فنحن الآن في تفسير سورةِ الكافرون، [يصح لغة في مثل هذه الجملة أن نقول: الكافرون أو الكافرين] يقولُ الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:1-6].
وردَ عن هذه السورة في بعض الأحاديث بأنها تَعدِلُ ربعَ القرآن ، وسورة الزلزلة تعدِلُ ثُلُثَ وفي روايةٍ نِصْفَ القرآن ، فكثيرٌ من النَّاس ظنُّوا أن مجرَّدَ تلاوتِها يحُوْزُ القارئ على هذه الجائزة والمثوبة، لا، فمقصودُ النَّبيّ ﷺ أن ربُعَ القرآن يهدِفُ ويَدْفَعُ إلى حقيقة معنى هذه السورة.
الكُفر في أصل اللغة
فهذه السورة أولًا خطابٌ من الله لرسوله الكريم ﷺ: ﴿قُلْ﴾ يعني يا مُحمَّد ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، الكُفْرُ في أصل اللغة هو السَّتْر وحجبُ الشيء عن الرؤية، ولذلك سمَّى الله المزارعين -الزُّرَّاع- سمَّاهم كُفَّاراً لأنهم يَسْتُرُون البذورَ في التراب: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾ مطرٍ ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ يعني الزُّرَّاع ﴿نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ﴾ الزرع ﴿مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ [الحديد:20].. فمعنى أنها تَعدِلُ رُبْعَ القرآن إشارةٌ إلى حقيقةٍ غالية؛ فربع القرآن مجملٌ في سطرين صغيرين! فما هو هذا الربعُ الذي جَعَلَ النَّبيُّ الكريم ﷺ هذه السورة رمزاً له؟ هذه السورة فيها حكمةٌ عظيمةٌ في تبليغ الدعوة إلى الناس، حيث تكون بالحكمة والموعظة الحَسَنة، والحكمة هي الإقناع وكَشْفُ المُغطَّى والمستور عن السَّامعِ حتى يظهر بحقيقته وواقعيته، كما إذا قلنا هذا ياسمين، [يشير سماحة الشيخ إلى باقة ورد من الياسمين أمامه] فإذا كان مُغَطَّى قد يقول قائلٌ: هذا برتقالٌ أو غير ياسمين، أما إذا كشفنا الغطاء وظهرت الحقيقة فلا يوجد جدلٌ أو صدودٌ أو رفضٌ للمُدَّعَى.
الحكمة هي معرفة الأمورِ بحقائقها
كذلك هذه السورة، يقول الله: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس:1-2]، كُلُّه حكمة، والحكمة هي معرفة الأمورِ بحقائقها، ومعرفة ارتباطِ الأسبابِ بمُسبباتها قَدَرَاً وشرعاً؛ أن نعرِفَ حكمة الأقدار وأن نعرف حكمة التشريع خَلْقَاً وأمراً، فنعرِفُ حكمة الخَلْقِ وحكمة الأوامر الإلهية وغايتها وأهدافها.. لم يأمُرنا الله بأمرٍ إلا لإسعادنا، ولم يُحَرِّم علينا شيئاً إلا لأن فيه شَقَاءَنا وضَرَرنا، والقرآن سمَّاه الله بالحكيم وهو الصواب في القولِ والعمل، والحكمة: فعلُ ما ينبَغِي؛ بأن تُؤدِّيَ ما يجبُ، في الوقت الذي ينبَغِي وفي الوقت المناسب، وعلى الشكل الذي ينبَغِي.
الصبر على الأذى في حال الضعف
فهذه السورة نَزَلَتْ على سيدنا رسول الله ﷺ في مكَّة والإسلام ضعيف، وحول النَّبيّ ﷺ يوجد شبابٌ، كثيرٌ منهم لم يبلغ العشرين سنة، ويوجد الفقراء وبعض العبيد المماليك، أما الأقوياء والأغنياء والأمراء فهم مُعْرِضُونَ ومُعارِضُون وناقِدُون ومُحارِبُون، فكَفَّةُ العامِرِيْنَ في الإسلام في مُنتهى الضَّعف، فالضعيف إذا كان له برنامجٌ ومخططٌ لا يجوز له أن يُثِيرَ عليه القوى التي لا يستطيع مجابهتا: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة:195]، ولذلك كان الصَّحابة لحماس الشباب وثورتهم عندما يضغطُ الكُفَّار عليهم في مكة يستأذنون من النَّبيّ ﷺ أن يُقاتِلُوا، فيقول النَّبيّ ﷺ: ((يا عمر أنتم قليل)) ، يعني لو حاربتم تفشَلُون وتَنهزِمُون.
المراد من الحرب النصر وليس القتل
وليس المرادُ من الحرب أن نقاتل ونَقْتُلَ ونُقْتَلَ، بل المرادُ أن ننتصر لينتصر الحقُّ ونستطيع أن نُنْقِذَ الإنسان ونرفعَ مستواه الإسلامي عقلاً وعلماً واقتصاداً وكُلَّ ما يرفع مستواه في كُلِّ شؤون حياته، وهذا يتوقف على الحكمة التي هي معرِفَةُ الأمور بحقائقها، فنعرِفُ الأفعى أنها أفعى، وتوجب هذه المعرفة الاحْتِرَازَ مِنها واجتنابَها، ونعرِفُ العَسَل عَسَلاً فيه شفاءٌ وغذاء وإلى آخره..
ومعرفة ارتباط المُسبَّبات بأسبابها؛ في اللَّيل نستطيع أن نقرأ الكُتُبَ إذا وُجِدَ النور، فالنور سببٌ والقراءة بوجود النور مُسبَّبٌ عن وجود النور، الزواج سببٌ والذي يتَسبَّبُ عنه إنجاب الولد، أما أن نطلب مُسبَّبَاً بلا سبَبِهِ، وأن نطلب الأشياء بدون أن نَتَعرَّفَ على حقائِقِها قبل أن نطلبها ونَقْدُمَ إليها وعليها فهذا مخالفٌ للإسلام والقرآن، لأن القرآن حكيم والنبوَّةُ عِلْمٌ وحكمة، يعني عِلْمٌ وعقلٌ حكيمٌ لا يُخْطِئ، ودائماً أعماله مرشحةٌ عن الفِكر والفَهم والتعرُّف على الأمور قبل الإقدَام عليها.
تحقق وعود الله عزَّ وجل
لذلك قال الله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ يعني إن تتقبلوا تعاليمه ووصاياه وشريعته التي كُلُّها حقائقٌ وحكمٌ وأسبابٌ ومسبَّباتٌ روحاً وعقلاً وعملاً واكتساباً ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾ [مُحمَّد:7]، أسبابٌ ومُسَبَّبات.. فوصل المسلمون إلى مستوى أن تركوا الأسباب واستَعَاضُوا عن تركِهَا والعمل بها بالدعاء، اللهم اللهم فقط.. والدعاء محبُوبٌ ومطلوبٌ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60]، لكن في آيةٍ أخرى قال الله: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة:186]، يعني لأستَجِيْبَ لهم، أما إذا دعاك الله فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة:278]، فالله يناديك ويدعُوكَ، وإذا لم تستَجِبْ له، فإذا دَعوتَهُ لا يستجبُ لك، هذا صريحُ القرآن وواضِحُه، فمن النَّاس من يقول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201]، فماذا أجابهم الله عن طلبهم في قولهم: ﴿آتِنَا﴾؟ قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ هؤلاء الذين يدعون، هل قال: أولئك الذين يدعُون يُستَجَابُ دُعاؤهِم؟ لا، قال: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة:202]، فإذا عمِلُوا وهَيَّأوا الأسباب لما يطلبُونَهُ أهيِّئُ لهم المُسبَّبَات والطلبات التي يطلبونها.
