تاريخ الدرس: 1992/11/27

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:05:05

سورة الممتحنة، الآيات: 2-5 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمُّ التسليم على خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

تلخيص ما مر في تفسير السورة

فنحن في تفسير سورة المُمْتَحِنَة، وسبق معكم في الدرس الماضي معنى كلمة “مُمْتَحِنَة”، ولماذا سُمِّيتْ بالممتحنة، وباختصار: فسبب نزول السورة أن امرأة حملتْ كتابًا من حاطب بن أبي بَلْتَعَة، وهو ممن حضر مع النَّبي ﷺ غزوة بدر، وعندما أراد النَّبي ﷺ فتح مكة، وضع الحرسَ على كل الطرقات لئلا يصل أحد إلى مكة، حتَّى يفاجئهم النَّبي ﷺ فجأةً، ولئلَّا يكون قتالٌ ولا سفك دماء، وهذا من عظمة النَّبي ﷺ وعظمة الإسلام، وهو في ذروة القوة وقمتها يتحاشى سفك الدماء، ويريد أن يحقِّق النصر بطريق السَّلام وطريق حفظ المهج والأرواح.

سبب رسالة حاطب

لقد كان لحاطب قَرابةٌ وأرحام في مكة، وخاف أن يكون قتال، أو أن يثأروا من أهله، لأنه يقاتل مع النَّبي الكريم ﷺ، فأرسل كتابًا لقريش يحذِّرهم مجيءَ رسول الله ﷺ بجيشه الفاتح، وأَطلَع الله عزَّ وجلَّ نبيه عليه الصَّلاة والسَّلام على ذلك بطريق الوحي، وأُمسِكت الظعينةُ حاملةُ الكتاب، وقُرِئ الكتاب: “إن مُحمَّدًا أتاكم بجيش كالليل فخذوا حذركم”، فقال له النَّبي ﷺ: ((مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟)) قال: واللهِ ما كتبتُ رِدَّةً عن دِيني، ولا رجوعًا إلى الكفر بعد الإسلام، ولكنْ لي أهل وأرحام خفتُ أن ينتقموا مني بقتلهم، وأصحابك لهم قرابات يحمون أرحامهم، فقال عمر رضي الله عنه: ائذن لي يا رسول الله أن أضرب عنقه، فأشار النَّبي ﷺ إلى خُلُق يجب أن يكون عليه المسلم، فقال له: ((يا عُمرُ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا))، ومن الوفاء لِمَن صنع إليك معروفًا أو ناصَرَك أو ساعَدَك أو نفَعَك أن تكافئه على معروفه، وأن لا تُسيء إليه في مستقبل الحياة، ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ؟)) 1 ، فذرفت واغرورقت عينا عمر رضي الله عنه بهذه الكلمة.

امتحان المهاجرات

والممتحِنة: هي أنه في صلح الحديبية كان من جملة شروط الصلح أنَّ من يهاجر مسلمًا إلى المدينة يجب على النَّبي ﷺ أن يُرجعه إلى أهله، فالنَّبي ﷺ نفَّذ العهد، فأتى بعد الصلح بعضُ المهاجرات من النساء، فأراد النَّبي ﷺ أن يرجعهنَّ، فقلنَ: يا رسول الله، نحن نساء، يعني أنا امرأة، وسيعذبونني ويفعلون، ولا أطيق العذاب.. فأنزل الله قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة:10] 2 ، فكانت تُمتحَن بأن تحلف بالله أنها ما هاجرت بُغضًا في زوجها، أو رغبةً في عشيقٍ لها، أو مصلحةً لدنياها، إنما هاجرت إلى الله ورسوله، ونزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة:10] 3 ، فألغى القرآنُ هذه المادة في نص المعاهدة بأن يُرجِع إلى مكة كلَّ من أتاه منها مسلمًا رجلًا أو امرأة، فطبَّق المعاهدة على الرجال، ونسف نص المعاهدة في النساء، والله عزَّ وجلَّ هو الذي نسخه تكريمًا للمرأة ورحمةً بها وعطفًا عليها.

هذه السورة جعلها الله عزَّ وجلَّ تُتلى إلى يوم القيامة.. وحاطب انتهى وفتح مكة انتهى، وكل ما ورد في القرآن من أحداثٍ قد وقعتْ في زمن النَّبي ﷺ.. ولكي نَتَفقَّه في القرآن علينا أن نعرف كيف نستعمله، وأن نَتَفَهَّم الآية بما في زمننا الحاضر وفي عصرنا وفي معاملاتنا، [ونسقطها على واقعنا المعاصر].. فهذه الآيات تشير إلى أن كلَّ من له مصلحة أو منفعة أو فائدة على حساب دينه وعلى حساب مصلحة الإسلام والمسلمين [عليه أن يُؤْثِر الدين]، وَلْيذهب الأهل، وَلْيذهب المال وَلْيبقَ الدِّين، وعلينا أن نبذل كل شيء في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وديننا وإيماننا أغلى علينا من كل شيء.. وإذا أردنا أن نفهم أي حُكم من أحكام الإسلام فعلينا أن لا نفهمه مُنفَرِداً، بل علينا أن نفهمه على ضوء الحكمة والموعظة الحسنة: ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].

دفع المضرة قبل تحقيق المصلحة

فإذا أردنا أن ننفِّذ حكمًا قرآنيًّا [علينا أن نُفَكِّر] هل ننجح في تنفيذه أم يترتب على تنفيذه مَضرَّةٌ أكبر منه؟ فإذا كانت ستترتب مضرَّة أكبر فلا يجوز تنفيذ هذا الحكم، اكتفاءً بتحمُّلِ أخفِّ الضررين، ولذلك لما كان الإسلام ضعيفًا في مكة ولا يستطيعون الجهاد، وكان المتحمِّسون من شباب الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون أن يُقاتِلوا ويُجاهِدوا، فينزل القرآن بأكثر من سبعين آية تحرِّم القتال، لأن القتال المشروع هو الذي يُنتِج النصر ويَضْمَن النصر والعز والمجد، أما القتال الذي لا يُضمَن فيه نصر وتُحقَّق فيه الهزيمة ويكون الضرر فيه أكبر من تحمُّل الأذى الأول فلا يُشرَع، ولذلك كانت تنزل الآيات: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:5] ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا يسامحوا ﴿لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية:14] ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ [الزخرف:88-89] ليس هناك حرب.. فلَمَّا قَوِي الإسلام قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة:29] والقتال على مراحل، أولًا كان قتال الدفاع، فلما قوي الإسلام أمر بالزحف على الاستعمار في بلاد الشام وفي بلاد العراق، ولكن لما كان الإسلام ضعيفاً في مكة هل قال للمسلمين مباشرة: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41]؟! هذا ليس فقهًا في الدِّين، وإنما هو الجهل كلُّ الجهل، وكما يقول بعض الشعراء

أَرى العَنقاءَ أَكبرَ أنْ تُصادَا فعاندْ من تُطيقُ لهُ عِنادا

“العنقاء”: يقولون هي طائر حجمه بقدر القُبة، “أَرى العَنقاءَ أَكبرَ أنْ تُصادَا”: فإذا كان بهذا الحجم فبماذا كانوا يصيدونه؟ لا يمكن صيده، فهو أكبر من طاقتك وقوتك، “فعانِدْ مَن تُطيقُ لهُ عِنادا”: فليس المهم أن نُقاتِل، بل المهم أن ننتصر، وليس المهم أن نتاجر، بل المهم أن نربح، وليس المهم أن نزرع، بل المهم أن نحصد، فكيف تزرع في أرض لا تُنْبِت أو تتاجر بتجارة لا تربح؟ هذا كله اسمه الحكمة، التي هي نصف النبوة، وهي العقل والدراسة وتَدبُّر العواقب والنتائج، والنبوة هي كما قال الله تعالى عن داود وسليمان عليهما السَّلام: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79]، فالنبوة تعلِّم الإنسان الكتاب والحكمة، أي العقل والأسباب والمسبَّبات والنتائج والعواقب.. وإن كثيرًا من المتديِّنين حُرِموا فقه الحكمة، فهم يقرؤون القرآن وهم مثل حاطب، وقد يكون في زماننا مئة ألف حاطب، لا في ميدان القتال، بل قد يكون في جماعة إسلامية، ولأجل مصلحته الدنيوية ولأجل أنانيته يدوس على الدين وعلى القرآن وعلى مصلحة الإسلام.

