ابتلاء الله تعالى للمؤمنين
درسكم الآن في سورة محمد ﷺ، يقول الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ [محمد:31]، يُخاطب المؤمنين، بعد أنْ تخرَّجوا في مدرسة الإيمان، ودرسوا برنامجهم السماوي، وبعد الدراسة يأتي الفحص، فقال: لَنَفحَصَنَّكم ولَنَختَبرنَّكم.
قال: بأيِّ شيءٍ؟ ما هي المادَّة؟ قال: بعد أنْ يُبْنَى الإسلام على العلم، وهذا العلم هو علوم القرآن التي هي دراسة الأمم السابقة مع أساتذتها وأنبيائها، لنرى كيف سَعِد مَن قَبِلَ العلم والحكمة وتزكية النفس وكيف نجح في الدنيا على هذا الكوكب، وانتقل إلى سعادة الخلود والأبد في عالَم السماء.
فيقول الله عزَّ وجلَّ: نريد أنْ نفحصكم هل وصلتم إلى نهاية الدراسة؟ ومادة الفحص تكون بعد أنْ يحوز المسلم على علوم القرآن، وبعد أنْ يتلقَّح عقله بالحكمة.. والحكمة تدخل في كل شيء في الحياة، مِن أحقر أمور الحياة إلى أعظمها، مِن تقليم الأظافر وتنظيف ما بين الأسنان، إلى علوم الفضاء وعلوم كل ما في كوكبنا الأرضي.
الحكمة قسمان علمية وعملية
والحكمة في كل شيء قسمان
– العلمية: وهي أنْ تدرس كل شيء تريد أنْ تعمله بكل جوانبه وبكل أبعاده وحقائقه، وتعرف ارتباط المسبَّبات بأسبابها، والنتائج بمقدماتها، حتَّى تتبيَّن لك الأمور بعقلك وإدراكك، قبل أنْ تراها بعينك وبواقعها.. هذه هي الحكمة العلمية.
– والحكمة الثانية العملية: وهي أنْ تطبِّق ما يجب تطبيقه، بأنْ تفعل ما ينبغي وما يجب عمله، في الوقت الذي ينبغي، وعلى الشكل والتخطيط والخريطة التي تنبغي، وهذه الحكمة هي ثُلث الإسلام.. فالعقلُ الحكيم ودراسةُ القرآن دراسة ثقافةٍ وفهم ونظر في الكون، ونظر في النفس وفي الجسم وفي كل شيء في الوجود، لتعرف كيف تتعامل مع هذا الكون الذي تعيش في أجوائه وفي محيطه، ولتعيش عيشة السعداء الناجحين، ريثما تنتقل من بطن الأرض ورَحِمِها، إلى العالَم الذي لا حدود له، ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران:133]، هذا العرض، فكيف الطول! ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة:17].
امتحان الله للمسلم
قال: نريد أنْ نفحصكم ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ [محمد:31]، ما معناها؟ وما مادة الفحص؟ قال: بثلاثة أشياء.. فبعد أنْ تصير مسلمًا عالِمًا بكل ما يسعدك معرفته من أمور الدنيا والجسد، ومن أمور السماء والروح، وبعد أنْ يُبنَى عقلك على الحكمة، كما شرحتُها لكم، وبعد أنْ تتزكَّى نفسك، فتبدِّل برذائل أخلاقها فضائلَها، وبنقائص النفس كمالاتِها، وما يشقيك فيها من أخلاق وصفات، إلى ما يسعدك في النفس من أخلاق وصفات.
وهناك جهادان
– جهاد النفس والهوى، وسماه النَّبيُّ ﷺ الجهاد الأكبر.
– والجهاد الأصغر: هو الجهاد في سبيل الله ، أو الجهاد المُقَدَّس، والجهاد المقدس ليس جهادًا للاستيلاء على الشعوب وإذلالها ونهب ثرواتها واستعبادها وتفريقها وتمزيقها، بل الجهاد في سبيل الله يعني في سبيل تعميم العلم لكل شعوب العالَم، ولكل أبناء البشرية، ثمَّ تعميم الحكمة، وهي نقلها من الخرافات والأوهام والأباطيل إلى الحقائق العلمية والحقائق الواقعية، المنظورة والمشهودة.
وجوب البحث عن الحقيقة
((الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ)) ، يعني الحقيقة، فيجب أنْ تفتش عن الحقيقة، وأنْ تجاهد لتعميم العلم على الناس، ولتعميم عشق الحقيقة على كل أبناء البشرية.
﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة:129]، هذا هو الشيء الثالث الذي يجب الجهاد المقدس لأجله، وهو لتحويل الإنسان من شرير إلى إنسان خيِّر، ومن ظالم إلى عادل، ومن كاذب إلى صادق، ومن خائن إلى أمين، ومن متكبر على الناس إلى متواضع خادم لهم.
[الشيء الأول الذي يجب الجهاد لأجله هو تعميم العلم، والثاني تعميم الحكمة، والثالث: تزكية النفوس ونشر مكارم الأخلاق].
هذا هو الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وهذا هو سبيل الله، مع تعميم العدل والمساواة لكل طبقات الشعب بقطع النظر عن أديانهم، فيجب العدل بين المسلم وغير المسلم، فكلهم سواء في ظل الحكم الإسلامي، ولا تفاضل في العدل والعدالة والحقوق بين مسلم ويهودي ونصراني ومجوسي.
كما يقول النَّبيُّ محمد ﷺ عن أبناء البشرية والمخلوقات: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ)) عائلة الله عزَّ وجلَّ، ((وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)) .