لذلك مع أن من أسماء الله الحفيظ ومع أن مِن وَعْدِ الله لنبيِّهِ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة:67]، كان إذا نَزَلَ الحرب لا يكتفي بلبسِ دِرعٍ، بل كان يرتدي درعين؛ دِرْعَاً فوق درعٍ، فلم يترك الأسباب ويقول: اللَّهم انصُرنا على القوم الكافرين.. والمسلمون الآن يظنُّون أنَّ الله يُعْطِيهُم النصر بلا إعداد وسائل النَّصر وإعداد القوَّة.
سورة الكافرون تنادي بالمنطق والحكمة
فنعودُ لسورة الكافرون، سورة الكافرون تدعو المسلمين إلى عدم إثارة عبدة الأصنام واستِفْزَاز كفار قر يش، وذلك بالحكمة، أي بالبيان والإقناع والدلائل والمَنْطِق والأمور التي تكون مكشوفةً لا لَبْسَ فيها ولا خفاء، وبالموعظة الحَسَنة، وهي الترغيب والترهيب، فكان النبيُّ لما يدعُو كفار قريش يقول: قولوا لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله، يَفتَحُ الله لكم -بما معناه- بلاد الروم والعَجَم، فيُمَلِّكُكُم أرضهم ويُزوِّجُكُم نِساءهُم.
كل شيءٍ له ثمن
لكن لا يوجد شيءٌ في هذا الوجود تستطيع أن تَصِلَ إليه بلا ثمنٍ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ هذا ثَمَنُ ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة:111]، فالجنَّة قال الله لنا: أولاً تدفعون نقداً لي بالدنيا قبل الآخرة، وأنا أُسلِّمُكُم في الآخرة.. فكان النَّبيّ ﷺ في دعوَتِهِ.. والله عزَّ وجلَّ يريد أن يُغيِّرَ دِيْنَ العرب وعبادتهم للأصنام ويَنْهَضَ بعقولهم الميِّتة المُهمَلَة المدفونة في قُبُورِ الإهمال والجهل، حيث كان أحدهم يأتي للصنم ويطلب منه أن يَقْضِيَ حاجَته أو ينصُرَهُ على عدوِّه، وأحدهم أسْلَمَ ابنه وهو شابٌ حدثٌ، وكان الابن ينصَحُ أباه ويدعوه لوحدانية الله فلم يستَجِبْ، فأتى صباحاً ليُصلِّي لصَنمه، فإذا به يرى ثعلباً على رأس الصَّنم يبُولُ عليه.. فإذاً مستوى ذلك الإنسان في الجهل أَحَطّ بكثيرٍ من عقل هذا الحيوان، فعند ذلك استيقظ وانتبه وقال
أربٌّ يبولُ الثُّعلبان برأسِهِ
لقد ذلَّ مَنْ بالَتْ عليه الثعالبُ
فعَلَّمَهُ الثعلب أنه هذا ليس بإله، بل هو حجرٌ لا ينفَعُ ولا يَضُر.
سبب نزول سورة الكافرون
فمع أن النَّبيّ ﷺ كان يدعو كُفَّارَ قريشٍ بالمنطق والبيان وبكُلِّ الوسائل المُقنِعة للعقل المُجرَّد من التَعَلُّق والارتباط بأمورٍ مُتَرَسِّبَةٍ في العقل والفكر، لكنه كان يلقى الصَّدَّ، حتى قالوا له ﷺ في يوم من الأيام: نعمَلُ حلاً وسطاً: تعبُدُ آلهتنا يوماً ونعبُدُ إلهك عشرة أيام، تعبُدُ آلهتنا شهراً ونعبُدُ إلهك سنة، فقال لهم: أنظِرُوني، لأن النَّبيّ ﷺ لم يكن يتصرَّفُ إلا بوحيٍ وتعليمٍ من الله عزَّ وجلَّ، فأنزل الله عز وجل في هذا الصدد: ﴿قُلْ﴾ لهم يا مُحمَّد ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ الذين سُتِرَتْ عنكم الحقيقة فجهِلتِمُوها وأصبحتم غَرْقَى في فَهمِ الأمور بعكسِ واقِعِها وحقائِقها، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ لا أعبُدُ آلهتكم يوماً لتعبدوا إلهي عشرة أيام ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ﴾ إلهكم شهراً لتعبُدوا إلهي سنة ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ حرية العقيدة، أنا حرٌّ وأنتم أحرار.
آيات مماثلة لسورة الكافرون بالمعنى
فإذا أضفنا إلى سورة الكافرون التي قال عنها النَّبيّ ﷺ إنها تعدِلُ ربعَ القرآن آيةً أخرى تلتقي مع سورة الكافرون: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ لن نتخاصَم، ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ هو القاضي، ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى:15]، وآيةٌ أخرى تقول: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ:25]، لم يَقُل عمّا تُجرِمُون لكيلا يُثِيرَهُم، ولا يُثِير القوَّة على الإسلام الضعيف، ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾ نحن مجرمون، إن شئتم احسِبُونا كذلك، لكن لم يسمِّهِم مجرمين، سمَّى نفسه والمؤمنين مُجرِمين، ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ الذي يُريد أن يكون داعياً إلى الله ويُعرِّفَ النَّاس بالإسلام ويدعُوهُم إليه [عليه أن يسلك منهج القرآن].
فقه القرآن مشروحٌ بسنة النَّبيّ ﷺ
ما أحوَجَنا إلى مدرسة القرآن وفقهِهِ المشروح بسُنَّةِ رسول الله ﷺ بأقواله وأعماله وحياته، وقد نقلهم في عشرين سنةٍ ومن دون إعلامٍ ولا راديو ولا تلفاز ولا صحف ولا مجلات ولا أي شيء إلا بإذاعة القرآن قولاً وعملاً وسلوكاً ومعاملة.. في عشرين سنةٍ نقلهم من إنسانٍ يعبُدُ ويؤلِّهُ حجراً ورأسه مليءٌ بالخُرافات والجَّهل والجهالات والعادات القديمة آباءً عن الأجداد، ومع الفقر وأكل الدَّمٍ والفطائس من الفقر: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة:3] بعشرين سنةٍ.. وقد ظَلّ العرب الأوس والخزرج سكان المدينة في محاربةٍ مع بعضهم البعض مئة وعشرين سنة، فبعشرين سنةٍ نقَلَهُم من أجهلِ الجاهلية ومن أعداءٍ يتقاتلون على القليل والكثير، ومن الفقر حيث كانوا يقتلون أولادهم خشية الإِملاق، نقلهم إلى ((حكماء علماء فقهاء، كادوا من فقهِهِم أن يكونوا أنبياء)) ، النَّبيّ هو الذي يصنع الأمَّة الراقية؛ أمَّة العِلمِ والعقلِ الحكيم والعمل بالأسباب والمُسبَّبات، وأُمَّة لا تُقْدِمُ على أمرٍ حتَّى تدرُسَ حقائقه ونتائجه بالفكر والعقل، ثم تُقدِمُ على حسب مُقتَضَى الدراسة العلمية والحكمة.
