تاريخ الدرس: 1992/11/20

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:29:57

سورة الممتحنة، الآيات: 1-5 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلوات وأكمل التسليمات على سيِّدنا مُحمَّد خاتم النبيين، والمبعوث رحمة لكل الشعوب ولكل العالمين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم أبي الأنبياء، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

إجلاء اليهود في سورة الحشر

نحن الآن في تفسير سورة الممتَحِنة، وقد انتهى تفسير سورة الحشر، وهي السورة التي أجلى الإسلامُ والعربُ بالإسلام -أي بتربيته وثقافته ووحدته وقوته وعدالته- أجلوا اليهود، والإسلام أول من طهَّر العرب والجزيرة العربية من اليهود، رغم أن الإسلام لَمَّا أتى النَّبي الكريم ﷺ إلى المدينة المنورة عاهدهم أن يُعاملهم كما يُعامَل المسلمون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فأبوا إلا الغدر والمكر والتخريب والتواطؤ والتحالف مع أعداء النَّبي ﷺ ومع أعداء الإسلام، وذلك لما بدأ الإسلام ببناء الدولة العربية الإسلامية العالمية، وبدأ بإنشاء الثقافة والمؤاخاة والتعاون العالمي.. فلإفسادهم ومحاولتهم تخريب هذه المسيرة كان إجلاؤهم، ورغم أنهم خانوا وطنهم ودولتهم، ورغم أن كل قوانين العالم توجب إعدام الخائن الخيانة العظمى، إلا أن عدالة الإسلام اكتفت بالإجلاء لا بالإعدام.

الهجرة لبناء الإنسان الفاضل

والآن نحن في سورة الممتَحِنَة، ويُشير اسم السورة إلى نساء كن يهاجرن من مكة إلى المدينة، فالكثيرات منهن كن يهاجرن إلى المدينة، يعني إلى مدرسة وجامعة العلم والحكمة والتربية الأخلاقية ومصنع بناء الإنسان الفاضل الكامل، وبناءِ الإنسان العالِم الحكيم الفاضل، وكان يَنْدَسُّ بينهنَّ مهاجراتٌ لأغراض دنيوية ومصالح شخصية، كأن تَنْشُز من زوجها، أو تعشق رجلًا هاجر إلى المدينة فتهاجر من أجله، كما هو شأن بعض المهاجرين.

ولذلك كان عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ)) أي فهجرته مسجَّلة عند الله عزَّ وجلَّ ((فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)) 1 ، لأن الله عزَّ وجلَّ لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فما أشدَّ حماقة وما أشد سُخفَ من يطلب رضاء النَّاس ويزهد في رضاء الله عزَّ وجلَّ! يرائي النَّاس ليروه على عمل صالح ولا يفكِّر أن يراه الله على العمل الصالح، والنَّاس لا ينفعونه ولا يضرونه، ولا يملكون له نفعًا ولا ضرًّا، فالعاقل الموفَّق هو الذي يعمل ليراه الله عزَّ وجلَّ صالحًا وفاضلًا وصادقًا.

بالنسبة للنساء المستغِلّات للهجرة، كالتي تهرب من زوجها أو تلحق بعشيقها علَّمنا الإسلام أن لا نكون أغبياء، وأن لا نكون سُذَّجًا، فقال: هؤلاء امتحنوهنَّ وتحقَّقوا من صدق ادِّعائهنَّ، فإن كن مؤمنات صادقات فعلى العين والرأس، وإن كن كاذبات منافقات فلا تجعلوهنَّ يَغششنَكم ويستخففنَ بعقولكم، فامتحنوهنَّ، مع أن الله عزَّ وجلَّ أعلم بإيمانهن.. كما كان عمر رضي الله عنه يقول: “لست بالخَبِّ، والخَبُّ لا يخدعني” 2 ، أنا لا أَخدع النَّاس، وكذلك لا أترك المخادعين يخدعونني.

لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنَ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

في معركة أحد لم يقع في الأسر إلا مشرك واحد، وهو أبو عزة الشاعر، وكان قد وقع أسيرًا في معركة بدر، وطُلِب منه الفداء، فادَّعى الفقر وكثرة العيال والبنات، فعفا النَّبي ﷺ عنه وسامحه بالفداء المالي على شرط أن لا يتَّخذ من شِعره تهييجًا للكافرين على المسلمين، ولكنه نقض العهد وصار يستعمل قصائده ضد الإسلام وضد النَّبي ﷺ وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، ولم يقع في أُحُدٍ أسير غيرُه، فأمر النَّبي ﷺ بضرب عنقه، فصار يستعطف ويسأله العفو ويذكر بناته الكثيرات والفقر والحاجة، فقال له النَّبي الكريم ﷺ: ((لا أَدَعُكَ تَرجِعُ إلى مَكَّةَ تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ)) شاربيك ((وَتَقُولُ: خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ)) 3 ، فالحذر من العدو أو من الماكرين.

الوصية في السفر

أتى رجل من أصحاب رسول الله ﷺ يريد سفرًا، فقال: أوصني يا رسول الله وصية في سفري أنتفع بها، فقال له ﷺ: ((أَخاكَ الْبِكْرِيَّ وَلاَ تَأْمَنْهُ)) 4 ، أي في السفر إذا رأيتَ إنسانًا لا تعرفه ولم تجربه ولا تثق به فكن على حذر ويقظة منه.. فرافقه شخص في السفر، ولما وصلا إلى محطة للاستراحة قال له: أهلي قريبون مني، فانتظرني حتَّى أزورهم وأرجع.. فتذكَّر الصحابي وصية النَّبي ﷺ وقال: لعله قاطع طريق يأتي برفاقه يستعين بهم علي، فمن الحزم أن لا أنتظر.. فلما مشى وابتعد إذا به يقع ما قدَّر، وما حذَّره النَّبي ﷺ منه، فأتى بالمحاربين وبالسيوف وبالرماح، ولو أدركوه لقتلوه وسلبوه، والقرآن الكريم يقول: ﴿وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ [النساء:102]، ويقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الآنفال:60].

سبب نزول سورة الممتحنة

هذا بالنسبة لعنوان السورة سورة الممتحنة، أما سبب نزول السورة أن النَّبي الكريم ﷺ أراد أن يوحِّد العرب ويجعل عاصمتَهم تدخل في دائرة العلم والحكمة والأخلاق، وفي دائرة الوحدة والقوة والحقيقة ونبذ الخرافات، فجهز الجيوش، وربط الطرقات حتَّى لا يصل الخبر إلى قريش فتستعد فتُسفَك الدماء، فلقد أراد النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أن يكسب المعركة بالسَّلام، لا بسفك الدماء ولا بإزهاق المُهَج والأرواح.

وأحد المسلمين واسمه حاطب بن أبي بلتعة -وكان ممن شهد معركة بدر مع رسول الله ﷺ- وكان له أقارب وأرحام ونساء وأطفال في مكة، وخاف إذا دخل في الجيش إلى مكة وعرف أهل مكة أنه أتى مع النَّبي ﷺ ليقاتلهم أن ينتقموا من أهله وبناته وأرحامه، فكتب كتابًا إليهم بأن مُحمَّدًا جهز جيشًا عظيمًا مثل الليل، أي كما يغطي الليل كل شيء، وإنه مُصبِّحكم أو ممسِّيكم فخذوا حذركم.. لماذا فعل ذلك؟ مع أن هذا العمل يضر بمصلحة الإسلام، ويضر بمصلحة الدولة، وهو يُعَدُّ خيانة عظمى بِلُغة العصر الحديث، ويتنافى مع الإيمان الصادق، ويُقدِّم للعدو خَبرًا قد يَنتج عنه مئات القتلى من المؤمنين، وتُسفَك الدماء أنهارًا حين يكون الجيشان متقابلين، والنَّبي ﷺ يريد أن يفتحها سِلْمًا، ولكن غلبت عليه مصلحته الشخصية، ونسي مصلحة الأمة والمصلحة العامة، ونسي أحكام الإيمان والإسلام.

الإسلام دين ودولة

الإسلام دين ودولة، والدين أخلاق وسلوك وصدق وإخلاص، وليس هناك ظاهر وباطن، فظاهراً هو مع النَّبي ﷺ محارب، وباطنًا يريد أن يخرب كل عمل النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وربما تكون هناك هزائم، وكل شيء محتمل، وذلك من أجل مصلحته الشخصية.. والإسلام الحقيقي هو مدرسة ومصنع يُخْرِج الإنسان من دائرة الأنانية الشخصية، ومن دائرة الأنانية والشخصية العائلية، ومن أنانية المرابح والمكاسب الدنيوية، ومن أنانية مدح النَّاس والإعجاب به إلى المصلحة العامة، وهي مصلحة الأمة، وأمَّة الإسلام شعوب العالَم كلِّها [لا العرب ولا أي شعب آخر]، والإسلام يجعل من العالَم كلِّه وطنًا واحدًا وشعبًا واحدًا وعائلةً واحدة كالجسد، ويفرض عليها فرضًا عموم التعليم للجميع، وعموم بناء العقل الحكيم الذي يفهم الأمور بحقائقها ويضع الأمور في نصابها وبمقاديرها، في ظلال ومَظَلَّة مكارم الأخلاق.

فأي مبدأ أتى إلى هذا الكوكب يساوي أو يقارب نصف أو ربع هذه المبادئ العلمية العالمية الوطنية الأخلاقية العقلانية! هذه المبادئ التي تفتح صدرها لكل أنبياء السماء ورسالاتها، لتجعل الإنسان الأبيض والأسود والغني والفقير والعالِم والجاهل أسرة واحدة، يتعاونون ويتآخون ليصل الكل إلى القمة والذروة العليا، في كل ما يحقق للإنسان سعادته الجسدية والروحية والنفسية، ويجعل العالَم يعيش في ظلال الإخاء والحب والإيثار والتقدم العلمي.

هذا هو الإسلام الذي استطاع في أقل من مئة سنة أن يُنشئ وطنًا واحدًا وأُمَّة واحدة وإخاء عالميًّا من أسوار الصين إلى ضواحي باريس، فنَشَر العلم في كل الشعوب، وحارب الخرافات، وحرَّر العبيد، وحارب الفقر، وحارب الأمية سواء أمية العلم أو أمية الأخلاق أو أمية العدالة.. العدالة للجميع، وحرية الفكر والعقيدة للجميع، والتعاون مع الجميع، وحقوق الإنسان مكفولة للجميع؛ للوثني وللمسيحي وللنصراني.. مرة رأى عمر رضي الله عنه يهوديًّا أو نصرانيًّا يتسوَّل، فغضب وقال: “كيف تتركونه يمد يده للناس؟ افرضوا له عطاء -يعني معاشًا من بيت المال أي من الدولة- كيف نأخذ منه الضريبة والجزية شابًّا ونضيعه شيخًا؟” 5 وهذا مع اختلاف الدين.

