تاريخ الدرس: 1992/01/03

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:30:01

سورة الطور، الآيات: 25-49 / الدرس 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

ذِكْرُ الله تعالى هو رُوْحُ العبادات

نحن لا نزال في تفسير سورة الطور، ولقد انتقى الله عزَّ وجلَّ هذا الاسم لهذه السورة، كما انتقى لبعض سور القرآن مثل هذا العنوان، مثل سورة الكهف، فسورة الطور هي مدرسة موسى عليه السلام التي أنزل الله عليه فيها التَّوراة، وسورة الكهف هي السُّورة التي ذَكر الله فيها شبابًا من المؤمنين بعيسى عليه السلام، حينما أَوَوا إلى الكهف ليخلُوا بالله ويتفرَّدوا بمجالسته وصلةِ أرواحِهم بروحِه، وحياةُ نبيِّنا ﷺ ومدرسة نبوَّته -كما نعرف- كانت في حِراء، وسورةُ مريم: ﴿اتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا [مريم:17].

فهذه العناوين لهذه السور وهذه المعاني في الخلوة بالله ومع الله، الخلوة التي جُعِلَ لها في كتب الفقه باب الاعتكاف، وهو العكوف والمجالسة مع الله، كما في الحديث القدسي: ((أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي)) 1 ، وهذه الخلوة مثل سكة الحراثة إذا وضعت في كور الحداد ودخلَتِ النَّار، تدخل باردة وتخرج وهي تشعُّ بالشَّرر وبالنُّور وبالحرارة وبصفةِ مَنْ جالَسَتْ وخالَطَت، وهكذا الروح إذا خالَطَت وجالَسَت وصاحَبَت ربَّها بكل أفكارها وبكل أحاسِيسِها وبكل مشاعرِها، على طريقة قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 2 هذه الرتبة الأولى، ومنه قول المصلِّي: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:79].

وفي الحقيقة فإن هذا [التوجه والذكر] هو حقيقة الصلاة، وهذا مخُّ العبادة: فالصَّلاةُ يجب أن تكون ذِكرًا، وتلاوةُ القرآن يجب أن تكون ذِكرًا، والتسبيح والتكبير يجب أن يكونا ذكرًا، وفي الحج يجب أن يقصد الحاج اللهَ عزَّ وجلَّ، والله سبحانه يُبْعِدُهُ فيه عن أهله وعن تجارته وعن كل شيء سوى الله، ويجرِّده من جميع رغباته وشهواته الجسدية، فيحرِّمُ عليه النِّساء والطِّيب، ولا يوجد بيع ولا شراء، حتى أنَّه يجرِّده من ربطة عنقه و”بَدْلَته” ومن كل ثيابه، [البَدْلَة هي الملابس الرسمية الفاخرة]، حتى من نعله، فيجب أن يكون نعله بشكل كأنه نصف حافٍ، [لا يغطي القدمين ولا شيئاً من الساقين].. كلُّ ذلك من أجل أن يتفرغ القلب والعقل والفكر والحِسُّ نحو الله عزَّ وجل، وحتى يُتَرْجِم حالَه بـ: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:79].

وهذا هو روح الصلاة، وَالصَّلَاةُ بهذا المعنى هي التي سمَّاها النبي ﷺ وأطلق عليها اسم: ((عِمَادُ الدِّينِ)) 3 وهذه الصلاة بهذه المعاني هي التي فرضها الله عز وجل، وهي التي وصفها بقوله: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] وإذا لم تحمل الصلاة هذه المعاني فيُخشى أن يُطْلَق على صاحبها: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] فلا هُمْ مع الله قلبًا ولا توجُّهًا، ولا هم مع كلام الله فهمًا ولا تدبُّرًا، فيخرج من الصلاة كما دخل فيها، ولعلَّه يرجع من الحج كما ذهب أو أسوأ مما ذهب.

وكذلك الصوم.. والذي وجدتُه أنا وبعض إخوانكم الذين صاموا الصوم الطِّبِّي أن تقليل الغذاء في الصوم يُحدِث تصفية بالروح، وصوم رمضان: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وقامَهَ)) 4 ، [الصوم معه قيام الليل للصلة بالله تعالى]، فالصوم يُعين على الصفاء الروحي، وإذا لم يحصل هذا الصفاء والاستعداد، ولم تُوجَّه الروح إلى خالقها تهجدًا وذكرًا وعبادةً مع التوبة والإنابة: ((مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالجَهلَ والعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ)) 5 ، وكذلك الحج: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فهذه الأمور مثل النجاسات التي لا تصحُّ العبادة معها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكيف تُصلي وأنت تأتي بالفحشاء والمنكر؟! وكيف تصوم ولسانك وجوارحك وأعضاؤك لا تصوم عن المعاصي؟! وكيف تحج بالرفث والفسوق والجدال؟! ولذلك في حياة النبي ﷺ كانت الهجرة فرضًا لأجل أن يتعلم المسلم الإسلامَ بالنظر والسمع وبالحب، وأعظم مدرسة للتعليم هي الحب، فمتى أحبَّ الإنسانُ إنسانًا فإنَّه يحب أن يقلده بأخلاقه وخصاله ومواصفاته.

فسورة الطور لتُذَكِّر المسلم بطور موسى عليه السَّلام، وإذا ذَكَر طور موسى يتذكَّر حِراء سيدنا محمد ﷺ، قال: ﴿وَالطُّورِ [الطور:1]، من الخلوة بالله في الطور والانقطاع عن الخلق نزل عليه الكتاب المسطور وهو التوراة، وفي حراء: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، فلا ينبغي أن يكون هدفنا من قراءة القرآن أو حضور مجالس التفسير أن نستمع فقط، بل يجب أن نستمع لنعمل، ونقرأ لنحوِّل القراءة إلى عمل وإلى سلوك، وإلى الهدف من القراءة، وهذا هو الطريق إلى الإسلام الحقيقي، حتى تأخذ لقب “مسلم” بجدارة، فتنقلب ألفاظ القرآن فيك أعمالًا وأخلاقًا وصفاتٍ وسلوكًا وعلمًا وتعليمًا وتربيةً ومربِّيًا وتزكيةً ومزكِّيًا.

الصحابة رضي الله عنهم كانوا أُميِّين، لكنهم بهذه المعاني قال عنهم النبي ﷺ: ((عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ فُقَهاءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 6 ، كانت كتبُهُم قلوبَهم، وكانت كلماتُ قلوبهم مكتوبةً بخطٍّ نوراني ورباني، وكان هذا الخط يسري في أعصابهم وفي طاقاتهم فينقلب أعمالًا صالحة، وأخلاقًا ملائكية، وعقولًا حكيمة، حتى كانوا خير أهل الأرض: ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

عدم توافق القول والعمل وهلاك المكذِّبين

نرجع الآن إلى التفسير: ذكر الله تعالى في أول السورة: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [الطور:11] يوجد تكذيب بالقول، وتكذيب بالعمل، فإذا صدَّقتَ بالقول وكذَّبْتَ بالعمل، فقلتَ لإنسان: “أنا أحبُّك”، فبالكلام أنت محبٌّ له، وبالأعمال أنت مؤذٍ وضارٌّ، وبالقلب تنوي له سوء النوايا، كما إذا قلتَ: أنا شبعان، وأنت منذ يومين لم تأكل، هل تكون صادقًا في قولك؟ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9] وبعد ذلك إذا جاءك الموت فكل هذا الذي تسعى إليه، وكل هذا الذي جعلته هدف حياتك، وتسخِّر له كلّ طاقاتك الجسدية والفكرية والعلمية عندما يأتي الموت ينقلب ﴿هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، فأنت تعمل لغيرك وأضعتَ ما يجب أن تعمله لنفسك.

فنسأل الله أن لا يجعلنا من الغافلين، وأن لا يجعلنا من المسلمين القوَّالين، وأن يجعلنا مِن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا [البقرة:11]، إيمان القلب لا إيمان اللسان فقط، وإلا فإنَّنا نكون بذلك “نضحك على أنفسنا” [نَكذِب على أنفسنا]، ونخدع أنفسنا، ونُؤْثِر الجهل العملي، ونَسْكَر بالعلم القولي، ونَخْسَر الإسلام الحقيقي، ونغترُّ بالإسلام القولي أو الانتمائي، فإن سمَّيتَ نفسك وزيرًا وقلتَ: “أنا وزير”، وأنت “زَبَّال” [عامل نظافة] فإنك تصير سخرية للناس.. نسأل الله أن لا يجعلنا سخرية للشيطان، وأن لا يجعلنا من الأخسرين أعمالًا.

لقد ذكر الله عزَّ وجلَّ المكذِّبين، وقال: الويل لهم، الهلكة والدمار والخسارة، ووصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ [الطور:12] يُمضُون عُمُرَهم في الحياة في لعب وخوض في باطل وفي زائل وفي آثام وفي معاصٍ، وذلك في سهراتهم وفي جلساتهم وفي تفكيرهم وفي أمورهم الحياتية، إلى أن قال: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور:13] الدَّع: الدفع، كما إذا ضرب شخص شخصًا آخر برجله ورماه من أعلى الجبل إلى عمق الوادي، ما اسم هذا العمل؟ الدَّع أي الدفع، فهم يُدفَعون إلى نار جهنم دفعًا، فهل فكرتَ أنك ربما تكون من أهل هذه المعاني وأنك تحمل صفاتهم؟ وهل أنت في سهراتك تخوض في باطل، أو تخوض في معصية الله بالقول أو بالعمل أو بالفكر؟

الجنة والعمل لها

ثم ذَكَر الله عزَّ وجلَّ المؤمنين الصادقين أنهم ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وأخبرنا بأن ذريتهم إذا كانوا مؤمنين فإنَّ الله تعالى سيحشرهم معهم في منزلِتهم، ولو كانوا أدنى درجةً من آبائهم.. عليكم أن لا ترضوا أن تكونوا هكذا، بل اجتهدوا لتكونوا أعظم من آبائكم الصالحين حتى يرتفعوا هم إلى درجاتكم.. كنتُ أسمع من شيخنا قدَّس الله روحه يقول: “ليس العظيم الذي يفتخر بأبيه، ولكن الإنسان العظيم الذي يفتخر به والده” هل فهمتم؟ وأنا أريد أن أفخر بكم، وأريد أن تكونوا أحسن وأعظم مني، وأسأل الله من فضله أن يكتب لي أحسنَ حالةٍ من رضاه ومن طاعته وتقواه.