فمن أجل أن يُنقِذ حاطبٌ أولادَه وزوجتَه يعرِّض أعظم جيش للخطر، وأعظم قوة في بناء النبوة للإسلام، مِن أجل مَن؟ من أجل زوجته وابنه.

وهكذا في بيعك وفي شرائك وفي تجارتك.. فعليك أن تفهم أن تقدِّم مصلحةَ الإسلام على مصلحتك الشخصية، والإيمانَ على أنانيتك، وذلك مع العلم والحكمة وتدبُّر العواقب، وإلا فإنك لا تكون فقيهًا بالإسلام.. والناس يفهمون الفقه على أنه أبواب الطهارة والاستنجاء والوضوء وغسل الجنابة، وهذا جزء بسيط يتعلَّمه الإنسان بسهولة، فإذا رأيتَ شخصاً يتوضأ مرة واحدة تتعلم الوضوء، أما أن تتعلَّم الحكمة في حياتك وفي بيعك وفي شرائك، وأن توفِّق بين الدِّين والدنيا فأنت تحتاج إلى عالِم حكيم فقيه رباني وفقيه عقلاني فَهِم الإسلام حكمةً وقرآنًا وتزكَّتْ نفسُهُ، وصارت عنده قوة تزكية النفوس، وهذا من ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 4 ، أما لو حفظ علوم الدنيا وليس عنده حكمة، أو حفظ علوم الدنيا ولم تتزكَّ نفسه، فهو يستغيب ويَنِمُّ ويُؤثِر أهواءه على تقواه، فهذا ليس عالِمًا، وهذا الثاني ليس مسلمًا الإسلامَ الذي طلبه الله عزَّ وجلَّ من النَّاس، بل هذا اسمه إسلام التمني: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123].

الهجرة واجبة إلى الله ورسوله

لقد كانت الهجرة فرضًا على المسلم من مكة إلى المدينة، فكان يترك الرجل تجارته وعياله ومصالحه وديونه وعقاراته ويهاجر إلى المدينة ليتعلَّم الكتاب والحكمة ولتتزكَّى نفسه، ولتنتقل من الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن حب الدنيا إلى حب الله ورسوله والدار الآخرة.

ونحن الآن نقرأ القرآن لنسمع النغم والموسيقى، مثل الذي يسمع مَوَّالًا [الموَّال: لون من الأغاني الشعبية يقوله مغَنٍّ منفَرِد لا مجموعة]، فهذا ليس قرآنًا ولا سماعًا للقرآن، بدليل أنه إذا لم يكن صوت القارئ جميلًا يقول له: انتقل إلى المحطة الثانية في الراديو، ولعله إذا سمع صوت أم كلثوم [مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي] يقول له: ابقَ هنا.

الله تعالى يقول: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا أي قرؤوها لفظًا ولم يتدبَّروها، ولم تَحملها عقولهم فهمًا، ولا قلوبهم فقهًا، ولا حياتهم عملًا، ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5] فالحمار إذا حمَّلناه كتبًا هل يصير عالِمًا؟ وإذا حمَّلناه كُتب الطب هل يصير طبيبًا؟ وإذا حمَّلناه كتب الهندسة هل يصير مهندسًا؟ وكذلك إذا حملتَ القرآن حفظًا من أوله إلى آخره مِن غير أن تفقهه لتحوِّله من ألفاظٍ إلى فَهْمٍ وإلى عملٍ وأخلاقٍ وسلوك، فإنك -ولو حفظتَ القرآن- ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].. نسأل الله أن يجعلنا من الفقهاء في الدين، ((مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ)) 5 ، وقبل كل شيء أن نَفقَه القرآن.. والصحابة رضي الله عنهم ما كان عندهم من كتب الفقه إلا كتاب الله عزَّ وجلَّ.

النهي عن موالاة الكفرة

وأنزل الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك في حق حاطب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تعاملونهم معاملة الأصدقاء والأنصار، وترسلون لهم الرسائل، وتحذِّرونهم لِتُحبطوا عمل النَّبي ﷺ في بناء الإسلام، فإنك من أجل زوجتك وابنك ودَينك ومالك تُعرِّض الإسلام للخطر أو للتقهقر أو للضعف، ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وهذه علامة الحب، ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] فهو كافر بربك وكافر بنبيك وكافر بقرآنك، ويحارب الإسلام بكل الطاقات، ثم تجعله حبيبك وصديقك! حتى لو كان أباك أو أمك أو أخاك، قال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني مَن عادى ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].

فعليك أن تقرأ القرآن حتَّى تتمثَّل فيك هذه الآية خُلُقًا وصفةً ومعاملةً، فلا أمك ولا أبوك، بل الله عزَّ وجلَّ والإسلام ورسول الله ﷺ وورثة أنبياء الله، وإذا لم ترَ العالِم الحكيم معلِّم القرآن المزكي، ولم تنظر إليه بهذه النظرة فأنت ما قرأتَ القرآن ولا فقهتَهُ.. وما معنى كلام النَّبي ﷺ: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 6 ؟ أي عامِلُوهم كما تُعاملون نبيكم بالحب والتكريم والطاعة والامتثال، وأن تحبُّوا من يحبُّون وما يحبُّون، وأن تُعادوا من يُعادون وما يُعادون، وإلا فأنت حاطب زمانك، وهو يرسل الرسالة ليحبط أعظم فتح عمله النَّبي ﷺ في حياته وهو فتح مكة، لأجل ماذا؟ لأجل زوجته وأولاده، فإذا لم يكن الله عزَّ وجلَّ ونبيه ﷺ والإسلام أغلى عليك من كل شيء فأنت حاطب، وما مذهبك؟ هل شافعي أم حنفي أم حاطبي؟ تَكَلَّموا، هل فيكم حاطِبِيُّون؟ اللهم اجعلنا من فقهاء القرآن. [تظهر أحياناً من سماحة الشيخ بعض الكلمات التي تبدو قاسية مثل هذه، وذلك أولاً لكونه مربّ وطبيب يداوي النفوس والقلوب، ولا يمكن للمربي في كثير من الأحيان إلا أن يكون صادقاً وواضحاً، وقد كان -رحمه الله- يعيش مع كل فئات المجتمع، ويعرف أحوال الناس الكبيرة والصغيرة، وخاصة فيما يتعلق بالأخلاق والإيمان، وكانت هذه الدروس ميداناً من ميادين المعالجة والإصلاح.. وقد كنا نعيش ونرى -عند حضورنا تلك الدروس- أحوال التائبين الذين أكرمهم الله بالاستيقاظ من الغفلة ومعرفة أخطائهم عند سماعهم أمثال هذه الكلمات الصادقة التربوية].

الله تعالى يقول معاتِبًا: ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، أليس عيبًا عليكم أن تَتَوَدَّدوا لهم وهم يُعادون الله عزَّ وجلَّ، ويُعادون رسول الله ﷺ، ويُعادون الإسلام ويخرِّبون؟ فكيف تكونون أعوانهم من أجل مصالحكم المادِّية وصحبتكم الشهوانية وصحبة الجهل والجاهلية؟!

غدر الكفرة وصفاتهم

﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة:1]، هل نسيتم عندما لاحقوكم يُريدون أن يقتلوكم ويقتلوا النَّبي ﷺ، وما تركوا شيئًا من الإيذاء إلا فعلوه، ثم أنتم تعاملونهم هكذا؟ هل أنتم بُلداء أو حُمقاء أو جُهلاء أو غير مؤمنين؟ فالإيمان الحقيقي هو ((أنْ يكونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ)) 7 ، فإذا رآه على تقوى الله عزَّ وجلَّ يحبه، وإذا رآه خارجًا عن تقوى الله لا يحبه إلا بمقدار أن يهديه وينصحه، فإذا أبى ولا فائدة منه فليهجره في الله.. وهذا ما يفعله إن كان فيه إسلام وإيمان.