قصة حاطب بن أبي بلتعة

لقد كان النَّبي ﷺ ذاهبًا إلى مكة ليجعل مكة التي كانت عاصمة الوثنية ليجعلها عاصمة العالم، فكتب حاطب الكتاب وبعثه مع امرأة مغنِّية، كانت قد أتت إلى النَّبي ﷺ تشكو فقرها، فقال لها النَّبي ﷺ: ((أَنتِ مُغنِّيةٌ، وتَأتَيكِ الأموالُ مِن الغناءِ، فأيُّ حاجةٍ لكِ إلى طلبِ المعونةِ؟)) فقالت له: بعد معركة بدر قتل من قُتِل من قريش، ولم يعودوا يعتنون بالغناء فأصبحت فقيرة، فأعطاها النَّبي ﷺ معونة وأظهرت إسلامها، وكانت هي حاملة البريد لحاطب بن أبي بلتعة 6 -يعني كانت جاسوسة وطابورًا خامسًا- فعمل حاطب ما عمل والنَّبي ﷺ بَشَر لا يعلم، ولكن الله عزَّ وجلَّ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19]، ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [المائدة:7]، وإذا كانت وَقْعَتُك مع الله عزَّ وجلَّ فلا تنخدع إذا غششتَ فلانًا؛ زبونك أو شريكك أو أجيرك أو غيرهم ممن تتعامل معه وما سارع الله عزَّ وجلَّ لك بالفضيحة أو بالعقوبة.

الله تعالى يمهل ولا يهمل

لما دعا موسى وهارون عليهما السَّلام على فرعون قال الله عزَّ وجلَّ لهما: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا [يونس:98] ولكن كان التنفيذ بعد أربعين سنة، والله عزَّ وجلَّ في بعض الأوقات قد يؤخِّر الإنسان للآخرة، ولا يؤاخذ طول حياته في الدنيا، لكن ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127]، ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) لا يوجد عذاب يُشبه عذاب الله عزَّ وجلَّ في الشدة والغلظة، ﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] يُقيِّدك من غير حبل، فهل أنت مؤمن بأن عذاب الآخرة أغلظ وأشد من عذاب الدنيا؟ يجب أن تؤمن بأن الله عزَّ وجلَّ ربما يُعاقبك في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعًا.. قوم نوح عاقبهم الله عزَّ وجلَّ بالإغراق، ومن الإغراق إلى الحريق، ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25].

يقال: إن رجلين سافرا معًا، أحدهما مسلم والآخر يهودي، فالمسلم كان يقول لليهودي: أسلم.. والإسلام ليس معناه أن تترك موسى عليه السَّلام وتوراته، بل الإسلام يُجبرك ويدعوك إلى الإيمان بموسى عليه السَّلام وتوراته، لكن عليك أن تكون على قواعد الحقيقة والعلم والمنطق، فالتوراة دخل فيها أشياء، وكل العلماء في العالَم الآن يقولون: إن الدخيل على التوراة أكثر من الحقيقي فيها.. فقال له: إنك تُضيف إلى رسالة موسى رسالة عيسى ومُحمَّد، وبذلك تجمع الأديان الثلاثة، فالإسلام مجمع الأديان الثلاثة: رسالة موسى، ورسالة المسيح، ورسالة مُحمَّد صلوات الله وسلامه عليهم، وخلاصة رسالة محمد ﷺ بعد [أن حوت] كل الأخلاقيات والحياة الروحية أن تُقيم الدولة العالمية والأسرة العالمية والقانون العالمي الذي لا يجعل تمييزًا عنصريًّا، أو شعبًا أفضل من شعب، أو أبيض أفضل من أسود إلا بالعلم وبالأخلاق وبالصدق وبالاستقامة.

فاليهودي قال له: هذا كله كذب، وليس هناك آخرة ولا أنكر ونكير، ولا يوجد عذاب القبر ولا شيء من ذلك، فقال له: إذاً من يموت منا قبل الآخر يخبر الثاني بما يرى بعد الموت.. وبينما هما في الطريق تسلَّق اليهودي على شجرة تين يريد أن يقطف منها التين، فانكسر الغصن ووقع على عنقه فمات، وفي تلك الليلة رآه المسلم في المنام فقال له: ها أنت الآن وصلت إلى دار الحق، فقُصَّ علينا ما رأيتَ، أَمَا رأيتَ أنكر ونكير؟ أليس هناك سؤال القبر؟ قال له: هذا كلُّه كذب، وكل ما رويتَه لي ما رأيتُ منه شيئًا، لا أنكر ونكير ولا عذاب القبر ولا فتنة القبر، قال له: إذًا ماذا رأيتَ؟ قال له: واللهِ من أعلى التينة على رقبتي إلى جهنم مباشرةً.. ليس هناك محطة توقَّف عندها في الطريق. [يضحك الشيخ ويضحك الحضور]

كشف الوحي للخيانة المدبرة

وأَعلَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه ﷺ بصنيعة حاطب، وحاطب مسلم ومن أهل بدر! نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا بقوله الثابت، ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8]، والنَّبي ﷺ كان يقول: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) 7 .

ونزل الوحي يخبر النَّبي ﷺ بما يخفى عليه، لأن النَّبي ﷺ إنسان مثلنا، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [الكهف: 110] إلا إن أعلمه الله، فإنه يَعْلَم ما يُعَلِّمُه الله عزَّ وجلَّ.

فأمسكوا المغنِّية حاملةَ الكتاب، وأتَوا بالكتاب إلى النَّبي ﷺ، وإذا به ما خلاصته: “من حاطب إلى قريش، أمَّا بعد، فإن مُحمَّدًا قد أتاكم بجيش كالليل، فخذوا حذركم، قد يباغتكم في صباح أو ليل وفي أقرب الأوقات” فاستدعى النَّبي ﷺ حاطبًا وقال له: ((مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟)) نسأل الله أن لا يخزينا ولا يفضحنا ولا يوقعنا في الغلط، فالذي يفعل النقص إذا لم يُفضَح اليوم فسيُفضَح غدًا، وإذا لم يُفضَح في الدنيا فسيُفضَح في الدار الآخرة، وهل الفضيحة أمام الله عزَّ وجلَّ أعظم أم أمام النَّاس؟

يجب أن نتَّقي الله عزَّ وجلَّ، وواللهِ إن تقوى الله توصلك إلى سعادة الدنيا والآخرة، يجب أن نتَّقي الله في نظرنا وفي سمعنا وفي بصرنا وفي جلسائنا وفي أصحابنا، وفي الحلال وفي الحرام، لا أن نصلي هذه الصَّلاة التي نركع ونسجد فيها جسدياً دون أن تنهانا عن الفحشاء والمنكر، هذه ليست صلاة، بل هي الصَّلاة التي قال الله عزَّ وجلَّ عنها: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، يعني عن فَهْمها وتدبُّر آياتها وتذكُّر عظمة الله عزَّ وجلَّ وخطاباته ومخاطبتك له فيها وسماعك لأوامره ونداءاته، فإنك تسهو عن كل هذه المعاني وتفعل الحركات بجسمك ولسانك لا عقلًا ولا فهمًا ولا قلبًا ولا روحًا، والله عزَّ جلَّ يقول: فالويل والهلاك لهؤلاء المصلين ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)

يفعلون ما يفعلون ليراهم النَّاس، لكنهم لا يفعلون ما يفعلونه ليراهم الله عزَّ وجلَّ وليكافئهم على الخير بثوابه، وليجازيهم على الحرام بعقابه، ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:6-7] يعني المعونة، فإذا استعان بك مظلومٌ على ظالمه، أو فقير على فقره، أو ذو حاجة لحاجته، وتستطيع ذلك ولم تفعل فالويل لك، يعني الهلاك.

التماس النَّبيّ ﷺ العذر لحاطب

((مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟)) نسأل الله أن لا يخزينا.. قال له: واللهِ يا رسول الله ما كتبتُ الذي كتبتُ كفرًا بالله ورسوله، ولا رِدَّة عن الإسلام والقرآن، ولا غِشًّا للإسلام ولا لأهل الإسلام، ولكنْ لي عيال وأطفال وبنات في مكة، وأصحابك لهم من يحمي قَرَاباتهم، فأردتُ أن أكتب هذا الكتاب لأجعله وقاية لأهلي وعيالي فلا يقتلونهم إذا رأوني جنديًّا في جيشك وأتيتُ لمقاتلتهم، وما ارتددتُ عن ديني وما كذَّبتُ بإيماني، فسحب سيِّدنا عمر رضي الله عنه سيفه وقال: “يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق”، ظاهره أنه يصلي ويصوم ومن أهل بدر، ولكن عمله هذا تخريبٌ للدين، وتخريب للإسلام، وتخريب لعمل النَّبي ﷺ، وتخريب لبناء الإسلام دينًا ودولة وعالَمًا وثقافةً وتقدُّمًا وعزةً للعرب وللإنسان، فَقَالَ له النَّبي ﷺ: ((لا يا عُمَرُ، إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ؟)) 8 ، ما أعظم الوفاء! وقمة الوفاء من أين تؤخذ؟ من أستاذ الوفاء الأرضي والسماوي، فذرفت عينا عمر رضي الله عنه وفاضت عيناه بالدموع لقوله ﷺ: ((إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)).

النهي عن موالاة الأعداء

عند ذلك نزلت سورة الممتحنة في شأن حاطب وكتابه الذي أرسله إلى كفار قريش: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الممتحنة:1] بالرغم من عظيم خطيئته [خاطبه بهذا النداء]، وهذا في كل قوانين دول العالم اسمه الخيانة الوطنية.. الآن إذا أراد جيشنا أن يهاجم إسرائيل، وبعث أحدهم كتابًا لإسرائيل عن مخطط الجيش السوري، فبماذا تحكمه المحكمة العسكرية؟ بالإعدام رميًا بالرصاص، بمحكمة ميدانية لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، ولكن هنا قانون العقوبات في القرآن والإسلام، والخيانة خيانة، لكن توجد نية حسنة، فلم يكن مقصودها ضد الدولة، مع أنها في الحقيقة ضد الدولة، لكن عقله ما أدرك مصلحة الأمة والمصلحة العامة، بل أدرك المصلحة الشخصية الأنانية الخاصة.