فأيُّ مبدأ وأي فلسفة في هذا العالَم منذ خُلق العالَم أتى بهذه الرسالة؟ لقد كان من مخيلات الفلاسفة بناء المدينة الفاضلة، أمَّا الإسلام الممثَّل في شخص سيِّدنا محمد ﷺ فاستطاع أنْ يبني نصف العالَم الفاضل وأنْ يوحِّده، فرفع القوميات، ورفع الحدود السياسية والجغرافية والفوارق اللونية، وعدل بين الناس بلا فوارق، وصاروا من حدود الصين إلى حدود فرنسا أمة واحدة، ((لا فَضلَ لأَبيضَ عَلى أَسودَ، وَلا لِعَربيّ عَلى أَعجَميّ)) ، ولا لقومية على أخرى إلَّا بالعلم والعمل.
ما قومية الإسلام؟
قال: فنريد الآن أنْ نفحصكم، هل صرتم مجاهدين في سبيل نشر العلم والحكمة وتزكية نفوس شعوب العالم وترقيتها؟
قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ [محمد:31]، حتَّى يظهر من نتيجة الفحص مَن المجاهد المضحِّي، الباذل لروحه وماله، والمفارق لزوجته وأولاده ووطنه، الذي يركب البحار الخطرة، والصحارى والفيافي المحرقة، ويصعد الجبال ويهبط الوديان لا من أجل ما فعلَتْ إنجلترا في أستراليا، حيث قتلت شعبها، وتملكت وطنها، وكأنَّ الإنسان حشرة أو ثعبان.. أمَّا الإسلام فلما فتح وجاهد صار الهندي والباكستاني والأفغاني والإيراني والإفريقي وإلى الآن، وكل من يدخل في جنسية وقومية العلم والحكمة والتزكية كلهم سواء.
هذه قومية الإسلام، قومية العلم والأخلاق والعقل الحكيم، فأيُّ إنسان في العالم يستطيع أن لا يتعشق هذه القومية والجنسية! وهذه الرسالة الربانية السماوية أُرْسِلت مِن خالق الذرة وخالق المجرات وواضعِ نظامِ كلِّ شيء في هذا الوجود.. مَن الذي رَكَّب الهواء من آزوت وأكسجين ونيتروجين وغازات كلها بنسب محددة؟ هل روسيا أو أمريكا أو فرنسا؟ من أحاط الأرض بدرع الأوزون ليقي الحياة من الإشعاعات القاتلة التي تأتي من النجوم؟
هذا الخالق العظيم والرب الكريم، الذي يقول عنه النَّبيُّ الكريم ﷺ: ((إنَّ اللهَ خَلقَ مِئةَ رَحمةٍ، أَودعَ مِنها عَلى هَذا الكَوكبِ رَحمةً واحِدةً، وبِهذِه الرَّحمةِ تَرفعُ الفَرسُ حافِرَها عَن مُهرِها وابنِها، حتَّى لا تَطأَه بِرِجلِها، وادَّخرَ تِسعًا وتِسعِينَ رَحمةً إلى يَومِ القِيامةِ)) ، ويُضِيفُ إلَيها رَحمةَ الدُّنيا لِيَرحَمَ بِها الإنسانَ، ويَرحَمَ بِها عِبادَه.
الدين الحق سبب لسعادة الدارين
هذا هو الدين، أمَّا بلا دين فالإنسان يعتقد نفسه مثل الحيوان ومثل الحمار، الحمار يأكل فهو يأكل، يشرب فيشرب، يتزوج فيتزوج، وتأتيه ذرية جحاش، وهو أيضًا تأتيه ذريةً، ثمَّ ينقلب إلى جيفة وتنتهي الحياة، هذا عقل رجعي.
أمَّا الدين فيقول له: هذه نقطةٌ من الحياة، وأمامك بحرٌ من الحياة، حياةٌ لا حدود لامتدادها، ولتكون سعيدًا وتعيش في جو السلام والحب والإخاء فأعمالك على هذا الكوكب مسجَّلةٌ، وستُكافَأ على الخير بالخير، وعلى الشر بالعقوبة، ولو كان الخير مثقال ذرة فستُكافَأ عليها، ولو كان من الشر مثقال ذرة فستُعاقَب عليها، فلمَّا تحقَّقت هذه الثقافة في زمن النَّبيِّ ﷺ في الواقع أقام أُمَّة مُوَحَّدةً في الجزيرة العربية في عشر سنوات، وأقام الدولة بلا جيش وبلا محاكم وبلا قضاة، وبلا شرطة ولا سجون، وهو إنسان واحد، هذا هو دين الله عزَّ وجلَّ الذي جهله الإنسان في هذا العصر، وحتَّى الأكثرية الساحقة من المسلمين إلَّا النادر جهلوا إسلامهم، فضاعوا وأضاعوا العالَم، وعندما عرف المسلمون الأُوَل الإسلام سعدوا وأسعدوا العالَم، وتعلَّموا وعلَّموا العالَم، وتوحَّدوا ووحَّدوا العالَم، وتحضَّروا وتقدَّموا وحضَّروا وقدَّموا العالَم.
الإسلام وحَّد الإنسانية
قال: نريد أن نفحصكم، هل صرتم مجاهدين؟ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ﴾ [محمد:30] يعني حتى نرى، ويرى الناس أنَّكم جديرون بحمل شهادة الجهاد والتضحية في سبيل إسعاد الإنسانية وسلامها وإخائها وتوحيدها كجسد واحد، إذا مرض عضوٌ منه يسهر الجسد كله، وتصيبه الحمى من أجل عضوٍ صغير .
هكذا شبه النَّبيُّ ﷺ هدف الإسلام في وحدة العالَم، كالجسد الواحد، فيتألم الجسد كله من أجل عضو صغير.
