تاريخ الدرس: 1992/12/18

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:28:19

سورة الممتحنة، الآيات: 10-13 / الدرس 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا وحبيب رب العالمين، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ ومحبوب كلٍّ ومحبي كلٍّ أجمعين، وبعدُ:

سبب نزول آية امتحان المهاجرات

فنحن في تفسير بعض آياتٍ من سورة الممتحنة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [الممتحنة:10] إلى آخر الآية، هذه الآية نزلت على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية، عندما صار الصلح بين النبي ﷺ وكفار قريش على هدنةٍ وتَرْكِ القتال لمدة عشر سنوات، وكان من شروطها وبنودها أن من أتى إلى النبي ﷺ من كفار قريش مسلمًا مؤمنًا يُرجعه النبي ﷺ إلى كفار قريش، ولا يقبل إسلامه ولا حمايته ولا رعايته، ومن ارتدَّ من المسلمين في المدينة، والتجأ إلى قريش أن يقبلوه ويحموه ولا يردُّوه 1 .

وبعد إمضاء المعاهدة نزلت هذه الآية، وهي ليست بآية صلاة ولا صوم ولا حج ولا عبادة، بل هذه آية معاهَدَة دولية، وهي آيةٌ تختصُّ برجال الدولة والسياسة، لكن المسلم والقارئ لا يعرف منها إلا أحكام التجويد والنطق بإجادة الحروف، أو أن يقرأها على الأموات، فهل الأموات بصدد أن يُقيموا دولة ومعاهدات لِنُفَقِّهَهُم كيف يمضون المعاهدات على ضوء الوحي والقرآن الكريم؟! إنّ هذا ما كان عليه المسلمون منذ مئات السنين، بأنَّ القرآن للأموات ولبعض الأحكام الفقهية من عبادات ومعاملات وتعبُّدات، سواءٌ كانت العبادات جسديةً أو قلبيةً أو روحيةً.

القرآن قانون للحياة

أما قرآن الحياة وأما قرآن الحياة الدنيا فقد قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان:67] فالقرآن يُعلِّمنا كيف نحافظ على المال، وكيف نستعمل المال بلا إسراف، قالوا [الفقهاء]: من أنفق درهمًا في غير موضعه -ولو كان يملك مئات الملايين- يُعتبر سفيهًا ويُحجَر عليه تصرُّفُه.. فيُعتبَر في نظر الإسلام طفلًا يتيمًا يحتاج إلى وليٍّ، حفاظًا على المال، وكما كان النبي ﷺ يقول: ((نِعمَ المالُ الصَّالحُ للرَّجلِ الصَّالحِ)) 2 .

فصار العلم وما يُسمى الدِين أن نكون ضعفاء في ميدان المال والاقتصاد والحياة، وصار ما يسمى دِينًا أن نبعد عن شؤون الأمة، أو أن لا نُحسِن الحكمة في معالجة شؤون الأمة في كل ميادين حياتها، وإن عالجنا نُعالج ونحن أمِّيُّون من فقه الحكمة، التي هي: “فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الشكل الذي ينبغي”، وفقه الحكمة هو ما يضمن النجاح في كلِّ عمل، والنصر في كل معركة.

والإسلام إذا استكمَل كل موادّه لا يَعرف فشلًا في عملٍ، ولا خيبةً في أملٍ، ولا هزيمةً في قتالٍ، ولا تقهقرًا في سباق، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وهذا عندما يستوعب المؤمنون كلَّ أركان الإيمان وكلَّ تفاصيله بأصوله وفروعه.

فهذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الممتحنة:10]، يعني الذين صدَّقوا الله عزَّ وجلَّ في قرآنه وفي كل آياته وفي كل أوامره ونواهيه، وفي كل وصاياه ظاهرًا وباطنًا.. ولكن الصوفيين أخذوا ناحية الرهبانية والتفرُّغ لعبادة الله قلبًا وقالَبًا وأخلاقًا، وهذا لا يزيد على أن جعلناه غنمةً يأكلها كلبٌ صغير لا ذئبٌ كبير، والفقهاء تخصصوا في معرفة الأحكام الجسدية والعبادات الجسدية، وعلماء العقيدة أخذوا الفلسفة اليونانية، وأرادوا أن يَفْهَمُوا منها القرآن والإسلام، فخسروا روحانيَّة الإسلام، وأخذوا لغو الفلاسفة المسمَّى في علوم الكنيسة بعلم الكلام، والكنيسة تُسمِّيه علم العقيدة، وكنا نتباهى ونتسابق في ذلك.. وإلخ، وبذلك فإن المسلمين لا يزالون وإلى هذه اللحظة في تخلُّفٍ وضعف واستيلاء العدو.

القرآن قانون للدول

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الله تعالى يناديكم، [الحضور يقولون كما علمهم سماحة الشيخ: لبيك اللهم لبيك، فيقول لهم:] وهل “لبَّيك” صدقًا أم كذبًا؟ هل هي تمنِّيًا أم وعيًا للامتثال والاستجابة لهذا النداء؟ ﴿إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ [الممتحنة:10] هذا خطابٌ للنبي ﷺ وهو رجل الدولة مع النبوَّة، فإذا ذهبَت النبوة فهذا الخطاب موجَّهٌ لرجال الدولة، باعتبار الدولة جزءًا من الإسلام: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمانِ لا يَصْلُحُ أَحدُهما بِدُونِ الآخَرِ)) فالإسلام كعقيدةٍ وعلومٍ وروحٍ وأخلاق، ((فالإسلامُ أُسٌّ)) أساس للمجتمع، والدولة أي السُّلْطان، ((وَالسُّلْطانُ حارِسٌ، وما لا أُسَّ لَه)) ولا أساس ((يَنهَدِمْ، وَما لا حارِسَ لَه يَضِيعُ)) 3 .

فكم على المسلم أن يكون حريصًا على الدولة باعتبارها أحد جناحَي الإسلام! والدولةُ كم يجب عليها أن تكون حريصةً على الدين عقيدةً وأخلاقًا وفرائض! لأنه جزء وهو الجناح الثاني المقوِّي للدولة، وطائرٌ بأحد الجناحين لا يعلو، بل يسقط ويكون طُعْمَةً للكلاب وقطط الاستعمار.

ستُّ نساء قَدِمْنَ بعد صلح الحديبية

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ [الممتحنة:10] أول الآية هدفها صلح الحديبية، وبعد أن انتهى الصلح وتمَّ العقد والإمضاء أتت ستُّ نسوة مسلماتٍ أسلمن والتجأن إلى المسلمين، فأتى أزواجهنَّ وأهلهنَّ يطلبون إرجاعهنَّ وتسليمهنَّ وفقًا لنصوص المعاهدة، لأن من كان من قريش والتجأ إلى النبي ﷺ يجب على النبي عليه الصلاة والسلام أن يُرجِعه إلى أهله وبلده.

فقالت النساء: يا رسول الله إن أرجعتَنا وسلَّمتَنا إلى الكفرة فتنونا عن ديننا بالتعذيب والضرب والتجويع.. والمرأة ضعيفةٌ لا تتحمل هذه الفتن والعذاب، فبقي النبي ﷺ في حيرة، وذلك عملًا بقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل:91] والنبي ﷺ يمثِّل تجاه الكفار رجل الدولة وقائد الأمة، والمعاهدة صارت دولية، وقريش كدولة، والمرجع للجميع هو خالق الكون وخالق الدولة، وإذا بالوحي ينزل بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ مع وجود المعاهدة بأنكم ترجعوهنَّ وتسلموهنَّ لأهلهنَّ، ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة:10] فربما تكون جاسوسة و”مُخَابَرَات” للكفارِ أعداءِ الدولة الإسلامية العربية وأعداء الإسلام. [مُخابَرات: الكلمة السورية العامية لرجال الأمن أو سلطة الأمن في الدولة].

الإسلام يدعو إلى الحذر في التعامل مع الآخرين

قال: يجب أن لا نكون أغبياء نُحسِن الظنَّ بكلِّ داخلٍ وبكل ملتجئ، والدول دائمًا حين تصير الحرب ويلجأ بعضهم إلى بعض يدسُّون الجواسيس بين اللاجئين والمنهزمين.. فالإسلام المرشَّح من القرآن كم يعطينا العقل الحذر والعقل الواعي! مرة أتى رجل إلى النبي ﷺ يريد السفر فقال: أوصني يا رَسُولَ الله قال: ((أَخاكَ الْبِكْرِيَّ وَلاَ تَأْمَنْهُ)) 4 ، أي احذر من كل أحد.

وفي معركة أُحد لَمَّا وقع أَبُو عَزَّةَ الشاعر في الأسر، وقد منَّ النبي ﷺ عليه وعفى عنه في معركة بدر بشرط أن لا يستعمل شِعرَه في التهييج على الإسلام والمسلمين، ولكنه نقض العهد ووقع أسيرًا في أُحد، فأمر النبي ﷺ بقطع رأسه، فقال: يا رسول الله إني فقيرٌ وعيالي وبناتي.. فقال له عليه الصلاة والسلام: ((لا أَدَعُكَ تَرجِعُ إلَى مَكَّةَ تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ وَتَقُولُ: خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ)) 5 .

وهنا يُعلِّمنا الإسلام أن لا نكون بسطاء، وأن لا نكون أغبياء بطريقة حسن الظن، وكان سيدنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: “لَسْتُ بالخَبِّ، والْخَبُّ لا يَخْدَعُنِي” 6 ، أي أنا لا أَخدع أحدًا، ولكن لا أُمكِّن الخادع أن أقع في شَرَكه ومصيدته.

امتحان النساء المهاجرات

فقالت النساء: يا رسول الله كيف تُرجِعنا؟ إنهم سيذبحوننا ويُهلِكونا.. وهو قد عاهد وانتهى كلُّ شيء، فأنزل الله تعالى، وهو الذي يقول: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، فإذا سمع صوت خولةَ ألا يسمع صوت النساء السِّت؟ والقضية هناك [في سورة المجادِلة] قضية أسرة وعائلة، أما هنا فقضية أُمَّة، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهذا الخطاب موجَّهٌ للنبي ﷺ، وكلُّ الصحابة داخلون تحت مظلة رسول الله ﷺ، ﴿إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ضعوهنَّ تحت الفحص؛ فحص الدم وفحص العقيدة وفحص المحبة وفحص الصداقة، فلا تغترَّ بكلِّ من يُظهِر لك صداقته أو محبَّته، فكم تحت المظاهر والستائر من غدرٍ ومكرٍ وحَمَق وجهلٍ وجاهلية! ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [الممتحنة:10].

