تاريخ الدرس: 1993/10/01

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:28:45

سورة التحريم، الآية: 8 / الدرس 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلوات وأكمل التحيات على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وبعد:

حرمة تحريم الحلال:

فنحن في تفسير بعض آياتٍ مِن سورة التحريم، وقد حرم النَّبيُّ ﷺ على نفسه بعض المباحات، كما ذكر الله تعالى في أول السورة مِن تحريمه العسل 1 ، وتحريمه مارية القبطية رضي الله عنها 2 لأسباب ذُكِرَت لكم الأسبوع الماضي، وتحريم ما أحلَّ الله عزَّ وجلَّ للإنسان مخالِفٌ لسماحة قوانين الله عزَّ وجلَّ التي دعتِ الإنسان إلى أنْ يتمتَّع بطيِّبات الحياة مِن كلِّ ما يطيب له ممَّا يحقِّق منفعته وسعادته وصلاحه، وحرَّم عليه ما حرَّم مِن كلِّ ما يُسيء إلى الإنسان في نفسه أو عقله أو جسمه أو مختلف أنواع حياته.

سورة التحريم دعوة لعمل الأفضل والأكمل:

وكذلك نساء النَّبيِّ ﷺ رضوان الله عليهنَّ قد حصل منهنَّ بعض ما ينبغي أن لا يصدر منهنَّ، ممَّا يقع بين الضرائر بعضهنَّ مع بعض، وممَّا يعكِّر صفو النَّبيِّ ﷺ، بعكس ما يجب عليهنَّ مِن أنْ يُساعدن رسول الله ﷺ في كلِّ ما يُعينه على أداء الدعوة بكلِّ طاقاته الجسمية والفكرية والروحية.

فجاءت سورة التحريم دعوةً مِن الله عزَّ وجلَّ إلى النَّبيِّ ﷺ ليعمل الأفضل والأكمل، وأن لا يحرِّم ما أحلَّ الله له، ودعوةً لنسائه أنْ لا يُخطئن مع سيِّدنا رسول الله ﷺ كما أخطأنَ معه، ثمَّ دعوةً للمؤمنين: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، ثم دعوةً أخيرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8].

معنى التوبة:

مضى معكم تفسير التوبة، وهي الندم على ما فَرَط مِن الإنسان ممَّا حرَّمه الله عليه، فالله عزَّ وجلَّ حرَّم على الإنسان ما يسوؤه وما يؤذيه وما يضرُّه، ولم يحرِّم الطيبات، وإنَّما قال: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، ولكنْ ﴿تُوبُوا يعني مِن كلِّ مخالفات أوامر الله عزَّ وجلَّ، والتوبة بحسب الحقيقة هي نقلة مِن الجهل إلى العلم، ومِن النقائص إلى الكمالات، ومِن الرذائل إلى الفضائل، ومِن طريق الشقاء إلى طريق السعادة، ومِن طريق الفقر إلى طريق الغنى، ومِن طريق الذُّلِّ إلى طريق العِزِّ، ومِن طريق التباغض والشحناء والتمزُّق إلى الوحدة والتحابب والتراحم: ((الْمُؤْمِنُونَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) 3 .

الاستغفار مِن الذنوب مهما صغرت:

والإنسان خطَّاءٌ كما قال ﷺ: ((يا بَنِي آدَمَ كُلُّكُمْ خَطَّاؤُونَ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) 4 ، حتَّى النَّبيُّ ﷺ قال له الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [مُحمَّد:19]، ولكن ذنوب الأنبياء ليست كذنوب مَن سواهم، ذنوب الأنبياء أنْ يفعلوا الحسن ويتركوا الأحسن، وأنْ يفعلوا الفاضل ويتركوا الأفضل، كما قال تعالى في غزوة تبوك لـمَّا أَذِن النبي ﷺ لبعض المنافقين في التخلُّف عن الذهاب إلى الجهاد، فقال له الله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43] 5 ، يعني لا تأذن لهم حتَّى يظهر نفاقهم وكذبهم فيتخلَّفوا عن اللحاق بالجيش بشكل يفضح كذبهم ونفاقهم.

