوا فيها ولداً آخر، ومن ست أو سبع سنين قرأت في الصحف أن طفلةً عمرها سنتين قد انتفخت بطنها فشقُّوها وإذ بها تحمل خمسة أولاد، كم عمرها؟ فالذي يقول كيف أتت مريم بسيدنا عيسى عليه السلام؟ نقول له: هذا شيء عادي ومُشَاهد، إذا قلنا أنَّ الله عز وجل قد خلق الدنيا من غير أُمّ، فمن أُمُّها؟ خلقها من غير مثال سبق.. لذلك فالقلب هو سلاح الشيخ وقوته وطاقته الكهربائية، كلُّ هذه الثُّريات وهذه الأجهزة التي في الجامع إذا لم يكن بها طاقة تيار كهربائي فليس لها قيمة، وكذلك كلُّ علمك وصلاتك وصومك وحجِّك وعملك إذا لم يكن لك قلب وتيار قلبي.. فإذا صليت يقال لك مصلٍّ، وقد يغفر الله لك.. ولكن بين صلاتك هذه وصلاتك تلك هناك فرق كبير كما هو الفرق بين الواحد والمليون، والفرق بين عروسٍ ملكةِ جمال وبين أخرى عمرها تسعين سنة وهي مريضة وملوثة بأوساخها، وإذا عقدت قرانك على الاثنتين؛ أليست هذه زوجة وهذه زوجة؟ وأيضاً هذه صلاة وهذه صلاة، فاشتغلوا وافنوا بذكر الله عز وجل.. لو مشيتم من هنا إلى الصين زحفاً والتقيتم بمن يجمع قلوبكم على الله عز وجل عند ذلك أنتم الرابحون وزيادة، عسى أن يفتح الله قلوبكم وينوِّرها بنوره تعالى.
بِرٌّ يجمع خيري الدنيا والآخرة
قال: ((لِلْمُصَلِّي ثَلَاثٌ خصالٍ: يتَنَاثَرُ الْبِرُّ)) البرُّ: أي الخير، البِّرُّ بعرف الله عز وجل هو الذي يجمع خيري الدنيا والآخرة؛ فيجمع العلم والحكمة والنور والقرب والأخلاق والفضائل، وهذا كُلُّه من هذه الصلاة التي يعرفها النَّبيُّ ﷺ، والتي كان يصليها عليه الصلاة السلام، فحين يُعبِّر النَّبيُّ ﷺ عن الصلاة هل يعبر عن صلاته أم عن صلاتنا؟ هل هي صلاتنا التي نصلِّيها نحن أم الصَّلاة التي طلبها الله تعالى منَّا؟ إذاً هذه الصلاة تحتاج إلى ذكرٍ وتوبة وأن تلتصق بالمعلِّم الذي هو فقيه القلب، وأن تُحبَّه حُبَّاً بلا حدود.. هل انتفع سيدنا أبو بكر رضي الله عنه؟ ومن هم الذين ثبتوا بعد وفاة النَّبيِّ ﷺ؟ هم الذين تربَّوا بمدرسة رسول الله ﷺ، أما من كان بعيداً فقد ارتدُّ عن الدين، وما بقي على الإسلام إلا من صارت له الصحبة والهجرة والمجالسة والمحبة.. وكيف كانت محبة الصحابة له؟ من يَصدقُ الآن بهذا الحب فإن علماء أمة النبي ﷺ كأنبياء بني إسرائيل، وقال ﷺ: ((الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء)) 3 ، فنسأل الله عزَّ وجل أن يرزقنا التوفيق.
كُن من أولئك المصلِّين
1- قال: ((يتَنَاثَرُ الْبِرُّ عَلَيْهِ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ)) 2- ((وَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ لدن قَدَمَيْهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ)) فإذاً الملائكة كلُّهم الآن حافِّين بكم، وإنْ شاء الله تكونون من أولئك المصلِّين 3- ((وَيُنَادِيهِ مُنَادٍ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا انْفَتَلَ)) أي لا يترك الصلاة، ويبقى على هذه الصلاة ولا ينفتل حتى تخرج روحه من جسده، لكن الله عز وجل حجب عنَّا كثيراً من الأمور رحمةً بنا، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [سورة الإسراء: 44]، لو أنك عندما تريد أن تنام سمعت تسبيح الفِراش والحائط والسقف لما استطعت أن تنام، وهذا كثيراً ما يحصل مع بعض أهل الذكر، وكان أحدهم: لا يقع نظره على شيء من جماد أو حجر أو أي شيء إلا ويرى اسم الله عز وجل عليه، وعندما دخل إلى بيت الخلاء رأى اسم الله فلم يستطع أن يتبول.. ففي بعض الأوقات “إنَّ من الحجاب لرحمة”.
