تاريخ الدرس: 1993/07/02

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:34:08

سورة التغابن، الآيات: 14-18 / الدرس 7

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ، المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيِّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

العداوات المخفيَّة

فنحن في تفسير بعض آياتٍ من سورة التغابن، يقول الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] هل سمعتم؟ [يقول الحضور: لبيك اللهم لبيك!] فإذا ناداك شخص تقول له: لبيك، وإذا نادانا الله عز وجل فهل نقول له: لبيك طاعةً واستجابةً أم سمعًا ومعصيةً؟ نقول: سمعًا وطاعةً.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن:14] هذه الآية تحذِّرنا من بعض أهلنا ومن بعض أولادنا ومن بعض أزواجنا، لأنَّ أعداء المؤمن كثيرون، يقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا [الممتحنة:1] إلى آخر الآية.

فالقرآن يوضح لنا كثرة أعداء الإيمان وأعداء المؤمن، ويحذِّرنا من مُوالاتهم ومصادقتهم والميل إليهم الميلَ القلبي، كما أنه يقول: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ يعني إن بعض أزواجكم وبعض أولادكم ﴿عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14]، والعداوة تكون على قسمين: عداوة في الدِّين، وعداوة في أمور الحياة.

فالعداوة في الدِّين أن يعاديك أهلك بأن يصدُّوك عن طاعة الله، وعن دين الله، وعن امتثال أوامر الله، وأن يدعوك إلى معصية الله، ولقد حذَّرنا الله عزَّ وجلَّ منهم ومن أن نصغي إلى كلامهم، أو أن نلبِّي دعواتهم، أو أن نمتثل أوامرهم، حتى وإن كانوا آباء أو أمهات.

يقول الله تعالى في الوالدَين: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا في أمور الدنيا يجب على المسلم [طاعة والديه] ولو كانا كافريَن، كأن يكون أبوه مجوسيًّا أو أمه يهوديةً، فحق الوالدين لا يرفعه اختلاف الدين، ولكن نطيعهما في أمور الدنيا من خدمتهما ومن تلبية حوائجهما من مطعمٍ ومأكلٍ ومشربٍ ومسكنٍ وحسن الأدب وحسن القول، ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] فإذا دعواك إلى شيء غير علمي، وغير حقيقي، وغير واقعي فالإسلام مع الحقيقة ومع العلم ومع الواقع: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون:117] وآية أخرى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ كحقيقةٍ وواقع ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] فالإسلام دين العلم، ودين الحقيقة، ودين الواقع.

قال: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ [التغابن:14] بل قد يكون من آبائكم، لكن هذا لم يذكره الله في القرآن، لأنه مخالفٌ لطبيعة الوالدَين، فقد أوصى الله الأولاد بالوالدَين، لأن من طبيعة الولد أن يشذَّ إذا كان غير موفَّقٍ، لكن ليس من طبيعة الوالدَين أن لا يكونا شفيقَين على أولادهما بالحُنُوّ والرحمة والعطاء.. إلخ.

لذلك فقد وصَّى الله عزَّ وجلَّ الأولاد بالوالدَين ولم يوصِ الوالدَين بالأولاد، فالله عز وجل ما ذكر في القرآن “حُرِّم عليكم البول والغائط”، لأنه بطبيعة الإنسان أنه ينفر من الأشياء الخبيثة.

﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ [التغابن:14] بل إنَّ من أصحابكم وأصدقائكم، ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] لا، بل قد تكون نفسُك وأنانيتُك عدوًّا لك، تريد بك السوء وتبعدك عن الخير.

عدو المرء في بيته

يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي إِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ فَوزًا لَكَ، وَإِنْ قَتَلَكَ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَلَكِنْ لَعَلَّهُ أَعْدَى عَدُوٍّ لك وَلَدُكَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِكَ))، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14] فقد يعاديك في أمور الدين فيدعوك إلى معصية الله، أو يمنعك من طاعة الله، وقد يعاديك في أمور الحياة فيكون مؤذيًا أو عاقًّا أو معاديًا بقوله أو عمله أو حضوره أو غيابه.

((وَلَعَلَّهُ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ مَالُكَ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِينُكَ)) 1 ، فمالُك بدل أن يُدخلك الجنة إذا استعملته في طاعة الله تستعمله في معصية الله فيكون سبب شقائك وهلاكك وغضب الله عليك.

والقرآن قد ضمن للإنسان الفرد، وللإنسان على مستوى العائلة والأسرة، وللإنسان على مستوى المجتمع والوطن، وللإنسان على مستوى البشرية كلها وشعوبها، ضَمِنَ لهم سعادة الأرض والسماء، سعادة الدين والدنيا، تحت عنوان قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] مما يحقِّق للإنسان سعادته.

وتحت هذا العنوان في موضوع الأسرة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14] فقد تريد أن تفعل الخير فيأتي أولادك ويمنعونك من فعله، أو زوجتك تمنعك من فعله، وقد تريد أن تذهب في سبيل الله جهادًا أو طلب علمٍ أو خِدمَةً في سبيل الله، فيمنعك أهلك أو أولادك عن عمل الخير، ويثبِّطون همَّتك ويُبرِدُون إرادتك.

يقال: بأنَّ بعض الناس سمع من شيخه في درسه أنَّ من تصدَّق بصدقةٍ يفك حنك سبعين شيطانًا، فرجع إلى داره ولم يجد عنده دراهم يتصدق بها، فأخذ شيئًا من مؤونة البيت مثل الرز أو البرغل ووضعها في ثوبه، وخرج بها ليتصدق بها على المستحقين، فرأته زوجته فقالت له: ما هذا؟ قال لها: قليل من الرز والبرغل والسكر، وقد سمعتُ في درس الشيخ بأنَّ من يتصدَّق بصدقة يفكُّ حَنَك سبعين شيطانًا، قالت له: ارجع ارجع، هل لعب الشيخ بعقلك بسرعة؟! أرجعهم! قال: لا أرجعهم.. فتجادلا ثم تصارعا فصرعته ونفضت ما في ثوبه على أرض الدار.. وخرج من الدار إلى شيخه باكيًا مقهورًا، فقال له شيخه: ما لي أرى وجهك كئيبًا حزينًا؟ هل فككتَ حنك سبعين شيطانًا؟ قال له: يا سيدي نعم فككتُ حنك سبعين شيطانًا، ولكن أم الشياطين فكَّت حنكي. [هنا يضحك الشيخ ويضحك معه الحضور]

وهذه تدخل تحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14]، وبالمقابل إنَّ من أزواجكم وأولادكم عونًا لكم على دينكم ودنياكم.. مرةً أتى ضيفٌ إلى سيدنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ولم يجد النَّبِيُّ ﷺ في بيته ما يُضِيف به ضيفه، يعني لا يوجد عشاء، فقال: ((مَن يَأخُذُ ضَيفَ رَسُول اللَّهِ فَيُضِيفَهُ؟)) فأخذه أحد الصحابة، فقال لزوجته: ماذا عندنا من طعام؟ قالت: لا يوجد عندنا إلا طعام الصِّبْية، أي عشاء الصِّبْية، فقال لها: علِّليهم، يعني إلهيهم وسلِّيهم حتى يناموا بلا عشاء لنُؤْثِر بالعشاء ضيف سيدنا رسول الله ﷺ، وكانت الزوجة من الصنف المؤمن، ليست عدوةً لدِين زوجها أو لشخصه، فعلَّلت أولادها حتى ناموا، وقدما طعام أطفالهما لضيف رسول الله ﷺ، فأنزل الله في شأن أهل هذا البيت: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] 2 .

العفو والصفح

وبعض أصحاب رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالهجرة وأرادوا أن يهاجروا إلى سيدنا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في المدينة منعهم أزواجهم وأهلوهم، وبعد مدةٍ لَمَّا هاجروا وجدوا من سبقهم بالهجرة صاروا علماء حكماء فقهاء، ورأوا أنفسهم أنهم قصَّروا في حق أنفسهم تقصيرًا بليغًا، فهمُّوا أن يُعاقبوا أزواجهم وأولادهم الذين منعُوهم من الهجرة مما سبَّب قلَّة علمهم وفقههم في دين الله عز وجل، فأنزل الله عز وجل أن لا تعاقبوهم: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن:14] 3 .

وتقدَّم معكم أن العفو: بأن لا تعاقب المذنب، فإن عفوتَ عن عقوبته فهذا عفوٌ.

والصفح في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا [التغابن:14]: أن لا تعاتبه ولا تعيب عليه ذنبه، وأن لا تقول له: لماذا فعلتَ كذا؟ أَمَا فعلتَ كذا وكذا؟ أليس عيبًا عليك أن تفعل كذا وكذا؟ فالإغضاء عنها والسكوت عليها اسمه صفحٌ، ﴿وَإِنْ تَعْفُوا يعني أن لا تعاقبوا، ﴿وَتَصْفَحُوا أن لا تعاتبوا.