وحين استشار النَّبيُّ ﷺ أصحابه في أسرى بدر بين قَتْلهم أو أَخْذ الفداء منهم، ثمَّ أشار بعضهم بالقتل، وأشار بعضهم بالفداء، فاختار النَّبيُّ ﷺ الفداء، فعاتبه الله عزَّ وجلَّ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال:67] 6 ، لأنَّها أول معركة، وكان هذا الأمر أحسن ما رآه لخير هذه الأمة، ولكنَّ حكمة الله عزَّ وجلَّ فوق حكمة نبيِّه ﷺ، وحكمة نبيِّه ﷺ تُسْتَمَدُّ مِن حكمة الله عزَّ وجلَّ.. فصَدْرُ السورة كما مرَّ.. والآن النداء بالتوبة للعموم.

الاستجابة لله تعالى بالعمل والقول والقلب:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:8]، [الحضور يقولون: لبيك اللهم لبيك، كما علمهم الشيخ، فيقول لهم الشيخ:] عندما يناديك ابنك تقول له: لبيك، ولرفيقك تقول: لبيك، وعندما ينادينا الله عزَّ وجلَّ هل تقولون: لبيك باللسان والكلام فقط، أم ستلبُّون الله عزَّ وجلَّ بالأعمال والأفعال؟ هل ستلبُّون الله باللسان أم بالقلوب؟ إنك عندما توقِّع على ورقة سند أمانة مثلًا فهذا يعني أنه يجب عليك أنْ تدفع، أمَّا إذا كان همك فقط الإمضاء فلا فائدة من هذا.

وأنتم الآن هل ستلبُّون تلبيةً صادقةً أم كاذبةً؟ يجب أنْ نكون مع الله، لأنَّ المسألة مع الله، إنك لا تستطيع أنْ تكذب على الشرطي أو على موظَّفٍ بسيطٍ، فكيف على رب العالمين الذي ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:8]؟ ويوم القيامة سيعرِض عليك مسجِّل الفيديو الإلهي كلَّ أفلام حياتك أمام الله عزَّ وجلَّ وأمام نبيِّه ﷺ وأمام جبريل عليه السَّلام، ويقول الله عزَّ وجلَّ لجبريل عليه السَّلام: هل أبلغتَ النَّبيَّ ﷺ القرآن؟ ويقول للنَّبيِّ ﷺ: هل بلَّغتَ الأُمَّة القرآن؟ ويقول لنا: هل بلَّغكم القرآن؟ نعم، ولـمَّا ناديتكم ماذا فعلتم؟ أجبنا، هل أجبتم كاذبِين أم صادقِين؟ وهل لبَّيتم مخلصِين أم مرائين؟

أعظم الذنوب اليوم إهمال تطبيق القرآن:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا [التحريم:8]، هل أنتم مستعدُّون للتوبة؟ وما معنى أنْ نتوب؟ لا أنْ نتوب عن الطيبات إلى الخبائث، ولا أنْ نتوب عن العلم لنكون جهلاء، ولا عن القوة لنكون ضعفاء، التوبة هي عن النقائص إلى الكمالات وعن الشرور إلى الخيرات وعن سلوك طريق الشقاء إلى طريق السعادة.

وممَّ نتوب؟ إنَّ أعظم الذنوب التي عليها المسلمون في عصرنا ومِن أجيال ماضية مِن القرون والعصور الإسلامية السابقة أنَّ كثيراً مِن النَّاس يقرؤون القرآن لمجرَّد القراءة، لا للعِلم ولا للفهم، ولا يدركون حقيقةَ أن هذا الكتاب وهذه الرسالة لم تأتِ مِن وزير ولا مِن رئيس وزراء ولا مِن رئيس الجمهورية، بل مِن فاطر السماوات والأرض، ممَّن خلقك مِن حيوانٍ مَنَويٍّ.. ولو غُمستْ إبرة في مَنيّ يعلق برأسها خمسون ألف حيوان مَنَويٍّ، كنتَ أنتَ مثل أحدها، والآن صرتَ تمسح شاربيك وتُسَرِّح [تُمَشِّط] شعر رأسك تكبُّرًا، وحين ينادي المنادي: “حي على الصَّلاة، حي على الفلاح”، وحين يناديك الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:8]، [لا تجيب]، فإنك عندما لا تلبِّي الله عزَّ وجلَّ لا يلبِّيَك الله تعالى عندما تقول: يا الله، لأنَّ الله تعالى قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وقال: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، إني قريب وأجيب.

