تاريخ الدرس: 1990/01/26

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:30:16

سورة الزخرف، الآيات: 46-59 / الدرس 7

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه موسى وعيسى، وآل كل وصحب كل أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

القرآن شفاء ورحمة لمن يستخدمه

نحن لا نزال في تفسير بعض آيات من سورة الزخرف، والقرآن كتابٌ فيه شفاء ورحمة للمؤمنين، شفاء للإنسان من أمراضه العقلية والأخلاقية والجسدية ومن فقره ومن تخلفه ومن ذله ومن جهله، وهو رحمة ليس للمؤمنين فقط، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

ولمن يكون القرآن رحمة وشفاءً وهدى؟ من استهدى به هُدي، الإنسان إذا كان معه مصباح أو فانوس ويمشي في ظلمات الليل، وأشعله فإنه يهديه الطريق الصحيح، وإذا أخذه وأمسكه وكان كل شيء كامل فيه، لكنه لم يستعمله في الظلمات فإنه لا يستفيد منه شيئًا، ويبقى غارقًا في قاع بحار الظلمات.

وكذلك القرآن لما اهتدى به العرب، وقد كانوا في أحطِّ درجات الأمم علمًا وغنًى وسياسةً ودولةً وتقدُّمًا، ولما أخذوه كدواء واستعملوه كدواء حصل البُرْء وحصل الشفاء، فانتقلوا من مرض الذُّل إلى كرامة العز، ومن مرض الضعف إلى عظمة القوة، ومن تمزق الفرقة إلى عزة الجماعة والوحدة، ومن أميين إلى أن صاروا أعلم علماء العالَم، كل ذلك بهَدْي القرآن وأستاذه الأول سيدنا محمد صلوات الله وتحياته وبركاته وسلامه عليه وآله ومن تبعه.

الإيمان ما وقر في القلب وصَدَّقَه العمل

والقرآن لا يزال موجوداً بيننا، لكننا نمشي في الظلمات كما شبَّهنا بالمصباح أو بالفانوس، وبعضنا يسقط في بئر عميق فيتحطم، وبعضنا يَطأ في بطن سبع وهو نائم، وإذا وضعتَ قدمك في بطن السبع هل يضرب لك تحية أو يعطيك وسامًا؟ بل تكون عشاء له.

قَد حَوَى القُرآنُ نُورًا وهُدًى فَعَصَى القُرآنَ مَن لا يَعقِلُ

لأننا لا نمشي على نور وهدى.

وما معنى الإيمان بالقرآن؟ يعني أن تفهمه وتعرفه تمامًا، وتعرف أهدافه ومقاصده وتحوِّله من قراءة إلى أعمال وإلى أخلاق وإلى سلوك.. هذا معنى آمنتُ بالقرآن، أما إذا اشتريتَ نسخةً مذهَّبَة بألف ليرة سورية، ووضعتَها في ثوب [غلاف من قماش] مطرَّز بالذهب فهذا ليس إيماناً بالقرآن، ((الإيمانُ ما وَقَرَ في القَلبِ، وصَدَّقَهُ العَمَلُ)) 1 ، وكذلك الحب، هناك أناس يدَّعون الحب، ولكن أرنا أعمال المحبِّين، ولا تجد عندهم إلا أمانٍ ولَقْلَقة لسان، ولا يوجد شيء من معاني الحب في الميدان العملي مطلقًا.

ولذلك فإننا نحن المسلمين أصبحنا عارًا على الإسلام، وتشويهًا لجَماله، وضعفًا لقوَّته، وتحقيرًا لعظمته، لأننا لا نفقه القرآن.. والقرآن يتنزل على القلب، والقلب هو الروح الذاكرة المخبِِتة المنيبة التي تتطهَّر من كل رذائل الصفات ومساوئ الأخلاق، فإذا طهرَتْ نزل القرآن على القلب فهضمه، فتمثَّل في صاحبه أخلاقًا وعلمًا وحكمةً ونصرًا ونجاحًا وتقدُّمًا وسعادةً.

من أخلاق الداعي إلى الله

في الآيات السابقة ذَكر الله عزَّ وجلَّ الإسلامَ الممثَّل في النبي عليه الصلاة والسلام؛ إسلامَ الدعوةِ وإسلامَ البناءِ وإسلامَ إنعاشِ العربِ وإنقاذِهم ووحدتِهم ونُقْلَتِهم من أمِّيِّين إلى علماء حكماء ملوكِ الأرض وملوكِ السماء.

كالطفل الصغير إذا أُعطي الدَّواء يمتنع، وقد يسبُّ الطبيبَ، وقد يعضُّ من يضع الدواء في فمه، فالطبيب يجب أن يصبر ولا يحزن، وقد يسبه الطفل ويشتمه، فإذا شتم الطبيبُ الولدَ الصغير يكون الاثنان مثل بعضهما، وإذا كان مجنونًا وسقاه الدواء وشتمه المجنون، والطبيب شتم المجنون، فالمجنون الواحد صار مجنونَين.

وكذلك الداعي إلى الله يجب أن يكون واسع الصدر حليم الخُلق يتحمَّل الأذى بكل سرور، وحين يُشتَم يفرح بالشتيمة أكثر مما لو مدحوه، لأنه في الشتيمة يوجد رفع درجات، ويوجد عظيم الثواب والحسنات، لكنه في المدح قد يقع في العجب ورؤية النفس فيحبط العمل.

الذي حفظ الأمة خمسة عشر قرنًا هو القرآن والإسلام

ذَكر الله عزَّ وجلَّ في الآيات السابقة معركة البناء ومعركة النبي ﷺ في بناء العالَم بدءًا من بناء الأمة العربية وبناء لغتها والحفاظ عليها، ولا تزال محفوظة إلى القرن الخامس عشر، فمن الذي حفظها؟ القرآن والإسلام.. والآن نحن تمدَّنَّا وتقدَّمنا وصرنا نتكلم باللغة العامِّيَّة، [هذه الجملة فيها ذم بأسلوب المدح]، وكثير من الخطباء إذا خطب يأتي خمسون حجرًا على رأس سِيْبَوَيْه وعلى أنفه وعلى عينه، [سماحة الشيخ هنا يتكلم بالعاميّة وبأسلوب الفكاهة، وقوله: يأتي خمسون حجراً على رأس سيبويه: أسلوب مستخدَم في اللهجة السورية، وهو كناية عن كثرة الأخطاء اللغوية وفظاعتها عند المتكلم، ويُذْكَر سيبويه في هذا المقال لأنه من أئمة اللغة العربية الكبار]، ولا يخرج سيبويه من معركة الخِطاب إلا مُنهَكًا وهو يقول: هل هؤلاء عرب؟ وربما يتبرأ من عروبتنا.

النتائج الجميلة تحتاج إلى صبر

قبل الآيات التي سنأتي على تفسيرها سبق في الآيات معركة النبي ﷺ وإعراض العرب وجَفوة العرب واحتقارهم للنبي ﷺ: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، فهو ليس غنيًّا من الأغنياء، وليس زعيمًا من الزعماء، بل هو يتيم أبي طالب، فكيف يصير نبيًّا؟ يعني كيف يصير رئيسنا وزعيمنا وموضع التعظيم؟ ولقد لقيَ ما لقيَ مِن رجم الأحجار والسِّباب ومِن الدعايات الضالة والأعداء والمؤامرات والاغتيالات والحروب، وهل يصل بهذه البساطة؟ هل ترى الأم ولدها ببساطة؟ لا تراه إلا بعد الوحام والحمل والطَلْق، “والنفاسُ بريد الموت” 2 .

فالآيات الآن التي سنأتي على تفسيرها هي درس للنبي ﷺ، وبلسم لجراحه في دعوته، وحقن لمادة صبره، حتى يصبر على العِظائم وعلى ما هو أعظم منها، واللهُ عزَّ وجلَّ يقول له: أنت لقيتَ العناء من قومك والإعراض والاستهزاء وكل أنواع الإيذاء، ولستَ بِدعًا من الرسل، لستَ أنت وحدك مَن حدث معه هذا، بل هذه طريقة الرسل وطريقة النبوة وطريقة الدعوة، وهكذا كل الأمور العظيمة المشرِّفة التي تبني الأمجاد، والأمجاد لا تُبنى بالغناء والمواويل [الموال: أغنية فردية]، ولا تُبنى العظمة باللهو واللعب وضياع الأوقات والأماني والادعاء والمباهاة، بل تُبنى بالعَرَق وتُبنى ببذل الأرواح وتُبنى بالعقول الكبيرة وبالأخلاق الرائعة الكريمة الفاضلة.

قال له: اسمع، وسأُخبرك عن الذين قبلك كيف بنوا، وعليك أن تقتدي بهم.. والنبي ﷺ سمع القرآن وآمن به ونفَّذه بالحرف مثلما أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه، وماذا كانت نتيجته؟ هل نجحت الخطة؟ لقد نجحت لأنه مشى على هدي الله، ومشى على مخطط وخريطة الله التي هي القرآن.

صبر النبي ﷺ وصبر الأنبياء عليهم السلام من قبله

النبي ﷺ ذهب، والآن يجب أن نقرأ الآيات على أساس أننا نحن المخاطَبُون بها، فإذا رأينا ما لاقاه النبي ﷺ وبأي شيء قُوبل؛ من عداء وإيذاء واستخفاف واستهزاء [علينا أن نستعد لنكون مثله].. وأنت هل آمنتَ بالقرآن؟ نعم، هل فهمتَه؟ نعم، هل عملتَ بالسنة النبوية في بناء الإسلام؟ قام بالسنة التي هي اللِّحْيَة -على عيني ورأسي- ولكن هذه اللحية ماذا كلَّفَتك؟ هل تزن كيلو ونصفًا وهل تشعر أن جلدك سيسقط بسببها؟ هل تشعر بثقل؟ أنا لا أشعر، أو هل تدفع رَسْمًا عنها كل سنة خمسة آلاف ليرة وتحمل بذلك مَغْرَمًا؟ أيضًا لا يوجد، ثم إنّك تمشي بلحيتك وتخبر الدنيا بأنك تفعل السُّنَّة، أين السُّنَّة في بناء الإسلام؟ أين السُّنَّة في دعوة الإسلام؟ أين السُّنَّة في بناء الداعي؟ في مدرسة حراء بقي النبي ﷺ سنين يخلو بربه، [وهذه من السنن في بناء الدعاة].