الحسد والإصغاء إلى النفس الأمارة بالسوء مهلكة

إخوة يوسف لَمَّا أتوه فقراء وهو ملكٌ وكانوا قد أرادوا أن يُطفِئوا نور الله بأفواههم، وأن يمنعوا عطاء الله عمَّن يريد عطاءه، ((اللَّهمَّ لا مانِعَ لِمَا أَعطَيتَ، وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعتَ)) 4 ، ولكنه الحسد، والحسد داءٌ قاتلٌ لدِين صاحبه، فقالوا: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ [يوسف:9] انظروا إلى الجهل والحماقة وقلَّة العقل، فإذا كان أبوه يحبُّه فقد أحبَّ النبوة فيه، وأحبَّ عطاء الله فيه، وأحبه لمحبة الله له.. والحاسد يريد أن يغيِّر الله، ويغير قضاء الله، ويغير قانون الله، وهو أحقر من جناح ذبابة، ((اللَّهمَّ لا مانِعَ لِمَا أَعطَيتَ))، والحاسد بحسده هل ينال نعمة المحسود؟ لا ينالها، بالعكس يكون ممقوتًا في الأرض وفي السماء، يخسر الدنيا ويخسر فوق ذلك دينه.

﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي كان أخوه الشقيق، فهو وأخوه الشقيق إخوة لأب مع بقية إخوته، فأبوهم واحد وأمهم مختلفة، ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إذا أراد الله أن يُنعِمَ على إنسان فماذا يفعل الحاسد مع الرازق؟ ولكنَّ هذا الحاسد دائمًا يحترق بحسده وبِغَيظه وبكمده ولا يستطيع أن يمنع عطاء الله عمَّن يريد عطاءه، ثم قال لهم: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90] إلى أن قال: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92]، لم يقل لهم: لماذا فعلتم ذلك؟ لم يقل لهم: لأعاقبنَّكم، فأنا كنتُ طفلًا عمري اثنتا عشرة سنة كيف رميتُموني في البئر؟ “يا فاعِلِين يا تَارِكِين”، [يا فاعلين يا تاركين: كلمة مؤدبة في اللهجة العامية تُعَبِّر عن شتيمة محذوفة.. وتعني هنا: إن سيدنا يوسف عليه السلام لم يقل لهم مثلاً: “يا كذّابين يا غدّارين يا فسقة يا قتلة”.. وعبر الشيخ عن هذه الكلمات بقوله: “يا فاعِلِيْن يا تَارِكِيْن”].. وقد رفعه الله وأنعم عليه، فكان من شُكر نعمة الله عليه أن يمتثل أمر الله فيمن عادَوه وفيمن آذَوه، وهنا يظهر الإيمان، وذلك بأن تقدِّم تقواك على هواك، وأن تقدِّم تقواك على أنانيتك.

الأنا والأنانية

عندما تغضب فكِّر ماذا تريد أن تفعل وأنت غضبان؟ وماذا يريد الله منك أن تفعله وأنت غضبان؟ فإذا كنتَ عبدَ الله، فالله عز وجل يطلب منك: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، وإذا كان مَن أمامك قد آذاك بأي نوعٍ من أنواع الإيذاء، فعليك أن تعفو وتصفح عنه: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ فلا تعاقب، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] الله يحب المحسنين تجاه المسيئين، ويقول أيضاً: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22]، فهذا ما يطلبه الله منك وأنت غاضب، وما الذي تريده أنانيتك وجاهليتك وهواك في هذا الموقف؟ وهنا يتبيَّن مَن يعبد الله ممن يعبد هواه، وممن يعبد أنانيته.. فنسأل الله عز وجل أن يخلِّصنا من عبودية النفس ومن عبودية الهوى ومن ألوهية الهوى.

وما لم يكثر المؤمن من ذكر الله عزَّ وجلَّ، ويمتزج قلبه بقلوب أحباب الله حتى تذوب أهواؤه في محبة الله ورسوله ومحبة أحبابه، فإنّ “الأنا” و”إني” و”مصلحتي” و”فائدتي” تقضي على دِينه وعلى آخرته، ولا ينال ما تُمنِّيه به نفسه وشيطانه.. فأسأل الله أن يحمينا من “الأنا” ومن “إني” ومن “مصلحتي” ومن “هواي” ومن الغفلة ومن الجهل وأعمال الجهل وأخلاق الجهل والجاهلية.

كان بعض العارفين بالله يخاطب الله عز وجل قائلًا

بَينِي وبَينَكَ “إنِّي” لا تُفارِقُنِي فَامحُ بِفَضلِكَ لي “إنِّي” مَنَ البَينِ

“بيني وبينك”: الذي يحجبني عنك ويجعل حجابًا بيني وبينك، “إنِّي”: و”أنا”، يقول [الإنسانُ الخامُ عند الغضب]: أنا، وأنا لا أرضى، وأنا أريد هكذا، ولكن المؤمن يقول: الله ماذا يريد؟ يقول: أنا هذه مصلحتي، والمؤمن يقول: ما هي طاعة الله وتقواه في هذا الأمر؟

يا بني، إنّ الموت قريب، فلعلَّ أحدنا يصبح ولا يمسي، شابًّا أو شيخًا، صحيحًا أو مريضًا، وإذا طال العمر فما أحلى طول العمر في طاعة الله! وما أحوجنا إلى أن نُكْثِر الزاد ونكبِّر ونعظِّم الزَّوَّادة!

بَينِي وبَينَكَ “إنِّي” لا تُفارِقُنِي فَامحُ بِفَضلِكَ لي “إنِّي” مَنَ البَيْنِ

وإذا كانت “إني” ممزوجة بالشيطان فتصير نفسه والشيطان شيءٌ واحد، فهو يأمر بالفحشاء والمنكر وينهى عن الطاعة والتقوى، ويحب أعداء الله ويبتعد عن أحباب الله في أقواله وأعماله، في حضوره أو غيابه، وهذا كله بسبب “إني”، فإذا لم يغلب ذكرُ الله عزَّ وجلَّ ومحبةُ أحباب الله في قلب المؤمن وإلَّا فالخطر ينتظره، وليس الخطر على الدنيا، فالدنيا يكفيك منها ما يملأ المعدة، ولذلك فإن الحيوان قد يكون أعقل من الإنسان، فالحيوان إن امتلأت معدته لا يهتمُّ بشيءٍ، أما الإنسان فتكون معدته مليئة ويريد خمس كؤوس من الشاي الأخضر ليهضِم طعامه، وهو مهموم مع أنه يملك ما يكيفه لعشرات السنين، ومهموم [بالدنيا حتى] بما بعد الموت.

فالحيوان إذًا أعقل، لأن الحيوان متى أكل انزاح همُّه، ولعله وهو جائع أيضًا لا يهتمُّ، فهو متوكِّل على الله كما ورد في الحديث: ((لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ التَوَكُّلِ)).. ولكن مع التوكل أمرنا الإسلام أيضًا بالعمل وبالسعي وبالكسب: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك:15]، ((لَوْ تَوَكَّلْتُمْ)) يعني توكلتم مع العمل ومع الكسب المشروع، ((لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ التَوَكُّلِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو)) في الغداة والصباح ((خِمَاصًا)) حواصلها وبطونها فارغة، ((وَتَرُوحُ)) في الرواح والمساء، “وتروح”: يعني وترجع، ((بِطَانًا)) 5 مملوءة الحواصل ومملوءة الجوف.. فنسأل الله أن يرزقنا الإيمان.. والإيمانُ من فروعه التوكُّل، ومن فروعه العمل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة:105]، ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء: 32]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الحياة الحسنة والبيت الحسن والزوجة الحسنة، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201].

وجوب الحذر من أي عدوٍّ

﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ((اخْبُرْ تَقْلِهْ، لِتَكُنْ ثِقَتُكَ في النَّاسِ رُوَيْدًا)) 6 فلا تعطي الشخص ثقتك حتى تختبره، وحتى تفحصه وتتعرَّف على بواطنه.

