تاريخ الدرس: 1993/05/14

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:33:03

سورة المنافقون، الآيات: 9-11 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأعطر التحيات وأكمل الصلوات على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه النَّبيِّين والمرسلين، ومن صَحِبَهُم وأحبَّهم وتَبِعَهُم إلى يوم الدين وبعد:

النفاق لا ينتهي بموت أعيان المنافقين:

فنحن في سورة المنافقين ويُقال: “سورة المنافقون” أيضًا، وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة -كما سبق معكم- صورةً عن أخلاق وأعمال أناسٍ في زمن سيدنا رسول الله ﷺ أظهروا الإسلام وادَّعوا الإيمان، ولكن كانوا بألسنتهم مسلمين، وبقلوبهم وأعمالهم وأخلاقهم غير مسلمين.

وهذه السورة نزلت في حقِّ زعيمهم وإمامهم وهو عبد الله بن أُبيِّ ابن سلول، ولكن بموته وموتهم لم تنقطع سلسلة النفاق، كما أنَّه بموت المؤمنين في زمن رسول الله ﷺ لم تنقطع سلسلة الإيمان، فالإيمان متَّصل إلى يوم القيامة، وكذلك الكفر وكذلك النفاق.

والنفاق هو أنْ يدَّعي الإنسان الإسلام والإيمان بلسانه، ولا نجِدُ إيمانًا في قلبه ولا في أخلاقه ولا في أعماله ولا في سلوكه ولا في غِناه، المؤمنون الأغنياء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام كانت أموالهم رهناً لخدمة الإسلام وبنائه.

كان الإسلام يُقَدَّم على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأرواحهم وحياتهم، أما المنافقون فكانوا بالعكس، فكانوا يقولون: ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7]، في آيةٍ أخرى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37] فإذا رأى أحدهم مَن يريد أنْ يعمل الخير في خدمة الإسلام أو إسعاد المسلمين لا يبخل فقط، بل يأمر الناس أيضًا بالبخل.

فدولة النفاق مستمرة، كما أنَّ دولة الإيمان باقيةٌ إلى يوم القيامة، وكما قال رسول الله ﷺ: ((سيبلغُ الإسلامُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)) 1 ، و((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَن يَقولُ: اللَّهُ، اللَّهُ)) 2 ، كذلك النفاق، فهما مِثل خطَّي سكَّة الحديد، فالنفاق أيضًا يبقى إلى يوم القيامة ولكن بازدياد.

ولقد ذمَّ الله تعالى الأعراب في القرآن الكريم، وذكرَ صفات المنافقين في سورة التوبة التي تُسمَّى باسمٍ آخر وهو “الفاضحة”، لأنَّ الله تعالى ذكر فيها كثيرًا مِن أخلاق المنافقين وصفاتهم، ففضحَهُم في حياة رسول الله ﷺ، ولكن قال العلماء من رواة السيرة النبوية: إنَّهم في زمن رسول الله ﷺ ما تجاوزوا سبعين منافقًا، وتاب أكثرهم قبل موت رسول الله ﷺ.

عمر رضي الله عنه لا يصلِّي على المنافقين:

ولَمَّا نزل في حقِّهم: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] كان أمين سِرِّ النبي ﷺ في معرفة المنافقين هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان في خلافة عمر رضي الله عنه إذا مات متَّهم بالنفاق وأُتي به إلى المسجد ليصلِّي عليه إمام المسجد الذي هو رجل الدولة.. لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إمام المسجد وخطيبه، وأبو بكر رضي الله عنه أيضًا كان الإمام والخطيب، وكان يُجمَع في رجلٍ واحد رجل الدِّين والدولة، ولكننا الآن لا نجد رجل الدِّين، ولا نصف رجل، ولا ربع رجل إلا فيما ندر.

فكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقدِّم حذيفة رضي الله عنه ليصلِّي إمامًا، وهو يعرف أسماء المنافقين مِن النبي ﷺ لأنه أمين سرٍّ له، فإذا صلى حذيفة على الجنازة صلى سيدنا عمر رضي الله عنهما، وإذا امتنع كان يمتنع 3 .

الشاهد: ابن سلول انتهى، والمنافقون الذين ذكرَهم القرآن انتهوا، والمنافقون الذين كانوا في مسجد النبي ﷺ انتهوا أيضاً، والذي يُهمُّنا هم المنافقون الذين في زماننا، ثم سائر المنافقين.

المنافقون ربما تصدر منهم أعمال خير بواطنها الشر:

مِن المنافقين مَن كان يأتي إلى المسجد، وبعضهم بنوا مسجدًا، ومِن نفاقهم أنهم قُبَيل غزوة تبوك دعوا النبي ﷺ ليصلي فيه لتحصل البركة، وكان هدفهم من بناء المسجد أن يكون مجتمعًا لهم لينقطعوا عن حضور الصلاة ومجالس العلم في مسجد رسول الله ﷺ.

فدَعَوا النبي ﷺ للصلاة فيه عند ذهابه إلى غزوة تبوك فوعدهم ﷺ أن يأيتيهم حين يرجع، فلمَّا رجع وأراد الصلاة فيه أتته المخابرات السماوية النبوية [المُخابَرات: سلطات الأمن] ببرقية مِن الله عز وجل إلى رسول الله ﷺ يحملها سيدنا جبريل يقول فيها: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا [التوبة:107] فهم بنوا الجامع، ولكن ليس للإسلام ولا للصلاة ولا للدِّين، بل ليقطعوا الناس عن حضور مجلس رسول الله ﷺ في مسجده، وليوحوا للناس أنه بما أنه يوجد ههنا مسجد فلماذا تذهبون إلى الجامع البعيد؟ النبي ﷺ يقول: ((إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) 4 .

﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا فالدافع الحقيقي لبناء هذا المسجد مصلحة الكفر، فلعلَّ الكافر يُعمِّر المسجد لهدم الإسلام، وقد ينفق المال على الإسلام لهدم الإسلام، ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ أرادوا أن يفرِّقوا المسلمين بين مسجدين، حيث كان المسلمون كلُّهم مجتمعين في مجلس النبي ﷺ مع النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يريدون أن يقطعوا المسلمين شيئًا فشيئًا حتى يُوهنوا المسيرة الإسلامية، ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني لتَجَمُّع أعداء الإسلام.. وبذلك صار لهم مَجمَعٌ، فإذا تخلفوا [عن مجلس رسول الله ﷺ لا أحد يشعر بهم]، لأنهم إذا اجتمعوا في بيتٍ مثلًا فقد يفشو أمرهم، أمَّا في الجامع فهم يوهمون غيرهم أنهم يجتمعون لصلاة الجماعة.. ﴿وَإِرْصَادًا يعني تجميعًا ﴿لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى [التوبة:107] النبي ﷺ يقول: ((مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ)) أي بقدر عش طيرِ القطاة، وهو طائر صغير كالحمام أو أصغر، ((بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)) 5 ، لكن الله تعالى لا يفوته خداعهم وكذبهم.

يُقال: إنَّ بدوياً أتى إلى جزَّار في عيد الأضحى وأعطاه ثمن الأضحية، وقال له: اذبحها عن روح والدي، وكان الجزار منافقًا قليل الدين والأمانة، فلمَّا ذبحها قال: عن روح والده هو، أي والد الجزار، فسمعه شخصٌ، فذهب وبلَّغ البدوي، قال له: هذا الجزار ذبح أضحيتك عن روح أبيه هو لا عن روح أبيك أنت، فقال البدوي: أخي، هل تظن أنَّ الله تعالى لا يعلم مَن دفع المال؟ [سماحة الشيخ يضحك عند نهاية الطرفة].

فالمنافقون بنوا مسجدًا ﴿ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ ختموا نفاقهم بحلفهم وقولهم: ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى ولكن لله تعالى قولٌ غير قولهم، قال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فما الحُكْم الصادر عن محكمة الله؛ المحكمة السماوية؟ قال: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لأنهم قالوا له: صلِّ فيه لتحصل فيه البركة وتُدَشِّنه، فأمره الله تعالى أن لا يفتتحه ولا يصلي فيه أبدًا ولا يدخله.. ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:107-108] وهو مسجد النبي ﷺ.. والجامع ليس مجرَّد جدران وسقف، الجامع الحقيقي هو النبي ﷺ، والجامع الحقيقي هو وارث النبي ﷺ.

