تاريخ الدرس: 1996/06/14

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:07:38

سورة التكاثر، الآيات: 1-8

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيِّدنا مُحمَّدٍ، خاتَم النَّبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخوَيه سيِّدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه مِنَ النبيين والمرسلين، وآلِ كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين.

تباهي النَّاس بالمال

نحن في تفسير سورة التكاثر.. دخل أحد أصحاب رسول الله ﷺ على سيدنا رسول الله ﷺ فسمِعَه يتلو سورة التكاثر: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر [التكاثر:1-2] ثم بعدما قرأها النَّبيُّ ﷺ سمِعَ ذلك الصحابي مِنَ النَّبيِّ الكريم ﷺ قوله: ((يقولُ ابنُ آدمَ: مالي مالي، وهلْ لكَ مِنْ مالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فَأَفنَيتَ، وَلبِسْتَ فَأَبلَيتَ، وَتَصَدَّقْتَ فَأَبقَيتَ، وَما سِوى ذَلِكَ فَهُو ذاهِبٌ وتارِكُه للنَّاسِ)) 1 .

لقد كان العرب، بل النَّاس في كلِّ زمانٍ يتباهى ويتفاخر بعضهم على بعض كقوله تعالى: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف:34]، فيتباهون بكثرة الأموال والأولاد، ويستهدفون مِنَ الحياة والعُمر الزيادة في الأموال ونِعَمِ الحياة التي لا بقاء لها، وهذا ما يُشغِلُهم عن الأمور الخالدة الباقية التي هي مصير كلِّ إنسانٍ ومستقبله الأبدي الخالد، فكانوا يتباهون، وهذا في كلِّ زمان، إذ يتباهى النَّاس أيُّهم أكثر مالًا وأكثر نفيرًا.

الاهتمام بالأعمال الصالحة

والقرآن يُنبِّهُنا إلى أن يكون الاهتمام وعملية التكثير في الأعمال الصالحة، وأن يكون معظم اهتمامنا في الأمور الباقية الخالدة، فمهما تمتَّع الإنسان بمالِه وأملاكِه وشبابِه وكثرة أنصاره وعشيرته فإنَّما هي عند الموت كلحظةٍ وحُلُمِ نائمٍ، يفقدُها بلحظةٍ واحدةٍ، ويبقى مُرتهَنًا بأعماله وما سُجِّل عليه في كتابٍ ﴿لاَ يُغَادِرُ يعني لا يترِك ﴿صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا مِنَ الأعمال، ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

كان العرب في الجاهلية يتباهَون بآبائهم وأجدادهم، الأحياء منهم والأموات، حتى إن بعضهم كانوا يذهبون إلى المقابر ويعدُّون آباءهم في القبور الذين كانوا يُعتزُّ بهم وكان لهم شأن، فيتفاخرون ويتكاثرون، حتى إنهم كانوا يتفاخرون بقبورهم وسكَّانها، وأيضًا يوجد تكاثرٌ وتفاخرٌ بالأموال والجاه، وقد أَمَرَنا الله عزَّ وجلَّ في تعاليم القرآن أن نكون بعيدين عن الأمور الزائلة مُستمسِكين بالأمور الباقية الخالدة، يقول القرآن العظيم مثلاً: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ففي الطفولة لا يعرف الإنسان إلا اللعب، وعندما يكبُر ويصير في المراهقة ﴿وَلَهْوٌ، وعندما يصير شابًّا ﴿وَزِينَةٌ، وعندما يتجاوز العشرين والثلاثين والأربعين ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ، فشخص يُرِي الناس عضلاته، والآخر يتفاخر بالمسابقة، والآخر بحملِ الأثقال، والآخر بكثرة الأموال، ﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ [الحديد:20].

مصير الأمور التي نهتم بها في الدنيا

قال: فكلُّ هذه الأمور التي هي موضع اهتمامكم ومشاغِلِكم في أعمالكم خلاصَتها: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ مطر ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ الكُفَّار هم الزُّراع، ومنه تُسمَّى القرية كَفْرًا مثل كَفر سُوْسَة وكَفرْ بَطْنَا [منطقتان في دمشق، وقد كانتا قريتين قرب دمشق]، وكان الإمام الشافعي يقول: “لا تَسكُنوا الكُفُوْر، فإن ساكن الكُفُور كساكن القبور”.. ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ يعني الزَّراع ﴿نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ في بداية خروج الزهر يفرح الفلاح ويُري أصحابه ويقول لهم: انظروا إلى هذا الزرع، انظروا إلى الشجرات وكذا.. ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فيصبح سنابلَ، ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يأتي الحَصَّاد والدَرَّاس والطَحَّان والخَبَّاز والأَكَّال، ثم يصير إلى ما هو معلوم، ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا، وكذلك شبابك ومالُك وجاهك وحُكمك وسلطانك ووظائفك، ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا، والإنسان لا يصير مصفرًّا بل يصير شعره أبيض، ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا في القبر، وهو المصير الأبدي والحقيقي والخالد، ﴿وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وفيها عذابٌ شديدٌ أبديٌّ مُخلَّدٌ، ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ لِمَن تاب واستغفر، ﴿وَرِضْوَانٌ لِمَنِ اتقى وأطاع وسابَقَ إلى مغفرةٍ مِنْ ربِّه، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا حياتك في هذا العالم ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور [الحديد:20] تتمتَّع بها قليلًا، وهو متاعٌ يَغُرُّك عن تذكُّر عالَم الخلود والبقاء السرمدي والنعيم الخالد والشباب الذي ليس بعده هرمٌ، والصحة التي لا يُرافقها السَّقم ولا المرض، في نعيمٍ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً مكافأة ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )17) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ [السجدة:17-18].