الإيمان يوجب عليك الخروج من مصلحتك وأنانيتك

فإذا أردتَ أن تكون مسلمًا حقيقيًّا فعليك أن تخرج من مصلحتك الأنانية ومن أهوائك الشخصية، تخرج من رضاك وغضبك إذا كانا لشخصك، ومن حبك وعداوتك إذا كانا لشخصك، إلى أن تعادي لله وتحب لله وتعطي لله وتمنع لله، وتسهر لله وتقاطع لله عزَّ وجلَّ، وإذا لم تخرج من “أنا” إلى التقوى [فأنت لست مؤمناً بعد]، فلا تَغترَّ بالشيطان الذي يقول لك: أنت مسلم، ولا تغتر بأنك تصلي وتصوم وتأتي إلى الدرس وأنت من إخوان الشَّيخ.. لا تَغترُّوا، فالذين كانوا يجلسون مع النَّبي ﷺ منهم من ارتدَّ، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا كم مرة أظهروا الإيمان؟ مرتين، ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137]، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا.. يا مقلب القلوب ثبت قلبنا على دينك.

ولا تجعل الله عزَّ وجلَّ ولدًا صغيرًا، أو أصم لا يسمع، أو أعمى لا يرى، أو أحمق لا يفهم عليك، فهو ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

النَّبي ﷺ رأى امرأة من أهله تُفَلِّي رأس أخيها وتحرِّك أصابعها كأنها تقتل قملًا، فسألها النَّبي ﷺ إن كان حقاً يوجد قمل كثير، فقالت: لا، فقال: ((إنَّ اللهَ حَرَّمَ كَذِبَ الأَناملِ)) 9 ، أنت تفعلين هكذا بأصابعك كذباً، وهذا الكذب حرام في الإسلام، مع أنه ماذا يترتب عليه؟ لا يترتب عليه شيء.

ومرة قالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ عن ضرتها صفية رضي الله عنها: “حسبك من صفية أنها قصيرة”، ويبدو أن النَّبي ﷺ كان يمدحها بشيء فغارت السيدة عائشة رضي الله عنها، وهل السيدة عائشة تغار؟ نعم تغار، وكل امرأة تغار على زوجها، كما أن الرجل يغار على زوجته، فغضب النَّبي ﷺ وقال: ((يا عائشةُ لَقد قُلتِ كلمةً لو أُلْقَتْ في بحرٍ لَأنتَنَتْهُ)) 10 ، الآن في عالم المادة لا تظهر هذه الحقائق، أما غدًا في عالم الروح فستظهر، قالت: “يا رسول الله ما قلتُ إلا ما فيها”، يعني أنا ما كذبتُ، هي قصيرة حقًّا، فقال ﷺ: ((لَو قُلتِ غَيرَ ما فِيها لَبَهَّتِّها)) 11 ، لكان كذبًا وبهتانًا، أما إذا كان فيها قِصَرٌ، وذكرتِها لتعيبيها وتنقصيها فهذه غيبة يؤاخذك الله عزَّ وجلَّ عليها.

علينا أن نحترم النَّاس ولا نتعدى عليهم بقول ولا بنظر ولا بسمع، حتى ولا في نفسك، وما العجب وما الكِبْر؟ قال: ((غَمْطُ النَّاسِ، وبَطَرُ الحَقِّ)) 12 ، إذا عُرض عليك الحق والحقيقة ترفضهما، وتنظر إلى النَّاس في نفسك بنظرة الاحتقار، وهذا اسمه كبر، والنَّبي ﷺ قال: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ)) 13 .. إذا لم يدخل الإيمان في القلب بالتوبة الصادقة والارتباط الحُبِّيِّ المتناهي بقلبِ وارثٍ مُحمَّديٍّ، ولم يكن هناك دوام للذكر فإنه يصعب على النفس أن تترك طبائعها السيئة، وأن تترقَّى إلى فضائلها الأخلاقية والإيمانية.

كثير من الذين كانوا يحضرون في مجلس النَّبي ﷺ كانوا لا ينتفعون منه بشيء، والله عزَّ وجلَّ قال عنهم: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]، هذا معناه أنهم جالسون مع النَّبي ﷺ، ويسمعون درسه وحديثه، ولكن الايمان ليس مُعَمَّرًا في قلوبهم كي يستجيب ويتفاعل مع هدي النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام ووصاياه.

العبرة بعموم اللفظ والخطاب

هذا الخطاب موجَّهٌ لحاطب، لكن هل هذه السورة وهذه الآية لحاطب فقط؟ هذه السورة إلى يوم القيامة لكل من يسلك مسلك حاطب، سواء بأن يخون دولته، أو يخون أُمَّته، أو يخون دِينه، أو يخون أخلاقه، أو يخون من يجب عليه أن يكون أمينًا معه في البيع والشراء، وفي الأخذ والعطاء، وفي الصداقة والحب، فيظهر الحب وهو يفعل عكس ما يقتضيه الحب، ويكون مع مَن؟ مع أعداء الله على أحباب الله، وأين الله عزَّ وجلَّ؟ هل الله ميت؟ إذا كان هناك إيمان حقيقي فهذا لا يحصل، أما إذا كان الإيمان ضعيفًا -وقد يصل في الضعف إلى درجة العجز- فلا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وإيمانه كذلك لا ينهاه.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يقوي لنا إيماننا.

اختيار الجليس والصاحب

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء يعني أحبابًا وأنصارًا وأصحاباً، فتنصحونهم وتحذرونهم بأن تقولوا لهم: انتبهوا وتيقَّظوا والنَّبي سيهاجمكم.. ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] “أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى بعض الأنبياء: إني مُهلِكٌ من الصالحين من أُمَّتك أربعين ألفًا، ومن الفاسقين ستين ألفًا، قال: يا رب، هؤلاء الفسَّاق الفجَّار الأشرار أمرهم معروف، لكنِ الصالحون ما ذنبهم؟ قال: واكلوهم” 14 ، العَشاء معهم، والفطور معهم، والسهرات معهم، والنزهات معهم، والإنسان أَلَا يتأثَّر؟ هل يمكن أن لا يتأثَّر؟ ضع برتقالة فاسدة في صندوق برتقال سليم، وارجع إليه بعد أسبوع، ماذا ترى؟ الصندوق كله صار فاسدًا، والنفس تتأثَّر بجليسها أكثر من صندوق البرتقال السليم ببرتقالة واحدة فاسدة، وأحيانًا بساعة واحدة، أو بنظرة واحدة، أو بسهرة واحدة يَخْرُب إيمانُك، ومِن خراب الإيمان لا تعود تشعر بأن الله يراك ويقول لك: هذا حرام وهذا حلال.. لذلك على الإنسان أن ينتقي جليسه وصديقه كما ينتقي نعله، وكما ينتقي ثوبه، وكما ينتقي سيارته، وكما ينتقي خبزه، وكما ينتقي مِكْنَسَته، وانتقاء الجليس أهم، [فهو يهتم كثيراً بانتقاء هذه الأمور التافهة، بينما لا يعير أي اهتمام لانتقاء جليسه وصديقه].

الجليس والصاحب الصديق هو أحد الأساتذة الأربعة، الأول هو المعلم المربي المرشد، والثاني هو الكتاب، والثالث هو الصديق والرفيق، والرابع هو الزمن والدهر، والذي لا يربِّيه الأساتذة الثلاثة فالزمن سيربيه، سواء زمن الدنيا أو زمن الآخرة.. دخل النَّبي ﷺ على أحد الصحابة رضي الله عنه وهو مريض، فرآه من شدة مرضه قد صار مثل فرخ الطائر، هزيلًا ونحيلًا ونحيفًا وقد ذاب بدنه، فسأله النَّبي ﷺ وقال له: ((هَل كُنتَ تَدعُو اللهَ بِشيءٍ في صِحَّتِكَ؟)) قال: نعم يا رسول الله، قال له: ((بِماذا كُنتَ تَدعو؟)) قال: كنتُ أقول: اللهم إن كنتَ تريد أن تعذِّبني في الآخرة فعجِّل عليَّ العذاب في الدنيا.. انظروا كيف كان إيمانهم!

قوة إيمان السلف الصالح

ماعز رضي الله عنه قدَّم نفسه للإعدام، والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يدرأ عنه الحد، وهو يُريد أن يُعدَم رميًا بالأحجار خوفًا من لقاء الله عزَّ وجلَّ بمعصية الزنى وبذنبٍ مع الله عزَّ وجلَّ، والصحابة المسلمون رضي الله عنهم ما كان أحدهم يعرف الذنب إلا مرة واحدة في حياته، وكانوا إذا أذنب أحدهم فمنهم من يربط نفسه في الجامع، ومنهم من يَحْرِم نفسه الطعام والشراب والمنام، ومنهم مَن يُحَرِّم النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام على المجتمع أن يكلِّمه.. وهذا بذنب واحد! ونحن الآن نرتكب مئات الذنوب، فلماذا لا نفعل ما يجب؟ لأنه يوجد موت القلب.

ولا يحيى القلب إلا بأن تذكر الله عزَّ وجلَّ، وتَدخل مدرسة الذكر ومستشفى الذكر بكل قوة وكل حب وكل عشق وكل تفانٍ، حتَّى تعبد الله كأنك تراه، ويجذبك إلى هذه المدرسة المعلم، ولابد أن يصير لك التعلُّق بالمعلم المربي، فهل يصير الشخص نجارًا إذا لم يرتبط بمعلم النجارة؟ وهل يتعلم اللغة الإنكليزية إذا لم يرتبط بأستاذ اللغة الإنكليزية؟ فكيف تريد أن تصل إلى أعلى مستوى أخلاقي وروحي ورباني بلا حب وبلا ارتباط؟

فقال له النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تَقُلْ هَذا وَلَكنْ قُل: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) [البقرة:201] فالله قادر أن يعفو عنك ويغفر لك، فقال ذلك فشفاه الله وعافاه 15 .

انظروا كم كانوا يخافون من عذاب الآخرة! والنَّاس اليوم هل يخافون من الشرطي أكثر أم من الله عزَّ وجلَّ؟ إذا كان شخص يقود سيارة وأراد أن يمشي على شماله [مخالفاً قانون السير] والشرطي موجود وينظر إليه، فهل يجرؤ على أن يخالف؟ فكيف تخالف اللهَ واللهُ عزَّ وجلَّ ناظر إليك وهو معك؟ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور 24]، ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت 21]، هل أنت مؤمن بالقرآن؟ هل أنت مؤمن بهذه الآيات؟ يجب أن تكون مؤمنًا بها إيمانًا حقيقيًّا، وليس إيمان القول، فإذا كنت جائعاً وقلت: أنا شبعان، فكلمة شبعان هل تُذهِب جوعك؟

أتت بعض النساء من قرابات النَّبي ﷺ، فعرض عليهن حليبًا فقلن: نحن شِباع يا رسول الله، فابتسم النَّبي ﷺ -وكنَّ بالعكس غير شِباع بل جائعات- فقال النَّبي ﷺ وهو مبتسم: ((أَتَجمعْنَ جُوعًا وَكَذبًا؟)) 16 .