فأصغر شعب يجب في التشريع الإسلامي أنْ يهتم كل العالَم به، فإنْ كان فقيرًا يُسعَف بالمال، وإنْ كان جاهلًا يُسعَف بالعلماء والمدارس، وإنْ كان في وباء يُسعَف بالعلاج، وإنْ كان في قتال وحروب ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا﴾ لا تتحيَّزوا لفئة دون فئة، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:9-10]، فيصير الياباني أخًا للأمريكي، ويصير الروسي أخًا للعربي، ويصير الصيني أخًا للإفريقي.. هذه رسالة القرآن، قال: وهي لا تكون إلَّا بالجهاد والنضال والتضحية بعد أنْ تجاهد نفسك وتتغلب على أنانيتك وأهوائك ومصالحك الشخصية، وتذيبها في المصلحة العامة، لا العائلية ولا الوطنية فحسب، بل في سبيل العائلة العالمية، هذا هو الإسلام القائم على العلم والحكمة ومكارم الأخلاق وتزكية النفس وتهذبيها.
امتحان الله تعالى للذين جاهدوا
قال: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ﴾ [محمد:31] قد يجاهد، ولكنْه لا يصمد في المعركة، قال: نريد أنْ نفحصك فحصًا آخر بعدما دخلت الجهاد، هل تصبر وتصمد؟ في هذا الفحص كثيرٌ ممَّن جاهدوا انهزموا، سواء في الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى، أو الجهاد الأصغر، فيجب أن لا يفرَّ من المعركة، فالفرار كذلك له شروط، فإنْ تحمَّل فوق الطاقة ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال:66]، أوجب على المسلم أنْ يواجه القوة إذا كانت مضاعفة ضعفين، أمَّا إذا زادت على الضعفين فلا يجب عليه الجهاد، أمَّا إذا أراد أنْ يتبرَّع فهذا من اختياره وإرادته.
والفحص والنجاح لا يكون فقط في الجهاد والصبر، بل يجب أنْ تنجح في الجهاد، ويجب أنْ تنجح في الصبر والصمود على المكاره.. كان أحدهم في المعارك يصاب بسبعين جرحًا ولا ينهزم، وكان يُقطَّع ويُحرَّق في سبيل عقيدته ولا يتراجع.. وهذا الامتحان ليس فقط في الجهاد، فالجهاد وحده قد يفشل، وقد يصبر، ولكنْ لا ينجح، فليس المهم الجهاد وليس المهم الصبر، بل المهم النجاح، وليس المهم أنْ تُقاتل، بل المهم أنْ تنتصر، وليس المهم أنْ تتاجر، بل المهم أنْ تربح، وليس المهم أنْ تزرع وتغرس، بل المهم أنْ تحصد وتقطف الثمار ممَّا غرست.
الامتحانات الإلهية في الجهاد
هل فهمتم؟ كم فحصًا يوجد؟
أولًا: النضال والجهاد والتضحية، هذا واحد.
وثانيًا: الصمود والصبر وعدم التراجع في سبيل نشر العلم والحكمة وتزكية نفوس العالَم، والآن كلُّ شيء تقدَّم به الإنسان وترقَّى، وبماذا ترقَّى؟ ترقَّى في وحشيته وفي جرائمه وفي عدوانه وظلمه، فالشعوب القوية المتقدِّمة في التكنولوجيا تتعدَّى على الشعوب الضعيفة، سواءٌ في أرضها، أو على شعوبها، أو على منتجاتها، أو في تمزيقها وتفريقها، وتجاهد لأجل هذه الغاية، أمَّا الجهاد المقدَّس في القرآن فهو لتعميم العِلم على كل الشعوب، وتعميم العمل بالعقل الحكيم على كل الأمم، مع التعامل بمكارم الأخلاق؛ إذا حدَّث صدق، وإذا وعد وفَّى، وإذا اؤتمن كان أمينًا وأدى.
قال تعالى في الامتحان الثالث: ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31]، هل كان صَبرهم في الجهاد قائمًا على العلم والحكمة؟ فإنْ كان قائمًا على العلم والحكمة، تكون النتيجة النصر وتحقيق الهدف، لأنَّه ليس كل من جاهد وصبر ينتصر.
فجهاد الإسلام محقَّقٌ نصره، لأنَّه قائمٌ على قواعد بديهيةُ النصرِ ومضمونةُ النصر، لذلك ما هُزِم النَّبيُّ ﷺ في معركة من المعارك، لا في معركة العلم، فقد جعل الأُميِّين من أكبر العلماء والحكماء والأدباء، ولا في معارك النضال والحرب، فما هُزِم في معركة، وفي أحد خالفوا تخطيطه فانهزموا، لأنَّ تخطيطه قائم على الحكمة، فانهزموا لَمَّا خرجوا عن التزكية والمصلحة العامة إلى الأنانية والمصلحة الشخصية في جمع الغنائم.
لما تقرأ هذا يا بني تَذَكَّر أن الصحابة رضي الله عنهم حوَّلوا القرآن من الكتابة والقراءة إلى أعمال وأخلاق وواقع، فصاروا بذلك مسلمين، وصارت نساؤهم مسلمات.. والآن يجب أن تصير أنتَ مسلمًا وأنتِ مسلمةً.