تَعلُّم الإسلام يحتاج إلى معلم، وطرفة مَن يَفُكّ حَنَك سبعين شيطاناً

هذا هو القرآن، وهذا هو الإسلام، أما أن يكون الإسلام على هواك بأن تنقُر [تصلي مسرعاً] أربع ركعات وأنت لا تفهم شيئًا، أو تقرأ القرآن أربع ختمات في رمضان أو عشرًا وأنت لا تفهم آية منه، وليس لك معلم فهذا لا يفيد، فالطبيب هل يصير طبيبًا من غير أساتذة الطب؟ والمهندس هل يصير مهندسًا من غير أساتذة الهندسة؟ والتاجر هل يصير تاجرًا من غير أن يدخل مدرسة التجارة وأسواقها؟ فكيف تريد أن تصير مسلمًا وليس لك شيخ؟ و”من لا شيخ له فشيخه الشيطان” 8 ، وليس شيطانًا واحدًا، بل شيخه الشياطين.

يقال: إن رجلًا سمع في درس أحد الشيوخ أنه من يتصدَّق بصدقة يَفكُّ حنك سبعين شيطانًا، فهذا الرجل الدرويش رجع إلى البيت وما عنده شيء، وقعد يفكِّر كيف سيفكُّ حنك سبعين شيطانًا وليس معه شيء؟ فدخل المطبخ وأخذ بعض البرغل وبعض العدس وبعض الرز ونحو ذلك، وضعها في ذيل ثوبه وخرج يريد أن يتصدَّق بها، فرأته زوجته وقالت له: ما هذا؟ قال لها: بعض الرز والبرغل أريد أن أتصدق بها، سألته: لماذا؟ قال لها: سمعتُ في الدرس من الشَّيخ كذا وكذا.. فقالت له: هل بهذه السرعة لعب الشَّيخ بعقلك؟ ارجع ارجع ارجع.. فتجادلا.. ارجع لا أَرْجِع.. ويبدو أنه ضعيف وهي أقوى منه، فضربته عدة لكمات وعدة ركلات، وطرحته على الأرض، فسقط الرز والعدس وما كان يحمل.. وفي اليوم التالي أتى إلى الدرس فرآه الشَّيخ صامتًا ويظهر عليه أثر الكآبة، قال له: ما بك هل فككت حنك سبعين شيطانًا إن شاء الله؟ قال له: والله يا سيِّدي فككتُ حنك سبعين شيطانًا، لكن أم الشياطين فكَّت حنكي، [الشيخ والحضور يضحكون] فهذه أم الشياطين.. أَلَا يوجد أبو الشياطين؟ الله تعالى قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وقد ذكر الله شياطين الإنس أوَّلًا، ﴿وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:122] يُزخرِف له الكلام الباطل، فيجعله مثل الحق، ويَغُرُّه في دِينه، ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] مَن الغَرور؟ هل هو شيطان الإنس أو الجن؟ الآن شيطان الجن -إبليس- في إجازة، فقد أخذ إجازة واستيداعًا من عشر سنين، لأنه خلَّف شياطين الإنس الذين هم أشد وأطغى.

من أراد وجه الله لا يوالي أعداءه

﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1] لاحَقُوكم وطاردوكم وعذَّبوكم وقتلوكم أنتم والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وأنتم تعاملونهم هكذا؟ فإذا كان الإنسان في هذا الزمان يُعامل الدين وأهل الدين مثل هذه المعاملة وأنت عاملته مثل ما عامله حاطب فماذا تكون أنت؟ تكون حاطب زمانك، وإذا قرأتَ السورة فهل تقرؤها على القراءات الأربعة عشر أو على القراءة الخامسة عشر؟ قراءات القرآن كم قراءة؟ [يجيب الحضور: أربعة عشر، فيقول الشيخ:] لا، هي خمس عشرة، الصحيحة أربع عشرة، والخامسة عشرة هي التي ذكرها الله عزَّ وجلَّ في القرآن: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5] والأسفار هي الكتب، فالحمار إذا حمل الكتب هل يفهم؟ وأنت أيضًا تقرأ القرآن ولا تفهم، مثل الحمار يحمل الكتب ولا يفهم، بل أنت شر من الحمار، لأن الحمار لم يؤتَ عقلًا وفهمًا ليفهم القرآن، أما أنت فأوتيتَ العقل والفهم، ولم تحاول أن تفهم القرآن وتتعلم أحكامه وتتزكى نفسك لتطبِّق أوامره وتجتنب نواهيه، فأنت شرٌّ من الحمار، قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] الغافلون: الجاهلون، جاهل القلب أو جاهل العقل أو جاهل الفهم.

﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي [الممتحنة:1] جواب “إن” محذوف، يعني فلا تتخذوهم أولياء، ولا تعودوا لهذا العمل، فحاطب هل عاد وفعلها بعدما سمع القرآن؟ هل فعلها مرة ثانية؟ وهل أحد من الصحابة رضي الله عنهم صار يوادد ويحابب ويُصانِع ويساعد أعداء الله عزَّ وجلَّ وأعداء النَّبي ﷺ وأعداء الإسلام؟ والآن كم من المسلمين يُساعدون الفُسَّاق ويساعدون الكفار ويصيرون عملاء ويُخالفون القرآن، ويخالفون كلام النَّبي ﷺ ووصاياه، وهو يصلي ويصوم؟ فهذا لا يفهم من صلاته ولا من صيامه شيئًا، بل إن صلاته وصيامه ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].

والحمير على قسمين: هناك حمير يمشون على أربع، وهناك حمير يمشون على اثنتين، ويوجد حمير آذانهم نصف ذراع، وحمير آذانهم مثل آذان بني آدم، وأي الحمارين أكثر حماريةً؟ هل الذي بأذنين طويلتين وله ذنب، أم الذي بلا ذنب وأذناه قصيرتان؟ الله تعالى يقول: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ قال: لا، فهم ليسوا كالأنعام، ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ من هؤلاء؟ ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] الذي ليس له شيخ، وليس له معلم.. وإذا لم تسلِّم قلبك وروحك وعقلك للشيخ الوارث المحمَّدي فكيف ستصير طبيبًا دون أن تسلِّم نفسك لكلية الطب وأساتذة كلية الطب؟ هل يمكن أن تصير طبيباً من دون هذا التسليم؟

﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ لا تعلنون المودة لهم بل في الخفاء، ولكن إن كانت في الخفاء فهل تخفى على الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿وَأَنَا مَن أنا؟ الله عزَّ وجلَّ ﴿أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ [الممتحنة:1] فالمعاملة مع الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [الأحزاب:57] هل أحدٌ يؤذي اللهَ عزَّ وجلَّ؟ لكن الله عزَّ وجلَّ اعتبر إيذاء النَّبي ﷺ إيذاءً له، أي إيذاءً لله تعالى، والذي يؤذي الله عزَّ وجلَّ ماذا سيحدث له؟ [إن الله عز وجل ليس كمثله شيء، لكن يمكننا أخذ المثال من المخلوقات] فالذي يقرص الثعبان من ذيله، أو يضرب الأسد بالعصا على ذيله هل يكون قد آذى الأسد أم يصير فطورًا أو غداءً للأسد؟

الله يعلم السر وأخفى

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ [الممتحنة:1] كيف ستُخفي على الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ [البقرة:284] هل أنت مؤمن بالقرآن؟ هل أنت مؤمن بهذه الآية؟ هذه نصف آية أو ربع آية أو جملة من آية، إذا آمنتَ بها تصير من أحسن النَّاس، وذلك في بيعك وشرائك، وفي غضبك ورضاك، وفي مصالحك، وفي صداقتك وصحبتك، وفي سفرك وحضرك، وفي خلوتك وجلوتك.

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ الذي يفعل مثل ما فعل حاطب ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة:1] ضلَّ عن الصراط المستقيم.. في سورة الفاتحة تقرأ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وبسلوكك [تخالف الصراط المستقيم]، والله يقول لك: هذا هو الصراط المستقيم، هذا هو الجسر، من هنا، ثم تقول: “اهدِني إلى الجسر”، وأنت تمشي على خلاف الجسر، فهل سيستجيب الله عزَّ وجلَّ لأقوالك أم لأعمالك؟ وإذا قلتَ: يا رب أطعمني، وأرسل لك الله عزَّ وجلَّ لك غداءً “صَفِيْحَةً” وما أكلتَ، [الصَّفِيْحَة: رغيف من عجين يُوضَع عليه اللحم، وتُسمى باللهجات غير الدمشقية اللحم بالعجين]، ثم قلتَ مجددًا: يا رب أطعمني، وأحضروا لك “أُوْزِي” وما أكلتَ [الأوزي طعام دمشقي فاخر يقدم في المناسبات الراقية مكون من الرز واللحم والبازلاء ومُغَلَّف بقطعة رقيقة من العجين]، وفي المرة الثالثة: يا رب أطعمني، فهل دعاؤك هذا طلبٌ حقيقي أم طلب استهزائي؟ إنك بدعائك هذا تستهزئ بالله عزَّ وجلَّ دون أن تفهم ماذا تقول وماذا تدعو، والسبب عدم الفقه في الدِّين: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ)) 9 .

