تاريخ الدرس: 1992/08/07

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:34:25

سورة الحديد، الآيات: 26-29 / الدرس 8

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيين والمُرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ وأحباب كلٍّ أجمعين، وبعد:

فنحن في تفسير آياتٍ مِن سورة الحديد، وقد سبق معكم قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25] بالشرائع الواضحة التي لا خَفاء فيها ولا عَماء، كما قال نبيُّنا وحبيبنا سيدنا محمد ﷺ: ((بُعِثتُ بِالشَّرِيعةِ السَّمحَاءِ لَيلُهَا كَنَهَارِهَا))، وهو الذي يُمكن أن يُشْتَبَه فيه أنه معقولٌ أو غير معقول، نافعٌ أو غير نافع، وهي غاية في الوضوح والظهور والبيان، فيصير مَوضِع الشُّبَه واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار، ((لَا يَزِيغُ عَنهَا)) عن هذه الشريعة البيِّنية اليقينية الواضحة ((إلَّا هَالِكٌ)) 1 ، هالك في حياته الروحيَّة، وفي حياته الجسديَّة الدنيويَّة، لأنَّ هذا الدين هو الدين اليقيني العالَمي الذي أتى مع حياة الروح وسعادتها بسعادة الجسد.

الإسلام دين عالمي وهو خاتمة الأديان ومجمع الأديان

الأديان أتت قوميةً ومحصورةً في قوم نبيِّها، بينما أتى الإسلام عالَميًّا، وأتى خاتمةً للأديان، وصار مَجمَعًا للأديان، فوَحَّد الأديان في قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] فكل كتب الأنبياء التي نزلت بشرائع السماء احتواها الإسلام بأُصولها وقواعدها وأهدافها، وزاد عليها بناء الدولة، فالإسلام دِينٌ ودولة، وهما يتعانقان ويمتزجان كما تمتزج الروح في الجسد: ((الإسلَامُ وَالسُّلطَانُ أَخَوَانِ تَوأَمَانِ لَا يَصلُحُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآخَرِ))، فالإسلام هو ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، ولا تستقيم دولة لا تقوم على العِلم وعلى العقل وعلى الفضائل ومكارم الأخلاق، ((فَالإسلَامُ أُسٌّ)) هو الأساس، ((وَالسُّلطَانُ حَارِسٌ، فَمَا لَا أُسَّ لَه يَنهَدِمٍ))، فلا يصلح مجتمعٌ ودولة لا تقوم على العِلم وعلى العقل الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ويَعْمَلها في أوقاتها، ويَزِنها بمقاديرها الدقيقة، ((فَمَا لَا أُسَّ لَه يَنهَدِمُ، وَمَا لَا حَارِسَ له))، إذا كانتِ المدارس لا يوجد لها دولة تَدعم العِلم والحكمة والأخلاق: ((وَمَا لَا حَارِسَ لَه يَضِيعُ)) 2 ، فالإسلام اليوم يحتاج إلى الحارس الذي يحرس علومه وحكمته وقواعده الأخلاقية.. وأرجو الله أنْ يوفِّق كل ولاة الأمور في العالم الإسلامي ليقوموا بأداء رسالتهم العالَميَّة.

المسلمون أُوكِل إليهم: ﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] والآن يدَّعي هذا العمل هيئة الأمم ومجلس الأمن لكن بخيانةٍ لا بأمانة، فيكيلون الناس بمكيالَين، وذلك بحسب مصالِح الدول الخمس الكُبرى، وعلى رأسهم أمريكا، فلمَّا تكون لهم مصلحة يُناصرون القرار، ولَمَّا لا تَكون لهم مصلحة فمجلس الأمن فيه قرارات ومِن عشرات السنين [ولا تُنَفَّذ].. فإذًا ليس هو مجلس الأمن بقدر ما هو مجلس دُول الفيتو وعلى رأسهم أمريكا، ولذلك يمكن أن نُسميه مجلس الأمن الأمريكي.. وهناك كثير من الحوادث وإراقة الدماء والاعتداء على الأطفال والنساء والرجال في البوسنة والهِرسك لأنَّهم مسلمون، وقد صاروا خمسين ألف قتيل، أضف إلى ذلك المهَجَّرِين والمعتَقَلين الذين يُعذَّبون ويُقتَلون في الاعتقالات، وهذا تحت سمع وبصر مجلس الأمم ومجلس الأمن والفاتيكان، فكأنَّها حرب صليبيّة، وهي لا تحمل العنوان ولكن تحمل الحقيقة وتحمل الدلائل والبراهين كالشمس الساطعة، والمسلمون نيام على قضبان سكة الحديد والقطار يُصفِّر، ومُنقِذ الموتى يُناديهم، وهم لا يزالوا في غفلتهم ساهون، وإذا لم توجد العقول الكبيرة والقوى الْمُخلِصة لإيقاظ العقل الإسلامي والروح الإسلامية في ظلال القرآن فسيظل العرب والمسلمون طُعمةً ولُعبةً للصليبيَّة، وإن كانت الصليبية كَفرت بالصليب، لكن الصليب الْمُمَثَّل والْمُبطَّن باستعمارهم لا يزال على ما هو عليه، وفي كل سنة يأخذ لونًا من الألوان، فالأفعى السامة سواءً كانت سوداء أو صفراء أو طويلة أو قصيرة، فالسُم لا يختلف، والهلاك منها لا يتأخَّر، فهل ننتظر الرحمة من هؤلاء قُساة القلوب؟! إذا كنا لا نرحم أنفسنا فهل ننتظر الرحمة مِن أعداء الإنسانية وأعداء أنفسهم؟ الذين غرقوا بالمسكِرات والمخدرات والجنس، حتى ضربهم الله بوباء الإيدز، ولكنهم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة:18].

الإسلام هو طريق النجاة

لا نجاة إلا بالإسلام بحقيقته وجوهره وبقرآنه والصحيح مِن سنته، وكل مسلم عليه أن يعتبِر نفسه هو المسؤول، فكل واحد منكم أنتم مسؤول، حتى الصغير والكبير، والمرأة المُتزوجة والعزباء والطالبة، وكل إنسان منا مسؤول وعليه أن يبذل الجهد لِتَعَلُّم الإسلام قرآنًا، لا تعلُّم تلاوته وإجادة النطق بأحرفه، بل نتعلم التجويد لزيادة الفهم لأحكامه ووصاياه وأوامره ونواهيه، ولوجوب العمل والتطبيق، وهذه لا تكون بدون معلم، كما أن المريضَ لا يَنال صحةً بدون طبيب، والآلة والجهاز الخَرِب لا يعود إلى صلاحيته وأداء ما صُنع مِن أجله إلا بمهندسٍ ميكانيكي مُختص، أمَّا بالدعاء فمهما دعوتَ الله أن يُصلِّح لك السيارة، فإنه لن يصير لك “مَكَنِسْيان” [مُصَلِّح سيارات]، وثوبك إذا تخرَّق أو قطعة القماش إذا أردتَ أن تجعلها ثوبًا، فمهما دعوتَ الله واستغثتَ بالملائكة وجبريل لا تصير ثوبًا، لأنَّ النبي ﷺ يقول: ((إذَا أَرَادَ اللهُ أَمرًا هَيَّأَ أَسبَابَه)) 3 . [قد يخطر بالبال أن سماحة الشيخ هنا كأنه نسي معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، والأمر ليس كذلك، بل هنا الخطاب لعموم المسلمين الذين يكتفون بالدعاء، ولا يفكرون بتقديم الأسباب وبذل الجهد، ويمشون على طريقة بني إسرائيل لما قالوا لسيدنا موسى عليه السلام] ﴿فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ [المائدة:24]، وهذا مخالف كُلِّيَّة لما كان عليه رسول الله ﷺ

                                                 افَعَلِ الخَيرَ مَا استَطَعْتَ وإنْ                 كانَ قَلِيلًا فَلَنْ تُحِيطَ بِكُلِّهْ

                                                وَمَتَى تَفعَلُ الكَثِيرَ مِنَ الخَيْـر                  إذَا كُــنتَ تَــــارِكًا لِأَقَــلِّهْ

الطفل الصغير عليه أن يُعلِّم صديقه الصلاة، ويُعلِّمه الصلاة بالمسجد، ويُعلِّمه أنّ الكذب حرام، وأنَّ طاعة الوالدين فرضٌ، وأنّ غضب الوالدين حرامٌ، ويُعلِّمه حُبَّ الله عزَّ وجلَّ، وأن يكون نافعًا للناس، ولا يُؤذي أحدًا؛ لا بكلمة ولا بعمل، وكذلك المرأة تُعَلِّم جارتها وصديقتها وقريبتها.

كان النبي ﷺ يقول: ((نَضَّرَ اللهُ امْرَأً)) يعني: أسأل الله أن يُجمِّلَه، ويُعطيَه الجمال الكامل في صورته، لتنظر الناس إليه.. والمرأة تصبح مَلِكة الجمال، وهذا الجمال آخره التراب والدود، ولكن هناك جمالٌ خالدٌ أبديٌّ سرمديٌّ يستمرُّ مع الإنسان من عالَم السماء إلى عالَم الأبد: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] ناضرة يعني جميلةٍ مشرقةٍ منيرة.