تفاوت الإيمان لدى النَّاس

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الممتحنة:1] مع عمله الناقص جعله الله عزَّ وجلَّ من المؤمنين، لكنَّ الإيمان درجات، والنَّبي ﷺ يذكر درجات الإيمان في الآخرة، فيقول: ((مِنهم مَن إيمانُه مِثلُ الشَّمعةِ يُضيءُ لَه الصِّراطَ، ومِنهم مَن إيمانُه مِثلُ الشَّمسِ)) 17 ، وما بينَهُما دَرجاتٌ اللهُ بها عليمٌ.. ففي ظلمات الصراط إذا كان ضوؤك مثل الشمعة وزلَّت قدمُك قليلاً فأين تهوي؟ سبعين سنة وخريفًا في وادي جهنم، وهذا كلام الأنبياء، وكلام الرسل، وليس كلام “كشكش” [أي كلام شخص لا قيمة له]، ليس كلام جدتك العجوز عندما كانت تُسلِّيك لتُنِيمك، هذا كلام الحقيقة، وقد تتغيَّر السماوات والأرض، ولكن لا تتغير الحقائق الإلهية.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإيمان، وأن يرزقنا حقيقة التقوى.

﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي [الممتحنة:1] ومَن يعادي الله عزَّ وجلَّ! إنهم يعادون دين الله، هل يستطيع أحد أن يحارب الله عزَّ وجلَّ الذي بيده ملكوت السماوات والأرض؟ لكنهم يعادون رسالة الله تعالى، ويعادون نبي الله ﷺ، ويعادون كتاب الله، قال: ﴿وَعَدُوَّكُمْ هؤلاء إذا ظفروا بكم قتلوكم، وإذا ظفروا بكم سلبوكم أموالكم وأسروكم وأهانوكم، ولا يتركون لذلك أمراً ممكناً لا باليد ولا باللسان، ويعادونكم بكل الوسائل، فكيف تعملون هذا العمل؟

والآن هناك أناس [صالحون] يمشون على صراط الله عزَّ وجلَّ، ويقومون بخدمة دين الله، وهناك أناس منافقون، وأناس أشقياء، وأناس مخذولون، وأناس حمقى، وأناس جهلاء.. أحياناً قد ترتكب حراماً من أجل أن لا تُزْعِج فلاناً، وتفعل المعصية على حساب رضاء الله ودين الله والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، إذاً هكذا أنت صرتَ حاطبًا، وسيِّدنا عمر رضي الله عنه لولا شفاعة النَّبي ﷺ لَجَعَل رأسك يتدحرج مثل الكُرَة، لكنَّ حاطبًا شهد بدرًا، وأنت ماذا؟ ونزل في حقِّه قرآن، ولولا القرآن لذهب رأسه، ولو كان في زمن سيِّدنا عمر رضي الله عنه لأصبح الرأس وحده، والجثة وحدها.. ولكن سيوف الله عزَّ وجلَّ كثيرة، فلا تَغترَّ بحِلم الله تعالى.

يُذكَر عن جحا أن شخصًا اعتدى عليه، فدعا عليه جحا فقال: أسأل الله أن يكسر رجلك بعد أربعين سنة، فقهقه النَّاس حوله من هذه الدعوة، فقد سبَّه وشتمه وآذاه وهو يقول: بعد أربعين سنة! وإذ بالرجل لا يمشي خطوات إلا ويطأ على قشرة موز فيقع وتُكسَر رجله، فقال الناظرون: يا جحا هذه دعوتك التي تأتي بعد أربعين سنة قد نَفَّذَها الله الآن! فقد كُسِرت رجله، فقال لهم: لا، هذه ليست دعوتي، هذا ربما كان قد فعل شيئًا قبل عشر سنين أو عشرين سنة فقال المظلوم: يا رب ادَّخر لي دعوتي لعشر سنين أو عشرين سنة، أما دعوتي أنا فسيكسر الله عزَّ وجلَّ له رجله الثانية بعد أربعين سنة. [يضحك الحضور من الطرفة]

فراقب الله، واذكر الله عزَّ وجلَّ عند غضبك، وعند مرابحك غير الشرعية، وعند مسايرة النَّاس على حساب دينك، فهناك ملائكة “رقيب عتيد” يكتبون أعمالك وأقوالك، والله عزَّ وجلَّ يسجِّل خفايا وجدانك وضميرك وسرِّك، فهل تستصغر الله عزَّ وجلَّ أو تستصغر تهديد الله أو كتاب الله أو تظن أن الله ضعيف؟ إذن أنت لستَ مؤمنًا بالله، فالمؤمن بالله هو الذي يُمْلأ قلبَه من خشية الله، ومن جلال الله، ومن تقوى الله، ومن الوقوف عند حدود الله عزَّ وجلَّ، وهنا يظهر الإيمان الحي من الإيمان الميت، والإيمان الحقيقي من الإيمان المزيَّف.

ذم الخيانة والولاء للأعداء

قال: فكيف توادون هؤلاء وهم أعداء الدين، وهم أيضاً أعداؤكم؟ وكيف تترك دينك ونبيك ودولتك وأمتك ووطنك من أجل مصلحتك الشخصية وأنانيتك؟ ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] بأن ترسل إليهم رسالة حتَّى تحافظ على الصحبة، وتفعل ذلك كي لا يَزْعَل [عدوُّ الله ولا يغضب]! فَلْيزْعَل ولا أرضاه الله طول عمره! ودعه يزعل [ويغضب] خمس مئة مرة، ولا يزعل [ولا يغضب] الله عزَّ وجلَّ، ولا يزعل النَّبي ﷺ ولا يتضرَّر الإسلام.. وأمتك ودولتك أعظم دولة أتت في التاريخ ولا يمكن أن تأتي دولة مثلها، فهي دولة العلم للجميع، ودولة الرفاه للجميع، ودولة تحرير العبيد، ودولة الإخاء، والنبي ﷺ كان يقول: ((الإنسانُ أَخُو الإنسانِ أَحبَّ أَم كَرِهَ)) 18 ، ((لا فَضلَ لِعَربيٍّ عَلى أَعجمِيٍّ، وَلا لأَبيضَ عَلى أَسودَ إلَّا بِالتَّقوَى)) 19 .

عدالة الإسلام

مرة صعد النَّبي ﷺ المنبر -مع النبوة، وهو رجل الدولة- وقال: ((مَن كانَ لَه عِندِي مَظلَمةٌ في مالٍ فَهَذا مالي)) إذا كنتُ قد أخذتُ من ماله بغير حق فليأخذ من مالي ((في بَدنٍ)) ضربته بغير حق ((فَهَذا بَدَني)) فليأتِ وليضربني ((في عِرْضٍ)) سببتُه أو شتمتُه ((فَلْيَشتمْني، لا يَقُلْ: رسولُ اللهِ يَغضبُ مِن الحقِّ، فإنَّ مُحمَّدًا لا يَغضبُ مِن الحقِّ)) 20 ، أيُّ دولة تفعل هذا؟ في دولة إنكلترا إذا سبَّتْ الملكة إليزابيث شخصًا أو ضَربَتْه فهل تقول له: تعال سُبَّني؟ أو في أمريكا أو في اليابان أو في.. إلخ.

هذا الإسلام فوق الديموقراطية، والديموقراطية تعني أن الحكم للأكثرية، أما في الإسلام فالحكم للحقيقة، والحكم للحق، فلو أَجمَعَ كل البرلمان وهو على غير حق، وخالف إنسان واحد [وكان على الحق]، فهل يحدث كما في قصة سيِّدنا عمر رضي الله عنه والمرأة وتحديد المهر؟ يقولون: إن المرأة لها نصف حق الرجل، وهنا ماذا كان حق المرأة عندما قالت لعمر رضي الله عنه: أخطأتَ، والقرآن لا يقول كما تقول أنت ولا كلُّ مَن في المسجد، وذكرَتْ له الآية، فقال: “أصابتِ امرأةٌ وأخطأ عمر” 21 ؟

في الديموقراطية في أمريكا والحزب الديموقراطي أو الجمهوري، أو في بريطانيا، أو في سويسرا إذا كانت المرأة معها الحق والبرلمان كله مخالف للحق فالديموقراطية مع من؟ مع الأكثرية، أما في الإسلام فيكون الحكم مع من؟ مع الحقيقة والحق، سواء كان من رجل دولة أو كان من أحد أصغر أصغر النَّاس، فالنَّاس متساوون في الحقوق، ولا يوجد امتياز لرجل دولة ولا لغيره، والنَّبي ﷺ ما جعل لنفسه امتيازًا في الحقوق ولا في المعاملات.

النهي عن موالاة أعداء الله

قال: كيف توادُّونهم وتحذِّرونهم وترسلون لهم الرسائل في الخفاء حتَّى تفسدوا عمل بناء العالَم من أجل مصالحكم الشخصية؟ ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ أنت تُعاون الكفر على الإيمان، وتُعاون الجهل على العلم، وتشجع الفوضى على النظام، ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة:1] أَلَا تتذكَّر يا حاطب عندما أرادوا أن يقتلوا النَّبي ﷺ، وعندما عذبوكم وقتلوكم ونهبوا أموالكم؟ هذه كلها تنساها من أجل زوجتك وبنتك وأختك؟

لقد ذهب حاطبٌ، ولكن هذه الآيات لنا، فأنت مهما كان سيصيبك من ضرر في مالك أو في أهلك من أجل المصلحة العامة عليك -حسب ما نطق القرآن- أن تُؤْثِر رضاء الله عزَّ وجلَّ على رضاء كل النَّاس، فَلْتَفُتْكَ الدنيا وتكسب الله وتكسب رضاء الله عزَّ وجلَّ، “وهذه لحيتي!” [“هذه لحيتي! أو: هذه ذقني!” تعبير عامِّيّ يُقْصَد به إثبات حدوث شيء ما.. والمعنى المقصود هنا: إنني أعدك وعداً أكيداً إن فعلت ذلك أن تكون رابحاً وفائزاً]، وهذا كلام النَّبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، حيث قال: ((مَن أَرضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَرضَى عَلَيهِ النَّاسَ))، سيأتي إليك في يوم من الأيام، ولو غضب منك في يوم، فبعد مدة سيقول لك: شكرًا لك، وأكثر الله خيرَك، صحيحٌ أنك أغضبتني لكنك كنتَ واللهِ ناصحًا لي، فجزاك الله عني كل خير.. ((وَمَن أَرضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَسخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ)) 22 ، الله عزَّ وجلَّ لماذا يسخط ويغضب؟ إذا بدَّلتَ بالعدل الظلم، وبدلت بالحق الباطل، وبالصدق الكذب، وبالإيمان النفاق.