يُعطِيكَ مِن طَرفِ اللِّسانِ حَلاوةً وَيَرُوغُ مِنكَ كَما يَرُوغُ الثَّعْلَبُ

لقد علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام كل شيء، “اخْبُرْ”: اختبره، فإذا اختبرته قَلَيْتَه، ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3] ما معنى “قلَى”؟ يعني “أبغض”، فالله ما هجرك وما أبغضك.. [وعلى هذا يكون معنى ((اُخْبُرْ تَقْلِهْ)): اختبره فقد تهجره وتبغضه بعد هذه الخبرة]، ولذلك أمر النبي ﷺ عند مصاحبة الناس أن نختبرهم قبل أن نعطيهم ثقتنا، فإذا اختبرناهم يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِئَةٍ)) مثل مئة جمل في المرعى، فالجمل الذي في المرعى هل تستطيع أن تضع عليه “الجِلال” [السّرْج] وتركبه؟ أو تضع له الرسن؟ هذا غير مروَّضٍ للركوب وللاستعمال.. ((تَجِدُونَ النَّاسُ كَإِبِلٍ مِئَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً)) 7 ، بالمئة جمل أو مئة ناقة لا تجد فيها واحدة مهذَّبة صالحة للاستعمال، قال: بالمئة لا تجد، فهل بالمئتين تجد أو بثلاث مئة؟ لا نعرف، وهذا في زمان النبي عليه الصلاة والسلام فكيف الآن؟

﴿فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]، ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فكم ينبِّه القرآن عقولنا لنكون يقظين في الحياة؟ فلا نكون أغبياء، كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: “لَسْتُ بالخِبِّ” أي أنا لا أُخادع أحدًا ولا أمكر به “والْخِبُّ لا يَخْدَعُنِي” 8 ، أيضًا المؤمن لا يكون غبيًّا، ولا يكون أَبْلَه، ولا يكون ماكرًا ومخادعًا، “لَسْتُ بالخِبِّ” يعني بالمخادع، “والخِبُّ لَا يَخْدَعُنِي”.

وبمناسبة ذكر الخِبِّ بعضهم يقول

زمانٌ كُلُّ خِلٍّ فِيهِ خَلٌُ وطَعْمُ الخِلّ خَلٌّ لَو يُذاقُ لَه سُوقٌ بِضاعَتُهُ نِفاقٌ فنافِقْ فَالنِّفاقُ لَه نَفاقُ

“زمانٌ كُلُّ خِلٍ فيه خَلُّ”: كل صاحب وخليل لك ليس خِلًّا بل خَلًّا، [حقيقة صاحبك ليس خِلاً وخليلاً كما تظن، بل هو خَلٌّ ومُرّ] “وطعم الخِلِّ خَلٌّ لو يُذاقُ”: الخليل والصديق إذا ذُقتَه يُحرِق حلقك ويؤلم أسنانك، [إذا ذقت وعرفت حقيقة صاحبك الخِلّ ستجده خَلاً وعلقماً]، تراه يقول لك: يا حبيبي ويا عيني.. وهناك أناس حتى مع المشايخ يُظهر له أنه مريد، فإذا قَشَّرْتَه [اختبرته] قليلًا فنسأل الله العافية، ويظنُّ أنَّ بعض الأشياء تخفى، ولكن لا شيءَ يخفى: ((مَنْ أَسَرَّ سَرِيرةً أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَها)) 9 ، فتنكشف للناس، فكيف وهي مكشوفة لربِّ العالمين؟ إذا انكشفتَ أمام الذي تغشُّه فإنك تخجل ويصيبك شيءٌ من الخزي، فكيف الخزي أمام ربِّ العالمين؟ الذي ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، وهو ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام:73].

الفرق بين الخداع والنفاق وبين المداراة

زمانٌ كُلُّ خِلٍّ فِيهِ خَلٌّ وطَعْمُ الخِلّ خَلٌّ لَو يُذاقُ لَه سُوقٌ بِضاعَتُهُ نِفاقٌ فنافِقْ فَالنِّفاقُ لَه نَفَاقُ

أنا أوافق على هذه الأبيات إلا الشطر الأخير لا أوافق عليه، إلا إن كان بمعنى المسايرة ومداراة الناس، كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْتُ بإقامة الفرائض)) 10 .

وكان الإمام الشافعي يقول: “إنَّ وجوهنا لَتَبشُّ في أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم” 11 .. فنسأل الله أن لا يجعل صحبتنا لمن نصاحب على هذا المستوى من النفاق والمداهنة، وأن لا نكون بوجهين ولسانين، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((ذُو الْوَجْهَيْنِ لا يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)) 12 ، ليكن لسانك واحدًا بحسب ما يرضى الله عزَّ وجلَّ ويحب، لأنَّك إن كنتَ بلسانين فستنكشف وتصير محتقَرًا من الجانبين، [أي من الناس الذين تعاملهم بوجهين]، ومحتقَرًا من طرف الله، وماذا تربح؟ ماذا تربح من النفاق ومن الناس الذين تعاملهم بوجهين؟ تخسر وجاهتك عند الله عزَّ وجلَّ ظنًّا منك أنك ستكسب الوجاهة عند الطرفين، ولكن ((ذُو الْوَجْهَيْنِ لا يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)).

ومَهما يَكُنْ عِندَ امرِئٍ مِن خَلِيقةٍ وإنْ خالَها تَخفَى عَلَى النَّاسِ تُعلَمِ

“فنافق فالنِّفاق له نَفاق”: هذه الجملة أنا لا أوافق عليها، لكن المراد من كلمة “نافق” أي سايِر، ولكن المسايرة لا تكون على حساب دِينك وأخلاقك، أمَّا إن كانت على حساب دِينك وأخلاقك فهذا نفاقٌ مذموم، مذموم في الأرض وفي السماء، قال: “فنافِق فالنفاقُ له نَفَاق”: لا أوافق إلا على أساس المسايرة، كما يقول النبي ﷺ: ((أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْتُ بإقامَةِ الفَرائِضِ)). [كرر سماحة الشيخ عدة مرات وبلهجة قوية أنه لا يوافق على هذا الشطر من البيت إلا بمعنى المداراة التي أمر بها النبي ﷺ].

واستُأذِنَ لرجلٍ على رسول الله ﷺ فقال: ((بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ))، فلمَّا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ، فلما خرج قالت له عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قبل أن يدخل يا رسول الله قلتَ ما قلتَ: ((بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ))، وعندما دخل أَلَنْتَ لَهُ الْكَلَامَ فقال: ((يا عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ يُكرِمُه النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّه)) 13 .

فالشاعر ما أراد من النفاق النفاق الشرعي المذموم، بل أراد من النفاق المداراة والمسايرة، الذي لا يكون على حساب دِينك أو على حساب أخلاقك، ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].

عقوق الوالدين عداوة لهما

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14] فكم من ولدٍ تربِّيه أمه تسعة أشهرٍ في بطنها، وسنتين على صدرها تُرضعه من خلاصة قلبها وصحتها، وتتحمَّل غائطه وبوله ويُفسِدُ عليها هناءها وشبابها، حتى إذا كبر فتزوَّج آثَر زوجته على أمه، أو آثَر أنانيته وهواه على والده ووالدته، وقد يسيء إليهما بالقول وقد يسيء إليهما بالفعل، وقد يكون بخيلًا عليهما، وقد يفضِّل الرجل زوجته على أمه وأبيه، وقد يؤذيهما بالأقوال والأعمال.. فهل هذا ابنٌ أم عدوٌّ؟ هذا ينطبق عليه قول الله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14].

أتى رجلٌ شيخٌ مُسِنٌّ متَّكِئ على عصا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشكو ولده ويقول: يا رسول الله كنتُ شابًّا بذلتُ له شبابي وطاقاتي منفِقًا عليه أريد سعادته وعزَّته، وأنفقتُ عليه مالي وشبابي وكذا وكذا، فلمَّا كبر منعني من ماله ومنعني من حقوق الوالد على ولده.

فاستدعى النبي عليه الصلاة والسلام الولد، واجتمع معه وكانت شكوى الوالد هي الصادقة، وكان الولد من ناكري الجميل.. نسأل الله أن يحمينا، فمسألة العقوق ومعاداة الوالدين حَمَقًا أو جهلًا أو لؤمًا من أخطر الأخطار على دِين الولد وعلى دنياه.

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنَ الْبَغْيِ والعُدوانِ))، كأن تعتدي على ضعيف أو على مسكين أو على عاجز أو من لا يستطيع دفاعًا عن نفسه من قريبٍ أو بعيد، قال: ((لَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً)) من الله عزَّ وجلَّ على صاحبه ((مِنَ الْبَغْيِ والعُدوانِ)) 14 ، تعتدي وتبغي وتظلم الآخرين، ((وَكُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلى يَومِ القِيامةِ إِلَّا عُقوقَ الوالِدَينِ، فإنَّ اللهَ يُعَجِّلُه لِصَاحِبِهِ في الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) 15 .

وأنا رأيتُ عَقَقةً كثيرين في حياتي، نسأل الله العافية من حالهم في آخر حياتهم.. منهم من كان غنيًّا فسلبه الله ثروته، ومنهم مَن كان عزيزًا فأذلَّه الله، ومن كان غنيًّا فصار أحقر وأضعف الناس.. هذا كلام الله وكلام النبي ﷺ الذي قال الله عنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3].