فإذا كان في منطقتك جامع ليس فيه وارثٌ نبويٌّ محمديٌّ، وهناك جامع آخر على بعد خمسين كيلو متر وذهبت إليه زحفًا على بطنك لكان هذا الذهاب واجبًا عليك.. هل كانت الهجرة إلى المدينة أم إلى النبي ﷺ؟ كانت إلى المعلِّم الذي يعلِّمُهُم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

بعض الناس يقولون: سأُهاجر إلى المدينة، ولكن هل يوجد لك اليوم في المدينة مرشد؟ يجب عليك أن تبحث عن المرشد في هذه البلاد، هل قال النبي ﷺ: فمن كانت هجرته إلى المدينة أم إلى الله ورسوله؟ المكان لا يَخلق الإنسان، ولا يصنع الإنسان، ولا يصنع الإيمان والإسلام، والذي يصنع الإنسان هو الإنسان

يَبني الرِّجالَ وَغيرُهُ يَبنِي القُرَى
شَتَّانَ بَينَ قُرًى وَبَينَ رِجالِ

فلَمَّا نزلت هذه الآيات أمر النبي ﷺ بتحريق مسجد الضرار.. قد يقول قائل: هل يجوز أن نحرق الجامع وهذا الجامع بيت الله؟ نعم، فهذا الجامع صار بيتًا للشيطان وليس بيت الله، وصار بيت الشياطين الصغار، والشياطين الصغار إذا كبروا سيصيرون شياطين كبارًا.. فحرقه ﷺ ثم هدَّمه حتى سَوَّاه بالأرض.

كُلُّ عَصرٍ فِرعونُ فِيه ومُوسَى
وَأَبو الجَهلِ في الوَرَى وَمُحمَّدُ

الله تعالى أبقى قصة المنافقين في زمن النبي ﷺ بصفاتهم وبأخلاقهم وبمعاملتهم للدعوة إلى الله عز وجل وإلى رسوله ﷺ، ليعلِّمنا ويُعَلِّم الأجيال بأنَّ كل مَن تظهر فيهم مِثل صفات المنافقين ومثل سلوكهم علينا أن نعاملهم كما عامل القرآن والنبي ﷺ منافقي عصر النبوة، حتى لو أنهم بنوا مسجدًا، فهذا مسجد ضرارٍ لا مسجد علمٍ وحكمةٍ وأنوارٍ وأذكار، وحتى لو حلفوا بالله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة:62].

الدنيا مذمومة ومحمودة:

في ختام سورة المنافقين أو المنافقون قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] لأنَّ سبب النفاق كان حبُّ الدنيا، وما هي الدنيا؟ الدنيا المذمومة هي كلُّ ما أشغلك عن الله تعالى مِن مالٍ وولدٍ وأصدقاء، وكلُّ ما أشغلك عن طاعة الله تعالى، وكل ما صَرَفك وأضعف عزيمتك عن مرضاة الله تعالى، هذه هي الدنيا المذمومة التي قال النبي الكريم ﷺ عنها: ((الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا)) 6 .

ويوجد أيضًا دنيا محمودة، قال النبي ﷺ عنها: ((نِعْمَت الدُّنْيَا مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ، بها يَصِلُ رَحِمَه وبها يَفعَلُ الْخَيْرَ)) 7 ، و((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) 8 .

مفاهيم خاطئة يجب تصحيحها:

والإسلام جعل المال والثروة أحد أركان الإسلام لكلِّ مسلمٍ ومسلمة، فإذا قلنا: إنَّ أركان الإسلام خمسة، فأحد هذه الأركان المسمَّى بالزكاة هو ركنٌ ماليٌّ بحتٌ، فإنك لِكَي تقيمَ الصلاة يجب عليك أن تتوضَّأ أولًا، ولكي تقيم الزكاة يجب عليك أن تكون غنيًّا أولًا، ثمَّ مزكِّيًا ثانيًا.

ومع عميق الأسف فإنَّ بعض أهل العلم عبر الأجيال الماضية كانوا يَدعُون إلى الفقر، يعني إلى هدم الاقتصاد بلغة هذا العصر، وإلى المسلم الضعيف لا المسلم القرآني، والله تعالى خاطب المسلم القرآني بقوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، وخاطب المسلمين فقال: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً وذلك أنه لَمَّا منع النبي ﷺ الوثنيين مِن دخول المسجد الحرام في الحج، وكان الحج يمثِّل موسمًا تجاريًّا مع النُّسك، فخاف المسلمون مِن ضعف الاقتصاد ومِن قِلَّة الحجَّاج المشركين، فقال الله تعالى لهم: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً بسبب منع المشركين عن الحج ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28] لم يقل لهم: كونوا فقراء ولا تبالوا، بل وقايةً مِن الفقر كان النبي ﷺ يعلِّم المسلم تعقيم نفسه من الفقر حتى يكون غنيًّا قويًّا، فكان يقول: ((مَا خارَ مَنِ اسْتَخَارَ)) أي الذي يستخير الله في أموره لا يقع في الخَوَر والضعف والفشل، ((وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ، وَلَا عَالَ)) أي ولا افتقر ((مَنِ اقْتَصَدَ)) 9 .

النبي ﷺ يقول: ((وَلَا عَالَ مَنَ اقتَصَدَ))، هل هذا ترحيب بالفقر أم محاربة للفقر؟ هذا محاربة للفقر، ولكن مع الأسف فإنّ العقلَ الديني صار يقدس الفقر الذي ذمَّه الله تعالى في القرآن، وجعله علامة المغضوب عليهم، فوصف اليهود بأنهم ضُرِبت عليهم الذلة والمسكنة: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61] الذلة أي الضعف حتى يتسلَّط الكافر بقوَّته على المسلم بسبب ضعفه، ومن المسكنة جاءت كلمة “المسكين”، والمسكين هو في المذهب الحنفي: أشدُّ الفقراء فقرًا، وفي المذهب الشافعي: هو الفقير من الدرجة الثانية، يعني ربَّما لديه مِن الطعام الخبز فقط، لكن ليس عنده “أُوْزِي” [الأُوْزِيْ: طعام دمشقي يقدم في المناسبات، والمقصود بعضاً من ألوان الطعام، والله أعلم].

والله سبحانه وتعالى هنا يصف أعداءه بالضعف وتسلُّط العدوِّ، أي بقوة العدو وضعف الطرف الثاني [الذين هم اليهود]، وبغنى العدو وفقر الطرف الثاني، والله تعالى يقول عن هذا الطرف الثاني هؤلاء المغضوب عليهم: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ [البقرة:61].

لقد دخل على الإسلام مِن التعليم الخاطئ إهمالُ العقل والفكر والتدبير باسم التوكل، وباسم: “اتركْها لله” [عبارة تقال عند الناس بمعنى توكل على الله، ولكنها كثيراً ما تأتي بشكل سلبي وتعني: اترك الأمر لله ولا تفكر به ولا تتصرف أنت]، وباسم: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 64].

سيارة مشكوك في سلامتها يجب عليك أن تفحصها قبل أن تذهب بها إلى الحج، ولا يصح أنْ تتركها وتقول: توكَّل على الله ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.. هذا جهل، ومع الأسف فإنّه يُسنَد بالقرآن ويُدْعَم بالقرآن.

والحكمة: هي معرفة الأسباب والمسبَّبات، وهي نصف النبوَّة، وقد وصف الله تعالى النبوة والأنبياء فقال: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79]، والحكمة هي العقل الذي لا يُخطئ، فيدرس الأمور بكل أبعادها وبكل أُطُرها وأسبابها حتى يعرف مِن أين الضرر لِيتَّقيَه، ومن أين النفع ليقطفه ويجنيه.

﴿حُكْمًا وَعِلْمًا إذًا الدِّين شيئان: علمٌ وعقلٌ، والأمم الآن في عصرنا بأيِّ شيء تقدَّمت في أمور الحياة؟ بشيئين: العلم والعقل، مع أن العلم والعقل من الإسلام.. والأمم العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة سخَّرت العلم والعقل لأمور الجسد، وبموت الجسد لم يعد هناك حاجةٌ لهذا الجسد التُّرابي، لا إلى علمٍ ولا إلى عقلٍ، أمَّا الإسلام فقد قال: العلم والعقل للحياة الجسدية الفانية المؤقتة، وللحياة الأبدية الروحية الخالدة الباقية، فلم يَبْنِ عقل الآخرة على حساب الدنيا، ولم يَبْنِ حياة الروح على حساب حياة الجسد، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((لَيْسَ بخَيركُمْ مَن تَرَكَ دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا مَن تَرَكَ آخِرَتَه لِدُنياهُ، وَلَكِنْ يُصِيب مِنْهُمَا جَمِيعًا)) 10 .