ثم بعد ذلك ذكر الله تعالى بعض حالات الحياة في عالَم الجَنَّة.. وإن أدنى شخص يدخلها ويرى أنه لم يبقَ فيها شاغر، فكلها مُلئَت بأهلها، فيقول: يا رب لا يوجد مكان، فكل الجنة قد “وُضعتِ اليَدُ عليها” [مصطلح في اللهجة العامية، فلما تُوضَع اليَدُ على مكان يعني أنه صار محجوزاً أو مأخوذاً ومملوكاً لآخر، ويستخدَم هذا المصطلح عادة عندما يكون من جهة عليا، فنقول: وضعت الدولة يدها على هذه الأرض]، فيقول له: أترضى أن أُعطيك عطاءَ أعظم ملكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أرضى، فيقول الله تعالى: فلك مثلُه ومثلُه ومثلُه ومثلُه ومثلُه، خمسة أمثال، أرضيتَ؟ فيقول له: رضيتُ يا رب، فيقول له: ولك فوق ذلك عشرة أمثاله 7 ، فهذا أدنى شخص في الجنة، وهو الذي يخرج من جهنَم ويدخل الجنَّة، فكم نحن غافلون وجاهلون في أعمالنا! فنحن بأعمالنا لا نطلب الجنَّة، وبأعمالنا لا نطلب إلا الدنيا، وذلك بالألف تسع مئة وتسع وتسعون، والآخرة بالألف واحد، لأنه كم المقدار الذي تصرفه لله وللدار الآخر في الأربع والعشرين ساعة؟ وكم الذي لجسدك ودنياك؟ فنسأل الله أن يجعلنا من عقلاء الآخرة ومن عقلاء الدنيا، لأنَّ الدنيا مكمِّلة للآخرة بالنسبة للمؤمن الصادق.

ذكر شيء من نعيم الجنة

﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ [الطور:22] ماذا يقول الناس في الدنيا عن المسرور؟ يقولون: عنده لحم “وبَقْلاوة وكنافة ووَرْبَات بالقِشْطَة” [أنواع فاخرة من الحلوى] وأكثر من ذلك لا نعرف، ولكن الله عزَّ وجلَّ يُخاطبنا على قدر عقولنا، كالطفل إذا أراد أبوه أن يرغِّبه بشيء، فإنه يقول له: سأشتري لك كُرَة، سأشتري لك مزمارًا.. وإذا قال له: سأشتري لك عِمارَة هل يفهم؟ أو إذا قال له: سأشتري لك فندقًا هل يفهم؟ بل يقول له: سأشتري لك “دحَل وكعَاب” وألعاب، [أنواع من ألعاب الأطفال الشعبية].. كذلك فإنَّ الله تعالى يخاطبنا على قدر فهمنا، لأن أمر الدار الآخرة تقصر عنه العقول، ولذلك قال الله تعالى: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)) 8 ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا الْأَسْمَاءُ” 9 ، أما في الحقيقة فلا يمكن أن يتوافقا أو يتشابها.

﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الطور:22] المؤمن قد يشتهي في الجنَّة لحم الطَّير، فيرى الطيرَ في السَّماء يهبط عليه من علياء فضاء الجنة، فإذا اشتهاه مشويًّا ينزل مشويًّا، وإذا اشتهاه مطبوخًا ينزل مطبوخًا، وبعد أن يأكل ويشبع يعيد الله عز وجل الطير فيكسو العظام لحمًا وريشًا ويطير مع رفاقه، فكم نحن أطفال في فهم القرآن! وكم نحن جهلاء بحقائق الإيمان!

﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا [الطور:23] كلمة كأس إذا أُطلِقَت في القرآن الكريم يراد بها كأس الخمر، هل تريد عَرَقاً أو فودكا أو كونياك أو بيرة؟ [أسماء للمشروبات الكحولية المسكِرة.. والعَرَق هو الخمر باللهجة العامية]، اصبر قليلاً، ولا تَبِع الغالي بالرخيص ولا تَبِع الطاهر بالنجس، ولا تَبِع ما يعطي السعادة بما يعطي الشقاء.. والآن العِلم سمَّى المسكِرات بالسموم وسمَّى المخدِّرات بالسموم، والتُتُن [أي الدُّخان والسجائر] صار من السموم علميًّا، فالقرآن ماذا حرَّم؟ هل حرَّم السُّموم أم حرَّم البَقْلاوة؟ حتى البقلاوة إذا أكلتَ منها زيادة تصير سمومًا، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] و((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ)) 10 .

﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا عندما يشربون الخمر في الدنيا يتبادلون الكؤوس مع بعضهم، وهنالك أيضًا يتبادلون الكؤوس، يقول لصاحبه: هات كأسك، والآخر يقول له: هات كأسك، يعني هم فَرِحُون لا يوجد همٌّ ولا حزنٌ، بل كلُّه طرب وكله سرور وكله فرح ولقاء مع الأحباب وخمر.. ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ [الطور:23] وكما قال تعالى: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [الواقعة:19] أي لا تسنتزف عقولهم، ولا يصيبهم الصُّداع في رؤوسهم، ولا يصدر منهم كلام الهذيان والسخرية، كالذي يسكَر في الدنيا يُهذِي ويتكلم أشكالًا وألوانًا، أمَّا هناك فالخمر: ﴿لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِيْنَ [الصافات:46]، لكن مع كمال العقل والنطق والأخلاق والصفات والسلوك.. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل.

لا لغو في الجنة ولا تأثيم

قال: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا [الطور:23] ما اللغو؟ اللغو مأخوذٌ من كلمة لَغَا العصافير، يعني: زقزقتها، فعندما تزقزق ساعة أو ساعتين ماذا ينتج منها؟ لا ينتج شيء، وكذلك كلام اللغو، فالذي يسهر ساعة أو ساعتين على اللغو ماذا ينتج من هذا الكلام؟ من الذي استفاد؟ لا يوجد فائدة.

والله تعالى وصف المؤمنين فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] ووصف جَلَسات المؤمنين مع بعضهم إذا سهروا أو إذا ذهبوا إلى نزهة أو اجتماع: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ التناجي: التحادث ومسامرة الناس مع بعضهم، فمسامرة أهل الإيمان -نساءً ورجالًا- في سهرة أو عرس أو مأتم أو نزهة أو اجتماع هي كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ هذه هل فيها نفع أم لا؟ هذه مكافحة الفقر، وأخذ اليد لمساعدة الفقراء، ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ إذا ترك بعضهم معروفًا من واجباته الإسلامية؛ من صلاة أو صوم أو حج أو خُلُق أو سلوك أو أي شيء آخر، فعندما يجتمعون يتعاونون كلُّهم ويجمِّعون القِوى لأجل إحياء المعروف الذي تركه بعضُ الناس، ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فإذا اجتمعوا يتذاكرون [فيمن حولهم ممن يحتاجون إلى الإصلاح بينهم]، فلانًا وفلانًا، أو الأب وابنه، أو الأخ وأخاه، أو الزوج وزوجه، أو الجار وجاره، أو الشريك وشريكه.. فكلُّهم يُجمِّعون قِواهم للإصلاح بين المتعادِيَين، وللتقريب بين المتباعِدَين، ولإزالة البغضاء والأحقاد بين المتخاصمَين، هذا هو المجتمع الإسلامي، وهذه هي صفة الإنسان المسلم والإنسانة المسلمة.

قال: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا [الطور:23] عندما يشربون الخمر ويسكَرون فلا يتكلَّمون بكلام بذيء ولا كلام إثم كغِيبة ونميمة.. كلام اللغو هو الذي لا يضر ولا ينفع، أما كلام الإثم فهو الذي يضرُّ ويؤذي، فإذا أردت أن تكون من أهل الجنَّة فعليك من الآن أن تتدرَّب على أخلاق أهل الجنَّة حتى تَدْخُل إليها ولا لغو في صحيفتك ولا تأثيم، وإذا وُجد فيجب أن تمحوها بالتَّوبة الصَّادقة وبعكس ما كنت تعمل في جاهليتك.

﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24] الخَدَم أيضًا كلُّهم مُرْد، وفي جمالهم وصفاء ألوانهم مثل اللؤلؤ الذي في الصدف لم يصبه غبار ولا شيء يغيِّرُ صفاءَه وجمال لونه.. فمَن يُؤثِر حياة ستين أو سبعين سنة على هذه الحياة، ولو كان غنيًّا! وهل تظنُّون أن الأغنياء مسرورون؟ بل إن همومهم أكثر من الفقراء، هل تظنُّون أنَّهم في راحة؟ بل هم في تعب أكثر من الفقراء، هل الملوك وعظماء العالَم مثل بوش وغوربتشوف وغيرهما مرتاحون؟ [بوش: رئيس أمريكا، وغوربتشوف: آخر رئيس للاتحاد السوفييتي]، أحدهم قد لا ينام من الليل إلا أربع أو خمس ساعات، ولعلَّ طعامه مثل طعام الأطفال، فحياته كلُّها هموم وأحزان، ((اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَة)) 11 ، فهل تبيع حياة الأبد والسعادة التي لا تُحَدُّ بحياة قصيرة فانية؟ فهذه الحياة عسلها مغموس بسُمِّها وصحتها بمرضها وسرورها بأحزانها وهدوؤها بإزعاجاتِها، هذا: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61]، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16].