لا يوجد حقٌّ إلَّا ويقابله واجبٌ، أمَّا أنْ تأخذ حقًّا ولا تؤدِّي ما يُقابله مِن واجب فإنَّك لا تستحقُّ هذا الحقَّ، لأنَّ الحق ثمنه أداء واجبٍ قَبله، فإنك تستحقُّ استلام البيت إذا دفعتَ الثمن، وتستحقُّ الزوجة إذا دفعتَ المهر ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، هذه طلباتك أيها الإنسان، ومقابل هذا الطلب مِن الله فإن الله عزَّ وجلَّ له طلب منك مقابل هذا الطلب، قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]، إذا سألتُهم، يعني إذا سألوني لأستجيب لهم فليستجيبوا لي إذا سألتُ.. فهل المسلم والمسلمة يقرآن القرآن للعلم؟

إنك عندما يأتيك ظرف فيه كمبيالة، [كُمْبْيالَة: ورقة مالية رسمية، مثل الشيك] هل تقرأ الكمبيالة للقراءة أم لتعلم ما فيها؟ وعندما تَعْلَم أنْ “ادفعوا لحامله مئة ألفٍ”، ماذا تفعل بعد القراءة للعلم؟ هل تضعها في الصندوق وترميها أم تذهب إلى البنك [المصرف] لتقبضها؟ وعند ذلك أفادتك هذه الورقة بكتابتها وقراءتها، أي عندما عملتَ بما فيها، وإذا رأيتَ في الصُّحُف أن هناك تحذيرًا صحِّيًّا أنْ احذروا مِن بعض الخضار، لأنَّها تُسبِّب مرض كذا، فإذا قرأتَ واستعملتَ تلك الخضار الملوَّثة فهل تفيدك القراءة؟ المسلمون اليوم تخلَّفوا وضعفوا وتمزَّقوا وسيطر العدو عليهم لـمَّا أهملوا كتاب الله عزَّ وجلَّ وجعلوه ﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [البقرة:101]، ما قرأوه كما أمر الله عزَّ وجلَّ، الله تعالى يقول في القرآن في أدب قراءة القرآن: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:121].

وما هو حقُّ التلاوة؟ حقُّ التلاوة بعد أنْ تعلم خِطاب الله عزَّ وجلَّ وحديثه معك أنْ تُسارع إلى تنفيذ ما أَمر، واجتناب ما حرَّم، وأنْ تستحسن ما يحسِّن وأنْ تستقبح ما يقبِّح، وأنْ تبتعد عن كلِّ ما يُبعدك عنه، وأنْ تقترب إلى كلِّ ما يدعوك إلى قُربه، هذه هي قراءة القرآن: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) 7 ، ليس تعلُّم تلاوة الألفاظ، بل تعلُّم المعاني والأهداف والأوامر والوصايا ومحبوبات الله عزَّ وجلَّ لتحبها ومكروهات الله عزَّ وجلَّ لتكرهها، ثمَّ المردود والنتاج كلُّه لمصلحتك، ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].