صلَّى الله عليك يا سيدي يا رسول الله! علَّمهم الدِّين، هل هذا فقط؟ لا، بل وعلمهم الدنيا، وهل هذا فقط؟ بل والسياسة وقيادة الحروب التي يُضمَن النصر فيها مئة بالمئة، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ما معنى نصرة الله؟ هل الله واقع بالبئر فيحتاج أن نَمُدّ له حبلاً لنخرجه، أو هل الله أسير لنقدِّم فدية حتى نخلِّصه، أو هو في معركة معه عشرة جنود والعدو معه ألف فنرسل له نجدة؟ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ [محمد:7] يعني إن تَنصروا دِينه، إن تقيموا أحكامه، إن تسلكوا السبيل المستقيم إلى طاعة الله تعالى ومرضاته.

وهذا لا يتقيَّد بأمور العبادات فقط كالصلاة والصوم، والصلاة والصوم جزءٌ من الإسلام، والإسلام نصفان وجزءان وجناحان، نصفٌ هو الدنيا والحياة الدنيا، وقد علَّمنا الله تعالى في القرآن وفي الإسلام وعلى يد رسول الله ﷺ أنْ تكون دنيا المسلم أحسن دنيا، فقد كان أبو بكرٍ رضي الله عنه مِن أغنياء الصحابة، وكان عثمان رضي الله عنه أيضًا مِن أغنياء أغنياء الصحابة، فقد قدَّم في غزوة تبوك ألف جملٍ، وجهَّز ثُلث الجيش البالغ ثلاثين ألف مجاهدٍ، فتكفَّل بنفقة عشرة آلاف مجاهد، فأيُّهما أفضل عثمان أم أبو هريرة الذي كان ينام بلا عَشاء؟ رضي الله عنهما. [سماحة الشيخ يقارن هنا بين الصحابيين الجليلين من الناحية المالية، وليس مقارنة في الفضيلة والمنزلة].

الفقير ماذا يفعل في بناء الإسلام؟ يقول للإسلام: ساعدني لأنِّي أنا سأقع مغمًى عليَّ مِن جوعي.. وهل يحتاج الإسلام إلى الضعفاء؟ النبي ﷺ كان يبحث عن القوة والأقوياء فقال: ((اللَّهُمَّ أَعِزَّ هذا الدِّينَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ عَمرِو بنِ هِشامٍ)) 11 .

واليوم صار بعض العلماء يَبْنُون المسلم على الضعف في المال، فيقولون: “الفقر شعار الصالحين” هل هكذا قال النبي ﷺ؟ الله تعالى قال عن اليهود: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61] المسكنة التي ضربها على اليهود هي الفقر، والذِّلَّة هي الضعف حتى يتسلَّط عليهم العدو.

قبل خمسين أو ستين أو سبعين سنة كان الإنسان إذا أراد أن يتعلَّم العلوم التي يسمُّونها عصرية أو علوم الحياة كان المشايخ ينهونه عن ذلك، فإذا قرأ الجغرافية.. كما حدَّثني “الدكتور الطرقجي” رحمه الله كان يُدرِّس في مدرسة الغَرَّاء مادة الجغرافية، [المدرسة الغَرّاء مدرسة خاصة بالعلوم الشرعية تَخَرَّج فيها كثير من علماء دمشق.. والدكتور الطَّرَقْجي هو عارف الطرقجي، وهو طبيب من أطباء دمشق اللامعين، وقد أكرمه الله بملازمته لسماحة الشيخ أحمد كفتارو منذ صغره، وقد توفي في أوائل التسعينات في دمشق، وقد بقي ملازماً لحضور دروس الشيخ حتى آخر حياته] قال لي: بينما أنا في الإدارة دخل أحد المشايخ فقال له: ماذا تدرِّس يا أستاذ؟ قال: أنا أدرِّسُ الجغرافية، فنظرَ إليَّ نظرةَ شَزَر وقال لي مستهزئًا: هل أتيت “لتُجَغْرِفنا”؟.. بينما كان المسلمون قبل ألف سنة هم علماء الجغرافية، و”كولومبس” الذي اكتشف أمريكا اكتشفها بكتب الجغرافية التي ألَّفها المسلمون في ذلك العصر.

ولكن مفهوم الإسلام صار ممسوخًا في العقول بسبب كثيرٍ مِن العلماء والمشايخ عبر العصور التي مضت، ولا يزال هناك بقية مِن هؤلاء لأنهم ما تعلَّموا العلم بأبعاده وبحقائقه.

حاجة المسلمين إلى الوارث النبوي:

نرجع لِما نحن فيه.. في سورة المنافقين ذكر الله بعض صفاتهم، وفضحهم بأنهم كانوا يصدُّون عن سبيل الله مَن آمن، وكان ذلك تارةً في الطعن برسول الله ﷺ.. واليوم ما هو حال المسلمين في عصرنا تجاه ورثة رسول الله ﷺ؟ ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 12 ، هل التُّجَّار ورثة الأنبياء أم الحدَّادون أم المزارعون؟ لا، بل ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ))، فإذا كان وارثًا فالوارث يرث حقوق المورِّث وواجباته.

ومِن حقوق النبي ﷺ على الأمة ((أن يكون اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْك مِمَّا سِوَاهُمَا)) 13 ، فهل تعرَّفت في حياتك على وارثٍ واحد؟ يرث العلم؛ علوم القرآن، ويرث الحكمة، ويرث العقل الناضج الذي يُنير الطريق للمجتمع، ويكون حاملَ نورهم أمامهم حتى لا يقعوا في المهالك والمهاوي، كالرَّاعي يرعى غنمه.. ويزكيهم: فالعالِم إذا لم يكن عنده قوة إصلاح النفوس ونقلها مِن الرذائل إلى الفضائل، ومِن النقص إلى الكمال، ومِن الضعف إلى القوة وفي كل ميادين القوة النافعة فهذا ليس بوارثٍ محمديٍّ، النبي ﷺ قال للمسلمين: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟)) 14 ، يعني فقراء، فمهمة الإسلام ومهمة العالِم الإسلامي أن ينقل المجتمع الإسلامي من الفقر إلى الغنى بحُكْم الوراثة المحمدية: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)).

مرةً وجد النبي ﷺ شخصًا يتسوَّل ويمدُّ يده للسؤال، فسأله عن سبب تسوله، قال له: ليس عندي شيء، قال: ((أَلَا يُوجَدُ في بَيتِكَ بَعضُ الأَواني وأَمتعةِ البَيتِ؟)) فأحضر له وعاءً، فجعل النبي ﷺ المسجد النبوي “سوق حَرَاج” [سوق الحراج سوق شعبي تباع فيه الأشياء المستعملة]، وأمسك ذلك الوعاء وقال: ((مَنْ يَشْتَرِي هَذَا؟)) 15 .

عَمِل النبي ﷺ من نفسه دلَّالًا، أين؟ هل في السوق؟ بل في المسجد النبوي الذي الركعة فيه بألف ركعة، وثاني أفضل المساجد الثلاثة في العالَم كله، لأنَّ المسجد ما كان للصلاة فحسب، بل كان لبناء الإنسان العظيم الفاضل القوي الغني العالِم المَلَك السياسي العسكري.

يَبنِي الرِّجالَ وَغَيرُهُ يَبنِي القُرَى
شَتَّانَ بَينَ قُرًى وَبَينَ رِجالِ

فالمسجد كان ويجب أنْ يكون مصنعًا لا مصلًّى فقط للصلاة، قال النبي ﷺ: ((وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) 16 ، ولكن هل جُعلت لي الأرض كلها مدرسةً ومصنعًا تنتج الأبطال و((الحُكَمَاءُ والفقهاءُ الذين كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 17 ؟ أين هذا المسجد؟

فهل المسجد الحرام الآن يصنع هؤلاء الرجال؟ وهل المسجد النبوي الذي هو جدران وسقف يصنع هؤلاء الرجال؟ مَن الذي يصنع الرجالَ هل الجدران أم الرجال؟

الحكمة رأس مال النصر:

أين الرجال الصانعون للعقول وللقلوب وللإيمان وللأخلاق وللمجتمع الفاضل والحكمة؟ والحكمة لا يخطئ صاحبها ولا يفشل في أيِّ عملٍ يُقْبِل عليه، لأنَّ الحكمة توجب ألا تعمل شيئًا حتى تقتله دراسةً ودرايةً، وحتى ترى النجاح والنصر فيه بعقلك قَبل أن تراه بعينك، ثم بعد أن ترى النجاح تدخل في الميدان العملي، فتكسب النجاح العملي إضافة إلى النجاح الدراسي والعقلي.

وهذا ما يفعله الأجانب والغربيون واليابانيون، فهم بحكمة أمور الحياة “مسلمون”، والمسلمون اليوم بالحكمة التي هي أسباب ومسبَّبات فاقدون لهذا المعنى، والله تعالى يقول: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] فالذين آمنوا بالحكمة في حروبهم ينصرهم الله تعالى فيها، والذين آمنوا بالحكمة في تجارتهم يربحون فيها، والذين آمنوا بالحكمة في صناعتهم ومصانعهم يربحون فيها، وإذا ترك المسلمون الحكمة في صناعتهم يفشلون، وفي حروبهم لا يُنصَرون، ثم يقولون: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7] يظنون أن النصر بالصلاة فقط.