هل رُزقتَ اليقين؟
((لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا انْفَتَلَ)) هذه الصلاة التي يجب عليكم أن تصلوها، أمَّا أنتم فمنكم من يصلِّي بالجسد ومنكم من يصلِّي بالقلب ومنكم من يصلِّي بنصف القلب، ومنكم بالإيمان بالغيب، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقكم اليقين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أقل ما أعطيت أمتي اليقين)) 4 ، والقرآن أشار إليه بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون﴾ [سورة البقرة: 3] إلى أن قال: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون َ﴾ [سورة البقرة: 4]، كانوا في أوَّل الأمر مؤمنين فيها إيماناً غيبيَّاً، مثال ذلك: إذا كنتم في الخارج وحدثكم أحدهم أن الشيخ في الداخل فهذا إيمان بالغيب، أما إذا أتيتم إلى المسجد ورأيتم الشيخ فهذا هو اليقين، في أوَّل الآية قال: ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب ِ﴾ [سورة البقرة: 3] أول الإيمان إيمان غيبي، لكن نهايته إيمان يقين، ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [سورة البقرة: 4-5] يتولَّى الله هدايتهم، فالهداية ليست شيئاً غيبيَّاً بل شيئاً يقينيَّاً ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ﴾ [سورة البقرة: 5] ومعنى حيَّ على الفلاح: أي حيَّ على اليقين، وحيَّ على هدىً من ربهم وعلى بصيرة: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾، هذه المعاني حُجِبَ عنها المسلمون وسمُّوها تصوُّفاً، ومن الممكن أن يأتي أحدهم ويقول: أنا لا أريد أن أكون صوفيَّاً.. ونحن أيضاً يا أخي لا نريد صوفياً ولا نقشبندياً، وإنما نريد إسلام القرآن، فهل يستطيع أحد أن يقول: لا نريد إسلام القرآن؟ لذلك ارفعوا اسم التصوُّف والنقشبندي والشاذلي، فعمليَّاً نحن لم نرفع شيئاً.. فالتّصوُّف هو ذكر وأخلاق وتربية وقلب وإقبال على الله واستكمال لشُعَب الإيمان، لكنَّ النَّاس تفهم هذه المعاني بهذا الاسم [التصوف] على أنَّه اسم خارج عن الإسلام، ولأجل رفع هذه الشّبهة دعونا نرجع لألفاظ القرآن ومصطلحات السّنَّة، فعندئذٍ يُسَلِّم الوهابي ويُسَلِّم غيره ممن يتطاول على الإسلام، وهل نحن نريد جمع كلمة المسلمين أم أن نسمِّي أنفسنا خمسين اسماً ولقباً؟ كيف نجتمع؟ وكلمة مسلم تكفي، لكن على أن يكون إسلامنا إسلام القرآن.
حتى يركع
وقال ﷺ: ((إذا قام العبدُ في صلاتِهِ ذُرَّ البِرُّ على رأسِهِ حتى يركعَ)) يُرش الخير على رأسه حتى يركع، وإذا قال: “وجَّهت” توجَّه إلى الله عز وجل، وإذا قال: “سبحانك الله وبحمدك”، رأى كل الكمالات في الله، وإذا قال: “اللهم نقِّني من الخطايا” بتذلُّله وتضرُّعه وتضاؤله أمام الله عزوجل، هذا الذي ذرَّ الخير على رأسه حتى يركع، فإذا ركع هل ينقطع البرِّ؟
حتى يسجد
قال: ((فإذا ركع علتْهُ رحمةُ اللهِ حتى يسجدَ)) وهنا يأتي النوع الثّاني.. ترى في المطاعم أنهم يأتون بالصحون المليئة فإذا فرغت أتوا بصحون أخرى.. وبعد أن انتهينا من البر في القيام انتقلنا إلى الرحمة، وهنا لم يذكر أنوار ولا أحوال لأن الأسماء الشرعية دائماً تأتي عامة، ولكن لا يعرف معناها إلا من ذاقها، فإذا انتهى من الركوع وسجد قال: ((والساجدُ يسجدُ على قدمي الله)) 5 وهذا كالذي جاءوا به وكان مذنباً ومحكوماً عليه بالإعدام وأدخلوه إلى الملك من أجل أن يشفع له، فرمى بنفسه عند قدمي الملك وصار يُقَبِّلها ويتذلَّل ويتضرَّع لعلَهُّ ينال الرحمة والمغفرة، هكذا يجب أن يكون سجودك في الصلاة مع أن الله عزوجلَّ ليس له قدمين كمثلنا، لكن هذا مثال للتذلُّل والتضرُّع يفعله المصلِّي في سجوده، وفي رواية: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)) 6 فيطيل في السجود، إلا إذا كان إماماً، فالإمام عليه أن يصلِّي الصلاة الاعتيادية، وعندما يُصلِّي وحده فليطل ما شاء الله أن يطيل. أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء
قال: ((والساجدُ يسجدُ على قدمي الله فليسألْ وليرغبْ)) أكثرْ من السّؤال والطلبات من الله عزوجل، لكن من أعماق قلبك وبكلّ رغبة ويقين وثقة بالله تبارك وتعالى، يقول الله في الحديث القدسي: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ)) 7 .