في سورة التكاثر تحذير من أن تكون من المغبونين

فهذه السورة سورة التكاثر هي تنبيهٌ مِنَ الله عزَّ وجلَّ ودرسٌ أن احذروا أن يُلهيَكم تتبُّع المال أو الحرص على كثرة الأنصار والأولاد، وأن يُلهيَكم عن الأمور الخالدة وأمور المستقبل الدائم الذي لا يزول ولا يفنى، فمن باع خالدًا وأخذ المؤقَّت، ومن باع الجوهرة وأخذ التراب فهذا مغبونٌ وجَهول.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] سواء بالآباء والأجداد ومفاخِرِهم، إذ ما الفائدة إذا تفاخَرنا بآبائنا وأجدادنا وفتوحاتهم وانتصاراتهم وعُلومهم؟ المهم أين أنت؟ وماذا فعلتَ؟ وماذا ستفعل؟ كأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لنا: لا يُلهكم التكاثر، بل كونوا في العمل المستمر المتواصل، ((مَنِ استَوَى يَوماهُ)) إذا كان عملك اليوم كأمس ((مَنِ استَوَى يَوماهُ فَهو مَغبونٌ)) مثل الذي يشتري الشيء بأكثر مِنْ ثمنه، أو يبعه بأقلَّ مِنْ ثمنه، فهذا اسمه مغبون ((مَنِ استَوَى يَوماهُ فَهو مَغبونٌ، ومَن لم يَكُنْ يَومُه خَيرًا مِن أَمسِه فَهُو مَحرُومٌ)) 2 ، ما معنى هذا الكلام؟ يعني أن المسلم ينبغي أن يكون في كلِّ يومٍ، بل في كلِّ ساعةٍ في زيادةٍ في العِلم والعمل الصالح والخُلُق وتزكية النفس وفي عمل الخير، فلا تبقى على ما أنت عليه، وحتى لو كنتَ على صلاحٍ وتقوى، فالإسلام يدعوك دائمًا إلى الزيادة، فأيُّ دِينٍ هذا!

تجويد القرآن هو تجويد النطق، فهل تعلَّمنا تجويد فهمِه؟ هل تعلَّمنا تجويد العمل به؟ وهل تعلَّمنا كيف نُعلِّمُه للآخرين بأقوالنا وأعمالنا وإخلاصنا وصِدقنا لنكون خير أمةٍ أُخرجت للناس؟ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يعني قدوةً تقتدي بها الأمم والشعوب، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا بشرعنا وتعاليمنا ووحينا ﴿لَمَّا صَبَرُوا، فالأمر يحتاج إلى صمود وثبات واستقامة، ﴿لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا لم يقل: “يؤمنون”، بل قال: ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون [السجدة:24].. لو أخبرك شخص أن الشَّيخ في المسجد وهو صادقٌ فإنك تُصدِّقُ كلامه، فتصديقك لكلامه هو إيمانٌ بالغيب، أما إذا أتيتَ المسجد ورأيتَ الشَّيخ في المسجد فهل هذا إيمانٌ أم يقين؟ هذا يقين، فالقرآن يُعلِّمُنا أننا لن نكون قدوةً وقادةً للناس إلا إن عَلَّمنا شرعه وتعاليمه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [السجدة:24] أي يُعلِّمون بآياتنا وتعاليمنا.. ومَن أعظم علمًا وحكمةً ورحمةً مِنَ الله عزَّ وجلَّ؟ فإذا كان الله تعالى أستاذَك ومُعلِّمَك ومُرشدَك فهل تعلَّمتَ تجويد فهم القرآن؟ هل تعلَّمتَ تجويد العمل بالقرآن؟ وهل تعلمتَ تجويد تعليم معاني القرآن؟ جاء في الحديث النبوي: ((أَلا أُخبِرُكُم بِالأَجوَدِ؟)) الأفضل والأكثر عطاءً، ((اللَّهُ الأَجَودُ الأَجوَدُ، وَأَنا)) يعني النَّبيَّ ﷺ، ((وَأَنا أَجوَدُ بَني آدَمَ))، ولم يستأثر الله عزَّ وجلَّ الجود لنفسه ولا لنبيه ﷺ، بل ترك كذلك حصةً لِمَن بعد الله ورسوله، قال: ((وَأَجوَدُهم بَعدِي)) أجود الناس بعد الله ورسوله ﷺ ((رجلٌ)) يعني إنسانٌ ولو كان امرأةً، ((تَعَلَّمَ عِلمًا فعَلَّمَه، يُحشَرُ يَومَ القِيامةِ أُمَّةً وَحدَهُ)) 3 .

أثر الإسلام في حياة العرب

ما هذا الدين الذي لَمَّا عَرَفه أبناء الصحراء والبادية وجوَّدوه وأجادوا عِلْمَه والعمل به ماذا كان عَمَله فيهم؟ نقَلَهم مِنْ جياعٍ وعراةٍ ووثنيين ومُتحاربين إلى أباطرةٍ وملائكةٍ، وإلى أن صاروا جَمال الدنيا، وجَمَال عصرهم ودهرهم، وجَمال الإنسانية والتاريخ، ولم يكن عندهم مصحفٌ مجموعٌ فيه كلُّ السُّوَر، بل كانوا يحفظونه، وكانت بعض الآياتٍ وبعض السُّوَرٍ مكتوبةً، فكان مصحفهم على الأحجار أو على أوراق النخيل، ولكن كان مُعلِّمهم وأستاذهم إمام الأنبياء والمرسلين، صحِبُوه وآمَنوا به وأحبُّوه حتى كان أحبَّ إليهم مِنْ أرواحهم التي بين جنبيهم و: ((المرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِه فَلْيَنظُرْ أَحدُكم مَن يُخالِلُ)) 4 .

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] هذا عتبٌ وتوبيخٌ وزَجرٌ للإنسان أن لا يُلهيه العمل بالمال أو الجاه أو أمور الدنيا عن أمور الآخرة، ولكن يعمل لدنياه ولا يُضيِّع آخرته، بل يجعل الآخرة: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْر ٌلَّك َمِنَ الْأُولَى [الضحى:4]، ويقَدِّمَ الآخرة على الدنيا: ((مَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَه اللهُ خيرًا منه في دِينِه وَدُنياهُ)) 5 .