فشكَّل النبي ﷺ لهم لجنة فحص، وكان يُؤتى بالواحدة منهنَّ فتحلف بالله، قولي: بالله ما خرجتُ من مكة إلى النبي ﷺ وإلى المدينة بُغضًا في زوجٍ؛ أي ربما لا تحبُّ زوجها، وأهلُها لا يساعدونها على الفراق، فتفِرّ مُدَّعِيةً الإسلام، وتجعل من الإسلام مطيَّة تركبها لتصل إلى هدفها الشخصيِّ والمادي.. قولي: بالله ما خرجتُ ولا هاجرتُ رغبةً في زوجٍ أو عشقًا لرجل، ولا بُغضًا في زوجي وكراهيةً له، ولا طمعًا في أمرٍ من أمور الدنيا، ولا رغبةً في أرضٍ دون أرضٍ، وقولي: بالله مَا خَرَجْتُ إِلاَّ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ 7 ، فهي إنما خرجت للإيمان فقط، وبدافع حبِّ الله عزَّ وجلَّ بعد أن عرفَتِ الله، وحبًّا لرسول الله ﷺ بعد أن عرفَتْ من هو رسول الله ﷺ.. فعرفَتْه بطريق العقل والفكر والقناعة، والأفضل من ذلك أن يُضاف إلى هذا أن تعرفه قلبًا وروحًا ونورانيةً وربانيَّةً.. فكنَّ يحلفن بما استُحلفن عليه، وبعد أن يؤدِّين هذا الفحص يَتَبَيَّن أنّ هِجرتهن لله ورسوله.

ولعلَّ الكاذب يحلف فلا يهتمُّ، وكما يقال: اللص إن قلتَ له: تعال فاحلف، يقول: جاءني الفرج.. فحالف اليمين هذا لا يبالي بأكل الحرام، فهل يبالي باليمين الحرام؟ كلُّه حرام.. وهؤلاء النساء ربما يكنَّ كاذبات، قال: أنتم لستم مأمورين بأن تشقُّوا عن قلوبهنَّ، ((هَلْ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟)) 8 ، نحن نحكم بالظاهر، والله يتولَّى السرائر: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [الممتحنة:10] فالذي لا تعرفونه يعلمه الله، واللهُ يكافئ المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولو غشَّ أو مكر: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].

﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [الأنفال:30]، لَمَّا اجتمعوا في دار الندوة وتآمروا على النبي ﷺ وقال بعضهم: يجب أن نضعه في سجن مؤبَّد إلى أن يموت، وبعضهم قال: نربطه على ظهر جملٍ ونُطلِقه في الصحراء حتى يموت عطشًا وجوعًا، وبعضهم قال: نختار مئة شابٍّ بمئة سيف يضربونه ضربةً واحدةً حتى لا يُعرَف قاتله، فيضيع دمه بين القبائل، وندفع الدية، وندفع عشرين ديَّة، وننتهي من مشكلته، فأنزل الله عزَّ وجلَّ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ما معنى يثبتوك؟ أي السجن المؤبَّد الثابت، ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ على ظهر جملٍ ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، أين الله؟ هل هو غير موجود؟ وأنت هل تحسب حساب الله عزَّ وجلَّ، وأن الله يرى مكرك وغشَّك وخداعك؟ وحيلك ربما تنطلي على الإنسان، ولكن هل تنطلي على الله عزَّ وجلَّ؟ ألا تستحي من الله؟ ألا تخاف من الله؟ وهل الله يمزح مزاحًا أو هو طفلٌ صغير يتكلَّم كلام الصغار؟ فكيف أنت مع الله في معاملاتك مع الخلق وفي بيعك وشرائك وصحبتك ومُوَادَدَتِك؟ علينا أن نتعامل مع الله.. نسأل الله أن يرزقنا صِدقَ الإيمان وصِدقَ الفقهِ لإسلامنا.

الناس اليوم يفهمون الإسلام أن يركع أحدهم الركعات الجسدية، ويقرأ القرآن للتلاوة بلا فهم ولا علم ولا إيمان.. وهذا لا تفيده صلاته، وقد قال رسول الله ﷺ: ((مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُه عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا)) 9 ، ((رُبَّ تَالٍ يَتلُو الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ))، يقرأ: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] وهو ظالم فيلعن نفسه 10 ، ويقرأ: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] وهو كذابٌ.

قال: ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ فإن امتحنَّاهنَّ ربما كُنَّ كاذبات، قال: وإن كنَّ كاذبات: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [الممتحنة:10]، فالله عزَّ وجلَّ أعلم، وطالما أن الله أعلم فإنه سيُعاقِب الكاذب بكذبه والدجَّال بدجله والخائن بخيانته، والله يُمهِل ولا يُهمِل، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ [إبراهيم:42] فله يوم وساعة.

يُذكَر عن جحا -رحمة الله عليه- أن إنسانًا تعدَّى عليه فظلمه، فدعا عليه وقال له: كَسَر الله رجلك بعد أربعين سنة، فضحك الناس كلهم من هذه الدعوة التي بعد أربعين سنة، ولكن جحا غير مستعجل، ولِيُفَهِّمَه أن الله إذا حلم عليه ليس بتاركه، وستَعلَق بمكان لا تستطيع أن تخلِّص نفسك منه، فإذا سقطتَ من ظهر الجمل فهل تستطيع أن تتقي الرمية بعد أن وقعتَ؟ وكذلك إذا وقعتَ بين يدي الله عزَّ وجلَّ فلا خلاص لك، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].. فالذي دعا عليه جحا مشى خطوات وداس على قشرة موز فسقط وكُسِرت رجله، فقال له الناس: ما هذا الدعاء يا جحا لقد كُسِرت رجله الآن! فقال لهم: هذا ليس بسبب دعائي، إنما هذا بدعوة أحدٍ ظلمه قبل سنوات، وبدعائي سيكسر الله له الرِّجل الثانية بعد أربعين سنة. [يضحك الحضور للطرفة].

الإيمان بالله يكون بالعمل لا بالتمني

يا بني، هل نحن نؤمن بالله؟ وهل نؤمن بقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ أي مؤلمٌ ﴿شَدِيدٌ [هود:102] ليس بهيِّن، فكيف تتحدَّى الله وتتجاهل الله؟ والله يُخوِّفك فلا تخاف، فهل أنت ميِّتٌ أم أصمُّ؟ نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا بكمًا لا ننطق بالحق أمام الباطل، وعُميًا عن الحق ونسلك الطريق غير الصحيح، وصمًّا لا نسمع الحق، وإن سمعناه لا نسمعه سماع قَبولٍ وعمل، ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ قال: هؤلاء هم الدوابُّ وهم شرُّ الدواب، وشرٌّ من الكلاب والخنازير، ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الذي لا يَتَقَبَّل الحقَّ عند سماعه، ﴿الْبُكْمُ الذي يرى الباطل ويرى الجَور والاعتداء على حدود الله ولا يتكلَّم ولا يأمر بمعروفٍ ولا ينهى عن منكرٍ، العميُ: الذي لا يرى طريق الحقِّ فيسلكه، ويُقدِّم عليه طريق الباطل، ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لو كانت قلوبهم طاهرة ونظيفة ﴿لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ووصل الأمر لقلوبهم مع نجاستها ﴿لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [الأنفال:22-23] ومن المتكلِّم؟ النبي ﷺ، ومَن المخاطِب؟ [مَن الذي يُكَلِّم الناس ويخاطبهم]، هو النبي ﷺ.. فإذا كانوا لم يَفْهَمُوا النبيَّ ﷺ ولم يعرفوه ولم يطيعوه، حتى أنهم لم يَفْهَموا عن الله عزَّ وجلَّ، فكيف تبالي بأن يَفْهَمُونا أنا وأنت [ويستجيبوا للدعاة]! ومن نحن! نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا مطايا لشياطين الإنس ولا لشياطين الجن.

قال: إذا كنَّ يكذبنَ ويتَّخذنَ مِن إظهار إسلامهنَّ هدفًا دنيويًا، كأن تتخلَّص من زوجها، أو لها مصلحة في المدينة، لا للإيمان: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ وسيعاملهنَّ بحسب مقاصدهنَّ وأهدافهنَّ، وأما أنتم فقد أدَّيتم الواجب، وإذا كنَّ غير صادقات فتتمة الحُكْم والمسؤولية على مَن؟ على الله، وأنتم غير مسؤولين.. فنحن علينا أن نُحْكِم الظاهر والله يتولى السرائر.. قال: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ بوسائلكم الممكنة المتاحة ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ إذًا هذا صار نقضًا لمادة المعاهدة في صلح الحديبية، ومَن الذي نقضها؟ هل النبي ﷺ؟ بل الذي نقضها هو خالق الكون الذي حكمه يسري على الجميع، ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وحتى لو قال زوجها هذه زوجتي وهذا بيتي! فهذا حكم الله، وقد صارت محرَّمةً على زوجها الكافر.. والمقصود من الكافر هنا المشرك عابد الوثن، ﴿وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] فلا يجوز لك أن تأخذ مشركة، ولا أن يأخذ مشركٌ مسلمةً.

عدل الإسلام حتى مع الأعداء

ولكن هذا الزوج يقول: أنا دفعتُ مهرًا لأتزوَّجها فكيف يكون الأمر هكذا باسم الدين؟ وهل الدين يرضى أن يَضِيْع حقي ولو كنتُ وثنيًّا عابد صنم؟ ألستُ إنسانًا؟ ألستُ مخلوقًا لله؟ هل كفري يضيِّع حقي؟ انظروا إلى عدالة الإسلام، ومع مَن؟ مع الأعداء، لكن هناك صلحٌ ومعاهدة، فهذا الكافر يُسمَّى الْمُعاهَد، وهذا حُكمه حُكم الذمي في أن نعطيه حقه، ولا نبخسه حقه، وأن نعامله كما نعامل أنفسنا.

والآن ترى المسلم مع المسلم يأكل حقه وينتهك عرضه ويؤذيه بلسانه ويده وعينه وفي حضوره وفي غيابه ولا يعامله كذميٍّ ولا كمُعاهَد، سواء كان أباه أو أخاه أو عمه، أو معلِّمه أو أستاذه أو مربيه، أو من صنع المعروف معه، وكأنَّ مَن يُسمَّى مسلماً دون الحيوان، فالكلب تراه إن أطعمتَه مرتين أو ثلاثاً، ولو قطعة من خبز يابس أو عظمًا لا ينسى معروفك إلى آخر نَفَس من أنفاسه.