مسامرات وأحاديث أهل الجنة

﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الطور:25] جرت العادة أنه إذا اجتمع الأحباب على طعام أو شراب أو سهرة فإنَّهم يتسامرون، وبأي شيء يكون سمرهم؟ ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] عندما كنَّا في الدُّنيا كنَّا دائمًا نخاف من الامتحان، كالطلاب من بداية العام تراهم في الليل والنَّهار يحملون كتبهم بأيديهم يدرسون ويحسبون حساب آخر السنة، وكذلك أهل الجنة لَمَّا كانوا في الدنيا كانوا يحسبون حساب الآخرة، وهم دائمًا خائفون من الفشل، ومن عدم النَّجاح، ومن الرُّسوب: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [الزلزلة:6-9].

وأنت هل تحمِل هذا الهمَّ؟ إنك تحمل همَّ “المَازُوْت” وهذا لا بدَّ منه، [المَازُوْت: وقود معروف من البترول، يستخدم بشكل أساس للتدفئة في سوريا، وهو وقود لبعض السيارات، وله تسميات أخرى في لهجات عربية أخرى]، وتَحْمِل همَّ الخبز وهذا لا بد منه، وتحمل همَّ المعاش وهذا أمرٌ لا بد منه، وهذا من أجل خمسين أو ستين أو سبعين سنة، فحياة عشرة آلاف سنة أو مئة ألف سنة، أو مليون سنة، أو الخلود الأبدي ما مقدار اهتمامك بها؟ وإذا قارنَّا اهتمامنا بعالَم الخلود الأبدي واهتمامنا بحياة المنام نجد أنفسنا غير مؤمنين، وإلى متى سنبقى هكذا؟ حتى يأتي الموت، وحتى يأتي النَّعش، وحتى يجرِّدوك من ثيابك ويلبسوك الكَفَن، وبدلًا من حوض الاستحمام توضَع على المغتسَل، هل في ذاك الوقت ستفهم؟ وهل سيفيدك حينها الفهم؟ نسأل الله أن يوقظ قلوبنا، وأكثِروا من ذكر الموت، ((فما ذُكِر في قليلٍ)) يعني من الأعمال الصالحة ((إلَّا كَثَّرَه، ولا في كَثيرٍ)) يعني من هموم الدنيا ((إلَّا قَلَّلَه)) 12 .

المؤمن قلبُهُ وَجِلٌ خوفًا من إعراض الله عنه

قال تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] كنا دائمًا خائفين من أن لا يقبل الله تعالى عملنا، وكنا نخاف من أن يكون فيه رياء، أو أننا نعمل من أجل أن يرى الناس عملنا، أو نعمل سُمعة حتى يسمعوا بنا، أو نعمل الصالحات لنصل إلى غرضٍ دنيويٍّ.. وهذا كلّه عمل غير خالص لوجه الله، والعمل المقبول هو العمل الذي لا تعمله إلا ابتغاء مرضاة الله، ولا تفكر برأي النَّاس مدحًا ولا ذمًّا ولا رضاء ولا سخطًا، ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ)) 13 .

قال: إننا كنا في الدنيا خائفين، وكما قال النبي ﷺ: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ))، فالذي يخاف أن يتبعه العدو في الليل لا ينام، بل يستمر في مواصلة السير حتى يصل إلى وطن الأمان، ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ)) يعني مشى بالليل ((وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إنَّ سِلْعةَ اللهِ غالِيةٌ، أَلَا إنَّ سِلعَتَه هي الجَنَّةُ)) 14 ، ونحن اليوم نريد أن نصل إلى الجنَّة بالأماني، وأكثر المسلمين اليوم أصحاب أماني، وأما الذين فهموا الحقيقة فهم أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان، ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذَّاريات:17] كانوا عن اللغو معرضين، وكانوا عن المحارم لأبصارهم غاضِّين.

﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] قال الله تعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا مع كل أعمالهم الصالحة، ومع كل تقواهم، ومع كل ورعهم، ومع كل قضاء حياتهم في مرضاة الله، ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ خائفة مشفقة ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) فهم يصومون ويصلُّون ويتصدَّقون ويخافون أن لا يُقبَلَ منهم، ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعونَ في الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60-61] واليوم ترى صاحب الأماني بلا صلاة ولا صوم ولا علم ولا مُعَلِّم ولا مُرَبٍّ ولا شيخ ولا مُزَكٍّ.

وأنتم الذين في الجامع تحصلون على ساعة في الأسبوع، [المقصود بالساعة وقت هذا الدرس.. وبالمناسبة فإن سماحة الشيخ توقف عن سائر الدروس الأسبوعية الأخرى منذ عام 1989م، ولم يكن له سوى هذا الدرس حتى وفاته 2004م، رحمه الله تعالى]، وواللهِ إذا صدقتم اللهَ بها تكفيكم الأسبوع كله، وكان من أدب المريد أن لا يجالس الشيخ إلا بوضوء، بطهارة الجسد وطهارة القلب، ولا يدخل على الشيخ إلا تائبًا منيبًا ذاكرًا خاشعًا، فيكون مثل الأرض المهيَّأة لا تحتاج إلَّا إلى إلقاء البذار ونزول الغيث من السماء فتُنبِتُ أرضُ قلبه ونفسه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة من كل زوجٍ بهيج.

﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ قبل أن نصل إلى الآخرة وندخل الجنَّة ولما كنَّا في الدُّنيا، ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] مع زوجته يحسب حساب الآخرة، وكذلك مع أولاده، فلا يغفل عن ذِكر الله عزَّ وجلَّ والدار الآخرة في أخصِّ شؤونه الحياتية، ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا [الطور:27] هذا الشيء الذي مَنَحَنا الله تعالى إياه لا يتناسب مع أعمالنا، فنحن نعمل خمسين أو ستين سنة حتى يصير لنا بيت من إسمنت في الدنيا، أما هناك فكل قصر خيرٌ من الدنيا وما فيها، ترابها الزعفران وحصباؤها -أي حصاها- اللؤلؤ والجوهر، وجدرانها لَبِنةٌ من ذهب ولَبنةٌ من فضة 15 ، ومَن لم يجد له مكانًا يأخذ مثل أعظم مَلِك من ملوك الدنيا على عشر أمثالٍ من أمثال الأمثال، فكيف سيكون أعظمهم درجةً؟ نحن نبيع البَلَدَ لنأخذ قشرة موز، هل هذا من العقلاء أم من المجانين؟ مرَّ مجنون على مجلس النبي ﷺ، فقالوا: مجنون، قال: ((لا تَقُولُوا: مَجنونٌ، قُولُوا: مَريضٌ، المجنونُ مَن يَعصِي اللهَ)) 16 .

﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا [الطور:27] هذا العطاء ليس عن استحقاق، بل إن دخول الجنة بفضلٍ من الله، وأما تقاسمُ أماكنها والنزولُ في درجاتها فبحسب الأعمال، فالدخول مِنَّةٌ بلا مقابل، ونحن لا نستحق، إنك تُمضي حياتك في الدُّنيا لتستطيع تأمين بيت -إذا أفلحتَ- من مئة متر أو مئة وخمسين مترًا، أما هناك فهل نقول: مئة ألف كيلو متر؟ ومئة ألف بحسب الآخرة لا بحسب الدُّنيا.. ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ كنا نتضرع ونلتجئ إليه، ونحن دائمًا معه قلبًا ودائمًا معه طاعةً وامتثالًا لأوامره، ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ البَرّ: كثير الخير، كثير العطاء، عظيم الرحمة، ﴿الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:28].

إشاعات المشركين واتهامهم للنبي ﷺ

بعد أن ذكر الله تعالى حال الفريقين: الأشقياء والسعداء، التفت إلى النبي ﷺ فقال: ﴿فَذَكِّرْ ذكِّر الناس بالحالَين، حتى ينجوا من حالِ الشَّقاء إلى السعادة، ومن الجهالة إلى المعرفة، ومن الكفر والفسوق إلى التقوى والإنابة، ﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ [الطور:29] كانوا يقولون عن النبي ﷺ: كاهناً.. والكاهن هو الذي يُخبِر بالمغيَّبات، فبعضها يكون حقًا وبعضها باطلاً.. وكانوا يقولون عنه: مجنوناً، [ويقولون: شاعراً]، فكيف يكون شاعرًا ومجنونًا بنفس الوقت؟! فكانوا لا يثبتون على وصف، بل في كلِّ يوم يُخرجون افتراءً مناقِضًا للافتراء السابق، وهذا يدلُّ على جهلهم بحقيقة النبي ﷺ، ويدل على أنهم يتَّبعون أهواءهم ولا يتَّبعون مقتضى الواقع والحقيقة.. فعندما يقولون عن السُّبحة: إنها سُبحة، فهذا يعني أنَّها سُبحة، أمَّا أن يقولوا مرَّة: سُبحة، ومرة: فجل، ومرة: قثَّاء، فهل يدل هذا على أن هذا الإنسان يفهم؟ قد يفهم ولكنَّه معاند مكابر.

ومع أن بعضهم كانوا يعرفون أنَّه نبي، ولكن كانت تغلبهم أهواؤهم وأنانياتهم ومصالحهم الدنيوية المادية الحقيرة.. نسأل الله أن يجعل أنانيتنا وأهواءنا وشهواتنا ومصالحنا الدنيوية وراء ظهورنا ويجعل قبلتنا “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”.. ثِقْ بوعد الله إذا صدَقتَ مع الله عزَّ وجلَّ، وليس ذلك بأن تأتي إلى المسجد وتخرج فقط وتصلي مثل صلاة “الخُشْتَمْرِي”، [كلمة شعبية يقصد بها وصف العمل بعدم الإتقان]، بل عليك أن تصلي كما قال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14] فتكون صلاتك حَمَّاماً تنتقل فيها من الغفلة إلى الذِّكر، ومن المعصية إلى الطَّاعة، ومن البعد عن الله إلى القرب إليه، والقرب يكون بالأعمال وبالصفات وبالأخلاق وبالعلم الرَّبَّاني.

﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ [الطور:29] بفضل الله أنت لستَ كاهنًا ولا مجنونًا، بل أنت رسول ربِّ العالمين بنعمةٍ من الله وفضل.. ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ [الطور:30] مرة يقولون: كاهن، ومرة: شاعر، ومرة: مجنون، وهذا دليل على أنهم غير صادقين وغير عارفين للحقيقة، أو أنهم مكابِرون أو معانِدون أو يُؤثِرون أهواءهم ومصالحهم الخاصة على الحقائق، ويُؤثِرون دنياهم على سعادة الأبد وسعادة الخلود.. والذين آثروا الله والدار الآخرة على دنياهم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هل خسروا الدنيا؟ لقد كان أبو بكر رضي الله عنه “دُكَّنْجِي”، [دُكَّنْجِي: الكلمة العامية لصاحب دُكّان، ويُقصَد منها: صاحبُ دكانٍ صغيرٍ] كان بائع قماش، وعندما ترك الدنيا ترك كل شيء، ولم يفكِّر إلا بالله وبرسوله وبالإيمان وبالتقوى، فماذا كانت النتيجة؟ أصبح إمبراطورًا، وأعلن الحرب على كسرى وقيصر.. فأوَّل عمل هو تحرير البلاد، وهل دخلوا المعركة منتصرين أم منهزمين، أعزَّاء أم أذلَّاء؟ لقد هزموا الاستعمار العالمي في الشرق وفي الغرب.. وسيدنا عمر رضي الله عنه كان يعمل دلَّالًا لبيع الجِمال، وسيدنا عثمان كان تاجرًا، فهل خُلِّدوا؟! نعم خُلِّدوا في الأرض وفي السماء، فكما يقال في المثل: “أَكْلَة حُسِبتْ عليك كُلْ وبَحْلِق عينيك” [مَثَل يقال نصيحةً لاستغلال الفرصة والعمل حسب تلك الفرصة] فكن مسلمًا حقيقيًا.

التَّصوُّف ليس زائداً على القرآن والسنة

والإسلام لا يقول لك: اترك الدنيا، لكنَّه ينظِّم لك الدنيا، ويُتقن لك عمل الدنيا، ويجعلك ناجحًا في الدنيا، ويجعلك سابقًا في ميادين الدُّنيا، لكن علينا أن نفهم الإسلام ككل، لا أن نفهم من العروس رأسها فنَقْطَعه ونرمي جثتها.. والإسلام اليوم ليس فيه دين ولا دنيا؛ فنحن اليوم في العِلم متخلِّفون، وفي الصناعة متخلِّفون، وفي الاقتصاد متخلِّفون.

أوروبا كقارَّة توحَّدت، والصين مليار ومئتا مليون نسمة موحَّدة، والعرب كانوا قبل الإسلام خمسين دولة، فكل قبيلة كانت دولة، وبالإسلام صاروا أمّةً واحدة، وبالإسلام جعلوا من نصف العالم المُكَوَّن من مئات الأمم أمةً واحدة، أين هذا الإسلام؟! الشيخ في الجامع مسكين لا يستطيع تأمين الخبز لعائلته، فهذا الدِّيْن [الشيخ] الذي لا يستطيع تأمين الخبز ماذا سيؤمِّن للناس؟ إنّ الدِّيْن كما قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8] فالإسلام نقلة من الفقر إلى الغنى، ولكن ليس بالتَّمني والكسل والقعود.

وهذا مثل ذلك الرجل الذي رأى بومة عمياء، فقال: سأجلس وأنظر إلى هذه البومة من أين يطعمها الله ويسقيها؟! فإذا كان الطير أعمى فإنَّه لا يطير.. وما هي إلا برهة حتى جاء عصفور دوري يحمل في فمه حبة توت وقطعة خبز، وأخذ يُطعمها، وصار يذهب ويرجع حتى امتلأت حوصلتها، فقال: الله أكبر! “وأخذه الحال وتَوَّرَ” [هنا يضحك الحضور.. كلمة “أخذه الحال”: كلمة عامية مستخدمة كثيراً عند السادة الصوفية، وهي بمعنى: يتواجد، والتواجد -كما هو معلوم- حالة روحية تصيب الإنسان، فربما يصرخ أو يتحرك بحركات كبيرة دون شعور.. وكلمة “تَوَّر” أيضاً كلمة عامية مستخدمة عند بعض العوام من الصوفية، وهي بمعنى: صار كالثَّوْر الهائج في حركاته وصراخه، وخاصة أثناء الذكر.. ويذكرها سماحة الشيخ هنا لانتقادها، حيث إنها لا تليق أبداً بالذاكر]، جيد أنَّهم قالوا: “تَوَّرَ”، ولم يقولوا: “حَمَّر أو جَحَّشَ”، [يقول الشيخ ذلك وهو يضحك، ويضحك معه الحضور] وهذا الذي كانوا ينسبونه للتصوُّف، فالتصوف دخل عليه دخائل أبعدته عن حقيقته.

أمَّا التَّصَّوُّف الحقيقي فهو موجود في كل الأديان، بمعنى التنسُّك والتعبُّد وترك الدنيا، وهذا كان في أول الإسلام على شيء جيد، وبعد ذلك دخل عليه دخائل حتى تشوَّه ودخلت فيه عقائد فاسدة مثل: “وحْدَة الوجود” وما يُنسب لبعضهم: “ما في الجُبَّةِ إلا الله” ولبعضهم: “سبحاني ما أعظم شأني”، هذا لا يجوز في الإسلام، فيجب علينا أن نترك كل هذه الأسماء وكل هذه الأمور، وحتى لو تركنا اسم “شاذلي وقادري ونقشبندي”.. فنترك الكل ونرجع إلى مدرسة القرآن، وهي ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه، وهل سيكون التَّصوُّف زائدًا عن القرآن أو ناقصًا؟ [لا زائداً عنه ولا ناقصاً]، إذًا فلنرجع أيضًا إلى مصطلح وألفاظ وقواعد القرآن المشروح بسنة رسول الله ﷺ، وما زاد على ذلك فهو باطل في باطل.

فهذا الرجل بحجة أنه متصوِّف وبحجة التوكل على الله و”اتركها لله”، [اتركها لله: كلمة مستخدمة باللهجة العامية، وهي بمعنى: اترك الأمور لله، ولكنها تستخدَم بمعنى التواكل، ويراد منها: اترك العمل اتكالًا على الله]، ذهب وجلس في مغارة وقال: إن الذي لم ينسَ البومة العمياء لن ينساني، فمرَّ يوم ويومان وثلاثة أيام وشارف على الموت من الجوع، ونزل المطر فمرت قافلة ودخلوا إلى المغارة وشاهدوا الرجل بين الحياة والموت من الجوع، فأحضروا له قليلًا من السَّمنِ والحساء ليُرَطِّبوا له حَلْقَه، ولما أفاق سألوه: ما الذي حلَّ بك؟ قال: جائع.. ولماذا تجلس هنا بلا طعام والبلد قريبة منك؟ فروى لهم قصة البومة والعصفور، فقال له أحدهم: يا حمار، إن الله أعطاك درسًا، ولكنَّك لم تفهم الدرس عن الله، فلو أنك كنتَ أعمى وأنت جالس في بيتك أو في مغارة، فإنَّ الله تعالى يرسل لك من يساعدك مثلما أرسل العصفور الدوري للبومة، أمَّا أنت فلستَ أعمى ولا مُقْعَدًا، بل إنك قويٌّ شديدٌ عتيدٌ، فلماذا اخترتَ لنفسك أن تكون بومةً عمياءَ، ولم تختَر دور العصفورَ الدُّوْرِي؟! لقد أتاك درسٌ من الله عزَّ وجلَّ ولكنك فهمته بشكل عكسي.

علم الكلام لا يعطي عقيدة إسلامية

وهذا حال كثير من المسلمين اليوم فهم يفهمون القرآن بشكل عكسي، فعلم العقيدة جعلوه من طريق علم الكلام، وعلم الكلام هذا غثاء، مثل التبن، وهو من علوم الكنيسة، ومن علوم اليونان، فأوجدوه لنأخذ علم العقيدة منه، وهذا خطأ، بل يجب علينا أن نأخذ الإسلام من القرآن المفسَّر بسُنَّةِ رسول الله ﷺ، والقرآن هو الذي يثبِّت العقيدة، فهل يستطيع علم الكلام أن يصنع شخصًا مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ أما القرآن والسُّنَّة فهما اللذان صنعا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.

العقل الراجح لا يفيد مع اتِّباع الهوى

﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:30] كان الشُّعراء مشهورين بالحُجَّة والفصاحة والسُّمعة وكذا، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يتغلَّبوا على النبي ﷺ بالمنطق والحُجَّة، فقالوا: نتركه فيدركه الموت ويريحنا منه كما أراح مَنْ سبقنا مِن الشعراء الذين كانوا يهجونهم ويذمونهم، وقد كان النبي ﷺ يُهاجم أصنامهم وعقيدة آبائهم وأجدادهم الوثنية هجومًا كاسحًا، فاعتبروه شاعرًا يهاجمهم ويَهْجُوهم، فقال: ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور:31].

﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا كانت قريش معروفة عند العرب أنهم عقلاء العرب وسادتهم المفكرون في المجتمع العربي، فقال الله عنهم: هؤلاء عقلاء العرب وبرلمانيو العرب، فهل عقولهم وزعامتهم وجَّهتهم إلى هذه العقيدة الوثنيَّة بأن يتَّخذ الإنسانُ العاقل المفكِّر من الأحجار آلهة؟ هل هذا عقل؟! ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]؟ هؤلاء كانوا عقلاء، ولكنَّهم لم يستعملوا عقولهم، بل استعملوا طغيانهم واستعلاءهم، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31] ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا [الإسراء:90] فكانوا يأتون بأشياء لا صلة لها بالحقيقة ولا بالواقع ولا بالمنطق، ومع أنَّ لهم عقولًا لكنهم أهملوها، [وقد حجبهم عن تَقَبُّل الحقيقة] العناد والاستكبار وحب الذات والأنانية وخوفهم على زعامتهم ومصالحهم الفانية.