نحن دائمًا نقرأ سورة ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] وقد جوَّدنا النطق بها بالقلقلة والمدود والإدغام بغُنةٍ وبلا غُنة.. ولكن هل فهمناها كما نفهم الذهب والفضة فنحرِصُ على اكتسابهما والحفاظ عليهما؟ هل فهمنا هذه الآية لنعمل بمقتضاها والغاية مِنْ تلاوتها، فلا نلتهي بالتكاثر ولا نُلهي قلوبنا وعقولنا بأمور الدنيا عن طلب الآخرة والعمل لها؟ ((ليسَ بخيرِكم)) وأفضلكم ((مَنْ تَرَكَ دُنياهُ لِآخِرتِه، ولا مَنْ تَرَكَ آخِرتَه لِدُنياهُ، وَلَكِنْ يُصِيبُ مِنهُما جَمِيعًا)) 6 ، النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام مع عظيم مقامِه ومكانته كان نبيًّا وإمام مسجدٍ وخطيبًا وقائدًا للجيوش وسياسيًّا عظيمًا ومُعلِّمَ الاجتماع وإنسانيًّا وربَّانيًّا و: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، وكانت الآخرة خيرًا له ولأصحابه مِنَ الدنيا، فأتتهم الدنيا على أقدامهم بكل ما تملك مِنْ ذهبٍ وفضةٍ ومُلْكٍ وأباطرةٍ، وذَلَّل الله لهم ملوك المشارق وملوك المغارب.

العمل بمفهوم القرآن ومَطْلُوبه

فما أحوجنا نحن العربَ والمسلمين لأن نتعلَّم تجويد القرآن! لا تجويد النطق بكلماته وحروفه، فشَرِيْط المسجِّل يجوِّد الكلمات بأحسن تجويدٍ وبأحسن الأنغام، لكن هل المستمِع جوَّد وأجاد فهم كلام الله عزَّ وجلَّ؟ هل جوَّد وأجاد العمل بمفهوم القرآن ومطلوبه؟

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] هذا عتبٌ وزجرٌ ونهيٌ عن أن تُلهِيَكم أموالكم وأولادكم عن ذِكْرِ الله.. ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] هل فهمنا تجويد هذه الآيات فهمًا وعملًا ثم تعليمًا وإرشادًا للآخرين؟ وأي فائدةٍ إذا قُدِّمَ لك شيكٌ بمئة ألف دولار، وأجدتَ النطق به، فصرتَ تُقلقل حروف القلقلة وتمدُّ حروف المدود وتغنُّ حروف الغُنة والذي بلا غُنة لا تغنُّها، وأنت فقيرٌ مفلِس جائعٌ عارٍ تنام في الشوارع والأزقة! وتقول: أنا حفظتُ الشيك غيبًا عن ظهر قلب.. فمَنْ يسمع ما تلفِظ وتنطِق، ويراك نائمًا على الأرصفة بالثياب والأَسْمَال الوسخة المرقَّعة، [أَسْمَال: ثيابٌ بالية وقديمة]، ويرى الشيك بيدك وأنت تقرؤه ماذا يقول عنك؟ هكذا حال المسلم الذي يجيد قراءة أحرف القرآن وكلماته، ولكن لا يُجوِّد ولا يُجيد فهمها ولا العمل بها ولا التعليم لها.

النَّبيُّ ﷺ علَّمنا أن نكون في الوقت نفسه مُتعلِّمين ومُعلِّمين، فقال: ((لَيسَ مِنِّي إلَّا عالِمٌ أو مُتَعَلِّمٌ)) 7 ، وقال ﷺ: ((إنَّما النَّاسُ صِنفانِ: عالِمٌ ومُتَعَلِّمٌ، ولا خَيرَ فيمَن سِواهما)) 8 ، والعِلم في الإسلام هو ما يشمَل أمور الدنيا والآخرة.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] يقول: أنا عندي أولادٌ أكثر، أنا عندي أموالٌ أكثر، أنا عندي أراضٍ أكثر، أراضيَّ أكثر مِنْ أراضيك، وأولادي أحسن مِنْ أولادك.. ولكن أين تفاخُرك وتكاثُرك بالأعمال الصالحة؟ ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] إذا رأيتَه يفعل الخير فافعل أكثر منه، وإذا رأيتَه يعمل الصالحات فاعمل أكثر منه.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] هذا عتبٌ وتوبيخٌ إلهي، يعني لا تُلهِكم الأموال والأولاد وأمور الدنيا عن العِلم والتقوى والاستعداد للدار الآخرة وأداء ما فرض الله عليكم في أنفسكم وأهليكم وعشيرتكم ومَنْ حولكم، لا يُلهكم التكاثر عن العِلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وإننا لن نستفيد لو أننا قرأنا السورة مليار مرةٍ، ونحن يُلهينا التكاثر بالأموال والأولاد والأنساب والشهادات عن ذِكْرِ الله والدار الآخرة وأداء الواجبات في أخلاقنا وأعمالنا وحياتنا ودنيانا وفي التكنولوجيا التي تُعطينا القوة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال:60]. [علينا أن لا تلهينا الأموال والأولاد ومظاهر الدنيا عن التكنولوجيا التي تعطينا القوة وترفعنا بين الأمم، والتي بها نستجيب لأمر الله لنا بالإعداد بما نستطيع من قوة].

ما الفائدة أن نتباهى بمعركة بدر واليرموك والقادسية ونحن أمام حفنةٍ مِن اليهود في الحالة التي كلنا يعلمها؟ سيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه لَمَّا تولَّى الخلافة وجهَّز الجيوش لفتح الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا، وزَّع المدن على قادة الجيوش، فقال لأحدهم: أنت أمير حمص، وأنت أمير الشام، وأنت وأنت.. وهذا مثلما حصل في وقتنا حيث تقاسم الغرب بلاد العرب والمسلمين عقِب الحرب الأولى، وهم تقاسموا كل كنوزنا وخيراتنا، وهذا على عكس ما كان عليه أبناء القرآن وتلامذته النجباء الذين عَلِمُوا القرآن تلاوةً وفهموه عِلمًا وطبَّقوه عملًا وعَلَّموه بأقوالهم وأعمالهم.