((نَضَّرَ اللهُ امْرَأً)) يعني يَجعله مَلِكَ جَمال، ((سَمِعَ مَقالَتِي فَوَعَاهَا))، يعني إذا قال لك أحدٌ: انتبه خلفك، فهناك أفعى، وهذه الأفعى إذا مدَدْتَ يدك إليها تلدغك وتموت.. فهذا كلام توعية، حتى الطفل إذا حذَّرتْه أمه أو أبوه فهل يمدُّ يده إلى الأفعى؟ هذا هو الوعي، فهل يعي المسلم أن الحرام سُمٌّ قاتل لإيمانه ومُخرِّب لسعادته؟ هذا هو الوعي، وهذا يحتاج إلى قلبٍ ذاكر وقلبٍ طاهر، ويحتاج إلى طبيب داعٍ إلى الله تعالى ومُرشِدٍ ماهر، يستطيع أن ينقلك مِن الظلمات إلى النور، ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1].

يقول النبي ﷺ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فَبَلَّغَهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ)) 4 فالذي بُلِّغ له حديث النبي ﷺ، من الممكن أنْ ينتبه للكلام أكثر مِن الذي سَمِعه مِن النبي عليه الصلاة والسلام، أو أكثر مِن الذي سمعه مِن الشيخ، لكن المبَلِّغ على كلِّ حالٍ له ثواب الْمُبلِّغ والداعي والآمر والناهي، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، وبكلِّ لطف، وبكلِّ رِفق، وبكلِّ تواضع، وبكلِّ حب، وبكلِّ إخلاص، نحن نبدأ بهذا [بالتبليغ والدعوة] وإلى أين نصل لا نعرف، ولا نتدخَّل بالسياسة مُطلَقًا، فهل يصح أن يكون داعٍ إلى الله ويعمل في السياسة؟ هذا عملٌ لا أرضى به لكل من أُحِبُّه ويحبني، ولكل داعٍ إسلامي، دَعِ السياسة لأهلها، فالنجار يعمل بنجارته، والحداد يعمل بالحدادة، هل يعمل الصيدلي بالحدادة؟ أو يعمل الحداد صيدليًّا؟ إذًا تفسُد الأمور.

ميزان الله تعالى

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد:25]، الميزان هو شريعة الله عزَّ وجلَّ، فكما أنَّ الميزان يُبيِّن لك أنَّ الوزن صحيحٌ أو غير صحيح، وهل حقُّك كامل أو ناقص، فإذا اشتريت كيلويَيْن تضع في الميزان حتى يصير الوزن كيلويَين، وحينها تأخذهما، كذلك أنزل الله تعالى شريعته ميزانًا للخَلْق لِيَزِنوا به أعمالهم، ولَيعلَموا الفرق بين العمل الصالح الْمُسعِد، والعمل الباطل الْمُشقي الْمُتعِس، وليعلموا به الفرق بين العدل والظلم، وبين السعادة والشقاء، وبين الهُدى والضلال.

﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ [الحديد:25] هناك أناسٌ يَصِلون بالكتاب وبالميزان إلى الطريق المستقيم طريق السعادة، وهناك أناس لا يكفيهم ذلك، وكما قيل: “العبد يُقرَع بالعصا، والحرُّ تكفيه الإشارة،” فإذا لم يُنتفَع بالعِلم والتعليم والإرشاد فبالعصا ينتفعون.

لكن لَمَّا كان الْمُرشِد الأول خاتم النبيين والمرسلين، ومَن أعطاه الله عزَّ وجلَّ مِن نور قُدسه ما لم يُؤتَ بشرٌ مِثله، استطاع أنْ يوجِد أُمَّةً، وأن ينقل مجتمعاً مِن الحضيض إلى القمة والذروة، فأوجد دولةً بلا شرطة، ومجتمعًا بلا سجون، وأُمَّةً بلا محاكم ولا قُضاة، ودولةً بلا ميزانية، لأن جُيوب الشعب كلها ميزانية عند الحاجة، والدولة أيضًا بلا جيش، لأنّ كلَّ أفراد المجتمع والأُمة ذكورًا وإناثاً عند الحاجة يكونون جنوداً مُهَّيئين لِسماع المنادي: هيا إلى مُقارعة العدو.. وهذا لم يحدُث في تاريخ العالَم.

الإسلام أكثر الأديان انتشارًا

ومن وفاة النبي ﷺ إلى وفاة عثمان رضي الله عنه امتدَّت دولة العرب التي كان لا وجود لها، لأنها كانتْ أُمَّةً عربيةً تحت الذُّل والاستعمار الفارسي والروماني، وبعد وفاة النبي ﷺ بخمس وعشرين سنةً امتدَّت دولة الأمة الإسلامية العربية؛ دولةُ السَّماء إلى الصين وإلى إسبانيا، فإذا كان العرب يُريدون الدنيا فقد أتى الإسلام وأعطاهم الدنيا، وإذا أرادوا الآخرة فهذه الآخرة، وإذا أرادوا الأرض فهذه الأرض، وإذا أرادوا السماء فهذه السماء، ولكنهم بلا إسلام لن يَصلوا لا إلى أرض ولا إلى سماء، وسيَخسرون الأرض والسماء.

متى سُميت فلسطين باسم إسرائيل؟ هل كان يوجد دولة اسمها إسرائيل في دولة الخلفاء الراشدين أو في الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية؟ ولكننا في هذا القرن الذي بَعُدنا فيه عن الإسلام، عن حقيقته وجوهره، حتى نحن المشايخ إذا دَخَلْنا تحت المجهر النبويِّ والقرآني [نرى أننا بَعُدْنا]، فيجب أنْ لا نلوم الآخرين، بل نلوم أنفسنا، فنحن أيضًا بعيدون.

لقد كان [العلماء] ورجال الدولة والسياسة كجناحَي طائر مُتعاونين مُتآخين مُخلصين في تاريخنا وتُراثنا ووجداننا وعندهم العقل الحكيم، [وهكذا يجب أن نكون]، وإلَّا فهذه إسرائيل، وهي لم تعد ترضى بفلسطين، بل تريد أن تأخذ مِن الفرات إلى النيل، وعندها خريطة أكبر تصل إلى اسطنبول، وخريطة أكبر منها تصل إلى منابع البترول، وخريطة أكبر تصل إلى مكة والمدينة، وكما يقال: “المال الدَّاشِر يُعلِّم الحرامي ويدفعه إلى السَّرقة” [مثل شعبي يعني أن المال المتروك يُعلِّم اللص ويدفعه إلى السرقة، “الدَّاشِر”: يعني المتروك دون حراسة، و”الحرامي”: السارق أو اللص].

﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] فهل دَرَس العلماء والمشايخ هذه الآية أو كلمة مِن الآية وعنوان السورة “الحديد”، لِيصنعوا البأس الشديد لأنفسهم تجاه أعدائهم؟ فإذا لم نفهم إلا أن في كلمة “شديد” قلقلة ومدٌّ طبيعي، و”أرسلنا” الراء مفخمة.. هل هذا هو القرآن فقط؟ وحتى لو قرأنا على القراءات السبع أو الأربعة عشر أو الأربعة آلاف فهل نزل القرآن مِن أجل قراءة الألفاظ فقط؟ وهل مِن أجلها قام النبي ﷺ بما قام مِن تحمُّل أذًى لم يتحمَّله نبيٌّ قَبله؟ هل لهذا نزل القرآن؟ ونحن مَن يسمُّوننا مشايخ أو علماء علينا مسؤوليتنا، ولكن لم يبق مشايخ في هذا الزمان، فكم عمامة يوجد في البلد؟ مع أنّ العمائم قماش لكنها رمز، أمَّا العِلم بمعناه الحي الذي هو: ((العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ)) 5 ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أقام الأمة العربية وما زالت اللُّغة العربية تنتشر، ولا زال الإسلام إلى خمسة عشر قرنًا -على كلِّ ما فينا مِن ضعف- يزحف في الشرق والغرب، أمَّا لو وُجِدتْ الوسائل الكافية بالمعنى الحقيقي الجوهري الصحيح فنحن سنكون أقوى مِن مجلس الأمن وأقوى مِن هيئة الأمم، وإن شاء الله في السنوات العشر القادمة سنجد خيرًا كثيرًا.

الإسلام يمتدُّ في أمريكا بشكل خاصٍّ، كما حدثني رئيس جامعة كاثوليكية في واشنطن، قال لي: الإسلام في أمريكا أسرع الأديان انتشارًا، وهو الدين الثاني في أمريكا.

﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] هذه إشارةٌ إلى الصناعة الحربية والصناعة العسكرية، وفي سورة سبأ تحدَّث الله عن داوود عليه السَّلام وصناعته للأسلحة الحربية، وعن صناعة سليمان عليه السلام للصناعات المدنية، و((العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ)) فإذا كان الأنبياء مُديرِي مصانع، ومُستخرجين للمعادن، وقد جعلوا منها القوة والبأس الشديد تجاه المعتدين، وجعلوا منها أيضًا: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَٰتٍ [سبأ:13]، [فإن العلماء يرثون ذلك منهم].