الصلاة التي أراداها الله:

هل الصلاة التي يصلِّيها المسلمون اليوم هي الصلاة التي ذكرها القرآن العظيم؟ فالقرآن يقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) يعني نجحُوا وفازوا ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، الصلاة التي ﴿تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ [العنكبوت:45]، الصلاة التي قال الله عنها: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [سورة طه:14]، الصلاة التي قال الله عنها: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، ما معنى الهلوع؟ الآيات بعدها تفسِّره، ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20] الجزوع هو الذي ليس عنده صمود عند شدائد وأزمات الأمور، تجد أحدهم يُصيبه السُّكَّر والآخر تصيبه الجلطة والثالث يصيبه المرض الفلاني، بسبب مصيبةٍ ألـمَّت به أو أزمةٍ ضغطت عليه.

أمَّا المؤمن: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155-157] تنزل الرحمات والبركات فتجعل المصيبة كأنها لا مصيبة.

كما يروى عن الأصمعي قال: كنت في البادية فأمسى عليَّ المساء في بعض قبائل العرب قال: فلمَّا انتهيت إلى قُرب خيامهم وجدت إبلًا ميتة حولها، ربما حلَّ عليها وباءٌ معيَّن، فسألت: لِمَن هذه الجمال؟ قالوا: لأمير القبيلة، قال: فلمَّا وصلت إليه وقد كانت جمالًا بالآلاف، وَجدْتُه على تلةٍ يغزل صوفًا، فسلَّمت عليه وسألته عن هذه المصيبة والكارثة وأسبابها، فكان جوابه أن قال: كانت لي مؤقَّتَةً وعارِيَةً واستردَّها مالكها.. فإذا استعار أحدٌ مِن أحدٍ شيئًا ثم استردَّ المُعِيْر متاعه أيغضب المستعير؟ ثُمَّ أنشد بيتَين: [الشيخ يسأل الحضور:] من يحفظ هذين البيتين؟

لا وَالذي أَنا فَردٌ مِن خَلائِقِهِ
وَالمرءُ في الدَّهرِ نُصبَ الرّزْءِ والحَزَنِ

ما سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبارِكِها
وَمَا جَرَى مِن قَضاءِ اللهِ لَم يَكُنِ

“لا والذي أنا فردٌ مِن خلائقه”: أي أنا واحد مِن هذه المخلوقات، “والمرء في الدهر نُصْب الرّزْء”: الرّزْء المصيبة والكارثة والحزن، “ما سرَّني أنَّ إبلي في مباركها”: أي لن أكون مسرورًا لو أن جمالي حيَّةً وتأكل في مباركها.

هذا هو المؤمن القوي، هل وُجِدَ هذا المؤمن وحده؟ هذا المؤمن وراءه معلمٌ، وراءه مربٍّ، وراءه مزكٍّ للنَّفْس، المسلم اليوم يعيش خمسين وستين وسبعين سنة وليس له مربٍّ ولا معلِّم، وإذا أراد أنْ يتعلَّم الطبَّ أو الاقتصاد أو الحقوق أو الهندسة يذهب مِن مشارق الأرض إلى مغاربها.. فهل إسلام سيدنا عمر رضي الله عنه أعظم أم الهندسة والطب؟ فلذلك كانت الهجرة مِن مكة إلى المدينة فرضًا لأجل أنْ يدخل المسلم في مصنع الإسلام ومدرسته ويكون تحت نظر معلِّمه ومربِّيه.

فهل فكر المسلم والمسلمة في هذا العصر في وارث محمديٍّ يسلِّمه عقلَه وقلبَه ليصنع له النفس المزكاة مِن عقله الخام ومِن نفسه الخام؟ وليُفْلِح في كل ميادين الحياة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

نحن نقرأ القرآن لا للفهم، بل نقرؤه لئلَّا نفهم، ولا للعلم، بل نقرؤه لنجهل، تقرأ القرآن مِن أوله إلى آخره، ولكن ماذا فهمتَ منه؟ هل ازدتَ علمًا وعملًا وخُلُقًا وإيمانًا وحبًّا لله ومخافةً منه؟ يقرأ أحدنا ألف ختمة، ولا يزال على ما هو عليه، وهذا لم يقرأ، وصلاته كأنَّه ما صلى، كما ورد: ((لَيْسَ كلُّ مصلٍّ يُصَلِّي، إِنَّمَا أتقبَّلُ الصَّلَاة مِمَّن تواضَعَ لِعَظَمتي)) خشع قلبه في الصلاة فتواضع لعظمة الله، ((وكَفَّ شَهواتِه عن مَحارِمي، ولم يُصِرَّ على مَعصِيتي، وَأطْعم الجائعَ، وآوى الْغَرِيبَ، ورَحِم المسكينَ)) 18 .

تجده يصلِّي ويأكل الحرام، يُصلِّي ويكذب، يصلِّي ويغشُّ، والنبي ﷺ يقول: ((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا)) 19 ، المشهور على الألسنة: “مَن غشَّنا”، والصحيح “مَن غشَّ”، ما الفرق بينهما؟ “مَن غشَّنا”: أي أن الغش محصور بين المسلمين بعضهم مع بعض، ولكنَّ الحكم الإسلامي أنه يَحْرُم أنْ يغشَّ المسلم أخاه المسلم، وأن يغشَّ غيرَ المسلم مسيحيًّا كان أو يهوديًّا أو بوذيًّا.

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((الْمُؤْمِنُ من أمن النَّاسُ غَدرَهُ وَبَوَائِقَهُ، لا يُؤمِنُ أَحدُكم حتَّى يَأْمَنَ النَّاسُ غَدرَهُ)) 20 ، “الناس” وليس “المؤمنون”، فأين المسلمون اليوم مِن الإسلام؟

الانتساب إلى الإسلام وادِّعاء الإسلام بلا علمٍ ولا معلِّم، وبلا تربيةٍ وتزكية، وبلا مربٍّ وبلا مزكٍّ، وبلا حكمةٍ ولا حكيم، هذا كلُّه ادِّعاءٌ بلا حقيقة، وهذا اسمه النفاق، فأنت إذًا، إذا ما وُجِدتْ فيك هذه المعاني فسجِّل اسمك في سورة المنافقين، لأن صفاتك صفات المنافقين.

الإخلاف بالوعد مِن وجوه النفاق:

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ كان يقول: يا رب إذا صرت غنيًّا لَأفعلنَّ الخير، ولَأبنينَّ الجوامع، ولَأساعِدنَّ الفقراء، ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ وهو يصلِّي ويصوم، قال الله تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ فالنِّفاق صار بالقلب ﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ إلى الممات ﴿بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:76-77].

كان أحد الصحابة يسمَّى ثَعْلَبة، يقول للنبي ﷺ: “ادعُ الله لي أن يعطيني”، فيقول له ﷺ: ((يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شَكَرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ))، الإنسان عندما يكون معه مئة ألف ليرة مِن السهل عليه أن يُخرِجَ الزكاة ألفين وخمس مئة، ولكن إذا صار معه مئة مليون فمِن الصعب عليه دفع مليونين ونصف، فلذلك قال له: ((يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شَكَرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ)).

فلَمَّا استغنى وأتى الجباة ليأخذوا منه الزكاة، قال لهم: “ما هذه إلا أخت الجزية”، يعني هل أنا يهوديٌّ حتى تأخذوا الجزية منِّي؟ فأنزل الله بحقِّه: ﴿وَمِنْهُمْ أي مِن المنافقين ﴿مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:75] 21 .

مدرسة الإسلامِ العلمُ والحكمة:

قال الله تعالى عن الأعراب: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا [التوبة:97] الأعراب ليس لأنهم بدوٌ في البادية، بل لأنهم لم ينتسبوا إلى مدرسة العلم والحكمة والتزكية، فكيف إذا كان في المدينة وفي العاصمة ولم ينتسب ولم يلتحق بمدرسة العلم؟ مدرسة: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] هذا هو الإسلام، وهذه هي رسالة الإسلام التي أتى بها رسول الله ﷺ، ليعلِّمهم الكتاب، فهل تعلَّمتَ القرآن؟ ليس تَعَلُّم أنْ تنطق بحروفه، لأن شريط التسجيل ينطق بحروف القرآن أحسن منك بألف مرة، ولكن تَعَلّم القرآن بأن تتعلم أحكامه وأخلاقه وآدابه وعقيدته وروحانيته وربانيته وحبَّ الله ورسوله ﷺ ووارث رسوله.