واجبنا تطبيق السورة عمليًّا

الآن ونحن في تفسير هذه السورة، وهل بعد الدرس سيُلهيكم التكاثر عن الواجبات الإلهية أم ستُشغَلُون بالواجبات الإلهية وتُؤدُّونها أحسن الأداء بحيث لا تُلهِيكُم أموالكم ولا أولادكم ولا التكاثر بالأموال والأولاد؟ هل أنتم مُستعدون لأن تُؤمنوا بها؟ مَنْ يُؤمن بالسُّم هل يشربه أم يرميه؟ والذي يُؤمن بالأفعى هل يجعلها مسبحةً، أو “كرافة” حول رقبته [ربطة عنقٍ]، أو “لَفَّةً” على قُبَّعَته يكون طولها مترًا أو مترًا ونصفًا؟ [لَفَّة: عَمَامَة باللهجة السورية].. إنّ مُقتضى العِلم العمَل بما يقتضيه العِلم، ومُقتضى الإيمان أن تعمل بما تُؤمن به، وإذا آمنتَ أن هذا سُمٌّ فإنك تبتعد عنه، أو أنه عسلٌ فيه شفاءٌ للناس تأخذه وتشربه.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] فما رأيكم؟ هل ستُصِرُّون الآن على أن تلتَهُوا بأمور دنياكم عن واجباتكم الإسلامية القرآنية الربانية؟ إن الله عزَّ وجلَّ جعل الإنسان قادراً على أن يؤدي واجباته لجسده ولدينه ولأهله ولأهل الحقوق عليه، ولا يُضَيِّع شيئًا مِنْ أجل شيءٍ آخر، فهل تُؤمنون بسورة التكاثر لتلتهوا بالتكاثر أم ستؤمنون بأن هذا عتبٌ مِنْ الله عزَّ وجلَّ وزجرٌ ونهيٌ بأن لا تلتَهوا بالتكاثر ولا تُضيِّعوا فرائض الله ولا واجباته في أبدانكم وأموالكم وعباداتكم وفي العِلم والتعليم والدعوة إلى لله وذِكْرِ الله؟ ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ الله [المنافقون:9].

من أدب المجالسة والمُسامرة مع الأصحاب

الآن سمعت وفهمت، ماذا ستفعل بعد الخروج مِنَ المسجد؟ هل تستطيع إذا دخلتَ البيت أو ذهبتَ إلى متجرك وعملك أو في سهرتك أن لا يُلهِيك المجلس عن قوله تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ؟ التناجي: هو التحدث مع الأصحاب في المجالس والسهرات وغيرها.. فالله تعالى يقول: إن أدب المجالسة والمسامرة مع الأصحاب يكون بهذا الشكل: ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ مَنْ هو فقيرٌ في العائلة أو في الحي أو في العمارة! ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ما النجوى؟ التناجي والتحدث للناس في مجتمعاتهم؛ في المقهى والسَّهْرَة.. ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ تُفكِّر في الفقير، ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ ماذا يوجد من واجبات تركها النَّاس.. فنتناجى في إحياء المعروف وإحياء تلك الواجبات وفي تذكير النَّاس بأدائها.. والأمر الثالث بعد أداء الواجبات قال: ﴿أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاس [النساء:114] مَنْ حدثَت بينهم جفوةٌ أو خصومةٌ أو زعلٌ في الحي أو في العمارة أو في العائلة أو في الأصدقاء فعلينا أن نُصلِح بينهم.

الإيمان الحقيقي بالقرآن

القرآن أُنزِلَ ويُقْرَأُ.. وأنت تشتري المصحف وتضع له الثوب المطرَّز لماذا؟ هل فقط لتضعه على الجدار أو لتحفظ ألفاظه وتُجوِّد النطق بحروفه أم للعمل به والتطبيق له لتنقله مِنْ كلماتٍ تُكتَب وألفاظٍ تُنطَق إلى أعمالٍ تُبصَرُ وتُشاهَد؟ هذا هو الإيمان بالقرآن، وهذا هو الإسلام، والإسلام معناه الاستجابة لأوامر الله، والعمل بوصاياه، والوقوف عند حدوده، فإذا كنتَ كذلك فالنبي ﷺ يقول: ((يُوزَنُ مِدَادُ العُلماءِ)) أي حِبْرهم الذي يكتبون به، ((بدماء الشهداء))، أيُّهم يكون أرجح في الميزان؟ ((فَيَرجَحُ مِدادُ العُلماءِ على دِماءِ الشُّهداءِ)) 9 ، يرجح مُعلِّمُ النَّاس الخيرَ الأجودُ الذي تعلَّم عِلمًا فعلَّمه.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] هذا توبيخٌ وتأنيبٌ وزجرٌ لأهل اللهو والبطالة في مجالسهم وأحاديث سمَرِهم، يعني أيها المؤمنون لا تلتهوا بالتكاثر بالأموال وبالأولاد عن واجباتكم العبادية أو الأخلاقية أو الربانية، فإذا أدَّيتَ واجباتك الإلهية ثم بحثتَ في الأمور المباحة فلا يوجد مانعٌ أبدًا، وإذا ارتقيتَ درجةً في مجالسك تكون مجالسك كما قال تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ [النساء:114]، والنجوى هي أحاديث النَّاس بعضهم مع بعض في المقهى والسهرة والنزهة.. فأيُّ تربيةٍ في العالَم وفي تاريخ الإنسان رَقَتْ بالإنسان إلى مستوى القرآن! وماذا يُفيد الميت إذا قرأنا عليه هذه الآية: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ [النساء:114]؟ هو عندما كان حيًّا كانت كلُّ نجواه بالإثم والعدوان: ﴿فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرسول [المجادلة:9] يسهرون بالغيبة أو النميمة أو بما فيه معصية الله أو التعدِّي على بعض مخلوقات الله.. إذن نحن أعداء القرآن ولو قرأناه ولو سمعناه من الإذاعات بأجمل الأصوات، فالقرآن ليس للمغنى والموسيقى، إنما القرآن للعِلم والعمَل والتعليم.

التكاثر يلهي الإنسان حتى موته

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر (1) الله يُخاطبكم! ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر [التكاثر:1-2]، يبقى مستمرّاً بهذا الحال حتى تأتيه بطاقةٌ تقول له: تفضل، يوجد زيارةٌ للمقبرة.. فإذا استلمه عزرائيل هل يتركه ليرجِع؟ أو إذا استلمه أنكر ونكير هل يتركانه ليرجع؟ بل هي زيارة ذهاب بلا إياب.