شروط نجاح الأمة

وبعد ذلك ذكر الله تعالى سدّ سبأ، لأن الأمة تنجح عندما تجمع بين المعنيَين؛ بأن تكون صناعيةً وزراعيةً، ففي سورة سبأ ذكر الله تعالى النَّبِيَّيْن والصناعتَين الحربية والمدنية، وبعدها ذَكَر قصة سبأ والزراعة وما أَنتج سدّ سبأ مِن تحويل الصحراء إلى جنَّةٍ خضراء، فهل فَهِم المفسرون هذا المعاني واستنبطوا منها أنه يجب [على الأمة أن تستفيد من مقدراتها؟] خاصة في القرون الأخيرة وبعد بدء النهضة الأوربية التي أخذوا جذورها مِن مشايخ ما قبل خمس مئة سنة، فابن رشد يسمونه شيخ النهضة الأوربية.

﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ هذه الصناعة العسكرية، ﴿وَمَنَافِعُ هذه الصناعة المدنية، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد:25] أي أنزلنا عليك القرآن لتتعلموا بعض الوسائل، كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال:60].. فـ ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ القوَّة العسكرية، ﴿وَمَنَافِعُ هي القوَّة الاقتصادية والقوَّة الصناعية والقوَّة الزراعية، لتعملوا بما عَلَّمتُكم، ولتقوموا بالتنفيذ، وليراكم الله عند تنفيذ هذه التعاليم الإلهية التي هي قوَّتكم العسكرية والاقتصادية والصناعية بكل أنواعها، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحديد:25] أي ينصر دِينه، فالله ليس بضعيف حتى يَستنصِر بنا أو يطلب معونتنا، بل النصر لدينه، كما قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7] يعني تنصروا دِينه وأوامره وشرعه.

﴿وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد:25] نحن نُؤمن بالغيب، لأننا ما رأينا الله بأبصارنا، لكن نراه بعقولنا وببصائرنا، ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس:101]، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا أي الدلائل على وجود الله وعظمة الله وقدرة الله ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ [فصلت:53] الشمس والقمر والجبال والهواء والنجوم والسماوات.. إلخ.

نصرة دين الله

﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ [الحديد:25] يعني عِلْمَ تطبيق وتنفيذ، أما علم الله الأزلي فاسمه القضاء والقدر، [وهو العلم الأول]، والعِلم الثاني هو عِلم الله في نُفوذ القضاء والقدر عند الوقوع، فالعِلم الأول يعلمه الله، لكن هل عَلِم الله منك تنفيذ أحكامه ونُصرة دينه؟ فالعِلم بتنفيذ أوامر الله هو المراد بهذا العِلم.. ﴿مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25] إن الله قوي لا يحتاج أحداً، لكنَّ قانونه في الحياة أنْ يكون الإنسان ذا عمل، ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [الذاريات:58] فهل يعني أنَّ الله سيحضر الملعقة ويضعها في الطعام ويُطعمك؟ لا، بل الله خلق لك الأرض والبذار والماء، فيجب عليك أنتَ أن تزرع، وزوجتك أن تطبخ، وبعد ذلك تأكل.. ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [الذاريات:58] أعطاك الوسائل لتُحقِّق الهدف مِن الرزق وهو الحياة والبقاء.. فالله ﴿قَوِيٌّ لا يحتاجكم لتَنصروه، وقد خُلِقْتُم ضمن هذه القوانين الإلهية التي نسمِّيها قوانين طبيعية، وهو ﴿عَزِيزٌ لا يُقهر ولا يحتاج إلى نصرتكم والاستعانة بكم.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26] فنوح عليه السَّلام قام لتبليغ رسالة الله، وفي ألف سنةٍ إلَّا خمسين عامًا لم يَكلَّ ولم يَملَّ ولم يَتقاعس، وتحمل الأذى أشكالًا وألوانًا، وبلا راتب وبلا مكافأة، إلا أنَّه وظِّف عند الله عزَّ وجلَّ، وكُلِّف بتبليغ رسالته لمخلوقاته، ليُخرجهم مِن الشقاء إلى السعادة، ومِن الجهل إلى المعرفة.

﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ [النجم:37] وقد أمره الله بذبح ولده فامتثل، وأُلقي في النار، فما تَراجع ولا نكس، فكافأهما الله عزَّ وجلَّ بأن جَعل في ذريتهما الأنبياء والرُّسل إلى خاتم النبيِّين سيدنا محمد ﷺ.

يعني هل من يَصدُق مع الله ولا يَصدُقه الله؟ هل من يُوْفِي مع الله ولا يَفي الله له؟ هذا في قانون الله لا يَصِحُّ، قانون الله تعالى: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، قانون الله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ الحياة الحسنة: العز والمجد والقوة والعقل والعِلم والكرامة ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30] وهناك مِن مسلمين مَن يُعرِضون عن الإسلام وكأنهم لا يريدون دُنيا ولا آخرة، لا يريدون الحياة الحسنة في الدنيا ولا في الآخرة، والذي يأتي إلى المسجد مِن أجل الصلاة الجسدية لا يعرف الصلاة القلبية الروحية، ولا الصلاة العلمية الإدراكية، فهل يعقل في الصلاة أوامر الله عزَّ وجلَّ؟ وما يقرؤه الإنسان مِن القرآن هي أوامر ونواهٍ ووصايا وبلاغات ربانية.

الصلاة معراج المؤمن

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45] ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14] فيجب أن تقرأ القرآن ذاكرًا، حاضرَ القلب مع الله، حتى تصير داعيًا لأوامره، ومع هذا الحضور تخرج مِن الصلاة: ((الصَّلاةُ مِعراجُ المؤمِنِ)) 6 ، عُروجٌ وارتفاع درجة في الأخلاق وفي العقل وفي الحكمة وفي كل شيء ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

استحقاق ميراث النبوة

﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26] في ذُرِّية إبراهيم ونوح عليهما السلام التوراة والإنجيل والقرآن والزبور.. قال: وليس الشرط فقط أنْ يكون مِن ذُريَّة نبيّ، لأنَّه يجب أن يكون أيضًا على قدم أبيه أو جده، قال: ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26] القليل مِن ذرية الأنبياء والرُّسل مَن يستحق ميراث النبوة والعِلم والحكمة والتزكية، أمَّا الكثير الأكثر فهم غافلون تائهون عن طريق آبائهم وتتبُّع آثارهم وخِلافتهم فيما استخلفهم الله عزَّ وجلَّ فيه، فالنسب التُّرابي للنبي أو للرسل أو للعلماء أو للأولياء لا يُشرِّف إلَّا إذا مشى الإنسان على هديهم وطريقهم، وأما إذا عَكَسَ الحال فستكون عقوبته مُضاعفة، ومنزلته عند الله أسوأ مِن منزلة مَن لا نسب له إلى النبوة والرسالة والعِلم، قال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب:30] يقول: هو مِن ذرِّية النبي، ولا يمشي على طريقة النبي، فهذا سيجعل الله عقوبته مضاعفةً، وإذا كان مِن ذرية آباء صالحين ومِن نسبهم، ومشى على هديهم: ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب:31].

الخروج عن شريعة الله وعن تقوى الله هو الفسق

فلذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ أي بعضهم، أمَّا الكثير ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26] عجلة القطار إذا خرجتْ عن السكة نقول: “فسقت العجلة”، أي خرجت عن السكة وعن الطريق الذي ينبغي أن تسير فيه، وكذلك إذا خرج الإنسان عن شريعة الله عزَّ وجلَّ إلى معصيته، ومِن تقواه إلى أهوائه وإلى أنانيته، سواء أنانية مالية أو نفسية أو شَهَوِيَّة أو مظاهر أو أي شيء مِن حظوظ النفس، فهذا اسمه الفسق ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33] إنّ العُجب من الكبائر، فإذا أنعم الله عليك بنعمة العِلم أو التقوى فاحذر أن تُعجَب بنفسك، والكبر أن تحتقر الآخرين، والرياء أن تعمل إذا رآك الناس، وإذا لم يروك لا تعمل، فتعمل ليسمع بك الناس، وإذا لم يسمعوا لا تعمل.. هذا كله يُعَدّ مِن الكبائر ومِن الفواحش الباطنة التي لا يَعلمها إلا الله عزَّ وجلَّ، وهي محبِطَة للعمل، فالمتعبد لا يجد شيئًا مِن عبادته، ويا ليت أن سيئاته وحسناته تتساوى، [بل تكون سيئاته أكثر].

والْمُرائي كمن بنى مسجداً ليراه الناس أو ليسمعوا به، فهذا حَبِط عمله، وهكذا العالِم ليمدحه الناس بالدرس ويُعجَبوا بكلامه، وليستميل قلوبهم، فإذا لم يكن هدفه بكل ذرَّات وجوده: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي” فليعمل حدَّادًا أو نجَّارًا أفضل له، لأنَّ الحداد لا يُرائي بحدادته، وإذا راءى ليرى الناس جُوْدَ صنعته فإن الله لا يؤاخذه، لأنَّ هذا مِن المباحات، أمَّا أن يعمل عمل الآخرة وعمل الدين بقصد الدنيا أو الهوى أو الأنانية فهذا بصريح القرآن، ولا يحتاج إلى تفسير: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وكما ورد: ((النَّاسُ كُلُّهُم هَلكَى إلَّا العَالِمِينَ، والعَالِمُونَ هلكى إلا العاملين، والعاملون هلكى إلا المخلِصين، والمخلصون على خطر عظيم)) 7 ، وكما كان النبي ﷺ يقول: ((يَا مُقلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلبِي عَلَى دِينِكَ)) 8 شيء مُخيف للعالِم، أما الجاهل فلا يهتم بسُمعَة ولا بحَظّ.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوقظ قلوبنا، وأن يحيي قلوبنا بنور الله وبمراقبة الله وبالإخلاص لله فيما نقول وفيما نعمل.