قصة في الوفاء مع سيدنا سليمان عليه السلام

ولقد ذكرتُ لكم قصة بأن سليمان عليه السلام طلب من الله عزَّ وجلَّ أن يُطيل عمرَه، فأنزل الله تعالى عليه مَلَكًا معه كأس من ماء، وقال له: اشرب هذا الكأس ويطول عمرك قَدْر ما تريد، إن شئتَ مئة سنة أو مئتين أو ألفًا، أو كما تريد، فقال: إنّ الأفضل أن أُقيم مجلس شورى وأشاور في الأمر، فجمع الإنس والجنَّ والحيوانات والطيور، فاجتمعوا كلُّهم إلا القنفذ.. وحتى لو لم تحضر “يَحُجّ الحَجّ بَلا أبو حَلاوَة” [مثل شعبي، ويمكن قوله بالعربية الفصحى “يستطيع أن يحج الحجاج من دون صانع الحلوى” وهو يعني أن الشخص المقصود غير مهم] ويبدو أنها لم تبلَّغ، ومن حقها الحضور، إذ هل يجوز أن يُشَرَّع قانون أو يُقضى أمرٌ في المجلس النيابي دون أن يُدعَى أحد النوَّاب؟ هذا لا يصح.. فأرسل إليها رسولَين هما الفرس والصقر وهو الباز الذي يصيدون به، فجاءا إليها وقالا لها: إن نبيّ الله سليمان يدعوكِ لحضور المجلس النيابي، فهناك أمرٌ هامٌّ يريد أن يُشاوِر فيه، فنظرتْ إليهما وقالت: ألم يجد غيركما يُرسِله إليَّ؟ فبسببكم اعتبروني أنني لم أُبلَّغ، فلا آتي ولا أستجيب لكم، وارجعوا.. فعادا إليه وقالا له: إنها رفضت الدعوة، وطردتنا وما اكترث بنا ولم تعتبرنا شيئًا مذكورًا، فأرسل الكلب رسولًا إليها ليطلب منها الحضور، فلما جاء الكلب وطلب منها الحضور قالت له: على العين والرأس، وأتت معه، فقال لها سيدنا سليمان عليه السَّلام: لمَ رفضتِ الدعوة أول الأمر؟ قالت: لأن الرسولين الأوَّلين لا يصلحان أن أقابلهما، ولا أن أستجيب لدعوتمهما، فقال: لماذا؟ قالت: لأنه ليس عندهما وفاء ولا شكر على المعروف ولا مكافأةٌ على الإحسان، قال: كيف؟ قالت: أما الفرس فتولد عند صاحبها ويُربِّيها مهرةً وتكبر، ولكنها كما يُقاتل صاحبها على ظهرها تُمكِّن ظهرها من عدوِّه أن يُقاتِله، وكما تُرَكِّب صاحبَها تُرَكِّب عدوَّه، فالذي يكون هكذا ليس عنده وفاء، وهذا لا أعتبره رسولًا، ولا يصلح أن يكون موظَّفًا عندك، قال لها: والصقر؟ قالت: الصقر الباز، كما يصيد لصاحبه يصيد لعدوه، ولا فرق عنده بين عدوِّه وصاحبه، فليس عنده وفاءٌ، لذلك هما لا اعتبار لهما، وساقطان من الحقوق المدنية جميعًا.

فالقنفذ تعرف الوفاء، وكثير من بني آدم لا يعرف الوفاء، فهل أنت مثل القنفذ؟ ليتك تكون مثل القنفذ! فقال لها: والكلب؟ قال: هذا الكلب إن أعطاه صاحبه عظمًا أو خبزًا فإنه يموت بين يديه، وإن مات صاحبه ودفنوه يموت على قبره، فهذا صاحب وفاء، وهذا أهلٌ لأن تجعله مندوبك والدبلوماسي عندك والرسول في مهماتك 11 ، فنسأل الله أن يرزقنا الوفاء.

قال: فهذا الزوج الذي ذهبتْ زوجته وقد دفع مهرها -مع أنه كافرٌ- هل تضرَّر أم لا؟ نعم تضرَّر، فهل يسمح الإسلام بضياع حقِّ كافرٍ عابد وثن وعابد صنم؟ هذا عابد الصنم الوثني، أما اليهودي أو النصراني أو المواطن فهذا له حقٌّ أكبر، لأنه قريبٌ من الإسلام، فهو يؤمن بالله وبأنبياء الله مع شيء من الاختلافات العقائدية.. إلخ.

هذه عدالة الإسلام، وهذه عدالته بقوانينه الدولية العالمية، ومع كلِّ شعوب العالَم مع اختلاف أديانها، فهل وصل إنسان القرن العشرين بهيئة الأمم وبمجلس أَمْنِه وبمحكمته الدولية إلى ما وصل إليه العرب في مدرسة وبرلمان القرآن من عدالة وقِسط مع كل الشعوب ومع اختلاف الأديان ومع وجود العداوة؟ إنه مع وجود المعاهدة والهدنة جعل لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

التطبيق الحقيقي للإسلام

والآن ترى المسلم يغدر بأخيه وأبيه وصديقه وأجيره ومعلِّمه، مع أنه يصلي ويصوم، وواللهِ هذه صلاةٌ مرفوضة وغير مقبولة، والشيطان يحبُّ من الإنسان أن يصلي هذه الصلاة ألف سنة، لأنها صلاة ميتة لا تنهى عن فحشاء ولا عن منكر، ولا تُحْيِيْ لك قلبًا، ولا تُزكي لك نفسًا، لماذا؟ لأنك أخذتَ الصلاة من غير معلِّم ولا مدرب ولا مربٍّ ولا مزكٍّ، فإذا أخذتَ سيارةً وما تعلَّمتَ القيادة من قائدٍ يُحسن القيادة هل تفيدك السيارة شيئًا؟ قد تُهلِكُك وتدق عنقك وتكسر فقرات ظهرك.. عليك أن تأخذها وتستعملها بعد أن يعطيك المعلم والمدرب الإجازة، ويشهد لك بأنك تُحسِن القيادة.

وهل فهم المسلم هذا؟ وهل يبحث عمَّن يُعلِّمه الكتاب والحكمة ويزكي له النفس؟ ومتى تتحقق هذه الأمور؟ إنّ “المُوْتُوْر” [المُحَرِّك] هل يُصَلَّح إذا لم تُسلِّمه كلَّه للميكانيكي؟ وربما يفتحه ويفُكَّه أو يغيره ويبدله، وهل تمتنع عنه بشيء؟ والعين التي فيها ماء زرقاء متى يزول عماها؟ حين يُسلِّمها صاحبها إلى طبيبها، والقلب إذا كان فيه مرض متى يُشفى؟ إذا سلَّمتَ القلب إلى طبيب القلب.

وأنت تريد أن تكون مسلمًا، فهل سلَّمتَ قلبك وروحك وعقلك للمعلِّم المربي الحكيم المزكي؟ وما التسليم؟ هل أعطيتَ المعلم حقه ووضعتَه في قلبك في المكان اللائق المناسب؟ [النبي ﷺ يقول عن محبة المعلِّم الأول]: ((أن يحبَّ الله ورسوله أكثر من كل ما سواهما)) 12 ، وبعد النبي ﷺ؟ هل النبي ﷺ هو من يعلِّمنا الآن أم نائب النبي ووارثه؟ فهل بحثتَ عن وارثٍ نبويٍّ تعطيه حقَّه؟ وحقُّه يعود عليك، فحين تُسَلِّم المحرِّك للميكانيكيِّ سيرجع لك جديدًا، وعينك التي بها الماء الزرقاء ستعود مُبصرةً بعد أن كانت عمياء.. وهذا ما يجهله المسلمون لعدم وجود المربي الحكيم المزكي فقيهِ القرآن وفقيهِ الإسلام.

نسأل الله عز وجل بفضله وإحسانه أن يتفضَّل علينا بما يُسعِدنا، وبإسلام حقيقيٍّ وإيمانٍ صادقٍ، وإن كنا نغشُّ فإننا نغشُّ أنفسنا، وإن كنا نمكر فإننا نمكر بأنفسنا، وإن كنا لا نبالي فمعنى ذلك أننا لا نبالي بمستقبلنا ولا بسعادتنا، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

حكم زوجة الكافر التي أسلمت وهاجرت

قال: هذا الذي فقد زوجته بالتجائها للمسلمين تضرَّر، فعلى الذي يَتَقَبَّل الزوجة ويحميها أن يتحمَّل العُطْل والضرر، وبماذا تضرَّر الزوج؟ لقد دفع مهره، قال: عليكم أن تقبلوا زوجته وتحموها من أذى الكفار المشركين عبدة الأصنام، وتُرجِعوا له مهره الذي دفعه إليها.. وليست الزوجة هي مَن تدفع، لأن الزوجة صار المهر ملكها بمجرد الدخول، إذن مَن يتحمَّل المهر؟ قال: المجتمع الإسلاميُّ.. إنّ هذه الآية إذا قرأناها بالقلقلة والمد المتصل أو المنفصل ماذا نفهم منها؟ وكذلك إذا قرأناها على روح الوالد أو الوالدة أو جدتك أو عمتك أو خالتك.. لقد كان في حال حياته لا يستفيد من القرآن.. فإذا كان في حال حياته لم يرضَ أن يأكل البقلاوة، [البَقلاوَة: من ألَذِّ وأغلى أنواع الحلوى]، وبعد أن مات ملأنا قبره بدل التراب بقلاوة، هل يستفيد منها شيئًا؟ هذا حال المسلمين اليوم، ويا حسرتي عليهم!

طَلعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللهِ وَقالَ: العِبادُ قَد ظَلَمونِي يَتَسَمّونَ بِي وَحَقِّكَ لا أَعرِفُ مِنهُمُ أَحدًا وَلا يَعرِفُوني

قال: ﴿وَآتُوهُم يعني أعطوا الذين فقدوا زوجاتهم اللَّوَاتِي هاجرن إلى الإسلام وإلى المدينة، ﴿وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا يعني من مَهر.. وهذه المرأة صارت عزباء من غير زوج، فهل يجوز لها أن تتزوَّج؟ مع أن لها زوجًا لم يطلِّقها، وقد أتت رغمًا عنه.. قال: فهذا الحكم يفسخ النكاح، ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الممتحنة:10] أي أن لها مهرًا آخرَ، والمهر الذي أخذته من الكافر لا تردُّه إليه، بل وتأخذ المهر من الزوج الجديد المسلم.. ويقولون: إن المرأة مظلومة في الإسلام، ويجب أن تأخذ حقوقها! ولكنها تأخذ المهر مضاعَفًا، وبدل المهر يُقدَّم لها مهران، ثم يقولون: إنها مظلومة! وفي زمن النبي ﷺ كان المهر مُقَدَّمًا، بينما اليوم فلها مهران عوض المهر، [مَهرٌ مُقَدَّم ومهرٌ مُؤَخَّر]، “ويُخرَب بيتُ الزوج” [بمعنى: يَهْلَك ويَفنى، ويَبْذُل كل ما يملك، ويستدين فوق ذلك]، ويَتَكَلَّف باللباس والمصاريف وغير ذلك كثير. [هذا هو الوضع الاجتماعي في سوريا، حيث على الزوج كل النفقات من تأمين بيت ودفع مهر ولباس وطعام وغيره كثير، ولا تُكَلَّف المرأة أي شيء، إلا إن جادت أو جاد أهلها بما يمكنهم عن طيب نفس منهم].

كنتُ أسمع من شيخنا يقول: في أفريقيا في بعض القبائل إذا أراد الشابُّ أن يتزوَّج يُجرون له اختبارًا ليعرفوا هل يَصْلُح وهل يصمد ويستطيع أن يتحمَّل المسؤوليات.. والامتحان هو أن يأتوا له بعشر شباب، وكلُّ واحدٍ بيده عصًا من أحسن ما يكون من الخيزران، ويضربونه ضربًا مبرحاً، على أي مكان في جسده، فإن قال “آه” أو “أوه” يسقط في الامتحان ولا يصلح للزواج.