فما موقفكم مِنْ خطاب الله عزَّ وجلَّ لكم؟ هل يُلهيكم التكاثر عن واجباتكم في العبادات والمعاملات وحقوق المخلوقات؟ ((دَخَلَتِ امرأةٌ نارَ جهنم في هِرَّةٍ حَبَسَتْها حتَّى ماتَتْ، فلا هي أَطْعَمَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأرضِ)) 10 ، أدخلها الله جهنم وهي إنسانٌ مِنْ أجل هرةٍ لا يقيم لها أحدٌ وزنًا في الميزان ولا المكيال.. فهل سنبقى مُتَلاهِين غافلين وغير مكترثين بكلام الله؟ وإذا قرأناه لا نحاول فهم المقصود منه، وإذا فهمنا هل نُشمِّرُ لنحوِّله مِنْ فهمٍ وعِلمٍ إلى عَمل؟ وإذا عملنا فهل نُشمِّر لنُعلِّمه للآخرين بأقوالنا وأعمالنا؟ حتى لا نقع تحت هذا العتب الإلهي ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1]، لا يا ربي، نحن والحمد لله لا يُلهينا المال ولا الولد ونعمل كما أمرتَنا بقولك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ، والذي يُلهيه المال والولد والتكاثر: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يبقى في هذا اللهو ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ هل قال: الرابحون الفائزون المنتصرون؟

﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون )9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم [المنافقون:9-10] إذا رَزَقك المال أنفِقْ منه، وإذا رَزَقك الشباب أنفِقْ منه، أو رَزَقك العِلم أنفِقْ منه، أو رَزَقك الذكاء وحُلَّ المشاكل أصلِح بين النَّاس.. نسأل الله أن يجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. وأنتم هل “ألهاكم” أم لا؟ إذا قرأتَ هذه الآية عليك أن تقول: لا يا ربي أنا لن يُلهيَني المال ولا التكاثر فيه.

نهاية الدنيا كانقطاع الكهرباء فجأة

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ إلى أن قال: ﴿وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ لِمَن يلتهي، ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ لِمَن ينظر في كتاب الله نظرة الجِدِّ والإيمان الصادق والعمل المخلص، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا بشبابها وغناها وسلطانها ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور [الحديد:20]، تتمتَّع بها قليلًا وتغتَرُّ بها وتظنُّ أنها خالدةٌ دائمةٌ، فإذا هي في لحظةٍ واحدةٍ مثل تيار الكهرباء عندما ينقطع، تنطفئ كلُّ الأضواء في الشوارع، وتصير المدينة في ظلامٍ دامس.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر )1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر [التكاثر:1-2] أجيبوا الله.. واللهِ يا ربي نحن مُلتَهُون، ولكن نُشهِدك على أنفسنا أننا الآن فهمنا، لقد كنا نقرأ ولا نفهم ولا نقصد الفهم، ولكن الآن وَفِّقْنا يا ربي إلى أن لا يُشغِلَنا ويُلهينا عن ذِكرِك وعن طاعتك وعن أداء الواجبات لا التكاثر ولا أي شيءٍ في هذه الحياة.

زجر الله عزَّ وجلَّ للغافلين

﴿كلا [التكاثر:3] هذا حرف ردعٍ وزجر، يعني استحِ على نفسك، أليس عيبًا عليك وأنت لا زلتَ في هذا اللهو وقد ابيضَّ شعرك وانحنى ظهرك وقُلِعَت أسنانك! وقد يأتيك الموت قبل أن يبيضَّ منك الشَّعر وقبل أن تُقلَع منك الأسنان

 

                                              كم صَحِيحٍ ماتَ قَبلَ سَقيمٍ                         ذهَبَتْ نَفْسُهُ النَّفِيسةُ فَلْتَةْ

 

                                             اغتَنِمْ في الفَراغِ فَضلَ رُكُوعٍ                      فعسَى أنْ يَكُونَ مَوتُكَ بَغْتَةْ

 

﴿كلا [التكاثر:3] يعني انتهوا واتركوا هذا اللهو وهذه البطالة وهذا النسيان وعدم الاعتناء بأوامر الله ووصاياه وكتابه، تعلَّموا أوامر الله واعملوا بها وعلِّموها، وكونوا مستعدِّين دائمًا للنُّقلة التي لا رجعة فيها.

﴿كلا [التكاثر:3] ما معنى “كلَّا”؟ هذه مثل شَدَّة الأُذن، [شَدَّة الأُذُن: كناية عن العقوبة الخفيفة]، يعني لا تلتهِ مرةً أخرى بالتكاثر، وليكن شغلك بأداء فرائض الله عزَّ وجلَّ.. وليس معنى ذلك أن نترك الدنيا: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل:30]، ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، ما أعظم القرآن! مرةً وقف غلادستون رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الأولى في مجلس العموم وأخذ المصحف بيده وقال: “ما دام هذا المصحف في يدِ المسلمين فلن تستطيعوا هزيمتهم”، وليس المقصود مِنَ المصحف الورق الذي تضعه في يدك، بل أن تضع معانيه في قلبك غذاءً وطاقةً وتحوِّلَ النطق إلى قرآن العمَلِ والمسيرةِ والأخلاق.

المهم من القرآن العمل به:

﴿كلا يعني انتهوا عن هذا اللهو والبطالة، ﴿سَوْفَ تَعْلَمُون [التكاثر:3] أنكم في غرورٍ في هذا اللهو وهذه البَطَالة، فلقد تمسَّكتم بالفانيات وأهملتم الباقيات، أصغيتم إلى نداء النفس والشيطان، وأعرضتم عن نصائح الله ووصايا القرآن.. ﴿سَوْفَ تَعْلَمُون [التكاثر:3] أنكم بهذا العمل قد خسِرتم خسارةً كبيرةً، وبِعتم الغالي الأعظم وأخذتم الرخيص الأحقر، ﴿ثُمَّ كَلاَّ ارتدعوا، يكفيكم غفلةً ولهوًا وإضاعةً للعمر ولواجباتكم وإيمانكم وإيثارًا للجهل على العِلم، ﴿ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُون (4) كلا [التكاثر:4-5] استحيوا واخجلوا وارجعوا عن البَطالة والغفلة.. إننا نقرؤها ألف مرةٍ وما فهمناها ولا مرة، مثل من أُعطِي الشيك، فقرأه ألف مرةٍ، وقرأه في الأسواق والإذاعات، وهو متسول، ومعه الكَشْكُوْل وملابسه ممزقةٌ، [الكَشْكُول: وعاء يحمله المتسول يضع به المال وما يُعطى من طعام وغيره]، وقد ظهرت عورته، و لا يزال يقرأ الشيك، حتى ينفضِح في البر والبحر، ما هذا المجنون!