والدِّين ليس فقط هو الفقه الذي يُسمُّونه الوضوء والاستنجاء وأحكام الصَّلاة، بل إن هذا جزء للطقوس الجسدية، أما الدين فيجب أن يكون هناك فهم وعلم وعمل وذوق وامتلاء القلب بنور الله وبذكر الله عزَّ وجلَّ، وهل تصير طباخًا إذا لم تجلس في المطبخ وتحت نظر الطّبّاخين؟ هل تصير ميكانيكيًّا إذا لم يمتلئ وجهك وثيابك بالأوساخ ولم تجلس دائمًا بين أيدي الميكانيكيين؟ اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.

غدر العدو

﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ أنت مغشوش بهؤلاء يا حاطب، فإنهم لو ظفروا بك وأمسكوك وقد صرت من أصحاب مُحمَّد ﷺ ومن المسلمين ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ [الممتحنة:2] لأوجعوكم ضربًا وإهانة ومسبات وشتائم حتَّى يقتلوكم، ومع ذلك فإنك تُكاتبهم وتنصحهم لتأمين مصلحتهم على حساب تخريب مصلحة الإسلام؟ أتعرف ماذا تفعل بمحبتك وصحبتك وصداقتك مع أعداء الله؟ أتعرف ماذا تفعل؟ إنك تهدم الإسلام وأنت لا تعرف، إنك تخرب الدعوة من حيث لا تفهم، فلو أنَّ شخصًا أكل السم وهو جاهل به ألا ينهي اللهُ عزَّ وجلَّ عمره؟ وهل ينفعه جهلُه بأن السم قاتل؟ وهل ينجيه الله من الهلاك؟

﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يعني إذا ظَفِروا بكم، أو صرتم أسرى بين أيديهم ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ضربًا وقتلًا وقطعًا للرؤوس بالخناجر، ﴿وَأَلْسِنَتَهُم إذا لم يقدروا عليكم بأيديهم فإنهم يطعنون فيكم بالمسبات والشتائم والتنقيص والدعايات.. إلخ، ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] كل همهم أن يُوقعوكم في الضلال، ويبعدوكم عن الهدى، وأن يوقعوكم في الشقاء، ويبعدوكم عن السعادة.

الإسلام المقلوب والأماني

﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الممتحنة:3] عليك أن تعمل في الحياة لا على أساس الدنيا، فالدنيا منام: “النَّاسُ نِيَامٌ” وما يرونه من مال ومن ولد ومن عز ومن مجد وغير ذلك كله منام، “فَإذَا مَاتُوا انتَبَهُوا” 10 ، فإذا كان يرى نفسه في المنام مَلِكًا، ثم استيقظ ورأى نفسه على مَزْبَلَة فهل استفاد شيئًا من الْمُلْك؟ وأنت إذا لم تنظر إلى دنياك وشبابها ومالها وعزها وجاهها وسلطانها كما يقول القرآن وكما يقول النَّبي عليه الصَّلاة السَّلام فأنت لست مؤمنًا بالله ولا بالنَّبي ﷺ، والله يقول: ﴿وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا [البقرة:8] فأنت إيمانك إيمانٌ قوليٌّ وليس إيمانَ العمل، ولا إيمان اليقين، ولا إيمان الاستجابة، ولا إيمان السلوك، وعليك إذا قرأتَ القرآن أن تحوِّله من نطق إلى عمل، ومن قراءة إلى فهم.. هل يمكن أن تعرف اللغة الإنكليزية من غير أستاذ اللغة الإنكليزية؟

مرة أتى شخص إلى شيخنا قدس الله روحه، وشيخنا كان يتكلم الكردية، وأنا لا أعرف اللغة الكردية، فقال له: يا شيخي واللهِ أنا ما كنتُ أعرف أن اللغة الكردية بسيطة إلى هذا الحد، قال له: كيف هي بسيطة؟ قال له: تعلَّمتُها في نصف ساعة، قال له: كيف في نصف ساعة؟ فهذه لغة مثل بقية لغات كل الأمم، لها نحو وصرف وقواعد مثل كل اللغات؛ التركية والإنكليزية والهندية.. قال له: واللهِ في نصف ساعة، قال له: كيف تعلَّمتَها في نصف ساعة؟ فَهِّمنا لعلنا نعلِّم النَّاس، قال له: ليس في نصف ساعة، بل في خمس دقائق أيضًا.

والشخص اليوم يصير مسلمًا بالأماني، ولا يحتاج حتى إلى نصف ساعة، فإذا قال: أنا أضرب باب الجنة برجلي وأخلع الباب، انتهى الأمر ودخل الجنة، ولكن سيخلعون رقبته، وسيُسلِّمونه من أنكر ونكير إلى مالك خازن النَّار.

الأماني لا تنفع، فالله عزَّ وجلَّ قال عن اليهود: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة 78] لا يعرفون من التوراة إلا الأماني: ﴿وَقَالُواْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة:80] قالوا: بمقدار ما عبدوا العجل أربعين يومًا فقط، وبعد الأربعين يومًا يذهبون إلى الجنة.. هذه أمانٍ، وإسلام المسلمين وإيمانهم اليوم صار أمانٍ مثل إيمان اليهود، فاليهود قالوا: أربعين يومًا، وأما المسلمون الآن فلم يقولوا: أربعين يومًا، بل “غفور رحيم” وانتهى، وليس فقط انتهى ودخل الجنة، بل سيخلع باب الجنة بحافره، هل هو بغل؟ وهل يوجد بغال في الجنة؟ هل قال الله عزَّ وجلَّ: “إن البغال والبغلات في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار”؟ بل قال: ﴿إِنَّ الْمُسلِمينَ وَالْمُسلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات [الأحزاب:35].

فقال له شيخنا: كيف؟ قال: هناك شخص علِّمني وقال: كل كلمة بالعربية إذا قرأتها بالمقلوب تصير بالكردية، مثلًا “جَمَل” إذا قرأتَها بالمقلوب لام ميم جيم ماذا تصير؟ “لمج”، الخبز: “زبخ”.. إلخ، وقد كتب دفترًا طويلًا عريضًا، قال له: انظر يا شيخي، فقال: أما وجد هذا الشخص غيرك ليهزأ به!

والآن المسلمون يفهمون كل شيء عكس الإسلام على أنه هو الإسلام، فالمسلم يقرأ القرآن [لمجرد القراءة فقط]، ولكن القرآن أُنْزِل لأجل أن تفهمه وأن تعمل به، ولا يمكن أن تفهم وتعمل إلا بأن تهاجر إلى وارث رسول الله ﷺ، ولا تهاجر بجسدك فقط، بل جسدك إلى جسده، وقلبك مع قلبه، وعقلك مع عقله، وحبك مع حبه، وعداؤك مع عدائه، هل يمكن أن يعادي النَّبيُّ ﷺ إنسانًا وأنت تحبه، وتقول: أنا مسلم وأنا مؤمن؟ قال

تُحبُّ عَدوِّي ثمَّ تَزعُمُ أنَّني صَدِيقُكَ إنَّ العَقلَ عَنكَ لَعازِبُ

عداوة الكفرة لا يعني إعلان الحرب عليهم

وليس معنى أن نعادي أعداء الله أن نقيم عليهم حربًا، فالحرب له فقهه، وله أحكامه الشرعية، والمقاتلة لها أبوابها المعروفة، ولا يصِحّ أن يقودها إلا حكماؤها، وأنا أعتقد أنَّ الجهاد في سبيل الله في هذا الزمان هو جهاد الدعوة والتعريف بالدين، ولو وُجِد دعاة أكفاء فإسلام أوربا وأمريكا واليابان أقرب من إسلام المسلمين، وهذا كله أنا رأيتُه بعيني، وباشرته بنفسي على كل المستويات، ففي جلسة واحدة قد يستجيب لك أعظم شخص من عظماء الجامعات أو الكنائس أو رجال السياسة.