من عادات الزواج التي ترهق الشباب

وهنا [في بلدنا] بدل أن يُضرَب عشر عِصيٍّ يُضرَب خمسين عصًا، فإنهم يُهلِكونه في الحفلات واللباس والتكاليف، لماذا ثوب ليلة العرس الأبيض؟ أليس بعد ذلك للقمامة؟ أليس هذا إسرافًا وتبذيرًا؟ يصير الرجل مغبوناً وخاسراً، بل هي التي تصير خاسرة، لأنها بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج تَطلب منه أن يأتي باللحم ومتطلَّبات البيت، فيقول: أنا مديون، عليَّ خمسون ألفًا أو مئة ألف أو مئتا ألف دَيناً.. ومَن يتحمَّل هَمَّ هذه الديون التي أُنْفِقَت إسرافاً وتبذيراً؟ الزوجة ذاتها.. فأين الزوجة العاقلة؟ والأب العاقل؟ والحَماةُ العاقلة؟ [الحَمَاة: أم الزوج أو أم الزوجة]، ((خير النساء ما قلَّ مهورهنَّ)) 13 .

وأنا حين زوَّجتُ “ابنتي وفاء من الدكتور محمود” في صباح العرس أعطتْه كلَّ ما قدَّم لها من ذهبٍ وحُلي وأساور وما شابه، وقالت له: خذها وبِعها وأوفِ دَينك، “وأنا لو أعلم من الأصل أنه غير ميسور الحال..” [هذه الجملة تُفِيدنا معنى آخر غاية في الأهمية، وهو أن الشيخ لم يكن يعلم الحالة المالية لصهرِه وزوج ابنته، ولم يسأل عنها ولم يهتم بها أبداً، وربما لم تخطر على باله، لأن كل اهتمامه كان على اختيار الزوج الصالح العالم صاحب العقل الحكيم والأخلاق الفاضلة.. والجملة التالية -التي أتت بأسلوب تربوي توجيهي- تخبرنا بطريقة غير مباشرة عن طيب أخلاق صهره الدكتور محمود، الذي اهتم كثيراً برعاية زوجته وإكرامها، ولم يرضَ أن يكون حظُّها الدنيوي من الفرح والسرور أقل من مثيلاتها في المجتمع، كيف لا، وهي ابنة شيخه! فهي أهل لكل إكرام وتوقير]، فلماذا هذه الشكليَّات؟ إنما المقصود هو الزوج الصالح والزوجة الصالحة، وليكن جلوسهم على حصيرٍ، ثم سيفتح الله عليهم فيما بعد.

[ابنة سماحة الشيخ هي الحاجة وفاء كفتارو، وهي عالمة مُرَبِّية داعية، كانت من كبار الداعيات والمربِّيات في دمشق، ربَّت وعلمَّت أجيالاً وآلافاً من البنات والنساء في سوريا، وكان دَرسُها يحضره آلاف الأخوات من تلامذتها، وكانت المرأة الأولى المسؤولة عن الدعوة النسائية عند والدها سماحة الشيخ أحمد كفتارو وفي مُجَمَّعِه الإسلامي؛ أبي النور.

وزوجُها فضيلةُ الشيخ الطبيبُ محمود البَرْشَة، وقد تربى منذ نعومة أظفاره عند سماحة الشيخ، وهو إضافة إلى تخصصه بالطب وتميّزه فيه فهو عالم فقيه، كان يُدَرِّس مادة الفقه في كلية الدعوة الإسلامية في مجمع أبي النور، وكان خطيب الجمعة في مسجد أبي النور لسنوات طوال، وله نشاطاته الدعوية والعلمية والتربوية الأخرى، ومن أشهر ما تميَّز به في الطب معالجَتُه بالصوم الطبي الذي كان بتوجيهٍ له من سماحة الشيخ كفتارو، فقد عالج عشرات الآلاف -دون مبالغة- من المرضى بطريقة الصوم الطبي، وكَتَبَ اللهُ على يديه بذلك شفاء حالات مستعصية مزمنة، ما كان أحد من الأطباء يتصور شفاءها].

التعليم القرآني بوجوب حماية المؤمنات المهاجرات

قال: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [الممتحنة:10] إذا قرأنا هذه الآيات على الأموات ماذا يستفيدون؟ هل أحدهم يرجع ويتزوَّج؟ هو لم يبقَ به لحمٌ ولا عضلٌ ولا عظم وصار ترابًا، وهذه الآية للأحياء وللفهم والعلم والتطبيق والتنفيذ، وهي على مستوى العالَم، ففيها أمور دولية وفيها أمور عائلية، وهذه الزوجة المهاجرة على كلِّ حالٍ فارقت زوجها وأهلها، فإذا بحثنا لها عن زوجٍ من المسلمين فإننا نقدِّم لها مهرًا جبرًا بخاطرها وتعويضًا عمَّا فقدَتْ من أهلٍ وعشيرة ومالٍ قد يكون لها.

قال: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10] أنتم يا أيها المسلمون إذا كان عندكم زوجات وثنيات عابدات صنم ومشركات عليكم أن تطلِّقوهنَّ، وكان عند سيدنا عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي الله عنه زوجتان فَطَلَّقَهُما 14 ، لأن الوثنية عابدة الصنم الملحدة لا يحق للمسلم أن يتزوج بها، وهذا حرامٌ، أما اليهودية أو النصرانية فهذه فيها إيمانٌ، وإن كان فيه إشكال، ولكن الإسلام أباح الزواج بها، وإذا رأت الإسلام الحقيقي فإنها تجد في إسلامها مسيحيتها، وتجد توراتها وتجد كلَّ ما جاء به موسى وعيسى عليهما السَّلام، وبعد إقرار النبي محمد ﷺ للديانتين أتى ببناء الدولة العالمية ووحدة شعوب العالَم، وما أتى بشيء ينقض ما سبقه من أديان الأنبياء وشرائع السماء التي أنزلها الله عليهم.

قال: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ [الممتحنة:10] وأيضًا إن ارتدَّت إحدى المسلمات في المدينة، ولحقت بالكفار إلى مكة فطالبوهم بالمهر الذي دفعتموه لها، وبالمثل إن هاجرَتْ امرأة من مكة إلى المدينة ولجأت لكم فلزوجها الحق أن يطالب بالمهر الذي دفعه لها، ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] كل شخص له حقٌّ أن يطالب بحقه، ولو كان كافرًا وثنيًّا وعابد صنم، فهل في الإسلام تحيُّز؟

[إنّ الأمم المتحدة والغرب اليوم سَنوا القوانين الدولية]، هم قنَّنوا، لكن هل يطبِّقون؟ هم يعنون بحقوق الإنسانِ الإنسانَ الغربي والإنسان الأوروبي والأمريكي، أما الإنسان في البوسنة والهرسك فلأنهم مسلمون يُذبَحون بعشرات الألوف نساءً ورجالًا وأطفالًا وحواملَ وشيوخًا وعُجَّزًا وحرقًا وهتكًا للأعراض.

طرفة الغيور مثال على الغيرة المزعومة للأمم المتحدة وكذبها في تطبيق القوانين

مثل هؤلاء مثل قصة قد أحكيها لكم، وإن كان فيها شيء.. هل تريدون أن أحكيها لكم؟ [يقول الحضور: نعم، نريد أن تحكيها لنا].

مثل قصة الغَيُوْر، يقال: اشتُهر عن أحدهم في مدينة أنه غيورٌ جدًا، فزاره واحد من الناس الذين يحبُّون أن يتتبَّعوا الأشياء النادرة مثل الصحفيين ليرى ما سبب تسميته بهذا اللقب العظيم، فذهب إليه ليسأله عن سبب هذه الشهرة، وقال له: أنا ضيفك.. وكانوا يقبَلون الضيف ثلاثة أيام، ثم قال له: بلغني عنك أنك مشهورٌ بلقب الغيور، فما قصة هذا اللقب، وهل هو مجرد لقب ورثته من أب أو جَدٍّ؟ فقال له الرجل: لا، بل هذا أنا، وهذا بسبب أعمالي وأخلاقي، ولذلك استحققتُ هذا اللقب.. قال له: من المعروف أن الغيرة تكون على العِرض، فماذا فعلتَ حتى استحققتَ هذا اللقب؟ فقال له: يأتيني الضيف، وأنا عندي الجواري والسراري، ومِن إكرام الضيف أن أُطعمه وأسقيه، وآتي له -زيادة في الإكرام- بالجواري ليغنين له.. والجواري هن زوجاته.. قال: فبينما هن يغنين له لا أراه إلا وقد غمز بعينه إحداهن، وغمزته هي أيضاً، وأنا غيور، فأشعر أنني أحترق من داخلي لشدة غيرتي حتى أصير رماداً، وأهِمُّ أن أضربه وأكسِّر رأسه بهذه العصا، فأتذكر قول النبي ﷺ: ((كَادَ الْحَلِيمُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا)) 15 ، فأقول لنفسي: اصبر فربما كانت الابتسامة بريئةً وغير مقصودة، وبعد ذلك لا أراه إلا وقد لمسها بيده ولمستْه، وأنا غيور، فتشتعل النار داخلي، وأُهِمُّ أن آخذ العصا وأضربه وأقتله، ولكنني أتذكَّر قول القرآن: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، و((كَادَ الْحَلِيمُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا))، ثم أُهدِّئ نفسي.. [الحضور في ضحك مستمر مع سماع الطرفة] قال: فلا أراه إلا قد مد يده إليها ومدَّت يدها إليه، فلما أرى ذلك أصير ناراً موقودة تحرق كل شيء، فأهِمُّ أن آخذ السيف ولا أقطع رأسه فقط، بل أُقَطِّعه قِطَعاً قِطَعاً، ولكني أتذكر كلامَ النبي ﷺ.. وكما تعلم فإنّ كلام النبي ﷺ واجب الاتباع، وقد قال الله فيه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، فأُهدِّئ نفسي.. قال: هل ترى تلك الغرفة هناك؟ هذه الغرفة فيها سرير، وفيها لوازم النوم كاملة، وعلى بابها قفل قوي يُقْفَل من الداخل ولا يقدر على فتحه خمسون رجلاً.. قال: لا أراه إلا وقد أدخلها تلك الغرفة وأغلقا الباب، ثم أسمع اللعب والضحك، وحينها أجنّ وأحترق.. ولذلك سمَّوني الغيور. [يضحك الشيخ ويضحك الحضور].

وهكذا يفعلون بأهل البوسنة والهرسك، يبقون صامتين حتى لا يبقى منهم لا رجل ولا امرأة ولا طفل ولا عجوز ولا بيت ولا جامع، لأنهم يغارون على القانون وعلى حقوق الإنسان، وهو دجلٌ في دجلٍ في دجل.. وحين كانت لهم المصلحة ليحتلوا منابع البترول في الكويت هم أوجدوها، وصَدَّام [رئيس العراق] كان أقلَّ من طفل إذا لم يكن غير ذلك، فهنا غاروا وكانوا غيورين، أما في البوسنة والهرسك [فلا تتحرك غيرتهم]، وكذلك في فلسطين، فمنذ خمسين سنة وخمسون لجنة تذهب للتعرُّف على أحوال الفلسطينيين، ولكنهم إلى الآن ما كانوا يفهمون، ولا يزالون أطفالاً بعمر شهرين، فمهما أُعْطُوا من دروس لا يستوعبون ولا يفهمون.. وهذا سببه بُعدُ المسلمين عن الإسلام فهمًا ومعلمًا ومربِّيًا وحكمةً وحكيمًا.