الإيمان هو الامتثال:

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:121]، لو سألتُكم: هل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ المؤمن بالقرآن منكم يرفع يده، [الشيخ يخاطب أحد الحضور ملاطفًا:] شيخي أنت لم ترفع أصبعك.. وهل تؤمنون على حسب مراد الله عزَّ وجلَّ أم على حسب مراد الشيطان؟ الشيطان يرضى منكم أنْ تؤمنوا بالقرآن بكلامكم، وتهملوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فلا يغضب الشيطان مِن هذا الإيمان أبدًا، ويكون ممنونًا مِن هذا الإسلام؛ بأنْ تؤمنوا بألسنتكم لا بقلوبكم ولا بأعمالكم، وأمَّا الذي يُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ فهو أنْ تؤمنوا بقلوبكم وأعمالكم، فمَن الذي يحب أنْ يرضي الشيطان بإيمانه فليرفع أصبعه، ولكن ليس في داخل الجامع تقولون كلامًا وخارج الجامع كلامًا آخر.. ومَن الذي يحب أنْ يؤمن الإيمان الذي طلبه الله عزَّ وجلّ يرفع أصبعه.. أَتعاهدونني على هذا؟ والله أنتم الرابحون في الدنيا قَبل الآخرة، لأنَّ الله تعالى يقول ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة [النحل:30].

ثمرة الإيمان متحقِّقة:

كان أصحاب رسول الله ﷺ أُمِّيِّين وجاهليين وخرافيين وأعداءً متقاتِلِين وفقراء جائعين، يأكلون الميتات، ويأكلون الدم، وبكتابٍ واحدٍ وأستاذٍ واحدٍ لكنَّه كتابٌ سماويٌّ وأستاذٌ ربانِيٌّ استطاع بأقل مِن مئة سنة -كما يقول نابليون- أنْ يوحِّد نصف شعوب العالَم مِن حدود فرنسا إلى أسوار الصين، أمةً واحدةً بمئات اللغات ومختلف الألوان ومختلف القوميات والجنسيات تحت مظلة الإيمان، فصاروا ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فهل استطاعت القومية أو الاشتراكية أو الشيوعية أو الرأسمالية أو غيرها أنْ تحقِّق واحدًا مِن الألف ممَّا حقَّقه إيمان القرآن؟ ولكنه الإيمان الصادق وليس الإيمان الكاذب.

المهم من قراءة القرآن امتثال أوامره:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8]، فيجب قبل كل شيء أنْ نتوب مِن قراءة القرآن القراءة الكاذبة، والقراءة التي ذمَّها الله عزَّ وجلَّ في القرآن في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا [الجمعة:5]، يعني اليهود الذين قرأوا التوراة وحملوها بنطقهم وبتلاوتهم ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا بأعمالهم وأخلاقهم وسلوكهم، فهذا الحمل لا يُفيدهم شيئًا، مِثل الحمار إذا حُمِّل حملًا ثقيلًا مِن الكتب، فإذا حمل الكتب هل صار عالِـمًا أم ظلَّ حمارًا؟ قال: كذلك إذا قرأتَ القرآن ولم تعلم أهدافه، ولم تقف عند حدوده، ولم تحوِّله إلى أعمال وأخلاق وحكمة وعقلانية وسلوك، فأنت أيضًا مثل اليهود في قراءتهم للتوراة، حيث شبههم الله عزَّ وجلَّ بـ ﴿الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، ما هي الأسفار؟ هي الكتب.. لقراءة القرآن أربع عشرة قراءة، وهذا القراءة هي الخامسة عشرة ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، وأنتم على أيِّ قراءة تقرؤون؟ توجد قراءة ورش وقراءة حفص وقراءة كذا.. فأسأل الله تعالى أن يجعلنا مِن الذين قال القرآن عنهم في التلاوة: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:121].

إذا قال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] فيجب أنْ نتعلَّم طِيب الكلام إذا تكلَّمنا مع النَّاس، وقال الله تعالى في آية أخرى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ [الحج:24]، المؤمن لا يخرج منه إلَّا اللفظ الجميل والطَّيِّب مِن الكلام الحسن، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ، لا للمؤمنين فقط، بل لعموم الخلق.. ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121].