وقد ذكرت لكم الجمعة الماضية أن سفير سويسرة زارني، وجلس معي حوالي ساعة أو ساعة وربع الساعة، ولَمَّا انتهتْ زيارته قال لي: أنا مذنب، أنا مجرم، -وسويسرة من أرقى دول العالم الغربي- قلتُ له: لماذا؟ قال لي: لأن القرآن في مكتبتي ولم أقرأه، ولم أعلم أن الدين الإسلامي كما أسمعه منك، والآن سأعود إلى مكتبتي، وأقرأ القرآن لأتعرَّف على الإسلام حسب ما سمعتُه منك.

وهذا يوجد مثله مئات ومئات ومئات، فيلزمنا الآن جهاد الدعوة ونشر العلم، أما القتال فلا حاجة له.. وخاصة المتعصِّبين الذين يَقتلون المسلمين، أو يقتلون الأجانب في بلاد المسلمين، وهذا كله مخالف للإسلام، والنَّبي ﷺ قال: ((مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) 11 ، وهذا الأجنبي اسمه مُعاهَد، وحكمه حكم الذمي، وهم بذلك يُعطون صورةً لعالَم الغرب أن الإسلام همجية لا أخلاق فيه ولا إنسانية، فيسيئون للإسلام، وكأنهم عملاء أو أجراء لأعداء الإسلام، أو أجراء للصهيونية وإسرائيل، وباسم الدين وباسم الإسلام.

لا يكنْ عملكم من أجل أنفسكم ولا أهليكم، لأن أهليكم وأولادكم قال: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس:34-35] فالذي سَيَفرُّ منك يوم القيامة هل تُلقي نفسك في جهنم وفي غضب الله من أجله؟ عليك أن تعمل لله عزَّ وجلَّ، قال رسول الله ﷺ: ((مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَليه وأَرضَى عَليه النَّاسَ، ومَن أَرضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِ وَأَسخَطَ عَليه النَّاسَ)) 12 ، يُغضِب الله تعالى من أجل أن يرضى فلان، ولو سألتَه لماذا فعلت ذلك، يقول: لأن فلاناً سيَزْعَل مني [ويغضب مني]، تقول له: ولكن إذا زعل منك [وغضب] فإن الله يرضى، يقول لك: الله غفور رحيم.. يعني هو الوصي على الله، وكما يأمر اللهَ يمشي على مزاجه، أليس كذلك؟ كأن الله أجير عنده.

معاملة النَّاس بالمساواة

النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام لَمَّا كان يجالس عظماء النَّاس ويهمل الفقراء، ليس احتقارًا، بل لأنه بإسلام الكبار يُسلِم الصغار، فأتى ابن أم مكتوم رضي الله عنه -وكان أعمى وفقيرًا- والنَّبي ﷺ جالس مع الأغنياء، فقال: يا رسول الله أتيتُك فعلِّمني، فأعرض النَّبي ﷺ عنه مداراة لأولئك، وحرصًا على هدايتهم، لأن في هدايتهم هداية أقوامهم، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى [عبس:1-10] قال: فما قام النَّبي ﷺ من مجلسه، وما وصل إلى بيته إلا وقد رَمِدتْ عيناه من كثرة بكائه وتأثره من معاتبة ربه له.

فهل نفهم القرآن؟ وهل نعرف كيف نقرأ القرآن؟ طريقتنا نفس طريقة ذلك الرجل الذي يتعلم الكردية بالمقلوب، وإسلامنا أيضًا صار بالمقلوب، فنحن نصلي ولكن بالمقلوب، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ونحن نصلي ونفعل الفحشاء والمنكر، والله تعالى قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] ولكننا نصلي ولا نخشع في الصَّلاة، لأن الخشوع من أعمال القلب، ولا تحصل على أعمال القلب إلا إن ذهبت إلى الذين يصنعون القلوب: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

اللهم رُدَّنا ورُدَّ المسلمين إلى أن نفهم الحقائق، قبل أن يأتينا الموت فنخسر الدنيا ونذهب إلى الآخرة مفلسين أيضًا، فنكون قد خسرنا الدنيا والآخرة، وأنتم؛ خصوصًا طلابَ العلم، يا مساكين، لا تغترُّوا بالكتب ولا بالشهادات، واللهِ إذا لم يكن لكم قلب، ولم تكونوا سبَّاقين إلى فهم القرآن علمًا وعملًا وأخلاقًا وظاهرًا وباطنًا فلو اشتغلتم نجارين وحَطَّابين لكان خيراً لكم من كل الشهادات ومن كل الدراسات، لكن إن شاء الله تتخرجون علماء وعاملين ومخلِصين، والمخلصون مع كل هذا على خطر عظيم، كأن يقعوا في العجب أو في رؤية النفس، أو يقولوا: “أنا وأنا”.

البراءة من الكفرة تأسيًا بإبراهيم عليه السَّلام

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الممتحنة:4] هذا الخطاب كله لمن؟ هل هو لحاطب؟ لو كان لحاطب لقال له: “قد كانت لك”، لكن هذا الخطاب لكل الأمة، فالذين لم يفعلوا ما فعل حاطب قال لهم: إياكم أن تفعلوا مثل ما فعل حاطب، وإلى يوم القيامة.. وهذا الخطاب موجَّه لكلِّ مسلمٍ ولكلِّ مسلمةٍ، وليس شرطًا أن يكون من أجل فتح مكة، فحاطب قصته في فتح مكة، وأنت قد تكون قصتك أنك تجلس مع أخيك أو أبيك أو عمك أو صديقك أو قريبك في مجلس غيبة أو نميمة أو تخريب أو إيذاء، والإسلام يقول لك: مُرْه بالمعروف وانهَه عن المنكر، وانصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، والشيطان يقول لك: “إن نصحتَه سيغضب منك ويحاربك، وكذا”، هاأنت بذلك قد صرتَ حاطبًا.

ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ [الممتحنة:4] لو كان المقصود حاطبًا فقط لقال له: “قد كان لك يا حاطب” فهل فهمتم القرآن؟ وإذا فهمنا القرآن فقط قلقلةً ومَدًّا عارضًا للسكون ومتَّصِلًا ومنفصِلًا فما فهمنا شيئًا، وهل كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون المتصل والمنفصل والعارض للسكون؟ كانوا يقرؤون مثل ما سمعوا من النَّبي ﷺ، أما أحكامه وأهدافه وتحويله من سماع إلى فهم وإلى عمل وتعليم فهذا هو الفقه في الدين، وهذا هو القرآن، وهذه هي قراءة القرآن.. نسأل الله أن يجعلنا من الفقهاء في الدين، ولذلك ورد: ((فقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابد)) 13 ، إذا كان العابد كلاسيكيًّا وطقوسيًّا وشكليًّا، يصلي كثيرًا ويصوم كثيرًا ويقرأ القرآن كثيرًا، لكن ليس عنده فهم ولا علم ولا سلوك ولا أخلاق، “فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد”.

[سماحة الشيخ يخاطب الخطباء قائلاً:] الخطباء سَهَّلَ الله أمركم.

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الممتحنة:4] يجب أن تكون قدوتكم بمن؟ بأبيكم إبراهيم عليه السَّلام، وأن يكون الاقتداء اقتداءً حسنًا، فقد كان في سبيل الله لا يبالي بروحه، حُرِق بالنَّار نارِ النمرود فهل خاف أو خضع للنمرود؟ ودعا إلى الله عزَّ وجلَّ في العراق وحاربوه، ثم أَلجؤوه إلى أن يهاجر، فهاجر في سبيل الله وترك الأهل والمال والولد، وكله في سبيل رضاء الله عزَّ وجلَّ، وقال له الله عزَّ وجلَّ: “اذبح ولدك”، وليس له غير هذا الولد، وجاءه بعد مئة وعشرين سنة، وهو وحيده، وفي المنام! فقال له: ﴿يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102] أَنعِمْ بهذا الولد وبهذا الوالد! ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] كيف إيمانك؟ هل عنده استعداد لتقبل أمر الله عزَّ وجلَّ؟ وهل تنقاد النفس لأمر الإله الحق؟

أما الإله الآخر، إله الأنا والمصلحة فهذا إله باطل زاهق كاذب: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] واللهِ لم يُؤثِر أحدٌ رضى الله عزَّ وجلَّ على أهوائه ومصالحه إلا وكان الرابح، وكما قال تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

الثابت على الحق رابح

الصحابة رضي الله عنهم كم لقوا من العذاب والهوان والخسارات والتهجير والتعذيب؟ وبعد ذلك في النهاية هل كانوا رابحين أم خاسرين؟ هل ربحوا الآخرة وخسروا الدنيا؟ لا واللهِ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30].