هل طالب العلم يصير عالِمًا وداعيًا إذا قرأ الأوراق فقط؟ إنّ أحبار اليهود قرؤوا التوراة، وهي ما يقارب ألف صفحة، وقد قال الله تعالى عنهم بعد قراءتهم وعلومهم في التوراة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ حملوها قراءةً، ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا فهمًا وعلمًا وتطبيقًا وتنفيذًا، ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، في التوراة بدل أن يقولوا: سورة الكهف، يقولون: سفر، سفر التكوين سفر الملوك سفر كذا يعني سورة: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا هل إذا حمل الحمارُ الكتب يصير عالِمًا؟ ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ إذا كان هذا مَثَلهم، مَثَل الحمار يحمل الكتب ولا يفهم، ويقول: أنا أصبحتُ عالِمًا، وهو لم يفهم العلم بَعْدُ، لا فهمًا ولا أداءً ولا أعمالًا ولا إنتاجًا، ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5]، ظلموا وفسقوا لأنهم خرجوا عن طريق الله وطريق العلم والتعليم، وطريقُ التعليم يكون بالأعمال وبالأخلاق وبالسلوك وبالقدوة.

قال الله عزَّ وجلَّ للنبي ﷺ: احذر أن لا تتحمل الأعباء! ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، أوامر مُثقَلة، وستتعرض لكل شيء.. فقد دخل النبي ﷺ في المعركة وصمد وصبر وتحمل، وهذه خمسة عشر قرنًا ونحن نقول: ﷺ.. حتى إن أحدنا يسعى ليمس الشُّبّاك الذي على القبة الثانية خارج القبة الداخلية، وإما أن يستطيع أو لا يستطيع، ويأتي من اليابان ويأتي من أمريكا ليلمس الشباك ويتبارك به، ثم إمّا أن يحصل على ذلك أو لا يحصل.

إنّ الذي يصير جنديًّا في دولة الله هكذا يُعزُّه الله في الدنيا قبل الدار الآخرة، وأما في الآخرة: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، لماذا أعطاهم الله هذا العطاء الذي تعجز العقول عن إدراكه؟ قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]، إسلام المسلم اليوم إسلام التمني، وهذا إذا أسلم! وصلاته صورة، وأمّا قراءته للعلم، فهو قد قرأ ولم يَعْلَم، فلو علم الثعبان لا يضعه في جيبه، ولو علم الذهب لا يرميه في القمامة، وإذا علم الذهب يضعه في الصندوق، وإذا عرف الحنش [أي الثعبان] يقتله بأيِّ وسيلة من الوسائل.

قال له: اسمع يا محمد.. صلى الله على سيدنا محمد، قال له: انظر إلى الأنبياء قبلك ماذا فعلوا؟ وكيف كانوا؟ وكيف الطريق مِن وُعورة وصعوبة ومشاق وأخطار؟ وفي النهاية كيف كانت النتيجة؟ العز والمجد والانتصار والنجاح: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81]، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد:17] الله عزَّ وجلَّ يأتينا بالأمثال، ذكر لنا خمس مئة مثل، وكلها للتقريب إلى وعينا وإدراكنا لنفهم، ولكننا لا نفهم، [خمس مئة هنا لبيان الكثرة لا لتحديد العدد]، ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ [الزمر:40]، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18]، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ [يونس:42-43]، ليس الأعمى من يعمى بصره، إنما الأعمى من تعمى بصيرته.

من معجزات الأنبياء

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا [الزخرف:46]، الله تعالى أرسل معه الأدلة المادية من المعجزات: العصا والثعبان وأرسل عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع، وكان البلاء يُنزِل عليهم حتى إذا كادوا أن يهلكوا قالوا: ادعو الله لنا يا موسى أن يرفع عنا البلاء ونتوب، فيدعو لهم ويُرفَع البلاء، ثم يعودون أسْفَهَ وأَخبَثَ مما كانوا، ومرة واثنتين وثلاثًا وأربعًا: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101]، هذا موسى عليه السَّلام وهو كليم الله ومعه فصاحة النبوة وروحانيتها.

وسيدنا محمد ﷺ مع أبي جهل، هل النبي ﷺ لم يكن يعرف كيف يفهِّمه أو قصَّر في حقِّه؟ لماذا أبو بكر رضي الله عنه صار أبا بكر وذاك صار أبا جهل؟ فهل الحق على النبي ﷺ أم على أبي جهل؟ يعني هل النبي ﷺ أعطى أبا بكر رضي الله عنه أكثر مما أعطى أبا جهل؟

“عين الفِيْجَة” مفتوحة للعموم، [عين الفيجة: نبع ماء صاف يشرب منه أهل دمشق] والذي يذهب يأخذ منها، وإذا معه كأس شاي يأخذ كأس شاي، وإذا أخذ صَهْرِيْجاً “السيارة التي ترش الماء” هل تُعطيه أم لا تعطيه؟ والذي يذهب إلى البحر ويأخذ كأس شاي يأخذ بحجمها، وإذا فتح خليجًا فالبحر ألا يُعطيه خليجاً؟ نسأل الله أن يوفقنا.

مشكلة الأعمى في عيونه لا في الإنارة

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى، حمَّلناه رسالتنا لسعادة بني إسرائيل ولسعادة فرعون، ﴿بِآيَاتِنَا [الزخرف:46]، ما الآيات؟ الدلائل والبراهين التي توضِّح للإنسان وترفع عنه كل شك في النبي بأنه نبي وأنّ أمره واضح، هل يرتاب أحد بالشمس وقت الظهر ولا يوجد غيم؟ وهكذا الآية كانت تعطي ضوءًا على النبوة حتى لا يقع شك في عقل أي إنسان بأنه نبي.

لكن إذا كان الإنسان شقيًّا يكون كالأعمى، إذا أشعلتَ له مصباحًا بقوة مئة شمعة يقول لك: لا أرى.. نشعل له مصباحًا بقوة خمس مئة شمعة يقول لك: لا أرى، وهذا لو أخرجتَ له خمس مئة شمس هل يرى؟ وهل العيب بالإنارة أم بالعين؟ العيب بعيونه.. نسأل الله أن يحمينا من الشقاء.. وفي الغالب لا يكون هذا من قلة الفهم، لكنه هو الذي لا يريد أن يفهم، يغلب عليه الهوى، ويريد زعامة ويريد أنانية، [يقول في نفسه:] كيف يصير محمد عظيمًا وهو من الناس العاديين؟ وأنا عظيم، فإن صار محمد عظيماً سيصير مزاحماً لي على عظمتي.. يرى أنه لو صار النبي ﷺ عظيماً سيكون مزاحماً له على عظمته وعلى أنانيته وعلى رئاسته.

كنت أسمع من شيخنا قدس الله روحه مثلًا يقول: “يا بني امشِ مع الأسد واخدمه وهذا شرف لك، ولا تمشِ مع الكلب ولو خدمك”، فإنه إذا خدمك يلحسك، وإذا لحسك ونظَّفك ماذا يفعل بك؟ ينجِّسك، فتحتاج إلى تغسيل سبع مرات إحداها بالتراب.

﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الزخرف:46]، الملأ هم الأشراف، والضربة مباشرةً على الرأس؛ مباشرة إلى فرعون، [الضَّرْبَةُ مباشرة على الرأس: أسلوب في اللهجة السورية بمعنى أن البداية الأولى تكون على أكبر شيء وأهمه، وهو هنا فرعون وملؤه]، لأنه إذا آمن فرعون وآمن مَلَؤُه ووزراؤه فإن الشعب كله يؤمن، انظروا إلى فقه القرآن! إذا كنت تستطيع فاذهب إلى القوة وإلى من يملك القوة لتُبَلِّغه الرسالة، ولكن [الشيخ اليوم] يقول: لا أذهب، ويقول: “بئس العلماء على أبواب الأمراء” 3 ، هل هذا قرآن ونقول بعده صدق الله العظيم؟ هل هذا رواه البخاري؟ مِن أين أحضروا هذا؟ إذا كان هكذا فبئس موسى على باب فرعون، وبئس سيدنا محمد على أبواب زعماء الجاهلية، وبئس الأطباء على أبواب المرضى، إذا كنتَ ذاهبًا إلى الجَرْبَان [الأجْرَب] ليصيبك الجَرَب فواللهِ بئس الذهاب، وإذا كنتَ ذاهبًا إليه وأنت طبيب جِلْدِية لتطبِّبه فنعم الأطباء على أبواب الجُرَبَاء [الجربانين]، هل يصح أن يقال: جُرَبَاء؟ [يضحك الشيخ قليلاً ويُنهِي الفكرة بقوله:] الخُلاصَة.

الخطر ممن يدَّعي العلم وهو جاهل

﴿فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزخرف:46]، [ينتقل هنا سماحة الشيخ إلى بعض دلائل هذه الآية في الواقع المعاصر، ويناقش فكرة الإسلاميين الذين يحاربون حكامهم ويُكَفِّرونهم]، قبل أي شيء يجب أن تعرِّفه مَن أنت وما رسالتك وما الهدف، لا تذهب مباشرةً وتشتمه، أو ربما لا تذهب، وفوق أنك لا تذهب إليه تكفِّره أيضًا، وليس فقط لا تذهب إليه وتكفِّره، بل وتحكم عليه بالإعدام لأنه مرتد، مع أنّ المرتد الذي يُعلِن رِدته يوجد له في الشرع ثلاثة أقوال: قول بأنه يُحاوَر ثلاثة أيام، فإن أصرَّ يُقتَل، ونُحضِر له -في الأيام الثلاث- كبار العلماء والحكماء والفهماء ونحاوره، لماذا ارتددتَ؟ ما الشيء الذي تشكُّ به؟ ويجب أن نُظهِر له [الحقَّ] بالبلاغ والتوضيح المبين، فإذا قلنا له: هذه عمامة، وقال: بل هذه ليست عمامة هذه عصا، وثلاثة أيام وهو يقول: هذه عصا، فما معنى هذا؟ هل هو إنسان؟ هذا مَسْخ إنسان، ويجب أن لا يكون هناك مسخ.. ويوجد بعض المذاهب يقول: يُحاوَر شهرًا، ومذهب ثالث أنه يُحاوَر دهرًا، يعني لا يُحكم عليه بالإعدام.

ولكن لا يوجد علم، بل جهل وهذا أخطر الأخطار، وفي الحقيقة فإنّ الجهل ليس خطرًا، فإذا قال صاحبه: أنا جاهل ولا أعرف كيف أقود السيارة.. هذا لا يوجد منه أذى، وكذلك إذا كان عالِمًا يُحسِن القيادة فإنه يوصلك إلى حيث تريد، ولكن الخطر في الذي يجهل جهله، ولا يعرف أنه جاهل.

هو جَرْبان [مصاب بالجَرَب] ويقول: هذا كله لؤلؤ، وعيونكم هي التي لا تفهم ولا ترى، وهذه الدمامل كلها لؤلؤ، وكلها عطر الزنبق وعطر الورد، تعالوا شُمُّوا وتباركوا وتمسَّحوا.. فكل الذي يتمسَّح لا تراه بعد ساعات إلا بدأ الحَكّ وجرى المرض في دمه، ويستمر حتى يظهر العظم.. إذا عرف أنه جربان فهذه نعمة، أما إذا لم يعرف نفسه أنه جربان فهذا اسمه الجهل المركَّب، جهل على الجهل، وهو يجهل جهله.