أنت الآن لا تستطيع أن تنتفع مِن النبي ﷺ، لأن النبي ﷺ صار في الملأ الأعلى، ولا مِن قبَّة النبي ﷺ لأنها حديد، ولا من قبر النبي ﷺ لأنه تراب، حبُّ النبي ﷺ واجبٌ حيًّا وميتًا، لكن إذا أردت أن تصير عالِمًا حكيمًا زكيًّا فإنك تحتاج إلى وراث محمديٍّ، فهل فكَّرت في أن تفتِّش عن هذا الوراث المحمدي؟

مولانا الشيخ خالد النقشبندي كان أكبر علماء العراق ورئيس علمائهم، ومع كلِّ ما بلَغَهُ من العلم رأى نفسه أنَّه لم يتزكَّ، فذهب إلى الحجِّ لعلَّه يعثر على المزكِّي الوراث المحمدي، وفي المدينة شكا لأحد الصالحين فقال له: لعل الله يجمعك، لكن إذا ذهبت إلى مكة فلا تعترض على أحدٍ، الزم نفسك.

قال: بينما كنت أطوف وجدت شخصًا يقرأ القرآن وقد أسند ظهره إلى الكعبة، فأردت أن أنصحَهُ، فتذكرت وصية المدينة، لكن وقع في نفسي الإنكار على ما يفعل، فرفع رأسه إليّ، وقال له: هل نسيت الوصية التي أوصوك بها في المدينة؟ ((اتَّقُوا فرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ)) 22 .

فعرفه، ثمَّ قال له: أنت ضالَّتي المنشودة، وكان هذا الشيخ هو شيخه الشيخ عبد الله الدهلوي، فقال له: عليك أن تأتيني إلى دلهي، فذهب من بغداد إلى دلهي، ولم يكن هناك قطارات ولا طائرات، ولَمَّا وصل إلى مدرسة شيخه تصدَّق بحماره وبكل أمتعته، ودخل على شيخه بثيابه فقط، فأدخله الخلوة، وأتى إليه علماء الهند ليحادثوه ويحاوروه -وكان مولانا الشيخ خالد مشهورًا- فلم يستقبل أحدًا.. وخرج مِن هذه المدرسة بعد ثمانية شهور، فأنار الشرق الأوسط رضي الله عنه مِن إسطنبول إلى كل البلاد العربية بنور الله تعالى وبالوراثة المحمدية وإلى وقتنا هذا.

هذا هو الإيمان وإسلام القلب وإسلام الحكمة، وإسلامُ الحكمة غَيرُ [يختلف عن] إسلام القلب، وإسلام العلم الذي هو علوم القرآن أيضاً يختلف عنهما، [فالإسلام: علم وحكمة وتزكية، والتزكية هي إسلام القلب] والوراث هو الذي جمع بين هذه العناصر الثلاثة، فهذا لو كان في المشرق وأنت في المغرب وزحفت على بطنك فسفرك رابحٌ، وبذلك تَخْرُج مِن النفاق إلى الإسلام الحقيقي.

ادِّعاء الإسلام غير مقبول، حتى لو صليت وصمت ((لَيْسَ كلِّ مصلٍ يُصَلِّي))، ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] هؤلاء المنافقون في زمن رسول الله ﷺ، أما منافقو زماننا فلا يقومون إلى الصلاة أبدًا، ولا ينفقون لا راضين ولا كارهين، فأيهما أسبق وأعلى مقامًا وأرفع درجةً في النفاق، منافقو زمن رسول الله ﷺ أم منافقو عصرنا؟ أولئك بنوا مسجدًا ضرارًا، ومنافقو زماننا هل يبنون مسجدًا ضرارًا؟ بل يبنون كازينو [كازينو في اللهجة السورية هو النادي الليلي ومكان الرقص] أو خَمَّارَة أو معملَ رِبا؟ أليس كذلك؟

إذا كان أولئك المنافقون في الدرك الأسفل مِن النار، فمنافقو زماننا الحجر الأساس في جهنم، لماذا؟ لأنه إذا لم يوجد أساتذة للغة الإنكليزية في دمشق فهل هناك من يتعلَّم اللغة الإنكليزية؟ وإذا لم يوجد فيها أساتذة هندسة فهل يتخرَّج مهندس؟ فإن لم يوجد علماء ورثة الأنبياء فكيف سيكون الإيمان الذي دعا إليه القرآن؟

النسب لا ينفع مع انعدام الإيمان والعمل:

ولا إيمان إلا إيمان القرآن، أمَّا إيمان التمني أو إيمان محمد بن محمود [المقصود الإيمان بالاسم، بحيث يكون اسمه اسماً إسلامياً]، أو إيمان العائلة فهذا لا يصنع إيمانًا، قال الله تعالى عن ابن نوح عليه السلام: ﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] ولقد أنزل الله تعالى سورة وجعل عنوانها اسم عم النبي ﷺ أبي لهب، سورة أبي لهب: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] هل نفعه نسبه حينما خالف عملُه نسبَه؟

كان بعضهم يقول

عَلَيكَ بِتَقوَى اللهِ في كُلِّ حالةٍ
ولا تَترُكِ التَّقوَى اتِّكالًا على النَّسَبْ

فَقَد رَفَعَ الإسلامُ سَلمَانَ فَارِسٍ
وَقَد وَضَعَ الشِّرْكُ الخَبِيثُ أبا لَهَبْ

سيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ومع ذلك ما نفع أباه أنَّ ابنه أبو الأنبياء، ونوح عليه السلام ما نفع ابنه أنَّ نوحًا أبو الأنبياء والرسل.. فكل الأنبياء مِن ذرية نوح.

سورة المنافقون تفسيرها لا يقف عند ابن سلول أو الذين كانوا في عهد الصحابة، فيجب أن تفتش نفسك.. وصفات المنافقين ليست فقط في هذه السورة، هناك سورة التوبة واسمها: سورة الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين بذِكْر أوصافهم وأعمالهم.

الإيمان والنفاق لا يجتمعان في قلب واحد:

قال تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ [التوبة:94]، عندما ذهب النبي ﷺ إلى تبوك كلهم هربوا واختبأوا حتى لا يشاركوا النبي ﷺ، وكانوا يهربون من كل بناء الإسلام ومن الجهاد وبذل النفس، ولكنهم عند الدفع: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:76].

ولتجميع القوى في مسجد النبي ﷺ بنوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين، فالفرق بين منافقي عصرنا ومنافقي عصر النبي ﷺ أنَّ أولئك كانوا يعملون في الخفاء، أما منافقو هذا الزمن فيعملون بالجهر وبالعلن وبالاعتزاز والافتخار ورفع الرأس.. فنسأل الله أن يحمينا مِن أن نكون في زمرة المنافقين.

ولا تغتروا، فالنبي ﷺ يقول: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ)) هذا النفاق الأخلاقي، وذاك النفاق الاعتقادي والعملي.. ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ))، يجب أن تكون مؤمنًا بأعمالك، مؤمنًا بقلبك وروحانيتك، مؤمنًا في هجرتك إلى العلم والمعلِّم والتربية والمربِّي والتزكية والمزِّكي، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا إذا أسلمتَ وما هاجرتَ إلى مجلس العلم والذكر والتربية، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا [الأنفال:72] ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] قال الله لنا: هؤلاء لا تُوالوهم ما داموا في الجهل ومنقطعِين عن العلم، وفي الأهواء والمنافع ومنقطعين عن مجالس الحكمة.. كيف سندخل الجنة؟ نحن نظنُّ أنفسنا مسلمين.

البذل دليل الإيمان والأماني دليل النفاق:

لَمَّا أتى بَشِيرُ بنِ الْخَصَاصِيَّةِ وأسلم وعلمه النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام؛ الصلاة والزكاة والحج والجهاد، قال له: يا رسول الله -ﷺ- سامحني باثنتين: الزكاة فأنا لا أملك سوى خمسة عشر جملًا، ويَصعُبُ عليَّ أداء زكاتها، والجهاد فإني رجلٌ جبان.. قال ذلك بكل صراحة.. فقال له: ((يا بَشِيرُ لا زَكَاةَ وَلَا جِهَادَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟)) 23 .

هل ستدخل الجنة بالأماني أو بالتمني أو باسمك؟ القرآن يقول: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ الإيمان ليس بالأماني، ولا تصل إلى الجنة بالأماني، ﴿وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي، ولَكنَّ الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 24 .

أصحاب رسول الله ﷺ الذين ذكرهم الله كمؤمنين بالقرآن بذلوا أموالهم وأرواحهم ودماءهم، وتركوا أوطانهم وبيوتهم وعوائلهم، وهاجروا أول مرة إلى الحبشة، ثم هجرة ثانيةً إلى الحبشة، ثم هجرة ثالثة إلى المدينة، وتركوا تجارتهم وأعمالهم وأصحابهم وأهليهم.