أَمَانِيُّ أهل الكتاب:

لقد ذمَّ الله عزَّ وجلَّ علماء اليهود، ولم يذمَّ كلَّ اليهود، بل ذمَّ اليهود المزيَّفين، ومدح اليهود الذين آمنوا بموسى وتعاليم موسى عليه السَّلام، فآمنوا بها عقيدةً وأخلاقًا وأعمالًا وسلوكًا، ودافع عنهم في القرآن، فهل كان الله عزَّ وجلَّ منتصِرًا لقوم موسى عليه السَّلام اليهود على فرعون أم العكس؟ فاليهود قسمان: قسمٌ أصيلٌ، وقسمٌ مزيَّفٌ، فالأصيل امتدحه القرآن، والنصارى قسمان: أصيلٌّ ومزيَّفٌ، والنصارى الأصلاء امتدحهم القرآن، والمسلمون قسمان: أصيلٌ ومزيَّفٌ، والأصيل امتدحه القرآن، أمَّا المزيَّفون مِن الكل فذمَّهم القرآن، وسمَّى المسلمين المزيَّفِين بالمنافقين وقال: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار [النساء:145]، وقال عن علماء اليهود: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78]، عندما يقرأون التوراة لا يأخذون مِن قراءتها إلَّا الأماني، وما هي الأماني؟ هي كما ذكر الله تعالى: ﴿لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَارَى [البقرة:111]، وهكذا قال النصارى، فبماذا ردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم؟ قال: ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [البقرة:111] أرونا حقائق العمل والسلوك.

جزاء من يستسلم لأوامر الله عزَّ وجلَّ:

﴿بَلَى الذي يدخل الجنة ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُو مُحْسِن [البقرة:112]، الذي يستسلم لأوامر الله عزَّ وجلَّ، ويستجيب لها في أعماله وأخلاقه وسلوكه وعلمه وحكمته ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة:112]، يعني في المستقبل ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112]، مِن واقعٍ أو ماضٍ.

فإذًا يجب أنْ نتوب مِن قراءة القرآن قراءة الأميِّين والأماني، ومِن قراءة الحمير الذين لا يَدرون ما على ظهورهم مِن كتب سماوية.. واسأل الذي يقرأ جزءًا من القرآن: ماذا فهمت؟ إن قراءة القرآن تعني أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُلقي عليك دروسه، فماذا فهمتَ مِن دروسه؟ ويلقي عليك أوامر، ماذا فهمتَ وماذا استجبتَ لأوامره؟ كما إذا قال الطبيب للمريض: عليك أن تأخذ مِن الدواء كذا وكذا، وتترك مِن الطعام كذا وكذا، وقال له المريض: فهمتُ، فإذا قال المريض: فهمتُ وسمعتُ، ولم يطبِّق أوامر الطبيب، فهل يُفيده الطبيب؟ وهل تُفيده تعاليمه؟

التوبة النصوح أولًا:

يجب قَبل كلِّ شيء تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8]، أنْ نتوب مِن قراءتنا للقرآن، وهذه القراءة التي نقرأها علينا أنْ نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ منها، حتى لو أن تقرأ صفحةً واحدةً أو آيةً واحدةً للعلم والعمل، وحتى لو أنك تقرأ كلَّ يوم آيةً واحدةً قراءة علم وعمل مثلًا ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ نواياك ﴿كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، لا تفرح بأنَّك قرأت عشرة أجزاء، بل افرح بأنك هل عَلِمتَ لتعمل؟ وهل عملتَ؟ ولو عَلِمتَ وعملتَ فإنك ما قرأت القرآن حتى تنتقل إلى المرتبة التالية، وهي أنْ تقوم فتعلِّم ما عَلِمتَ في مدرسة الله عزَّ وجلَّ، فتعلِّم النَّاس أنْ يُراقبوا ربهم الذي ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ ما تسرُّه عن النَّاس ﴿وَأَخْفَى [طه:7] وأخفى مِن السر، هو ما لا تسرِّه إلَّا في مستقبلك الآتي، فأسرارك الحاضرة وأسرارك الآتية يعلمها الله عزَّ وجلَّ، ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، يجب أن تصير هذه صفة مِن صفاتك اللازمة، فالله عزَّ وجلَّ يراك عند قولك ونظرك وسمعك وفي جلساتك وفي سهراتك وفي ندواتك.. وفي آداب المجالسة للنَّاس يقول الله تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِير مِّن نَّجْوَاهُمْ [النساء:114]، التناجي والتحادث والتسلِّي بالسهرات وبالجلسات قال: لا خير في كثير منها ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة [النساء:14].