العداء الصريح للإسلام من قبل قادة الغرب

تاتْشَر رئيسة وزراء إنكلترة، حدثني عنها الأستاذ شوقي أبو خليل في هذا الأسبوع قال: أنا سمعتُها بأُذُني في بعض الإذاعات تقول: بأنه كان للغرب عَدُوَّان: هما الشيوعية وقد انتهينا منها بلا خسائر، وبقي عدوُّنا الأوحد وهو الإسلام.

وهذه رئيسة وزراء وفي الإعلام العالمي، وبلا حياء ولا خجل ولا أي شيء! ولا زال المسلمون.. نحن وراءهم نسير، وهم أنبياؤنا ونحن صحابتهم! [هذا حالنا وحال العرب والمسلمين في التبعية والتقديس للغرب].. وبماذا نُقلِّدهم؟ نقَلِّهم بالمُحَقَّرات والمَبَاذِل والتوافه والخمور والرقص والمُوْضَات وبكل ما يُخالِف الإسلام، وهم بهذه الصفات، ولكننا لا نعي ولا نعقل، ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11]، فهل نرجع للإسلام وللقرآن؟

غلادستون رئيس وزراء إنكلترة من مئة سنة تقريبًا أو أقلَّ في البرلمان ومجلس العموم أخذ المصحف وقال: “ما دام هذا بين المسلمين فلا نستطيع أن نستعمرهم”، والذي بين أيدينا نحن ورقٌ هشٌّ وكرتون، وليس القرآن الذي نزلت معانيه في القلوب، واستقرّ في العقول، وانعكس في الأعمال والأخلاق والسلوك قلبًا وعقلًا وأداءًا للفرائض واجتناباً للمحارم والتزاماً بالمعلم وركضاً إليه ولو زحفًا، لأنه هو من يَضَعُ “دولابنا” [عَجَلَتنا] على سِكَّةِ الإسلام.. هذا إن لم نكن نعادي الإسلام بفهمٍ أو بغير فهم، بعقلٍ أو بغير عقل، بأخلاقٍ أو بغير أخلاق، وهل ننتصر مع هذا الحال؟ إذا أردنا أن ننجح علينا أن نكسب رضاء الله وأن نكون مسلمين

تَرجُو النَّجاةَ وَلم تَسلكْ مَسالِكَها إنَّ السَّفِينةَ لا تَجرِي عَلى اليَبَسِ

حكم الزواج من المسلمات بعد فراق زوجها الكافر

قال: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ أي المهاجرات ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لو أخذَتِ المهر من الأوَّل [أي الكافر]، فإنها تأخذ المهر أيضًا من الثاني [المسلم]، ويقولون: إن الإسلام ضيَّع حقوق المرأة! أليس كذلك؟ لقد مُسِخت عقول المسلمين وعقول العرب، وهكذا وصف النبي عليه الصلاة والسلام العرب في آخر الزمان فقال: ((أَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ وَقُلُوبُهُمْ)) يعني عقولهم وأفعالهم ((قُلُوبُ الْأَعَاجِمِ)) 16 .

﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10] إذا وجدْتَ مهاجرة مؤمنة بالله وبرسول الله ﷺ وفقيهةً بالقرآن والحكمةِ ومُزكاةَ النفس، فهل [تتركها] وتأخذ امرأةً [عابدة حجَرٍ جاهلةً حمقاء] البقرةُ أحسن منها والخنزيرةُ أحسن منها؟ لأنها كالحيوان أو أشَرّ.

إنّ الإسلام علمٌ وعقلٌ حكيم وأخلاقٌ عالية ونفس مُزكَّاة فاضلة، وهذا هو الإسلام، ومَنِ ادَّعى الإسلام ولم تتحقق فيه هذه المعاني فهو صاحب أمانٍ، والأماني لا تُغني من الحقيقة شيئًا.

قال: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ إذا ذهبت زوجاتكم فطالِبوا بالمهر، وهم كذلك بالمقابل ﴿وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ أي إنّ نقض المعاهدة هو من أجل نصر المرأة وإنقاذها وإنقاذ ضعفها من تسلُّط الرجل الكافر الوثني، ﴿ذَلِكُمْ أي نقض المعاهدة ﴿حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ [الممتحنة:10] فإذا نَقَض المعاهدة في حق المرأة فإنما نَقَضها نصرةً لها، وإنقاذًا لها من هلكةٍ ومن شقاءٍ، ونَقَضَها عن علمٍ، والعلم هو الحقيقة التي يجب أن يُعمَل بها، وهو العدل والإنصاف، حتى لا يُداس ويُعذَّب وتُنتَهك حرمة ضعيف، ولا يُمكَّن ظالم وجائر من العدوان على المرأة، والله عز وجل ﴿حَكِيْمٌ [الممتحنة:10]، يضع الأشياء في مواضعها، ولا يُشَرِّع ولا يَحْكُم إلا بما يوافق الحق والعدل والقسط والواقع.

قال: ﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ أي ربما ذهبَت زوجة مسلمٍ إلى الكفار وطالب زوجُها بمهرها فلم يدفعوا له، فهذا صار أرمل وليس معه مهر، ولا يستطيع أن يتزوج، وقد أصابته هذه المصيبة بسبب الإسلام، وحتى لو أتت مهاجرةٌ يمكنه أن يتزوج بها عليه أن يدفع لها مهرها، مع أنهم [الكفار] لم يدفعوا له مهر زوجته، فماذا يحصل له؟ هل يضيِّعه الإسلام؟ لا، فإنْ ذهبتْ زوجته ودَفَعوا له مهرها كان بها، وإلا فادفعوا له من أموال الغنائم، أي من مال الدولة.. فالدولة مُجبَرةٌ على أن تُقدِّم له مهرًا ليتزوَّج ويدفع للزوجة الجديدة مهرها.

﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ صار تبادل وشيءٌ مقابل شيء، ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ يعني في تطبيق هذه الأحكام، ودائمًا إذا جاءت تقوى الله تُصرف إلى أقرب ما ذَكَرَه القرآن، ﴿الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ [الممتحنة:11].. وهذا حين نسمعه في الراديو هل نفهم شيئًا؟ وإذا فهمنا هل نفهم عدالة الإسلام ونظام المعاهدات؟ وأين يوجَّه هذا؟ يُوَجَّه لرجال الدولة ولرجال السياسة، وهذه آية دوليةٌ تختص بالدولة، وذلك حتى لا يَضِيْع الأعزب إذا فَقَد زوجته بسبب شؤون الدولة والمحاربات والمعاهدات وما إلى ذلك، ففي حكم الإسلام هل يَضِيْع حقُّ إنسان يتيمًا كان أو امرأة أو ضعيفاً أو عدوًّا؟ وحتى لو كان عدواً هل يضيع حقه؟ قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا [الإنسان:8] كيف يتيم المسلمين يجب أن نحنو عليه ونرحمه، وكيف يجب أن نحنو على فقيرنا ونرحمه، قال: ﴿وَأَسِيرًا [الإنسان:8] والأسير هو العدوُّ المقاتل الأسير، قال: فعليك أن تُعامله كما تُعامِل يتيمك ومسكينك.. وهذه حقوق الإنسان، والقرآن شَرَّعها، والمسلمون نفَّذوها مع أعدائهم ومع مقاتليهم، وهذا في حكم المعاهَد الذي بيننا وبينهم معاهَدة، وهم كل الدول الآن التي لا حرب بيننا وبينهم.. والقرآن يُطَبَّق عليهم بهذه الأحكام: “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”.

حرمة قتل السياح في بلاد المسلمين

وفي مصر الآن تسمعون أنهم قَتلوا بعض السُّيَّاح الألمان، فهل الإسلام يسمح بذلك؟ هل يُقرُّ ذلك؟ هل يُسامح بذلك؟ شرعًا يُعاقَب كقاتل نفسٍ، وهذا يحدث باسم الإسلام وباسم الدين! فكأنما هناك قوة خفيَّة تُفَهِّم السُّذج وأطفال العقول أن الإسلام هكذا، ليشوِّهوا الإسلام ويَعِيْبُوه في نظر العالَم.

أمَّا هذا العمل فليس بعملٍ إسلامي، ولا يُجيزه الإسلام، بل كلُّ زائر أو ضيف من أيِّ بلدٍ كان ومن أي دولة كانت يُعامَل كما يُعامَل المواطن، وهذا حكم الإسلام من الاحترام والتقدير والضيافة وما إلى ذلك، ونقول

طَلعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللهِ وَقالَ: العِبادُ قَد ظَلَمونِي يَتَسَمَّونَ بِي وَحَقِّكَ لا أَعرِفُ مِنهُم أَحدًا وَلا يَعرِفُوني

الذين يُسمُّونهم أصوليين تنقصهم الحكمة، فلا يجوز أن يثور المسلم على حاكم بلده، فهو من بلدك ومن وطنك ومن شمسك وأرضك وهوائك، وقد يحصل خطأ، والخطأ يُصَلَّح بالحوار ولا يُصَلَّح بالحديد والنار، وكم اعتدوا على النبي ﷺ في مكة؟ وكم اضطهدوا الصحابة وعذَّبوهم؟ فما قابل السيئة بالسيئة، ولَمَّا صار القتال في معركة بدر هم بدؤوا بمقاتلة النبي ﷺ، وفي أُحد هم أتَوا وقاتلوا عند المدينة، وفي الخندق والأحزاب هم أتوا وحاصروا، ولَمَّا فتح النبي ﷺ مكة ربط كلَّ الطرقات حتى لا يُسفَك دم، وهذا إسلام الفرد، وإسلام الدولة، وإسلام الجهاد.. الجهاد في سبيل الله كان لتحرير الشعوب من ظلم الاستعمار ومن اضطهاد الإنسان ومن منع العلم عن الشعوب، وكانت الشعوب مُحرَّماً عليها القراءة والكتابة، ولم يكن العلم إلا للنبلاء والحكَّام والملوك والعائلة المالكة، فأتى الإسلام وحارب الدول الظالمة ولم يحارب الشعب.

ولَمَّا فَتَح سورية ما حارب المسيحيين من الشعب، بل حارب الدولة المستعمِرة الظالمة؛ الدولة الرومانية، وحين حارب الفرس حارب الدولة وما حارب الشعب، لأجل أن يُفسَح المجال لتعميم العلم على الشعب، ولتعميم الرفاه والضمان الاجتماعي على الشعب، ولئلا يكون في المجتمع جاهلٌ ولا جائعٌ ولا مريضٌ بلا دواءٍ ولا عاطلٌ عن عملٍ، وإن عَطل عن العمل فالدولة مكلَّفةٌ أن تُقدِّم له معاشًا يقوم بكفايته مسلمًا أو غير مسلم.. فأيُّ دولةٍ في القرن العشرين والحادي والعشرين والثالث والثلاثين تستطيع أن تأتي بدستورٍ وقانونٍ كدستور الله عزَّ وجلَّ وقانونه؟ لأنه هل الله ربُّ المسلمين حتى يتعصَّب لهم أم إن الله رب العالمين؟ قال رسول الله ﷺ: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)) 17 .