أمُّ سلمة رضي الله عنها هاجرت وحدها مِن مكة إلى المدينة خمس مئة كيلو متر، وحدها في هذه الصحراء القاحلة بين جبالها وتلالها وأوديتها في ذات الله، والمسلم اليوم لا يستطيع أن يهاجر مِن بيته إلى الجامع لحضور مجلس علمٍ وذكرٍ وإيمان، ولا يستطيع أن يبذل ساعةً في سبيل الله، ويقول: اليوم أنا مشغول.. اليوم أتى إليَّ ضيوف.. وهذه صفة المنافقين: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا [الفتح:11] لماذا لا تأتي إلى مجلس رسول الله ﷺ؟ لمَ لا تجاهد مع رسول الله ﷺ؟ عليك أن تضع يدك بيده، وتحمل العبء معه، وتتحمَّل الأخطار معه، لكنه يقول: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].

أليس المسلمون الآن كذلك؟ يقولون: لماذا لم يفعل الشيخ كذا؟ هل يجب على الشيخ أن يعمل وحده؟ وهل قام النبي ﷺ وحده بالعمل؟ والله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ “هل حسبك الله” فقط؟ قال: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] عندما كان النبي ﷺ وحده كان يُضرب ويُبصق على وجهه ويوضع القذر على عاتقه وهو ساجد، لذلك كان يفتش عن القوة فيقول: ((اللَّهُمَّ أَعِزَّ هذا الدَّينَ بِعُمَرَ أو بعَمْرٍو)) 25 الذي هو أبو جهل.

الكذب مِن النفاق:

لذلك أيها الإخوة وأيها الأخوات اجتهدوا لئلا تكونوا منافقين، ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منها كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ خِصالِ النِّفَاقِ، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ)) لا يجوز أن تكذب، ولو على طفل أو هِرَّةٍ، ولا في بيعك ولا في شرائك، وقد أباح النبي ﷺ الكذب في ثلاثة مواضع: ((كذب الرجل على امرأته))، والمرأة على زوجها، فإذا كان لا يحبُّها أو هي لا تحبه وقالت له: أنا أحبك، وروحي فداك، ولا يوجد مثلك، وخالفت بقولها عواطفها يُسمح لها بذلك، ((وَالكَذِبُ في الإصلاح بين المتخاصمَين))، يكون أحدهم قد سبَّ وشتم ولعنَ وهدَّد، ثم يقول له: قد مدحك وأثنى عليك وهو يحبك وكذا وكذا وكذا.

((وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ)) 26 فإنَّ ((الْحَرْبَ خَدْعَةٌ)) 27 ، الإسلام ليس جامدًا، فلم يحرِّم الكذب مطلقًا، بل هو يُحرِّم الكذب الذي فيه الضَّرر، أمَّا الكذب الذي يُورِثُ فائدةً ونفعًا وخيرًا وإصلاحًا [فلم يحرِّمه]، وهذا معنى قولنا: “الإسلام يصلُح لكل زمان ومكان”.. ليس المهم السيارة “مارسيدس 500” [وهي أحدث وأفخم سيارة في زمن هذا الدرس] إنما المهم مَن يُحسن قيادتها، وليس المهم الطائرة “بوينك” [أحدث وأفخم طائرة في ذاك الزمن] إنما المهم هو الطيار المحترف الذي يحسن قيادتها، فمسجدٌ بلا وارثٍ محمديٍّ هو جدران وسقوف وثريات وسجاد، وهذه لا تصنع الرجال ولا تصنع الإسلام، [فليس المهم بناء المسجد إنما المهم العالم الذي يبني الإسلام فيه].

المسجد بمعلمه ومربِّيه:

أهل الخير جزاهم الله خيرًا يعمِّرون المساجد ويُشكَرُون على ذلك، وعندما يَصِلون إلى تعيين الإمام -ويكون المسجد قد كلَّفهم الملايين- يُعطون الإمام ألفي ليرة، وهذا راتب لا يكفيه، [وهو أدنى من أدنى راتب للعمال] وإذا عرفوا أنَّ الشيخ دخلُه خمسة عشر ألفًا يحاربونه ويقولون: هذا خرج مِن الإسلام، هذا عدو الله ورسوله، ويجب على كل المسلمين أن يحاربوه.. يقولون هذا بدل أن يُعزُّوه ويُغنوه، ولا يفهمون قيمة الوراث المحمدي، ولو كان فيهم إيمان لَمَا فعلوا ذلك، لأن الإيمان هو المعلِّم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ [يونس:9].

تلميذة أحد الشيوخ كانت عند شيخها، فقام لبعض حوائجه فوطئت رجله على زجاجةٍ أو حديدةٍ فجُرح أسفل قدمه، فقامت ابنته الصغيرة فخلعت خمارها.. ما هو الخمار؟ غِطاء الرأس والعنق، كما قال تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] ما هو الجَيْب؟ العنق والصدر، يعني يجب عليها أن تغطي شعرها وصدرها.

قامت ابنته الصغيرة فخلعت خمارها وربطت قدم والدها أو سيدها بحضور تلميذته، هذه هي التلميذة النجيبة المتعلِّمة التي تعرف قدر العلم والمعلِّم والتربية والمربي.. وهناك كثير مِن الناس يتنكَّرون لشكر المعلِّم ولشكر المربِّي ولشكر الوارث المحمدي، أمَّا هذه التلميذة فكانت تلميذةً بارّةً شاكرةً وفيَّةً، فلمَّا رأت البنت الصغيرة وقد لفَّت قدم أستاذها بخمارها، أنشدت هذين البيتين.

[هنا ينصح الشيخ تلاميذه بالكتابة فيقول لهم:] اكتبوهما.. الأجانب -عندما يأتونني- من أساتذة جامعات ورؤساء كنائس، ونساء ورجالًا في الجامعات في أوروبا، يكون كلُّ واحد منهم معه دفتره وقلمه ويكتب، وعندما توجد بعثة دبلوماسية أو نكون في حديثٍ يكون كلٌّ منهم معه ما يكتب فيه، وأنتم لماذا لا تكتبون؟ ألا تنسون؟

فقالت هذه التلميذة تُخاطب أستاذها ومرشدها ومربِّيها

لَو وَجَدتُ السَّبيلَ جُدْتُ بخدِّي
بَدلًا مِن خِمارِ تِلكَ الصَّبِيَّة

“لو وجدتُ السبيل”: لو كنتُ أملك الإمكانات، “جدتُ بخدِّي”: أي لتبرَّعت بجلد وجهي وخدي، “بَدلًا مِن خِمارِ تِلكَ الصَّبِيَّة”: أي كنت أسلخ جلد وجهي وألفُّ به رجلك لو أمكنني ذلك، بدل أنْ تلفَّ رجلك بخمار هذه البنت.. “خمار”: احذروا أن تحذفوا نقطة الخاء مِن الخمار، [يعني فتصبح “حمار”، ذكر الشيخ ذلك ممازحًا ليسوق قصة تُوْما الحكيم الذي تعلَّم مِن غير شيخ] إن حذفتموها يحدث معكم كما حدث مع توما الحكيم.

قيل: إنَّ توما كان حكيمًا، وكان في زمنه لا تُكتب النقط على الكلمات، بل كانت الحروف مُعْجَمة أي بلا نقط، فقرأ في كتابٍ حديثَ النبي ﷺ: ((الْحَبَّةُ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ)) 28 ، ما هي الحبة السوداء؟ حبة البركة، وكانت الكلمة مكتوبة مِن غير نقط فقرأها “الحية السوداء شفاءٌ من كل داء”، فأمسك ثعبانًا وطبخه وأكله فكانت القاضية.

فقال أحدهم شعرًا

إذا رُمتَ العُلومَ بغَيرِ شَيخٍ
ضَلَلتَ عَن الصِّراطِ المستَقِيمِ

وَتَلتَبِسُ الأُمورُ عَليكَ حتَّى
تَصِيرُ أَضَلَّ مِن تُوما الحَكِيمِ

“إذا رُمتَ العُلومَ بغَيرِ شَيخٍ”: بغير معلِّم.