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِن الذين آمنوا به أو الأنبياء وأصحابهم الذين كانوا من قبل، ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ [الممتحنة:4] أنت يا ابني ما دمتَ لا تتقي الله عزَّ وجلَّ فأنا بريء منك، أنت يا زوجتي، أنت يا أخي، أنت يا صِهْرِي، أنت يا جاري، أنت يا شريكي.. تقول ذلك ضمن الحكمة أيضًا، وليس مباشرةً، قال الله تعالى: ﴿ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء [النحل:39]، هل الإضلال والهداية بحكمة أم “يا نَصِيْب” أم بلا مقدمات وبلا نتائج وبلا أسباب ومسبَّبات؟ [يانَصِيْب: لعبة من ألعاب الحظ والقمار الشائعة في سوريا، وهي أوراق فيها أرقام تُباع بالأسواق] ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ [الرعد:27-28] يهدي الله إليه من أناب، ومن يُضِل؟ ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، فهل يعقل أن تطلب الهداية وتعشق أهل الهداية وتكون دائمًا في مجالس أهل الهداية ويُضلُّك الله؟ هل يمكن؟ ((إذَا تَقَرَّبَ عَبدِي إليَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا، وإذا تَقَرَّبَ إليَّ ذِرَاعًا تَقرَّبْتُ إليْهِ بَاعًا)) 14 ، إذا كنتَ تتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بصالح الأعمال وتريد هدايته فهل يضربك أو يدفعك ويرميك من فوق الجدار إلى أسفل؟ وهو الذي يقول: ((إنَّ اللهَ يَمُدُّ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَمُدُّ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ)) 15 .

وهل المسلمون يفهمون الإسلام هكذا؟ يعمل أحدهم خمس مئة ألف ذنب ويقول لك: “الله غفور رحيم”، الله عزَّ وجلَّ لا يقول ذلك، والقرآن لا يقول ذلك، والعقل لا يقول ذلك، ولكن “من لا شيخ له فشيخه الشيطان” 16 ، فالشيطان يعلِّمه هكذا، ويضع في قلبه هذه الوساوس، وهذه الإلهامات الشيطانية تَظْهَر في أقواله وفي أعماله وفي فهمه وفي سلوكه، وليس المقصود بالشيخ أن تأتي إلى الدرس فقط، فإنك إذا لم ترتبط بالشَّيخ ارتباط الروح بالجسد والجسد بالروح فأنت ليس لك شيخ، وشيخك هواك أو شيخك الشيطان.. نسأل الله عزَّ وجلَّ بفضله وإحسانه، كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((اللَّهمَّ إنِّي أَسأَلُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحبُّكَ، وحُبَّ عَملٍ صالحٍ يُقَرِّبُني إلى حُبِّكَ)) 17 .

الاقتداء بأحباب الله

قال: يجب أن تقتدوا بمن؟ أنت يا حاطب، فحاطب الذي في زمان النَّبي ﷺ، والحاطبون في هذا الزمان أليس هذا القرآن وهذا الكلام موجَّهًا لهم؟ هذا موجَّهٌ إلى الأجيال إلى يوم القيامة، ولو كان لحاطب فقط فيجب أن نزيله من القرآن، ونقول: يا حاطب أنت ذهبتَ فخذ سورتك معك، ولكن الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ وليس لك فقط يا حاطب، ﴿لَكُمْ أيها المؤمنون من زمن النَّبي ﷺ إلى يوم القيامة، يجب أن تقتدوا بمن؟ قال

بِأَبِهِ اقتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

اللهم اجعل قدوتنا الصالحين والحكماء والمتقين والذين تزكت نفوسهم عن الدنايا والرزايا إلى الفضائل والكمالات.

الولاء لله ورسوله ﷺ

﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [الممتحنة:4] يا أبي إذا لم تمشِ على صراط الله عزَّ وجلَّ فأنا بريء منك، يا أمي أنا بريء منك.. هناك من الصحابة رضي الله عنهم من قتل أباه، أبو عبيدة رضي الله عنه قتل أباه في معركة بدر، وبعضهم قتل زوجته، العصماء.. سمع زوجها منها مسبة النَّبي ﷺ، وكان أعمى، فأتى إليها وهي نائمة ووضع السيف في بطنها وأخرجه من ظهرها، وأتى إلى صلاة الفجر، وقد ذاع في المدينة أن العصماء قُتِلَتْ، وصلَّى وراء النَّبي ﷺ وكأنه ما عمل شيئًا أبدًا، وشاع الخبر أنه يوجد امرأة قُتِلَتْ في المدينة، فلما انتهى النَّبي ﷺ من الصَّلاة قال: ((أَنشدُ اللهَ وَرَسُولَه رَجُلًا عِندَهُ عِلمٌ بِمَقتَلِ العَصماءِ إلَّا يُخبِرُنا))، هو قتلها غيرةً على رسول الله ﷺ، وحبًّا لرسول الله ﷺ، فهل يصح أن يُسَب النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وأنت جالس؟ وهل يصح أن يُسَب أحباب الله وأنت تبقى صاحبًا لهم وتُكَشِّر لهم وتضحك معهم وتأكل وتشرب وكأنهم ما فعلوا شيئًا؟! فهل فيك إيمان؟ هل فيك حب؟ هل فيك أخلاق؟ هل فيك العقل الإيماني؟ أما العقل الشيطاني والعقل الجاهلي فإنه يقبل بكل هذه الأشياء.

فقام “جُوْزْها” [جُوْزْها بالعامية أي زوجها، ويعلق سماحة الشيخ على هذه الكلمة فيقول ممازحًا للحضور:] هل نقول: جُوْزْها أم زَوْجُها؟ جُوزْتِي أم زوجتي؟ يقول: “راحت جُوْزْتِي”، ولكن جَوْزَتك ما زالت في حَلْقِك، قل: زوجتي، [الجوزَة: في العامية، وهي الحنجرة].. وقال: يا رسول الله أنا قتلتُها! سأله: ((لمَ؟)) قال: “سمعتُها تشتمك، فوضعتُ السيف في بطنها فأنفذتُه من ظهرها”.. لأنها تشتمك، ما معنى ذلك؟ هل التي تشتم النَّبي ﷺ مؤمنة به؟ فماذا أجابه النَّبي ﷺ؟ قال: ((لا يَنتَطِحُ فِيها عَنزانِ)) 18 ، يعني لا تختلف فيها ماعزتان، يعني بإجماع الماعز والتيوس وأهل الأرض والسماء يجب أن تُقتَل، لأنها تُعادي النَّبي ﷺ، والذي يُعادي النَّبي ﷺ يُعادي الله عزَّ وجلَّ، والذي يُعادي أحباب الله عزَّ وجلَّ يُعادي الله عزَّ وجلَّ والنبي ﷺ، وتراه سكران.. ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى [الحج:2] سُكارى بالغفلة وبالأهواء وبالأنانية وبالمَهَازِل، لأنه ليس فيه قلب، وهذا الأمر يَلْزَمُه قلب، ويلزمه ذكر، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191] تحتاج إلى أستاذ الذكر، وتحتاج إلى أستاذ القلب، وتحتاج إلى أستاذ الحكمة، وتحتاج إلى أستاذ القرآن.. القرآن لا أن تحفظ ألفاظه وتجويده فقط، بل عليك أن تحفظ معانيه وأهدافه لتتحقق به، فالأكل ليس المقصود منه أن تدخله من فمك إلى المعدة وإلى الأمعاء ثم إلى الخارج، ولكن المقصود من الطعام أن يُهضَم ويَتَمَثَّل دمًا وقوة وطاقة لتقوم بالأعمال وبشؤون الحياة.