مهمة الرسل

﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا [الحديد:27] بعد نوح وإبراهيم أرسل الله أنبياء كثيرين؛ نبيًّا إثرَ نبيٍّ، وكما يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]، ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الحديد:27] أيضًا أَتْبَعْنا الأنبياء السابقين بعيسى عليه السَّلام ﴿وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ [الحديد:27]، والإنجيل معناه البشارة، “بشيراً ونذيراً، ﴿وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى للضالين، ﴿وَنُورٌ [المائدة:46] يُنير الطريق للسائرين إلى السعادة.

﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً [الحديد:27] فقد كان مِن تعاليمه عليه الصلاة والسلام، وهذا نص الإنجيل: “من ضربك على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر، ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك”، يعني إذا أراد أنْ يسلبك القميص فأعطِه البنطال أيضًا، هذا في الإنجيل، فجرِّب مسيحيًّا اليوم وقل له: أريد أنْ أَضرِبَك على خدك اليمين فهل يعطيك الشمال؟ وإذا أخذتُ منك القميص هل تعطيني بنطالك؟ هل تجد مسيحيًّا يُطبِّق الإنجيل؟ وكذلك المسلمون، وقد وصف الله المسلمين: ﴿ويدرؤون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22].

في نصِّ الإنجيل: “إذا ضربك على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر”، ليس في ذلك مقابلة السيئة بالحسنة، بل هذا رضًى بالذلِّ والخنوع وخصوصًا مِن الأعداء، لكنَّ الإسلام قال فوق ذلك، قال: إذا أساء إليك يجب أن تُحسن إليه.

الوصول إلى قمة الإسلام

لَمَّا أنزل الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] سأل النبي ﷺ جبريل عليه السَّلام: ما معنى هذا؟ ما المقصود منه؟ وما تفسيره؟ فأجابه جبريل هو: ((أن تصل من قطعك))، هذه آية واحدة، ونحن مأمورون أنْ نؤمن بكل القرآن، وأنتم الآن كما يقولون: “عيْلة أم صالح” [مثل شعبي يُقصد به أنَّ هذا الشيء أو الشخص هو الأفضل بين أقرانه، وعيْلَة: كلمة عامية لعائلة] فهل تقبلون مِن الله هذه الآية؟ وهل تؤمنون بها؟ ولكن هل تؤمنون كما تؤمنون أن هذا كأس زهورات فتشربونها، [زهورات: زهور كالبابونج وغيره تُشرَب مثل الشاي، لطعمها اللذيذ وفائدتها الطبية، وشرب الزهورات عادة منتشرة في سوريا] وإذا علمتم أنها كأس مازوت [دِيْزِل]هل تشربونها؟ هل أنتم مستعدُّون لأن تؤمنوا بهذه الآية فقط؟

((أنْ تَصِلَ مَنَ قَطَعَكَ))، اذهب إلى البيت وفكِّر مَن يُقاطعك مِن جيرانك أو مِن أهلك أو مِن أصدقائك، لتَصِله لله وبالله وبلا أي هدف ولا أي فائدة دنيوية؛ لا مادية ولا معنوية.. ((وَتُعطيَ مَن حَرَمَكَ))، لَمَّا كان غنيًّا كان يمنعك، والآن أفقره الله وأغناك، فهل تقول: كيف أسأل عنه؟.. ((أنْ تَصِلَ مَن قَطَعَكَ، وَتُعطِيَ مَن حَرَمَكَ، وَتَعفُوَ عَمَّنْ أَساءَ إلَيكَ)) 9 ، هذه أبلَغ مِن “إذا ضربك على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر”، لأنك إذا أدرتَ له خدك الشمال فقد أعنتَه على الظلم وعلى الجَور، لكن في الإسلام أنت مأمور بأن تُقابل الإساءة بالإحسان، والقطيعة بالصِّلة، هذا هو قمة الإسلام، ولا نُعمِّمه على الكل، بل يوجد آيات أخرى قال الله تعالى فيها: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشورى:40] وآية ثانية: ﴿ويدرؤون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22] هذه مِثل الآية التي أمر فيها أن يقابل السيئة بالإحسان.

ويوم فتح مكة دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا قاهرًا، على رأس الجيش، ولما أتاه الذي نَخَس بابنته جَملها حتى سقطتْ فأجهضتْ فماتتْ، لَمَّا أتاه مُسلمًا غَفَر له وسامحه ولم يُقاصصه، ولم يُجابهه، هذا هو إسلام، وهذا الإسلام في القمَّة! ودائمًا إذا أردتَ أن تشتري طقمًا وأمكنك أنْ تأخذ أحسن بَدْلَة ويوجد عندك إمكانية مالية فإنك لا تُقصِّر، [الطَقْم أو البَدْلَة: كلمتان عاميتان، وهما هنا بمعنى واحد، وهو اللباس لكامل الجسم، من قميص وبنطال وربطة عنق، وما شابه] وإذا أردت أنْ تأخذ الطعام وتملك الطاقة تأخذ أحسنه، وكذلك الزوجة.. إلخ، نحن يمكننا أن نعمل ما في قمته وذروته، فلماذا هذا القصور؟ فهل نؤمن بالقرآن؟ وهل نؤمن بالآخرة؟ وهل نؤمن بكلام الله تعالى؟ إن دليل الإيمان هو العمل بكلام الله، إذن نحن غير مؤمنين.. ولا تكونوا ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [المائدة:41]، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يقول بلسانه ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ¬ الله لا ينخدع، ولكنَّ خداعهم للنبي ﷺ يعتبَر كأنه مُخادعة مع الله، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9] هؤلاء الذين كانوا في زمن النبي ﷺ يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر.

انعكاس صورة روحك في الآخرة

نحن لن نعيش عمرًا ثانيًا حتى نستدرك تقصيرنا في صنع أرواحنا وبنائها في عالَم الخلود والبقاء، فإن صورتك الآن تتصوَّر في الدار الآخرة في عالَم الروح في الجنة، وأنت الآن ترسمها بريشة أعمالك وإيمانك وأخلاقك وسلوكك، فإذا كانت أعمالك فاسقة وأخلاقك قبيحة فكيف ستكون صورة روحك؟ كما قال النبي ﷺ عن آزر أبي إبراهيم عليه السلام: إنه يوم القيامة يَطلب مِن الله أن يشفِّعه بأبيه ليدخل الجنة، فيقول له: اذهب إليه وانظر له، فإذا استطعتَ فسأشفِّعه به، فيراه بصورة زِيْخٍ مُنتن، والذِّيْخ هو الضبع 10 ، يَرى أباه ضبعًا، فإذا أراد أن يدخله معه الجنة، فسيقال: إبراهيم ابن هذا الضبع النتن، لذلك سيتبَّرأ منه، ويهرب منه، ولا يجعل بينهما أي صلة نَسَبيَّة ولا غير نسبيَّة.. وكذلك هي روحك غدًا بعد الموت تصير بشاكلة إيمانك وأعمالك؛ تقواك أو فسقك، صدقك أو كذبك مع الله، في دِينك ومع قرآنك، المسألة أنه الآن وقت الدراسة السَّنَوية، [يشبِّه سماحة الشيخ العمر بالدراسة السنوية، حيث من المعمول به في زماننا أن الطالب يدرس طيلة السنة، وفي نهايتها يقدم الامتحان لينتقل إلى المرحلة الأعلى، ومن المعروف أن من لم يدرس خلال السنة لا يستطيع النجاح واجتياز الامتحان] لكن عند الموت فإنك ستَطلُب أنْ تُصلِّي ركعتَين، أو نصف ساعة لتذكر الله عزَّ وجلَّ ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] فإذا خرجتَ من بطن أمِّك هل ترجع؟ وإذا كنتَ بنتًا هل تستطيع أن تعود صبيًّا؟ هل تستطيع أن تَرجع وتلِدك أمك مرة ثانية؟

﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى مِن الضلال ﴿وَنُورٌ [المائدة:46] يضيء الطريق للناس إلى سعادتهم.