لما أخرجوكم أنتم من الأزهر [بعض طلبة العلم من تلامذة سماحة الشيخ كانوا في جامعة الأزهر] والله ما وقع في قلبي ذرة من مليون أن تنقطعوا.. أبداً، وما شككت أن تفشلوا، لأنني يا بني أعرف مع من أعمل، أعرفه تماماً وأعرف معاملته وتذوقتها ورأيتها وعرفتها في نفسي وفي غيري وفي الأحياء والأموات، فإذا صدَّقتم مع الله تعالى جعلكم أعزَّ من الملوك، اصدقوا في العمل والعلم والخُلق والقلب وفي الهمَّة.. ما أجملكم أن تأتوا في نصف السنة الدراسية وتتفوقوا في آخرها! هذا شيء سهل، وهناك من إخوانكم من جمع بين كلِّيتين، وأخذ الدرجة الأولى فيهما، وكثير منهم ممن أخذوها وهم موظفون، وأيضاً هناك من أخواتكم البنات ممن جاؤوني إلى الجامع وعندهنّ الشهادة الثانوية فقط، قلت لهن: أكملوا الجامعة، والحمد لله كلُّهنّ أخذن الجامعة، وهنا يوجد أمثلة من زوجات إخوانكم الموجودين يحضرن إلى الجامع وتابعن دراستهن، وأخذن الجامعة ببركة الجامع، فجلب الجامع لهن الجامعة، ومنهن من أصبحت مديرة في مدرسة بالرغم من التزاماتها في البيت والأولاد والولادة والجامع.. هذا من تعاليم الجامع؛ أن تجمعوا بين الدنيا والآخرة، والجامع أعطاهم الجامعة، لكن الجامعة اليوم ناشزة من الجامع، وهي تحتاج إلى من يصلح بينهما ويردها إلى زوجها ويُحَنِّن زوجها عليها أو يُحَنِّنها على زوجها.. تربية المرأة يا بني.. يقولون: “امرأة ربَّت ثوراً فما حرث” فمن يقتصر على الجامعة لا يخرج منه شيئاً، فلا بد أن تكون الجامعة عند الجامع، ويكون تحت إشراف الوالدين.. وهكذا كان الصحابة.
ما الفرق بين الجامع والجامعة؟ إذا قلنا إن الجامع روح وتربية وأخلاق والجامعة علوم الدنيا، فإن علوم الدنيا نصف الإسلام، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [سورة البقرة: 201] والنِّصف الثّاني ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [سورة البقرة: 201] فإذا جمعتهما عندئذٍ تكون النتيجة ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [سورة البقرة: 201].
نارُ الفقر والضعف والتفرقة
﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [سورة البقرة: 201] ليست نار جهنم فقط، إنـَّما نار الفقر والضعف والتفرقة، في أي نار يحرق الله عزوجل المسلمين والعرب الآن؟ في نار التخلُّف والفقر والتفرقة والعداوات والحروب مع بعضهم البعض، هذه هي الجاهلية.
كانوا في الجاهلية يقتتلون بالسيف والترس، والآن لماذا يقتتلون في إيران والعراق؟! هل هذا إسلام؟ هل هذا عقل؟ وهل هذه وطنيّة؟ إذاً فالأمر يحتاج إلى شيخ.. وعسى أن يهيأ الله تبارك وتعالى للمسلمين الشيخ الذي هو من ورثة الأنبياء.
وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
وقال سيِّدنا رسول الله ﷺ: ((مَا مِنْ صَبَاحٍ، وَلَا رَوَاحٍ –الرواح أي المساء- إِلَّا وبقَاعُ الْأَرْضِ تُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا: يَا جَارَةُ هَلْ مَرَّ بِكِ الْيَوْمَ عَبْدٌ صَالِحٌ صَلَّى عَلَيْكِ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ؟ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهَا فَضْلًا)) 8 ، ثبت علميَّاً الآن أنَّ الجبال تنمو وتزداد وتتوالد خلاياها، والجبال الشابَّة هي التي تكون واقفة وكُلُّها صخر أي ليس فيها تراب، أمَّا جبلنا هذا [جبل قاسيون] فيعتبر كبيراً وليس شابَّاً، لأنّه ليس واقفاً وصار فيه تراب، وقد ثبتت حياة الخلية، وهذا يعني أن لها نموّها وإدراكها، لكن كما قال الله جل وعلا: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [سورة الإسراء: 44] كما لو أن أحدهم كان يتصل مع غيره في اللاسلكي، فهل تفهم أنت لغة اللاسلكي؟ وإذا كان الطير يغازل أنثاه فهل تفهم شيئاً من كلامهما؟ وحين ينادي الطير أولاده والأولاد ينادون لأمهم؛ هو كما تنادي أنت لأولادك وينادون لك، لكن هل تفهم لغة الطير؟ فكُلٌّ يتكلم بلغته.