الجهل المركب

قالَ حِمارُ الجَهُولِ يَومًا: لَو أَنصَفَ الدَّهرُ كُنتُ أَركَبْ

لو يوجد إنصاف في الزمان والدهر لوجب أن لا يُركَب، بل أن يكون راكبًا.. فالحمار يريد أن يَركب على حمار، ومَن إَذَنْ سيكون حمار الحمار؟ لأن الحمار بهذا الحال ألا يحتاج إلى حمار ليركبه! وبذلك يصير حمار الحمار. [يقول سماحة الشيخ هذا بأسلوب فكاهي وهو يضحك، وكأنه يرمز إلى أن بعضَ الناس أو بعضَ مَن يركب الحمير ربما يكون في حقيقته حِمارَ الحمار].

قالَ حِمارُ الجَهُولِ يَومًا: لَو أَنصَفَ الدَّهرُ كُنتُ أَركَبْ

لكن يقولون: إن الزمان يجور، وأين الجور؟ قال

لأنني جاهل بسيط ……………………..

هو حمار ويعترف بحِمَاريَّته، ولا يتنازل عن جنسيته، مع أنه إذا قلتَ لشخص: “حمار” لتسُبَّه، فهذه مدح، لأن أخلاق الحمار عالية، هل رأيت حمارًا أحمق؟ هل رأيتَ حمارًا متكبِّرًا؟ هل رأيتَ حمارًا لا ينفع الناس؟ بل كله منافع، هل رأيتَ حمارًا يُمنِّن ويقول لك: لقد حملتُ لك تُرابك وأوساخك وحطبك طوال عمري، وهل مننتُ عليك يومًا مِن الأيام؟ فإذا قلتَ لشخص: “يا حمار”، فإنّك تمدحه، فقد يكون الحمار أحسن منه بمئة مرة.

قالَ حِمارُ الجَهُولِ يَومًا: لَو أَنصَفَ الدَّهرُ كُنتُ أَركَبْ لأنَّنِي جاهِلٌ بَسِيطٌ وراكِبِي جاهِلٌ مُرَكَّبْ

بدء الداعي بالتعريف بنفسه وبرسالته

موسى عليه السَّلام قبل كل شيء ذهب وقال له: أنا رسولٌ أحمل لك رسالة، وأحضرت لك مكتوبًا، فاقرأه، ورسالة مِن رب العالمين مِن خالق الكون خالق السماوات وخالق المجرات وخالق السُّدُم.. وقال له: إذا لم تصدِّق سأحضر لك آيات، وهي عدا الدراسة الفكرية، وسأحضر لك علائم وأشياء تراها العينان على صدق قولي: إني رسول.

فرمى له العصا فصارت ثعبانًا، ووضع يده تحت جُبَّتِه [عباءته] ورفعها له فأشعَّت مثل الشمس في وقت الضحى.. أرسلناه مؤيَّدًا بآياتنا بتسع معجزات، قال: ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47]، هذا هو الشقاء بأن يكون الشيء واضحًا مثل الشمس [ثم ينكرونه].

قَد تُنكِرُ العَينُ ضَوءَ الشَّمسِ مِن رَمَدٍ وَيُنكِرُ الفَمُ طَعْمَ الماءِ مِن سَقَمِ

﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، هل رأيتم غرابًا يمشي مع شُحرور؟ هل رأيتم قردًا يمشي مع غزال؟ القرود مع بعضها والجرذان مع بعضها

كُلُّ وِلْفٍ عَلى وِلْفِهِ يَلفِي حتَّى الطُّيورُ عَلى أَشكالِها تَقَعُ

وبعضهم يقول: “قل لي من تصاحب ومن تجالس ومَن صديقُك وأنا أقول لك من أنت”.

مثال المعرِض عن دين الله

﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47]، هؤلاء هل يضحكون على رسالة الله أو على رسول الله أم يضحكون على أنفسهم؟ فإذا أحضرتَ لشخص ألماسة بحجم الجَوْزَة، وثمن هذه ربما أكثر من مئة مليون دولار، وقلتَ له: أعطني مئة ليرة سوري وأبيعها لك، فإنه قد يسخر منك ويهزأ ويقول لك: هل أنت مجنون؟ وهل أنا مجنون؟ هل أشتري زجاجة بمئة ليرة! فيضحك منك مستهزئاً ويقول: اذهب من هنا.. اذهب.. هل تريد “أن تضحك عليَّ” [أن تخدَعني]؟ أنا “أضحك على” [أخدع] ألف شخص مثلك.

[ينكر حقيقة هذه الألماسة العظيمة ولا يراها إلا قطعة زجاج لا قيمة لها].

هذا مثال من يُعرض عن دين الله عزَّ وجلَّ وعن رسالة الله وعن حكمة الأنبياء وحكمة الحكماء، ويرى نفسه أنه هو الفهيم، مع أن الحمار خير منه، ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]، مَن هؤلاء الذين هم أضل من الدواب؟ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] يعني الجاهلون.

فالذي عَلِم الطب هل يعني أنه عَلِم رسالة الله عزَّ وجلَّ التي أرسلها إليه ليسعد بها في طبه؟ وليسعد بها كل واحد في حُكمه وتجارته وزراعته وفي الدنيا وفي الآخرة؟ هذا هو الجاهل وهذا هو الغافل، وإذا كانوا فوق الجهل يهزؤون أيضًا من الرسالة ومن الرسول ومن المرسِل، فهذا هو الشقاء.

فرعون هل صار مَلِكًا لأنه لم يكن ذكيًّا ولم يكن شَخْصِيَّة؟ [كلمة “شَخْصِيَّة” هنا بالعامِّيّة، وتعني: محتَرَماً وقوياً وذا هيئة ومنظر جميل جذاب، أنيقاً في لباسه، جذاباً في كلامه]، لكن نسأل الله أن يرزقنا التوفيق، ترى الإنسان أذكى الأذكياء وتراه سارقًا أو حشَّاشًا أو تراه نَوَرِيًّا، [النَّوَرِي: شخص من النَّوَر، وليس المقصود هنا النَّوَري بعينه وقبيلة النَّوَر، فالناس سواسية لا فرق بينهم في الإسلام، لكن هذه الكلمة تُستخدَم باللهجة السورية كناية عن الإنسان البسيط الفقير الجاهل البعيد عن الحضارة.. وسماحة الشيخ هنا يتكلم بالعامية]، ألا يوجد نَوَرٌ أذكياء؟ تراه مجرمًا، وعقلُه قاده إلى الإجرام، لأنه لم يصحبه التوفيق، وشخص آخر تراه بسيطًا، يعني عقله بسيط، يفتح الله عليه أمر الدين والدنيا والآخرة، والأنبياء هم أعقل العقلاء وأحكم الحكماء.

هناك أناس مثل العقرب لا تؤثر فيهم العقوبة ولا العطاء

﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ [الزخرف:47] لا نُحضِر لهم دليلًا ومعجزةً وبرهانًا وحُجَّةً عقلية وبصرية وفكرية وعلمية على صِحّة النبوة، ﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا [الزخرف:47] الآية الثانية أكبر مِن الأولى، ولكن لا فائدة، بل يعرضون إعراضًا، يؤمنون تحت العذاب، وحين يُرفَع عنهم العذاب ﴿إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف:50]، ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، هناك أناس لا العقوبة تُؤَثِّر فيهم، ولا العطاء يؤثر فيهم، ولا الإحسان يؤثر فيهم، ولا العلم ينتفعون منه.

يقول الحكماء في الأمثال: أتت عقرب تريد أن تجتاز نهرًا، والعقرب لا تجيد السباحة، فرأت ضفدعة وطلبت منها أن تعمل معها معروفًا وتنقلها إلى الشاطئ الثاني من النهر لوجه الله، وذكَّرتها بثواب من يفعل الخير ومن يعمل المعروف، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، وأقامت لها درسًا له أول وليس له آخر، [له أول وليس له آخِر: جملة في اللهجة العامِّيّة، وتعني طويلاً وعظيماً]، فقالت لها الضفدعة: توكلي على الله، نعمل المعروف لوجه الله، فأركبتها، وفي منتصف النهر لَسَعَتْها [لدغتْها]، فقالت لها: ما هذا؟ هل هذا جزاء المعروف؟ أنا أنقذتُك وجعلتُ ظهري لك موطئ قَدَم وأرضًا! ومجانًا ولوجه الله! وأكرمتُك وأحسنتُ لك! هل هكذا تكافئين المعروف؟ قالت لها: لا تؤاخذيني لأن الطبع تحت الروح.. تذهب الروح والطبع يبقى، قالت لها: أنا طبعي الأذى، ألم تعرفيني أنني عقرب، وأنت عملتِ المعروف مع غير أهله.

والضفدعة أيضًا صارت غواصة وغاصت إلى قاع النهر، فطفت العقرب على وجه الماء، وبينما هي تغرق صارت تصرخ: أرجوكِ أليس الشرط أنك تأخذيني إلى الطرف الثاني؟ قالت لها: لا تؤاخذيني فهذا طبع، وأنا من طبعي الغوص مثلما أنت من طبعك الأذى.

نسأل الله أن يُفَهِّمَنا على لغة الله، لا يوجد شيء في الكون سواء أُمَّة أو دولة أو مَلِك أو صغير أو كبير إلا أعماله محصية، فإن كانت خيرًا فسيحصد خيرًا وإن كانت شرًّا فسيحصد شرًّا.

أمثلة من الهلاك والنهاية في الوقت الحالي

لعلكم سمعتم صباحًا بالعاصفة الآتية على إنكلترا، والتي هي بسرعة مئة وتسعين كيلو متر في الساعة، ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20]، بعض الطائرات وهي جاثمة في الأرض طيَّرَتها، والسيارات طارت والبيوت طارت.. واللهُ تعالى لا يعترفون به، وهو يُثبِت وجوده للذين عقولهم غير موجودة.. إنّ الله موجود، واللهُ بلحظة واحدة ينهيهم.

مَن كان يظن أن الشيوعية المسيطرة على نصف العالم والنصف الثاني خائف منها انتهت بلحظة واحدة.. إذا غيَّرتَ مُحَرِّك السرعة في السيارة، بحيث كان للأمام فغَيَّرته للخلف، فدوران المحرِّك يبقى، لكن الاتجاه هل يتغيَّر أم لا يتغيَّر؟ بلحظة واحدة يتغير.. عبد الناصر رحمه الله بلحظة واحدة أصابته نوبة قلبية وانتهى الأمر، فلا تغترَّ.. الشباب ألم تقم قيامته على الشيخوخة؟ وعندما تصير شابًّا ألم تقم قيامة الطفولة؟ وعندما صرتَ في المدرسة ألم تقم قيامة الرضاعة؟ خمسون قيامة تمر عليك ولا تشعر بنفسك، وتنكر قيامة الله! هناك أناس لا يعرفون الحقيقة المهلِكة المخزية حتى تنزل بهم.. نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا يُرينا الأمور بعقوبتها، بل يرينا الأمور بحسناتها وخيراتها.