وصف الله تعالى للمؤمنين

﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً الرأفة هي الرحمة في قمتها وفي ذُروتها، ورقِّة القلب على مخلوقات الله عزَّ وجلَّ، ﴿وَرَحْمَةً [الحديد:27] كما وصف الله المؤمنين: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] وقال في آية أخرى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقال ﷺ: ((المُؤْمِنِونَ في تَوادِّهِمْ وتَراحُمِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)) 11 ، إذا صار دُمَّلٌ في رأس إصبعك فالوجع ينزل إلى الكف، والجسم كله يبقى مستيقظًا طول الليل مِن أجل ظِفرك، هكذا وصف النبي ﷺ ترابط مجتمع المسلمين في توادُدِهم، والآن بدل رباط التوادُد والتراحم والتعاون صار رباط التباغض والتحاسد والأحقاد والإيذاء، ورباط النَّمّام والمنموم عليه والغشاش والمغشوش والقاطع والمقطوع.. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ والله تعالى يقول لهم: ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] إلى متى نبقى هكذا؟ هل أنت ضامن نفسك [أن تبقى حَيّاً] بعد سنة، أو بعد يوم، أو بعد أسبوع؟ قد تموت شابًّا، وقد لا تخرج من الجامع.. كم شخصًا كان يأكل فسقط ومات؟

﴿رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا [الحديد:27] لَمَّا فرض قسطنطين الأناجيل الأربعة وأحرق ما سواها بمؤتمر نِيْقِيَّة، وأوجب تأليه سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام، رفض ذلك فئة كبيرة مِن النصارى وعلى رأسهم الراهب آرْيُوْس، وقد كان آريوس من كِبار الرهبان، وكان يَدْعو إلى وحدانية الله، وكان أكثر الرهبان الذين كان مجموعُهم يزيد على ألفي راهب يبحثون العقيدة المسيحية، وحدثتْ أُمورٌ لا مَكان لتفصيلها الآن، فبضغط من قسطنطين حَكَموا بتأليه سيدنا عيسى عليه السلام، وحُورب آريوس وجماعته واضطُهدوا وقُتِل آريوس، وكان الذين ليسوا مِن جماعته يقولون: قتله الرب لأنه لم يؤمن بألوهية المسيح، والحال أنَّ الطائفة الثانية دَسَّت السم فيه فقُتِل مسمومًا.

الخلاصة: لَمَّا بقي الموحدون اضطُهدوا مِن قِبل الدولة الرومانية، فآووا إلى الجبال والمغارات فرارًا بدينهم وتركوا الدنيا وتركوا النساء، وتركوا تَرَفَهم، مثل أصحاب الكهف: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف:10] كذلك الفتية لَمَّا فُرض عليهم عِبادة الملوك والشرك بالله فرُّوا بدِينهم إلى الجبال، وتفرَّغوا لعبادة الله عزَّ وجلَّ، وأعرضوا عن الدنيا لأجل سلامة دِينهم وإيمانهم، وكذلك حصل مع أتباع سيدنا عيسى عليه السَّلام الذين وَصَفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً [الحديد:27] والآن مسيحيُّو أمريكا وأوربا هل يوجد في قلوبهم رحمة ورأفة؟ لو كان المقتولون في البوسنة والهرسك مسيحيين في ديار المسلمين لقامت الدنيا وما قعدتْ، ولو كانوا عشرةً مِن اليهود لقامت الدنيا وما قعدت؛ مِن بوش إلى غرباتشوف، [بوش: رئيس أمريكا وقت هذا الدرس، وغربتشوف: آخر رئيس للاتحاد السوفييتي] حتى الماء لا يؤمِّنوه لهم، ويدَّعون أنهم سيُرسلون لهم الخبز والمؤن لحماية الغذاء، وبذلك يعاملونهم مِثل الأغنام التي تُؤخذ إلى المسلخ أو إلى المذبح، حيث يُؤمِّنون لها العلف في المسلخ، أمَّا حمايتهم والدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم في ظل قوانين هيئة الأمم ومجالس الأمن فكلُّها ضَحِك على ذقون الشعوب المستضعَفَة بما فيهم المسلمين، [الضحك على الذقون: مصطلح شعبي يعني المكر الخداع] والمسلمون اليوم خمسون دولة تقريبًا، والنبي ﷺ يقول: ((المؤمنون في تَوادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم))، والمسلمون في تفرقهم وتمزقهم وتشاحنهم واختلافاتهم، هل يكونون كالجسد الواحد أم كالجسد الْمُتفسِّخ والذُّباب عليه؟ لا يستطيع الجسد الْمُتفسِّخ أن يَدفع عن نفسه إيذاء ذبابة، واليوم فإن أصغر أُمم الأرض وأضعفها وأقلها تُذِّل الإسلام والمسلمين.. والمسلمون في الصومال يَقتَتِلون، وفي أفغانستان يَقتتلون، أين الإسلام في توادِّهم وتراحمهم؟ النبي ﷺ يقول: المؤمنون هذه صفاتهم.. ما صفات الماء؟ أن لا يكون فيه ملوحة أو طعم غير عذب، فإذا كان فيه مازوت [ديزل] هل اسمه ماء؟ أنا الآن أخاطبكم أنتم؛ أخاطبك في حدود طاقتك وبيتك وعائلتك وأسرتك وأصدقائك وجُلسائك، يجب عليك أن لا تُجالِس إلا الرجل الصالح، وإذا كان غير صالح عليك أن تسعى لهدايته، وهذا فرض عليك كما يُفرض على المصلِّي أن يتوضأ، فإذا صلَّى مِن غير وضوء هل تُقبل صلاته؟

الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

إذا كنت مسلمًا ولا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر وبالحكمة والموعظة الحسنة فأنتَ تُخرِج نفسك من الإيمان، لأن الله يقول في سورة التوبة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] هل المسلمون في وقتنا الحاضر أولياء بعض؟ دولًا شعوبًا وأفرادًا هل بعضهم أولياء بعض؟ كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: “ما جادلتُ أحدًا إلَّا وأريد أن يَغلبني” 12 ، لأني إنْ غُلِبتُ أنقاد للحق، أمَّا إذا غلبتُه فقد يتمرَّد على الحق فيهلك.. هذا هو الإخلاص!

﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة:71] بعد الاتَّحاد يأتي في الدرجة الثانية ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، المرأة مع المرأة، والطفل مع الطفل، والطالب مع الطالب، والطالبة مع الطالبة، وفي السوق وفي الدكان.. فالذي بجانبك ادعُهُ إلى الله، وادْعُهُ إلى مجلس العِلم والذِّكر، وإلا فماذا استفدتَ مِن قراءة سورة نوح ومِن قصة نوح عليه السلام التي ذَكَرها الله عشرات المرات؟ ومِن قوله تعالى: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [العنكبوت:14] قد يقول [مَن يدعو في هذه الأيام]: أنا قلتُ له ولم يرضَ.. كم المدة التي استغرقتَها؟ خمس دقائق، سيدنا نوح عليه السَّلام ما المدة التي استغرقها؟ وكم عدد الذين آمنوا به؟ قال الله تعالى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] هل فهمت القرآن؟ وهل تعرف ما المقصود منه؟ المقصود منه أن تصير نوح زمانك، فقد دَعاهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وما آمن معه إلا سبعون، فيجب أنْ لا تكلَّ ولا تملَّ.. وعندما تقرؤون سورة نوح أو قصته في القرآن الكريم هل تفهمون هذا المعنى؟ يقولون: إنّ الآباء كانوا يُوْصُون الأبناء، والأجداد يُوْصُون الأحفاد، أن إياكم أن تصدقوا هذا الأفاك الكذَّاب فإنه صاغرٌ مُفتَرٍ.. وهذا مع الضرب والإهانة والسباب والشتائم والإيذاء، وكم بقي ثابتًا؟ فهل تؤمنون بهذا القرآن أم لا؟ وهل هذا للقراءة بلا إيمان؟ وهل المقصود مِن القرآن التلاوة أم الإيمان؟ وهل الإيمان بالقول أم بالقلب والعمل؟ سنموت جميعنا.. هل تؤمنون بالآخرة؟ هل تؤمنون بـ: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90] هل تؤمنون بـ: ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ [الأحزاب:35] هل تؤمنون بـ: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]؟

﴿وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى للضالين، ﴿وَنُورٌ [المائدة:46] يُضيء الطريق للعميان، وهذا النور يأتي أيضًا يوم القيامة للمؤمن وهو في طريقه إلى الجنة وعلى الصراط.