معنى كلمة المسلم
وكلمة مسلم معناها هو الإنسان الذي استجاب لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وطبَّقها تطبيقًا كاملًا بكل صدق وإخلاص، فهذا اسمه مسلم، لأنَّه استسلم وانقاد لأوامر الله عزَّ وجلَّ.. أمَّا أنْ يأخذ لقب مسلم من غير هذه الحقيقة، فهذا كما إذا تلقبتَ بالوزير وقلت: “أنا وزير”، وأنت “زَبَّال” [عامل نظافة]، فإن لسانك لا يمتنع عن قول ذلك، أو إذا كنت فقيرًا وتقول: “أنا مليونير”، فإن لسانك لا يعصيك أيضًا.. لكنْ هل تستفيد من هذا الكلام شيئًا؟ كذلك المسلمون الآن في العالَم الإسلامي إذا وزنَّاهم على موازين القرآن، فنحن بعيدون عن الإسلام، ولذلك تخلَّف المسلمون، والتخلف بسبب البعد عن الإسلام، فصاروا جهلاء لبعدهم عن الإسلام وضعفاء ومتفرقين يقاتل بعضهم بعضًا، وسبب كل هذا هو البعد عن حقيقة الإسلام، وصار الإسلام ممثَّلًا في قول الشاعر حيث يقول
طَلعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللهِ
وقالَ: العِبادُ قد ظَلَمُوني
يَتَسمَّون بي وَحَقِّكَ لا أَعرِفُ
مِنهمُ أَحَدًا وَلا يَعرِفُوني
قال الدِّيْن: إنّ الإنسان والشعوب البشرية قد ظلموني، “يتسمون بي”: ينتسبون لي، ويقولون: نحن مسلمون، “وحقِّك”: أقسم بك يا رب وأحلف، “لا أَعرِفُ مِنهمُ أَحَدًا وَلا يَعرِفُوني”.
لا يجتمع إسلام وضعف، ولا يجتمع إسلام وجهل، ولا يجتمع إسلام وذل، ولا إسلام وتفرقة، ولا إسلام وظلم، ولا يجتمع إسلام وكذب وخيانة.
وهذه آية قصيرة من آيات سورة سيِّدنا محمد ﷺ، ثمَّ يتحدث عن الذين دخلوا المدرسة ودرسوا، ولكنْ لم يعطَوا الشهادة إلَّا بعد الفحص، فكيف إذا فحصناكم الآن بحسب مقتضى القرآن وفحصنا جهادكم؟
وقد بدأ النَّبيُّ ﷺ أولًا بالجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس والأنانية والمطامع والشهوات البهيمية، لينتقل الإنسان إلى الشهوات الفاضلة، وقد يُقطَع أحد المجاهدين في منتصف الطريق ولا يصبر، فيجب عليه أنْ يُمتحَن في الصبر، ويجب أنْ تصبر حتَّى النفس الأخير.
صبر الصحابة على العذاب
وكان النَّبيُّ ﷺ يمرُّ على المسلمين في أول الإسلام، والعرب يعذِّبونهم بالتحريق بالنار، فيوثِّقونهم على بطونهم فوق رمال الحجاز المحرِقة، ويضعون الجمر على ظهورهم حتَّى تنطفئ النار بما يذوب من شحومهم ليرتدوا عن الإسلام، ولكنَّهم ما ارتدُّوا، بل صمدوا.
فكيف صبروا وتحمَّلوا هذا العذاب؟ لأنه صار لهم من السعادة الروحية ومن الغذاء الرباني ما جعلهم يُخدَّرون عن الإحساس بآلامهم الجسدية، ولكن مع ذلك لا بد للإنسان من أنْ يشعر ببعض الآلام، فكان النَّبيُّ ﷺ يمر عليهم ويقولون له: يا رسول الله، إلى متى ونحن بهذا البلاء؟ فيقول لهم: ((صَبْرًا صَبْرًا)) .
محاربة الكفار للحق
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، حجبوا أنفسهم، كما يهيل الفلاح التراب، [ويَصُبُّه على ما يريد فيحجبه]، فهم أيضًا حَجبوا عن أنفسهم علم النبوة وحكمة النبوة وتربية الأخلاق النبوية، وما اكتفوا بأنْ حرموا أنفسهم، بل يريدون أيضًا أنْ يحرموا غيرهم: ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فكل من أراد أن يأتي إلى النَّبيَِّ ﷺ يمنعونه ويصدونه بالقوة وبالقول “وبالبَرْطِيْل” [بالرشوة]، وبعد ذلك بالحروب، وما اكتفوا بذلك، قال: ﴿وَشَاقُّوا الرَّسُولَ﴾ [محمد:32] فصاروا هم في جبهة، وجعلوا النَّبيَّ ﷺ في جبهة، وكل فريق صار في شقَّة، وذلك ليحاربوا الحقيقة، وليحاربوا طلوع الشمس، فإنْ أشرقت الشمس، وعمَّر شخص جدارًا بينه وبين الشمس، فإذا لم يرَ الشمس يقول: “أنا منعتُ الشمس عن الشروق”.. كلامه صحيح، ولكنه منعها عن نفسه وبقي في الظلام، أمَّا غيره فقد أشرقت الشمس عليهم وأشرقت على العالَم كله وعلى الدنيا كلها.
وهكذا يوجد أناس يريدون أنْ يصدُّوا عن سبيل الله عزَّ وجلَّ، ويشاقُّوا الرسول ﷺ، ويعادوا النَّبيَّ، أو خلفاء النَّبيِّ، أو ورثة النَّبيِّ ﷺ من العلماء العاملين والأولياء الربانيين، فيمنعون الخير عن أنفسهم أيضًا بكفرهم، ويُريدون أنْ يصدوا الناس عن سبيل الله، ويمنعوا النور عن الخلق، فيبقون هم يعيشون في الظلام، ويقعون في الحُفَر والآبار والوديان ويهلكون، والذي لم يضع سدًّا بينه وبين الشمس تمتَّع بضوئها ودفئها وحرارتها وبالحياة، حيث جعل الله عزَّ وجلَّ الشمس مصدر الحياة لسكان هذه الأرض.
فهل أنتم من الذين ﴿كَفَرُوا﴾؟ هذه واحدة، وإن خرجتم منها فهل أنتم ممن ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهذه أشد، أو ﴿وَشَاقُّوا الرَّسُولَ﴾ هل عاديتَ النَّبيَّ ﷺ؟ النَّبيُّ ﷺ ذهب، ولكنْ هناك أناسٌ اليوم يعادون ورثة النَّبيِّ ﷺ بأهوائهم وجهلهم وأنانيتهم ومصالحهم الحقيرة، وبشهواتهم الجسدية والحيوانية، مع أنه لا أفصح ولا أجمل ولا أعلم ولا أعقل من النَّبيِّ ﷺ، فهو مصدر الحكمة والنور والهدى وهو ((سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ)) .