فلما استدعى النبي ﷺ الولد العاقَّ لوالده البخيلَ عليه بماله.. يجب عليك عندما تشتهي طعامًا قبل أن تأكله أن تطعم أمك وأباك، والثوب الذي تراه لائقًا بزوجتك قبل أن تشتريه لزوجتك اشتره لأمك، ومن بِرِّ الوالدين أن يعرض الولد على الوالدين الزواج إذا فقد أحدهما رفيقه وزوجه، فقل لأمك: يا أمي أنا سمعتُ في الدرس أنَّه مِن بِرِّ الولد أن يعرض على أمه الزواج، ويقول لها: هذا مما يسرُّني، ويعرض على أبيه الزواج، فهذا من جُمْلَة البِّر.

فلما استدعى النبي عليه الصلاة والسلام الولد ونصحه ووبَّخه بما ينبغي، التفت الوالد إلى الولد معاتبًا، ورأى نفسه أنه بوجود النبي ﷺ يقدر أن ينفث حسرات قلبه فخاطبه قائلًا

غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمِنْتُكَ يَافِعًا تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ إِذَا لَيْلَةٌ ضَاقَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ لِسُّقْمِكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ كَأَنِّي أَنَا الْمْطَرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُلُ فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي إِلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ فأَوليتَنِي حَقَّ الجِوارِ فَلَم تَكُنْ عَلَيَّ بمالي دُونَ مالِكَ تَبخَلُ

“غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا”: غذَّيتك وأنت طفل صغير ابن يوم، غذيت من أول يوم، “ومِنْتُك يافعًا”، وعُلتُك، من الإعالة، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:28] وعُلتُك: يعني كنتَ مِن عيالي أُنفق عليك، وعُلْتُك يافعًا: وأنت غلام من أول شبابك، “تُعَلُّ”: أنفق عليك “بما أجني عليك “وتَنْهَل”: النَّهْل الشراب، أي تأخذ مني طعامك وشرابك وكسوتك وخدماتك، “إذا ليلةٌ ضَاقَتْك بالسُّقْم”: إذا ليلة مرضتَ وآلمك رأسك، “لم أبت لسقمك إلا ساهرًا أتململ”: لا أنام.. الأب هكذا يربي الولد وهو صغيرٌ ضعيف، وعندما يكبر الولد يقابله بالألفاظ البشعة والكلمات الخشنة، بل ربما يجد منه البذاءة والسباب حتى الضرب والطرد.. نسأل الله العافية من الشقاء.

“كَأَنِّي أَنَا الْمْطَرُوقُ دُونَكَ”: إذا آلمه رأسه كأنَّ أبوه هو الذي يؤلمه رأسه.

“جعلت جزائي”: ومكافأتي وبِرِّي.

فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي إِلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ

يقول: متى يكبر ابننا لنفرح بشغله وبعمله وبهداياه وبإدخال السرور علينا وبمساعدته لنا في قوَّته وضعفنا وفي غناه وفقرنا! نسأل الله أن يحمينا من اللؤم ومن الحمق ومن الجهل ومن الجاهلية.

“فعلتَ كما الجارُ المجاوِرُ يَفعَلُ”: ليتك كنتَ مثل الجار، فالجار يعطف على جاره، فإذا لم تعاملني معاملة الولد مع الوالد فعاملني كجارٍ مع جاره.

قال: فما استكمل الوالد قصيدته حتى فاضت عينا رسول الله ﷺ بالدموع تأثُّرًا بما سمع، ثم التفت إلى الولد وقال له: ((أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)) 16 ، وفي حديثٍ آخر: ((أَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ ظَلَمَا، وَإِنْ ظَلَمَا، وَإِنْ ظَلَمَا)) 17 ، لأنَّ الوالد لا يظلم، لكن هذا وَهْم من الولد، حتى ولو ظلم فحقُّ الوالد على الولد أن يكون بارًّا به.

أبوة العلم والروح أولى من أبوة الجسد

هذا بالنسبة لبنوَّة وأبوَّة الجسد، ولكن هناك أبوَّة أعلى وأرفع وأقدس، وهي أبوَّة العلم والتعليم، أبوَّة المعلِّم وبنوَّة المتعلِّم، أبوَّة المربِّي وبنوَّة المربِّى، خاصةً التربية القلبية والعقلية والعلمية والروحية، فكان عليه الصلاة والسلام هو أبا المؤمنين: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، ويوجد قراءة من إحدى القراءت الأربعة عشر: ﴿وَهُوَ أَبوهم 18 ، لذلك كان بعضهم يقول في حق الأبوَّة المعنوية أو التربوية أو العلمية

أُقَدِّمُ أُستاذِي عَلى حَقِّ والِدِي وإنْ نالَنِي مِنْ وَالِدي المجدُ وَالشَّرَفْ فَهَذا مُرَبِّي الرُّوحِ، وَالرُّوحُ جَوهَرٌ وهَذا مُرَبِّي الجِسمِ، والجِسمُ مِن صَدَفْ

يذكرون عن مؤدِّب ومربِّي الأمين والمأمون -ولَدَي هارون الرشيد- وكان فاقدَ البصر؛ أعمى، أن هارون الرشيد دعاه إلى غداءٍ عنده، فلمَّا انتهى من الطعام وغسل يديه، قال هارون الرشيد لمؤدب الأمين والمأمون: هل تدري من صبَّ الماء على يديك؟ -هو أعمى- قال: لا أدري يا أمير المؤمنين، قال: صبَّ الماء على يديك أمير المؤمنين بنفسه.. هكذا لَمَّا عظَّموا العلم والدِّين والتربية والمربِّي جعلهم الله أباطرةَ الأرض، وأعزَّ وأقوى وأعلم أمةٍ على وجه الأرض.. فلمَّا خرج من الدار ولبس نعليه قال له: أتدري من قدَّم لك نعليك؟ قال: لا أدري، قال: تنازع ولداي الأمين والمأمون أيهما يقدِّمهما إليك واختصما، ثم تصالحا على أن يلي كل واحدٍ منهما تقديم إحدى النعلين لك، فتقاسما النعلين.

هؤلاء أبناء الأباطرة وأبناء الملوك، هكذا كانوا يعظِّمون العلم ويعظِّمون الدِّين، وما عظَّمت أمةٌ العلم والدِّين إلا عَظُم شأنها في الأرض وفي السماء، [وإذا كان العكس] فكما قال عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ، وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ)) كل اهتمامهم في الأمور الدنيوية تجارةً وصناعةً.. وهو أمرٌ حسن، أمَّا أن نَهَبَ له كل عقولنا وكل طاقاتنا فلا، لأن هذه الأمور وسيلة لديننا: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص: 77].

((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ، وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ، وتَأَلَّبُوا عَلَى جَمْعِ الدَّرَاهِمِ)) همُّهم وليلهم ونهارهم ودينهم ودنياهم المال، قال: ((ابتلاهمُ اللَّهُ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ)) منها: ((الْقَحْطُ مِنَ الزَّمَانِ، وَالصَّوْلَةُ مِنَ الأعداء)) 19 ، الأعداء يصولون ويهاجمون ويعتدون على المسلمين، والآن انتشر بين المسلمين العقوق لوالدَي الجسم ولوالدَي العلم والقلب والروح والتربية.

أهل الإيمان هم أهل تلبية النداء الإلهي

نرجع للآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] [الحضور يقولون كما علمهم الشيخ: لبيك الله لبيك، فيجيبهم الشيخ:] هل كلمة “لبيك” ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41]؟ هل نقول في الجامع فقط: “لبيك اللهم لبيك”؟ وأما خارج الجامع فالشيطان يقول: أنا من يجب أن تلبوه، فلَبُّوا الله بالأقوال ولبوا إبليس بالأعمال.. يعني هل نضحك على الله؟ ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:14-16] هل هؤلاء رابحون أو مغبونون؟ نحن في أيِّ سورة؟ سورة التغابن، فيا ترى إذا فقهتم سورة التغابن هل تصيرون في حياتكم رابحين أم مغبونين؟ نسأل الله أن يجعلنا رابحين.

قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى يشتري صحبة أهل الضلال بصحبة أهل الهدى، ويشتري رضاء أهل الضلال بغضب أهل الهدى، ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16].. وعندما يقول المصلي في سورة الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].. ما هي أول سورة في القرآن؟ الفاتحة، والسورة الثانية البقرة، فعندما نقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذه السورة الأولى، والسورة الثانية تجيبنا: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى [البقرة:1-2] يعني أنتم طلبتم أن أَهْدِيكم، أليس كذلك؟ هذه هي الهداية، تَفَضَّلوا، هي في هذا الكتاب، ﴿هُدًى لكن لمن؟ ﴿لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2].. نسأل الله أن يجعلنا من المتقين الذين قال النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: ((إنَّما التَّقْوَى هَاهُنَا)) 20 .. ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].