قصة تمثل حال من يقرأ القرآن ولا يعمل به

هذه مثل القصة التالية: يقال: إن رجلًا سمِعَ أن الذي يأكل السمك ويشرب اللبن يوم الأربعاء يُجَنُّ، فقال لهم: هذا الكلام كذب وغير صحيح.. وبعد النقاش قال: سأجرِّب هذا بنفسي لأثبت لكم، فاشترى السمك وأكل اللبن مع السمك، وذهب إلى الحمَّام يوم الأربعاء، فلما انتهى خرج مِنَ الحَّمام بلا ثياب، يعني عاريًا، وصار يمرُّ في الأسواق ويقول: فعلتُ هذا لأثبت لكم أنه لا صحة لما يقال: إنه من يأكل السمك يوم الأربعاء مع اللبن ويدخل الحمام يُجَن، ها أنا ذا أكلتُ السمك وشربتُ اللبن ودخلتُ الحمام واليوم الأربعاء، والحمد لله على سلامة العقل والدِّيْن.. وهو أمام النَّاس “ربي كما خلقتني” من الأمام ومن الخلف، هذه هي المصيبة! المصيبة أن يظن المجنون نفسه عاقلًا وفهيمًا، ولذلك كان النبي ﷺ يقول: ((المجنُونُ مَن يَعصِي اللهَ)) 11 .

التصديق بوعود الله

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1] أليس عيبًا عليكم؟ عن ماذا يُلهيكم؟ عن ذِكْرِ الله.. فهل تَتَذَكَّر الله في غناك وغضبك ومطامعك وبيعك وشرائك وعندما تقرأ كلام الله؟ إنك عندما تسمع كلامًا مِنْ شرطيٍّ تسمعه حرفًا حرفًا، ولا تُضَيِّع أيَّةَ كلمة، والطبيب عندما يُكلِّمك تحفظ كلامه، يقول لك: تأكل كذا وتترك كذا والدواء كذا والنوم كذا، فإنك تحفظه وتُطبِّقه بتمامه، فهل الله أرخص في نظرك مِنَ الطبيب والشرطي؟ هل هذا هو الإيمان الذي وعد الله عزَّ وجلَّ أصحابه بجناتٍ تجري مِنْ تحتها الأنهار؟ يجب علينا أن نصحو ونستيقظ مِنْ رَقْدَتِنا وغفلتنا، وأرجو الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر [التكاثر:1]؟ لا يا ربي، بِحَولِك وفضلك وكرمك [أريد أن أُغَيِّر]، فقد كنتُ مِنْ قبل ألهو بالتكاثر، لا بالمال والأولاد فقط، بل بالبطالة والكلام الفارغ والغِيبة والنميمة والطَّعن بالنَّاس.. عليك بدل ذلك أن يكون مجلسك مجلس عِلمٍ وذِكرٍ وفضائل وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكر.

تأثير فهم القرآن الحقيقي في المؤمن

كيف صار العرب سادة الدنيا؟ بهذه التعاليم، فسورة التكاثر لم يكتفوا بأحرفها أو النطق بكلامها وكلماتها، بل حوَّلوها إلى أعمال، ﴿أَلْهَاكُمُ يعني لا تلتهوا، فلم يعودوا يلتهون، فكانوا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )17) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ الله عزَّ وجلَّ يسألنا: هل يُعامَلُ هؤلاء معاملةً واحدة؟ هل هذا مثل هذا؟ هل الطالب النجيب في آخر السنة الذي يُجيب على كلِّ الأسئلة مثل الذي لا يُجيب على أيِّ سؤال؟ هل يَستوون؟ ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا وخرجوا عن صراط الله إلى معصيته، ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّار كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُون [السجدة:16-20].

مقتضيات الإيمان اليقيني

﴿كَلَّا [التكاثر:3] ما معناها؟ يعني استحيوا وارتدعوا ويكفيكم لهوًا وإهمالًا وتضييعًا لأوامر الله وفرائضه في العبادات والمعاملات والأخلاق والعِلم والذِّكر، ﴿ثُمَّ كَلاَّ استحيوا.. كم مرة قال: كلَّا؟ ﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُون (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُون [التكاثر:3-4] أنكم مُخطئون، وستعملون أنكم خاسرون في ممشاكم الذي تقضون به حياتكم، ﴿كَلاَّ [التكاثر:5] ثلاث مرات، كأنه يقول لك: هل فهمتَ؟ ثم هل فهمتَ؟ ثم هل فهمتَ؟ وأنت لا تفهم شيئًا، ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5] والعِلم بمعناه الحي هو الذي يُعطي اليقين، فإما أن تسمعه مِنْ مُخبِرٍ لا يَكْذِب وتُصَدِّقه لأنه صادقٌ مُصدَّقٌ، ويكون الخبَر والمخْبَر عنه غائبين عنك، وهذا إيمانٌ بالغيب، وإما يقينٌ بأن تشهد الشيء الذي أُعلِمْتَ به، وهذا ماذا يكون؟ اليقين، قال: ﴿كَلاَّ يعني ارتدعوا عن لهوكم بأمور البطالة عن الواجبات عِلمًا وعملًا وتعليمًا، ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين (5) لو صار عِلمكم يقينيًا لا شكَّ فيه ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم [التكاثر:5-6]، [لصرتم ترون] الدار الآخرة والوقوف بين يدي الله والحساب على الأعمال.. ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5]، لو تؤمنون بالقرآن الإيمان اليقيني ﴿لَتَرَوُنَّ [التكاثر:6] كأنَّ القيامة أمامكم تشاهدونها والنَّاس يدخلون، فشخص يأخذ كتابه بيمينه إلى الجنة، والآخر بشمالِه إلى جهنم، وعندما يرى هذا المنظر هل يستطيع أن يعمَل مِنْ معاصي الله ما يُخَسِّره الخسارة الأبدية؟ ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5]، لو آمنتم الإيمان الحق بالقرآن ﴿لَتَرَوُنَّ كأن الدار الآخرة والميزان ومحاسبة الله لأعمالكم أمامكم، عند ذلك لا تستطيعون أن تعصوا الله طرفة عينٍ؛ لا بالقول ولا بالنظر ولا بالسمع ولا بالسهرات ولا بالمال ولا بالجاه.. ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5] هل المقصود مِنَ العِلم اليقين أم الشك؟ يقول: فهمت لكن لم أعمل.. إذًا عِلمك ليس يقينًا، بل هو شك، ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين [التكاثر:7] الإيمان الحقيقي يجعلك كأنك تشاهد الدار الآخرة، ثم ستشاهدها في الآخرة مشاهدةً عينيةً حقيقية، فترى جهنم بعينيك.. والمؤمن يرى الجنة والآخرة بإيمانه القوي وبإيمانه الصادق أو بمرآة قلبه: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ [الزمر:22].