مايكل هارد الأمريكي الذي ألَّف كتاب المئة، وانتخب مئةً من عظماء التاريخ في العالَم كله من حين وُجِد التاريخ، ورتَّبهم الأفضل فالأفضل، جعل الأفضل والأول محمد بن عبد الله ﷺ، والثاني نيوتن الإنجليزي صاحب الاختراعات المشهورة، والثالث سيِّدنا المسيح عليه السَّلام، وهذا ليس مسلمًا ولا عربيًّا.
أثر الرابطة الروحية
فهل يستطيع الإنجليزي أنْ يقول: إنَّ ضوء مصباح الكهرباء أفضل من ضوء الشمس؟ الحقيقة لا يستطيع أحد أنْ يُنكرها، وقد كان الناس لا يعرفون الحقيقة، والآن عُرِفت الحقيقة، ولكن بقي أنهم يحتاجون إلى قوة روحية لتجذبهم إلى الحقيقة، ولتترجَّح على شهواتهم الجسدية، وهذه لا تكون إلَّا بالمربي الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة وبالمزكي للنفس، وبشرط الارتباط، لأنَّ الفَرَكُوْن [مقطورة القطار] يجب أن يرتبط برباط قوي، فإنْ رُبِط بالْمَرسة [حَبْل صغير] وشُدَّ ماذا يحدث؟ ستُقطَع ويبقى في مكانه، وإنْ رُبط بحبلٍ ربما يبقى كيلومتر أو اثنين ويهتز ثم يُقطع بعد ذلك، أمَّا الرابطة التي لا تنقطع فهي أنْ يكون رباطه فولاذيًّا، ومهما حدث من اهتزازات أو صعود أو نزول أو سرعة أو إبطاء [يبقى الفركون أو المقطورة موصولاً بالقاطرة الرئيسة أو القطار المُحَرِّك]، وكأنَّه قطعةٌ واحدةٌ يسير بسرعته ويقف بوقوفه ويتحرك بحركته.
وهكذا كان ارتباط المسلمين برابطة الحب مع معلمهم سيِّدنا رسول الله ﷺ، وفي كل زمان إذا وُجِد العالِم الوارث المحمدي، وصارت بينك وبينه هذه الرابطة الفولاذية فحيثما وصل تصل، وحيثما اتَّجه تتَّجه
وَإذا سَخَّرَ الإلَهُ أُناسًا
لِسَعِيدٍ فَإنَّهم سُعَداءُ
وقال آخر
اغتنمْ صحبةَ الأفاضلِ واعلمْ
أنَّ في صحبةِ الصِّغارِ صَغارا
وابْغِ مَن في يمينِهِ لكَ يُمنٌ
وترى في اليسارِ منه اليسارا
“الأفاضل”: الفضلاء والعلماء، وعُدَّ صحبتهم غنيمةً مثل غنائم الحرب، وافرح بهم كما تفرح بها، “الأفاضل”: الأكابر في العلم والحكمة والعقل والنور والهدى والفضائل والسلوك، “اغتنم”: فهذه غنيمة.
“واعلمْ أنَّ في صحبةِ الصِّغارِ صَغارا”: وهناك أناس صغيرو النفس، وصغيرو العقل وصغيرو الإيمان وصغيرو الأخلاق، قال: احذر صحبتهم لأنَّ في صحبة الصِّغار صَغارًا: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة:61]، والصَّغار هو الذل: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة:29].
“وابغ”: اركض واطلب واحرص، “من في يمينه لك يُمنٌ”: فإنْ وضعتَ يدك اليمنى في يده، ترى اليُمن والخير والبركة والسعادة، وإنْ لم تحصل على يده اليمنى تَمَسَّك بيده اليسرى، قال: “وترى في اليسار منه اليسارا”، فيتبدل عسرك إلى يسر، وشقاؤك إلى سعادة، وتعاستك إلى هناءة.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفِّقنا، ويجعلنا نستعمل عقولنا في الحقائق لا في الأهواء ولا في الجهالات وصحبة الجهلاء والناقصين وصغيري العقول والأخلاق والتربية.
امتحان الصبر والصمود
﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ [محمد:32] هذا الصنف الثاني، هل حفظتم الصنف الأول؟ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] أي حتَّى نرى، وليرى الناس، وليبيِّن الله عزَّ وجلَّ الناجح لكل الناس، حتَّى يرى الناس كلهم، وحتى يرى النَّبيُّ ﷺ والناس وكل المجتمع، ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ﴾ أي حتَّى يظهر، ويصبح معلومًا لكل العالم أنَّك مجاهد، فهذا امتحان، ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد:31]، وليس المهم أنْ تجاهد وتصبر، بل أنْ تكون نتيجة الصبر هي الخبر السار، وهو الانتصار الرائع على نفسك وفي المعارك في نشر العلم والحكمة والأخلاق الإنسانية الفاضلة.. هذا هو الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وهذا هو الجهاد المُقدَّس.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لم يكفر فقط، نسأل الله تعالى العافية، فهناك من يقع في “البئر المالح” [مكان الماء النجس القذر]، ولا يكفيه ذلك بل يريد أنْ يوقع غيره أيضًا، ولا يترك الذي يذهب إلى الحمام، بل يريده أن يبقى بروائحه المنتنة، وليس هذا فقط، فإنْ أراد شخصٌ أنْ يصدَّه [ويحميه] ولا يتركه يقع في البئر يعاديه، ويصير هو في شَقّ والآخر في شَقّ: ﴿وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد:32]، من بعدما أشرقت الشمس يقول: لا توجد الشمس، وبعدما شم رائحة الياسمين والفل يقول: هذا بئر مالح، وقد أقر في البداية بأنَّ هذا ياسمين وأعظم من الياسمين.. “اللَّهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه” ، ولا تجعلهما متشابِهَين علينا فنتبع الهوى.