فالشاهد قال: ((مَا مِنْ صَبَاحٍ وَلَا رَوَاحٍ إِلَّا وبقَاعُ الْأَرْضِ تُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا: يَا جَارَةُ هَلْ مَرَّ بِكِ الْيَوْمَ عَبْدٌ صَالِحٌ صَلَّى عَلَيْكِ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ؟ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهَا فَضْلًا)) لأنه مرَّ عليها الرجل الصالح الذي صلَّى أو ذكر الله تعالى، فصار لها من الشرف والمجد والكرامة ما تزهو به على جارتها، فإذا كان الجماد يعرف قيمة الذاكر، ويزهو ويفتخر به، فإذا صرت ذاكراً، كيف يزهو قلبك ويزهر؟ وكيف ستفرح وتحيا روحك وتتنشَّط؟ كيف ستجعل من قلبك مستودعاً ومكتبةً للعلم الربَّاني والحِكم؟ عندها سيحيي اللهُ عز وجل القلوبَ بكلامك وتعشقك الأرواح وتنجذب إليك كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس، أمَّا شهادة الأزهر وكلية الشريعة والكلام الذي على الورق الأبيض بالحبر الأسود، فهذا صورة وجسم العلم.. كما لو أتينا لك بعروس بجسم بلا روح، وكفنها جميل ومعطرة بأحسن نوع من الكافور، وجسدها في الشتاء يابس كالخشبة، ونضعها لك في الفراش، وعندما تنظر إليها ترى بصرها شاخصاً.. من الممكن حينها أن يصيبك شللٌ من الصدمة، مع أنها عروس.. فكيف إذا كانت رفاتاً أو هيكلاً عظميَّاً! عليكم أن تجدُّوا وتجتهدوا في الحياة، فالحياة منام وغرور، ولا يعرف الإنسان الحقيقة إلا عندما يفصّلون له الكفن ويضعونه في التابوت.. وكلنا ذلك الشخص ولا مهرب من هذا.. نسأل الله ألّا يجعلنا نهرب منها، وأن يجعلنا ممن نشتاق إليها، وأن يجعلها خير أيامنا وخير ساعاتنا ((الْمَوْتُ تُحْفَةُ المُؤْمِنٍ)) 9 .
يمحو الله بهن الخطايا
وقال ﷺ: ((مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ عَذْبٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا يُبْقَي ذلِكَ مِنَ الدَّنَسِ؟)) 10 ، معنى عذب: أي حلو وليس مالحاً.. إذا كنت تغتسل كل يوم خمس مرات ماذا يبقى معك من الأوساخ؟ الأوساخ التي هي أوساخ الذنوب والغفلات والمعاصي، والصلاة بحقيقتها أن تنتهي من الصلاة وأنت مشتاق إلى الله عز وجل ومملوء قلبك من جلاله وخشيته، فلا تخطر ببالك بعدها المعصية ولا الخطيئة ولا الذنب، ولو مجرد خاطر.
يؤثرون عذاب الدنيا لينجوا من عذاب الآخرة
لم يكن الصّحابة رضوان الله عليهم يعرفون الذنوب والخطايا، وكان إذا أخطأ أحدهم يعترف بخطئه، فماعز والغامديَّة حين زنوا جاؤوا واعترفوا للنَّبيِّ عليه الصلاة والسلام، والنَّبيُّ ﷺ قال له: ((لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ لَمَسْتَ)) 11 قال: لا، قال ذلك إيثاراً لعذاب الدنيا الذي هو الإعدام بالأحجار لينجو من عذاب الآخرة، هكذا كان المسلمون، وهؤلاء هم في أدنى الدرجات، فكيف كان إسلام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ وكيف كان إسلام المهاجرين والأنصار؟ أين إسلامنا منهم؟ إذاً فنحن نحتاج للذِّكر والرابطة، فما الذي جمع سيِّدنا أبا بكر رضي الله عنه مع النَّبيِّ ﷺ؟ هذه هي الرابطة؛ رابطة الحب.. تُربط البقرة بالحبل أمَّا ابن آدم لا يُربَط بالحبل إنـَّما يرتبط بالحب.. فمن سحبكم أنتم؟ فهل سحبكم أحد إلى الجامع بحبلٍ؟ لا، إنما جئتم برابطة الحبّ في الله عز وجل ورابطة الإيمان، فهذه الرابطة التي يجب أن تقوُّوها بحيث لو جاءك خمسون جرَّاراً وربطوك بسلاسل ثخينة جداَ لا يستطيعون أن يسحبوك.. نسأل الله عزَّ وجلَّ ألا يقطعنا عنه ولا عن ذكره ولا عن أحبابه.