إمهال الله تعالى لعباده

أرسل لهم تسع آيات وأعرضوا، الآية الأولى الثانية والثالثة.. وبعد ذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]، لَمَّا أغضبونا ولم يَقبلوا بأن يتوبوا ويُنيبوا انتقمنا منهم، ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:25].

قال: ﴿إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ [الزخرف:48] أخذهم أخذة عزيز مقتدر، فإذا غضب الله عزَّ وجلَّ وأنزل غضبه، فلا يقف أمامه دولة أو أمريكا أو روسيا أو فرعون أو أباطرة الروم أو أكاسرة الفرس الذين ملكوا الشرق والغرب.. إنّ الدنيا كلّها عند الله ذَرَّة، وأنت ماذا تشكِّل على هذه الذَّرَّة؟ فهل تريد أن تصارع الله وتناطح الله؟ لكنه يغترُّ بحلم الله، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا لو كان الحساب حالًا ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ لعلهم يَتُوبون ويَثُوبون، ﴿يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ليس هكذا بلا أجل، بل إلى وقت محدد، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ [فاطر:45] جاء الوقت المحدد وقد أمسك الله برقبته، ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].

كيف بك إذا رَصَدَ لك شخص خلف الباب وأنت لا تعرف؟ هنا [في الدنيا] تعمل أشكالًا وألوانًا، وهو يتركك، لكن الحساب عند الباب، ولما تصير عند الباب لا ترى إلا قبضةً من حديد أتت وأمسكت برقبتك، وأحكمت تلك الآلة القبضة عليك، فما الذي يُخَلِّصُك حينها من تلك القبضة الحديدية ومن القبضة الإلهية؟

كل منا، رجل أو امرأة صغير أو كبير غني أو فقير حاكم أو محكوم، يجب أن لا نغترَّ بحلم الله، أين “شكري القوَّتلي”! [رئيس سوريا من: 1943م إلى: 1949م، ثم من: 1955م إلى: 1958م]، أين السلطان عبد الحميد؟ أين الملوك الأمويون الذين وصل حكمهم إلى جنوب ألمانيا وشمال سويسرا؟ لم يبقَ لهم قبر، فلما أخذ العباسيون الحكم نبشوا قبورهم وحرقوا عظامهم، وهذا ليس إسلامًا ولا دينًا ولا أخلاقًا، وهذا كله عِبَر لِمن يعتبر، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [آل عمران:13]، ﴿لِأُولِي النُّهَى [طه:54]، لأولي العقول، وكيف إذا لم يكن هناك عقل ولا يوجد قلب! إنّ الدابة تفهم، ويوجد أناس أضل من الدواب: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44].. نسأل الله أن لا يجعلنا كالدواب ولا أضل من الدواب.

قدرة الله تعالى في جسم الإنسان

﴿فَأَخَذْنَاهُمْ [القمر:42] إذا أراد الله أن يأخذك فإنه يأخُذُك ﴿أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:42] من أنت أمام العزيز وأمام العزَّة الإلهية وأمام القدرة الإلهية؟ قلبك يتحرَّك بقدرته، وشرايينك السير فيها بقدرته، وخلايا مخك -وهي أربعة عشر مليار خلية- كلها تعمل معاً في لحظة واحدة [وفي كل لحظة]، وتعمل كلّها بعمل مترابط منظَّم موحَّد.. فهذا هو الذي خلق هذا الخلق وخلق الكون بلا نهاية، وأنت هل ستُعجِز الله؟

ارحم نفسك لا ترحم الله، لا تخف على الله، بل خف على نفسك، لا تفكر بالله، [“لا تُفَكِّر بالله”: سماحة الشيخ هنا على طريقة التدريس لم يكمل الجملة، لأن التتمة معروفة عند المستمع، ثم يأتي ببيت الشعر التالي مُبَيِّناً تتمة هذه الجملة.. ومن ناحية ثانية فهو يتكلم باللهجة العامية، ويكون معنى هذه الجملة “لا تفكِّر بالله” حسب السياق، وهي هنا تعني: لا تُشغِل نفسَك كثيراً بالتفكير هل الله يقدر أم لا! بل فكِّر بما هو أعظم أهمية لك: كيف تُنجِي نفسك من عذابه وجبروته]، قال

يا ناطحاً جبلاً يوماً ليوهنه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبلِ

لا تقل: الجبل ضعيف وسأعفو عنه.. اعفُ عن رأسك يا مسكين يا جهول.. هل هذا الجهول الراكب أم المركوب؟ راكب، لكن يجب أن يكون مركوبًا لمن ركبه، يجب أن يكون مركوب الحمار، والحمار يركبه، لأن الحمار أفضل منه.

العذاب قد يكون رحمة كي ترجع إلى الله سبحانه

﴿وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:48]، فالعذاب رحمة، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا هل لإهلاكهم؟ قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]، يَشُدُّ لك أُذُنَك أول مَرَّة وثاني مَرَّة، [شَدّ الأُذُن: كناية عن العقوبة الخفيفة]، وبعدها إنْ لم توجد فائدة [ولم ترجع عن الذنب]، إذن اقطعوا رأسه.. وجهنم رحمة، هناك أناس لولا جهنم ما وصلوا للجنة، ومن خوفهم من جهنم يسلكون طريق الجنة: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ، أي شخص أشد ظلمًا لنفسه ﴿مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ذكَّروه ونبَّهوه ونصحوه، ﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا يصرُّ على أن يسلك طريق الإجرام، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:21-22]، هذا هو الله!

إنّه الله الذي إذا أراد أن ينتقم أو أراد أن يعطي أو يمنع أو يعز أو يُذل، ((اللَّهمَّ لا مانِعَ لِمَا أَعطَيتَ)) 4 .. يجب أن نتقي الله، ليس فقط بأن نصلي هذه الصلاة الجسدية، وليس فقط أن “نُرْخِي” [لا نحلق] اللحية، وهي قليل من الشعر، بل أن نصلي بخشوع ونصلي بتدبُّر: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، كل كلمة تفهمها وتتمثَّل فيك عملًا وسلوكًا وشعورًا وإحساسًا وأخلاقًا وصفاتٍ.

ظهور الفاحشة سبب للبلاء والأمراض

﴿قَالُوا [الزخرف:49] لَمَّا نزل عليهم العذاب وأرسلنا عليهم الطوفان، قالوا: نرجوك يا موسى! ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ العذاب ﴿إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ [الأعراف:134-135]، الله عزَّ وجلَّ يعلم ماذا سيفعلون في المستقبل، لكن حتى يقيم حجته عليهم.. ها قد كشفنا عنكم العذاب وعفونا عنكم، ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الأعراف:135]، إذا نكثتَ مع الله مرة واثنتين وثلاثًا وأربعًا وخمسًا، ماذا بعد ذلك؟ ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:25].

إذا نزل “الحُكْم التَّمْيِيْزِي” الإلهي لا يوجد مَن يخلِّصك من الله عزَّ وجلَّ، [الحكم التمييزي: هو الحكم النهائي في المحكمة والذي لا يقبل الطعن، ومحكمة التمييز هي أعلى سلطة قضائية]، النمرود سلط الله عليه بَرْغَشَة، [بَرْغَشَة: واحدة من البَرْغَش، وهي حشرة أصغر من البعوضة، ولها جناحان يشبهان جناحي الفراشة، تأتي في البيوت على بقايا الفواكه والطعام والأماكن الرطبة]، والآن جرثوم الإيدز، ما هذا الجرثوم؟ ((ما ظَهَرتِ الفاحِشةُ في قَومٍ حتَّى يُعلِنُوا بِها)) -هذا حديث نبوي- ((إلَّا ابتَلاهُمُ اللهُ بِالأَمراضِ والأَوجاعِ التي لم تَكنْ في أَسلافِهِمُ الذين خَلَوا)) 5 ، أليس هذا معجزة من معجزات النبي ﷺ؟ ومعجزات النبي ﷺ دائمًا قائمة ومتلاحقة، ولكن: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

ضرر النكث بالتوبة

فلما رأوا الآيات والسياط الإلهية، ﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ [الزخرف:49]، كان الساحر عندهم هو أعلم الناس.. نرجوك ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ [الزخرف:49] نحن تائبون.. يوجد فئة من الناس يتوبون ثم يعودون ويعاهدون ثم ينكثون، ويتحدثون ويكونون كذّابين.. هو يكذب على نفسه ويضر نفسه، وعندما يعرف الناس من أول مرة أنه كذَّاب، لا أحد يُصَدِّقه بعدها، وإذا رأوه نقض العهد في أول مرة لا أحد يعامله بعدها، فهو يضر نفسه.. قد يكون ضَرَّ شخصًا مرةً واحدة، لكنه ضَرَّ نفسه طوال حياته، وهذا في الدنيا، وهو غير الذي في الآخرة.

العقل المسعِد لنفسه وللآخرين

لكن ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]؟ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:73]، لكننا نحن لا نعقل، هل الحمار يعقل أم لا يعقل؟ يعقل، وله عقل، ما عقله؟ عقله أن التِّبْن أفضل من البقلاوة، [البَقْلاوة: نوع من الحلوى الفاخرة المشهورة]، وهل هذا يُدْرِكه بعقل أم بلا عقل؟ الأعمدة هل تمتلك هذا العقل؟ هل تُفضِّل التبن على البقلاوة؟ [والإنسان له عقل]، لكن كيف إذا منهم مَن عَقله عقل حيوان! والشيطان عنده عقل، لكنه عقل مفسِد مخرِّب شيطان، وهل عقله أسعده أم أشقاه؟ هل أسعده وأعزه أم أذله؟ هل رفعه أم خَفَضَه؟ ليس المهم العقل، بل نحتاج إلى العقل المسعِد لصاحبه وللآخرين، وهذا هو العقل المحمود.. والشيطان عنده عقل وذكاء

لَو كانَ بِالعَقلِ مِن دُونِ التُّقَى شَرَفٌ ……………………….

العقل يحتاج إلى تقوى، وما التقوى؟ أن تمشي بالعقل الإلهي.. وهذا [قول: العقل الإلهي] عند أهل السنة لا يجوز، أما عند إخواننا الشيعة فإنهم يقولونها مجازًا ويجوز، والله يُطلَق عليه الحكمة والحكيم، وعندهم يُطلَق العقل، والمعنى واحد، لماذا إذاً نقيم خلافاً؟ نحن ننشئ خلافاً على ما لا خلاف في حقيقته، ومِن الخلاف الشكلي صنعنا مذهبين ودِينين وقَسَمْنا الأُمَّة.. وإلخ. [يقول سماحة الشيخ رحمه الله هذه الكلمات بانفعال وانزعاج، فقد كان دائماً يسعى إلى توحيد الأمة الإسلامية كلّها، ويحارب خلافاتها وتمزَّقها والأسباب الموصلة إلى ذلك].