الإيمان ليس مجرد كلمات تُقال

نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الحقيقي.. فلا نرضى بالإيمان القولي؛ أن تقول: “شبعتُ” وأنت لستَ شبعان، “أكلتُ” وأنت لم تأكل، “تزوجتُ” وأنت ليس لك زوجة، فإذا قلت: “تزوجتُ” وما لك زوجة فهل تنجب الأولاد؟ وإذا قلتَ: أنا مسلم، وكانت صلاتك: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، فهذه مثل: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، ومثل: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ [فصلت:6] ومثل: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]، فهناك أناس يصلُّون وصلاتهم ويل عليهم إن لم ينتهوا عن الفحشاء والمنكر، ((رُبَّ قائِمٍ في اللَّيلِ لَيسَ لَه مِن قِيامِه إلَّا السَّهرُ)) 23 ، و((رُبَّ تَالٍ يَتلُو القُرآنَ وَالقُرآنُ يَلعَنُه)) 24 ، يقرأ: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] وهو ظالم لزوجته أو لأجيره أو لشريكه أو لأبيه أو لأمه أو لأخته أو لأخيه أو.. إلخ.

﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1] أَمَا أثَّرتْ فيكم هذه الآية؟ أقل الدرجات أن تغاروا على أنفسكم، إذا لم تغاروا على الدين فغاروا على أنفسكم، فهم يعادونكم أنتم، ويعادون رسالة السماء ويعادون دينكم ونبيكم، هل نسيتَ كل هذه الأمور من أجل زوجتك وأختك وبنتك ودكانك؟

معاملة الإسلام مع غير المسلمين

﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي [الممتحنة:1] الجواب هنا محذوف، أي: فلا تتخذوهم أولياء، ولا تتخذوهم أصحابًا وجلساء ترسلون لهم الرسائل سرًّا حتَّى تخرِّبوا البناء الإسلامي؛ الذي هو بناء مجتمع العلم والعقل الحكيم والأخلاق الفاضلة، ﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي [الممتحنة:1] إذا كنتم مجاهدين حقيقيين [فلا تتخذوهم أولياء].. ابن أبي ابن سلول كان يخرج مع النَّبي ﷺ للجهاد، وكان مِن أكبر الكافرين ومِن أعظم المنافقين، وكان يُظهِر للنبي ﷺ كل وداد، ويُظهِر للنبي ﷺ كل إخلاص، وفي الخفاء كان لا يقصِّر لحظة واحدة في هدم ما يبنيه ويُعَمِّره سيِّدُنا رسول الله ﷺ، فهل يخفى هذا على الله عزَّ وجلَّ؟ ولما مات وكان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام سيصلي عليه أتى سيِّدنا عمر رضي الله عنه وكان يريد أن يمنع، وقال له: في اليوم الفلاني قال كذا، وفي اليوم الفلاني فعل كذا، وفي اليوم الفلاني كذا.. فقال له النَّبي ﷺ: ((لَأُصَلِّيَنَّ عَلَيهِم ما لَم أُنهَ عَن ذَلِكَ)) 25 .

انظروا إلى التربية الإسلامية وتَحَمُّل المؤذِين، فلمَّا انتهت الصَّلاة أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84] ما قال عنه: كافراً إلا بعد موته، وهل الكفر يكون بعد الموت أم في حال الحياة؟ ومِن نفاقه وصَّى أن يكفِّنوه بقميص النَّبي ﷺ، فقدَّم له النَّبي ﷺ قميصه بعد موته، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تعطيه قميصك؟ فقال له ﷺ: ((وَما يُغنِي عَنهُ قَمِيصِي يا عُمرُ؟)) 26 ، لقد كان النَّبي ﷺ يعرفه، ولكن ما أعظم سياسته ﷺ! ما أعظم حِلمه! وما أوسع أخلاقه! نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعلِّمنا أخلاق رسول الله ﷺ، وأن يحمينا من أخلاق النفاق والكفر والفسق والفجور والجهل والجاهلية.

﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي [الممتحنة:1] أين الجواب؟ “فلا تتخذوهم أولياء تلقون إليهم بالمودة”، فإذا كنتَ مؤمنًا صادقًا وتدَّعي حب الله عزَّ وجلَّ وحب النَّبي ﷺ، وبعد ذلك تُوادد وتُناصح وتُعاون أعداء الله وأعداء النَّبي ﷺ، هل يصح هذا؟ هذا لا يكون، قال

تُحِبُّ عَدوِّي ثمَّ تَزعُمُ أنَّنِي صَدِيقُكَ؟ إنَّ العَقلَ عَنكَ لَعازِبُ

إذا كنتَ تحبني فلا تستطيع أن تحب عدوي، وإذا كنت تصادقني فلا تستطيع أن تحب مَن يُعادي صديقَك.. الكلب لا يعادي عدو صاحبه فقط، بل يعادي عدوه وعدوَّ مَن يُحِبّ، فإذا كنتَ تعتقد هكذا فإنَّ العقل عنك ذاهب، وأنت بقيتَ بلا عقل.. وأيُّ عقل؟ هناك عقل اللصوص، ففي اللص ألا يوجد عقل اللصوص؟ أما عقل الأُمناء فغير موجود.

حقيقة العاقل

وما تعريف العقل بشكل عام؟ هو أن تعرف حقيقة الأشياء الضارة والسيئة في دينك أو دنياك فتجتنبها، وأن تعرف طريق الخير والسعادة في دينك ودنياك فتسلكها، فإذا أدركتَ الضار والنافع في الدين والدنيا، وعملتَ بمقتضى ما تعلم فهذا ما اسمه؟ اسمه عقل، وأنت عاقل، وإذا كنتَ زُيِّن لك سوء عملك فرأيته حسنًا فأنت ليس فيك عقل، ولذلك لما دخل مجنون على مجلس النَّبي ﷺ وقالوا: مجنون، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تَقُولُوا مَجنُونٌ، قُولُوا: مَرِيضٌ)) والآن في العصر الحديث ماذا يسمُّونه؟ مريض، أليس له مستشفيات وأطباء؟ ((قُولُوا: مَرِيضٌ، المجنُونُ مَن يَعصِي اللهَ)) 27 ، فإذا أخذ شخص ثعبانًا وجعله “كرافة” [ربطة عنق]، فماذا يكون هذا؟ في نظر النَّاس اسمه مجنون، أما في اللغة الحقيقية فهذا مريض العقل، والطفل يفعلها لأن عقله صغير، وكذلك المجنون المريض، فعقله المدرك للحقائق صغير أيضاً.. نسأل الله أن لا يجعلنا من مجانين الآخرة، وأن لا يجعلنا من مجانين الإسلام، بأن نَجِنّ في إسلامنا، فلا ندرك إسلامنا ولا ما ينفعنا منه فنتمسَّك به وما يُردينا ويهلكنا فنجتنبه، وإذا لم تكن على هذا الشكل فأنت لستَ مسلمًا ولستَ عاقلًا، واذهب إلى “القصِير” [القُصَيْر: بلدة قريبة من دمشق فيها مستشفى المجانين، وغلب هذا الاسم عند الناس، حتى صارت كلمة “القُصَيْر” تعني مشفى الأمراض العقلية]، ولكن ليس القصِير الخاص بالدنيا، ولكن القصَيْر الخاص بالآخرة في جهنم، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا منهما.

الإيمان ومحبة أعداء الله تعالى لا يجتمعان

﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي [الممتحنة:1] يعني طالبين رضاي فلا تتخذوهم أولياء.. عادِ من يعادي اللهَ ورسولَه، وعادِ من يعادي الفضيلة والأخلاق والتقوى، وعادِ من يعادي أحبابَ الله، وإلا كيف تقول: أنا مؤمن؟ هذان لا يجتمعان، ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4] هل يمكن أن تحب النَّبي ﷺ وتحب أبا جهل؟ ليس لك قلبان؛ قلب لأبي جهل وقلب للنبي ﷺ، ولا يوجد قلب الإيمان وقلب النفاق، فإما قلبٌ تصير به منافقًا أو قلب تصير به مؤمنًا.. نسأل الله أن يجعل قلوبنا حَشْوها الإيمان، وغذاءها بالإيمان وبالتقوى.

﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] تحبونهم وتناصحونهم، وترسلون إليهم رسائل أن انتبهوا واحذروا وغير ذلك، وذلك على حساب خراب الدين والإسلام والنكبات والمصائب التي ستنزل على الدين وعلى الدعوة وعلى رسول الله ﷺ.. والآن أَلَا يوجد أناس يفعلون هكذا؟ لكنَّ حاطبًا شهد بدرًا، يعني له حسنات، ولكنْ هناك حاطب ما شهد إلا الحطَّابين وتكسير الحطب.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا من حاطب زماننا.. ذاك شهد بدرًا وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، يعني عنده: ﴿الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] فكيف إذا لم يكن عنده بدر ولا بيعة الرضوان، ولا يوجد عنده إلا “أتاكم مُحمَّد بجيش كالليل فخذوا حذركم”؟ فيخرِّب الإسلام، تارة مزاحًا، وتارة لغوًا، وتارة لهوًا، وبلا شعور بما يعمل وبنتيجة ما يُخَرِّب ويُفْسِد، ويفعل هذا بدلاً من أن ينصح ويحذِّر.. [عليه أن ينصح ويحذِّر]، وإذا لم يَسمعوا لنصحه فليقل لهم: أنا سأجتنبكم وَلْتَغضبوا وَلْيرضَ الله عزَّ وجلَّ، فالله خير وأبقى.. ولو كان أباك أو أخاك أو أمك أو أعز النَّاس عليك.. نسأل الله أن يرزقنا الصدق في إيماننا وإسلامنا وفي كلامنا ومجالسنا.