نتيجة العمل بوحي القرآن الكريم
لذلك قال الله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللّه﴾ يعني إن تعمَلوا بوحيِهِ وقرآنه وتُنفِّذُوا وصاياه ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾ على الفقر والجهل والفرقة والأعداء، حتَّى تصيروا كما وَصَفَهُم الله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110]، ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:143]، ((خيرُ الأمورِ أوساطُها)) ، وهذا كلُّه في عشرين سنة، بَدءاً من ألف باء الإسلام؛ بِدْءاً من مدرسة حِراء، من جامعة حِراء، فماذا كان يصنعُ في حراء؟ وهو أمِّيٌّ لا يكتب، ولا مُعلِّم له ولا رفيق ولا فيلسوف، ولا سقراط ولا أفلاطون، من الغار: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:1]، مستعينًا لا بالجامعة الأمريكية ولا بالمكتبات، بل مستعيناً باسم الله، وباسم الله قلباً وروحاً وحُبَّاً وعِشقَاً، وقد كانت قريش تقول: إن مُحمَّداً قد عَشِقَ ربَّه، فإذا دخلت في مدرسة العِشْقِ الإلهي: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة:282]، ((من عمِلَ بما علِمَ أوْرَثَهُ اللهُ عِلمَ ما لم يعلَمْ)) ، ﴿إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال:29].
حقيقة علوم الأنبياء
علوم الأنبياء ليست باللِّسان والآذان، بل انكشافُ ورؤيةُ الأمور على حقائقها، فمثلًا من يرى الأفعى لَدَغَت إنساناً فمات، هل اكتسَب علماً أم لا؟ اكتسَب علماً بأن الاقتراب من الأفعى قاتل، فكانت علوم الأنبياء إما مشاهدةً وإما إلقاءً للوحي في قلب النَّبيّ عليه الصلاة والسلام بشكلٍ يقينيٍّ، وهذا أبلغ من استماعه إلى قائلٍ أو قراءته في كتابٍ، أو يبلغه جبريل عليه الصلاة والسَّلام عن الله ما يشاء الله من وحيه.
فسورة الكافرون وكما هو في كُلِّ أو معظم سُوَرِ القرآن يقرؤها المسلمون لمجرَّدِ التلاوة، مثل “شيك” [حوالةٍ] إذا أُعطِيتَهُ وفيه أن تقبَضَ مئة ألف دولار، وأنت بلا دارٍ ولا مَسْكَنٍ ولا زوجةٍ ولا أي شيء إلا ما يستُرُ عورتك، فلو قرأت هذا الشيك ألف سنة دون أن تذهب إلى البنك وتقبِض وتشتري البيت وتتزوج وتقوم بالعمل الدنيوي برأس المال هذا، هل تنفعُكَ القراءة؟ وكذلك إذا كنت تقرؤه ولا تفهَمُه.. وأما إذا فهِمْتَهُ فأشدُّ النَّاس عذاباً عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه: ((أشدُّ النَّاسِ عَذابًا يومَ القيامةِ عالِمٌ لم ينفَعهُ اللَّهُ بعِلمِهِ)) ، يقولون: ما أشقاه! عنده شيك ويعرف ويفهَمُ وينام في الشارع ودائماً يتسول من الأبواب، ويقول: أرجوكم أعطوني قطعة خبز! وقد جاءه عشرون شيكاً، كُلُّ شيك بمئة ألف دولار، هذا ماذا يستحق؟ فكذلك المسلمون: فالقرآن وهو أعلى وأقدس، ولكن على طريق المثال والتقريب للأفهَام، فهو عطاءٌ إلهي.. نَفِّذْ ما في هذه الرسالة الإلهيَّة تكون أغنى الأغنياء وأَسْعَدَ السعداء وأعَلَمَ العُلماء وأقوى الأقوياء وأعَزَّ الأعزاء.
المسجد في زمن النَّبيّ ﷺ
فالعرب على جَهْلِهِم وأميَّتهم: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ [الجمعة:2]، أمةٌ أميَّةٌ هكذا كان يقول النَّبيّ ﷺ: ((إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسبُ)) ، فَهل فَتَحَ جامعات؟ لا، بل جوامع، فالجامع أعظم من الجامعة بمعناه الحقيقي الأصيل، لأن الجامع في زمن النَّبيّ ﷺ وفي القاموس الرَّبَّاني هو الذي يجمعُ بين جدرانه علوم القرآن والحكمة وتعلِيمَها وتزكِيَةَ النَّفسِ وطهارَتَها من نقائِصِها ورذائِلِها وجَشَعِهَا ودناءَتِها، ويرفَعُهَا إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، هذا هو الجامع الحيّ، أما إذا فَقَدَ هذه المعاني باتَ كالصحراء، فمهما كانت واسعةً ولا ماء ولا أنهار ولا أشجار فيها، فَما الفائدة من سَعَتِها؟
إحسان عرض الإسلام عند شيوع الحريات
هذه السورة بمدلُولِهَا والإسلام ضعيف أن لا يُثِيْرَ النَّبيّ ﷺ قوَّةَ قريشٍ لتَقْضِيَ على الإسلام، وهو كمثال: صَبَّة الإسمنت مِنْ أولِ يوم، فإذا حَمَّلنا عليها السقف تنهار وينهار السَّقفُ معها، ويقول: ((يا عمر أنتم قليل)) ، وينزِلُ في القرآن: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور:48]، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج:5-7]، أما هذا العصر وهذا الزَّمن وفي معظم بلاد العالم صارت حريَّةُ الرأي والفِكْر والكتابة والعقيدة للجميع، فلو وُجِدَ من يُحسِنُ عرض الإسلام وحتى لو بالأقوال وحدها.. ففي الصَّلاة نُظْهِرُ فقه الصَّلاة التي: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:45]، ليست التي هي: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ [الماعون:4]، هناك صلاة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1-2]، فمُصَلُّون مُفلِحُون، ويوجد مُصَلُّون الويل لهم و: ((من لم تَنْهَهُ صلاتُهُ عنِ الفحشاءِ والمنكَرِ لم يزدَدْ من اللهِ إلَّا بُعْدًا)) .
استعمال وسائل الاتصال الحديثة
فهذا العَصر هو أفضلُ العصور في إيصال الإسلام إلى العالم كُلِّه بواسطة وجود وسائل الإعلام الحديثة، فيمكن لعشرِ رجالٍ يختصُّ كلُّ واحدٍ منهم بلغةٍ: أحدهم بالفرنسية وآخر بالإنجليزية وآخر بالألمانية، بواسطة قمرٍ صناعيٍّ يشرَحُون الإسلام للعالم الغربي أولًا، فيُفَهَّم العالَمُ المسيحيُّ أن الإسلام ما أتى ليمحوَ المسيحية، ولا ليُجَرِّدَ المسيحيَّة من السيد المسيح، بل أتى ليُقوِّيَ إيمانه بالسيد المسيح، لأن الإلحاد مِنْ أيِّ بلادٍ ظَهَرَ في عصرنا الحاضر؟ هل من بلاد الإسلام؟ لا، بل من العالَم المسيحي بدءاً من الشيوعية وتَسَلسُلاً من أوروبا وأمريكا، فأكثرهم علمانيون يُؤمنون بالعلم ويكْفُرُون بالكنيسة، لماذا؟ لا أحد يستطيع أن يرفُضَ الحقيقة، فإذا قلت لكم قبَّعتي بيضاء، فكلكم- ولو كان من يقول هذا أعدى الأعداء- هل يستطيع أن يقول: لا فالقبَّعة سوداء؟ سيحكم على نفسه بالجهل والعمى.