الإخلاف بالوعد من وجوه النفاق:

المسلم اليوم لا معلمَ له ولا مربي ولا حكيم يعلِّمه الحكمة، ولا عالِم القرآن يعلِّمه علوم القرآن وأخلاق القرآن وروحانية القرآن والإسلام، ولا مزكِّيَ لنفسه ليُخْرِجَها مِن: ((مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)).. بماذا استبدل مجتمعنا حديث النبي ﷺ بالإخلاف بالوعد؟ وأقصد الكثير أو الأكثر.. استبدلوه بقولهم: “ألف قَلْبة ولا غَلْبة”، [قول سارٍ على ألسنة الناس في سوريا، ويعني أن يَقْلِب كلامَه ويُغَيِّره ويخلف وعده ألف مرةٍ أفضل عنده من أن يُغْلَب مرة واحدة.. وهذا غالباً ما يكون في البيع والشراء] أليس هذا مجتمعنا إلَّا القليل؟ ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

قال رسول الله ﷺ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)) 29 إذا وعد أيّ وعد، سواء في الوقت، في البيع، في الشراء، في الذهاب، في السفر.. الأجانب وعدهم على الدقيقة، مرة أتاني -وقد ذكرت لكم- سفير سويسري، وقد تأخَّر عن الموعد دقيقتين، فقدَّم لي اعتذارًا، وقال لي: لا تؤاخذني، تأخرت دقيقتين.

والمسلم -وقد يكون شيخًا- إذا وعدَ أن يأتي الساعة الحادية عشرة وتأخر نصف ساعة هل يعتذر؟ بحسب تجربتي فإن الناس عموماً يتأخَّرون ربع ساعة أو نصف ساعة، ولكن الشيخ ربما يتأخَّر ساعة أو ساعة ونصف ولا يعتذر، فكيف سيُبنى الإسلام؟ لذلك كما يُقال في المثل: “ما كُلّ من صَفَّ الصَّوَاني يصير حُلْوَاني” [الحُلْواني: صانع الحلوى، والصَّوَانِي: الآنية المُسَطَّحة التي تُعرَض فيها الحلوى.. وصَفُّ الصواني وترتبيها يكون عادة عمل المبتدئ في المهنة، لكن من يراه يظنه هو صانع الحلوى والماهر بها.. ومعنى المثل: ليس كلُّ مَن ادَّعى ادعاءً هو صادق فيه].. نسأل الله تعالى أن يهيئ العلماء ورثة الأنبياء.

الهجرة إلى المعلِّم فرض:

إنّ الدواء لاستكمال الإيمان قَبل كل شيء هو الهجرة إلى المعلم، ولا يصح لك أنْ تكون في مكانٍ لا معلَّمَ فيه ولا حكيمَ يعلِّمك الحكمة، ولا مزكِّ يزكِّيك، فالهجرة فرضٌ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ الله تعالى يخبرنا عن المتقاعسين عن الهجرة أنَّ الملائكة تسائلهم عند موتهم: فِيْمَا كنتم؟ لِمَ لَم تهاجروا؟ ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ فقدْنا المالَ أو فَقَدْنا الراحلة أو غير ذلك، فردَّ الله عليهم عذرهم ورَفَضه، فقال: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97].

كانت الهجرة في زمن النبي ﷺ مسافة خمس مئة كيلو متر، والمهاجر يجب عليه أن يترك بيته وأهله وعياله ومصالحه وديونه، وهذا يكلِّفه الكثير، أمَّا الآن فالمسلم لا يستطيع أن يُهاجر مِن بيته إلى مجلس العلم، فأيُّهم أَولى بجهنم؟ لا تظنُّوا أنني أمزح معكم يا بني، إنما أُسمِعُكم القرآنَ كلامَ الله تعالى.

الله تعالى قال في حق المتقاعسين عن الهجرة؛ الهجرة إلى العلم وإلى المعلم وإلى الحكمة وإلى الحكيم وإلى التزكية وإلى المزكي، قال: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا فالذي مصيره هذا المصير فبئس المصير، ولو كان في الدنيا مليارديرًا.. قال: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ إنّ الذين قالوا: “كنا مستضعفين”، كانوا كاذبين في ادِّعائهم، ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ كأن يكون عمره ثمانين أو تسعين سنة وهو مُقعَدٌ، ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ والمرأة التي تخاف على نفسها، ﴿وَالْوِلْدَانِ حتى الطفل كان مطالبًا بالهجرة، ليس المقصود مِن مكانٍ إلى مكانٍ، بل مِن مكان الجهل إلى العلم، ومِن مكان الكفر إلى الإيمان، ومِن مقام عدم الحكمة إلى الحكمة، ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ لم يقل: “يعفو” بل قال: “عسى” ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:97-99].

عندما نقرأ القرآن هل نفهم هذه المعاني؟ وإذا فهمناه هل نحن عازمون أنْ نستجيب لأمر الله تعالى وندائه؟ لكننا ليست عندنا نية أن نفهم ولا أن نعمل ولا أن نستجيب لله تعالى؟ عند ذلك هل نحن مؤمنون أم منافقون؟ علينا الاستعداد لهذا الموقف.

“حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا” 30 ، إذا كان المعلم غير موجود ولا نستطيع الهجرة إليه يجب أن نأتي بالمعلم إلينا، ولو بذلنا له ماءَ عيوننا وسوادَه.. واللهِ نحن الرابحون، كما قالت تلك المتعلِّمة

لَو وَجَدتُ السَّبيلَ جُدُت بخدِّي
بَدلًا مِن خِمارِ تِلكَ الصَّبِيَّة

وحال المسلمين اليوم مع معلمهم أنهم لا يتركون إيذاءه والإساءة إليه.. وهل هذا دليل الحبِّ للعلم والعالِم والإيمان والإسلام أم دليل العداء؟ كما قال ﷺ: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ)) وإذا أبغضتَ وراث النبي عليه الصلاة والسلام فهذا يعني أنك تبغض النبي ﷺ، وتبغض الإسلام، وتبغض القرآن.

((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ، وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ)) الأسواق التجارية عمَّروها بالأموال وبالبناء وبغيرها.. ((وتألّبوا عَلَى جَمْعِ الدَّرَاهِمِ)) هل همُّهم وليلهم ونهارهم وتفكيرهم ودراستهم وثقافتهم لأجل جمع الدراهم أم لجمع الناس على الإيمان والإسلام؟

((ابتلاهمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ، منها: الْقَحْطِ مِنَ الزَّمَانِ))، والقحط لا تظنوا أنَّ القحط في القمح والشعير وحسب، إنَّما أعظمُ القحط هو القحط مِن ورثة النبوة ومن ورثة الحكمة، ((وَالصَّوْلَةِ مِنَ الْعَدُوِّ)) 31 ، الآن إسرائيل في كلّ يوم نسمع أخبار طائراتها في لبنان وتهديمها وصواريخها وقنابلها، وفي فلسطين وفي البوسنة والهرسك وفي الهند.

الخصلة الأولى: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ)) يُقابلها بالنسبة للمجتمع الإيماني، “إذا كرَّم المسلمون علماءهم” يا ترى ما هو وضعك أنت كمسلم؟ يا ترى هل كرَّمت العلم في العالِم، وكرمت التزكية في المزكي، وكرمت الحكمة في الحكيم؟ بمَ كرَّمت؟ وكيف كرَّمت؟ سيدنا رسول الله ﷺ يقول: ((إنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ أَبَا بَكْرٍ أَنفَقَ عَلَيَّ مالَه وَزَوَّجَنِي ابْنَتَهُ)) 32 ، ﷺ، وماذا كان عطاء النبي ﷺ؟ قال: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ أعداءً فَأَلَّفَ بين قلوبكم؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ؟)) 33 ﷺ.

الخسران في الانشغال عن الذكر:

نرجع إلى سورة المنافقون.. بعد أن ذكر الله تعالى صفاتهم، فذكر المرضَى وذكر مرضهم، سيذكر الآن إذاً الدواء والشفاء والأصحَّاء، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] القرآن مِن أسمائه ذِكرُ الله: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ [الأنبياء:50] هذا يعني القرآن، فسمِّي القرآن ذِكرًا، وذكرُ الله بمختلف الأوراد النبوية كذلك يُطلق عليه الذِّكْر.. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] الحج فيه ذكر، والصلاة فيها ذكر: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، اجتماع المسلمين على مجلس الذكر، أو أن تذكر الله وَحدَك هذا كلُّه ذِكر، قال: “لا تُلهِكم”، لا تقل: ليس عندي وقت، وأنا مشغول، فهذا مِن صفات المنافقين: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح:11] أنتم كاذبون، الله تعالى يُخاطب المنافقين.. فاحذروا يا إخوان أن يَلْحَقَنا الخطاب أيضًا.

﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [المنافقون:9] يكون همه في الحياة المال والولد فقط، ولكنه عند ذِكر الله والقرآن وعلوم القرآن وأحكام القرآن وأخلاق القرآن ووصايا القرآن يقول: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا [الفتح:11]، قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

الحضُّ على الإنفاق قبل الندامة:

ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أرجوك يا رب ﴿فَأَصَّدَّقَ “فأصَّدقَ” منصوبٌ بجواب التَّمنِّي، ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ “أكنْ” مجزومةٌ على محلِّ “أصدَّق”، يعني: إنْ تُأَخِّرْني أَصَّدَّقْ وأَكُن، ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ إذا جاء عزرائيل وقال له: أرجوك تأخَّرْ أسبوعين، هل هذا ممكن؟ وإذا كادت الشمس أن تغرب فقال لها: أرجوك تأخري قرابة ساعة حتى أصل، هل هذا ممكن؟ ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11].