غُفر له ما تقدَّم من ذنبه
وقال ﷺ: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيءٍ – فمن يُحدِّث؟ يحدث ويُناجي ربَّه ويناجيه ويُحدِّثه ربُّه- قال: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) 12 ما معنى غفر له؛ أي صار قلبه مع الله، ولا يصير قلبك مع الله سبحانه وتعالى إذا كان فيه سواد أو كان فيه ظلمة المعاصي أو فيه نتن، فلا يصير لك هذا الحال حتَّى تكون صحيفتك بيضاء كالشَّمس، وهذا يحتاج إلى ذكر ومدرسة الذكر وصحبة أهل الذكر والفناء والحبّ.
أنا فيما مضى صرتُ صيَّاداً، فأحببت الصيادين وكنت أخرج في كلّ أسبوع، وكان لشيخنا بعض المريدين في حرستا [منطقة في مدينة دمشق] وكانت لي أيَّامٌ حافلة هناك، فأتنشط وأتريض.. فالشاهد من هذا أنه بلا رابطة ولا حب لا يصير أي شيء، فالذي صار حشاشاً أو يشرب الخمر صار بالرابطة والحب، وكذلك العالم والولي والقطب والصّدّيق والشيوعيَّ كلهم صاروا بالرابطة والحب، وقال ﷺ ((مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَلَا تَغْتَرُّوا)) 13 ولا تغتروا: يعني إذا صرت نظيفاً وأنقى من ماء السماء، فاحذر أن تعود وتتلوَّث، بل يجب عليك أن تحافظ على نظافتك ولا تغتر بأن الله قد غفر لك وتظن بأن الأمر قد انتهى، ثم تعود إلى المعاصي والموبقات، فالذي يصل إلى مرتبة ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه لن يرجع، قالوا: “ما رجع من رجع إلا من الطريق، وما رجع من وصل”، فالذي يريد أن يصل بقلبه إلى الله تعالى بالحضور حتّى يصير ملكَةً له، فهذا وظيفته أن يذكر الله عزوجل كلَّ يوم خمس وعشرين ألف مرَّة وهذا أقلُّ الدرجات، أما الزيادة فليس لها حد، وهذا هو المريد، أما إذا أردت أن يكون لك نسبة إلى أهل الله؛ أي أن تنتسب إليهم فعليك أن تذكر الله تعالى كل يوم خمسة آلاف مرة [الله، الله] تجريها على قلبك مع حضور المسمَّى، تجلس تذكره في نصف ساعة أو ثلاث أرباع السّاعة أو ساعة تجلسها مع الله وسترى الانشراح والسرور، وكيف سيتغير نطقك وخُلُقك، من هنا نبدأ.. هل فهمتم يا طلاب العلم؟ لا تنغرُّوا باللحية والجبَّة والعمامة والشهادة والخُطبة!
لأصحابِ المنابر!
قيل
فرض على من يصعد المنبر أن يترك الفحشاء والمنكر ويفعل القول الذي قاله ويُحسِن السر الذي أضمر
أي يكون ضميره وقلبه طاهراً من الداخل، فلا يكون في الخارج حسناً بينما داخله سيئاً، وأن تكون سريرته أحسن من علانيّته.
سأل أحد المريدين العلماء شيخه متى يجوز للشخص أن يقوم بالوعظ والإرشاد؟ قال الشيخ له: عندما يصير كلما أراد أن يتكلَّم تكلم من قلبه عن ربه؛ أي إذا تكلَّم كان في منتهى حضور القلب مع الله عزوجل، فلا يشعر بنفسه وإنما يشعر بالله تبارك وتعالى؛ كقولهم: “فإن تكلَّمت لم أنطق بغيركمُ”، عندها يجوز له أن يعظ ويرشد، أما الذي حين يخرج من درسه أو خطبته يسأل الناس كيف كان درسي وخطبتي؟ أو كيف كان كلامي؟ فهذا الذي يطلب وجوه الناس، أما الآخر: يتكلم ويخاف ألا يُقبَل منه، يتكلَّم ويعظ ثم يبكي بعد ذلك؛ لأنه يخاف أن يؤاخذه الله عز وجل على شعوره إذا شعر مثلاً بأنه أناني أو كان له حظ من حظوظ نفسه.