لَو كانَ بِالعَقلِ مِن دُونِ التُّقَى شَرَفٌ لَكانَ أَشرَفَ خَلْقِ اللهِ إبلِيسُ

تعاملك مع المخلوقات هو تعامل مع الله سبحانه وتعالى

إنّك لا تستطيع أن تقوم “بِشَطَارَة” [بحيلة] على الله، “وذكاء على الله لا يوجد، وفَهْم على الله لا يوجد”، [هاتان الجملتان في اللهجة العامِّيّة، وفيهما فكرة قوية، لذلك يجدر بيان المعنى: إن كنت ذكياً وعندك قوة في الحيلة وقوة في الفهم فلا تحسب أن هذا ينجيك بين يدي الله، فقوة الذكاء والحيلة والفهم ليست ضعيفة فقط أمام عظمته، بل لا وجود لها إطلاقاً.. فاحذر وقوفك بين يديه مهما كنت ذكياً أو عالماً أو عبقرياً أو قوياً..]، إذا عاملتَ النملة فإنك تُعامِل الله عزَّ وجلَّ، والمرأة التي حَبَسَت القطة حتى ماتت هل القطة عاقبتها أم من عاقبها عن القطة؟

والتي رأت الكلب يلحس الطين من العطش حول البئر، ونزلت البئر وشربت وملأت فمها وخُفَّها -يعني حذاءها- ماءً رحمةً وشفقةً على الكلب حتى سقته فأنقذته من الموت عطشًا، هل الكلب كافأها؟ مَن كافأها؟ الله عزَّ وجلَّ، وبماذا كافأها الله؟ قال: ((فَغَفَرَ اللهُ لَها)) 6 .

إذا عملتَ الخير فإن الله سيكافئك، ولا تنتظر المكافأة من الناس، ومهما كافؤوك فمكافأة الله عزَّ وجلَّ أعظم، وإذا لم يكافئوك فافرح، وقل: أريد أن آخذ المكافأة كاملة من الله تعالى، وإذا أساؤوا لك لا تخف، فإنك إذا لم تأخذ حقك فإن الذي اسمه الحق هو الذي ينتصر للحق.

تكبُّر فرعون ونظرته لموسى عليه السَّلام

قال: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف:50]، بعدما عاهدوا: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولم يؤمنوا، ﴿وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134]، [ولم يُرسلوا معه بني إسرائيل].

﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، أنا مَلِك هل أمشي وراء شخص حقير مهين ألثغ، يقال: إن موسى عليه السَّلام كان في حضن فرعون يلاعبه وهو طفل، وقد تربَّى في قصر فرعون، فبينما كان يلاعبه -وكان سيدنا موسى عليه السَّلام مشهورًا بحدَّة الطبع- أمسك فرعونَ من لحيته وكاد ينتفها، فغضب فرعون وأمر بقتله، وقال: هذا إسرائيلي، وقد فعل ذلك عن قصد، فشفعت آسية له وقالت: هذا طفل لا يفرِّق بين التمرة والجمرة، فقال: أَحْضِروا.. فأحضروا منْقَلًا فيه جمر ومنْقَلًا فيه تمر، [المنْقَل: وعاءٌ معدني يُوضَع فيه الجَمر والحطب المُشتَعِل]، فمد يده إلى الجمرة وأخذها إلى فمه فلُدِغ لسانه 7 ، فكان فرعون يعيب على سيدنا موسى عليه السَّلام لدغة لسانه.. فقال: أنا مَلِكٌ، وهذا الحقير الفقير الذي أتى مع اللاجئين إلى بلادنا، هل أنا أمشي وراءه؟!

هو لم يستعمل عقله ولم يفكر أن هذه رسالة من عند الله عزَّ وجلَّ، فإذا كنتَ مَلِكًا وأرسل لك مَلِك آخر رسالةً مع خادم، هل تأخذ الرسالة أم لا تأخذها؟ وإذا كان فيها أنه يوجد كنز في المكان الفلاني، أو هذه “كُمْبْيَالية” [شِك أو سند مالي] اذهب واقبضها وفيها مليون دولار، فإنك تأخذها من ساعي البريد مهما كان فقيرًا، ولْيكن لسانه ألدغ! وهل تهتم بلدغة لسانه! أنت خذ الكمبيالية، وليس لك علاقة بلسانه أو غير لسانه. [لا علاقة لك بلسانه أو غير لسانه: كلام في اللهجة العامِّيّة، ومعناه: إنّ المهم لك أن تأخذ الكمبيالة فهي أمر عظيم، ولا يهمك أبداً لسانه أو أي شيء آخر، والاهتمام بلسانه وفصاحته حينها أمر لا يفعله عاقل].

الاقتداء بموسى في تعامله مع الحاكم

قال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]؟ معنى ذلك أن الرسالة سيتعالى عليها الأغنياء، ويتعالى عليها أصحاب القوَّة والنفوذ في كل زمان ومكان، ولكن يجب على حامل الرسالة أن يمشي على تخطيط صاحب الرسالة: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ [طه:43-44]، “اذهبا”: أنت اذهب إليه.. الآن يوجد مِن المشايخ مَن تقول له: اذهب إلى الحاكم، يقول لك: لا أذهب.. إلى مدير الشرطة، لا أذهب.. إلى المحافظ، لا أذهب، ولكن الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿اذْهَبَا، أليس: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]؟

هل تذهب لتبيع دينك أم لتنصر دينك؟ ويجب عليك أن تنصر ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، بالآيات البينات، وبالحجة البالغة والحكمة الواضحة.

واللهِ إنَّ الناس بخير، وأنا رأيتُ العالَم كلَّه والدنيا كلَّها باختلاف أديانها ومذاهبها السياسية والدينية، وبفضل الله علا الإسلامُ ولم يُعلَ عليه، علا الإسلام وما علا عليه شيء، ليس المهم وجود الطائرة فقط، بل المهم الطيَّار أيضاً، فإذا كانت الطائرة “بوينغ”، والسائق “طُنْبَرْجِي”، [سائق طُنْبُر، والطُنبُر عربة خشبية يجرها عادةً حمارٌ أو بغل]، قل له: اذهب وقُدْ الطنبر، فهذا أفضل لك، وأنتم يا ركَّاب لا تركبوا معه أفضل لكم، لأنه إذا طارت يَقضي عليكم.

بعد الموت تذهب كل الألقاب

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، وماذا يعني إذا كان لك مُلْك مصر؟! ألا تعرف مَلِك الملوك؟ وما أنت أمام مَلِك الملوك؟ لكن بسبب هذا الغرور والجهل ينسى من خَلَقه: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ [يس:77]؟

مَن أنت؟ نجومك وشهاداتك والدكتوراه ومليونير وملياردير بعدها عندما تموت وتصير في الكفن ما اسمك؟ هل بقي مَلِكًا أو رئيسًا أو مفتيًا أو دكتورًا أو أستاذ جامعة؟ صار اسمك ميتًا، وبعد قليل اسمك جنازة، وبعد قليل اسمك قبر، وبعد قليل صرتَ ترابًا، وإذا كنتَ ترى الدنيا كدنيا فهذه هي الدنيا، أما روحك: فعندما ترى نفسك بالمنام في نيويورك أو في مكة بأي عين تكون قد رأيتَ؟ أليست عيونك مغمضة؟ وبأي رِجْل مشيتَ؟ أنت فيك إنسان آخر داخلي، وهذا الذي عليه المعوَّل، وهذا هو الباقي، فهل تعتني بصحته وغذائه ومستقبله؟ بل تهتم بالجسد مثل الحيوانات، وتجعل نفسك عالِم العلماء.

قالَ حِمارُ الجَهولِ يَومًا: لَو أَنصَفَ الدَّهرُ كُنتُ أَركَبْ لِأَنَّني جاهِلٌ بَسِيطٌ وصاحِبِي جاهِلٌ مُرَكَّبْ

وهل أنتم عندكم جهل مركَّب أو بسيط أم علم وحكمة؟ الإسلام علم وحكمة وأخلاق، وهذه [الأمور الثلاثة يجب أن تكون فيك] حتى تأخذ لقب مسلم ومسلمة، فهل تعلمتَ القرآن؟ وهذه الآيات هل فهمتَها؟

معرفة أعدائنا للقرآن وبُعدنا عنه

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، هل يعني أنك يجب أن تعمل مثله وترى نفسك بمُلكك أو بمالك أو بجاهك أو بذكائك أو بعلمك أم تسارع ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:133-134]؟ ويوجد آية: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].

هذا هو القرآن، والأعداء عرفوه ونحن لا نعرفه، الأوربيون عرفوه ونحن لا نعرفه، ومِن معرفتهم به يُضلِّلوننا عنه ويبعدوننا عنه بشتى الوسائل، ونحن مثل الطفل الصغير بين أيدي أعدائه الحاقدين، ماذا يفعلون به؟ وقلَّ من يَعِي! وقَلّ مَن له عينان ويبصر وله أذنان ويسمع!

أعظم الثقافات هي الثقافة الإلهية

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، ما علاقة مُلك مصر؟ يعني إذا صرتَ مَلِك مصر هل تصبح نبيًّا على النبي؟ وهل ترفض مدرسة الله؟ يعني: هل تريد أن تصير أُمِّيًّا؟ إنّ أعظم الثقافات هي الثقافة الإلهية، وأين تعلَّم النبي ﷺ؟ وما ثقافته؟ هل كانت في جامعة أكسفورد، أو في جامعة باريس، أو في جامعة نيويورك؟

ثقافته كانت ربانية، فهل الذين أخذوا كل هذه الشهادات استطاعوا أن يعملوا ولو بقدر ذرَّةٍ من جبلٍ مما عمله النبي ﷺ؟

ولماذا لا نعود إلى طريق النبي ﷺ وإلى مدرسته وإلى ثقافته وإلى هديه؟ ينقصنا من يَدلُّنا ويوقظنا، ونحن نائمون مخدَّرون.

وهناك من إذا ناديتَه بصوت واحد يصحو، وهناك من يحتاج إلى عشرة أصوات، وهناك من يحتاج إلى عشرة ضربات بالسوط، وهناك من تَدُوْس على بطنه ولا يستيقظ، وهناك من يُدعَس عليه بالقطار، ويذهب حينها مرة واحدة، [يموت وينتهي أمره]، وهذا لا يصحو إلا.. متى يصحو؟ عندما يصل إلى أنكر ونكير وفي جهنم.. نسأل الله أن يحمينا.