البراءة من أهل الكفر والمعاصي

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ما هي الأسوة؟ القدوة، فيجب أن تقتدوا وتتأسوا بمَن؟ وتعملوا مثل أعمال مَن في موضوع كهذا؟ ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ في إيمانهم وتقواهم ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ ابني، أخي، صاحبي، صديقي، أنا بريء منك ما دمتَ في ضلالك وعصيانك، ولا لقاء ولا حب ولا أي شيء بيننا.. ﴿وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ من سلوككم وأخلاقكم وعقيدتكم، ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ ولم تبق بيننا وبينكم صلة مطلَقًا وأبدًا، فإننا كما نجتنب الكفر نجتنب صحبتكم ومودتكم ومعاونتكم، وليس هذا فقط، بل للتأكيد قال: ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ أنتم أعداؤنا ونحن أعداؤكم.. وَلْيغضب الشيطان.. وهل تخسرون شيئًا إذا غضب الشيطان؟ أسأل الله أن يُغَضِّب عليكم الشيطان، وأن يُكْسِبَكم غضبَه ولا يُكْسِبَكم رضاه، وأن يُكسبنا رضاءَ الله ولا يكسبنا رضى الشيطان، وهل الشيطان غالٍ عليكم إلى هذا الحد ولا ترضون زَعَلَه [غضبه]؟ وخاصة شيطان الإنس، شيطان الإنس ألعن من شيطان الجن بمئة مرة، فهذا يوسوس لك، أما شيطان الإنس فيقول لك: أَزْعَل منك، [أغضب منك]، ولا أعود أتكلم معك، أو أقطع لك راتبك وغير ذلك.. فنسأل الله أن يحمينا من شياطين الإنس ومن شياطين الجن ومن أُمِّ الشياطين.

﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ نعاملكم معاملة الأعداء ﴿وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا [الممتحنة:4]، قلوبنا صارت لا تحبكم، وقلوبنا صارت تكرهكم، يجب أن تكونوا كذلك مع أعداء الله، ومع أعداء أحباب الله، وإلا فما معنى: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 19 ؟ ما معنى هذه الكلمة؟ “والعلماء” لا تعني علماء الأقوال، فإذا لم يكن العالِمُ عالِمَ القلب، وعالِم السلوك، ولم يكن العالِمَ الرباني فهذا اسمه قارئ وليس بعالِم.. نسأل الله أن يجعلنا من العلماء، وأن يجعلنا من المتقين، وأن يجعلنا من المسلمين قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا.

﴿حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] إذا كنتَ لا تنقاد لله ولأحكام الله ولكتاب الله ولدين الله فأنت عدونا، ونحن نبغضك، ولا لقاء بيننا وبينك، وهذا بعد أن ننصح ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.. ويوجد قسم من النَّاس يقول الله تعالى عنهم: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] الذي يكون بهذا المستوى اهجره في الله، وإذا كان فيه خير فسيرجع، وإذا لم يكن فيه خير فلا رَدَّه الله.

النهي عن الاستغفار للكفرة

﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة:4] يعني يجب أن تقتدوا بإبراهيم عليه السَّلام، ويكون لكم إبراهيم عليه السَّلام أُسوة في كل شيء إلا في خصلة واحدة لا تقتدوا فيها به، ما هي هذه الخصلة؟ قال: ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة:4] فهو استغفر لأبيه، أَمَا قال له: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مريم:47] بعد أن قال له أبوه: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46]؟ فلما نهى الله عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السَّلام عن الاستغفار انتهى، ولقد عَذَر الله عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السَّلام على استغفاره الأول، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ ما استجاب ولا انقاد ولا أطاع، وهو أبوه! وهل هناك أبرُّ من الأنبياء بآبائهم؟ وهل هناك من يفقه بر الوالدين مثل سيِّدنا إبراهيم أبي الأنبياء عليه السَّلام؟ لكن لَمَّا ﴿تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:114]، وهل النسب إلى الله وإلى تقوى الله وإلى دين الله أعظم، أم النسب إلى كافر أو إلى فاسق أو إلى منافق؟ سواء نسب القرابة أو الصحبة أو الزمالة أو أي شيء آخر، ((أنْ يَكونَ اللهُ وَرَسُولُه أَحَبَّ إلَيكَ مِمَّا سِواهُما)) 20 .

﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مع ذلك لو استغفرتُ لك: ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ [الممتحنة:4] قد لا يغفر الله عزَّ وجلَّ لك، لأنك إذا لم تستجب لنداء الله لا يفيدك دعاء الأنبياء ولا استغفارهم، “فاستغفارنا يحتاج إلى استغفار” 21 .. قال تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِر لَهُم [المنافقون:6]، ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ [التوبة:80] لأنهم لا يستجيبون لنداء الاستغفار النبوي، ولا يستجيبون لنداء رسول الله ﷺ، فاستغفار النَّبي ﷺ لهم ودعاؤه غير مقبولَين.. نسأل الله اللطف.

عليك أن تقرأ القرآن للعلم والعمل، وإلا واللهِ لو قرأتَه مليار مرة لا تستفيد منه حرفًا واحدًا، وقد يكون سببًا لزيادة عذابك يوم القيامة، لأن الذي يتبلَّغ الأمر من المحكمة ولا يلبِّي، أو يتبلَّغ مِن فرقته العسكرية أن عليه أن يحضر في اليوم الفلاني ثم لا يلبي، هل هو مثل الذي لم يَبْلُغْه هذا التبليغ؟ ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] أين نحن المسلمين؟ لا يوجد مذكِّر، نحن غارقون في شهواتنا وأهوائنا، وفي جهلنا وجاهليتنا، ولا مذكِّر ولا معلم.

ذم إضاعة الوقت

الذين يذهبون إلى الملعب الرياضي كم يجلسون؟ ثلاث ساعات، وماذا يستفيدون؟ هل يستفيدون رياضة بدنية؟ هل يستفيدون علمًا؟ لا يستفيدون، ويجلسون تحت الشَّمس، وتحت المطر، وهل هي مجانًا أو يدفعون المال؟ كم رسم الدخول؟ [الحضور يجيبون: بخمسٍ وعشرين، فيقول سماحة الشيخ:] حسنًا، لو وضعنا على الجامع أن الدخول بخمس وعشرين ليرة، لَمَا تركوا إشاعة إلا ويلوِّثون الشَّيخ فيها، ويقولون: تعالوا انظروا “يا نَاسْ يا عَالَم” الدخول إلى الجامع بخمس وعشرين ليرة! [“يا ناس يا عَالَم”: مصطلح عامي، بمعنى: أيها الناس، ولكن فيها مبالغة وتهويل واستغراب، وتقال غالباً مع الصراخ.. وكلمة “ناس” هي الناس، وكلمة “عَالَم” في العامية السورية أيضاً بمعنى الناس، فتقول: “رحت إلى الملعب ورأيت عالَم كثير”، يعني: أناس كثر]، وهنا [في المسجد] تكسب الدنيا والآخرة، وهناك لا دنيا ولا آخرة، فكم يتصرَّف المسلمون بعقل مقلوب؟ فالجامع مفتوح ومُدَفَّأٌ ومجانًا، وهناك مَن تدعوه إلى الجامع وتقول له: تفضل، فيقول: ليس عندي وقت، بل ويتكلَّم على الشَّيخ: هذا الشَّيخ الفاعِلُ التَّارِك، [“الفاعِلْ التَّارِكْ”: مصطلح عامِّيّ، وهو كلمة مُؤَدَّبة يُقصَد بها شتيمة أو ذَمٌّ بغيبة أو نميمة أو كذب أو بهتان، كأن يقول: إنّ الشيخ فعل كذا من السوء، وتَرَك كذا من العمل الصالح، ويأتي بالقصص والإشاعات والشتائم التي تَذُمّ الشيخ].. نسأل الله العافية، وبعد ذلك نقول: ﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] وهل ينصرنا الله عزَّ وجلَّ؟! نسأل الله أن ينصرنا على أنفسنا، وأن ينصرنا على جهلنا وعلى جاهليتنا وعلى غفلاتنا، لينصرنا بعد ذلك على عدونا.