عرض فضائل الإسلام
فهذا العصر واللهِ لو وُجِدَتْ إذاعةٌ مهيأةٌ يُدعى لها الدعاة الأكِفَّاء الناجحون في العالم الإسلامي وهم كُثُرٌ والحمد لله.. فيُعْرَض الإسلام ويُعَرَّفُ عنه بحقيقته وواقعيته من قرآنه وسُنَّة نبيه ﷺ، في مَظّلَّةِ قوله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف:157]، من مُنطَلَقِ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، وقوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات:13]، وَمن منطلق: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ [النساء:36] والإنسان، فقبل كُلِّ شيءٍ تُحسِنُ إلى الإنسان: الوالدين، ثمَّ إلى الإنسان: ذوي القربى، ثمَّ إلى الإنسان الضعيف اليتيم وبعده المسكين وبعده الغريب غير المواطن، والإنسان مُطلَقُ الإنسان، وقد بَلَغَ من تكريم الإسلام للإنسان ولو كان غير مسلم أن جنازة يهوديٍّ مرَّت على النَّبيّ ﷺ فقام احتراماً لها، قالوا: يا رسول الله إنَّه يهوديٌّ، قال: ((أوليس إنساناً)) .. سبحان الله! الآن تقول الدول الكبرى حقوق الإنسان! ولكن يستعمِلُونَها لأغراضهم الاستعماريَّة والقوميَّة.
أتاه وفدُ نَجران وهم نَصارى فأنزلَهُم في مسجده؛ مسجد المدينة، المسجد الثاني في الفَضيلة والقُدسيَّة، وحان وقت صلاتهم النَّصرانيَّة، فأقاموا صلاتهم في مسجد رسول الله ﷺ باسم الأب والابن وروح القدس، يا ترى لو فرضنا أنني أحضرت وفداً من النصارى وأدخلتهم إلى المسجد وحان وقت صلاتهم وقاموا يُصلُّون ويُصلِّبُون، يا ترى هل يمشي المسلمون على سُنَّة النَّبيّ ﷺ التي فعلها مع وفد نجران أم نمشي بالجاهلية بلا فَهْمٍ لسُنَّة رسول الله ﷺ؟ فالنبي تركهم وما يُصلُّون وعلى سَجِيَّتِهم وطبيعَتِهم، وهذا معنى من معاني “بالحكمة والموعِظة الحَسَنة”، ولم تَطُلْ الأيام حتَّى دخل أهل نجران كُلُّهم في الإسلام.
خلقَ الله هذا الكون لحكمةٍ إلهية
فما أحوج المسلمين! بل ما أحوج العالَم كُلّه من أقصى شرقه إلى أقصى غربه إلى مدرسةِ خالِقِ هذا الكون، خالِقِ مجرَّاته وشُمُوسِهِ وأقماره وكواكبه التي قالوا: لو أن الصحراء الكبرى في أفريقيا عُدَّتْ رمالها ما بَلَغت عدد الشُّموس والنجوم والأراضي التي في هذا العالَم والكون الإلهي الفَسِيْح، وكُلُّها تدور في أفلاكها ومجاريها مثل سكة القطار لا تَحيْدُ يُمنَةً ولا يُسْرة.. في البلد تكون هناك ألفُ سيارة وتحدث الحوادث والاصطدامات، وملياراتٌ بعدد ذرَّات الرمال، وعَوالِمٌ الله أعلمُ بما فيها، يا ترى هل خلقها الله عبثاً معطلةً بلا سُكَّان؟ يقول بعض علماء الفلك: من ظنَّ أن هذه الكواكب في عالم الفضاء لا سُكَّان فيها، مَثَلُه كمثل من يعتقد أن قِطط كُلِّ مَنْ في الأرض لا تمشي ولا تَلِدْ إلا قطته، فقطته فقط التي تَلِدْ وتُنْجِبُ، أما قطط العالَم لا تَلِدُ ولا تُنجِبُ، فالذي يقول إن الأرض فقط مسْكُونَةٌ وهذه العَوالِم فارغةٌ فمَثَلُهُ كمَثَلِ هذا الإنسان: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ [ص:27]، قد يكون فيها شيءٌ غير مسكُون، ولكنه مخلوقٌ لحكمةٍ إلهيةٍ وهدفٍ إلهيٍّ رفيع.
أدب الدعوة
فنعودُ لسورة الكافرون، فهذه السورة تُعَلِّمُ الداعيَ أدب الدعوة وأن يُقَدِّرَ الزمان والمكان والإمكان، فيعمَلُ في الدعوة لله حَسَبَ الزمان وقابلية المكان وحسب الإمكان، فليس المهمُّ أن تُقاتل بل أن تنتصر، وليس المهمُّ أن تزرع بل أن تَحصُد، فأيُّ عملٍ تُقدِمُ عليه إذا لم تتصوَّرُ نتائجه وثماره وفوائده فأنت تكون فاقِدَ الحكمة، والحكمة نصفُ النبوَّة وثُلُثُ الإسلام، فالإسلام ثلاثةُ أثلاث: فالعِلْم ثُلُث؛ ﴿وَيُعَلِّمُهُم الكتاب﴾ [البقرة:129]، والثلث الثاني: الحكمة، وهي معرفة الأسباب والمُسبَّبات والعمل بمُقتَضَى ذلك، والثلث الثالث التزكِيَة؛ تزكِيَة النَّفس وتنقِيَتُهَا من النقائِص إلى الكمالات ومن الرذائل إلى فضائِلِ ومَكارِمِ الأخلاق: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]، ((ذَهَبَ حسْنُ الخُلُقِ بخيرِ الدنيَا والآخرةِ)) .
[يسأل سماحة الشيخ المسؤولين في المسجد عن الترجمة فيقول:] هل أحضَرتم ترجمةً لضيوفنا؟ لا أراها موضوعةً على آذانهم، هل هي موجودة؟ أهلًا وسهلًا، إخوانُنا من الصين فأهلاً ومرحباً.
بين الإسلام وادعاء الإسلام
فكلمة الإسلام معناها في الأصل الاستجابة لأوامر الله، والتَفَقُّه برسالة السماء، فإذا عَمِلْتَ بها ومَشيْتَ على تعاليمها فقد أسلَمْتَ واستَسلَمْتَ واستحققت أن تتخذ لقب مسلم، أما إذا لم تستجب لأوامر الله ولم تَجْتَنِبْ محارِمَه ولم تعمل بوصاياه فأنت لم تستسلم؛ فأنت لست مسلماً، ولكنك تَدَّعِي الإسلام وتُلَقِّبُ نفسك به من غير وجود حقيقته، فمن يكون كذلك فالإسلام يُجَرِّدُه من لَقَبِ مسلم ويُعطِيْهِ لَقَبَ منافق: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء:226]، ((آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)) ، ويقول النَّبيّ ﷺ في الحديث النبوي: ((ليسَ صَلَاةٌ أثْقَلَ علَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والعِشَاءِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا)) .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2- 3]، المَقْتُ هو شدَّة الغضب، فإذا كان المَقْتُ كبيراً فهذا مَقْتُ المَقْت، ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا﴾.
الإسلام تحوّلٌ من الجهل إلى العِلْم ومن الفقر إلى الغِنى
فهل استسلَمتَ واستَجبتَ وانْقَدْتَ لأوامر الله في أقوالك وأعمالك ونظراتك وسمعك ونواياك؟ قد يكون في قلبك حسدٌ وغشٌّ وحِقْدٌ على النَّاس، والله يقول: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:36].