العقل بدون التوفيق لا يفيد

يقال: ((عِندَما خَلقَ اللهُ العَقلَ قالَ لَه: أَقبِلْ، فأَقبَلَ، قالَ لَه: أَدبِرْ، فأَدبَرَ، قالَ له: وَعِزَّتي وجَلالي بِكَ أُعطِي، وبِك أَمنعُ، وبِك أُثيبُ، وبِك أُعاقِبُ)) 17 ، “فلمَّا سَمِعَ العَقلُ مِن اللهِ هَذه العَطايا والمناقِبِ أُعجِبَ بنَفسِه، فقِيلَ له: التفِتْ، فالتفَتَ، فرَأَى مَخلوقًا أَعظَمَ مِنه وأَجمَلَ، فقالَ: مَن هَذا؟ قالَ: هَذا الَّذي لا تَصلُحُ ولا تَسعَدُ ولا تَنجَحُ إلَّا به”.. فإذا كان لديك عقل ولم تكن تمتلك هذا الشيء الآخر فالعقل وحده لا يفيدك.. فأبو جهل كان من عظماء قريش عقلًا وذكاءً، وكذلك الوليد بن المغيرة أبو سيدنا خالد رضي الله عنه كان من زعماء قريش عقلًا وزعامةً ورأيًا، وكانت دار الندوة مثل البرلمان، وفيهم عقل، ولكنَّهم حُرِموا التوفيق، فكانت عقولهم كبيرة، ولكن كان يصحبها الخذلان والنَّحْس، فإنك ترى أحدهم عاقلًا وذكيًّا لكنَّه يصير في حياته لصًّا ومدمنًا للمخدرات، مع أن هذا لو استعمل عقله في التجارة لأصبح من عظماء التجار.. نسأل الله أن لا يجعلنا من المنحوسين بأن يعطينا عقلًا كبيرًا فنصرفه في الرذائل أو في النجاسات أو فيما يوجِبُ علينا مقت الله وغضبه.

﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا [الطور:32] “فَقالَ العَقلُ: يا ربِّ مَن هَذا الَّذي لا أَصلُحُ ولا يَكونُ لي شَأنٌ إلَّا بِه؟ قالَ: هَذا الَّذي رَأيتَهُ هو التَّوفِيقُ”، فإذا وُجِد العقل والعلم والذكاء والفهم ولم يوجد التوفيق [فلا يكون لك نجاح]، والتوفيق يأتي من التقوى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، من العسر إلى اليسر، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] من الشدائد، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] وتقوى الله حق التقوى: أن تتَّقيَهُ في الغضب وفي الرِّضى، وفي المطامع وفي الرغبات، وأن تتقي الله في حال القوة والعَظَمة، وأن تتقي الله في العلم وفي كل شيء، وتتقي الله في لحظاتك وفي أكلك وفي شربك، وفي رضاك، ومع القريب ومع البعيد، ومع الصديق ومع العدو، وفي خَلَواتك وفي جَلَواتَك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102].

والصحابة لَمَّا اتَّقوا الله عزَّ وجلَّ هل خسروا؟ مع أنهم تركوا أوطانهم وتركوا مكَّة وأموالهم وتجاراتهم وديونهم وكانوا أبناء الأغنياء والمترفين.. مرة دخل النَّبي ﷺ الجامع فرأى أحد أبناء كبار الأغنياء، وكان في الشتاء والمدينة باردة، ولا يوجد لديه ملابس، وقد أخذ جلد كبش والْتَحف به وربطه بحبل، فقال النبي ﷺ: ((انظُرُوا إلَى هَذا نَشَأَ بَينَ أَبَوَينِ غَنِيَّينِ، انظُرُوا ما فَعَلَ فِيه حُبُّ اللهِ ورَسولِه)) 18 ، فقد ألقى كل شيء، وماذا أخذ؟ أخذ حبَّ الله وحبَّ رسوله ﷺ، وبعد ذلك هل ربحت تجارته أو خسرت؟ هل يُعقل أنَّ من يعامل الله يخسر؟ هذا لا يكون يا بني.. لكن أنت هل حقاً تعامل الله؟ هل تتقي الله؟ إنك تدخل إلى الجامع وتخرج منه وفي السوق تغش وتكذب وتحلف الأيمان غير الصحيحة، وعند الغضب لا يوجد تقوى، وعند الطمع لا تفكر في الله، ومع الناس تغفل عن الله.. فأين الإسلام؟ وأين التقوى؟ والتقوى: أن تطيعَه فلا تعصيَه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه، وهذا في كل الحالات.

العقل الموفَّق ينظر في العواقب لا الوقائع المؤقتة الحالية

﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا [الطور:32] هم لهم عقول، ولكن هل تصل العقول إلى هذا الحُكْم؟! لقد كانت عقولًا مخذولة، عقولًا استُعمِلَت في غير ما يجب أن تُستَعمَل، فغلب عليها الطغيان والاستعلاء والعزَّة بالإثم، ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور:33] كل مرة يأتون بتهمة جديدة، فإذا لم تنجح ينتقلون إلى الثانية، والثانية تفشل فينتقلون إلى الثالثة، وفي النهاية تظهر كل أسلحتهم أنها فاسدة: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [الأنبياء:18] “فَشَكَةٌ” واحدة من الحق.. يعني إذا كانت الفَشَكَة كاملة؛ فيها كبسولة وفيها بارود وفيها رَصَاصَة، [الفَشَكَة أو الكَبْسُوْلَة: الوعاء الحاوي لقذيفة البندقية، ويوضع في داخلها البارود، والبارود هو الذي يخرق الأجسام ويقتل]، وخمس مئة فَشَكَةٍ فارغة؛ قَلْبُها أو داخِلُها فارغ، ولا يوجد فيها بارود ولا رَصَاصَة.. يعني كبسولة فقط هل تقتل قِطّاً؟!

نسأل الله أن يجعل إسلامنا إسلام القلب وإيمان القلب وإيمان العمل وإيمان الأخلاق وإيمان الفكر وإيمان النظر في العواقب في الدنيا وفي الآخرة، قد تكون عاقبتك في الدنيا ناجحة لكن في الآخرة خاسرة، والمسلم هو الذي ينظر إلى العواقب الصحيحة في دنياه وفي أخراه، وإن تعارضتا آثر الآخرة على الدنيا، ومن آثر الله آثره الله، يعني هل تظن أنك تعامل الله بأحسن مما يعاملك الله؟ هل يقبل الله أن تكون أنت أحسن منه؟ هل أنت على فقرك تعطي وهو على غناه يبخل؟ وأنت على عجزك تقوم الليل لتناجيَه.. وإذا قمتَ الليل وناجيتَه وتهجَّدتَ هل يستفيد الله منك شيئًا؟! واللهِ إن هذا كلَّه لك، لكن إذا عرفتَ كيف تتهجَّد وعرفتَ كيف تصلَّي وعرفتَ كيف تصوم، لأنَّ كل شخص يمكنه الجلوس وراء مقوَدِ السيارة، وإذا فعل بيديه هكذا كحركة من يمسك مقود السيارة وصار يحرِّك جسده ويصدر صوتًا بفمه كصوت زَمُّوْر السيارة هل تمشي السيارة معه؟! قالوا “ما كُلّ مَن صَفّ الصَّواني يصير حلواني” [مَثَل دمشقي، يَعني ليس كلَّ مَن ادَّعى الاحتراف محترفًا.. والمقصود بالحلواني الماهر بصناعة الحلوى، والصواني هي الأواني غير العميقة التي تُعرَض فيها الحلوى، وصَفُّ الصواني وجعلها مصفوفة ومعروضة للبيع عمل المبتدئين بالمهنة، وقد يُخَيَّل لمن لا يعرف أن هذا المبتدئ الذي يصفّ الصواني هو سيد المكان والخبير بالصناعة الذي أمضى عمره في هذه المهنة] و”ضربة المعلِّم بألف، ولو شَلَفها شَلف” [مثل شعبي، يعني أن المحترف في عمله ينجز عمله بشكل صحيح وبسرعة، حتى لو كان يبدو للرائي أنه لا يعمل بشكل دقيق.. وكلمة “المُعَلِّم” في اللهجة السورية تعني الماهر في مهنة ما، مثل النجار أو البناء، فمثلاً حين يضرب بالمطرقة خشبة أو ما شابه فإن ضربة واحدة منه تنجز العمل، وتوازي ألف ضربة من غيره، وهذا المَثَل يعني أيضاً أن هذا المحترف يأخذ أجرة غالية مثل ثلاثة آلاف، وينجز المهمة التي عجز عنها غيره بثلاث ضربات فقط، فتكون كل ضربة منه بألف.. وكلمة “شَلَفَ” عامية وتعني رمى أو ألقى من غير تركيز وانتباه، “ولو شَلَفَها شَلْف” المقصود: شلفها شلفاً.. رماها رمياً].. نسأل الله أن يجعلنا من أهل الحقيقة، وأن يُريَنا الحقَّ حقًا ويرزقنا اتباعه، ويُريَنا الباطل باطلًا ويرزقَنا اجتنابه، ولا يجعلهما متشابهَين علينا فنتبعَ الهوى، برحمتِك يا أرحم الراحمين.

القرآن الكريم وحيُ الله لا كلامُ بشر

كان الكفار يتهمون النبي ﷺ أنه هو الذي ألَّف القرآن الكريم، وليس وحيًا من الله، فقال الله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور:33] طالما أن الذي تقوَّله إنسان وهو محمَّد ﷺ ففيكم الفصحاء وفيكم الخطباء فائتوا لنا بمثله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [الطور:34]، ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88] قيل: “حَبْل الكذب قصير” و”المُبْطِل مفضوح”، قد تُصَدَّق كِذْبَتُه ساعةً أو ساعتين ثم بعد ذلك يُكشَف أمرُه، ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور:33] هم عرفوا أنَّهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله.. إذاً هو من عند الله.. ولماذا هكذا يفعلون؟ قال: لأنهم لا يؤمنون، ولا يريدون أن يؤمنوا.. فإذا حلَّ الشقاء بالإنسان: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزُّخرف:36]، ومتى يتسلَّط الشيطان عليك؟ عندما تُعرِض عن الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي عن القرآن، وعن ذكر الله، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا هذا في الدنيا ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا أعرضتَ عنها كما ينسى الشخص شيئًا ويُعرض عنه، ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] هناك لا يوجد مُطلَقاً مليونير ولا ملياردير ولا وزير ولا لواء ولا مفتٍ ولا قاضٍ، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7]، ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7]، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:38-42]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107] فمن أيهما أنت؟ وسواد الوجه في القرآن ليس المراد به سواد اللون، بدليل قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النَّحل:58] قد يكون أشقر الجلد، ولكن المراد بسواد الوجه الكآبة والهم والكَدَر والحَزَن.

﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور:33] هم يعرفون أنهم كاذبون، لكنَّهم معاندون أشقياء محرومون مخذولون: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [مُحَمَّد:16]، ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وإشراقًا وسعادةً وعلمًا وعقلًا وأخلاقًا، ﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125] أبو بكر رضي الله عنه سعد برسول الله ﷺ حتى صار أسعد الخلق بعد الأنبياء، وأبو جهل شقي بالنبي ﷺ حتى صار أشقى الأشقياء: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].

إذا قالوا ﴿تَقَوَّلَهُ وأن هذا القرآن من صنع البشر، فهم بشر وشعراء وخطباء وفصحاء، ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34] فهم يعرفون أنفسهم أنهم كذّابون ظالمون وطغاة، ولكن نسأل الله العافية من العناد.

المعاند مُصِرّ على أنهم ماعز ولو طاروا

وهذا على طريقة اثنين كانا يمشيان في البرية، فشاهدا سوادًا من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: برأيك ما هذا السواد؟ فقال: غِربان، فقال له الآخر: لا، هو ماعز، قال له: الآن سنصل إليه ونرى، وعندما وصلا إليه طاروا، قال: أرأيت؟ ألم أقل لك إنهم غربان؟ قال: لا، ليسوا غربان، قال: أما رأيتهم بعينك أنهم طاروا؟ قال له: “ماعز ولو طاروا”.

ومن الناس من هو مخذول، قال: “المَنْحُوس منحوس ولو وضعنا بين عينيه خمسين ألف فانوس”، فإذا أُضِيء للأعمى “مصباح مئة شمعة” هل يرى؟ وإن كان ألف شمعة؟ ضع له “ثُرَيَّا” على رأسه وبين عينيه هل يرى؟ [مصباح مئة شمعة أو ألف شمعة: هو مقياس قوة المصباح في الإضاءة.. “ثُرَيّا”: اسم لقطعة مكوَّنة من عدة مصابيح، وتكُوْن عادةً شديدة الإضاءة، ويُزَيَّن بها وسط المكان].. نسأل الله أن لا يعمي قلوبنا ولا بصائرنا، قال النبي ﷺ: ((لَيسَ الأَعمَى مَن يَعمَى بَصَرُه، إنَّما الأَعمَى مَن تَعمَى بَصِيرَتُه)) 19 ، وليس الأطرش [أي الأصم] الذي لا يسمع الأصوات، إنَّما الأطرش الذي لا يسمع الحق ولا ينقاد إليه، وكذلك ليس الأعمى الذي لا يرى الجدران ولا يرى الحمير والبغال، بل الأعمى هو الذي لا يبصر الحق والحقيقة ولا ينقاد ولا يذعن لها، والأخرس ليس الذي لا ينطق لسانه بالكلام، بل الأخرس هو الذي لا ينطقُ بالحق، بل ينطق بالزُّور وينطق بالباطل، وينطق بالغيبة والنميمة، ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]، ﴿صُمٌّ ولكن آذانهم كآذان النَّاس، ﴿بُكْمٌ صمٌّ لا يسمعون الحق، وبكمٌ لا ينطقون بالحق، ﴿عُمْيٌ لا يبصرون الحق، ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] وفي آية: ﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] ليس فيهم عقل التوفيق الذي لا يصلح العقل إلا به.

إقامة الحجة على المشركين

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] إذا لم يكونوا هم الخالقين، ويوجد خالق قد خلقهم، أفليس من الواجب عليهم أن يعبدوا هذا الخالق وحده لا شريك له؟! ﴿ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الطور:36] هل هم الخالقون؟ إنهم لا ينقادون لأمر الله وأمر رسول الله ﷺ.. هم يعرفون أنفسهم أنهم عاجزون، لكنهم بالأنانية والعناد والجحود واستيلاء الأهواء على النَّفس أصبحوا على مذهب “ماعز ولو طاروا”، يرى الأبيض فيقول لك: أسود، ويرى الحق فيقول لك: باطل! وقد يريه الله تعالى، ولكنه كالذي يضع على عينيه نظَّارات سوداء، فيرى “النِّشاء” أسود، [النِّشاء: طحين الذُّرَة، ولونه أبيض]، ويرى السكر أسود، والملح أسود، وملكة الجمال سوداء والرخام الأبيض أسود.. نسأل الله أن يحمينا.. ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [مُحَمَّد:24]، ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [الأنعام:25]، هؤلاء الذين قال الله تعالى في حقِّهم: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:6-7].

نسأل الله أن يحمينا من الرَّان ومن موت القلب.. وعلامة موت القلب أنك إذا وعظتَه لا يتَّعظ، وإذا عرضْتَ له الحقيقة يرفضها ولا يقبلها، وإذا قُدِّم له الهدى يرفضه ويتقبَّل الضلال، يتقبل الباطل ويرفض الحق، وهذه علامة الشقاء وعلامة الهلاك -حمانا الله منه- وسببه الصحبة والبعد، وسببه عدم السعادة بلقاء السعداء.. نسأل الله أن يرزقنا صحبة السعداء ومحبة السعداء، وأن يحشرنا معهم في الدنيا والآخرة.

استخفاف المشركين بالنبي ﷺ

﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:37] كانوا يقولون: أنتَّبِع يتيم أبي طالب؟! فهو فقير ورُبِّيَ يتيمًا ولا شأن له، ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزُّخرُف:31] يريدون رجلًا غنيًّا أو زعيمًا ليصير نبيًّا.. ولو صار نبيًّا فإنهم سيعودون للافتراء، وهذا كله من نزغات الشَّيطان ومن الضَّلال ومن النَّحس والخذلان، “المنحوس منحوس”، نسأل الله أن لا ينحسنا.. ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ [الطور:37] يريدون هُمْ أن يوزِّعوا النبوة فيعطوها لزعيم الطائف أو زعيم مكة، أما يتيم أبي طالب فلا، وكأن الله عزَّ وجلَّ موظف صغير عندهم، وهم يعطونه راتبًا شهريًا وهم الآمرين عليه، هل هذه هي الحقيقة؟!

﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ [الطور:38] هل عندهم سلَّمٌ وصعدوا إلى السماء ومن هناك أخذوا العلم والمعرفة وتحققوا من أنَّ مُحَمدًا ليس رسول الله، وأنَّ القرآن ليس من وحي الله؟! هم كاذبون لم يصعدوا إلى السماء، ولا يستطيعون الصعود حتى إلى مئذنة.

حقيقة العلم الشرعي وحقيقة التصوف

إنّ هذه الحُجج المنطقية القرآنية الربَّانيَّة هل نستبدلها بعلم الكلام وعلم المنطق؟! واللهِ نحن قرأنا كتبًا وحفظنا متونًا وظهر لنا في النهاية أنَّها كلَّها كلام فارغ.

جزى الله عنا شيخنا المربِّي كلَّ خير، فقد كانت دروسه كلُّها طوال حياته في تفسير القرآن، وأنا منذ أربعين سنة أفسِّر لكم القرآن، ولا أتعدَّى علومَ القرآن، وتفسيرَ القرآن، ومدرسةَ القرآن المشروحة بسنَّةِ رسول الله ﷺ، أما التَّصوف أو غير التصوُّف فاتركوه.. ﴿إنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس:69]، ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41] الحب في الله، [الذكر الكثير والحب في الله أهم أمرين في التصوف، وهما موجودان في القرآن والسنة]، واستعملوا الحقائق بالأسماء التي وضعها القرآن ووضعها رسول الله ﷺ، وما سِوى ذلك فاتركوها لأهلها، أما نحن فإن شاء الله على صراط الله، ونرجو الله أن يثبِّتَنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنَّا.

﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ هل النُّبُوَّة بيدهم؟ ﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:37] هل هم الذين يوزعون النُّبُوَّات والأديان والوحي وكذا؟ ليس عندهم شيء.. ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فهل عرفوا الغيب؟ ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [الطور:38] فليأتنا بالدَّليل، ولكن لا يوجد شيء.

خطورة علم الكلام على المسلمين

﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور:39] أنتم أيها العرب سخفاء ولا عقول لكم، لأنكم تدَّعون أن لله أولادًا، وتقولون بأنهنَّ بنات.. فقد كانوا يقولون: “الملائكة بنات الله” وهم: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النَّحل:58] أنتم ليس فيكم عقول.. إنَّكم تعدُّون البنت شيئًا مكروهًا وشيئًا حقيرًا وتافهًا فكيف تجعلون أولاد الله بنات؟! يا قليلي العقل! يا سخفاء.

كل كلام الله منطق، والقرآن نَقَدَهم نقطة نقطة وجملة جملة وعقيدة عقيدة، ألا يكفينا منطق القرآن وكلام الله لإثبات العقيدة؟! أوجدوا الأشاعرة والماتوريدية، واختلفوا وأدخَلوا ألفاظًا لا يعرفها أبو بكر رضي الله عنه، ولا نطق بها النبي ﷺ، ولا ذكرها القرآن، فتمزَّق المجتمع الإسلامي في العقائد من طريق علم الكلام.

﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور:39] يعني أيها السخفاء الحمقى هل هذا دينكم؟ إذا أردتم أن تُعزُّوا الله، وأردتم أن تنسبوا له الأولاد فليكونوا ذكورًا، بما أنكم تكرهون البنات! ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [النحل:62].

الخضوع للحق طريقٌ للنجاح والعزة والنصر

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا لماذا لا يقبلون الدِّين؟ هل تطلب مالًا مقابله فهم بخلاء وضنينون بالمال؟ ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [الطور:40] يستثقلون هذه الغرامة المالية، ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90].

﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [الطور:41] هل اطَّلعوا على الغيب فرأوا أنَّك لست رسول الله؟ ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا يدبِّرون المؤامرات ليقتلوك أو يخرجوك أو يسجنوك، ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور:42]، ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23] إذا حاربت الحق فأنت مهزوم، وإذا حاربت الحقيقة فأنت مخذول.. إذا قلت عن العمامة [البيضاء]: إنها سوداء فأنت غير منتصر، فقل الحق واذعن للحق واتْبَع الحقيقة تُعَز وتُنصَر وتنجح، ولكنك تترك الحق إلى الهوى والأنا، وإلى كَلِمَتِك التي لا ترجع عنها. [يشير سماحة الشيخ هنا إلى عادة اجتماعية منتشرة، حيث يقول أحدُهم كلمةً، وغالباً ما تكون باطلاً، ثم يُصِرّ عليها تكبُّراً ولا يتراجع عنها، وهو يرى ذلك رجولة وقوة].

النبي ﷺ كان يقول: ((إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ)).. مِن الناس مَن يقول: أنا حلفت يمينًا وأنا لا أرجع عن كلمتي.. وهذا شخص أحمق، جهول ليس له عقل، النبي ﷺ يقول: ((إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)) يعني أتراجع، وماذا عن اليمين؟ قال: ((وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي)) 20 .

القرآن في أول الأمر أباح لهم الخمر، لكن لماذا سكت عن تحريم الخمر؟! لأنه لم يكن يوجد استعداد لقَبول التحريم، فقال: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا يعني مُسكِرًا ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67] يعني إذا شربتم الخمر فلا مشكلة، وبعدها نزلت آية ثانية: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219] فكيف يكون هناك “رزقًا حسنًا” وهنا: “إثم كبير”؟ وبعد ذلك تحريم الشرب لمن يصلي، يعني، إذا كنتَ سكران فلا يجوز أن تصلِّي، ثمَّ نُسِخَت الآيات الثلاث بقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90].

بعض الناس الآن يقول لك: لم يقل: حرام، فنقول له: [أنت بهذا التفكير تكون بمستوى الحمار، الذي] من دون سرْج ومن دون حُدْوَة وأذناه مقصوصتان وذيله مقصوص أيضًا، يعني الحمار إذا لم يضعوا له الحدوات وقصوا أذنيه وذيله هل يصبح إنسانًا؟ معنى “فاجتنبوه”: إذا كان هذا الكأس فيه سُمّ وقيل لك: “لا تشربه” هل هذه الجملة أبلغ أم “لا تقرب الكأس ولا تمسكه بيدك”؟ أيُّهما أبلغ في التحريم؟ الأبلغ هو عدم الاقتراب والاجتناب، وهل الأبلغ “لا تزنوا” أم “لا تقربوا الزنا”؟ يعني لا تقترب من مقدماته ولا تختلي بالمرأة وتحادثها بكلام غير ضروري، “لا تقربوا الزنا” أبلغ من “لا تزنوا”، لكن: ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [مُحَمَّد:24]، و﴿اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43] لا ينقاد لأمر الله ولا لأمر رسول الله ﷺ ولا لأمر القرآن، ينقاد لما يحلو له، ودينه أهواؤه، وبعد ذلك: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:13-16].

مكائد الحاقدين للقضاء على أهل الحق

﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا [الطور:42] كم دبَّروا من مؤامرات للنبي ﷺ! وكم عملوا من دعايات ضد النبي ﷺ! وكم كذبوا على النبي ﷺ! وكم آذوا النبي ﷺ! وبكل أنواع الأذية؛ بالضرب وبالإهانة.. كان ساجدًا فوضعوا كرش الميتة على رقبته وهو ساجد، وكانوا يسبُّونه ويشتمونه ويبصقون في وجهه، ولم يتركوا مؤامرة إلَّا دبَّروها لقتله، وحاصروا بيته بمئة مسلَّحٍ ليضربوه ضربة واحدة حتى لا يُعرَف له قاتل، وحتى لا تنتقم عشيرته وتثأر من القاتل.. والنبي ﷺ حكمةً منه لم يخرج من الباب، وإنَّما من فوق الحائط، هل هذا جبن أم حكمة؟ لقد كادوا للنبي ﷺ واجتمعوا في دار النبي ﷺ، ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ يسجنوك السجن المؤبد، ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال:30]، أحدهم قال: نربطه على ظهر جمل ونطلقه في الصحراء، وآخر قال: نقتله، قالوا: إذا قتلتموه فإن عشيرته ستقاتلكم، وإذا وضعتموه على ظهر الجمل وانطلق في الصحراء فستراه قبيلة من قبائل العرب فيسحرهم بلسانه فيؤمنون به ويأتون إليكم فيقاتلوكم، وإن وضعتموه بالسجن.. ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54].

﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور:42] هل كانوا كائدين أم مَكِيْدِين، منتصرين أم منهزمين؟ وهكذا كل من يحارب الحقيقة لا ينتصر، بل يفشل في الدنيا وفي الآخرة، ويخسر الدنيا والآخرة، ثم يخسر الناس ويخسر الخَلْق، لأنَّه إذا قلتَ: الآن ليل، [والوقت ضحى]، فهل الأمر حسب هواك؟ كل الناس يعرفون، وحتى الأعمى الذي لا يفرِّق، لو وضعته في الظل تارة وفي الشمس تارة أخرى، هل يعرف الليل من النهار أم لا يعرف؟ ثمَّ إذا سأل فكل الناس يقولون له: الآن نهار، ولكنه يُصِرّ على أنه ليل، يعني هل هذا الأحمق هو الصادق فقط وكل الناس لا تفهم؟ لكن هذا هو الخذلان، وهذا هو الطبع على القلب، نسأل الله أن يحمينا من الطَّبع.

وإذا أذنبتم فسارعوا بالتوبة وبالاستغفار، لأن كل ذنب يُشَكِّل نقطةً سوداء على صفحات القلب، فإذا تراكمتِ النقاط السوداء يُحجَب نور الله عن القلب فيصير أعمى، فيقع في البئر أو يقع في الوادي، ويقع في الهَلَكة، أما إذا بقي هناك بصيصٌ من النور فسارعْ وامحُ هذه الظلمات عن قلبك، حتى تجد الحق حقًا وتعرف الباطل باطلًا.

﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الطور:43] أنا أسبِّح الله وأنزِّهه عن عقائدهم الباطلة.. وقد بلغ بهم العناد وبلغ بهم الخذلان والشقاء والتعاسة إلى درجة أن قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ يعني إذا كان مُحَمَّد على حق وهو نبي، والقرآن هو وحي، فإذا كان هذا الكلام صحيحًا ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ [الأنفال:32] لن نؤمن لن نؤمن لن نؤمن ولو عرفنا أنَّه وحي وأنَّه من عندك.. إذاً لم يعد هنا منطق، ولن تفيده موعظة، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة:6] السيف على رقبته ولا يزال يقول: “ماعز ولو طاروا”، هذا مات قلبه، ومات ضميره، ومات وجدانه، ومات عقله الإنساني، وصار عقله شيطانيًّا إبليسيًّا، لماذا؟ لأنَّه صاحَبَ الأبالسة، وصاحَب الشياطين، ومن يجالس مرضى الملاريا يصيبه ملاريا، وإذا جالَسَ المصابين بمرض السّلّ؟ وإذا جلس مع المصابين بالجَرَب؟ وإذا جلَسَ مع العلماء؟ وإذا جلَسَ مع الأولياء؟ وإذا جلس مع الأباليس؟ فاختر لنفسك ما يحلو، ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدَّثِّر:37].. نسأل الله عز وجل أن يقودَنا إلى أحباب الله وإلى محبوبات الله من الأقوال والأعمال والأصحاب والأصدقاء والجلساء.

المشركون يُصِرُّون على باطلهم رغم وضوح الحقائق

﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا لو رأوا البلاء نازلاً من السَّماء بصورة أحجار أو صخور أو جبال: ﴿يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ [الطور:44] يعني يقولون: هذا ليس عذابًا، بل هو غيم وسينزل المطر.. هذا عناد، فإذا وصل الإنسان إلى درجة أن يرفض الحق مع معرفته به فهذا معناه أنَّ قلبه قد مات.

جرِّب في بيتك إذا أردتَ أن تُهرِّب القِطّ، ضع له زجاجة عطر قرب أنفه فلا تراه إلا ركض فارّاً منها، لأنَّ الله لم يخلقْه للطيِّبات، ولو أنه خلقه للطيبات فسيسرق لك زجاجة العطر، والخنفساء لا تُسَرّ ولا تهنأ إلا عندما تتغوط البقرة، فتأخذ رَجِيْع البقر وتصنع منه “دَحَاحِل”، [دَحَاحِل: كلمة عامية بمعنى كرات صغيرة]، وتدفعه بأنفها إلى عُشِّها، لأنَّ الخنفساء لا تتغذى ولا تطْرَب ولا تُسَرُّ إلا بالزِّبْل والمَزَابِل، [الزِّبْل: روث الحيوانات كالبقر والغنم، والمَزَابل: أماكن الزِّبل].. فـنسأل الله أن لا يجعلنا من الذين يطربون بمعصية الله بالأقوال أو الأفعال أو الأصحاب أو الأصدقاء أو السهرات أو الجلسات.

ثم قال تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ [الطور:45] هؤلاء لا تُعلِّق قلبك بهم، فهؤلاء ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة:6].. ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور:45] اصبر إلى أن يأتي اليوم الذي: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزُّمَر:68] في ذلك الوقت سيرون الآخرة، وهل الآخرة فقط؟ لا، عذابُ الآخرة هذا مؤكد، ويوجد أيضًا عذاب في الدنيا، كما أهلك الله عزَّ وجلَّ به فرعون، وكما أهلك الله به قوم نوح وقوم صالح وقوم هود، وكما أهلك الله به أبا جهل لَمَّا أُتي برأسه مثل “رَاس اليَخَنَة” مقطوعًا في غزوة بدر، [راس أو رأس اليَخَنَة: الواحدة من نبات الملفوف، حيث يكون حجمها كبير يماثل حجم رأس الإنسان] فسجد النَّبي ﷺ شكرًا لله تعالى، وقال: ((الحَمدُ للهِ الَّذي أَرانِي فِرعَونَ هَذهِ الأُمَّةِ مَقطُوعَ الرَّأسِ مَخذُولًا مَدحُورًا)) 21 .