خطر اتباع الهوى
وما الهوى؟ إنْ عَرَضَت عليك مسألة فانظر إلى نفسك: ما تهوى؟ ترى أنَّ نفسك تهوى كذا، وانظر إلى الشرع: ماذا يريد؟ وبماذا يرغب؟ وبماذا يأمر؟ وهنا يتبيَّن إسلامك من نفاقك، فإذا أطعتَ نفسك في هواها وأنانيتها ومصالحها فهذا خروج من الإسلام إلى النفاق، فعليك أن تترك هواك وأناك ومصلحتك الشخصية إلى أوامر الله عزَّ وجلَّ التي فيها مصلحتك الشخصية الحقيقية الدائمة، وتلك مصلحة مزيفة ومسمومة وغير دائمة.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يثبتنا بقوله الثابت، ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ [آل عمران:8].
قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا﴾ [محمد:32] لم يكفر فقط، بل هو كافر ويريد أنْ يُكفِّر الناس، وليس ضالًّا فقط، بل ضالٌّ ومضِلٌّ، وليس شقيًّا فقط، بل شقيٌّ ويريد أن يشقي الآخرين أيضًا، اللَّهم اجعلنا هادين مَهْدِيِّين ولا تجعلنا ضالِّين ولا مُضِلِّين.
هؤلاء المشايخ عندهم خطب في مساجدهم، وهم يذهبون إلى خُطَبهم، وعلى الخطباء أن لا يتأخروا، ولكنهم من الحديث ينسون خُطَبَهم. [دائماً يَحْضُر المشايخ وأهل العلم درس سماحة الشيخ، ووقته قبيل أذان ظهر يوم الجمعة، وينتهي مع الأذان أو بعده بقليل، وكثير من هؤلاء المشايخ عندهم خطبة في مساجد أخرى، لذلك يقومون من المجلس ليدركوا الخطبة والصلاة في مساجدهم، وبعض منهم يجلس في الصفوف الأمامية في الدرس، ولمّا يقومون قد يلفتون النظر خاصة للضيوف الذين لا يعرفون.. لذلك كان من عادة سماحة الشيخ في كثير من الدروس أن يقطع حديثه ليقول مثل هذا الكلام، فيَفْهَم من لا يعرف وتزول عنه الدهشة، وكذلك يزول الحرج من الخطباء الذين يريدون الخروج].
قال: ما مصير هؤلاء؟ أولئك نجحوا وأخذوا الشهادة؛ شهادة الجهاد والصبر والأخبار السارَّة التي ترفع الرأس، وتبيِّض الوجه وتنصع الجبين، فجبين ناصع ووجه أبيض ورأس مرتفع، وأما هؤلاء الذين كفروا قال فيهم: ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [محمد:32]، لا يستطيع أحد أنْ يضرَّ الله عزَّ وجلَّ، ولكنَّ المراد أنْ يضرُّوا النَّبيَّ ﷺ ويؤذوه، فجعل الله تعالى الإضرار بالنَّبيِّ ﷺ كأنَّه إضرار بالله عزَّ وجلَّ، وإيذاء النَّبيِّ ﷺ كأنَّه إيذاء لله تعالى، ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب:57]، فهل الله عزَّ وجلَّ يُؤذى إنْ ضربتَه أو أطلقتَ عليه الرصاص أو سببتَه؟ لا، لكنَّه جعل إيذاء النَّبيِّ ﷺ إيذاءً لله عزَّ وجلَّ.
خطورة إيذاء أولياء الله
وليس إيذاء النَّبيِّ ﷺ فقط، يقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: ((مَن آذَى لِي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِحَربٍ)) ، إذا آذيتَ أحدًا من أولياء الله عزَّ وجلَّ، أو من أحباب الله عزَّ وجلَّ فهذا قول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: ((مَن آذَى لِي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِحَربٍ)) يعني فقد أعلمتُه وأعلنتُ عليه الحرب، ((ومَن حارَبتُهُ فَقَد قَصَمتُهُ)) ، يكسر ظهره، وإن لم يكن اليوم فغدًا، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182]،﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ﴾ [مريم:84]، ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127]، والذي يكون في هذا الموضوع [الذي هو محاربة النبي ﷺ ومحاربة ورثته]، فكلما صعد في السُّلَّم أكثر كمن يكون في الدرجة الخامسة عشر ورموه تُكسَر رقبته أكثر، أمَّا إنْ أخذه الله عزَّ وجلَّ من الدرجة الأولى فستكون وقعته بسيطة، ومن الدرجة الثانية أكثر.. إلخ.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يجعلنا من الممكور بنا والمستدرَجين، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182]، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران:54]، ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ﴾، يتركه سنةً أو سنتين أو ثلاثًا ويمتِّعه ويعطيه مالًا وَجاهًا وغير ذلك، وهو ماذا يظن نفسه؟ يظن أنَّه على حق، ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الشعراء:205-206]، وإنْ أتى الوعيد الإلهي والقصاص الرباني فمالهم وَجاههم وعَظَمَتهم وقوَّتهم كما قال تعالى: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء:207]، فإذا جاء الأمر فقد أمهل الله عزَّ وجلَّ فرعون أربعين سنةً، وأمهل أبا جهل عشر سنين أو خمس عشرة سنةً، ثم أحضروا رأسه إلى النَّبيِّ ﷺ مثل الكُرَة، ولما رآه سجد شكرًا لله عزَّ وجلَّ وقال: ((الحَمدُ للهِ الذي أَهلَكَ فِرعونَ هَذهِ الأُمَّة)) ، فهذا فرعونُ زمنِ النَّبيِّ ﷺ، وكل زمن فيه فرعون، وهناك فرعون لأهل الله، قال
كُلُّ عَصرٍ فِرعونُ فِيهِ وَمُوسَى
وَأَبو الجَهلِ في الوَرَى وَمُحَمَّدُ
مصير الطغاة
لكنْ ماذا كانت نتيجة موسى عليه السَّلام؟ وماذا كانت نتيجة فرعون؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يجعلنا من مذهب فرعون، ولا من مذهب أبي جهل، ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾، لا تستعجل، والإنسان عجول، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يستعجل، ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق:15-17]، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج:5-7].