فما هذه المدرسة الإلهيَّة التي بكتابٍ واحدٍ، وهو القرآن العظيم، ولم يكن مجموعاً في حياة رسول الله ﷺ، بل مكتوباً بعضُ آياته على العِظام وبعضها على الأحجار وبعضها على ورقِ النخيل، ولكن كُتِبَ في قلوبهم إيماناً وفي عقولهم فَهْمَاً ومعرفة وفِقْهَاً، وفي واقعهم عملاً وتطبيقاً، فبأقل من مِئَةِ سَنَة استطاعوا أن يُعَمِّمُوا العِلْمَ والحكمة والإنسانيَّة ومكارِمَ الأخلاق من حدود الهند إلى حدود فرنسا، وأحدُ كِبار الفرنسيين يقول عن هزيمة عبد الرحمن الغافِقِي في إسبانيا، لأنه لما انهزم تراجع المسلمون، يقول: لولا هزيمة عبد الرحمن الغافِقِي بالجيش الإسلامي في إسبانيا لما تأخرت الحضارة ثمانيةَ قرون.. يعني لو انتصر لعَمَّت الثقافة والحضارة أوروبا كلها قبل ثمان مِئةِ سنة من وقتنا الحاضر، فهذا الذي يقوله هو الفَضْلُ ما شهدت به، أنا لا أقول الأعداء، هؤلاء عَرَفُوا، ولكن عَرَفُوا بأفكارهم، ويحتاجون عالِمَ القلب ليفتَحَ القلوب المُغلَقَة المُقفَلَة ليَدخُلَ نور الله فيها، فتحيَا روحهم بروح الله، وتحيَا عقولهم بمعرفة الحقائق التي لم يُنْزِلها الله من سمائه إلا ليُخرِجَ النَّاس من الظُّلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العِلْم ومن الفقر إلى الغِنى، الله عزَّ وجلَّ خاطَبَ النَّبيّ ﷺ فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا﴾ فقيرًا ﴿فَأَغْنَى﴾ [الضحى:6-8]، فإذاً الإسلام نُقْلَةٌ من الضلال إلى الهدى ومن الجهل إلى العِلْم ومن الفقر إلى الغِنى ومن الضَّعف إلى القوَّة.
قوة وضعف الأمة مرتبطٌ بإيمانها
وهل يا ترى بعد نُزول سورة الضحى تحقَّقَت هذه القوة والعلم والغنى لكُلِّ من استجاب لكتاب الله ورسالة السماء وتعاليم مُعَلِّمِ السماء؟ ماذا كان العرب قبل القرآن والإسلام وماذا صاروا به بعد القرآن والإسلام؟ صاروا هم الدولة العُظمَى الوحيدة في العالم كُلِّهِ في مَشرِقِه ومَغرِبِه، وما كان هناك دولةٌ تُماثل الأمَّة العربيّة بالإسلام، ولما ضَعُفَت الدولة بضعفِ إيمانها وإسلامها العمليّ قامت دولة الدعوة والدُّعاة، فتجاوزوا حدود الهند واخترقوها حتَّى وصلوا أقصى الشرق إلى الفيليبين وأندونيسيا وتلك البلاد.. فنَقَلوا النَّاس من الظُّلمات للنور، وفي أفريقيا، والآن في أمريكا وأوروبا.. فلو وُجِدَ الدُّعاةُ بالعدد المطلوب والكيفيَّة المطلوبة التي هي بحقيقة القرآن والإسلام لصار العالم كُلُّه أمَّةً واحدة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء:1].
القرآن لا تمسه إلا النفوس الطاهرة
فما أعظم الواجب على كُلِّ مسلمٍ في هذا العصر، أن يتَعَرَّفَ على الإسلام والقرآن لا تلاوة كلماته وألفاظه، بل معرفة حقائقه وأهدافه، وقبل أن يتَطَلَّبَ هذه الغاية السماويَّةَ الرفيعة عليه أن يُهَيِّئَ قلبه وروحه لهذه العَطِيَّة العظيمة السماويَّة الربانيَّة، فإذا لم يكن هناك قلبٌ طاهرٌ مُطَهَّرٌ فكما قال تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾ [الواقعة:79]، هذه الآية في سورة الواقعة، وسورة الواقعة من السُّوَرِ المكيَّة، ولم يكن هناك مصحفٌ في مكَّة لنَمَسَّهُ أو لا نمسه، فالمقصود من المسِّ ألا تمَسَّهُ الأرواح والعقول والأفكار إلا إذا تطَهَّرَت وتهذَّبَت وتعَقَّمَت من الغَفَلات والشَّهوات.
المقصد الحقيقي من الهجرة
فكان المسلم من أجل هذا يُفْرَضُ عليه أن يُفَتِّشَ ويُهاجر إلى المُعلِّم سيِّدنا مُحمَّد رسول الله ﷺ، فكانت الهجرة إلى المدينة فرضاً، وليس المقصود من المدينة أرضُها ولا نخيلها ولا جَبَل أُحُدِهَا، كان الهدف هو الهجرة لرسول الله ﷺ، يعني الهجرة إلى العِلْمِ والحكمة والتزكية، وقال ﷺ: ((العُلَماءُ وَرَثةُ الأنبياءِ)) .
فمَنْ يَحْمِلُ علوم القرآن وتفسِيرَه بالسِّيرة النبوية يجِدُ فيها العِلْمَ والحكمة والتزكية، فإذاً تجِبُ الهجرة حيثما وُجِدَ العِلْمُ والحكمة والتزكية، والعِلْمُ عَرَّفَهُ العلماء بأنه كُلُّ ما ينفعُ الإنسان في دينه أو دنياه، في جَسَدِه أو روحه، في أرضِه أو سَمائه، فعلوم التكنولوجيا والاقتصاد والطَّيران والميكانيك والصناعات كُلُّها في الإسلام، ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) يعني على كُلِّ مُستَجِيْبٍ لأوامر الله، فإذا قُلت أنا مسلمٌ يعني أنا مُستَجِيب، فإن استَجَبْتَ فقولك مسلم هو قولٌ صادق، وإذا قُلْتَ أنا مسلم ولم تستجِب [فلست بمسلم]، لأن لسانك يكذب ومعاملتك غشٌّ وأمانتك خيانةٌ ولسانك كذبٌ وغيبةٌ ونميمةٌ وإفسادٌ وأعمالُك شرورٌ وإلى آخره.. فإذا قُلتَ إنك مسلم وأنت تَحمِلُ هذه الصفات، وأنت أيضاً لا تُصلِّي ولا تصوم ولا تُزَكِّي ولا تتعلَّم: ((طلب العلم فريضة))، صلاة الظهر أليست فريضة؟ وصوم رمضان أليس فريضة؟ وطلب العِلْم هل العِلْمُ هو عِلْمُ الصَّلاة والزكاة فقط؟ لا، بل كُلُّ العلوم الصناعيَّة والزراعيَّة والطبيَّة، وكُلُّ ما ينفعُ الإنسانَ معرفتُه فتَعَلُّمُه فرضٌ على كُلِّ مسلمٍ ومسلمة.