حقيقة الإيمان

سأل رسول الله ﷺ أحدَ أصحابه: ((كَيفَ أَصبحتَ؟)) فقال: “مؤمنًا حقًّا”، قال له: ((إنَّ لِكُلِّ قَولٍ حَقيقةً، فما حَقيقةُ إيمانِك؟)) يوجد دعوى، كأن تقول: أنا مليونير.. فهذه دعوى، ويوجد حقيقة كأن تملك المليون أو المليار أو.. إلخ، ((فما حَقيقةُ إيمانِك؟)) قال: “أصبحتُ كأني أنظر إلى ربي في عرشه”.. فإذا كان شخص أمام مدير المخابرات أو أمام مدير الشرطة أو يقود السيارة ويوجد شرطيُّ سيرٍ أو اثنان أو ثلاثة هل يستطيع أن يمشي على شماله؟ وإذا كان يعلم: ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] فإذا صار عنده عِلمٌ بأن الله يرى هل يستطيع أن يعصي الله؟ هذه تحتاج إلى تربية قلبية، وتحتاج إلى صُحبة أولياء الله، وإلى صِدْق الارتباط بهم، يعني صدق الحب، وإذا لم تُحب لا تنتفع، فالنجار إذا لم يُحبَّ مُعلِّمه لا يتعلَّم النجارة، ولا يأتي إليه، يقول: أنا لا أحبه، فكيف أذهب إلى رجلٍ لا أحبه! وإذا أحبه يصير يُكَنِّس أمام دُكَّانه، ويحمل أدوات النجارة عنه، وإذا سبَّه يتحمَّل، وإذا ضربه طيارة يصبِر.. إلخ، [الطَّيَارة: في العامِّيّة الدمشقية صفعة على الرقبة].. نسأل الله أن يرزقنا صحبة: ((لا تَصحَبْ مَن لا يَنهضُكَ حالُه، أو يَدلُّكَ على اللهِ مَقالُه)) 12 .

العلم الحقيقي يؤدي إلى اليقين

﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5] لو صار عندكم العِلم الحقيقي الصادق ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم [التكاثر:6] سترون كأن الآخرة أمامكم، مثل سيِّدنا حارثة رضي الله عنه لَمَّا قال له النَّبيُّ ﷺ: ((ما حَقيقةُ إيمانِك؟)) قال: “أصبحتُ كأني بعرشِ ربى بارزًا، وكأني أنظرُ إلى أهل النار في عذابهم، وأهلِ الجنَّةِ في نعيمهم”، فقال النبيُّ ﷺ: ((عبدٌ نوَّرَ اللهُ قَلبَه بِالإيمانِ، عرَفْتَ فالْزَمْ)) 13 ، نسأل الله أن يرزقنا هذا الإيمان، وهذا ما يسمَّى بمقام الإحسان وهو: ((أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه)) 14 .

﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين [التكاثر:5] تؤمنون بالآخرة الإيمان الحقيقي ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم [التكاثر:6] ترون أنفسكم كأنكم في الآخرة، وكأنكم بين يدي الله عزَّ وجلَّ يُحاسبكم في الدنيا قبل الآخرة، فإذا صار عند الإنسان هذا التصوُّر هل يستطيع أن يعصي الله أو أن يُخالف أمره؟ ﴿ثُمَّ بعدما يصير عندكم عِلم اليقين في حياتكم الدنيا ﴿لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين [التكاثر:7] في الآخرة سترونها بعيونكم.

الهِرّ يعرف الحلال والحرام

﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم [التكاثر:8] قال عليه الصلاة والسلام: ((لَنْ تَزولَ قَدَما عَبدٍ)) عندما يدخل إلى محكمة الله عزَّ وجلَّ، وإلى القاضي الرباني الذي يعلَم ما تُسرِّون وما تُعلنون لا يخرج مِنَ الجلسة حتى يُسأل عن أربع، ((لَنْ تَزولَ قَدَما عَبدٍ حتَّى يُسأَلَ عن أربعٍ: عن شَبابِه فيما أَبلاه)) شبابك أين أذهبته؟ يقولون: لا يزال صغيرًا جاهلًا.. صار عمره ثلاثين سنةً ولا يزال صغيرًا لم يَبْلُغ بعدُ وجاهلاً، هل هذا اسمٌ يُشرِّف؟ وهل هذا عذر؟ هو ليس بجاهل، فلا يوجد أحدٌ لا يعرف الحلال والحرام، حتى الحيوان يعرف الحلال والحرام، هل القَطّ إنسانٌ أم حيوان؟ فإذا كان على المائدة وأعطيتَه قطعة لحم بيدك أين يأكلها؟ يأكلها أمامك، لأنه يعرف أنها حلالٌ وهو ليس لصًّا، فاللص ستُلاحقه الشرطة وتضع القيود بيديه وتضعه في السجن، يقول: هذا حلالٌ، وأنا لا آكل الحرام، وإذا خطفها فإنه يركض بقفزةٍ واحدةٍ على الدرج إلى السَّطْح.. فالحيوان يعرف الحلال من الحرام.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإيمان، ((إذا سَرَّتْكَ حَسَنتُكَ، وساءَتْكَ سيَّئتُكَ فأنتَ مؤمِنٌ)) 15 .