مجالسة الكفرة والعصاة مهلكة

لذلك لما قال ذاك النَّبي: ((يا ربِّي كَيفَ تُريدُ أنْ تُهلِكَ أَربعينَ أَلفًا مِنَ الصَّالحين، ومِن الفسقةَ ستين ألفًا؟ قال: إنَّهم واكَلُوهم وشارَبُوهم وناكَحُوهم)) تزوجوا منهم وزوجوهم، ((وَلم يَتَمَعَّرْ وَجْهُ أَحَدِهِم يَومًا لأجْلِي)) 28 ، لم يعبس في يوم من الأيام في وجه صديقه أو أخيه أو عمه أو خاله أو أمه أو أبيه إذا عمل منكراً، ولم يقل لهم: هذا لا يجوز، وهذا حرام.. وإذا لم يرتدعوا لم يقل لهم: السَّلام عليكم، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا يخوض في الحلال والحرام والغيبة والنميمة والكذب ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ هل أنتَ مؤمن بالقرآن؟ هل أنت مؤمن بهذه الجملة من الآية؟ هل جربتَ نفسك؟ هل تلاحظ نفسك في جلستك أو في سوقك أو بيعك أو شرائك أو في القطار أو في السيارة أو في النزهة أو في الحفلة، إذا أخذوا يخوضون في معاصي الله في الكلام [ماذا تكون ردة فعلك]؟ ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إذا استطعتَ وكانت لك قوة أن تحوِّل المنكر إلى معروف والشر إلى خير والباطل إلى حق فأنت فارس المعركة، وإذا وجدتَ أنك لستَ كفْئًا فانج بنفسك وبدينك وبإيمانك، ﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ نسيتَ فما تذكرتَ الآية، ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].

هل أنتَ مؤمن بالقرآن؟ هل أنت مؤمن بهذه الآية؟ هل جرَّبتَها؟ جرِّبوها وانظروا كم يقع النَّاس في مخالفتها، وكم الكثيرون منهم كافرون بها وغير مؤمنين، ويقرأ المسلم القرآن اليوم: “قْرْ قْرْ قْرْ” [أي يقرأ بسرعة دون فهم]، ولا يَفهم ولا يطبق.. إذا قرأ الجندي الأوامر العسكرية أن اهجموا إلى الأمام، وقرأ القرار العسكري وبقي في مكانه، أو قرأ: اصمدوا، فانهزم ألا يجب قطع رأسه؟ نسأل الله أن يرزقنا الصدق مع الله والصدق في إيماننا وإسلامنا.. ربما أختك تَزْعَل، فَلْتزعل وليرضَ الله عزَّ وجلَّ، أو أبوك، فَلْيغضب ويرضى الله، أو أخوك.. الصدق مع الله يُعِزُّ اللهُ صاحبه وينصره ولو بعد حين.. اللهم ارزقنا اليقين والإيمان.

﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] وفي الخفاء، حاطب هل فعلها سرًّا أم جهرًا؟ سِرَّاً، لكن هل بقيتْ مخفية على الله عزَّ وجلَّ؟ هل هناك سرٌّ على الله عزَّ وجلَّ؟ كله جهر، هل يوجد غيب على الله عزَّ وجلَّ؟ بل كله شهادة: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة:1] ما الذي “يفعله”؟ يعني مواددة الأعداء والعمل لمصلحة أعداء الإسلام مثلما فعل حاطب بأن بعث لهم رسالة ليستعدوا لمقاتلة النَّبي ﷺ لأجل مصلحة زوجته أو ابنه أو ابنته.

[سماحة الشيخ يرحب بضيف دخل إلى المسجد:] أهلًا وسهلًا بوزير الصناعة الإيراني والوفد المرافق، وبكل إخواننا في إيران، حفظ الله إيران وحكومة إيران، وأعز الله إيران بالإسلام، وأعز الإسلام بإيران، وأعزنا الله جميعًا بالإسلام.

الآيات ليست لحاطب بل لجميع المسلمين

والإسلام هو: أن نرجع إلى القرآن رجوع التلاوة للفهم وللعمل وللتطبيق، وليست سورة الممتحنة لحاطب فقط، وتقول: هذه السورة لحاطب، وحاطب فعل كذا والصحابة هكذا أمسكوه وهكذا أمسكوا المرأة، وحسب.. لا يا بني، ولكن احذر أن تكون أنت حاطب زمانك، فتخون الإسلام والمسلمين.. خطأُ حاطب على مستوى الجيش والدولة وبناء الدولة العالمية، وبناء الوطن العالمي، وبناء الأسرة العالمية، وأنت قد تكون حاطبًا في قضية شخصية، فعليك أن تقدِّم رضاء الله مهما كلَّفك الأمر، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن لم يستجيبوا لك فكما قال الله تعالى: ﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ [الدخان:21] هذا عندما يكون المؤمن ضعيفًا لا يستطيع أن يزيل المنكر بالعمل، فأقل الدرجات أن لا يكون مشاركًا في مجلس يُقام فيه منكَر بالقول أو بالعمل أو بالتآمر أو.. إلخ.

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ [الممتحنة:1] أنت يا حاطب أرسلتَ الكتاب مع المرأة المُغَنِّية، وخبَّأت الكتاب في ضفائر رأسها، وفي رواية في لباسها الداخلي، [أي الذي يغطي العورة]، والله عزَّ وجلَّ رآك لَمَّا كتبتَ الرسالة، وقرأ رسالتك عندما كتبتَها، وعلم نِيَّتك قبل أن تكتبها، وعلم مع من أرسلتَها، ولذلك أخبر النَّبي ﷺ.. وأما أنت أيها المسلم، فحتى لو لم ينزل جبريل عليه السَّلام بخبرك، ولم يكن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام موجودًا، وعملتَ عملًا مشابهًا لعمل حاطب، [فإن الله عليم وخبير بعملك]، سواء كان عملك على مستوى الدولة أو على مستوى الجماعة أو الدعوة أو على مستوى معاملة الشخص لشخص، فتُظهر الوداد وتُخفي العداء، وتُظهر البناء وتعمل بالتهديم ظلمًا وعدوانًا وبغير حق.. إنك إن كنتَ مؤمنًا بسورة الممتحنة فواللهِ لا تعمل كعمل حاطب لا مع الصغير ولا مع الكبير، فلا تغش ولا تغدر ولا تمكر.

كشف أمر حاطب والكتاب الذي مع المرأة

وبعدما أَخبر سيِّدُنا جبريلُ النَّبيَّ ﷺ بالقصة بعث النَّبي ﷺ جماعة وعلى رأسهم سيِّدنا علي رضي الله عنه، وقال لهم: ((تَجِدونَها في مَكانٍ اسمُه رَوضةُ خاخ))، فقال لها سيِّدنا علي رضي الله عنه: معك كتاب من حاطب إلى قريش، قالت: ليس معي كتاب، فقال لها: “لَتُعْطِيَنَّ الكتابَ، أَو لَنُلْقِيَنَّ الثِّيابَ”، نخلع لباسك حتى تصيري عارية.. هناك كشف عورة! وحتى لو كان هناك كشف عورة لكن المصلحة الإسلامية فوق كل شيء.. وفي رواية: “أو لَنَضرِبنَّ عنقك”، الآن نقطع رأسك، ففَكَّتْ ضفيرتها أو فَكَّتْ لباسها وسلَّمت الكتاب 29 .

الله يعلم السر وما يخفى

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ [الممتحنة:1] إذا أعلنتَ المنكر فأنت تتحدَّى الله عزَّ وجلَّ، وإذا أخفيتَ فإنك ربما تُخفي عن النَّاس، ولكن هل تستطيع أن تُخفي عن الله عزَّ وجلَّ؟ إن الله عالِم الغيب والشهادة، وهل الغيب الذي غاب عنه؟ الله عزَّ وجلَّ لا يغيب عنه شيء، لكن الغيب الذي يغيب عنا، فالأشياء كلُّها مشهودة عند الله عزَّ وجلَّ، لذلك قال بعضهم: “إن الله لا يعلم الغيب”، فأنكر عليه بعض النَّاس، فقال لهم: إن الله لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ:3]، أما الغيب فهو غيب بالنسبة لنا، أما بالنسبة لله عزَّ وجلَّ فهل هذا غيب؟

﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ [الممتحنة:1] يسلك مسلك حاطب.. وهل يوجد حاطب في هذا الزمان؟ ما أكثرهم! ويوجد حاطبون وعلى كل المستويات؛ في مستوى الدولة، وفي مستوى الأمة، وفي البرلمانات، وفي المدارس، وفي المشايخ، وفي العلماء، وفي التجار، وفي الأسرة، وفي العائلة، فاحذر أن تكون حاطبًا.. هذه السورة ليست لحاطب وإلا لَمَا كان هناك داعٍ لأن نقرأها، بل إن هذه السورة مدرسةٌ إلى يوم القيامة، كي نحذر ونتجنَّب مسيرة حاطب الذي قدَّم مصلحته الشخصية ومنفعته الدنيوية على مصلحة الدين وعلى مصلحة الإسلام وعلى مصلحة الدعوة الإسلامية، فمَن يسلك مسلك حاطب ويعمل عمله ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة:1] مثل السيارة إذا خرجَتْ عن طريق الإسفلت، ومشَتْ في الوعر وفي الوديان ماذا تكون النهاية؟ تَحَطُّمها وهلاك ركابها، وكذلك نهاية من يحيد عن طريق الإسلام، وعن طريق مدرسة القرآن.

هذه الآية مدرسة

هذه الآية يجب أن نفهِّمها لأطفالنا ونسائنا، ولكبارنا وصغارنا، وعلى كل مستوياتنا، وهذا حتى نصير مؤمنين بالقرآن، أما أن نقرأ القرآن ولا نفهم ولا نعلم ولا نطبق ولا ننفِّذ، ونقرؤه على الأموات فقط [فهذا ليس إيمان بالقرآن]؛ وإذا كان الأموات في حال حياتهم ما فهموا القرآن ولا انتفعوا به فهل ينتفعون به بعد الموت؟ والمسلمون الآن هل يقرؤون القرآن كما أمر الله عزَّ وجلَّ أن يُقرَأ؟ الآن هل فيكم حاطبون أم ليس فيكم؟ إذا كنتم في “سَهْرَة” [السَّهْرة: اجتماع الناس مساءً]، والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ يعني أحاديثهم في سهراتهم، وفي نواديهم، وفي مجتمعاتهم، أو كنتَ في زيارة عائلية، أو في ندوة من الندوات، العلماء بعضهم مع بعض، أو التجار بعضهم مع بعض، فالله عزَّ وجلَّ قال: لا خير في هذه الاجتماعات، لأن الاجتماعات لها آداب إسلامية قرآنية، قال: ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ [النساء:114] فنبحث في مكافحة الفقر، فإن كنا في الحَيّ نبحث في فقراء الحي، أو كنا في العائلة والأرحام نبحث في فقراء العائلة، أو في البلد ففقراء البلد، لأنه لا يجتمع إسلام حقيقي وفقر، والنَّبي ﷺ يقول: ((مَا آمَنَ بِي ساعةً مِن نهارٍ مَن أَمسَى شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ)) 30 .