والله يا بني، كثيراً ما حصل أنه بعد أن أعطي الدرس أعود فأبكي وأستغفر الله عز وجل.. وأحياناً للحظة أشعر لنفسي شيئاً، فأُحِسُّ أن ظهري قد انقطع، فيجب ألا يغيب الانسان عن ربه.. أجاز أحد الشيوخ مريده بالوعظ والإرشاد وكان حاَضَراً في أحد خطبه، فجاء رجل فقير مسكين أثناء الخطبة، وقال لهم: يا مسلمين أنا عريان فليعطيني أحدكم كِساءً، فخلع الشيخ الذي كان يخطب جُبَّته أو عباءته وأعطاه إياها، وكان شيخه موجوداً، فقال له: انزل يا كذَّاب؛ أنت قلت إنك تصلح للتدريس وللخُطبة، وأنت لا تصلح لذلك فانزل من على المنبر.. ما رأيك؟ هل تستطيع أن تتحمل أن يقول لك شيخك انزل من على المنبر؟ لا يتحمَّل ذلك إلا المريد الصادق، ولا يصير المريد مريداً إذا لم يمتحن.. قام الشيخ بتوبيخه وقال له: انزل يا كذَّاب، وتركه الشيخ وذهب، فلحق به وقال له: قل لي ما ذنبي؟ قال له: ألم تعرف ذنبك؟ أنت لا تصلح للتدريس، ولو كنت تصلح لذلك لما أعطيت الجُبَّة للفقير، قال له: يا سيدي ولكنه مسكين عريان، قال له شيخه: لو كنت صادقاً في رحمة الخلق لانتظرتهم حتى يبادروا هم بإعطائه ويكسبوا الأجر والثواب ومغفرة الله تعالى لهم، فأسرعت وفعلت ذلك بأنانيَّة حتى تأخذ الأجر والثواب وحدك، وتتركهم بلا أجر ولا ثواب، فأنت أناني ولست من الذين ﴿يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾ [سورة الحشر: 9] ولذلك أنت لا تصلح للوعظ والإرشاد.. من يفهم هذه اللغة في هذا الزمان؟
مرة قام الشيخ بتوبيخي وبقي يتكلَّم عليَّ ويوبِّخني الدّرس كلَّه من أوله لآخره، والله ما وقع في قلبي ذرَّة عتب على الشيخ أو نقد، فالنقد والعتب كان على نفسي، وعندما انتهى وضعت يديَّ في جيبي وإذ معي نصف ليرة ذهبية- وكانت الليرة الذهبية حينها بخمس ليرات سورية ونصف- فقمت بتقبيل يد الشيخ وقدمتها له، قال لي: ألم تنزعج؟ قلت له: والله لو ضربتني بنعلك سيكون على قلبي برداً وسلاماً.. ماذا دخل في قلب الشيخ حينها؟ فأن تحصل على شيء من دون ثمن لا يمكن.
حين مرض شيخنا -قدَّس الله روحه- أخذناه إلى طرابلس للمعالجة وكان هناك دكتور بعد أن عالجه قال لي: أنت ماذا تقربه؟ قلت له: ابنه، قال لي: والدك لن يُشفى من مرضه ولا فائدة من العمل الجراحي لأنَّ قلبه ضعيف لا يتحمل، وقال لي: يمكن أن يعيش شهر أو شهرين.. وأنا ما أحببت أحداً بعد الله ورسوله أكثر من حبي لشيخي، من جهة التأثُّر تأثُّرت، ولكن من جهة أخرى فرحت وقلت: لم يتبقَ سوى شهرين فعليك أن تضاعِف الخدمة في هذين الشهرين بأقصى الطاقات حتى تنال الرضا والبرَّ، وبعد أن نويت ألهمني الله بأننِّي أناني، وأنَّ أخواتي مقصِّرين بخدمة الشيخ وأنت بذلك سوف تستأثر وحدك بالخدمة، هل هذه المروءة؟ هل هذا النُبُل والإنصاف؟ وأنا فكَّرت ألا أكلِّم أحداً بهذا الأمر وأن أترك الأمر كُلُّه لي، فجمعتهم كُلُّهم وأخبرتهم بالأمر وقلت لهم: اكسبوا البر، ولكن لم تتيسر الخدمة لأحد منهم وبقي الأمر لي، وأنا أعذرهم لأنهم أصحاب أشغال وأسفار وأعمال.. شتان بين من يحرص على هذا، ومن يحرص على ذاك.. أسأل الله أن يرزقكم الكمال.