قال: ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [الممتحنة:4] لا تعتمد على استغفاري ودعائي، فإذا لم تستجب لله عزَّ وجلَّ فإن دعائي لا ينفعك.. وهو أبو الأنبياء! وهكذا استغفار النَّبي ﷺ للمنافقين سبعين مرة وقد زاد على السبعين، وقد قال الله عزَّ وجلَّ له: ﴿فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ [التوبة:80] لن يغفر الله لهم إذا لم يستجيبوا لله وللرسول.

معنى التوكل

﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا [الممتحنة:4] ما معنى التوكل؟ إذا أردت أن تذهب إلى الصحراء، وأعطاك الدليلُ خريطةَ الطريق التي هو قد خَبِرها مئة مرة، أَتَثِق بهذه الخريطة وتمشي عليها أم لا؟ هذا اسمه التوكل، وإذا أردتَ أن تزرع ولا تعرف الزراعة، وسألتَ مزارعًا وعلَّمك كيفية الزراعة، وأنت تَثِق بقوله، فإنك تَتَّكل على تخطيطه، وهل تنجح أم لا تنجح؟ هذا معنى التوكل.. فالتوكل أن تفهم أوامر الله عزَّ وجلَّ فتنفِّذها حقَّ تنفيذها، وتثق بأن الله عزَّ وجلَّ سينجز لك وعده حسبما أمرك.. هذا هو التوكل.. ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] فإذا اتَّقيتَ الله حق التقوى يجب أن تثق بأن الله سيجعل لك من كل ضيق مخرجًا، وإذا وثقتَ فهذا هو التوكل، ومعنى التوكل أيضاً بأن نضع القطار على السِّكّة ونثق أنه إذا مشى القطار فسيصل إلى “حِمْص”، [حِمْص: مدينة في وسط سوريا]، هذا ما اسمه؟ تَوَكُّل، أمَّا أن لا نضع “الدَّواليب” [العَجَلات] على السكة، ونترك القطار على الأرض، ونُشَغِّل “الموتور” [المُحَرِّك]، وتدور الدَّوالِيْب [العَجَلات] ويَغوص القطار في الأرض، فهل هذا اسمه تَوَكُّل؟ هذا اسمه جهل وتواكل.

ولذلك فإن المسلمين اليوم يفهمون الإسلام كله فهمًا معكوسًا، فتظهر نتائج إسلامهم الجاهلي نتائج معكوسة.. يصعد الخطيب المنبر ويقول: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] يعني سننتصر على أعدائنا، ولكننا لسنا مؤمنين، فليس عندنا إيمان العلم والفقه، ولا إيمان العمل والسلوك والتطبيق، ولا إيمان القلب، ولا إيمان الهجرة، ولا إيمان المعلم المربي المزكي الحكيم، وكلُّها أمانٍ وجهلٌ وجاهلية.. نسأل الله أن يتوب علينا من الجهل، وأن يتوب علينا من الجفاء والجفوة والقطيعة عن الله عزَّ وجلَّ وعن رسول الله ﷺ وعن أحباب الله.

﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا هل هذا فقط؟ ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا إليك رجوعنا في كل أمورنا، نقول: يا رب ماذا نعمل [في هذا الأمر]؟ أيها الإسلام ماذا نفعل؟ نعمل حسب أوامر الله عزَّ وجلَّ وأوامر القرآن، هذا ما اسمه؟ اسمه الإنابة، ﴿عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة:4].

بعد ذلك في النهاية -في الآخرة- إلى محكمة الله عزَّ وجلَّ، “والأَضَابِيْر” [أَضَابِيْر: جمع إِضْبَارَة، وهي المَلَف أو السِّجِل الحاوي للمعلومات] كلها مسجَّلة في كتاب ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] والشهود: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم [النور:24] هل هناك محامٍ “يعمل من هنا ومن هنا، ومن فوق ومن تحت”؟ [جُمَلتان من اللهجة العامية تعني: هل هناك محامٍ يحتال في القضية ويدفع الرشاوي ويعمل في الخفاء؟] هل يمكن هذا مع الله عزَّ وجلَّ؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتوب علينا جميعًا ويفقِّهنا في الدِّين، ((مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ)) 22 و((إنَّما العِلمُ بِالتَّعلُّمِ)) 23 .

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الممتحنة، رقم: (4608)، (4/1855)، وصحيح مسلم،كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم، رقم: (2494)، بلفظ: عن عَلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ((بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا هَذَا يَا حَاطِبُ)) قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرًَا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ))، قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾.
  2. تفسير الرازي (29/ 264)، أسباب النزول للواحدي، ص: (412)، قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه، فجاءت سُبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبيّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافرًا، فقال: يا محمد ردّ عليّ امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾.
  3. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة، رقم: (3308)، (5/412)، بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِتُسْلِمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجِي مَا خَرَجْتُ إِلاَّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
  4. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/ 341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/ 48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/ 81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/25)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/ 719) عن معاوية رضي الله عنه.
  6. سبق تخريجه
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، (1/66)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
  8. تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (5/ 203)، من كلام أبي يزيد البسطامي قدس سره.
  9. سبق تخريجه.
  10. تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (200)، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، ص: (452)، لم يُوجد إِلَّا معزوا لعَلي بن أبي طَالب، وكذلك قال السيوطي، وفي حلية الأولياء للأصبهاني، (7/52)، عن سفيان الثوري، يقول: «النَّاسُ نِيَامٌ، فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا».
  11. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (8/380)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، بلفظ: «من آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي سنن أبي داود، رقم: (3052)، (2/187)، بلفظ: عن صفوان بن سليم: عن عدة من أبناء أصحاب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دِنيَة، قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
  12. صحيح ابن حبان، رقم: (277)، (1/200)، ومسند عبد بن حميد، رقم: (1524)، (2/63)، بلفظ: ((قَالَ: مَنْ أَرْضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضَى النَّاسِ، وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ)) عن عائشة رضي الله عنها.
  13. شعب الإيمان للبيهقي، باب فصل في فضل العلم وشرف مقداره، رقم: (1715)، بلفظ: عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ)) ورقم: (1712)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ، وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمادٌ، وَعِمادُ الدِّينِ الْفِقْهُ)).
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {ويحذركم الله نفسه}، رقم: (6970)، (6/ 2694)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، رقم: (2675)، (4/ 2067)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((يَقولُ الله عزَّ وجلَّ: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإنْ ذَكَرَنِي في مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وِإنْ تَقَرَّبَ إليَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا، وإِنْ تَقَرَّبَ إليَّ ذِرَاعًا تَقرَّبْتُ إليْهِ بَاعًا، وإِنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)).
  15. صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، (2759)، (4/2113)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (19547)، (4/ 395)، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).
  16. سبق مرجعه.
  17. سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن: باب من سورة ص، رقم: (3235)، (5/368)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22109)، (36/422)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه.
  18. سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن سب النبي، رقم: (4361)، (2/ 533)، سنن النسائي، كتاب تحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3533)، (2/ 304)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بلفظ: ((أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المغول (المغول بالغين المعجة وهو السكين) فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال: «أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا لِي عَلَيْهِ حَقٌّ فَعَلَ مَا فَعَلَ إِلاَّ قَامَ» قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ»، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 28)، وسيرة ابن هشام (6/ 49)، بلفظ: ((وكانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي النبي وتحرض عليه وتقول الشعر، فجاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده، وكان ضرير البصر، ونحى الصبي عنها ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم صلى الصبح مع النبي، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم، فهل علي في ذلك من شيء؟ فقال: ((لا ينتطح فيها عنزان!))، فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسماه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عميرا البصير.
  19. سبق تخريجه.
  20. سبق تخريجه.
  21. تفسير القرطبي (4/206)، بلفظ: " وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ"، جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (44/11)، وفي الأذكار النووية (2/363)، وإحياء علوم الدين للغزالي (111)، عزواه لرابعة العدوية رحمها الله.
  22. سبق تخريجه.
  23. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2663)، (3/118)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10739)، (7/398)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (5/174)، ((إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ، وَمَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّى الشَّرَّ يُوقِهِ،))، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
WhatsApp