السؤال عن أربع

((لن تَزولَ قَدَما عَبدٍ حتَّى يُسأَلَ عن أَربعٍ: عن شبابِه فِيما أَبلاهُ، وعن عُمُرِه فيما أَفناهُ، وعن مالِه مِن أينَ اكتَسَبَه وفِيمَ أَنفَقَه، وعَن عِلمِه)) الآن سمعتم الدرس سورة التكاثر، ((وعن عِلمِه ماذا عَمِلَ بِه)) 16 ، فما رأيكم؟ هل بسماعكم لتفسير التكاثر ستربحون أم ستخسرون؟ وإذا عملتم وطبَّقتم وانتبهتم مِنْ غفلتكم وذكرتم الله في أعمالكم فوقفتم عند حدوده فلم تتجاوزوا الحلال إلى الحرام، وأدَّيتم فرائضه فلم تتقاعسوا، وراقبتم الله تعالى في كلِّ شؤونكم صغيرها وكبيرها فلا شكَّ أن الله عزَّ وجلَّ بفضله يشملنا برحمته.. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا اللهم هادين ومَهْدِيِّين: ((لَأَنْ يَهدِيَ اللَّهُ بكَ رَجلًا)) وإنسانًا ((واحدًا خَيرٌ لكَ مِنَ الدُّنيا وما فِيها)) 17 ، أَلَا يستطيع الواحد منكم أن ينقل صديقه بأسبوعٍ مِنَ الظلام إلى النور ومِنَ الجهل إلى العِلم ومِنَ الغفلة إلى الذِّكر؟ ألا يستطيع في ليلة السبت أو مساء الجمعة أنْ يجمع أهله وجيرانه في العمارة أو الحارة، ويقرأ لهم سورة التكاثر، فيكون قد تعلَّم عِلمًا فعلَّمه، فصار الأجود، يُحشَر يوم القيامة أمةً وَحْدَه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم: (2958)، (4/2273)، بلفظ: ((عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ: ((وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ))، ورقم: (2959)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ)).
  2. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5910)، (3/611)، عن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَمن كَانَ آخر يَوْمه شرا فَهُوَ مَلْعُونٌ وَمن لم يكن على الزِّيَادَة فَكَانَ على النُّقْصَان وَمن كَانَ على النُّقْصَان فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ))، وفي حلية الأولياء للأصبهاني، (5/35)، بلفظ: عن إبراهيم بن أدهم، قال: بلغني أن الحسن البصري، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقال: يا رسول الله عظني، قال: «مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَمَنْ كَانَ غَدُهُ شراً من يومه فَهُوَ مَلْعُونٌ وَمَنْ لَمْ يتعاهد النُّقْصَانَ مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ في نُقْصَانٍ وَمَنْ كَانَ إِلَى نُقْصَانٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ».
  3. مسند أبي يعلى الموصلي، رقم: (2790)، الكامل لابن عدي (1/358) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الأَجْوَدِ الأَجْوَدِ؟ اللَّهُ الأَجْوَدُ الأَجْوَدُ، وَأَنَا أَجْوَدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا، فَنَشَرَ عِلْمَهُ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَّةً وَاحِدَةً، وَرَجُلٌ جَادَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ)).
  4. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  5. تاريخ دمشق لابن عساكر (10/374)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((ما ترك عبد لله أمرا لا يتركه إلا لله تعالى إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه))، وفي المدخل لابن الحاج (2/111)، بلفظ: ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20758)، (5/78)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5748)، (5/53)، بلفظ: ((إِنَّكَ لا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ))، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءٍ رضي الله عنهما.
  6. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (8276)، (65/197)، ومسند الفردوس للديلمي، رقم: (5249)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيْسَ بخَيركُمْ من ترك دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا آخرته لدنياه، ولكن يُصِيب مِنْهُمَا جَمِيعاً)).
  7. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5279)، (3/419)، عن ابْن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيسَ منِّي إلَّا عَالِمٌ أو مُتَعَلِّمٌ)).
  8. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (10461)، (10/201)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه بلفظ: «النَّاسُ رَجُلَانِ؛ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَاهُمَا» وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (6876)، (4/298)، عن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه.
  9. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8837)، عن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه، بلفظ: ((يُوزن حبر الْعلمَاء وَدم الشُّهَدَاء فيرجح ثَوَاب حبر الْعلمَاء على ثَوَاب دم الشُّهَدَاء))، وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، رقم: (127)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، بلفظ: «يُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ»، وفي المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (1005)، هو من قول الحسن البصري.
  10. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم: (3140)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم قتل الهرة، رقم: (2242)، بلفظ: ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ))، وفي رواية أخرى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)).
  11. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ».
  12. حكم الأيام، من حكم عطاء الله السكندري، ص: (31)، بلفظ: " لا تصحب من لا يُنْهِضُكَ حاله، ولا يَدُلُّكَ على الله مَقَالُهُ".
  13. مسند البزار، رقم: (6948)، (13/333)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في الزهد وقصر الأمل، رقم: (10591)، (7/363)، بلفظ: ((عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، قَالَ: "يَا حَارِثَةُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا))، وفي رواية أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أضاف: ((عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ)).
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50)، (1/27)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (9)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَان قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}الْآيَةَ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ))، وفي رواية لمسلم عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  15. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22253)، (22/ 76)، المستدرك للحاكم، رقم: (33)، (1/14)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7540)، (8/117)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا الإِثْمُ؟ قَالَ: إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ.
  16. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (111)، (20/60)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1785)، (2/284)، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟")).
  17. الزهد والرقائق لابن المبارك، باب فضل ذكر اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رقم: (1375)، (1/484) بلفظ: عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا يُعَلِّمُ الدِّينَ قَالَ لَهُ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
WhatsApp