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ [الممتحنة:1] هذه الجملة من هذه الآية وحدها إذا نظَّف المسلم والمسلمة قلبيهما، ووضعا بذرتها في تربة أرضهما النقية من الذنوب، فواللهِ هذه الجملة من هذه الآية تجعل الإنسان سعيدًا في الدنيا والآخرة.. ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ [الممتحنة:1] كُنْ إذا نظر الله عزَّ وجلَّ إليك على عمل وعلى خلق يحبه الله ويرضاه، واحذر أن تكون على عمل تُرضي به النَّاس وتُرضي به مصالحك وأنانيتك ويغضب الله عزَّ وجلَّ، هذا ليس إسلامًا ولا قرآنًا، حتى ولو ادَّعيتَ ومهما ادَّعيتَ، قال تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123].

عداوة الكفرة وغدرهم

﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً لو ظفرَتْ بكم قريش، وأنت يا حاطب لو أمسكوك في مكة لَسَلخوا جلدك وعذَّبوك أشد العذاب، ولا يشفع فيك أهلك ولا أولادك، ﴿وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ [الممتحنة:2] يشتمونكم أشد الشتائم، ويؤذونكم بأيديهم حَرْبًا وسَجْنًا وأَسْرًا وإيذاءً وتعذيبًا، وأنتم ألم تفهموا بعدُ وترسلون لهم الرسالة!

فالإسلام خروجٌ من الأنانية، سواء أنانية الشخص الفرد أو أنانية الأسرة أو الجماعة أو الدولة أو الأمة، إلى أنانية القرآن والإسلام -إذا صحَّت تسميتها أنانية- فإذا كان القرآن والإسلام مقدَّمَين على كل ما ترغب وتهوى فأنت مسلم وأنت مسلمة، وإذا كانت مصلحتك الشخصية مقدَّمة على أوامر الله عزَّ وجلَّ فَعَزِّ نفسَك بالإسلام، وليس هناك عزاء إذا فقدتَ الإسلام، فالذي يفقد عقد الألماس هل يكون عزاء له إذا أعطيناه قِشْرَة بطيخ؟ هل هذا عزاء؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مسلمي العلم والعمل، وأن يخرجنا من الأنا إلى التقوى، كما قال بعضهم يخاطب الحق عزَّ وجلَّ

بَينِي وَبَينَكَ “إنِّي” لا تُفارِقُني فامْحُ بِفَضلِكَ لي “إنِّي” مَن البَيْنِ

﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ [الممتحنة:2-3] أنت يا حاطب بعثتَ الرسالة لتُفشِل خطة النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وتخرِّب مصلحة الإسلام والمخطَّط الإلهي، من أجل زوجتك وأولادك، ﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ [الممتحنة:3] والذي ينفعك هو الإسلام، فَلْيذهب الأهل والمال والولد والحياة وليبقَ الإسلام، وهذه هي الحياة الباقية للمسلم والمسلمة الحقيقيَّين.

الفصل يوم القيامة

﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة:3] يوم القيامة: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس:34-35] أنت تفعل ذلك من أجل مَن سيهربون منك ولا ينفعونك في الآخرة، والله عزَّ وجلَّ يقدِّم لك سعادة الدنيا والآخرة، فهل عليك أن تقدِّم رضاء الله عزَّ وجلَّ أم رضاء الأهل ومصلحة الأولاد؟

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة:3] أين تذهب؟ كل واحد منا إذا عمل عملًا [أليس الله بعمله بصيراً؟] أم أن الله عزَّ وجلَّ بصير بما عمله حاطب فقط؟ وحاطب هذا الزمان الذي يعمل ما يُخالف أمر الله على كل المستويات، أليس الله شهيدًا عليه وبصيرًا بأعماله؟

تَبَرُّؤُ إبراهيم عليه السَّلام من أبيه الكافر

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] حتى تؤمنوا بقانون الله وحده، وبرسالة السماء القرآنية وحدها.. قال: يجب أن تقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام والمؤمنين معه، وأن تقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام والأنبياء الذين كانوا في مدرسته ويستهدفون أهدافه بتحقيق رسالة السماء.. بمَن يجب أن نقتدي؟ يجب أن يكون لنا قدوة، وعلينا أن نقتدي بإبراهيم عليه السَّلام، وبالنَّبي ﷺ، وبالصحابة رضي الله عنهم، وبالصادقين.. مَن علينا أن نجعل قدوتنا؟ هل أنانيتنا: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف:12]؟ متى ما قلت أنا: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] فأنت مشرك، وهذا يُسمَّى الشرك الخفي.

((أنْ يَكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إلَيكَ ممَّا سِواهُما، وأنْ تُحبَّ المرءَ لا تُحبُّه إلَّا للهِ، وأنْ تَكرَهَ أنْ تَعُودَ في الكُفرِ)) 31 ، ليس الكفر أن تقول: أنا كافر، بل إذا اغتبتَ فأنت قد كفرتَ بالآية التي حَرَّمَت الغيبة، وإذا خنتَ فأنت كفرتَ بالآية التي أمرَتْ بأداء الأمانة، وإذا تفرَّق المسلمون بعضهم عن بعض فقد كفروا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [الصف:4]، وإذا كانت الأمة متفرقة فقد كفرَتْ بقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] وهل تكون مسلمًا بالكلام؟

تَرجُو النَّجاةَ وَلَم تَسلُكْ مَسالِكَها إنَّ السَّفِينَةَ لا تَجرِي عَلَى اليَبَسِ

خطاب الله تعالى للمسلمين أن يقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام

فالله عزَّ وجلَّ خاطب المسلمين في زمن النَّبي ﷺ أن يقتدوا بمن؟ بإبراهيم ومن معه من أنبياء وبالمؤمنين معه، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]، ولما جاء النبي محمد ﷺ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7].. قال: عليكم أن تقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام والذين معه، وماذا كان موقفهم من أعداء الدين؟ قال: كان موقفهم ﴿إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ [الممتحنة:4] فكما تبرَّأ إبراهيم عليه السَّلام من أبيه: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:114] [عليك أن تتبرأ ممن يأمرك الله بالتبرء منه]، فابنك إذا صار معاديًا للدين والإسلام وفعلتَ معه كل ما يمكن من نصح ودعوة وعِظَةٍ وأصرَّ على تخريب الإسلام والعمل على عكس أهدافه، فعليك أن تكون كالطبيب، وفي نهاية الأمر “آخر الدواء الكَيُّ”، والكَيُّ يُستعمَل حين تفشل كل الأدوية: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78].

﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ يعني بمحبتكم وبصداقتكم وبقرابتكم وبأرحامكم، ((وأنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلَّا للهِ)) 32 ، ((الحب في الله والبغض في الله)) 33 ، ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة:4] قال: اقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام والذين معه في كل شيء إلا في هذه، وهي أن تستغفروا كما استغفر لأبيه الكافر المشرك، فهذه لا تقتدوا به فيها، فإذا كان للشخص قريب كافر مشرك فلا يجوز أن يقتدي بإبراهيم عليه السَّلام ويقول: إن إبراهيم دعا لأبيه، لأنه بعدها قال الله عزَّ وجلَّ في آية أخرى: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة :114] تبرأ ممَّن؟ من أبيه، وأين بر الوالدين؟ هل المطلوب بر الوالدين أم الاستجابة: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114].

دعوة إبراهيم عليه السَّلام لأبيه بسبب وعده

﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ في البداية دعا له، قال: لا تقتدوا به في هذا الدعاء له، وقد كان ذلك قبل أن يُنهَى، أمَّا بعدما نهاه الله عزَّ وجلَّ فانتهى، فاقتدوا بالثانية وهي: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ [الممتحنة:4] لو دعوتُ لك بالمغفرة لا أُفيدُك إذا لم تتب وتستغفر الله وتقلع عن المعاصي والكفر، وهذه هي التوبة، وأما الاستغفار فهو أن تطلب أن يغفر الله عزَّ وجلَّ لك ما مضى.. ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ [الممتحنة:4] مع أنه خليل الله وأبو الأنبياء، قال: لا ينفع أباه، ولا استغفاره لأببه ينفعه.. يأتي أخ ويقول: شيخي ادعُ لنا.. ولكن أوَّلًا تبْ إلى الله عزَّ وجلَّ وأصلح نفسك.

أتى رجل إلى النَّبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ادعُ الله لي أن أكون من أهل الجنة، فقال له رسول الله ﷺ: ((فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)) 34 ، هل رضي النَّبي ﷺ بدعائه فقط؟ وهذا دعاء سيِّدنا إبراهيم أبي الأنبياء عليه السَّلام قال له: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ لكن ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ [الممتحنة:4].

الإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ

ثم قال: ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا [الممتحنة:4] يعني نحن واثقون بوعدك، ونحن نمشي على صراطك، ونحن لا نخالف لك أمرًا، لأننا واثقون أننا إذا اتقيناك حق التقوى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] [هل يكون الدعاء بالنصر] بالأقوال أم بالأعمال والسلوك والعلم والمعرفة؟ ﴿وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ إيمان القول مرفوض ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8].

﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا تكون متوكلًا على الله عزَّ وجلَّ إذا مشيت على كتابه علمًا وعملًا وتدرُّجًا حسب ما نزل مُنَجَّمًا على مراحل حسب الاستعداد والوقائع، فهل أنت على ثقة بأن الله عزَّ وجلَّ سينصرك؟ لقد حرم الله الخمر على مراحل، وفرض الصَّلاة على مراحل، وفرض الجهاد على مراحل، وحرم الربا على مراحل، وفرض الزكاة على مراحل، هذه هي الحكمة.. ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا رجعنا بقلوبنا، فقلوبنا معك ذكرًا، وأجسامنا وكل طاقاتنا معك استجابة لأوامرك، ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا [الممتحنة:4-5] إذا انتصروا علينا وكنا ضعفاء بين أيديهم سيقولون: لو لم نكن على الحق لما هُزِمتم، ويقولون لنا: أين وعد الله لكم في قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]؟ يعني: اللهم ثبِّت إيماننا وحققه، لأنه إذا تحقَّق الإيمان علمًا وحكمة -والحكمة: فِعْل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الشكل الذي ينبغي- فمستحيل أن يُهزَم الإسلام.. مستحيل أن يُهزَم الإسلام القائم على ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ علوم القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129].. فإذا وُجِدت مكارم الأخلاق [التزكية] مع العقل الحكيم ومع علوم القرآن تكون النتيجة: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] كان النصر واجبًا علينا، ولماذا لا ينتصر المسلمون؟ هل الخطأ في كتاب الله وكلامه أم الأخطاء من المسلمين؟ اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.

﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا اغفر: هل لحاطب في زمن النَّبي ﷺ أم لحاطبي زماننا؟ حاطبو زماننا بالملايين.. ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الذي لا مثل لك، قوي لا تقهر، ﴿الْحَكِيمُ [الممتحنة:5] الذي تعلم الأمور بحقائقها، وتطبقها كما ينبغي لتعطي نتائجها الإيجابية.. فإذا كان الجهاد بحكمة كانت ثمرته النصر، ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (1)، (1/3)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنية)، رقم: (1907)، (3/ 1515)، عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).
  2. العقد الفريد لابن عبد ربه (2/105)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/302)، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: "لَسْتُ بِخِبٍّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ".
  3. السنن الكبرى البيهقي، رقم: (17807)، (9/ 65)، سيرة ابن هشام (2/ 104)، بلفظ: ((وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ، قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَبُو أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَهُ بِبَدْرِ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ بَعْدَهَا وَتَقُولُ: خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ)).
  4. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الحذر من الناس، رقم: (4861)، (2/ 682)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22545)، (5/ 289)، بلفظ: عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء الخزاعي، عن أبيه، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح، فقال: «التمس صاحبا» قال: فجاءني عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فقال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا، قال: قلت: أجل، قال: فأنا لك صاحب، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: قد وجدت صاحبا، قال: فقال: «من؟» قلت: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: ((إِذَا هَبَطْتَ بِلاَدَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ: "أَخُوكَ الْبَكْرِيُّ وَلاَ تَأْمَنْهُ")) فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء قال: إني أريد حاجة إلى قومي بودان، فتلبث لي، قلت: راشداً، فلما ولى ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم، فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه حتى إذا كنت بَالأَصَافِرِ إذا هو يعارضني في رهط، قال: وأوضعت، فسبقته، فلما رآني قد فته انصرفوا، وجاءني فقال: كانت لي إلى قومي حاجة، قال: قلت: أجل، ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان.
  5. الأموال لابن زنجويه، رقم: (165)، (1/ 162)، أحكام أهل الذمة لابن قيم (1/ 144)، الأموال للقاسم بن سلاّم، رقم: (119)، ص: (56)، بلفظ: (قَالَ الْهَيْثَمُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَنِي عَبْسٍ عَلَى هَذِهِ الصِفَّةِ الَّتِي وَصَفَ لِي عُمَرُ، فَقَالُوا: هَذَا صِلَةُ بْنُ زُفَرَ، قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ شَيْخًا، يَسْأَلُ، فَقَالَ: «مَالَكَ؟» فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ وَأَنَا تُؤْخَذُ مِنِّي الْجِزْيَةُ، قَالَ: وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا أَنْصَفْنَاكَ إِنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَكَ، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْكَ الْجِزْيَةَ»، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَلَّا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ، وفي رواية: (ثُمَّ أَجْرَى عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْلِحُهُ).
  6. تفسير القرطبي (18/46)، تفسير الخازن (7/74)، أسباب النزول للواحدي، ص: (409)، بلفظ: (أن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلا من أهل اليمن وكان له حلف بمكة في بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام وقيل : كان حليفا للزبير بن العوام فقدمت من مكة سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يتجهز لفتح مكة وقيل : كان هذا في زمن الحديبية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمهاجرة جئت يا سارة فقالت: لا، قال: أمسلمة جئت قالت : لا قال : فما جاء بك قالت: كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهب الموالي تعني قتلوا يوم بدر وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت علكيم لتعطوني وتكسوني فقال عليه السلام: فأين أنت عن شباب أهل مكة، وكانت مغنية قال: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت إلى مكة وأتاها حاطب فقال: أعطيك عشرة دنانير وبردا على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل مكة).
  7. سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، (3/112)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الممتحنة، رقم: (4608)، (4/ 1855)، وصحيح مسلم، رقم: (2494)، (4/1941)، بلفظ: عن عَلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ((بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا هَذَا يَا حَاطِبُ)) قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امرءًا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ))، قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾.
  9. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (6472)، (4/153)، عن عَائِشَة رضي الله عنها، بلفظ: ((مهلًا يَا عَائِشَة أما علمت أَن هَذَا من كذب الأنامل))، وفي البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، رقم: (1599)، (2/ 238)، بلفظ: ((مهلا يا عائشة أما علمت أن هذا من كذب الأنامل))، قال: أخرجه أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، سببه: ((قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أفلي رأس أخي عبد الرحمن وأنا أقطع أظفاري على غير شيء فقال مهلا فذكره)).
  10. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4875)، (2/ 685)، بلفظ: ((عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة، فقال: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))، قالت: وحكيت له إنسانا قال: " ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ")).
  11. صحيح مسلم، كتاب البرِّ والصِّلة والآداب، باب تحريم الغيبة، رقم: (2589)، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4874)، (2/685)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)).
  12. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم: (91)، (1/ 93)، سنن الترمذي، أبواب البر والصلة: باب ما جاء في الكبر، رقم: (1999)، (4/361)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ)).
  13. سبق تخريجه، الحديث السابق.
  14. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا، رقم: (75)، ص: (109)، إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: " أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ أَنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِكَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ، وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ، قَالَ: يَا رَبِّ، هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ، مَا بَالُ الْأَخْيَارُ؟، قَالَ: «إِنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي، وَكَانُوا يُؤَاكِلُونَهُمْ وَيُشَارِبُونَهُمْ». وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7595)، والمعجم الأوسط للطبراني، رقم: (7661)، عَنْ جَابِرٍ، بلفظ: ((أَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا بِأَهْلِهَا، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ فِيهِمْ عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، قَالَ: فَقَالَ: اقْلِبْهَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ فِيَّ سَاعَةً قَطُّ ".
  15. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، رقم: (2688)، (4/2068)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12068)، (3/107)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ))، قَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ: "اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ ﴿آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ.
  16. سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب عرض الطعام، رقم: (3298)، (2/ 1097)، مسند الإمام أحمد بن حنبل: حديث أسماء بنت عميس رضى الله تعالى عنها، رقم: (27511)، (6/438)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نِسْوَةٌ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلاَّ قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ، قَالَتْ: فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ فَاسْتَحْيَتِ الْجَارِيَةُ فَقُلْنَا: لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْهُ فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ فَقُلْنَا: لاَ نَشْتَهِيهِ فَقَالَ: ((لاَ تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا))، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنْ قَالَتْ إِحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيهِ لاَ أَشْتَهِيهِ يُعَدُّ ذَلِكَ كَذِبًا قَالَ: ((إِنَّ الْكَذِبَ يُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً)).
  17. المستدرك للحاكم رقم: (3785)، مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34558)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه: فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الحديد: 12] قَالَ: ((يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِهِ يُطْفَأُ مَرَّةً وَيَتَّقِدُ أُخْرَى)).
  18. هذا اللفظ له ما يؤيده من أحاديث مختلفة، منها الحديث المشهور الذي رواه الشيخان بلفظ: «المسلم أخو المسلم» صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم: (2442)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: باب تحريم ظلم المسلم..، رقم: (2564)، هذه أخوة الإسلام والايمان أما الأخوة الإنسانية فقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن اباكم واحد ألا لا قضل لعربي على عجمي..." أخرجه أحمد في مسنده (23489) والبيهقي قي الشعب (5137) عن جابر.
  19. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137)، (4/289)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))، وفي مسند أحمد بن حنبل، رقم: (23489)، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه بنحوه.
  20. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2629)، (3/104)، مسند أبو يعلى، باب مسند عبد الله بن الزبير رحمه الله، (6/ 172)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (4/ 92)، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَى مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا، فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ولَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنَّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ شَأْنِي، أَلَا وإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ، أَلَا وَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ بِمُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا».
  21. مسند الفاروق لابن كثير، (2/573)، سنن الكبرى للبيهقي، رقم: (14114)، (7/233)، بلفظ: ((عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن وما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت له يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم قال نعم فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن قال وأي ذلك فقالت أما سمعت الله يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ قال فقال اللهم غفرانك كل الناس أفقه من عمر قال ثم رجع فركب المنبر فقال أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على اربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب)) وفي رواية أخرى، حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي القُصة يعني يزيد بن الحصين الحارثي فمن زاد ألقيتُ الزيادة في بيت المال فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس ما ذاك لك قال ولِمَ قالت لأن الله تعالى قال ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ فقال عمر رضي الله عنه: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".
  22. صحيح ابن حبان، رقم: (277)، (1/200)، ومسند عبد بن حميد، رقم: (1524)، (2/63)، بلفظ: ((قَالَ: مَنْ أَرْضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضَى النَّاسِ، وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ)) عن عائشة رضي الله عنها.
  23. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (9683)، سنن النسائي، كتاب الصيام، باب ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة، رقم: (3249)، سنن ابن ماجه، كتاب الصّيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، رقم: (1690)، (1/539)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ))،
  24. المدخل لابن الحاج، (2/295)، بلفظ: ((قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقُولُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ ظَالِمٌ))، وفي إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد للمليباري ص: (174)، عن أنس رضي الله عنه موقوفاً عليه: بلفظ: ((رُبَّ تَالٍ للقرآن وَالقُرآنُ يَلعَنُه)).
  25. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص، رقم: (1210)، (1/427)، صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، رقم: (2774)، (4/2141)، بلفظ: ((عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ فَقَالَ آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ فَآذَنَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ قَالَ ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾.
  26. تفسير الطبري (14/ 410)، بلفظ: عن قتادة، قوله: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره﴾ [التوبة: 84] الآية، قال: بعث عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه، فنهاه عن ذلك عمر، فأتاه نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «أهلكك حب اليهود»، قال: فقال: يا نبي الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي، وسأله قميصه أن يكفن فيه، فأعطاه إياه، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، فكفن في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفث في جلده ودلاه في قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا﴾ [التوبة: 84] الآية، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كلم في ذلك، فقال: «وما يغني عنه قميصي من الله أو ربي وصلاتي عليه؟ وإني لأرجو أن يسلم به ألف من قومه».
  27. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ»
  28. سبق تخريجه.
  29. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، رقم: (2845)، (3/1095)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة، رقم: (2494)، (4/1941)، بلفظ: ((عن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا...)).
  30. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
  31. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، (1/66)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
  32. سبق تخريجه.
  33. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18547)، (4/286)، مسند الطيالسي، رقم: (783)، (2/110)، بلفظ: ((عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قُلْنَا: الصَّلاَةُ قَالَ: الصَّلاَةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)).
  34. صحيح مسلم، باب فضل السجود والحث عليه، رقم: (489)، (1/ 353)، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، رقم: (1320)، (1/ 421)، بلفظ: عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: ((كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ؟ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)).
WhatsApp