الإسلام جميل ولكن شوهه بعض المسلمين

لماذا الناس منصرفون عن الإسلام؟ حتى المسلمون أنفسهم منصرفون عنه، لأنه لا يوجد من يُحسِن طبخ الإسلام طبخًا يستدعي الشَّهِيَّةَ لأكل ذلك الطعام، ونحن نُقَدِّم ملكة الجمال ليلة العرس، ولكن عند دخول هذه العروسِ ملكةِ الجمال إلى حفلة العرس إذ بها تنقلب إلى غوريلا، فإلى ماذا تنقلب الزغاريد؟ تنقلب إلى ولاويل وصراخ، ومن كان يرقص منهم يُداس عليه، وهذه الغوريلا كم امرأة تَقتُل؟ هذا هو واقع مفهوم الإسلام في العالَم الخارجي، وعند كثير من الناس في العالَم الداخلي، ولذلك نرى العالَم في هذا التخبُّط وهذا الظلام والظلمات والظلم، والمجتمع الإسلامي كذلك، أما الإسلام بحقيقته فهو أجمل من ملكات الجمال، وأحلى من العسل، وأطيب من نسيم الصباح، وأحلى منظرًا من المناظر الطبيعية، لكن أين هذا الإسلام الذي نتنعَّم ونتمتَّع به؟ ومن يُحسِن تصويره؟ ومن يُحسِن ترجمته بالأقوال والأعمال والسلوك والمعاملة؟

فإذا لم يَفْهَم الإسلام كلُّ واحدٍ منكم -نساءً ورجالًا- فهمًا عقليًّا وفهمًا قلبيًّا روحيًّا ربانيًّا، وإذا كل واحد منكم ما ذكر الله ذكرًا كثيرًا، وصار الله ورسوله ووارثُ رسوله أحبَّ إليه من كلِّ محبوب، فلا يَطْمَع أن ينالَ حقيقةَ الإسلام، ولو صورةً جزئيةً، أما أن يناله بكليَّته وجماله فهذا شيء غالٍ تُبذَل في سبيله المهج والأرواح، وإن حَصَلتَ عليه فما بذلتَ فهو القليل والضئيل، وما ربحتَ هو الكثير الكثير.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ [الممتحنة:12] كانت الآية السابقة دوليَّةً وفي حقوق الإنسان، أما هذه الآية فهي تُعلِّم كيف نُقيم المجتمع النسائي، وكيف يربِّي الإسلام المرأة ويُدخِلها في مَصْنَعِه مادةً خامًا، مثلما تدخل مادة الحديد الخام، التي هي أحجار وتراب، حيث تدخل في المعمل أحجارًا وترابًا، وتَخْرُج من الطرف الآخر سيارة وطائرة.. ولكن إن بقي الحديد ترابًا وأحجارًا، وبقي الذهب ترابًا وأحجارًا فما الفائدة منه؟ وهكذا المسلمون الخام عندهم اسم الإسلام، واسم الطعام على الورق هل يُشبِع؟ واسم الزوجة على الورق هل تُنجب؟ وهكذا إسلام القول وإسلام التمني وجوده وعدمه سواء.

لماذا لم يكسر النبي ﷺ الأصنام لما كان في مكة؟

قال: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ فكان النبي ﷺ يأخذ العهد والبيعة على كل مؤمنة حين تؤمن وتسلم: ((هل تُعاهدينني -تبايعينني- على أن لا تُشركي بالله شيئًا)) الله واحد، ولا تؤمنين إلا بشريعته ومبادئ قرآنه، وإلا بما يدعوكِ إليه رسوله ونبيه ﷺ، ﴿عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا [الممتحنة:12]، كالأصنام والأوثان، ولقد كان حول الكعبة ثلاث مئة وستون صنمًا، وهل يجوز الطواف حول الكعبة وحولها ثلاث مئة وستون صنمًا؟ [سماحة الشيخ يسأل الشيخ بشير:] هل يجوز يا شيخ بشير أن يضعوا الأصنام حولها وتطوف بالكعبة؟ النبي ﷺ طاف بالكعبة وكان حولها ثلاث مئة وستون صنمًا، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو سيد الآمرين وسيد الناهين؟ وكان يستطيع أن يكسر صنمًا أو اثنين من الأصنام، ألا يقدر؟ يأخذ مطرقة ويكسر عددًا منها، لكن ماذا ستكون النتيجة؟ يهجمون عليه فيقتلونه، أَمَا قتلوا الأنبياء قبلَه؟ فافهموا يا أبنائي الحكمة التي هي ثلث الإسلام: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ثلث، ﴿وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] العقل، ((إذا أردتَ أمرًا فتدبَّر عاقبته)) 18 ، وذلك في السياسة والحرب والاقتصاد والزراعة وفي كل شيء، تَدَبَّرْ عاقبته في دنياك وفي آخرتك.

والدنيا مهما كانت فأمرها بسيط، والإسلام يضمن لك النجاح في الدنيا والآخرة، ولكن المسلم لم يفهم من الدنيا إلا هواه وأناه وشهواته وغروره ولهوه ولعبه، فالدنيا لعب ولهو [كما قال القرآن الكريم]، ولكن الإسلام كله مسؤوليات، ومسؤولياته حتى عن خواطر النفس، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] ماذا يعني ذلك؟ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ [النحل:19] ما معنى “ما تُسِرُّون”؟ يعني أنت مسؤولٌ عن ضميرك ووجدانك وعن نواياك وتخطيطك ولو لم تفعل، ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، فكيف إذا نويتَ وفعلتَ؟ نويتَ السوء ونفَّذتَ السوء.. فهل أنت مؤمنٌ بهذه الآية؟ يقول: قرأتُ ختمة وختمتين وعشرة وعشرين.. ولكنك ما قرأتَ ولا نصفَ رُبعِ حرفٍ من القرآن، ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5].

من بنود بيعة النساء عدم السرقة

﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ما معنى يبايعنك؟ أي يُردنَ أن يعاهدنَك ﴿عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ [الممتحنة:12] قد تسرق من مال زوجها، وتتصرف بمال زوجها بغير علمه أو بغير إذنه لنفسها أو لغيرها، فعليها أن تُعاهد النبي ﷺ أن لا تأخذ من مال زوجها إلا بعلمه ورضاه وضمن الحقوق الشرعية، فأن تتصرَّف بقليل أو كثير يُعتبر تصرُّفًا غير إسلامي، وهي غير مسلمة [الإسلام الذي يعلِّمه النبي ﷺ].

وفي كتب الفقه ذكروا بأن الضيف إذا كان على مائدة مضيفه، يعني كان مدعواً، وجاءت قِطَّة فقدَّم لها قطعة صغيرة من الطعام، فهل هذا يجوز أو لا يجوز؟ قالوا: إن هذا لا يجوز وهو حرام، لأن صاحب الدار دعاك لتأكل، وما دعاك لتطعم غيرك ولو كانت هرةً، فهل هذا ذوق أم لا؟ هذا فهمٌ وحقٌّ وعدلٌ، ومعنى هذا أنه إذا كان مع القِطَّة كذلك فكيف بما فوق القِطَّة؟ فإن كنتَ مدعوًّا لا يجوز لك أن تدعو صاحبك وتقول له: “تفضل معنا”، وهذا الذي دعوته ما اسمُه؟ طُفَيليٌّ أو مُتَطَفِّل، فلا يحق لك أن تدعو غيرك لأنك لستَ صاحب الدعوة، ويمكنك أن تدعو الناس إلى بيتك أمَّا إلى بيت غيرك فلا، وأنت [الطفيلي] الذي استجبتَ للدعوة، هل دُعيتَ؟ لكن المسلم لا يفهم ذلك

طَلعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللهِ وَقالَ: العِبادُ قَد ظَلَمونِي يَتَسَمَّونَ بِي وَحَقِّكَ لا أَعرِفُ مِنهُم أَحدًا وَلا يَعرِفُوني

عليك أن تستأذن من صاحب البيت: هل تأذن لي أن أُطعم هرَّتك؟ وقد تكون هرة غيره أو هرة جيرانه.. إن فعلتَ ذلك ألا يضحك الناس منك؟ هم إذاً يهزؤون بأحكام الإسلام، ومَن يهزأ بأحكام الإسلام أو يرفضها أو لا تُعْجِبه هل هو من المسلمين؟ أين نحن يا بني! إن هذا سببه عدم وجود المربي الْمُزكِّي، لقد صارت الجوامع مصلَّيات، بينما كانت مستودعات العلم ومستودعات الحكمة والتزكية، وكان النبي ﷺ هو إمامها وهو مدرِّسها وخطيبها وهو واعظها ومرشدها، وماذا أنتج ذلك المصنع؟

يقول عليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل: ((رَأيتُني في الجَنَّةِ، ثُمَّ وُضِعْتُ فِي وِعاءٍ)) مِثل كُرسيٍّ أو كذا ((فَوُزِنَتْ بي الأُمَّةُ كُلُّها، فَرَجَحْتُ عَليها، ثُمَّ أُتِيَ بِأَبِي بَكْرٍ فَوُضِعَ فِي كِفَّةٍ، وفي الكِفَّةِ الأُخرَى وُضِعَتْ كُلُّ الأُمَّةِ، فَرَجَحَ عَلَيها)) بعد النبي ﷺ ارتدَّت العرب، ولولا حزم أبي بكر رضي الله عنه وعزمه وحكمته وعقله لذهب الإسلام، ((ثُمَّ أُتِيَ بِعُمَرَ، فَوُضِعَ فِي كِفَّةٍ، وَالأُمَّةُ كُلُّها فِي كِفَّةٍ، فَرَجَحَ عُمَرُ عَلَى كُلِّ الأُمَّةِ)) 19 .

فمَن أوصل الإسلام إلى إيران وأفغانستان؟ ومن حرَّر سورية وفلسطين والأردن ومصر وتونس؟ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وبعدهما سيدنا عثمان رضي الله عنه، وقد وصل جيشه إلى المحيط الأطلسي، وفُتحت قبرص في عهد عثمان رضي الله عنه، فهل نقدر أن نفتح قبرص الآن؟ هل نستطيع أن نفتح قرية صغيرة نحن وكل الجامعة العربية؟

إنّ مِن النَّكَبَات [التي تصيب الإسلام والمسلمين اليوم] قوىً خفية، وكذلك مَن يتصدرون للدعوة الإسلامية وهم لا يحملون كفاءة الدعوة، فهم يُؤذُون الإسلام والمسلمين حكوماتٍ وشعوبًا.

الأصولية ووصف المسلمين بها

لقد وُجِدتْ كلمة “أصوليين”، وهي لا وجود لها في اللغة العربية وفي الإسلام، وهي كلمة أوروبية غربية، وكلمة “الأصولي” تعني بالمصطلح والقاموس الأوروبي أنه الذي يريد أن يفرض رأيه على الغير من غير محاورةٍ ولا بحثٍ عن الحقيقة.. وقد اتُّهم الإسلام اليوم بالأصولية، واتِّهام الإسلام تنقيص له وتنفير منه.