كان سيدنا سلمان رضي الله عنه يقول لحجْر بن عدي: “والله لو قُطِّعتَ إِرْبًا إِرْبًا لن تبلغ حقيقة الإيمان” 21 ، وحقيقة الإيمان لا تكون إلا من أهل الحقائق، فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا أهلَ الحقائق، لأن حقيقة الإيمان لا تكون إلا بالقلوب، فنعطيهم قلوبنا ليهيِّئُوها ويُصلِحُوها ويعمِّرُوها بنور الله، وبروح الله الذي هو حقيقة الإيمان.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التغابن:14] [الحضور يقولون: لبيك اللهم لبيك، والشيخ يقول لهم:] إذا كنتم لا تريدون أن تكونوا عَمَلِيين فلا تقولوها، بل قولوا: لا لبيك ولا سعديك، كونوا صادقين، فالكلام هَيِّن، أما إذا غضبت.. فمثلاً لو أنَّ أباك بصق في وجهك وأمك سبَّتْك واعتدتْ عليك، وزوجتك غلبتك على حقوق والديك، أو غلبتك نفسك أو هواك، تَذَكَّر يا بني تَذَكَّر.. إذا كنتَ سائقًا وشرطيُّ السير أمرك بأمرٍ وبيده الدفتر [الذي يكتب فيه المخالفات]، هل تستطيع أن تخالفه؟

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من صنع لك نظام هضم وخلق لك الجهاز الهضمي؟ المعدة والأمعاء والعصارات والهضم والبلع والكبد.. ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس:31] كل شيء بيده، ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [يونس:31] فكيف بك إذا أخذ سمعك أو بصرك أو عقلك أو أوقف قلبك أو سدَّ شريانك؟ وهذا كله في الدنيا، ثُمَّ يوجد آخرة، والسعادة هناك والشقاوة هناك.. فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين قالوا: آمنا وأطعنا، ولا يجعلنا من الذين قالوا: سمعنا وعصينا.

الزواج حسب الإسلام لتجنب العداوة في المستقبل

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] هؤلاء الأشقياء من الأزواج، سواءٌ كان زوجًا مع زوجته أو زوجةً مع زوجها، لذلك فالزواج أمره خطير، والذي يريد أن يتزوج يجب عليه أولاً أن يفكِّر على حسب منهاج الله، ويجب عليه أن يبحث الأمور على ضوء تعاليم الله، وقبل كل شيء [في هذا الأمر] فإن القرآن يقول: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ المؤمنة قلبيًّا، والمؤمنة علميًّا، والمؤمنة أخلاقيًّا، ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ لو كانت تلك سوداء وهذه بيضاء فالإيمان مع من؟ مع السوداء، أيهما يقول الله تعالى: إنها أحسن وأفضل؟ وإذا كانت المؤمنة عوراء، والثانية بعينتين، فأيهما الأفضل عند الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ [البقرة:221] أيضًا عندما تتزوجين لا تقولي: غني وفقير، ابحثي وابحث عن التقوى وعن الإيمان وعن العلم.. شخص يريد العيون الزرقاء.. إذاً فليذهب إلى مصنع البلاط [والسيراميك] ليصنع له عيونًا زرقاء.

هل بحثت عن زوجة عقلها مؤمن ونفسيتها مؤمنة وتربيتها مؤمنة؟ تريد عينها وذيلها وكذا وكذا.. ولكن الحياة ليست مع الجسم، الحياة مع العقل ومع النفس ومع الأخلاق ومع التربية، ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا وَجَمَالِهَا)) المرغِّب في الزواج أربع صفات، ((فعليك بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) 22 ، ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ [البقرة:221] تأتي هذه المؤمنة فتكون مع أمك بارةً، وتكون لك إذا كنتَ فقيرًا مساعِدة، وفي حال الضيق تكون هي المفسِّحة والمفرِّجة عنك.

العفو والصفح حسب الحكمة

﴿فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا [التغابن:14] إذا وقعتَ وقُدِّر لك -ونسأل أن لا الله لا يوقعنا- فالله يقول: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا أن نقابل السيئة بالحسنة وأن لا نعاقب.. وهذا له مواضع، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ [الشورى:40]، إذا كان العفو يُنتج الإصلاح فالعفو مطلوب، وتارةً العفو لا يُنتج الإصلاح، فمثلًا إذا لدغت الحَيَّةُ ابنك فهل تقول: ﴿تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا [التغابن:14]؟ هذه لا تصلح للعفو.

الشاعر الذي كان دائمًا يهاجم النبي ﷺ والإسلام بشِعره، واسمه أبو عَزَّة الشاعر، لَمَّا وقع أسيرًا في أُحُدٍ، ومع أنه لم يكن النصر للمسلمين، لكنَّه وقع أسيراً بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال: ((اللَّهمَّ لا تُفلِتْ مِنَّا أَبا عَزَّةَ الشَّاعِرَ))، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بضرب عنقه، فقال: مَن لبناتي التسع يا محمد؟ قال: ((لَكَ ولِبَناتِكَ النَّارُ)) 23 ، هنا الحزم في موضع الحزم.

وشرط العفو أن ينتج عنه الإصلاح: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ [الشورى:40]، ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا ما الصفح؟ الصفح كقوله تعالى: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92]، ﴿وَتَغْفِرُوا أن لا تذكِّره بخطيئته، فلا تقول له: أنت فعلتَ معي يومًا كذا وكذا.. ولكن انتهى الأمر فقد عفوت وصفحت.. ﴿وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ سيعاملكم بما عاملتم به عباده، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوبكم، يسترها عليكم يوم القيامة ولا يفضحكم بها، و﴿رَحِيمٌ [التغابن:14] بكم، فيقبل توبتكم ويقبل اعتذاركم.

احذر الفتن وابذل طاقتك في تقوى الله تعالى

﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] كثير من الناس يُفتَن بماله كما فُتن ثعلبة لَمَّا أغناه الله عز وجل، وقد كان حمامة المسجد، فلمَّا كثر ماله ترك مجلس رسول الله ﷺ ومجلس العلم والحكمة والإيمان وترك الجمعة والجماعات 24 .

﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ فقد تريد أن تعمل الخير فيمنعك ولدك من الإنفاق أو من حضور مجالس العلم أو من الحج أو من.. إلخ، ﴿وَاللَّهُ قال: كونوا مع الله لا تكونوا مع من يفتنكم عن الله، فالله ﴿عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن:15] ليست زوجتك عندها الأجر العظيم ولا ابنك عنده الأجر العظيم.

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ابذل الطاقة والاستطاعة في امتثال كل ما يأمرك به الله، لأنَّ الله لا يأمرنا إلا بما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لَمَّا أنزل الله ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] وقد كانوا عندما يقرأون القرآن يتحول إلى أعمال فورًا، كما أنك عندما تأكل الطعام فإن المعدة حالًا تحوِّله إلى طاقةٍ وإلى تغذيةٍ لخلايا وجودك، بدءً من خلايا الدماغ، وإلى خلايا العظام وخلايا الأظفار.. فكان الإيمان في المسلمين هو الحياة، وعندما يسمعون القرآن مباشرة يهضم إيمانُهم آيات الله عزَّ وجلَّ، فيحوِّلها أعمالًا وأخلاقًا وعقيدةً وسلوكًا.

والمسلمون الآن فقدوا مدرسة الإيمان في مدرسة العلم.. فكلية الشريعة والأزهر يُقرأ فيها الأحكام، لكن أين مدرسة الإيمان؟ مدرسة الإيمان التي تجعل الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما، وهذه تحتاج إلى قوة الحب، وبهذه القوة يكون الله ورسوله أحب إليك من مالِك ومن ولدك ومن نفسك التي بين جنبيك.

مدرسة الوارث النبوي

وإذا هيَّأ الله لك وارثًا نبويًّا فهذا في هذا الزمان من أندر أندر أندر النوادر، والوارث: هو الذي ورث عن النبي ﷺ تعاليمه وأخلاقه وسلوكه وربانيته وروحانيته وحكمته، فهذا هو الوارث، وبحسب القرب والبعد تكون قوة الإرث وكثرته، فالابن إذا انفرد يرث المال كلَّه، لكن هناك وارث يرث النصف ووارث يرث الثلثين، ووراث يرث الكل.. فنسأل الله أن يرزقنا أعظم الميراث من سيدنا رسول الله ﷺ، وهذا ما عناه النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: ((مَثَلُ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ))، ولكن ليس علماء القيل والقال، بل علماء القيل والقال والحال والحكمة والتزكية الذي يستطيع الواحد منهم أن يخرجك من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الطيش والحَمَق إلى الحكمة والاتزان.

((مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ)) إذا فُقِدت وفُقِد نورها ((أَوْشَكَ الْهُدَاةُ أَنْ تَضِلَّ)) 25 ، ففي البحر تضيع السفينة، وإذا كان في البَرِّ تقتلهم الصحراء، فيُضِيْعون الطريق الموصِل إلى الوطن وإلى النجاة، لذلك كان بعضهم يقول

أَمُرتَقِبَ النُّجُومِ مِنَ السَّماءِ نُجُومُ الأُرضِ أَبهَرُ في الضِّياءِ هِدايَةُ تِلْكَ في ظُلَمِ اللَّيالِي هِدايَةُ هَذِهِ كَشْفُ الغِطاءِ فَتِلْكَ تَبِينُ وَقتًا ثُمَّ تَخفَى وَهَذِي لا تُـكَدَّرُ بالخَفَاءِ

“هِدايَةُ تِلْكَ في ظُلَمِ اللَّيالِي”: ففي الصحراء تمشي على النجم فتصل للبلد التي تريدها.. “فتِلْك”: أي نجوم السماء.. فنسأل الله أن يرزقنا الهداية بنجوم الأرض الذين يُنيرون لنا الطريق إلى الله عز وجل، وهو طريق الإيمان الحي، فتحيا به عند ذلك جوارحُنا بطاعة الله، وتتقبَّل نفوسنا الامتثال والاستجابة لأحكام وشريعة الله.

قال: فلمَّا أنزل الله ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] قام أصحاب رسول الله ﷺ حتى تقرَّحت جباههم وانتفخت أقدامهم من قيام الليل.. إن هذه العبادة والنوافل -والتي أعظمُها ورُوحُها الذكر- هي مادة الإيمان.. فلما بذلوا من نفوسهم ما بذلوا إلى درجة أنهم يبذلون حياتهم أنزل الله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ((إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه)) 26 .

كيف الوصول للفَلَاح؟

﴿وَاسْمَعُوا لكن، ثم ماذا؟ ﴿وَأَطِيعُوا سمعنا وأطعنا، اللهم اجعلنا من الذين يقولون: “سمعنا” ويُوفَّقُون لـ “أطعنا”، ﴿وَأَنْفِقُوا خَيْرًا يعني يكن الإنفاق خيرًا ﴿لِأَنْفُسِكُم وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه كل إنسان موجودة فيه طبيعة الشُّحِّ، وهي الحرص والبخل على المال، فإذا وقاك الله عزَّ وجلَّ هذا الشُّحَّ، وعقَّم نفسَكَ من جرثومه بمعقِّمات ذكر الله، ومعقِّمات صحبة أحباب الله ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].

وأين نجد هذا الفلاح؟ عندما يؤذِّن المؤذِّن: “حي على الفلاح” يعني إلى المسجد، فقد كان المسجد مملوءًا علمًا وحكمةً وتزكيةً، لأنَّ المسجد كان مأوًى وموطنًا للعالِم والحكيم والمزكي، والآن مع الأسف فإنّ المساجد أصبحت مجرَّد خَرَسَانَات إسمنتية وإنارات كهربائية وسجَّاد ومراوح، وهذه هل تعطي العلم والحكمة والتزكية؟ وكذلك المدارس الشرعية والكليات الشرعية فيها نقصٌ كبير وفيها خطرٌ عظيم، حيث تُعلِّم الطلاب أحكام الشريعة ولا تُعلِّمهم روح الشريعة، ولا تغرس في قلوبهم حبَّ الله ورسوله، ولا تغرس في قلوبهم علم اليقين، ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 27 ، وهذا ما يسمى بالتصوف، أو الذي سماه القرآن “تزكية النفس” ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بعد ذلك ﴿فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فكأنَّ الله جعل من شروط الصلاة -قبل أن تدخل في الصلاة- المزكِّيَ والذِّكرَ، فمِن غير مزكٍّ ومن غير ذكر تكون صلاتك بجسدك فقط، لا بعقلك وفهمك ولا بقلبك وروحك ولا بذوقك ومشاعرك، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14].

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] فإذا كان في المسجد العلم والحكمة والتزكية فالمؤذن عندما يقول: “حي على الفلاح” يكون صادقًا في ندائه، وإلَّا فيأتي المصلي ويقول: شيخي أين الفلاح؟ أنت تقول: “حي على الفلاح” وليس في الجامع فلاح، بل يوجد سجاد ومراوح، فأين مَن يعلِّمنا الفَلَاح؟

﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4]، قال: “يوقنون”.. ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 28 ، “كَأَنِّي أَصْبَحْتُ بعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ في نَعِيمِهِم، وأَهْلِ النَّارِ في عَذابِهِم”، هذه حقيقة الإيمان، فقال له: ((عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ بِالإيمَانِ)) 29 .

فهل يوجد في المعاهد الشرعية هذه التربية وهذا الإعداد ليتخرَّج الطالب صاحبَ قلب ذاكرٍ مذكِّرٍ وصاحبَ يقينٍ، ويعبد الله كأنه يراه؟ هذا هو العالِم الذي ذكرتْه أحاديث سيدنا رسول الله ﷺ.

﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) وصل إلى اليقين وصار عنده اليقين، فقال عنه تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى [البقرة:4-5]، ألستم تَدعُون بقولكم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وتريدون الهداية؟ هذا القرآن هدىً للمتقين، وهذا طريق الهداية: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5].

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] عندما تقرأ الآية توقف ولا تقرأ ما بعدها، وانظر هل عملتَ بها؟ هل صارت صفةً لك؟ هل صارت خُلقًا فيك وسجيةً وطبيعة؟ فإن لم تكن كذلك فأنت مريض القلب، مريض الإيمان.

عندما يمرض جسدك تركض إلى الأطباء في مشارق الأرض ومغاربها، وتبذل كل غالٍ ورخيص في سبيل شفائك وخلاصك من مرضك، وهذا المرض لجسدٍ فانٍ وحياةٍ مؤقتة، فكيف لا تعالج نفسك من أمراضٍ قد تلازمك إلى أبد الآباد؟ ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82].

ربح القرض الحسن عظيم

﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [التغابن:17] القرض الحسن هو الإنفاق زائدًا على فريضة الزكاة، زائدًا على ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:110]، فنحن نصلي العشاء أربع ركعات والسنة ركعتين والوتر ثلاث ركعات، هذه نافلة، ((مَا تَقَرَّبَ عَبْدِي إِلَيَّ بأَحَبَّ إِلَيَّ مِن أَداءِ ما افْتَرَضْتُه عَلَيْهِ، ولا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ)) 30 تنتقل من أن تكون محبًّا لله إلى أن تكون محبوبًا لله عزَّ وجلَّ.. نسأل الله أن يجعلنا محبِّين ومحبوبين عنده.

﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا بأن تنفق بلا مِنَّةٍ وبلا رياء ولا سمعة ومن مالٍ طاهرٍ حلال ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ والمضاعفة أدناها بالمئة ألف وبالواحد عشرة، وأما أعلاها فبغير حساب، وهي غير محصورة، وهي بمقدار إخلاصك وصدقك في عبوديتك، ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ [التغابن:17] وفوق المضاعفة أيضاً هناك مغفرة للذنوب.

شكر الله القولي والعملي

﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ يعني إذا امتثل الإنسان أمر الله فإن الله يشكره على طاعته، فيكافئه ويثيبه على ما عمل، فيشكره لا بالقول فقط، بل بالقول وبالعمل، ((فإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيلَ أنْ يُنَادِيَ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ))، هذا الشكر القولي، فإذا ازداد العبد طاعةً لله ((أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَرْضِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)) 31 وفِي السَّمَاءِ.. وهذا شكر الله القولي.

أما العملي فهو ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ لماذا؟ لأنَّ الله شكور: ﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ، فإذا عملتَ أمرًا لترضي اللهَ عزَّ وجلَّ فهو لمصلحتك وإسعادك، ثم يقابلك الله تعالى عليه بشكره ثناءً وحمدًا ومكافأة في الدنيا والآخرة، والله ﴿حَلِيمٌ [التغابن:17] فإذا أذنبتَ لا يُسارع في عقوبتك.

لا يخفى على خالق الكون شيءٌ

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [التغابن:18]، إذا خبَّأتَ شيئًا وغيَّبته عن الناس حتى لا يرونه ولا يذُمُّوك أو لا يسمعونه وتُفْضَح بينهم، فإن الله ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ [التغابن:18]، فإذا كنتَ تستحي من الناس فالله أحق أن يُستحيى منه، وإذا كنتَ تخشى الناس فالله أحق أن تخشاه.