راعي غنم
وقال سيِّدنا رسول الله ﷺ: ((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ الْجَبَلِ – على رأس صخرة بارزة- يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ)) 14 ، وورد في الحديث ((لاَ يَسْمَعُ صَوْتَهُ شَجَرٌ وَلاَ مَدَرٌ وَلاَ حَجَرٌ وَلاَ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ)). 15 يشهد له الشجر والحجر والمدر وكل شيء ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة النور: 24] في رواية: ((وبقاعَ الأرضِ))، ((فمَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها، خطاياهُ وذنوبَهُ)) 16 ، يمحي أثر الخطيئة، فكله الآن يُسجَّل، وكل ما حولك يُسجِّل من جماد أو غير جماد قال: ((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ الْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي-يصلِّي كما علَّمهم وكما أمرهم النَّبيُّ ﷺ- فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّي)) مملوءٌ من خشية الله ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة الزمر: 13] ((قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ)) 17 ، فإن كان أحدكم في البَريَّة فليؤذن ويقيم الصلاة -ولو لم يكن راعياً- ويستشعر القيامة قبل الصلاة، والوقوف بين يدي الله عز وجل وحسابه له، وكيف ستعرض صحائف أعماله على الله تعالى في كتاب ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [سورة الكهف: 49]، يستشعر وكأنه مات، وكل شيء سيسجِّل في هذا الكتاب؛ دكانه وبستانه وأملاكه وسفره وحضره ووظيفته ومقامه ومُلكه.. كل ذلك يا بني مناماً، وليس معنى ذلك أن نترك الدنيا، فالدنيا ضروريَّةٌ؛ لأننا نريد دنيا ومالاً ورجالاً وعقولاً، ونريد من يهب نفسه وروحه لله تعالى ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ [سورة آل عمران: 35] قالت: “وهبته لله تعالى” من قبل أن يُخلَق الولد ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة آل عمران: 35] ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [سورة آل عمران: 39] ماذا أصبحت؟ بعد بلوغها بشهرين، صارت تشهد الملائكة وتسمع تسليمهم، فكم عمر من مضى على بلوغها شهران؟ ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [سورة مريم: 17]
خلوتنا في جلوتنا
يجب أن يحُجب قلبك عن كل شيء في الوجود ولا يتعلق إلا بالله وحده.. لم يكن في الطريقة النقشبندية خلوة من قبل، كان أول من أوجدها مولانا خالد النقشبندي، فقد كانوا يقولون: “نحن خلوتنا في جلوتنا” وكانت الخلوة هي صحبة الشيخ وخدمته وملازمته ومجالسته بالجسم مع القلب أو بالقلب إذا بَعُدَ الجسم، وهذا معنى من معاني الحب، مثلاً: إذا أحببت الآن أي محبوب، كحُبِّك لزوجتك هل هو حرام؟ وإذا أتت صورتها دائماً في مخيِّلتك فهل هذا حرام؟ أو مثلاً: إذا اشتريت سيارة جديدة “أحدث موديل” فكلما جاءك أحدٌ قلت له: تعال وانظر إلى السيَّارة، وإذا تكلَّم أحدهم عنها أو نقصها أو ذمها فهل تستطيع سماعه؟ أم تقول: هذا من حسده، وتُحب أن يُقال لك: “لا شيء أحسن منها، وما شاء الله أنت صرت باشا!”، إذاً من أحب شيئاً أكثر من ذكره، “فالخلوة في الجلوة”.. وقال بعضهم: هذا اجتهاد وهذا الرأي يرجع للشيخ [أي في إقامة الخلوة أو عدمها].. فإذا كان المريد صادقاً في الحب وفي الذكر ذكر الله في كل الأوقات، كما قال أحدهم:
في حبِّكم رمضان عمري كُلُّه ما بين إحياء وطي
فهناك من المريدين من سلك بالذكر، ومنهم من سلك بالحب، فبالحب شغل الله قلوبهم بذكره، أمَّا القرآن فحُبٌّ وذكر ﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِه﴾ [سورة التوبة: 24]. ومعنى “بأمره” أي بعذابه، فأنتم معرَّضون للعذاب ما دمتم تحبُّون شيئاً من ملذات الدنيا أكثر من الله ورسوله والجهاد؛ سواءٌ أكان الجهاد الأكبر أو الجهاد الأصغر، هذا هو القرآن وهذا هو الإسلام وهذا هو الحب، فالحب خلوة قال
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سرٌّ أرق من النسيم إذا سرى
لا أحد يرى هذا السِّرَّ لأنَّه أرقُّ من النسيم، لا يراه إلا أصحاب البصائر والقلوب.
إذا قام العبد المؤمن إلى الصلاة
وقال ﷺ: ((إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ، وُضِعَتْ ذُنُوبُهُ عَلَى رَأْسِهِ)) 18 هذا العبد المؤمن.. أسأل الله أن يجعلكم عبيداً لله عز وجل، والعبادة: هي استعمال جسدك في طاعة الله عزوجل، والعبودية والعبودة: هي إشغال قلبك بعبادة الله تعالى، وبأي شيء تكون عبادة القلب؟ بالذكر، فالعبد هو الذي يحقق العبادة والعبودية.