علينا أنْ نفتِّش أنفسنا ونرى الفرائض التي قصَّرنا فيها، فنستدرك قبل أن يأتنا الموت، فلا ينفع الرجاء بالتأخير حتى نتوب، أو التأخير حتى نتصدَّق أو نؤدِّي زكاتنا وحقوق الله تعالى علينا أو حقوق الناس، ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11].

وكما يقول القائل

حافِظْ عَلى صَلَواتِكِ الخَمسِ
كَم مُصبِحٍ وَعَساهُ لا يُمسِي

وَاستقبِلِ اليَومَ الجَدِيدَ بِتَوبةٍ
تَمحُو ذُنُوبَ صَبِيحةِ الأَمسِ

فَلَيَفعَلَنَّ بِجِسمِكَ الغَضِّ البِلَى
فِعْلَ الظَّلامِ بِصُورَةِ الشَّمسِ

“فليفعلنَّ بجسمك الغضِّ البِلَى”: يعني إنَّ الموت سيفعل بجسمك.

فتوبوا قَبل أن تموتوا، وخذوا مِن حياتكم لموتكم ومن غناكم لفقركم ومن شبابكم لهرمكم ومن صحتكم لمرضكم.

ونسأل الله عز وجل أن يُلهمنا الرشد، ويلهمنا التوبة الصادقة، ويرزقنا حبَّ الله ورسوله، وحبَّ العلم والتعلُّم، وحبَّ التربية والمربِّي، والتزكيةَ والمزِّكي والحكمة والحكماء، وأن يغفر الله لنا ولكم.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (16998)، (3/ 103)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (1281)، (2/ 58)، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلًا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
  2. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي (1/346)، بلفظ: ((أن عليًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى، فقال: يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات، فقال علي رضي الله عنه: هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا عَلِيُّ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ وعلى وجه الأرض من يقول الله))، وفي صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان، رقم: (148)، (1/131)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ)).
  3. تفسير ابن كثير، (4/195)، بلفظ: (وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةِ مَنْ جُهِل حَالُهُ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَعْيَانَ مُنَافِقِينَ قَدْ أَخْبَرَهُ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ: "صَاحِبُ السِّرِّ" الَّذِي لا يعلمه غيره أي من الصحابة).
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (1)، (1/3)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنية)، رقم: (1907)، (3/ 1515)، عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).
  5. صحيح ابن حبان، كتاب الصلاة، باب المساجد، رقم: (1610)، (4/490)، مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (3173)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)).
  6. سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل، رقم: (2322)، (4/561)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا، رقم: (4112)، بلفظ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا».
  7. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (7288)، (5/10)، بلفظ: ((لاَ تَسُبُّوا الدُّنْيَا، فَنِعْمَ مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ هِيَ عَلَيْهَا تبلغه الْجنَّة وَبهَا ينجو من النَّار))، عَبد اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنه، وفي المسند للشاشي، رقم: (383)، (1/387)، بلفظ: ((لاَ تَسُبُّوا الدُّنْيَا، فَنِعْمَ مَطِيَّةُ الرجل عَلَيْهَا يَبْلُغُ الْخَيْرَ، وَبِهَا يَنْجُو مِنَ الشَّرِّ)).
  8. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/ 2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  9. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (6627)، (6/365)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: «مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ، وَلَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ».
  10. تاريخ دمشق لابن عساكر، (65/ 197)، ومسند الفردوس للديلمي، رقم: (5249)، (3/409)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيْسَ بخَيركُمْ من ترك دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا آخرته لدنياه، ولكن يُصِيب مِنْهُمَا جَمِيعًا)).
  11. سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقم: (3681)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، بلفظ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ» قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ))، وفي مسند البزار، رقم: (2119)، (6/57)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، رضي الله عنهما، بلفظ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ».
  12. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، (1/66)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))..
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4075)، (4/ 1574)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، رقم: (1061)، (2/ 738)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال ((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي))، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ...)).
  15. سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، رقم: (1641)، (1/516)، سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة، رقم: (2198) (2/740)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ، وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ((ائْتِنِي بِهِمَا))، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟)) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: ((مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: ((اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ))، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ، وَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا))، فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ((اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا))، ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ)).
  16. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التيمم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((جعلت لي..))، رقم: (328)، (1/128)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، رقم: (521)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)).
  17. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  18. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (4485)، (3/179)، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، رقم: (130)، ص: (156)، عن حَارِثَة بن وهب: ((قَالَ الله عز وَجل لَيْسَ كل مصلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصر على معصيتي وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كل ذَلِك لي)).
  19. صحيح مسلم، باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غشنا فليس منا، رقم: (101)، (1/99)، سنن الترمذي، كتاب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع، رقم: (1315)، (3/606)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  20. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، رقم: (5670)، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ)) قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: ((الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8250)، عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)).
  21. شعب الإيمان للبيهقي، باب في الإيفاء بالعقود، رقم: (4357)، (4/79)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7873)، (8/218)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلُ مَا تُؤَدِّي شَكَرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ، أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَوَاللهِ لَئِنْ أَعْطَانِي اللهُ لَأَتَصَدَّقَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا"، قَالَ: فَصَارَتْ لَهُ غَنِيمَةٌ، فَكَانَ يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَثُرَتْ غَنَمُهُ، وَنَمَتْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَنَمَتْ غَنَمَهُ، فَتَقَدَّمَ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجُمُعَةَ، فَنَمَتْ غَنَمُهُ وَكَثُرَتْ، فَتَقَدَّمَ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُمُعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، قَالَ: فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا يَأْخُذُونَ الصَّدَقَةَ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا فَرَغْتُمْ وَانْصَرَفْتُمُ اجْعَلُوا طَرِيقَكُمْ عَلَيَّ - أَوْ نَحْوَهَا - قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا وَانْصَرَفُوا أَتَوْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ، فَانْصَرَفُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الصَّدَقَةَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة: 75] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77].
  22. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الحجر، رقم: (3127)، (5/298)، التاريخ الكبير للبخاري، رقم: (1529)، (7/354)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
  23. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22002)، السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (17574)، (9/20)، بلفظ: ((عَنْ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَّةِ السَّدُوسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَايِعَهُ، قَالَ: فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ، فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ فَوَاللَّهِ مَا لِي إِلاَّ غُنَيْمَةٌ وَعَشْرُ ذَوْدٍ، هُنَّ رَسَلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَلاَ جِهَادَ وَلاَ صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أُبَايِعُكَ، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ)).
  24. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، (3/404)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، (6/ 163)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، (1/158)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفًا عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561) (4/921).
  25. سبق تخريجه.
  26. سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في إصلاح ذات البين، رقم: (1939)، (4/ 331)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لاَ يَحِلُّ الكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ، وَالكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ))، وفي سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، رقم: (4921)، بلفظ: «عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا، الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، يَقُولُ: الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا».
  27. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، رقم: (2866)، (3/1102)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، رقم: (1102)، عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْحَرْبُ خَدْعَةٌ)).
  28. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الحبة السوداء، رقم: (5364)، (5/ 2154)، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب التداوي بالحبة السوداء، رقم: (2215)، (4/ 1735)، بلفظ: ((في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام))، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  29. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10938)، (2/ 536)، صحيح ابن حبان، رقم: (257)، (1/490)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ))، وفي صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (34)، (1/21)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق رقم (58)، (1/78)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ)).
  30. سنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق، رقم: (2459)، (4/638)، بلفظ: وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا"، وفي مُصنف ابن أبي شيبة، باب كلام عمر بنِ الخطّابِ رضي الله عنه، رقم: (35600)، بلفظ: " عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".
  31. المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب الرقائق، رقم: (7923)، (4/361)، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه بلفظ: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ وَتَنَاكَحُوا عَلَى جَمْعِ الدَّرَاهِمِ رَمَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ: بِالْقَحْطِ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْجَوْرِ مِنَ السُّلْطَانِ، وَالْخِيَانَةِ مِنْ ولَاةِ الْأَحْكَامِ، وَالصَّوْلَةِ مِنَ الْعَدُوِّ)).
  32. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11461)، (11/ 191)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَا أَحَدٌ أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَاسَانِي بنفْسِهِ وَمَالِهِ وأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ))، وفي صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، رقم: (3454)، (3/1337)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ)).
  33. سبق تخريجه.
WhatsApp