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ [التغابن:18] هل أنتم مؤمنون بها؟ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، فهل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ أليس القرآن كتاب الله؟ هل أنتم مؤمنون بهذه الآيات؟ فالإيمان بها كما إذا أمسكتَ عقربًا بيدك وأنت تؤمن أنه عقرب وأنّ لَدغته قد تقتل، فما مقتضى إيمانك؟ هل تأخذ العقرب بكفيك؟ لماذا لا تأخذه؟ وإذا أعطاك شخص عقدًا من لؤلؤ، وأنت تعرفه لؤلؤًا مصفًّى، وهو هدية من قلبه فهل ترفضها؟

فإذا كنا مؤمنين بقول الله ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ، فإن هذه تلجمنا عن كل معصيةٍ لله بأقوالنا وبأبصارنا وبأسماعنا وبأصحابنا وبسهراتنا وبأموالنا، وفي رضائنا وفي غضبنا، وتأخذنا إلى محبوبات الله من العلم والحكمة ومجالس الذكر.

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ القوي الذي لا مثيل له، ﴿الْحَكِيمُ [التغابن:18] الذي يضع الأشياء في مواضعها ويربط المسبَّبات بأسبابها.

انتهت معكم سورة التغابن، فارجعوا إليها واحفظوها جيدًا واعملوا بها جيدًا وعلِّموها جيدًا، و((لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)) 32 ، وكما قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) 33 .

مُلْحَق

كلمة عن مجازر البوسنة والهرسك وأوضاع البلاد الإسلامية

وادعوا لإخواننا في البوسنة والهرسك، وفي الواقع فإنّ هذه المصيبة التي أصابت المسلمين، ليس في البوسنة والهرسك فحسب، بل في معظم بقاع العالَم، حيث توجد حرب صليبية عالمية، بل أكثر من صليبية، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ))، يعني تتنادى: هلمُّوا على الإسلام، اهجموا افتكوا قتِّلوا دمِّروا انهبوا.

((كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ)) الآكلون لَمَّا تُناديهم إلى الطعام كيف يتراكضون؟ ((كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)) 34 ، في كشمير وفي الصومال وفي فلسطين.. في فلسطين منذ خمسين سنة قرارات هيئة الأمم لم تنفَّذ، فهذه ليست هيئة الأمم، هذه هيئة الملعَب للمستعمرين، ومجلس الأمن يكاد يكون مجلس الأمن الأمريكي، أو مجلس الأمن للدول أصحاب الفيتو، فهم يضحكون على الشعوب الضعيفة.

والشعوب الضعيفة خصوصًا المسلمون لا يعودون إلى دينهم، وأنتم الذين في المسجد، أنتم الموجودون صارت هذه الآيات أمانة في أعناقكم، وعليكم أن تعلِّموها للناس بأعمالكم وبأقوالكم، وإلا فإن كنا ننتظر الرحمة من الأعداء فنحن مثل الخروف في فم الذئب يطلب الإسعاف من الذئب الأكبر، فإذا تركه الذئب الأصغر وعفى عنه بشفاعة الذئب الأكبر، فإن الذئب الأكبر يكون قد أكل فطوره وشبع، وشِبعُه يدوم إلى الظهر، بينما الذئب الأصغر ما زال من غير فطور، وكان سيجعله فطورًا له.

فليس لنا أمل ولا رجاء إلا أن نعود إلى الإسلام، والإسلام يبدأ بالدعوة، بأن تدعو نفسك إلى الإسلام قولًا وعملًا، فلا تضحك على [لا تغش] نفسك، ولا تهزأ بالله، كن مُجِدًّا، وأنت واللهِ الرابح في دنياك قبل آخرتك.. ثم عليك دعوة أهلك: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6].

إن البوسنة والهرسك وفلسطين لن تعود من طريق هيئة الأمم، ولن تعود إلا بمثل ما قال عمر لأبي عبيدة رضي الله عنهما: “نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما نرد العزة بغيره يذلنا الله” 35 ، نطلب العزة بهيئة الأمم يذلنا الله، وبمجلس الأمن يذلنا الله.

فإذا لم نرجع إلى المسجد -والمسجد يعني العلم والحكمة والتزكية- وإلى عالِم القرآن وعالِم الحكمة وعالِم التزكية المزِّكي، وإلا فنحن “نضرب على حديدٍ بارد” ونكتب على صفحاتٍ الماء. [“نضرب على حديد بارد” تعني لا نستطيع تغيِيْر شيء مهما حاولنا.. وجاء هذا المعنى من ضرب الحَدّاد قديماً على الحديد المُحَمَّى الذي صار أحمراً ولَيِّناً ليُشَكِّل منه سيفاً أو غيره من الأدوات، أما لو كان بارداً فمهما طَرَقه وضربه فإنه لا يتغير].

في البوسنة والهرسك الآن همجية أكثر من همجية التتار، ومن يملك الأمر هم أمريكا ومجلس الأمن وفرنسا وبريطانيا، وهم من أجل الصومال التي ظهر فيها بترول تراكضت أمريكا “اطلبوا النفط ولو في الصومال”، مثل ((اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ في الصِّينِ)) 36 ، لماذا لم يركضوا إلى قضية فلسطين؟ وقرارات مجلس الأمن فيها منذ عشرات السنين، وفي العراق بدعوى أنهم سيغتالون بوش [رئيس أمريكا في ذلك الوقت]، هذا الادعاء بالأصل يجب عليهم أن يُقدِّموه إلى مجلس الأمن إذا كانوا صادقين، إلا أنهم مباشرة ضربوا العراق وضربوا الآمنين، وصَدَّام [صدام حسين رئيس العراق في ذلك الوقت] لا يصلح للحكم، وهو فاشل في السياسة، وفاشل في الحرب، أما الشعب العراقي فما ذنبه؟

فنحن نتعامل مع ذئابٍ في الغاب، وليس لنا حامٍ ولا ملجأ إلا أن نعود إلى الله، ولكن رجوع المريض إلى الصحة هل يكون بلا طبيبٍ وبلا صيدليٍ ودواء؟ هل يكون الشفاء بالتمنِّي والأماني وبالتَّلهِّي والغرور؟ نحتاج إلى توبة إلى الله.. وأنتم الذين في المسجد، أنتم وحدكم نساءً ورجالًا، وكل واحد منكم يجب أن يرجع إلى بيته، ويفعل كما فعلت الجن والعفاريت، فإنهم جلسوا جلسة واحدة مع النبي عليه الصلاة والسلام فآمنوا: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ حضروا مجلس العلم ﴿قَالُوا أَنْصِتُوا أما أن نتكلم ومجلس العلم قائم فلا يصحُّ، ﴿فَلَمَّا قُضِيَ مجلس الإيمان ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ما اكتفوا بهداية أنفسهم، بل رجعوا ليهدوا غيرهم، ﴿قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ [الأحقاف:29-31] هؤلاء العفاريت بمجلس واحد انصلحوا، فهل أنتم أحسن أم العفاريت؟ فلا تجعلوا العفاريت خيرًا منكم.. فلَمَّا قُضي مجلس العلم ولَّوا إلى قومهم منذرين، قالوا: يا قومنا.. هل أنتم موافقون [أن تعودوا منذرين ومعلِّمين]؟ هل تعاهدونني على هذا؟ مع رفقائكم مع أهل بيتكم مع إخوتكم مع أزواجكم مع زوجاتكم.. اللهم اجعلنا هاديين مَهدِيِّين.

في البوسنة والهرسك الأحجار تبكي على الإنسان، أين حقوق الإنسان؟ لو أن شخصًا إنكليزيًّا قد صار عليه مثلما صار على واحد من شعب البوسنة والهرسك لكانت هيئة الأمم كلها قامت وقعدت أو قامت ولم تقعد.

وفي العراق لو صَدَقَت أمريكا في ادعائها فالواجب عليها أن تتقدَّم بدعوى إلى مجلس الأمن، فأين مجلس الأمن؟ وأين هيئة الأمم؟ كله كذب ودَجَل، “ويضحكون على ذُقُون” الشعوب المتخلِّفة، وخصوصًا الشعوب الإسلامية. [“ويضحكون على ذُقُوْن الشعوب”: مصطلح عامّي بمعنى يستهزؤون بالشعوب ويسخرون منها].