عُجب فرعون بنفسه وتعاليه

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ يريد أن يتعالى على الله وعلى الرسالة الإلهية وعلى الرسول من عند الله، ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي وقع في العجب، ويوجد العجب في المال والغرور في الدنيا، مُلكًا وأموالًا وأنهارًا.. ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ، هذا الفقير الراعي ولسانه ألدغ، هل أنا أفضل أم هو؟ من هذا؟! أنا مَلِك وأنا.. وأنا.. وأنا.. وقوتي وعظمتي وكنوزي.. إلخ، ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:51-52]، وهو عندما يتكلم لا يستطيع أن يتكلم جيدًا.

وفرعون كان كذاباً في ذلك، فقد أخبر الله تعالى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:27-28]، ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى [طه:36]، فقد شفاه الله من لدغة اللسان، لكن بقي فيها طَرَف.

وقد يعيبك العدو بشيء صار معك قبل عشرين سنة، ويعيده عليك وأنت تكون قد برئت منه، وهذا شأن الحقد والحسد وعدم الإنصاف.

النبوة لا تأتي من طريق الْمُلك والذهب

﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، لأن الملوك كانوا يلبسون أساور ذهب، فقال فرعون: هل موسى ملك لأخضع له؟ إذا كان مَلِكًا أخضع له.. وهل النبوة تأتي من طريق الْمُلك أو مِن طريق الذهب؟ بل تأتي من طريق القلب ومن طريق الروح الإلهي ومن طريق العقل والحكمة الربانية، ﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:53]، فلْيأت بالملائكة ليشهدوا معه ويعاونوه ويقولوا لي: إنه آتٍ من عند الله.. هذا هو الكِبر والترفُّع والتجبُّر والشقاء وعدم التوفيق.

ما علاقة أساور الذهب بالنبوة؟ وما علاقة الغنى والْمُلك الدنيوي بالنبوة؟ لكن هذا كلام الجاهل، هو مَلِك نعم، مَلِك لكنه جاهل، وقد يكون عالِمًا بالطب لكنه جاهل بالهندسة، وقد يكون مَلِكًا لكنه جاهلٌ بأمور البقاء والخلود والروح وبحقيقة سعادة الإنسان.

العقل السخيف يقبل الخطأ

﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، بهذه الكلمات: أنا ملك مصر والأنهار والغنى، وهذا فقير ومتسول وراعي غنم.. وكانت عقولهم خفيفة فصدقوه.. كما إذا قال لك شخص: هذه العمامة بيضاء، [وهي في حقيقتها بيضاء]، وكان فقيرًا، وأتى مَلِك وقال لك: بل سوداء، ويجب أن تسمع كلمتي، لأنني أنا لي مُلْك مصر والأنهار تجري من تحتي.

ما علاقة ملك مصر والأنهار بإثبات البياض والسواد؟ أن تجعل الأسود أبيض، ما علاقة هذه بهذه؟ هناك أناس عقولهم سخيفة، فعندما يقول لهم: أنا مَلِك، وهذه الأنهار تجري من تحتي، يقولون له: نعم إنّ “العمامة سوداء”.. وقد يقولون ذلك عن اقتناع أو ضعف أو خفَّة عقل.

﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ [الزخرف:54].. فإذا مشيتَ على هذا الطريق فأنت تريد أن تُخالِف الحقائق وتطيع الجبَّارين أو الأغنياء أو المغرورين وتفسق.. والفسق: هو عجلة القطار إذا خرجت عن السكة، فهذا اسمه فسق، وكذلك إذا خرجت عجلتك عن سكة الله.. والقطار إذا خرجت عجلته عن السكة هل يمشي؟ في الساعة كم يمشي؟ مهما أحرقتَ من البترول فإن العجلة تدور وتغوص في الأرض، والذي يمشي على السكة فإنه يقطع في الساعة مئة كيلو متر، وأمّا ذاك فإنّه في الساعة ينزل مترًا أو مترًا ونصفًا، وذلك على حسب العجلات.

الضلال يؤثِّر في أصحاب العقول السخيفة لا العقلاء الموفَّقين

﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ لماذا؟ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54]، خرجوا عن سكة العقل والحقائق والشعور والحس.. هذه معجزات تراها العين مع حِكَم ومنطق وحجج يراها العقل، وأخلاق وسلوك ظاهرة في سيدنا موسى عليه السلام، ومع ذلك بهذه الكلمات السخيفة أطاعوا فرعون، هذا يعني أن هؤلاء خفاف العقول والإدراك، ومَن الذي يُضَل بشياطين الإنس والجن؟ خفاف العقول.

يقولون: “الدُّبّان يَعْرِف وجْهَ اللَّبّان” [مثل شعبي، والدُّبّان: يعني الذُّبَاب، واللَّبّان: بائع اللبن أو صانعه]، أين يقف الذباب؟ على الفطائس، وكذلك أصحاب العقول السخيفة يَقبَلون الآراء السخيفة من شياطين الإنس أو شياطين الجن، أما الموفَّق فإنه لو أتى خمس مئة ألف شيطان لا يستطيعون أن يُؤَثِّروا به ولا قيد شعرة.

كان النبي ﷺ يقول لعمر رضي الله عنه: ((ما سَلَكْتَ يا عُمرُ طَرِيقًا وَفَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيطانُ طَرِيقًا غَيرَ طَرِيقِكِ)) 8 ، فهناك أناس يهرب منهم الشيطان، وإذا جلس في مجلس يوجد فيه شياطين الإنس أو الجن لا تراهم إلا خرجوا.

وهناك أناس يركبهم الشيطان، وأناس مثل الكرة بين أقدام الشياطين، يضربه أول شيطان إلى آخر الملعب، ويأتي شيطان ثانٍ يركُله ويُرْجِعه إلى أوَّل الملعب، مثل الكرة بين أقدام اللاعبين.

أما المؤمن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، لو أعطوه مُلك الدنيا وأعطوه جبالها ذهبًا ليحيد عن صراط الله لا يحيد أبدًا، والنبي ﷺ عندما عرضوا عليه وقالوا: إذا كنتَ تريد الْمُلك نُملِّكك، أو تريد المال نجعلك أغنانا ونجمع لك، أو تريد النساء نزوِّجك أجمل بناتنا، وتكون رئيسنا لا نقطع رأيًا دونك، فقط اتركنا ولا تسبَّ آلهتنا ولا تذكر لنا هذا الدين الجديد، فقال لهم: ((وَاللهِ لو وَضَعتُمُ الشَّمسَ في يَمِينِي، وَالقَمرَ في شِمالِي عَلى أنْ أَعودَ وأَرجِعَ عَن هَذا الأَمرِ ما رَجَعتُ حتَّى يُفرَّقَ بَينَ رَأسِي وَجَسَدِي)) 9 .

هذا هو العقل وهذا هو التوفيق، لقد لقي العناء والتعب والمكابدات والمؤامرات، لكنّ الشمس مهما أتتها الغيوم هل تقضي عليها؟ وهل تستطيع الغيمة أن تغلب الشمس؟ لا ترى إلا وقد ذهبت الغيمة وبقيت الشمس شمسًا، وذهبت الغيمة بخارًا وتمزقت في الأرض وانتهى الأمر.. نسأل الله أن يجعلنا من عشَّاق الحقائق والحقائق الإلهية.

إذا جاء الانتقام الإلهي فلا بقاء لشيء

﴿فَلَمَّا آسَفُونَا، “آسفونا”: يعني أغضبونا، ولقد أمهلناهم وحلمنا عنهم فلم يثوبوا ولم يتوبوا ولم يهتدوا، ﴿انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]، وإذا نزل الانتقام الإلهي فمن أنت؟ وما فرعون؟ وما إنكلترا؟ وما أمريكا؟ القليل من الهواء [في العاصفة التي أتت على إنكلترا] كان على السرعة الأولى فجعله على السرعة الثانية، ثم على الثالثة ثم الرابعة، [هذا الكلام فيه استعارة وتشبيه لقيادتنا للسيارة، حيث نبدأ سير السيارة بالسرعة الأولى ثم ننقل سرعة المحرك أو السيارة إلى الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة]، وهنا لم يجعله على المستوى الرابع، ولم يكن جزءًا واحدًا من مئة من الأول.. هذه العاصفة سرعتها مئة وتسعون كيلومترًا، فكيف لو جعلها ألفاً وتسع مئة كيلومتر! حينها تطير الجبال، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)، أرضًا مستوية، ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه:105-107]، لا صعودًا ولا نزولاً.

فهل أنت أقوى من الجبال؟ بلحظة واحدة يجعلك الله تطير أنت وعيونك وسمعك وبصرك وجاهك وشرفك وغناك وثروتك، احسب حساب الله، فلا الشباب يدوم، ولا الغنى يدوم، ولا الحياة تدوم، ولا الْمُلك يدوم، لا يدوم إلا الحي القيوم وقانونه، وقانونه هو الخلود الأبدي للإنسان، وهناك دار النعيم، ودار العذاب المؤقت والعذاب الأليم.

هل نحن مؤمنون بالحساب يوم القيامة؟

﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37]، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، وأنتَ هل تُعجِز الله؟ فكِّر بنفسك، ألم تكن البارحة طفلًا تلعب “بالكِعَاب والدَّحاحِل والكرة”؟ [ألعاب كان يلعب بها الأطفال في سوريا]، والآن أصبحتَ محاميًا، وهل تلعب بالكعاب؟ والآن أنت محامٍ، فهل ستبقى محاميًا؟ وهل ستبقى شابًّا؟ هل ستبقى حاكمًا؟ ألن تخرج إلى التقاعد؟ ألن تُعزَل؟ ثم إن أعمالك مسجَّلةٌ بالكتاب الإلهي في كتابٍ ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً من أعمالك ﴿إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف:49].

عندما يقف بين يدي الله تعالى ويُحْضِرون “إضْبارَته” [سِجِلّه أو مَلَفّه] ويعرضونها له في الفيلم التلفزيوني قبل المحاكمة، كيف سيدخل هذا إلى المحكمة؟ رُكبَتاه لا تقدران على الوقوف، هل يستطيع أن يقف؟ ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا الويل عليهم! ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ما هذا؟ ﴿لَا يُغَادِرُ لا يترك ﴿صَغِيرَةً من أعمالنا وأخلاقنا ومعاملاتنا ﴿وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا.