[يجدر التنويه هنا عند تعريف الأصولية في الغرب أن كلمة الأصولية بالمفهوم الغربي ليست نفسها بالمفهوم العربي، إلا ما ندر من المثقفين الدارسين الفاهمين لهذه الكلمة، حيث إنها ترتبط عند عامة المسلمين بالعودة إلى الأصول من العلوم والتمسك بها وتطبيقها والتعصب لها، ومما يدعم ذلك أن هناك علم إسلامي عظيم يَدْرُسه كل طالب علم، وهو: الأصول، أو أصول الفقه، فكلمة “أصول” كلمة إيجابية وصفة علمية رائعة.. وهنا يظهر الفرق الشاسع بين المفهومَين للكلمة، وبذلك نكتشف السِّرّ وراء احتقار الغرب لهذه الكلمة، بينما يُصرِّح كثير من المثقفين العرب والمسلمين بقبول هذه الصفة وهذا الاتهام على أنفسهم.. ولا يخفى علينا عند فهمنا لتعريف الأصولية عند الغرب أن الأصولية -من التعصب للجهل وفرض الرأي بالقوة- كانت منتشرة قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحاربها وحرر المسلمين من ظلماتها].

قرأتُ تصريحاً لرئيسنا في مجلة التايم، وقد سألوه عن الأصولية، وكانوا مستنكرين لها، وقرأت الجواب الحكيم الذي وُفِّق له الرئيس، حيث قال لهم: “أنا لو كنتُ شابًّا لكنتُ أصوليًّا” وذلك تجاه أعمال الغرب في قضية فلسطين وغير فلسطين من انتهاك حرمة الإنسان والظلم المتواصل وعدم تنفيذ الحقوق والقوانين الدولية في شأن فلسطين.. نسأل الله أن يجمع كلمة العرب كلِّهم، ولكن هذا يحتاج إلى حكماء وعلماء وفقهاء بالمعنى الحقيقي.

لقد حضرتُ مؤتمرًا دينيًّا منذ مدة قريبة في بلدٍ عربيٍّ للدعوة الإسلامية، وقلت لهم: أنتم تعلِّمون علومًا نظرية، فالجامعات الدينية كالأزهر وغير الأزهر والكليات الدينية كلُّها نظرية.. وهذا كتعليم السباحة نظريًّا، وأنا أستطيع أن أعطيكم درسًا في السباحة وأقول لك: ألقِ نفسك في النهر أو البحر، وحرِّك يديك ورجليك هكذا، تبقى عائمًا على وجه الماء، فارمِ نفسك في البحر لنرى.. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تدريب، وكذلك رُكوب الدراجة بسيط، أقول لك: اركب على مقعد الدرَّاجة، وضع يديك على المِقوَد، وحَرِّك برجليك هكذا، هل تستطيع بذلك أن تقود الدراجة؟ وكذلك السيارة ليست صعبة نظريًّا، فقط حرِّك مفتاح التشغيل، وحَرِّر “الفَرَامِل” [المَكَابِح]، وضع السرعة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، وحرك المقود يمينًا وشمالًا، والحمد لله رب العالمين.. هل بهذا الشكل يَعرف كيف يقود السيارة؟ فتعليم الدين والإسلام والعلم صار اليوم نظريًّا لا تطبيقياً، والكنيسة عكس ذلك، فهي تربِّي الرهبان حين يكونون طلابًا، فالتهجد عندهم إلى أكثر من منتصف الليل، وعلى شدَّةٍ من التقشف والزهد والتعبُّد.

وطالب العلم الآن هذه الأمور كلها غير موجودةٍ في مشوار تربيته وبناء شخصيته وتعليمه، ولذلك لا يَنْتُج منه شيء، والشهادات بالألوف، والكتب بعشرات الألوف، والمسلمون لا يزالون في تقهقر وتأخُّر وتخلُّف واقتتال بعضهم مع بعض في كل البلاد العربية والإسلامية إلا ما رحم ربي.

قال: ﴿وَلَا يَسْرِقْنَ [الممتحنة:12] لا يجوز أن تأخذ من مال زوجها، ولا يجوز لك أن تأخذ من مال غيرك ولو كنتَ ضيفًا بأن تُطعم هرَّة صاحب البيت، فأنت مدعوٌّ لأن تأكل لا أن تُطعِم غيرك، وربما تكون محميَّة عن الطعام أو معها مرض السُّكَّر أو كولسترول. [يقول ذلك سماحة الشيخ ممازحاً وملاطفاً].

أَوَتَزني الحرة؟!

﴿وَلَا يَزْنِينَ [الممتحنة:12] حين قال لهم النبي ﷺ: ((تُبايعنَني على أن لا تزنينَ))، وضعت إحداهنَّ يدها على رأسها وقالت: “أَوَتزني الحرة؟ 20 ” فالزنا كان مِن سمات الجواري التي تُباع وتشترى في الأسواق، أمَّا الحرة، فما كانت المرأة العربية في الجاهلية تعرف الزنا، قالت: أَوَتزني الحرة؟ قال: فأُعجب النبي ﷺ بجوابها وكلامها.

قال: ﴿وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ [الممتحنة:12] كان العرب يقتلون أولادهم خشية الفقر، فلا يستطيع أن يربِّي ثلاثة أولاد فيقتل واحدًا أو اثنين، وكانوا يقتلون البنت خوفًا من أن تُسبى فيأخذها العدوُّ فينتهك عرضها، فيقتلونها خوفًا من العار، وكان يفعل ذلك الأم أو الأب، وكانوا يدفنونها وهي على قيد الحياة.. وأيضًا يجب أن لا تُعين زوجها على ذلك.. فكم أحسن الإسلام للمرأة، وللرجل، ولليهودي، وللنصراني، وللوثني، وأحسن إلى الإنسان! ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وهل قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العرب أو رب المسلمين أو الصوفيين أو السلفيين؟ بل ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

قال: ﴿وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ بأن تنسب لزوجها ولدًا ويكون ابن زنا، ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12] كلُّ ما تأمرهنَّ به إذا كان معروفًا فاضلًا يجب أن يفعلنَه، وإن أمرهنَّ بمنكر فلا يجب أن يفعلنَه، مع أن النبي ﷺ حاشا له أن يأمر بمنكرٍ، ولكن هذا تعليم لنا.. وإن كان المفسرون قالوا: من المنكر الذي نهاهنَّ النبي ﷺ عنه أن لا يَنحنَ، أي النياحة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ)) إذا مات زوجها أو ابنها أو أخوها ((وَشَقَّ الْجُيُوبَ)) الجَيْب: هو فتحة الصدر ((وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)) 21 ، بأن تقول: يا جِسْر بيتنا.. فأي جسر هذا؟ هل هو يرزقك؟ وهل هو خلقك؟ وهل هو سوَّاكِ؟ وتدعو بالويل والثبور، وقد نهى النبي ﷺ عن الدعاء بالويل والثبور، بأن يقول: “يا ويلاه”، وهذا من جملة ما بايعهنَّ عليه.

حرص الصحابيات على الالتزام بالعهد

وحين كان يبايعهنَّ سحبت إحداهنَّ يدها عن البيعة، والنبي ﷺ ما صافح امرأةً 22 ، ولكن كان قد أوكل إلى سيدنا عمر رضي الله عنه ببيعة النساء، فكان وراء الباب، وكان يمد يده من وراء الباب وهن يمددن أيديهن من الخارج وهو من الداخل 23 .. فأمسكت إحداهنَّ يدها عن البيعة وقالت: “يا رسول الله إن فلانة أَسْعَدَتْنِي فلا أبايعك على عدم النياحة حتى أكافئها فأُسعِدها” 24 ، يعني عندها ميت أُريد أن أذهب إليها لأنوح معها كما ناحت معي في عزائي.. فأَنعِمْ بهكذا امرأة جاهلية عندها من الأخلاق والوفاء، ما رضيَتْ أن تُبايع على الدين والإسلام حتى تُعطي لِمَن أحسن إليها وتكافئه بمثل ما كافأها.. والمصلِّي والصائم هل عندهم خُلُق الوفاء؟ وبعض الناس يربيهم الشيخ عشرة وعشرين وثلاثين سنة فيخرج مثل القطط، فالقطة عندما تَشْبَع تُدير ذيلها وتمشي، فالكلب خيرٌ منه.. نسأل الله أن يجعلنا أوفياء، وأن نكافئ بالإحسان إحسانًا وأن لا نكافئ على السوء سوءًا.

قالت: حتى أذهب إليها وأُسعِدها.. لأنها حين تنوح معها قد تخفِّف عنها المصاب، مع أنه قد يكون العكس، فذهبتْ فوَلْوَلَت معها فأسعدتها ورجعتْ ثم بايعت.. فإذا كانت هذه أخلاقهم في الجاهلية فكيف يجب أن تكون المرأة في الإسلام في حق كل من أحسن إليها؟ وكيف يجب أن يكون الرجل في الوفاء؟ وهذا الوفاء لشخص قد تعرفه أو لا تعرفه، وقد يكون قريبًا أو غريبًا، فكيف يجب أن يكون حبُّك لأخيك في الله الذي دلَّك وخدمك؟

سمعتُ من شيخنا قدس الله روحه حين أذاقه الله عز وجل طعم الإيمان القلبي ببركة شيخه الشيخ عيسى، قال: فكَّرتُ ساعةً كيف أكافئ شيخي على ما أوصلني إليه من سعادةٍ وعلمٍ ومعرفة؟ قال: فوجدتُني عاجزًا عن أن أكافئه، ففكرتُ أن أكافئ من دلَّني عليه، ففتَّشتُ فلم أجد عندي أغلى من عباءَةٍ من الوبر، فأخذتُها وقدَّمتُها هديةً لمن دلَّني على شيخي وعرَّفني به، وسألتُ شيخي: كيف أكافئك أو أُقدِّم ما وجب عليَّ ببركة صحبتك؟ قال لي: بالخدمة الصادقة.

أين نحن يا بني! نحن نقرأ في القرآن: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60] إذا قرأناها هل نفهمها؟ وهل نحاول أن نفهمها؟ وهل نقصد أن نفهمها؟ وهل نقصد أن نطبِّقها؟ إذا لم يكن كذلك فلماذا تقرأ القرآن إذاً؟ أَغلِقْه وبِع المصحف أو هَبْهُ لأحد ينتفع منه، لأنك لم تنتفع به، وإذا كان الثاني والثالث مثلك فلماذا هذه المصاحف؟ كثير من المسلمين يشترون الجِلد المذهَّب والورق المصقول، أما جواهر القرآن وروح القرآن فهم أزهد الناس بها، لأنهم أجهل الناس بحقيقتها، وبما تُوصِل إليه من سعادة ونصر وقوة وعزة ومجد وغنى في الدنيا وفي الدار الآخرة.

﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12] قالت امرأةٌ: أنا لا أُبايع، لأن هناك امرأة أسعدتْني وشاركتْني في عزائي ومصيبتي، وبما أن الإسلام يحرِّم ذلك فلا أبايع حتى أكافئها وأنوح معها، فقَبْل أن ألتزم بالقانون سأعمل عملًا واحدًا خارج القانون، وبعد ذلك أُعطي العهد.. فكم كان العرب في الجاهلية فيهم من الأخلاق أحسن من كثير ممن يدَّعي الدين والصلاة والصوم.. إلخ.