قال: ((إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ، وُضِعَتْ ذُنُوبُهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَتَفَرَّقُ عَنْهُ كَمَا تَفَرَّقُ عُذُوقُ النَّخْلَةِ يَمِينًا وَشِمَالاً)) وُضِعَتْ ذُنُوبُهُ عَلَى رَأْسِهِ: ماذا يحصل لو وضعنا حبيبات دائرية على رأسك؟ تتساقط.. فَتَفَرَّقُ عَنْهُ كَمَا تَفَرَّقُ عُذُوقُ النَّخْلَةِ يَمِينًا وَشِمَالاً: فكيف تتفرَّق قضبان النخل يميناً وشمالاً هكذا الذنوب تبتعد عن المصلي وتتفرق كما تتفرق عذوق النخل عن شجرة النخل ((إِنَّ الْمُسْلِمَ لِيُصَلِّيَ وَخَطَايَاهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَكُلَّمَا سَجَدَ تَحَاتَّتْ عَنْهُ، فَتَفْرُغُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلاتِهِ، وَقَدْ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ)) 19 ((وإنَّ المصلي ليَقْرَعُ بَابَ الْمَلِكِ وَإِنَّهُ مَنْ يُدم قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ)). 20 ((وَمَوْضِعُ الصَّلاةِ مِنَ الدِّينِ كَمَوْضِعِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ)). 21 الصلاة هي الأساس، لكن لمن يُحسن الصلاة، فصلاة الجسد سهلة أما أن يصلي قلبك فهذا هو الأمر الصعب، فأين يذهب قلبك وقت الصلاة؟ قلبك ضائع وسائح في أودية الحياة الدنيا، عليك أن تُعيده إلى الجامع، فلا يكن جسمك في الجامع وقلبك خارجه.
اللهم يا مفتِّح الأبواب افتح قلوب أهل الله لنا حتّى نلجها ونكسب محبّة الشّيخ.. ويكسب الشّيخُ قلبَك؛ فلعله إذا طار يطير معه، وإذا عرج يعرج معه وإذا فاضت الحكمة وأنت معه يصيبك ما أصابه.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- ) مصنف عبد الرزاق، رقم: (150)، (1/49)، تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر، رقم: (160)، (1/199) عن الحسن مرسلاً. الصلاة للإمام أحمد، (1/111). التهجد وقيام الليل، لابن أبي الدنيا، رقم: (418)، (1/437).
- سنن الترمذي، كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، رقم: (889)، سنن النسائي، كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة، رقم: (3016)، سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، رقم: (3015)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18796)، (4/309).
- رواه أبو داود أول كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، ورواه الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). ورواه ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223).
- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج الإحياء للعراقي، رقم: (4)، (1/17)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 290)، اللؤلؤ الموصوع فيما لا أصل له للقاوقجي، رقم: (115)، ص: (57)، بلفظ: ((من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر)).
- كنز العمال، رقم: (20084)، (7/526)، وذكر أن الحديث أخرجه سعيد بن منصور عن أبي عمار.
- صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم: (482)، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود، رقم: (875).
- صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ وقوله جل ذكره ﴿تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك﴾، رقم: (6970)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم: (2675) سنن الدارمي، من كتاب الرقاق، باب حسن الظن بالله، رقم: 2731).
- المعجم الأوسط، رواه الطبراني، رقم: (562)، (1/177)، حلية الأولياء، أبو نعيم، (6/174).
- المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم:(7900)، (4/355)، وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وتعقبه الذهبي بأن أحد رواته ضعيف، الحلية، أبو نعيم، (8/185)، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (9418)، (12/292). مسند الشهاب، القضاعي، رقم: (150)، (1/120).
- صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، رقم: (668)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (14896)، (12/166).
- صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت، رقم: (6438) مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم:(2129)، (1/238).
- صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء، رقم: (162)، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، رقم: (226).
- رواه البخاري كتاب الرقاق، باب قول الله تعالى: ﴿يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ جمعه سعر قال مجاهد: {الغرور} الشيطان، رقم: (6069).
- سنن النسائي، كتاب الأذان، باب الأذان لمن يصلي وحده، رقم: (666).
- صحيح ابن خزيمة، رقم:(389)، (1/203)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (11411)، (3/43).
- كنز العمال، رقم: (10166)، (31/303)، بلفظ: ((للَّهُ أفرَحُ بتوبةِ التَّائبِ مِنَ الظَّمآنِ الواردِ ومنَ العقيمِ الوالِدِ، ومنَ الضَّالِّ الواجدِ فمَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها، خطاياهُ وذنوبَهُ)). (أبو العباس بن تركان الهمذاني في كتاب التائبين عن أبي الجون). مرسلاً.
- رواه أبو داود كتاب الصلاة، باب الأذان في السفر، رقم: (1203)، ورواه النسائي، كتاب الأذان، باب الأذان لمن يصلي وحده، رقم: (666).
- المعجم الكبير للطبراني، رقم:(6088)، (6/236). حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/367)، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (2875)، (4/503).
- شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (2875)، (4/503).
- مسند الفردوس للديلمي، رقم: (760)، (1/55)، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (2879)، (4/505).
- المعجم الصغير للطبراني، رقم: (162)، (1/113). مسند الشهاب، للقضاعي، رقم: (268)، (1/182).