مقتضيات العِلْم الحقيقي
فهل فَقِهَ المسلمون معنى هذا الحديث النبوي؟ هل آمنوا به؟ مَنْ يُؤمن بالسُّم وحقيقته هل يشربه ويتجرَّعُه؟ ومن عَرَفَ الذهب أنه في صُرَّةٍ، وعرف بحقيقة ما في الصُرَّة وقُدِّمَت له هديةً هل يرفضها؟ والعلم الحقيقي يقتضي العمل بما يُوجِبُهُ ويَفْرِضُه العلم، لذلك قال النَّبيّ ﷺ: ((طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ)) ، أن تطلُبَ المعرفة بحقائق الأشياء لتعمل على مقتضاها فتتجَنَّبَ السُّمَ والأفعى وتشرب العَسَل وتأخذ صُرَّة الذهب، معرفة الحقائق ((طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم))، وكلمة مسلم تعني المُستَجِيْب لشريعة الله وأوامِرِهِ المُفَصَّلة والمُوَضَّحَة بسُنَّة رسول الله ﷺ، فإذا فَتَّشَ الإنسان نفسه كم يُعطي لنفسه من مِئة في الإسلام؟ هل يُعطي مئةً على مئة أو تسعين أو ثمانين أو خمسين أو ثلاثين أو عشرين أو عشرة أو خمسة؟
جهل المسلمين اليوم بدينهم
يوجد أناسٌ لا يعرِفُون من الإسلام إلا اسمه، بل وصل الحال بسبب الجهل بالإسلام أن بعض المسلمين يتنكَّرُون للإسلام ويجحَدُونَه، بل يُحارِبُونَه، أنا من ناحية أعذُرُهُم لأنَّهم لم يعرِفُوا حقيقته.. قيل لهم: تأتيكم ملكة الجمال مثلاً، فخرج النَّاس وقالوا: الحَفل في قاعةٍ من القاعات، فأتى النَّاس إلى الحَفل، وقالوا الآن تأتي ملكة الجمال، وهم إذا قدَّرناهم بمِئة شخصٍ وينتظرون دخول ملكة الجمال، وإذا بغوريلا من النوع الضخم تدخل عليهم فجأة ً ويُقال هذه ملكة الجمال، ولم يروا ملِكَة الجمال من قبل ليقولوا إن الغوريلا ليست هي ملكة الجمال، فإذا اعتقدوا أن هذه ملِكَةُ الجمال.. وإذا كان أحدهم معه مسدسٌ أو رشاشٌ [ربما يطلق عليها النار] ومن استطاع الهَرَبَ منها والنجاة يهرب.. فكثيرٌ من النَّاس إذا عادَوا الإسلام.. الإسلام لا يُعادَى يا بنيّ، لأن محبَّة وعِشْقَ الجمال هو فطرةٌ وطبيعةٌ في الإنسان، فالإنسان يعشَقُ جمال الصورة؛ صورة الإنسان أو القط الجميل أو الحصان الجميل والبيت الجميل والمناظِر الجميلة، ويعشَقُ جمال الأصوات والأذواق والطُّعوم، والعقل يعشَقُ جمال الحكمة، والإسلام الحقيقي فوق كُلِّ هذه المعاني.
المقصود بأن السورة تعدل ربع القرآن
عندما يسمع المسلمون أن سورة الكافرون تعدِلُ رُبعَ القرآن ماذا يفهمون من هذا الحديث؟ بأن تلاوتها فقط ولو بلا فهمٍ ولا عملٍ ولا فقهٍ فكأنه قرأ رُبْعَ القرآن؟ بينما يكون في الواقع: ((رُبَّ قارئٍ للقرآن والقرآن يلعنه)) ، فلما يتلو قوله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود:18]، وهو ظالمٌ يَلْعَنُ نفسه بلِسانه بكلام الله، فلا بد من الرجوع للإسلام، وكيف الرجوع؟ الرجوع إلى العِلْمِ بالرجوع إلى المُعلِّم، وإلى الحكمة بالتَّفتِيشِ عن الحكيم الذي يُعَلِّمُ الحكمة، وبالتفتيش عن المُزَكِّي الذي يُزَكِّي النُّفوس، ما أحْوَجَ المسلمين إلى معاهد وجامعاتٍ إسلاميةٍ لا تُعَلِّمُ الإسلام بالأقوال! فمهندس الميكانيك إذا تَعَلَّمَ الميكانيك بالكتاب فقط هل يصير مهندس ميكانيك؟ وإذا كان يريد أن يصير طياراً ويتعلَّم الطيران بقراءة الكتاب فهل يصير طياراً؟ والسباحة إذا أراد تَعَلُّمَهَا بالكتاب هل يصير سباحاً؟ فلا بد من التَعَلُّم بالأقوال مع الأعمال وبالسَّماع مع النَّظر، والإسلام هو فوق كُلِّ هذا حياةٌ روحيةٌ بالله: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجدَ بِهِنَّ طعمَ الإيمانِ، مَن كانَ اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليهِ مِمَّا سواهُما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يحبُّهُ إلَّا للَّهِ، وأن يَكْرَهَ أن يعودَ في الكفرِ بعدَ إذ أنقذَهُ اللَّهُ منهُ كما يَكْرَهُ أن يُقذَفَ في النَّارِ)) .
ليس المقصود من الكُفْرِ أن تُعلِنَ براءتَك مِنَ الإسلام، فكُلُّ فريضةٍ من فرائض الإسلام هي إسلام، فمن ترك الصَّلاة فقد كَفَر، ومن ترك الصَّلاة يعني فقَدْ كَفَرَ بفرضيتها، ومَنْ مَنَعَ الزكاة فقد كَفَرَ بوجوبها، ومَنْ أفطَرَ رمضان ومَنْ عَقَّ والديه ومَنْ مَنَعَ الفقير والمسكين من حقه.. فالكُفْرُ يكون عامّاً كلِّياً ويكون خاصاً جزئيَّاً، فقد يَحملُ من يُسَمِّي نفسَه مُسلماً تسعين بالمئة أو أكثر من الكُفْرِ وهو يظُنُّ أنه مُسلم، ومعنى المُسلم أي المُستجيب.
الحياة التي أرادها القرآن من كلمة يُحييكم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال:24]، يا ترى يُحييكم مِنْ قُبوركم؟ نحن أحياءٌ نسمع ونُبصر ونتكلَّمُ ونَمشي، فأي حياةٍ أرادها القرآن من كلمة يُحييكم؟ يُحيي عُقولكم بفهم الأمور بحقائقها، فتفهم أمور القرآن وشرائع الإسلام وحكمتها وغايتها وثمرتها: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32]، وقد فسَّر هذه الآية المُفَسِّرُون من ألفٍ وأربع مئةِ سنةٍ ويزيد، لكن الزمن الآن فسَّرها تفسيراً جديداً: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ﴾ سِفلِس وأمراض الإفرنجي، ثم جاء مَنْ توَّجَ هذه المهلكات المُسمَّى بالإيدز الذي عَجِزَ الطِّبُ في أوروبا وأمريكا والعالم كلِّه عن مقاومته، الله يقول: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ أخلاقيَّاً شيءٌ فاحشٌ تستنكره النفس، ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ من يسلُكُ هذا الطريق ساء طريقه، هل طريقه ونتيجته سيئةٌ أم حسنة؟ وهل أحسَن لنفسه أم أساء؟ فلا بدَّ من العودة للقرآن، والقرآن يحتاج لهضمه.. والطعام يحتاج للجهاز الهضمي، بدءاً مِنْ لُعاب الفَم والأسنان، فإذا لم يكن هناك لعابٌ وأسنانٌ حُرِمْتَ الهَضم الأول، فالهضم الأول أين يبدأ؟ بالمضْغِ واللُّعاب، وفي المعدة الهضم الثاني، ثم في الأمعاء والكبد، وهكذا حتَّى يتحول دماً فيأخذه القلب ويوزِّعُهُ إلى خلايا الجسم والدماغ والرجل والعين وإلى آخره.. كذلك القرآن يحتاج للهضم، حتَّى تَنْقَلِبَ الكلمات إلى أعمالٍ وأخلاقٍ، ويُقْرَأُ القرآن في أعمالك وأخلاقك ودَعْوَتِكَ إلى الله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب خيرية الأُمَّة
أين المُسلم من قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ بماذا؟ قال: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110]، تُؤمِنُ بعَظَمَةِ الله وعِلْمِه: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النحل:19]، ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الملك:3]، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]، تُؤمِنُ بكلام الله ولقائِه وحِسَابِه، وبذلك ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ إذا كنتم ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ولتأمُرَ بالمعروف يجب أن تعرِفَ أدب الأمر بالمعروف، ويقول النَّبيّ الكريم ﷺ عن الأدب: ((مَن أمر بمعروفٍ، فليكن أمرُه بمعروفٍ)) .