قال: هؤلاء كفروا، وهذه واحدة، والأعظم منها: ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [محمد:34]، والثالثة الأعظم: أنهم عادوا الرسول ﷺ، فمنهم من قتل ابنة النَّبيِّ ﷺ، نخس بها جملها وهي حامل فسقطت وأجهضت فماتت ، وقتلوا عم النَّبيِّ ﷺ سيِّدنا الحمزة رضي الله عنه، وفي النهاية لِمَن كان النصر والمجد والعز؟ للمجاهدين الصابرين الحكماء.
ابتلاء الله أخبار المؤمنين
﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31] كيف كانت أخبارهم؟ الأخبار السارَّة العزيزة الكريمة، وأولئك الكافرون قال الله عنهم: ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [محمد:32]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:57-58]، كل شيء يُسجَّل: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]، ﴿إِنَّ السَّمْعَ﴾ [الإسراء:36]، فإذا كنتَ في مجلسٍ فيه كلام محرَّم، ليس لغوًا لا يضر ولا ينفع، بل إذا كان كلامًا حرامًا، فلا يجوز أنْ تسمع حرفًا واحدًا، ولا أنْ تجلس ثانيةً واحدةً، ويقول الله تعالى لك: ﴿إِنَّ السَّمْعَ﴾ [الإسراء:36].
إذا كان شخص كاذبًا أو منافقًا أو مخرِّبًا للدِّين أو متعديًا، فهل تسمع كلامه وسفاهته “ورَذَالَته” [دَنَاءته ونَذَالَته]، وتظن بنفسك كأنه لم يحدث شيء؟ هذا كله من الجهل بالدين وأنت لستَ بمسلم؛ لا مسلم العلم ولا مسلم العقل ولا مسلم الأخلاق، ثمَّ تقول عن نفسك: “مسلمٌ” وهل يكون هذا بالكلام؟ قل عن نفسك إذن: إنَّك رئيس الوزراء، لنرى أين سيضعونك؟ هل في القصر أم في المرستان [مستشفى المجانين]؟ وهل تصير رئيس الوزراء بمجرد القول؟ الذين يسمُّون أنفسهم رؤساء الوزراء في مستشفى المجانين كُثر، ويوجد هناك أيضاً الكثير من الوزراء والمفتين وغير ذلك.
المجنون من يعصي الله
مر مجنون بمجلس رسول الله ﷺ، فقالوا: “مجنون مجنون”، فقال: ((لا تَقُولوا: مَجنونٌ، قُولُوا: مَرِيضٌ))، ماذا يقول عنه العلم الحديث الآن؟ مريض، وأين يأخذونه؟ إلى المستشفى لمعالجته، ((المجنُونُ مَن يَعصِي اللهَ)) ، العاصي لله عزَّ وجلَّ هو الذي يبدل بالعلمِ الجهلَ، وبالعقلِ الحكيمِ الحماقةَ والخرافةَ والأوهام والتمنيات، ويبدل بتزكيةِ النفس والأخلاق الفاضلة سفاهةَ الأخلاق ورذائلَ الأعمال، هذا هو المجنون، والنَّبيُّ ﷺ يقول: ذاك ليس مجنونًا، بل هو مريض، ((المجنُونُ مَن يَعصِي اللهَ)).. والآن هل المجانين أكثر أم العقلاء بحسب القاموس النبوي؟
لكنْ لا توجد مستشفيات، فالمستشفيات في الجامع، وليس الجامع بالجدران، وهل المستشفى ببنيانه أم بأطبائه؟ وجوامعنا رجال الدين فيها كثير منهم يلزمهم معالجة وتلزمهم مداواة، ولا أزكي نفسي، فأنا أيضًا من جملة من تلزمهم المداواة.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يداوينا ويشفينا من أمراضنا ما قلَّ منها وكثر، ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم:32]، وكان النَّبيُّ ﷺ يقول: ((أمَّا أَنا)) ويعني نفسه الشريفة ((فلا أَدرِي ما يَفعَلُ اللهُ بِي)) ، أمَّا أنْ تُزكي نفسك فسيِّدنا أبو بكر وسيِّدنا عمر والسيدة عائشة رضي الله عنهم كان يقول أحدهم: “يا ليتَني كنتُ تِبنةً، فأكلتني شاةٌ ولم ألق الله، خوفًا من ذنوبي” ، وهم مَن هم، ونحن ماذا نقول عن أنفسنا؟ وكلما ازداد الإنسان خوفًا من الله عزَّ وجلَّ ازداد رُقِيًّا وعلوَّ منزلةٍ عند الله عزَّ وجلَّ، لأنَّ هذا الخوف يمنع من السقوط في المعاصي وفي الرذائل والنقائص.
الحَوْرُ بعد الكَوْر
قال تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [محمد:32]، هل يستطيع أحد أنْ يغالب الله عزَّ وجلَّ؟ أو هل يستطيع أحد أنْ يعارك الله عزَّ وجلَّ وينتصر على الله وعلى قانون الله؟ قانون الله عزَّ وجلَّ هو قانون الكون وقانون الحقيقة، والخارج عنها في باطل، فإنِ اجتمع الحق والباطل ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء:81]، لكنْ هل هذا اليوم أم غدًا؟ على حسب المعركة، فهناك من يأخذ النصر بيوم، وهناك من يأخذه بشهرٍ، لكنَّ النتيجة أنَّ الحق هو المنتصر والباطل هو المنهزم.