هل أنت مؤمن بهذه الآية؟ هل مؤمن بالقرآن؟ قل لي هل أنت مؤمن بهذه الآية من القرآن؟ إذا لم تؤمن فأنت كافر، وإذا آمنتَ لا تستطيع أن تفعل سوءًا، ولا تستطيع أن تعصي الله.. ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا مسجَّل كله أمامه، ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

﴿فَلَمَّا آسَفُونَا أمهلهم الله مرة واثنتين وثلاثًا وأربعًا ﴿انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:54] بماذا؟ ألم يقل: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51]، أنت تتفاخر بالماء، فسنجعل هلاكك بالشيء الذي تتباهى فيه، ما رأيكم؟ يعني إذا كنتَ لديك أنهار فنحن لدينا بحار وسنغرقك بالماء الذي تتفاخر فيه، ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا، السلف الصالح الماضون يأتي الخلَف ويتذكر أعمالهم، فإذا كانت خيِّرة يمشي عليها، وإذا كانت سيئة يجتنبها، وهكذا تصير عظةً للخلَف الذين يأتون بعدك وتكون أنت سلفهم، ﴿وَمَثَلًا عظةً ﴿لِلْآخِرِينَ [الزخرف:55-56] ونحن عندما نقرأ هذه الآيات هل تصير لنا عظةً؟

هناك فرعون يملك مصر، وفرعون يملك غير مصر، وفرعون يملك ضيعة، وفرعون يملك دُكَّانًا، وفرعون يملك بيته، وهو مُتَفَرْعِن على الله وعلى رسالات الله وعلى دين الله وعلى كتاب الله وعلى أحباب الله.

المقصود من قصة فرعون أن نتعظ منها

وهل أمهل الله عزَّ وجلَّ فرعون أم لم يمهله؟ لكن بعدها عندما غرق قال “آمنتُ”: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ماذا قالت له الملائكة؟ ﴿آلْآنَ هل الآن؟ ﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ نحن ننجيك فلا تقلق، لكن بماذا؟ ببدن من دون روح، ما رأيكم؟ ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، خرج جسده ووضعوه في المتحف إلى الآن، ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً.

الله تعالى يقول لنا: أنا أقصُّ لكم قصة فرعون لتتنبَّهوا، ولكن: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:90-92]، يقرأ الآيات ويقرأ القرآن وبالتجويد وعلى السبعة وعلى السبعة عشر وعلى المئة والسبعين ولا يفهم، وإذا فهم لا يعمل، لأنه لا يوجد له قلب، وهو يحتاج إلى طاقة من قلب، وهي طاقة الإيمان.

هذه القصة قَصَّها الله عزَّ وجلَّ على النبي ﷺ أنه كما تكبَّروا عليك تكبَّروا على موسى عليه السَّلام، وكما تمرَّدوا عليك تمرَّدوا على موسى عليه السَّلام، انظر ماذا حلَّ بهم، وأنت لا تخف فإننا سنفعل بكل أعدائك كما فعلنا بفرعون.

ففي معركة بدر أحضروا للنبي ﷺ رأس أبي جهل، فلما رآه استقبل القبلة وقال: ((اللهُ أَكبرُ))، وخرَّ ساجدًا سجدة الشكر، وقال: ((الحَمدُ للهِ الذي قَتَلَ فِرعونَ هَذهِ الأُمَّةِ)) 10 .. فرعون موسى أين قتله الله؟ في بحر السويس، وفرعون سيدنا محمد ﷺ أُحضِر له رأسه ككرة.

وكل زمان فيه فرعون، يوجد فرعون على الأنبياء، وهناك فرعون على المشايخ وفرعون على زوجته أو فرعونة على زوجها أو على كنَّتِها [الكَنَّة: زوجة الابن] وعلى الخادمة وعلى الأجير وعلى الجندي وعلى التلميذ.. ولا تصيروا فراعنة، فهذا مصير الفراعنة، ولا تغترُّوا، فبعد تسع آيات وتسع معجزات وقد أمهله الله تعالى، وماذا بعد ذلك؟ ((إنَّ الله يمهل)) يُؤخِّر، ولكن ((ولا يُهمِل)) لا يترك: ((إنَّ اللهَ يُمهِلُ الظَّالِمَ ولا يُهمِلُه، إذا أَخَذَهُ لا يُفلِتُه)) 11 .

نهاية ضابط متفرعن

مرة كنتُ في درس شيخنا يوم الجمعة بعد العصر، فأتى رجل متسوِّل وجلس في آخر الصف ليجمعوا له المال في آخر المجلس، وفي آخر الدرس تغوط وبال في ثيابه، والناس من حوله هناك من وَبَّخه ومن سَبَّه.. وهو خجل من نفسه والذباب حوله.. ثم جمعوا له شيئًا من المال، وبعدما ذهب قال لهم الشيخ: سأحكي لكم قصة هذا الرجل، هل يوجد من يعرفه؟ قالوا: لا نعرفه.

قال لهم: أنا أعرفه، هذا كان ضابطًا في زمن العثمانيين برتبة جنرال، ولكن كان ظالمًا للناس، وكان فرعونًا على الضعفاء سلَّابًا نهَّابًا مجرمًا متسلِّطًا.. و”الآخرة يا فاخرة”، [مقولة شعبية تُقال كثيراً للعبرة، وهي بمعنى أن الأمور بخواتيمها]، و”من ضحك أخيرًا ضحك كثيرًا”.. هتلر انتصر في أول الحرب، ولكن هل العبرة للنصر الأول أم للنصر الأخير؟ ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

آيات القرآن درس لكل مسلم ومسلمة

لقد قصَّ الله عزَّ وجلَّ على سيدنا محمد ﷺ قصة فرعون وما لاقى منه موسى عليه السلام، وما فعل فرعون معه، وكيف كانت العاقبة، والعاقبة لمن؟ يعني أنت أيضًا يا محمد لا تخف لو أن قريشًا آذوك وأَعرَضوا عنك وقاتلوك، ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51].

وهل صدق الله وعدَه ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده؟ النبي ﷺ انتهت مرحلة نبوَّته ومعركتُها، ولماذا تركها الله تعالى لنا في القرآن بعد ذلك؟ هذا درس لكل مسلم ومسلمة، يعني أنتِ أيضًا عليك أن تقومي بالإسلام تَعَلُّمًا وذِكرًا وتقوى، ثم تعليمًا وإرشادًا، وطريق التعليم والإرشاد يكون بالأخلاق النبوية وبالسنة النبوية.

جهاد النفس والهوى

النبي ﷺ عندما كان يعود من المعركة يقول: ((رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأَصغَرِ إلى الجِهادِ الأَكبَرِ، جِهادِ النَّفْسِ وَالهَوَى)) 12 ، وما الهوى؟ أنانيَّاتك وأهواؤك ومطامعك وشهواتك، وعليك أن تحارب الهوى والنَّفْس وتجعلها تحت حكم الله وحكم رسوله ﷺ، وتحت قانون الله وقانون رسوله ﷺ، وحتى لو أعطوك جبلًا من ذهب من الحرام ترفضه

أَمَّا الحَرامُ فالمماتُ دُونَهُ ……………………………

ولو أعطوك مُلك الدنيا بالحرام لا تَقبَل، ومهما كنتَ قويًّا وخصمك مهما كان ضعيفًا هل تتعدَّى عليه؟ لا، وإذا تعدَّيت فهذا الهوى وهذه النَّفْس، والإسلام خروج من الأنا إلى الاستقامة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن اللاأخلاق إلى الفضائل، ومن اللاعقل إلى العقل الحكيم، فهل يمكن لإنسان يحمل هذه الصفات وهذه المعاني أن يفشل في الحياة؟

النهي عن اللغو في كل شيء

في الإسلام لا يوجد بطالة، والكلمة التي تريد أن تقولها إذا لم يكن منها نفع لا يصح أن تقولها، حتى ولو لم يكن منها ضرر، وهذا اسمه لغو، ولغو الكلام بأن تتكلَّم كلام لغو لا ينفع ولا يضر، ولغو العمل أن تعمل عمل لغو، كأن تلعب “بالشَّدَّة” ساعتين، حتى ولو مِن غير شرط، ولا يوجد منها ضرر ولا نفع، [الشَّدَّة: لعبة من ألعاب الورق، وأحياناً يكون اللعب فيها على شرط الربح والخسارة، فمن يخسر يدفع شيئاً معيَّناً للرابح، وعند ذلك تكون حراماً ومن ألعاب القمار]، لكنك أذهبتَ ساعتين في البطالة، وهذا في الإسلام حرام، والله عزَّ وجلَّ وصف المؤمنين فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، أو أن تصاحب إنسانًا وتجعله صديقك وهو لا ينفع ولا يضر، وهذه صداقة لغو، وإذا كان يضر ولا ينفع فصحبته صارت حرامًا.

﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أيُّ كتاب؟ القرآن، ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ ممَّن تسمعونها؟ من أصحابكم ومن جلسائكم والذين تسهرون معهم، ﴿يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا إذا رأيتَ من يستهزئ بالدين أو بأهل الدين أو بشعائر الدين ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء:140].

أنتم هل تشربون الخمر؟ الذي يشرب منكم يرفع أصبعه، [لا أحد يرفع أصبعه]، لماذا لا تشربون؟ لأن الله تعالى قال: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، أليس كذلك؟ يعني اتركوه ولا تشربوه، و﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء:140]، هذا أليس نهيًا أيضاً؟ تلك لا تفعلها، [سماحة الشيخ يخاطب أحد الحضور:] شيخي أنت هل تشرب كأس خمر؟ وهل تدخل الخمارة؟ [يجيب المسؤول بقوله: لا]، لأن الناس عندهم فقه أن هذا حرام، لكن الناس ليس عندهم فقه بالسهرة الحرام وبحديث السهرة الحرام وبالجليس الحرام، ولذلك فإنه يجلس معه ويسمع حديثه وكله إثم ومنكرات، ولا يشعر بشيء.

الفهم الحقيقي للقرآن

قالَ حِمارُ الجَهُولِ يَومًا: …………………………..

[بدأ سماحة الشيخ بتلاوة بيت الشعر قائلاً “قال حمارُ” ثم سكت قليلاً، فتابع واحد من الحضور البيت بقوله: “قال حمارُ الحكيمِ يوماً”، وهذا القول هو القول الذي قاله الشاعر، فالشاعر قال “الحكيم” ولم يقل “الجَهُول”، لكن الشيخ غَيَّرها ليستقيم المعنى وليصير الكلام منطقياً، والشيخ يعقب على ذلك فيقول:].

هذه أَوضَح لكم، وقد غيَّرتُها لكم ومِن أجلكم، لأن المعلم عليه أن يبسط العلمَ بأبسط العبارات، ويقدِّر أَضعفَ الأفهام، ليصير العلم نافعًا للعموم، ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].

قالَ حِمارُ الجَهُولِ يَومًا: لو أَنصَفَ الدَّهرُ كُنتُ أَركَبْ لِأَنَّني جاهِلٌ بَسِيطٌ وصاحِبِي جاهِلٌ مُركَّبْ

قد يكونون عشرة جالسين، وإذا أتى الحمار يقول: واللهِ يجب أنا أنْ أركبكم، ولستم أنتم من تركبون الحمار.