أتى أعرابيٌّ إلى النبي ﷺ فاستأذن من النَّبيّ ﷺ أن يُرَخِّصَ له بالزِّنا، يَسْمَحَ له بالزِّنا، فقال له: أتُحِبُّ أن يَزْنِيَ النَّاس ببناتك؟ فقال لا، قال: كذلك لا يُحِبُّ النَّاس أن تَزْنِيَ ببناتهم.. بأخواتك وأمهاتك وعماتك وخالاتك.. ثم وَضَعَ يده على صدره وقال: ((اللهم طَهِّر قلبه وحَصِّن فَرْجَهُ)) ، فقام من مجلس رسول الله ﷺ وليس شيءٌ أبغَضَ في نفسه من الاقتراب إلى الزِّنا.
الدعوة بالحكمة وذكر مضار المنكرات
﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وَ ((مَن أمر بمعروفٍ، فليكن أمرُه بمعروفٍ))، ﴿وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وكذلك: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ [النحل:125].
الآن كَشَفَ العِلْمُ عن كثيرٍ مِنَ الأشياء في المُنكَرَات، وذَكَرَ مضارَّها ونتائجها وعواقبها السيئة، فذكر مضارَّ المُسكِرات والمخدرات وعدم العِفَّة وهو الزِّنا، فكما قال النَّبيّ ﷺ: ((لم تَظْهَرِ الفاحشةُ)) يعني الزِّنا ومثل اللواطة ((لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها، إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا)) ، هل صَدَقَ رسول الله ﷺ؟ هذا الحديث سمعه الصحابة بآذانهم، ونحن نراه بأعيننا، وأوروبا وأمريكا واليابان وكُلُّ العلوم والتطور وكُلّما صنعوا دواءً لفيروسه؛ أي مثل جرثومه [يتغلب عليه]، والذي يَحفَظُهُ مِنْ تأُثير الدواء أنه يُغيُّرُ دِرْعَهُ في الحال بدِرْعٍ ثانٍ يُبطِلُ مفعول ذلك الدواء، فيصنع العلماء دواءً يناسب الدِرْعَ الثاني لهذا الميكروب أو الفيروس، وعندما يدخل الدواء على هذا الميكروب يخلعُ دِرْعَهُ الذي صُنِعَ الدواء لتحطيمه ويلبس دِرْعاً ثالثاً.
قوة وعزة المسلمين كما رآها النبي ﷺ
الله لا يُحارَبُ يا بنيّ! نسأل الله أن يجعلنا ممن يفقه عنه، النَّبيّ ﷺ لما دعا عَديّ بن حاتم إلى الإسلام، وتمَنَّعَ عديٌّ في أول الأمر، فقال له النَّبيّ ﷺ: لعلَّه يمنَعُكَ من الإسلام من ضعْفِ المسلمين وقوَّةِ أعدائهم؟
((إن طالَت بكَ حَياةٌ لترَينَ الظَّعينةَ)) يعني المسافرة، ((تَرتحلُ مِن الحيرةِ حتَّى تطوفَ بالكعبةِ)) وفي روايةٍ من صنعاء إلى حضرموت، أي تُسافِرُ وحدها في هذه الصحراء، ((لا تخافُ أحدًا إلَّا الله)) يعني سيحصل السَّلام والأمن والاطمئنان، كما أن ما تَرَى عليه الصحابة من الفقر.. قال له: ((ولَئنْ طالَت بكَ حَياةٌ لترَينَّ الرَّجُلَ يُخرِجُ مِلْءَ كفِّهِ مِن ذهبٍ أو فضَّةٍ يطلبُ مَن يقبلُهُ مِنهُ فلا يجدُ أحدًا يقبلُهُ مِنهُ)) ، إذا طالت بك حياةٌ لتريَنَّ من يُعْرَضُ المال عليه فيرفُضُهُ، يعني تعميم الغنى والثروة في المجتمع الإسلامي، فلم تمضِ بعد وفاة رسول الله ﷺ فترةٌ إلا صار العرب بالإسلام -إسلام القرآن عِلْمَاً وعَمَلاً ودعوةً وتعلِيماً- إلا وصار العرب على حدود الهند وفي قلبِ أوروبا.
وصول الإسلام إلى الصين
كنت في الصين قبل خمس سنواتٍ تقريباً، وسألت المُسلمين هناك عن تاريخ وصول الإسلام إلى الصين، فسمعتُ ما كنتُ أجهَلُه، قالوا لي: وصل الإسلام إلى الصين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، يا الله! لا يوجد لقب دكتوراه ولا ماجستير ولا ليسانس ولا جامعات! يوجد الجامع، والجامع في عهدِ رسول الله ﷺ وأبي بكرٍ رضي الله عنه ومنتصف خلافة عمرٍ رضيَ الله عنه كان بلا سجادٍ وبلا حُصُرٍ، كانوا يُصلُّون على التراب، لذلك إخواننا المُسلمون في إيران يُصلُّون على التراب، وإذا دخلوا المسجد يأخذون شيئاً من ترابٍ يعجنونه ويسجدون عليه حرصاً على ما كان يسجدُ عليه سيِّدنا رسول الله ﷺ، وكانوا يأكلون الميتة والفطائس قبل الإسلام، فصار أحدهم يُعطِي في النهار مئة ألف دينارٍ يُوزِّعُها على الأصدقاء والأرحام والفقراء، ولا يَنقُصُ من ثروته شيءٌ يُذكَر، الغِنى والعِلْمُ والحكمة، ولم يُوَحِّدُوا العرب فقط، بل وحَّدُوا عشرات الشعوب، وصُهِرَتْ كلها وذابت في أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ شريعةً واحدةً وعالمَاً واحداً ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92].
ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي
لذلك رئيس وزراء إنكلترا في مجلس العموم- الذي هو البرلمان- حَمَلَ المَصحف في يده وقال: ما دام هذا المصحف بين أيدي المسلمين -يعني في قلوبهم وعقولهم وحياتهم وأعمالهم- فلن تستطيعوا التغلُّبَ عليهم.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ [النور:55]، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30]، يصيرون خلفاءَ الله على خَلْقِه.
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ إذا آمنوا، وليس الإيمان بالتَّحَلِّي فتلبِسُ لباس الإيمان من لحية وعمامة وعَزَبَة [قطعة قماش تتدلى من خلف العمامة] وثوب قصير، هذا سهل، وهذا اسمه الحُليَة، فاللباس حُلْيَة: ((ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي)) فتقول أنا مُسلم، ((ولكن ما وقَر في القلب)) هل يشكُّ أحدٌ بلدغة الأفعى أنها قاتلةٌ أو مهلكة؟ ((ولكن ما وقَر في القلب وصدَّقه العمل)) ، أنت واقِرٌ في قلبك أن النَّار محرقة، فمن هذا الإيمان الحقيقي هل تَضَعُ إصبعك فيها؟ هذا الإيمان! الطفل يضع إصبعه في النَّار لأنه لم يُؤمِنْ الإيمان العلمي بأن النَّار مُحْرِقَة، والنائم قد يُلْقِي بيده وهو نائمٌ على النَّار وإلى آخره.
واجب كل مسلم
فلذلك أيها الإخوة، واجب كُلِّ واحدٍ منكم أن يقرأ القرآن طاهراً وأن يمَسَّهُ طاهراً، ليس فقط طهارة اليد بالوضوء، بل طهارة القلب من الغَفْلَةِ عن الله وتعقيمه مِنْ حُبِّ الفواحش والمعاصي، وتعطير القلب وكِسْوَته بكِسْوُة التقوى؛ تقوى القلوب، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران:102].