القرب يزيد المسؤولية

﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا نيازك نازلة عليهم ﴿مِنَ السَّمَاءِ [الطور:44] مِن غضب الله لا يرتدعون، فلا الخير يجذبهم ولا العقوبة تردعهم، لا الحسنات ترغبهم ولا القصاص يرهبهم، وهذا اسمه الشَّقاء واسمه النّحس، واسمه الخذلان، واسمه التعاسة.. نسأل الله أن يحمينا.

سيدنا آدم عليه السَّلام أخطأ فأدرك خطأه فاعترف وتاب وأناب فتاب الله عليه، أما إبليس فهو منحوس لا فائدة منه، ومع أنَّ له عبادة خمسين ألف سنة.. نسأل الله أن يثبِّتنا بقوله الثابت، إبليس عَبَدَ الله خمسين ألف سنة، لذلك: “الآخرة يا فَاخْرَة” [مَثَل شعبي يعني أن الأمور بخواتيمها].

ولذلك ﴿فَلَا تُزَكُّوْاْ أَنفُسَكُم [النجم:32]، وقولوا: اللهم ثَبِّتنا.. كان من دعاء النبي ﷺ: ((اللَّهمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، قالوا: يا رسول الله أَوَتخشى بعد كذا وكذا؟ قال: ((إِنَّ القَلبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحمَنِ يُقَلِّبُهُ كَيفَ يَشاءُ)) 22 ، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:74-75] فأنت كنبيٍّ نعذبك ضعفين في الدنيا وضعفين في الآخرة.. ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب:30-31].. نسأل الله أن يوفِّقنا.. واحذروا صحبة المخذول، فإنّ صحبته مثل صحبة الأجرب، والجَرَب شفاؤه هَيِّن، فإن كان المُصاب به مع الطبيب لشهر أو شهرين أو أكثر أو أقل وباستعمال المراهم والدواء فإنه يُشفى، أما إذا جرب إيمانك فلا يوجد طبيب للقلوب.. يوجد طبيب للأجسام وكذلك يوجد طبيب للعيون، أمَّا للبصائر فلا يوجد إلَّا أندر أندر أندر من النادر.

﴿فَذَرْهُمْ لا تشغل فكرك بهم، ولا تهتمَّ بهم، ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [الطور:45-46] فكلُّ الكيد الذي كادوه والمؤامرات والتدبير والتخطيط، كله كان هباءً منثورًا.. أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان وقريش والندوة.. وبالنهاية: ﴿إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51]، “آمنوا” هو إيمان العلم، وإيمان الحكمة، وإيمان القرآن، وإيمان فهم السُّنَّة النبوية بأقواله وأفعاله وتقريره ﷺ: ((مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ في الدِّين)) 23 .

عقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة

﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ [الطور:46] قالوا: إذا كان هذا العذاب في الآخرة فسننتظر، قال: لا، ليس في الآخرة فقط: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ [الطور:47] قبل الآخرة يوجد عذاب، وهو في الدنيا، كما أهلك الله قوم نوح وكما أهلك فرعون وجنوده.. ونحن نرى كثيرًا من أمثال ذلك، ونرى كيف يعجِّل الله العذاب في الدنيا قبل الدار الآخرة، لكن إذا خُتِم على القلب يصير مثل الميت، فإذا لدغه ثعبان هل يشعر؟ وإذا أحرقته بالنار هل يشعر؟ وكذلك إذا مات القلب، فإنه لا يرهب من وعيد الله وتهديده، ولا يرغب في ثواب الله وعطائه، ولا يتقبَّل الحِكَم ولا النصائح، وهذا الذي قال الله تعالى عنه: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:6].. نسأل الله أن يحمينا.

﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا الذين ظلموا أنفسهم فاستبدلوا بطاعة الله معصيتَه وبالإيمان الكفرَ وبمحبة أحباب الله معاداتهم.. ﴿عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ قبل يوم القيامة ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الطور:47] فهم جهلاء بالحقائق.

فإنك بأعيننا

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ استقم ولا تزعج نفسك بهم، فهذه سنَّةُ الله عزَّ وجلَّ في هذا الوجود؛ كفاح ونضال وأحباب وأعداء ومحسنون ومسيؤون ومحبِّون ومبغضون.. ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] قال الله تعالى لسيدنا موسى عليه السَّلام: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39] وقال للنبي ﷺ: أنت لستَ على عيني، بل أنت بأعيننا وبعنايتنا ورعايتنا، وإن أنظارنا وعنايتنا كلها محيطة بك، ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة:68] ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127].

﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ [الطور:48] حين تقوم من الليل سبح الله مع الحمد: سبحان الله والحمد لله.. ﴿حِينَ تَقُومُ [الطور:48] كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ)) يعني استيقظ من نومه ((فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحيِي ويُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ ثمَّ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ)) 24 .

﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ سواء التسبيح أو ما يراد أحيانًا من التسبيح وهو صلاة التهجد، ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور:48-49] عندما يطلع الفجر فإنَّ النجوم تغيب عن الأنظار، يعني كن مع الله دائمًا ذاكرًا مسبِّحًا مصلِّيًا مستغفرًا، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، اللهم إنِّا نسألك حُبَّك، وحُبَّ مَن يُحبُّك، وحُبَّ عملٍ صالحٍ يقرِّبُنا إلى حُبِّك، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، أنتَ وليُّها وأنتَ مَولاهَا.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35428)، (13/212)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (680)، (1/451)، بلفظ: ((عن كعب، قال: قال موسى: أي رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موس، أنا جليس من ذكرني، قال، يا رب، فإنا نكون من الحال على حال نعظمك، أو نجلك أن نذكرك عليها، قال: وما هي، قال: الجنابة والغائط، قال: يا موسى، اذكرني على كل حال))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10989)، (2/ 540)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ)).
  2. السنن الكبرى للنسائي، كتاب الرقائق، رقم: (11803)، (10/ 389)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6156)، (2/132)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ))، وفي مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (36847)، (14/ 55)، بلفظ: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واحسب نفسك في الموتى، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة)).
  3. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (3795)، (1/256)، بلفظ ((الصلاة عماد الدين، والجهاد سنام العمل، والزكاة يثبت ذلك))، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (2550)، (4/300)، بلفظ: ((عَنْ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ)).
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان، رقم: (38)، (1/22)، صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، رقم: (760)، (1/ 523)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
  5. صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، رقم: (1804)، (2/ 673)، السنن الكبرى للنسائي، رقم: (3245)، (2/ 238)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  6. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم: (6202)، (5/2402)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجاً، رقم: (186)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ: تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ المَلِكُ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً».
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: (3072)، (3/ 1185)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2824)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، واللفظ: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)).
  9. الأحاديث المختارة للضياء المقدسي، رقم: (6)، (10/16)، صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (124)، (1/147)، بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا الْأَسْمَاءُ".
  10. سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، رقم: (2380)، (4/ 590)، سنن النسائي، كتاب آداب الأكل، ذكر القدر الذي يستحب للإنسان من الأكل، رقم: (6770)، (4/ 178)، عَنِ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم: (6051)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب وهي الخندق، رقم: (1804)، بلفظ: ((عَنْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَحْفِرُ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ وَيَمُرُّ بِنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ)).
  12. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (5780)، (6/56)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10074)، (13/137)، بلفظ: ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي كَثِيرٍ إِلَّا قَلَّلَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ إِلَّا أَجْزَاهُ))، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه
  13. تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 374)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((ما ترك عبد لله أمرا لا يتركه إلا لله تعالى إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه))، وفي المدخل لابن الحاج (2/111)، بلفظ: ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20758)، (5/78)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5748)، (5/ 53)، بلفظ: ((إِنَّكَ لا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ))، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءٍ رضي الله عنهما.
  14. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب، رقم: (2450)، (4/633)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (881)، (1/ 512)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)).
  15. سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، رقم: (2526)، (4/672)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8030)، (2/ 304)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((قلنا الجنة ما بناؤها؟ قال لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ الياقوت وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم)).
  16. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ»
  17. نوادر الأصول للحكيم الترمذي (2/205)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8086)، (8/283)، بلفظ: ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، قَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْكَ، بِكَ أُعْطِي وَبِكَ الثَّوَابُ، وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ". عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مرفوعاً، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4632)، قال: هَذَا مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ.
  18. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للأصبهاني، (1/ 108)، مسند الفاروق لابن كثير، رقم: (2/679)، عن عمر بن الخطاب، قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا، وعليه إهاب كبش قد تنطق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون».
  19. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1372)، (2/126)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5227)، (3/ 403)، نوادر الأصول للحكيم الترمذي، (1/84)، عن عبد الله بن جَراد.
  20. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب، رقم: (6249)، (6/2444)، صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، رقم: (1649)، عن أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، بلفظ: ((وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي)).
  21. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (4246)، (1/444)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37852)، (14/373)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8469)، (9/82)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقلت: إني قد قتلت أبا جهل، قال: «الله الذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟» قلت: الله الذي لا إله غيره لأنا قتلته، فاستخفه الفرح، فقال: «مر أرنيه» فانطلقت به حتى وقفت به على رأسه، فقال: «الحمد لله الذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب» قال: وقد كنت ضربته بسيفي فلم يحك فيه، فأخذت سيفه فضربته به حتى قتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
  22. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، (3/112)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
  23. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/ 25)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/ 719)، عن معاوية رضي الله عنه.
  24. صحيح البخاري، كتاب أبواب التهجد، باب من تعارَّ من الليل فصلَّى، رقم: (1103)، (1/ 387)، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل، رقم: (5060)، (2/ 734)، عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه، بلفظ: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ».
WhatsApp