المسلمون رُحماء فيما بينهم ورُحماء مع مخلوقات الله

﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً [الحديد:27]، هذه الرأفة والرحمة كانت في قلوب الذين اتَّبعوا سيدنا عيسى عليه السَّلام، والذين اتَّبعوا سيَّدنا محمد ﷺ أَلَا يوجد في قلوبهم رأفة؟ أَلَا يوجد في قلوبهم رحمة؟ ألم يقل النبي ﷺ: ((الرَّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمنُ)) هل قال: ارحموا المسلمين يرحمكم من في السماء؟ بل قال: ((ارْحَموا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ)) 13 هل مَن في الأرض هم المسلمون فقط؟ واليهود والنصارى والمجوس والحيوانات أليسوا في الأرض؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((غفر الله لِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ كَانتْ في فَلاةٍ، فَأَدرَكَها العَطَشُ، فَوَصَلَتْ إلى بِئرٍ وَجَدَتْ كَلبًا عِندَهُ يَلحَسُ الطِّينَ مِنَ العَطَشِ)) لا يوجد ماء وهو عطشان في الصحراء، ولا يوجد دلو ولا حبل لتسقيه، ((فَنَزَلَتْ في البِئرِ، وَشَرِبَتْ، وَلَمَّا أَرادَتِ الصُّعُودَ مَلَأَتْ خُفَّها -يَعنِي نَعلَها- وَفَمَها مَاءً لِتَسقِيَ الكَلبَ، فَسَقَتْه، فَشَكَرَ اللهُ لَها صَنِيعَها، فَغَفَرَ لَها)) 14 ، ((قالوا: يا رسولَ اللهِ أَوَلنا في البهائمِ أجرٌ؟)) يعني إذا أحسنَّا إلى الحيوان.. اليوم في أوروبا يوجد جمعيات الرِفق بالحيوان منذ خمسين أو ستين سنة، أمَّا الرِّفق بمخلوقات الله إنسانًا وحيوانًا، ومن أيِّ دِين ومن أيِّ لون ومن أيِّ قومية، [فهي موجودة في الإسلام] مِن خمسة عشر قرن، كلُّ الأديان نزلت بالرحمة الإلهيَّة لكل مخلوقات الله ((ارْحَموا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ))، وقد وصف الله المسلمين بقوله: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] هذه المعاني القرآنيّة يجب أن تنعكس في مرآة قلوبنا وأعمالنا وواقعنا، ولا نقرؤها تلاوةً، أو نسمعها مِن القُرَّاء نغمًا وموسيقى، فهذه حُجَّة الله علينا وتزيد في بُعدنا عن الله عزَّ وجلَّ، وتستوجب مِن الله علينا عدم رِضائه، وهي السبب في أن يُخلِّيَ الله بيننا وبين أعداء أمتنا المتسلِّطين علينا.. ((الرَّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمنُ، ارْحَموا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ)).

((قالوا: يا رسولَ اللهِ أولنا في البهائمِ أجر؟ قال: لَكُمْ في كُلِّ كَبِدٍ رَطبَةٍ أجرٌ)) 15 أي في كل مخلوق حيٍّ إن أحسنتم إليه من طعام أو شراب أو إنقاذ لكم أجر، فكيف بالإحسان إلى الإنسان أو الأرحام أو الوالدين أو الجيران أو ابن السبيل؟ ابن السبيل هل يذكرونه في حقوق الإنسان؟ ابن السبيل هو الإنسان الغريب غير المواطن، لكن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37].

الروح لا تبقى بروحانيتها الربانيّة إلا بدوام ذكر الله

فيجب عليكم أن تَذكُروا الله حتى تَجعلوا ذِكركم مثل نَفَسكم، وكما أنَّ الجسم لا يعيش دون أوكسجين، كذلك القلب والروح لا يمكن أن تبقى بأصالتها وروحانيتها الربانية إلا بدوام ذِكر الله.

﴿وَرَهْبَانِيَّةً في سبيل سلامة دِينهم تركوا النساء والأهل والأموال والأولاد، ولجؤوا إلى الجبال والكهوف والصحاري يعبدون الله تعالى فرارًا بدِينهم، قال: ﴿ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ أي ما فرضنا عليهم أن يتركوا الحياة الدنيا.. ((إنّ لجسدك عليك حقاً)) 16 .

بلغ النبيّ ﷺ أنَّ فئة مِن الصحابة اجتمعوا وتذاكروا فيما بينهم.. انظروا إلى سهراتهم ما أجملها! وانظروا إلى ما يملأون به سهراتهم، فأحدهم قال: إن الله غفر لنبيِّه ما تَقدَّم من ذَنْبه وما تأخَّر.. فما العمل حتى يضمنوا سعادة الآخرة ومستقبلهم الأبدي؟ “فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أُفطِر، وقال آخر: وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء”.. هؤلاء هم المسلمون، بماذا يفكِّرون؟ لقد استخدموا كل طاقاتهم الفكرية والشعورية، بماذا يفكِّرون؟ يفكِّرون بالدار الآخرة وبإيمانهم، ويريدون أن يخرجوا من الدنيا بإيمان صحيح.. وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، يعني رهبانية، فبلغ النبي ﷺ أمرهم فدعاهم فقال: ((أَمَّا أَنا فَأَصُومُ وَأُفطِرُ، وَأَقُومُ اللَّيلَ وَأَنامُ، وَأَتزوَّجُ النِّساءَ، وَمَن رَغِبَّ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي)) 17 ، ((إنَّما التَّقوَى ها هنا)) 18 وكان يقول: ((لا رَهبَانِيَّةَ في الإسلَامِ)) 19 ، ((وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) 20 سواءٌ جهاد العدو المستعمِر المغتصِب، أو جهاد النفس والهوى.

قال: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ “ما كتبناها”: أي ما فَرَضناها عليهم، ولكن فَعَلوها ابتغاء رضوان الله عزَّ وجلَّ، ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا منهم مَن ترهَّب ولم يستمرَّ، تَرهَّب وما استقام على الرهبانيَّة.. فنسأل الله تعالى أن يُثبِّتنا بقوله الثابت، قال: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26] منهم مَن ترهَّب فاستقام واتقى الله، وهم القِلَّة، وأما الكثير فما ثَبتوا وما استقاموا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [فصلت:30] “أنت تطلب مِن ربك الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة” 21 .

((قالوا: يا رَسولَ اللهِ، شِبتَ ولم تبلغ أوان الشيب، فقال: شَيَّبَتْني هودٌ وأخواتُها)) 22 سورة هود ذَكر فيها الله تعالى هلاك الأُمم لَمَّا عصوا أمر الله وشرائعه، وأخواتُها مثل سورة المرسلات والواقعة، والتي ذَكَر الله فيها كيف عذَّب الأجيال والشعوب والأمم لَمَّا تركوا صراط الله المستقيم، ومشوا في طريق الكفر والضلال والشهوات والأهواء.. مَن شاب شَعرُه منكم؟ [الشيخ يقول لأحد الحضور:] أنت شبتَ ما شاء الله! ما الذي شيَّبك؟ هل شيبتك هود وأخواتها؟ وأنا أيضًا والشيخ رجب شِبنا أيضًا، وهكذا: “على قِدْرِ عِلْمِ المرءِ يَعْظُمُ خَوْفُهُ” [هذا شطر من بيت شعر مشهور للإمام الشافعي: والشطر الثاني: فلا عالِمٌ إلا من الله خائفُ] فإذا حذَّرك شخص مِن الثعبان فهل يوجد لديك الشجاعة لأن تضع أصبعك في فمه؟ لا، لأن الإيمان قوي، فهل نخاف عندما يُحَذِّرنا الله تعالى من نار جهنم: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ [الفجر:25] هل نخاف؟ لا نخاف.. بعضنا مشغول بالأهواء وبعضنا بالأماني وبعضنا بالجحود والكفر والعناد واللامبالاة، أين الأمر بالمعروف الذي هو أحد أركان الإسلام الثمانية؟ ففي بعض أحاديث النبي ﷺ يقول: الإسلام ثمانية أركان أحدها الأمر بالمعروف وأحدها النهي عن المنكر 23 .

من أصول الدعوة إلى الله

على كل حال دعونا ندعو إلى الله، ونأمر وننهى بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا رأيتَ شخصًا مُعرِضًا عن الله، تاركاً لفرائض الله تقول له: يا حبيبي يا عيني، يا حبيبتي يا عيني.. بكلمةٍ لطيفة وتصرُّف لطيف.. نظفي لها حذاءها، وإذا كانت فقيرة ساعديها مثلًا، والناس بخير، وبذلك نكون قد أحيينا بعض أركان الإسلام التي ذكرها الله في سورة التوبة حيث قال: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وبعدها قال: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71].

نعود للآية ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] ما كتبناها عليهم وما فرضناها عليهم، ولكن فعلوها ابتغاء مرضاة الله، فما رعوها حقَّ رعايتها، وبعد ذلك خَلَفَ من بعدِهم خَلْفٌ منهم ﴿مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:26].

ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الحديد:28] فتقوى الله في سياق هذه الآيات أن نتقي الله فنَعِيَها ونفهمها ونتدبَّرها ونعمل بها، تنفيذًا لأوامر الله ووقوفًا عند حدوده، فلا نتجاوزها إلى المحارم، ونعمل بالوصايا رحمةً ورأفةً، ونكون رحماء بيننا، أشدَّاء على أعداء بلادنا، وأعداء دِيننا إذا أرادونا بسوء.. هكذا يُقرأ القرآن، وهكذا يُتلى، وهكذا يُسمع، وإلا

رُبَّ تَالٍ يَتلُو القُرَانَ بِفِيهِ
وَهُوَ يُفضِي بِه إلى الخذلانِ

نتيجة اتباع هدي النبي ﷺ وسنته

﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ الله تعالى أرسل رُسُلَه بالبينات، فأرسل نوحًا وإبراهيم عليهما السَّلام، وأرسل سيدنا محمدًا ﷺ، فالإيمان برسول الله يكون كما إذا آمنتَ بالطبيب، وعندك قرحة بالمعدة، ومنعك هذا الطبيب عن الحوامض والتوابل، وأنت مؤمن بأنَّه طبيب حقيقي، كيف تكون تجاه نصائحه وتوجيهاته؟ هل تكون مُمتثِلًا أم مُتمرِّدًا مُخالِفًا؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى عنه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ [الصف:9]، وهو كما قال عن نفسه ﷺ: ((إني ممسِكُ بحُجَزِكُمْ)) يعني بالزُّنّار [الذي في وسطكم] ((وأَنتُم تَتَهافَتُونَ في النَّارِ كَتَهافُتِ الفَرَاشِ)) 24 فمن اتبع سنَّتَه وهديه نالَ سعادة الدنيا والآخرة من الآن إلى يوم القيامة، سواءً كنَّا أفرادًا أم جماعاتٍ أم حكوماتٍ، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3] وكيلك المحامي إذا قال لك: يجب أن تحضر الساعة الفلانية، وتُحضِر معك الطوابع، فإذا مشيت على هديه تكسب الدعوى إذا كنتَ مُحِقًّا، وإذا وكَّلتَه وخالفتَ نصائحه وتعليماته فإنك ستخسر الدعوى، فهل أنت متوكِّل على الله؟ ﴿وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا [النساء:45] ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81].