فمتى سنفهم القرآن؟ هل حتى نموت؟! يعني إذا تعلَّمتَ التجويد فهل معناه أنك فهمتَ القرآن وآمنتَ به؟ وإذا قرأتَ التفاسير هل يعني أنك آمنتَ؟ لا، حتى تعمل به وتنقلب فيك ألفاظُه إلى أعمال، وتلاوتُه إلى أخلاق وسلوك، وحكمتُه إلى عقل فيك، وإيمانُه إلى نور في قلبك، وعند ذلك تكون مؤمنًا بالقرآن.

وهذه المراحل الهائلة العظيمة هي التي خَلَقت خالدًا وعمر وعثمان وأبا بكر رضي الله عنهم، وهل هؤلاء صاروا بأنفسهم أم كان لهم مَدْرَسةٌ ومُدَرِّس، وتربيةٌ ومربٍ، وتزكيةٌ ومزكٍ؟

مجالسة الأشقياء تعطيك صفتهم

﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وإذا بقيتم جالسين ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140].

إذا جلستَ مع شارب الخمر حتى ولو لم تشرب فأنت مثله، والله يقول: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، ذاك أليس سِكِّيراً؟ إذن ماذا يقول الله عنك؟ وإذا كان مغتابًا فماذا تصير أنت؟ وإذا كان يقيم مؤامرة ليؤذي أحدًا من الخَلْق فأنت أصبحتَ شريكه، ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ، وإذا قعدتم ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، لأن هذا كافر وأنت منافق تنافق معه، ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]، هذه في سورة النساء قبل الجزء السادس بصفحة.

مُلْحَق

خبر انتخاب سماحة الشيخ رئيساً لرجال الأديان في العالم

اللهم صل على سيدنا محمد.. يشاء الله لسوريا في عهد رئيسنا أن يُرْفَع شأنُها بمشيئة الله دينًا ودنيا.. وقضية لبنان أرجو من الله أن يوحِّد لبنان مع سوريا، وهذا بصحيفة رئيسنا، وهو رفعة شأن لسوريا، ويشاء اللهُ أيضًا أن يَرْفَع شأن سوريا في ميدان الدين بعهد رئيسنا، وإن شاء الله يكون له فيه السهم الأكبر.

[يا الله! ما هذه الحكمة في الخطاب والحكمة في تأليف القلوب التي وهبها الله تعالى للشيخ أحمد كفتارو!

فيما يلي يأتي الخبر أن الشيخ أحمد كفتارو تمّ اختياره ليكون رئيس قادة الأديان في العالم في أكبر مؤتمر عالمي حينها، ولم يكن للرئيس السوري يومها حافظ الأسد أي علاقة بذلك، حتى ولم يكن عنده علم به، ولم يكن له أي وزن عند المؤتمرين، ولم يكن له ولا لسوريا أي ذكر أو اهتمام، بل تم انتخاب الشيخ رحمه الله لِمَا كان يحمل من علم وحكمة وميزات إسلامية عالمية، وكان بحق أكبر من هذا المنصب.. وهذا شأن الدعاة الكبار عبر التاريخ الإسلامي.

ومع كل هذه المكانة العالمية التي حظيت بها سوريا بسبب منصب الشيخ إلا أنه نسي نفسه ونسب النجاح كله لبلده سوريا ونسبه للرئيس حينها، وهو يقول له في حاله لا في مقاله: انظر إلى هذا الإسلام الذي تحاربه وتقتل علماءه لقد رفعك ورفع سوريا وجعلنا في أعلى نقطة في الهرم العالمي! لماذا لا ترجع إلى الإسلام فهو الشيء الوحيد الذي يجعلك عظيماً!

هنا مثال في حكمة الخطاب مع الحاكم التي حباها الله للشيخ كفتارو، والتي حمى الله بها الإسلام في سوريا في حياته رحمه الله تعالى، والتي لا يفهمها إلا العقلاء والحكماء والدعاة، بينما يراها غير هؤلاء معاكسة لكل هذه المعاني.

يشاء الله تعالى أن يأتي هذا الخبر في هذا الدرس ليكون تطبيقاً عملياً لدرس الدعوة التي استفدناها من قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في خطابه اللَّيِّن مع فرعون، والتزاماً بسنة النبي محمد ﷺ في خطابه ودعوته للزعماء والحكام.. وهذه السُّنَّة والطريقة القرآنية تكاد تموت أو تنقرض في أعمال علماء المسلمين وخطاباتهم اليوم، وينتشر عكسها تماماً حتى صار هو الشائع المنتشر، وهو الذي يُمَثِّل الإسلام والقرآن ونبيَّه عليه الصلاة والسلام، وهكذا صار المعروف منكراً والمنكَر معروفاً].

أنا كنتُ مدعوًّا إلى مؤتمر في موسكو، وهذا المؤتمر مكوَّن من قادة برلمانيي العالَم، ومِن برلماننا كان مدعوًّا الأستاذ عبد القادر قدورة، وعبد القادر قدورة من عائلة ذات أخلاق ودين، وأنا أعرف والده، وقد كان من المتَّقين ولا يترك مجالس العلم، وعبد القادر أيضًا أعرفه طفلًا مع والده، وعلى هذا المستوى.

وقادة كل أديان العالم كانوا مدعوين إلى المؤتمر، وكان في المؤتمر حول ألف وثلاث مئة مؤتمِر.

وهذا المؤتمر تحت عنوان “المنبر العالمي”، وهو مرتبط بهيئة الأمم المتحدة، وكان خمسة أيام، وافتَتح اليومَ الأول في المؤتمر الأمينُ العام لهيئة الأمم المتحدة، واليوم الخامس انعقد في الكريملن، وهو دار الحكومة السوفيتية، وكان المتكلمون أربعة أشخاص، وفي المؤتمر يوجد رئيس لقادة برلمانيي العالَم، ورئيس لقادة رجال أديان العالَم، ورئاسة هذا المؤتمر لمدة سنتين، وقد انتهت السنتان، ولذلك يلقي رئيسا السنتين الماضيتين كلمة، وأحد الرئيسين الآتيين يُلقي كلمة، فالذي ألقى الكلمات أربعة أشخاص، الرئيسان الأولان، وانتُخِب جامعُكم ليكون رئيس قادة أديان العالم إلى سنة اثنين وتسعين، يعني انتُخب مفتي سوريا ليكون رئيس قادة أديان العالم إلى سنة اثنين وتسعين.

وواللهِ إنّ هذا الأمر وهذه الوَرَقَة.. ليست الورقة بل جزء منها مثل بعضهما عندي، لأن هذا لا يُفَرِّحُني ولا عَكْسُه، والذي يُفَرِّحُني رضاء الله عزَّ وجلَّ وخدمة دين الله وإسعاد مخلوقات الله؛ كل مخلوقات الله من إنسان وحيوان ونبات.

فالأَوَّلين خطبا وبقي الثالث والرابع، ومَن كان الثالث؟ مفتي سوريا، والرابع كان “غوربتشوف”، [رئيس الاتحاد السوفيتي حينها]، ولما انتهيتُ من الكلمة أتى كل القادة مِن رجال أديان العالم مهنئين.

[هنا انقطع تسجيل المحاضرة الصوتية، وكان الشيخ يتابع كلامه، لكننا لم نعثر على تلك الكلمات].

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفًا عليه، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561).
  2. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7223)، حلية الأولياء للأصبهاني (10/229)، بلفظ: قَالَ أَبُو حَفْصٍ: "المَعَاصِي بَرِيدُ الكُفْرِ، كَمَا أَنَّ الحُمَّى بَرِيدُ المَوْتِ"، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9872)، بلفظ: عن سعيد بن جبير قال: "الحُمَّى بَرِيدُ المَوْتِ".
  3. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (1254)، ص: (698)، كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (2827)، (2/388)، بلفظ: "نِعْمَ الأَمِيرُ إِذَا كَانَ بِبَابِ الْفَقِيرِ، وَبِئْسَ الْفَقِيرُ إِذَا كَانَ بِبَابِ الأَمِيرِ" وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (566)، (1/ 155)، عن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه، بلفظ: "إِن الله عز وَجل يحب الْأُمَرَاء إِذا خالطوا الْعلمَاء وَإِن الله يمقت الْعلمَاء إِذا خالطوا الْأُمَرَاء لِأَن الْعلمَاء رذا خالطوا الْأُمَرَاء رَغِبُوا فِي الدُّنْيَا وَإِن الْأُمَرَاء إِذا خالطوا الْعلمَاء رَغِبُوا فِي الْآخِرَة".
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة، رقم: (5971)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفة، رقم: (593)، بلفظ: عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)).
  5. سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم: (4019)، (2/1332)، شعب الإيمان للبيهقي، باب التشديد على من منع زكاة ماله، رقم: (3314)، (3/196)، بلفظ: ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا))، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: ﴿أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم﴾، رقم: (3280)، (3/1279)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2245)، بلفظ: ((بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ))، وفي صحيح البخاري، كتاب المساقاة الشرب، باب فضل سقي الماء، رقم: (2234)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2244)، بلفظ: ((بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  7. تفسير الرازي، (22/342)، تفسير ابن كثير، بلفظ: أنه عليه السلام حال صباه أخذ لحية فرعون ونتفها فهم فرعون بقتله وقال هذا هو الذي يزول ملكي على يده فقالت آسية إنه صبي لا يعقل وعلامته أن تقرب منه التمرة والجمرة فقربا إليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه.
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب، رقم: (3480)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، رقم: (2396)، قَالَ: ((إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ))، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه.
  9. سيرة ابن هشام (2/101)، تاريخ الطبري (1/545)، دلائل النبوة للبيهقي، (2/187)، بلفظ: ((قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عن الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي، إنّ قَوْمَك قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ فَأَبْقِ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك، وَلَا تُحَمّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ، قَالَ: فَظَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ، قَالَ فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا عَمّ، وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ، قَالَ ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى ثُمّ قَامَ فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ فَوَاَللّهِ لَا أُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا)).
  10. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (4246)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37852)، (14/373)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8469)، (9/82)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقلت: إني قد قتلت أبا جهل، قال: «الله الذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟» قلت: الله الذي لا إله غيره لأنا قتلته، فاستخفه الفرح، فقال: «مر أرنيه» فانطلقت به حتى وقفت به على رأسه، فقال: «الحمد لله الذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب» قال: وقد كنت ضربته بسيفي فلم يحك فيه، فأخذت سيفه فضربته به حتى قتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: ﴿وكذلك أخذ ربك﴾، رقم: (4686)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، عن أبي موسى رضي الله عنه، صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يمهل الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَنْفَلِتْ)) ثم تلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾)).
  12. الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165)، بلفظ: ((قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ))، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
WhatsApp