قال تعالى: ﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:31]، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [محمد:32]، أولًا ﴿كَفَرُوا﴾ وما اكتفى بذلك، بل صار يصدُّ أيضًا ويخرِّب ويُفسد في الأرض، مثل الشيطان ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾، لا تراه إنْ غضب إلا قال: أنا أَتَّقِي؟! أنت اتقِ الله.. هذا: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة:205-206].
قال: ﴿كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد:32]، أمَّا إنْ عادى النَّبيَّ ﷺ قبل أنْ يعرف النبي ﷺ، وقبل أن يرى النَّبيَّ ﷺ، وقبل أنْ يرى هدي النَّبيِّ ﷺ، وقبل أنْ يرى إنتاج النَّبيِّ ﷺ، فقد يكون له عذر، أمَّا بعد أنْ رأى وعلم، وهناك منهم من مرَّ عليهم سنين في زمن النَّبيِّ ﷺ، وارتدَّ بعد ذلك عن دِينه.
نسأل الله العافية! ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ)) ، الكور أن تكوِّر العمامة، والحور أن تفكَّها وتنقضها: ﴿نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل:92]، يعني: أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة، ومن الكفر بعد الإيمان، ومن الفساد بعد الإصلاح، ومن الجحود بعد المعرفة، ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ)).. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا مكوِّرين لا محوِّرين، ومُثَبِّتين لا ناكثين ولا ناقضين.
معنى إحباط الأعمال
﴿ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ إنْ بقوا مصرِّين على ما هم عليه، قال: ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [محمد:34]، لأنَّه مات على الكفر وعلى الصدِّ عن سبيل الله عزَّ وجلَّ، وعلى معاداة الرسول ﷺ، أو نوَّاب الرسول أو ورثة الرسول ﷺ، قال: أولًا هو لا يَضُرّ، فالقافلة تمشي، والقطار يمشي، وغيرهم إنْ عوى أو لم يَعْوِ هل يوقف القطار؟
﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:32]، إذا كان قد عمل شيئاً من الصالحات في ماضيه، وارتد عن الدين، كما إذا سبَّ الدين، فهذا يُحكَم بردَّته وتُحْبَط أعماله، وللعلماء بعد إحباط العمل رأيان: رأي أنَّه يجب عليه إعادة كل الفروض التي عملها، لأنَّها تُعتبَر محبَطة، فإذا حج كأنَّه لم يحج، ويجب أنْ يُعيد الحج، ورمضاناته يجب أنْ يُعيدها، وهناك قول بأنه يحبط ثوابها فلا تجب الإعادة، لكنْ لا ثواب له في الآخرة.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يحمينا من إحباط العمل، أو من إحباط الحب، أو من إحباط الصلة بأحباب الله عزَّ وجلَّ، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُثبتنا بقوله الثابت.
وجوب طاعة الله ورسوله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد:33]، بعدما بيَّن الله عزَّ وجلَّ الفريقين، ماذا سيكون موقفكم إذن؟ هل مع ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ﴾ [محمد:32]، أم مع الذين جاهدوا وصبروا، وكانت أخبارهم أخبارًا مُفْرِحةً ومُعِزَّةً ومُسِرَّةً وترفع الرأس؟
قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما دمتم قد رأيتم الفريقين ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:33]، أعمالك في سنة أو عشر سنين أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنةً تُبطِلها بنزوة أو نفخة شيطان أو باتباع الهوى، فتُذهِب حياتك وربما مستقبلك الدنيوي والأخروي، واللهِ إن هذا شيء مخيف، أنْ يشاقِقَ الإنسان النَّبيَّ ﷺ، أو يشاقق ورثة رسول الله ﷺ، الناس لا يعرفون إلَّا السعادة في الدنيا، أمَّا العاقل والعالِم فيعرف الأول والوسط والآخر.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يتوب علينا جميعًا، وأن يهدينا جميعًا، وأن لا يُزِلَ أقدامنا، وأن يثبِّتها بقوله الثابت.
﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:33]، فهل تُبطل أعمالك الصالحة بشهوة أو بنزوة أو بغضب أو بطمع أو بخيانة أو بامرأة أو بأكل حرام أو بانتقال من العلم إلى الجهل، أو بانتقال من الطاعة إلى المعصية، أو من الحب إلى البغض، أو من المحبة إلى العداوة؟ هذا إبطال للعمل وإحباط للعمل، إمَّا ثوابًا وإمَّا نهائيًّا، ثمَّ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ لم يرجعوا، وإذا استمروا ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [محمد:34].
ثمَّ قال: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:35]، كانت المعركة هي الجهاد بين العلم والجهل، وبين الإنسانية والوحشية، وبين العقل والخرافة، فكان المؤمنون المسلمون الحقيقيون في زمن النَّبيِّ ﷺ علماء وحكماء وفقهاء وأدباء، والكفار بالعكس، وفي الحرب كان بين المؤمنين كامل الإيمان وناضج الإيمان وناقص الإيمان، ومنهم من كان إنْ رأى العدو بكثرة وقوة زائدة يتوقف، فقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَا تَهِنُوا﴾ لا تخافوا ولا تضعفوا ولا تتزلزلوا ولا تَشكُّوا، ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾، ما دمتم تمشون على صراط الله عزَّ وجلَّ، وعلى مخطط وتخطيط الله عزَّ وجلَّ فأنتم الأعلون، ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ لكنْ بشرط العمل، فإنْ عملتم بشكل صحيح: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ لن يضيِّع لكم أعمالكم ،﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت:46].
درسكم انتهى إلى هنا.