وحين قال: ﴿وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ [الممتحنة:12] كانت هِنْد بِنْت عُتْبَة زوجة أبي سفيان، فقالت للنبي عليه الصلاة والسلام: “لقد قتلتَ أولادنا ببدر”.. حيث قُتِل في بدر سبعون شخصًا من أشراف قريش، “فأنت وهم أدرى بما بينكما”، وفي روايةٍ قالت: “رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا، وَقَتَلْتَهُمْ كِبَارًا”، فَضَحِكَ سيدنا عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى اسْتَلْقَى على قفاه 25 ، وهذا الكلام يعتبر نوعًا من المباسطة، ولم يكن فيه الجِدِّ.

قال: ﴿فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة:13] وهنا يرجع إلى أول السورة حينما أرسل حاطب الكتاب لقريش يُحذِّرهم من جيش رسول الله ﷺ، واعتبرهم أولياءه وأصدقاءه، فقال: لا تتولَّوا الكفار وتخونوا دولتكم وأمتكم ودينكم.

﴿لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة:13] لذلك يا بُني، كلُّ من غضب الله عليه لا يجوز أن تكون صديقه، أو تقدِّم له شيئًا يكون ضد التربية الإسلامية، وضد التشريع الإسلامي، وضد الأحكام الإسلامية، ولو كان أباك أو أخاك أو عمك أو زوجتَكَ أو زوجَكِ أو أيَّ شخص كان: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] كيف يحارب اللهَ والنبيَّ ﷺ والإسلامَ وتكون أنت صاحبه وصديقه وتحبه؟ هذا لا يجتمع: ﴿لَا تَجِدُ، ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ يقول: واللهِ لقد استحييتُ منه، معنى ذلك أن مراعاتك له أغلى من مراعاتك لله.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. أسباب النزول للواحدي، رقم: (814)، ص: (444)، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ...﴾ الْآيَةَ [10]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ صَالَحُوا رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم، عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَخَتَمُوهُ، فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الكتاب- والنبيُّ صَلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةَ- فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا، وَكَانَ كَافِرًا، فَقَالَ: يا محمد، ارْدد عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا، وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
  2. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17798)، (4/197)، صحيح ابن حبان، رقم: (3210)، (8/6)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1248)، (2/91)، عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه.
  3. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
  4. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الحذر من الناس، رقم: (4861)، (2/682)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22545)، (5/ 289)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفَغْوَاءِ الْخُزَاعِيِّ، عن أبيه، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أَنْ يَبْعَثَنِي بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يَقْسِمُهُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فقال: «الْتَمِسْ صَاحِبًا» قال: فجاءني عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فقال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا، قال: قلت: أجل، قال: فأنا لك صاحب، قال: رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: قَدْ وَجَدْتُ صَاحِبًا، قَالَ: فَقَالَ: «مَنْ ؟» قلت: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: ((إِذَا هَبَطْتَ بِلاَدَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ: "أَخُوكَ الْبَكْرِيُّ وَلاَ تَأْمَنْهُ"))، فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء قال: إني أريد حاجة إلى قومي بودان، فتلبث لي، قلت: راشدا، فلما ولى ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم، فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه حتى إذا كنت بَالأَصَافِرِ إذا هو يعارضني في رهط، قال: وأوضعت، فسبقته، فلما رآني قد فته انصرفوا، وجاءني فقال: كانت لي إلى قومي حاجة، قال: قلت: أجل، ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان.
  5. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (18487)، (9/65)، وينظر مغازي الواقدي، ص: (111)، سيرة ابن هشام (2/104)، بلفظ: ((قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَانَ مِنَ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِمْ بِلاَ فِدْيَةٍ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبَنَاتِهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يَفْلِتَ، فَمَا أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ امْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأُعْطِيكَ عَهْدًا أَنْ لاَ أَعُودَ لِقِتَالِكَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَمْسَحُ عَلَى عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنَ»، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
  6. العقد الفريد لابن عبد ربه (2/105)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/302)، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: "لَسْتُ بِخِبٍّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ".
  7. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة، رقم: (3308)، (5/412)، بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِتُسْلِمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجِي مَا خَرَجْتُ إِلاَّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
  8. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (19951)، (4/438)، عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، بلفظ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْزُوا بَنِي فُلاَنٍ مَعَ فُلاَنٍ، قَالَ: فَصُفَّتِ الرِّجَالُ وَكَانَتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعُوا قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ اسْتَغْفِرْ لِي غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: هَلْ أَحْدَثْتَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَغْفِرْ لِي غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: هَلْ أَحْدَثْتَ؟ قَالَ: لَمَّا هُزِمَ الْقَوْمُ وَجَدْتُ رَجُلًا بَيْنَ الْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ، فَقَتَلْتُهُ، قَالَ: تَعَوُّذًا بِذَلِكَ حِينَ غَشِيْتُهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: هَلْ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: لاَ، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ، فَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ أَوْ كَمَا قَالَ)).
  9. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11025)، (11/54)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مسند الشهاب القضاعي، رقم: (508)، (1/305)، معجم ابن الأعرابي، رقم: (1954)، (3/926)، عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه.
  10. المدخل لابن الحاج، (2/ 295)، بلفظ: ((قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقُولُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ ظَالِمٌ))، وفي إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد للمليباري ص: (174)، عن أنس رضي الله عنه موقوفًا عليه: بلفظ: ((رُبَّ تَالٍ للقرآن وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ)).
  11. تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (1/376)، بلفظ: (حكي أن سليمان عليه السلام أتي بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه إلا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي إلى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل إليه الكلب فأجابه فقال له سليمان: لم لم تجب الفرس والبازي قال : إنهما جافيان لأن الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه وأما الكلب فإنه ذو وفاء حتى أنه لو طرده صاحبه من الدار يرجع ثانيًة فقال له: أشرب هذا الشراب؟ قال: لا تشرب لأنه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن)).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، (1/66)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
  13. صحيح ابن حبان، كتاب النكاح، رقم: (4034)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11100)، بلفظ: ((خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا))، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
  14. صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم: (2581)، تاريخ الطبري (2/125)، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، بلفظ: ((ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ.. حَتَّى بَلَغَ: بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ...)).
  15. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، رقم: (2823)، (5/310)، العلل المتناهية لابن الجوزي، رقم: (1221)، والمقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (788)، ص: (497)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
  16. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22930)، (5/340)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((اللهُمَّ لَا يُدْرِكْنِي زَمَانٌ، أَوْ لَا تُدْرِكُوا زَمَانًا لَا يُتْبَعُ فِيهِ الْعَلِيمُ، وَلَا يُسْتَحَى فِيهِ مِنَ الْحَلِيمِ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الْأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ))، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7740)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  17. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7447)، (6/43)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، (6/65)، مسند البزار، رقم: (6948)، (2/324)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه.
  18. الزهد والرقائق لابن المبارك، رقم: (41)، (1/ 14)، الزهد لهَنَّاد بن السَّرِي، رقم: (531)، (1/301)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِسْوَرٍ الهاشمي، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَارَكَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيكَ فَخُصَّنِي مِنْكَ بِخَيْرٍ، فَقَالَ: «أَمُسْتَوْصٍ أَنْتَ بِمَا أُوصِيكَ بِهِ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اجْلِسْ، إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، وَإِنْ كَانَ رُشْدًا فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيًّا فَانْتَهِ عَنْهُ».
  19. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (5469)، ورقم: (22286)، مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (32623)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ((خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ: فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ: فَهَذِهِ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَوُزِنَ بِهِمْ ثُمَّ رُفِعَتْ)).
  20. مسند أبي يعلى الموصلي، مُسْنَدُ عَائِشَةَ، رقم: (4754)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُبَايِعَهُ، فَنَظَرَ إِلَى يَدَيْهَا فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي فَغَيِّرِي يَدَكِ». قَالَ: فَذَهَبَتْ فَغَيَّرَتْهَا بِحِنَّاءٍ، ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي». قَالَتْ: أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ قَالَ: «وَلَا تَقْتُلَنَّ أَوْلَادَكُنَّ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ». قَالَتْ: وَهَلْ تَرَكْتَ لَنَا أَوْلَادًا نَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: فَبَايَعَتْهُ ثُمَّ قَالَتْ لَهُ وَعَلَيْهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ مَا تَقُولُ فِي هَذَيْنِ السِّوَارَيْنِ؟ قَالَ: «جَمْرَتَانِ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ». وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (8/237)، عن ميمون بن مهران، بنحوه.
  21. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، رقم: (1232)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب..، رقم: (103)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)).
  22. صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء، رقم: (1866)، سنن ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب بيعة النساء، رقم: (2875)، بلفظ: ((عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا)).
  23. تفسير القرطبي (18/63)، تفسير ابن كثير (4/426)، عَنْ أُمّ عَطِيَّة قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ نِسَاء الْأَنْصَار فِي بَيْت ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَامَ عَلَى الْبَاب وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَرَدَدْنَ أَوْ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ قَالَ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُنَّ قَالَتْ فَقُلْنَا مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّه وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّه فَقَالَ تُبَايِعْنَ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقْنَ وَلَا تَزْنِينَ قَالَتْ فَقُلْنَا نَعَمْ قَالَتْ فَمَدَّ يَده مِنْ خَارِج الْبَاب أَوْ الْبَيْت وَمَدَدْنَا أَيْدِينَا مِنْ دَاخِل الْبَيْت ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اِشْهَدْ قَالَتْ وَأَمَرَنَا فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نُخْرِج فِيهِ الْحُيَّض وَالْعَوَاتِق وَلَا جُمُعَة عَلَيْنَا وَنَهَانَا عَنْ اِتِّبَاع الْجَنَائِز قَالَ إِسْمَاعِيل فَسَأَلْت جَدَّتِي عَنْ قَوْله تَعَالَى " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " قَالَتْ النِّيَاحَة.
  24. السنن الكبرى للبيهقي، باب النهي عن النياحة على الميت، رقم: (6897)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (21248)، بلفظ: ((عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَنَهَانَا عَنِ النَّوْحِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ أَسْعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ قَالَتْ: فَمَا وَفَّتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلا أُمَّ سُلَيْمٍ وَأُمَّ الْعَلاءِ وَبِنْتَ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةَ مُعَاذٍ)).
  25. تاريخ الطبري (2/ 161)، معرفة الصحابة لأبي نعيم، رقم: (7868)، (6/3460)، تفسير ابن أبي حاتم (12/304)، بلفظ: ((قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، "أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ عَلَى الصَّفَا، وَعُمَرُ يُبَايِعُ النِّسَاءَ تَحْتَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ، فَلَمَّا قَالَ: "وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ "، قَالَتْ هِنْدُ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا فَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا، فَضَحِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى اسْتَلْقَى.
WhatsApp