ثم واجب كُلِّ واحدٍ مِنَّا أن يأمر بالمعروف، ولكن بمعروفٍ وبالحكمة والموعظة الحَسَنة، وينهى عن المنكر كذلك بالحكمة والموعظة الحَسَنة، وأن يَتَعَلَّمَ ((طلب العلم فريضة)) ويُعَلِّمَ غيره ما تعلَّمَه، تجاوباً مع حديث رسول الله ﷺ: ((ألا أخبِرُكم عن الأجوَدِ الأجوَدِ؟ اللهُ الأجوَدُ الأجوَدُ)) هو الكريم الأكرم عظيم العطاء، ((وأنا)) يعني سيدنا رسول الله ﷺ ((وأنا أجودُ ولدِ آدمَ، وأجوَدُهم من بعدي)) بعد مقام النبوَّة في الجُود والكَرَم والعَطاء ((رجلٌ)) يعني إنساناً ولو امرأة، فليس المقصود منه الذكور أو الإناث، إنسانٌ ((تعلَّم عِلمًا)) لم يقل: كُلّ العِلْم، بل علماً؛ علماً من العلوم النَّافعة، ولو كان دنيوياً إذا عَلَّمتَه بنيِّةٍ صالحةٍ مُخلِصَاً لله لتُساعد أخاك على دنياه، فالدين يَشْمَلُ علوم الدنيا والآخرة، ((تعلَّم عِلمًا، فنشَر عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحده)) .
بالعلم يعظم شأن الفرد
فالنبي ﷺ يقول بالعِلْمِ يَعْظُمُ شأن الإنسان الفرد حتَّى يكون بوَزْنِ أمَّة: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل:120]، وتوجد أمَّةٌ لا تساوي هذا الإنسان الذي يصنعه الإسلام؛ إسلام القرآن وتعاليم سيِّدنا رسول الله ﷺ التي هي تعاليم القرآن، فهل عندكم استعدادٌ أن نكون المُسلم أي المُستجيب؟ اترك كلمة مسلم، هل أنت مُستجيبٌ لله وللرسول؟ فإذا كنت جاهلاً فإن الله والرسول يأمرانك بالعِلْم، فعليك أن تتعَلَّم، وإذا كنت غافِلاً عليك أن تصيرَ ذاكِراً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:41]
إذا رأيت تارِكاً لواجبٍ أن تأمره بالمعروف بحكمةٍ ورِقَّةٍ وحُسنِ موعظةٍ حَسَبَ السُّنة النبويَّة الكريمة. فهل تعاهدون على أن نَحْمِلَ لقب مُسلم بمعنى مُستجيب؟ أم نكون مسلمين مُزَوَّرين؟ إذا أخذت ورقة خمس مئة ليرة سورية أو مئة دولار وكانت مُزوَّرة، وإذا أخذت مليون قطعةٍ فهل تُغنِيكَ أم تَخْرِبُ البيت وتُفْقِرُ وتُهْلِك؟ وإذا كانت قطعةً واحدةً حقيقيةً هل تنفع أم لا؟ فهل تريدون أن يكون إسلامكم مُزَوَّراً وقوليَّاً وادعائيَّاً وأمانيَّاًّ أم حقيقيَّاً وعلميَّاً بأن تتعلَّمَ وتُفَتِّشَ عن المُعلِّم؟ ((طلب العلم فريضة)).
تكريم العلماء عند السلف الصالح
كان السلف الصالح يُسافر أحدهم أربعين يوماً لأجل أن يسمع حديثاً نبويَّاً واحداً، وكانوا يُكرِّمُون العلم والعلماء، الإمام الشافعي زار الإمام مالك في المدينة، فقدَّمَ له طعاماً، فقام الاثنان ولم يشبعا، لم يكفِهِما، وبعد سنتين أو ثلاثة أو أربعة زاره مرةً ثانيةً، وإذ رأى بيته كبيت الملوك، فيه الخَدَم والغِنى والثروة بشكل كبير، فبَكى الإمام الشافعي، فقال له الإمام مالك: لعلَّك ظننت أن الدنيا تُغيُّرني؟ هذه هدايا الملوك.. انظر يا بنيّ كم كانوا يُقدِّرُون العلم! من؟ الملوك العظماء والوزراء، قال له: وحتَّى تعلَمَ أن الدنيا ما غيَّرتني أُشهِدُك أني قد وَهَبْتُكَ نصف ما أملك.
ومن تكريم الملوك للعلماء يذكرون عن الإمام الغزالي رضي الله عنه أنه زارَ رئيس الوزراء- كان في ذلك الوقت الوزير واحداً، ولم يكن رئيس الوزراء، بل هو كُلَّ الوزراء، لأن الوزير واحد- فلما خرج من عند الوزير، وكان يركبُ بغلةً، فبالخطأ قدَّموا له بغلة الوزير ظنَّاً منهم أنها بغلة الإمام الغزالي، فإذا ببغلة الوزير مُرصَّعَةٌ بالجوهر والألماس والذهب وإلى آخره.. فلما خرج الوزير رأى بغلته مُبدَّلَة فسأل.. فإذا بالإمام الغزالي يُعِيْدُ بغلته، فلما عَلِمَ أن الإمام الغزالي رَكِبَها قال: والله لا تَرجِعْ.. تكريماً للعِلْمِ والعلماء، فلما كَرَّموا العِلْمَ والإسلام والدين، رَفَعَهُم الله وأعزهم كما وَعَدَ ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، صاروا خلفاء كِسْرَى وقَيْصَر، الذين قادوا الدولتين الأعظم مثل روسيا وأمريكا في هذا العصر، ولو كان أصحاب رسول الله ﷺ في هذا العصر لحققوا ما حققوه في زمنهم، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾، دينهم وإيمانهم في قلوبهم أرْسَى من الجبال لا تُزَحزحها العواصف ولا التيارات ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور:55] وأيضاً من بعد ضَعْفِهِم قوةً ومن بعد ذِلَّتِهِم عزةً ومن بعد فقرِهم غَنَىً وثروة.
المكافأة والأجر حَسَب العمل
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201]، فجاوَبَهُم الله فقال: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ﴾ هل كان ذلك بحَسَبِ دُعائِهم؟ لا، قال: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾، إذا أردت أن تدعو الله أن يُعطيكَ الحياة الحَسَنة في الآخرة فبالعمل، وإذا أردت الحَسَنة والحياة الحَسَنة في الدنيا فالله يقول لك: يكون ذلك بالكَسْبِ والعمل ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾، فإذا عَملْتَ حَسبَ الطَّلب؛ إذا طلبت الدنيا وعَمِلتَ لها، وإذا طلبت الآخرة وعَمِلْتَ لها ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة:202]، فوراً يُكافِئُكَ ويعطيك أجْرَكَ على حَسَبِ ما تستحق، فإن كان في الدنيا فهؤلاء الأجانب عَمِلُوا للدنيا وطلبوا الحياة الحَسَنة فهل أُعْطُوْهَا أم لا؟ والصَّحابة طلبوا الدنيا والآخرة: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:77]، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى:8]، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ فقراً ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة:28]، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة:202].
سورة الكافرون من الحكم القرآنية
فنعودُ إلى سورة الكافرون، فهذه من الحِكَمِ القرآنيَّة ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس:1-2] فإذا كنت في أيِّ جوٍّ من الأجواء أن تدرُسَهُ وأجواءَه وقابليَّتَهُ وعلى حَسْبِهِ تُبْذِرُ بذور الحكمة وبذور العِلْم والتزكِيَة: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة:269]، فنتعاهد على أن نجتهد، وقبل كُلِ شيء: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [مُحمَّد:24]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق:37]، فالقلب لا يكون إلا إذا حَيِيَ بذِكْر الله ومحبَّتِهِ، وحَيِيَ بأن يَعْشَقَ اللهَ عزَّ وجلَّ، والعِشْقُ هو الحبُّ بأوسع حدوده.