﴿وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الحديد:28] ومِن الإيمان أن نُحبَّ رسول الله ﷺ أكثر مما نحب أنفسنا وأهلينا وأموالنا وكلَّ محبوب لدينا في هذه الدنيا، وهل يمكن لمحبٍّ صادق أن يعصي محبوبه؟ الصحابة تركوا في سبيل محبة الله ورسوله أموالهم وديارهم وأوطانهم، وباعوا حياتهم وأرواحهم.. ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7] لكن هل بالعُنف أم باللطف؟ هل بالحمق أم بالحكمة؟ هل بالعِلم أم بالجهل؟

تقوى الصحابة وإيمانهم

﴿وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الصحابة لَمَّا اتقوا الله وآمنوا برسوله هل آتاهم الله كِفلَين ونصيبَين وأجرَين؟ ما الأجرَين والكفلَين؟ الأول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] كانوا مُستعمَرين مِن الفُرس والرومان فتحرَّروا، ثم قاموا ليُحرِّروا العالَم ولينقلوهم مِن الفقر إلى الغِنى، ومِن الجهل إلى العِلم، ومِن الظلم إلى العدل، وليَنقلوا الناس مِن عبادة الإنسان للإنسان إلى عبادة الرحيم الرحمن، ولقد كانوا يأكلون الجيفة، ويأكلون الدم مِن الجوع، وإلَّا فلماذا قال الله لهم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] أنتم الآن هل من داع ليقول لكم أحد: لا تأكلوا الجيفة؟ أمَّا الذين كانوا يأكلون الجيفة فيقال لهم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ، وكانوا يُجَفِّفُون الدم ويأكلونه مِن الفقر والجوع، فصارتْ كنوز الدنيا تزحف على أقدامهم: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] الكفل الأول والنصيب الأول هو ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] الحياة الحسنة والمكانة الحسنة والعِزّة الحسنة والنصر الحسن والدولة الحسنة، وكل شيء في الحياة صار حسنًا لهم، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201] هذا هو الكِفْل الثاني.. ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28] نورَ العِلم في الدنيا، فصاروا أعلم علماء الدنيا، ونوراً في الدار الآخرة يهديهم إلى الجنة، ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ بالتوبة والإنابة، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ لِمَن تاب وأناب، و﴿رَحِيمٌ [الحديد:28] بمن تقبَّل رحمة الله عزَّ وجلَّ، فالقرآن رحمة، والنبيُّ ﷺ رحمة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فمَن تقبَّل الرحمة رَحِمه الله، ومَن تاب إلى الله غَفَر الله له.

﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ “لئلَّا”: “لا” يسمُّونها زائدة، يعني ليعلم أهل الكتاب ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد:29] ما هو الفضل؟ الكِفلَين، فهل استطاع الرومان أنْ يمنعوا هذا الفضل عن العرب لَمَّا اتقوا الله وآمنوا برسوله ﷺ؟ كذلك الآن إذا اتَّقينا الله.. والتقوى هي امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ واجتناب محارمه، والمسلمون اليوم إذا رَجَعوا إلى الله تعالى فإن الله سيُعيد إليهم عزَّتهم ووحدتهم وكرامتهم: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ يعني: لِيَعْلَم ﴿أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد:29] هرقل ملك الرومان أراد أنْ يُرجع العرب إلى فقرهم وإلى ذُلِّهم وإلى استعمارهم فهل استطاع؟ والفرس كانوا مُستعمِرِين للخليج العربي واليمن، فأرادوا أنْ يَقِفوا أمام الإسلام الذي يُريد إعزاز العرب، ويجعلهم خير أُمَّةٍ أُخرجتْ للناس، لكن لَمَّا اتَّقوا الله تعالى وآمنوا برسوله ﷺ الإيمان الحقَّ هل استطاع أهل الكتاب وغيرهم أن يَحُولوا بينهم وبين فضل الله؟

الاعتصام بالله تعالى

﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ [الحديد:29] فإذا وضعنا يدنا بيد الله، واعتصمنا بحبل الله، فلن تستطيع قوة في الدنيا أن تَحُول بيننا وبين فضل الله وكرامة الله وعزة الله وإعزاز الله لنا.

﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ [الحديد:29] لا بيد أمريكا ولا روسيا، بل بيد الله وحده، فإذا اتَّقينا الله، وأطعنا الله، ونصرنا دِين الله فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحج:40] وكل واحدٍ عليه أن ينصُر دِين الله تعالى في حدود طاقته وإمكانيته، وإذا قصَّر في حدود ما يُمكن ويُطيق فهو مسؤولٌ عند الله يوم القيامة.

﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [الحديد:29] مشيئة الله والتفضُّل بفضل الله على عباده، هل يكون بِطَريق الصُّدفة أو بطريق عدم الأسباب والمسبَّبات؟ وهل يجده الإنسان صدفة في الطريق [الشارع] أم هو قائمٌ على الحكمة؟ الفضل لِمَن يستحقُّ الفضل، والنصر لِمَن يستحقُّ النصر، والفضل لِمَن اتَّقى الله حقَّ التقوى، وآمن برسول الله ﷺ حقَّ الإيمان.. ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [الحديد:29]، مِثْل قوله تعالى: ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ [آل عمران:26]، وقوله: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [النحل:93] وهذا يكون بأسباب نملكها وتحت إرادتنا واختيارنا، وإذا كنا لا نملك وأدَّينا ما نملك فإن الله تعالى يُعطينا القدرة على ما لا نملك.

﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] هل للمسلمين اليوم كفلان مِن رحمة الله؟ هم: لا دنيا ولا آخرة، والأمم المتمدِّنة صار لها في الدنيا حسنة، لكنها في الآخرة لا يوجد لها، أما في الإسلام فلهم في الدنيا وفي الآخرة.

﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [الحديد:29]، ومَن الذي يشاء الله أن يؤتيه ويتفضل عليه بفضله؟ مَن مدَّ إليه يده بالطاعة والانقياد والاستجابة لكلامه وقرآنه وهدي نبيه، ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:29].

عناية الإسلام بالعبد والجارية والأسير

كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((ثَلاثةٌ يُؤتَونَ أُجورَهُم مَرَّتَين: رَجلٌ تَكونُ لَه الأَمَةُ -أي الجاريةُ المملوكةُ- فَيُعلِّمُها فَيُحسِنُ تَعليمَها))، انظر كيف فرض الإسلام للرقيق مِن الحقوق الثقافية والأخلاقية والإحسانية! حتى إذا ما بلغ النضج من العِلم والأخلاق والإيمان يأمر الإسلام في سورة النور سيده أن يُكاتِبَه ليفتح له باب الحرية مِن الرِّقِّ ومِن العبودية.

((ثَلاثةٌ يُؤتَونَ أُجورَهُم مَرَّتَين: رَجلٌ تَكونُ لَه الأَمَةُ)) [الشيخ يسأل الحضور:] ما الأَمَة؟ أجب أنت أيها الغُلام! واقترب حتى يَرَوْك! [يجيب طفل بقوله: الجارية] هل الجارية سوداء؟ الجارية هي التي تكون مملوكة ورقيقَة، سواء أكانت بيضاء أم سوداء، فلا فرق بينهما.. ((تَكونُ لَه الأَمَةُ فَيُعلِّمُها فَيُحسِنُ تَعليمَها)) يعلِّمها كل ما يجب أن تتعلمه، فيُعلِّمها مِن أمور الدِّين والدنيا، وليس فقط يعلِّمها، بل قال: ((وَيُؤَدِّبُها فَيُحسِنُ تَأدِيبَها))، هذه تزكية النفس، والآن هل الأم تُعلِّم ابنتها أو الأب يُعلِّم ابنته؟ الإسلام اعتنى بالجارية، وابنتك أَلَا يعتني بها الإسلام؟ هل أنتَ مسلم؟ هل أنتِ مسلمة أيتها الأم؟ هل تعرفين كيف تُربِّين بناتك وأولادك؟ وأنتَ أيها الأب إذا كان الإسلام اعتنى بالأَمَة الجارية الرقيقة بهذا الشكل، فهل ابنتك أَولَى أم الجارية؟ وهل ابنك أَولَى أم العبد؟

لن تخرجوا حتى تحفظوا الحديث عن ظهر قلب، [سماحة الشيخ يُخاطب إخوانه الحضور بذلك، ويكرر قراءة الحديث]: ((ثَلاثةٌ يُؤتَونَ أُجورَهُم مَرَّتَين: رَجلٌ تَكونُ لَه الأَمَةُ، فَيُعلِّمُها فَيُحسِنُ تَعليمَها، وَيُؤَدِّبُها فيُحسن تأديبها، ثم يُعتقُها)) مَن الذي يُعتقُها؟ سيِّدُها، ((وَيَتَزَوَّجُها)) لا يقول: هذه جارية، وهل أنا أتزوج جارية؟ وهذه كذا وكذا.. ولكن جبرًا لخاطرها، ورَفعًا مِن شأنها وقيمتها في المجتمع، سيدها صار زوجًا لها.. قال: ((فله أجران)).