الإسلام يقول لنا: إليَّ إليَّ.. والذئاب تقول: إليَّ إليَّ.. فنلبِّي داعيَ الشيطان ولا نلبِّي داعي القرآن، فما علينا إلا أن نتقي الله عزَّ وجلَّ في حدود طاقتنا ونقول: يا الله.. وكلمة “يا الله” لا تعني ألف ولام ولام وهاء، “يا الله” تعني العمل بكتاب الله الذي هو هدى للمتقين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (3446)، (3/294)، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيْسَ عَدُوَّكَ الَّذِي إِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُورًا، وَإِنْ قَتَلَكَ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَلَكِنَّ أَعْدَى عَدُوِّكَ وَلَدُكَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِكَ، ثُمَّ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ مَالُكَ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِينُكَ".
  2. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، رقم: (3587)، (3/1382)، صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، رقم: (2054)، (3/1624)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي فَقَالَ هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾، واللفظ للبخاري.
  3. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التغابن، رقم: (3317)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11746)، بلفظ: ((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَأَلَهُ، رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: 14] قَالَ: «هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَوْا النَّاسَ قَدْ فَقُهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ، وَإِنْ تَعْفُوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن آية 14].
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة، رقم: (5971)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفة، رقم: (593)، بلفظ: عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)).
  5. سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل، رقم: (2344)، (4/573)، السنن الكبرى للنسائي، رقم: (11805)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، رقم: (4164)، (2/1394)، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، بلفظ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا».
  6. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (636)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1154)، (1/ 430)، مسند البزار، رقم: (4101)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، بلفظ: «أُخْبُرْ تَقْلِهْ، وَثِقْ بِالنَّاسِ رُوَيْدًا».
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، رقم: (6133)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة: باب قوله صلى الله عليه وسلم الناس كالإبل مائة، رقم: (2547)، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً))، ورواية مسلم: ((تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً)).
  8. العقد الفريد لابن عبد ربه (2/105)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/302)، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: "لَسْتُ بِخِبٍّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ".
  9. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (1702)، (2/171)، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ، بلفظ: «مَا أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَها إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ».
  10. فيض القدير للمناوي، رقم: (1695)، (9/70)، مداراة الناس لابن أبي الدنيا، رقم: (4)، ص: (25)، عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ، بلفظ: ((أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْتُ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ))، ثلاثة مجالس من أمالي ابن مردويه، رقم: (42)، ص: (215)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
  11. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس، (5/2270)، ذكره البخاري معلقاً فقال: "وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ"، الحلم لابن أبي الدنيا، رقم: (109)، حلية الأولياء للأصبهاني (1/222)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه موقوفاً عليه.
  12. اعتلال القلوب للخرائطي، رقم: (390)، (1/187)، البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي، (7/259)، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، بلفظ: «لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ وَجِيهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشًا، رقم: (5572)، (18/457)، وصحيح مسلم، كتاب البر والآداب والصلة، باب مداراة من يتقى فحشه رقم (2591)، (4/2002)، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بلفظ: ((اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ أَوْ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلَامَ قَالَ: ((أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)).
  14. مسند الشهاب القضاعي، رقم: (1215)، (2/215). عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بلفظ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ بَغِي»، وفي سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في النهي عن البغي، رقم: (4904)، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ».
  15. الأدب المفرد للبخاري، رقم: (591)، ص:( 207)، مسند البزار، رقم: (3693)، (9/137)، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلى يوم القيامة إِلاَّ الْبَغْيَ وعقوق الوالدين أو قَطِيعَةَ الرَّحِمِ يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت)).
  16. المعجم الصغير للطبراني، رقم: (947)، (2/152)، دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (2554)، (6/304)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه.
  17. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (156)، (20/82)، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه، بلفظ: «وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَخْرَجَاكَ مِنْ مَالِكَ»، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7916)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ أَصْبَحَ مُطِيعًا فِي وَالِدَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدًا، وَمَنْ أَمْسَى عَاصِيًا لِلَّهِ فِي وَالِدَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدًا " قَالَ الرَّجُلُ: وَإِنْ ظَلَمَاهُ؟ قَالَ: «وَإِنْ ظَلَمَاهُ»، «وَإِنْ ظَلَمَاهُ»، «وَإِنْ ظَلَمَاهُ».
  18. مصنف عبد الرزاق الصنعاني، كتاب اللقطة، باب قتل الساحر، رقم: (18748)، (10/181)، بلفظ: ((عن عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة التميمي، قال: وجد عمر بن الخطاب مصحفا في حجر غلام في المسجد فيه: ﴿النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو أبوهم﴾، فقال: «احككها يا غلام»، فقال: والله لا أحكها وهي في مصحف أبي بن كعب فانطلق إلى أبي فقال له: «إني شغلني القرآن، وشغلك الصفق بالأسواق إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء»، وفي السنن الكبرى للبيهقي، كتاب النكاح، باب ما خص به من أن أزواجه أمهات المؤمنين، وأنه يحرم نكاحهن من بعده على جميع العالمين، رقم: (13802)، (7/ 69)، بلفظ: ((عن ابن عباس: أنه كان يقرأ هذه الآية: ﴿النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ ﴿وأزْوَاجُهُ أمَّهاتُهُمْ﴾))، وينظر تفسير القرطبي (14/ 110).
  19. المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب الرقائق، رقم: (7923)، (4/361)، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه بلفظ: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ وَتَنَاكَحُوا عَلَى جَمْعِ الدَّرَاهِمِ رَمَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ: بِالْقَحْطِ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْجَوْرِ مِنَ السُّلْطَانِ، وَالْخِيَانَةِ مِنْ ولَاةِ الْأَحْكَامِ، وَالصَّوْلَةِ مِنَ الْعَدُوِّ)).
  20. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، رقم: (2564)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8707)، بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
  21. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (31058)، الإِيْمَانِ لأبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رقم: (69)، عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ لِرَجُلٍ: "لَوْ قُطِعْتُ أَعْضَاءَ مَا بَلَغْتُ الإِيْمَانَ -أَوْ كما قَالَ-"، وفي رواية أخرى في مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30419)، قَالَ سَلْمَانُ لِرَجُلٍ: «لَوْ قَطَعْتُ أَعَصَبِي مَا بَلَغْتُ الْإِيمَانَ».
  22. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، بَابُ الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ، رقم: (4802)، ومسلم، كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين رقم (1466)، (2/ 1086)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)).
  23. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (18487)، (9/65)، وينظر مغازي الواقدي، ص: (111)، بلفظ: ((قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَانَ مِنَ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِمْ بِلاَ فِدْيَةٍ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبَنَاتِهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يَفْلِتَ، فَمَا أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأُعْطِيكَ عَهْدًا أَنْ لاَ أَعُودَ لِقِتَالِكَ. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَمْسَحُ عَلَى عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنَ». فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
  24. شعب الإيمان للبيهقي، باب في الإيفاء بالعقود، رقم: (4357)، (4/79)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7873)، (8/218)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلُ مَا تُؤَدِّي شَكَرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَوَاللهِ لَئِنْ أَعْطَانِي اللهُ لَأَتَصَدَّقَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا ". قَالَ: فَصَارَتْ لَهُ غَنِيمَةٌ، فَكَانَ يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَثُرَتْ غَنَمُهُ، وَنَمَتْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَنَمَتْ غَنَمَهُ، فَتَقَدَّمَ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجُمُعَةَ، فَنَمَتْ غَنَمُهُ وَكَثُرَتْ، فَتَقَدَّمَ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُمُعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. قَالَ: فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا يَأْخُذُونَ الصَّدَقَةَ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا فَرَغْتُمْ وَانْصَرَفْتُمُ اجْعَلُوا طَرِيقَكُمْ عَلَيَّ - أَوْ نَحْوَهَا -. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا وَانْصَرَفُوا أَتَوْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ. فَانْصَرَفُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الصَّدَقَةَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة: 75] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77].
  25. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12621)، (3/157)، عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ، كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ، أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ)).
  26. صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النَّبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (6528)، (6/ 2539)، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه)) قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: ((قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ)).
  27. السنن الكبرى للنسائي، كتاب الرقائق، رقم: (11803)، (10/ 389)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6156)، (2/132)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
  28. سبق تخريجه.
  29. مسند البزار، رقم: (6948)، (13/ 333)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في الزهد وقصر الأمل، رقم: (10591)، (7/ 363)، بلفظ: ((عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟" قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، قَالَ: "يَا حَارِثَةُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا))، وفي رواية أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أضاف: ((عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ)).
  30. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137)، (5/ 2384)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)).
  31. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم: (3037)، (3/1175)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده، رقم: (2637)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ)).
  32. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (930)، (1/315)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)).
  33. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3274)، (3/1275)، سنن الترمذي، كتاب العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، رقم: (2669)، (5/40)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بلفظ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار))ِ.
  34. سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: (4297)، (2/514)، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)).
  35. المستدرك للحاكم، رقم: (207)، (1/130)، بلفظ: ((عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة: "يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك" فقال عمر: أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنَّا كنَّا أذلُ قومٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ"، وفي مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34539)، (13/41)، بلفظ: "إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَلَنْ نَبْتَغِيَ الْعِزَّةَ بِغَيْرِه".
  36. شعب الإيمان، للبيهقي، رقم: (1663)، (2/253)، الضعفاء الكبير للعقيلي، رقم: (777)، (2/230)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (963)، (4/ 118)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)).
WhatsApp