الإسلام أتى مُصدقًا لرسالة الأنبياء جميعًا

((وَمُؤمِنٌ مِن أَهلِ الكِتابِ -يهوديٌّ أو نصرانيٌّ- كَانَ مُؤمِنًا بِنَبِيِّه، ثُمَّ آمَنَ بِي))، آمن بعيسى عليه السَّلام، وقال: أنا مؤمنٌ أيضًا بمحمدٍ.. فإنك بهذا لن تخسر عيسى عليه السَّلام، لأنَّ سيدنا محمدًا ﷺ حريص في الإسلام على إيمانك بعيسى عليه السَّلام كحرصه على إيمانك بمحمد ﷺ، فالإسلام مَجْمَع الأديان، مُصدِّقًا لرسالة موسى ورسالة عيسى، ولكل الأنبياء قبله، عليهم جميعًا أفضل السلام وأتمُّ التحيات، قال: ((آمَنَ بِنَبِيِّه، ثُمَّ آمَنَ بِي فَلَه أَجرَانِ)).

رقيّ الإسلام في معاملته للأسرى العبيد

((وَالعَبدُ الذي يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ، وَيَنصَحُ لسَيِّدِهُ)) 25 ، أصله أسيرٌ، فالأسير مِن جملة ما كان يُعامَل به أنه إمَّا أن يُطلَق بلا أيِّ مقابِل، أو بفداءٍ ماليٍّ، أو يُسترقَّ، هكذا كانت الدول تعامِل بعضها في زمانهم، والإسلام مِن قَبيل المعاملة بالمثل عامَل الأسير كما يُعامَل الأسير المسلم، لكن الفرق بين الرقيق في ظل الإسلام وفي ظل الرومان والاستعمار، أنه عند الرومان كان الأسير يُستَعبَد، ويظلمونه ويهينونه ويحقرونه، ويعاملونه كما تُعامل الدواب، أمَّا الإسلام فكيف عامَل الرقيق؟ قال: يُعلِّمها فيُحسن تعليمها، وإذا كان عبدًا يُعلِّمه فيُحسن تعليمه، ويؤدِّبه فيُحسن تأديبه، ثم يُطْلِقُه، ثم يُزوِّجه.. واللهِ هناك أناس يتمنَّوْن أنْ يَصيروا رقيقًا، حيث تُؤَمَّن له الثقافة والتعليم حتى يأخذ الدكتوراه.. يُعلِّمُه فيُحسن تعليمه، ويؤدبه فيُحسن تأديبه.. إذًا فالإسلام ما حجز حريته ليستغله، ولكن حجز حرية الرقيق لِيرفع مستواه العلمي والتربوي والعقائدي، ثُمَّ يُقدِّم له كل مساعدةٍ بعد إعتاقه، هكذا فعل الإسلام بالرقيق، فكان الرِّقُّ أشبه بما يُسمى بالتعليم الإجباري والتثقيف الإجباري، والثقافة ليست بحمل الشهادات العالية، بل الثقافة ما جمعتْ عِلمًا وأخلاقًا، فإذا كان يحمل أعلى الشهادات وليس عنده أخلاق فهذا ليس مُثقَّفًا، بل هذا اسمه جاهل، فما فائدة العِلم إذا لم يرفع شأن حامل العِلم إلى المستوى العلمي والأخلاقي الرفيع؟

نسأل الله أن يجعلنا مِن المؤمنين بالله وملائكته وقرآنه وجميع كتبه، وأن يجعلنا مِن الموفقين بفضله وكرمه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17182)، (4/126)، سنن ابن ماجه، رقم: (43)، (1/16)، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، بلفظ: ((وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ: ((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ)).
  2. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
  3. كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (1741)، (2/63)، قال العجلوني: "هو مما يجري على الألسنة".
  4. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (16784)، بلفظ: ((عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَال: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى، فَقَالَ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ))، وفي سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، رقم: (2657)، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ بلفظ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)).
  5. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  6. تفسير الرازي، (1/226)، تفسير النيسابوري، (1/114).
  7. أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب لمحمد درويش، رقم: (1629)، ص: (309)، بلفظ: ((النَّاس هلكى إِلَّا الْعَالمُونَ، والعالمون هلكى إِلَّا الْعَامِلُونَ، والعاملون هلكى إِلَّا المخلصون، والمخلصون على خطر عَظِيم))، الموضوعات للصغاني، رقم: (39)، ص: (38)، وفي الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني، رقم: (123)، ص: (257)، بلفظ: ((موتى، بدل هلكى))، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6868)، (5/345)، من قول ذي النُّونِ الْمِصْرِيَّ، بلفظ: "النَّاسُ كُلُّهُمْ مَوْتَى إِلَّا الْعُلَمَاءَ، وَالْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ نِيَامٌ إِلَّا الْعَامِلُونَ، وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ يَغْتَرُّونَ إِلَّا الْمُخْلَصِينَ، وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ".
  8. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
  9. تفسير ابن أبي حاتم الرازي (5/1638)، تفسير ابن كثير (6/490)، بلفظ: ((عَنْ سُفْيَان هُوَ اِبْن عُيَيْنَة سُفْيَانُ، عَنْ أُمَيٍّ، قَالَ: " لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟»، قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ)).
  10. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، رقم: (3172)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ)).
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
  12. حلية الأولياء للأصبهاني (9/118)، قال الشافعي: «ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وما ناظرت أحداً إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه»، وفي صحيح ابن حبان، باب ذكر البيان بأن هذه الصلاة كانت آخر الصلاتين اللتين وصفناهما قبل (5/499)، بلفظ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: "مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا قَطُّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُخْطِئَ".
  13. سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في رحمة المسلمين، رقم: (1924)، (4/ 323)، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم: (4941)، (2/703)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. بلفظ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا من في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)).
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: ﴿أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم﴾، رقم: (3280)، (3/ 1279)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2245)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ)).
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المساقاة الشرب، باب فضل سقي الماء، رقم: (2234)، (2/833)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2244)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)).
  16. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم، رقم: (1874)، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، رقم: (1159)، بلفظ: عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟)) فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَلاَ تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ)). واللفظ للبخاري.
  17. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم: (4776)، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم: (1401)، بلفظ: عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). واللفظ للبخاري.
  18. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، رقم: (2564)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8707)، بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
  19. فتح الباري لابن رجب الحنبلي (1/102)، قال فيه: "وفي مراسيل طاوس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" لا رهبانية في الإسلام ولا سياحة"، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (5519)، بلفظ: ((أَنَّ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الاخْتِصَاءِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُثْمَانُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنَفِيَّةَ السَّمْحَةَ...إلخ))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (11791)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، بلفظ: ((أَنَّ رَجُلاً جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِكَ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ...إلخ))، وفي لفظ آخر عند الطبراني، رقم: (7715)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْبِدْعَةِ)).
  20. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، رقم: (2631)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وفي صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح، رقم: (1864)، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، بلفظ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)).
  21. الرسالة االقشيرية، (2/357)، وَقَالَ أَبُو عَلَي الجوزجاني: "كن صاحب الاستقامة لا طَالِب الكرامة فَإِن نفسك متحركة فِي طلب الكرامة وربك عَزَّ وَجَلَّ يطالبك بالاستقامة".
  22. الشمائل للترمذي، رقم: (42)، (47)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (18169)، مسند البزار، رقم: (67)، مسند أبي يعلى، رقم: (880)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُها)).
  23. مسند أبو يعلى الموصلي، رقم: (523)، (1/400)، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((الإِسْلامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الإِسْلامُ سَهْمٌ، وَالصَّلاةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَالْحَجُّ سَهْمٌ، وَالْجِهَادُ سَهْمٌ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ، وَخَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ))، وفي مسند البزار، رقم: (2542)، وفي مسند الطيالسي، رقم: (413)، ومُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (19910)، بنحوه عن حُذَيْفَةُ مرسلاً.
  24. مسند الامام أحمد بن حنبل، رقم: (3704)، (1/390)، مسند ابن أبي شيبة، رقم: (271)، (1/185)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بلفظ ((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ حُرْمَةً إِلاَّ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَطَّلِعُهَا مِنْكُمْ مُطَّلِعٌ، أَلاَ وَإِنِّي آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ أَنْ تَهَافَتُوا فِي النَّارِ كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ، أَوِ الذُّبَابِ))، وأخرج البخاري ومسلم بنحوه.
  25. صحيح البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله، رقم: (97)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (19618)، بلفظ: ((ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أُجُورَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا. وَمَمْلُوكٌ أَعْطَى حَقَّ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقَّ مَوَالِيهِ. وَرَجُلٌ آمَنَ بِكِتَابِهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
WhatsApp