الإسلام يحارب الفقر:

ما هي الصدقة؟ الصدقة هي مكافحة الفقر سواء في الأسرة أو في الجوار أو في المجتمع أو في الوطن أو في العالَم، فاللهُ عزَّ وجلَّ يدعونا إلى أنْ نُكافح الفقر على كلِّ المستويات بحسب ما نملك مِن قدرات، فالإسلام حربٌ على الفقر، والدليل على ذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل الغنى في المؤمن ركنًا مِن أركان الإسلام، ليس ركنًا، بل ركنَين مِن أركان الإسلام، أحدهما الغنى البحت، والثاني لا يتحقَّق إلا بالغنى، مثل عمود الإسمنت الذي يلزمه الحديد والإسمنت، فما معنى الزكاة؟ إذا قال الله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاة [البقرة:43]، فهل تقام الصَّلاة بلا طهارة؟ فإذا قال: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاة [البقرة:43]، يعني أيضًا توضؤوا: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة فَاغْسِلُوا.. [المائدة:6]، فإذا قال: ﴿آتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فهل يستطيع الفقير أنْ يبني هذا الركن ويُقيمه كما أمر الله عزَّ وجلَّ؟ وبماذا تكون الثروة والغنى؟ تكون بالعلم والعمل والجِدِّ وعدم تضييع الوقت، وباستعمال كلِّ الطاقات الفكرية والعلمية والبدنية والوقتية والزمنية.. فعليك أن لا تُضَيِّع وقتك.

والحج أيضًا لا يقوم إلَّا بالغنى، وكذلك مناسك الحج، وهكذا الحج نفسه، قال الله عزَّ وجلَّ عن حكمة الحج والأسباب الموجبة له: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [الحج:28]، يعني ليتذكَّروا مصالحهم التجارية والاقتصادية والصناعية والعلمية، ليس تحت ظلِّ القومية والمنافع القومية أو الشخصية أو الأنانية، بل تحت مظلة ذِكْر الله عزَّ وجلَّ.. الله الذي يقول عنه النَّبيُّ الكريم ﷺ: ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)) 8 ، فالفقير كم ركنًا له مِن أركان الإسلام الخمسة ؟ ثلاثة، إذًا كم ركنًا هدم؟ هدم ركنين، بأيِّ شيءٍ هدمهما؟ بجهله وبكسله وبإضاعة وقته وبعدم سلوك الوسائل والطرق التي تُوصله إلى تحقيق الثروة ليقيم ركن الإسلام.

الصَّلاة لتزكية النفس:

((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ)) 9 ، بُني على الصَّلاة، ولكنْ أيُّ صلاة؟ هل تصلُّون الصَّلاة التي أمر الله عزَّ وجلَّ بها أم الصلاة حسب أهوائكم؟ الصَّلاة التي أمر الله تعالى بها هي التي ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ [العنكبوت:45]، البطارية إذا لم تشغِّل الراديو والتلفزيون، والمصباح إذا لم يعمل ويعطك الضوء فالمعنى أنَّها ميتة، والصَّلاة كذلك إذا لم تنهَكَ عن الفحشاء والمنكَر، ولم تكن لك المكابح التي تُوقفك عند حدود الله عزَّ وجلَّ فلا تتجاوزها إلى ما حرَّم الله فأنتَ لم تصلِّ، ﴿إنَّ الصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ، كل ما يَستفحشه العقل السليم والخُلُق القويم، ﴿وَالْمُنكَرِ [العنكبوت:45] كل ما تستنكره القلوب والنفوس الفاضلة.

ومِن صفات الصَّلاة المطلوبة كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، مَن هو الهلوع؟ هو الذي ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، إذا وقع في الأزمات أو الشدائد أو الأمراض والخسائر وفَقْد الأحبة يجزع ويمرض ويجنُّ، ومنهم مَن ينتحر.. قرأتُ في بعض المجلات أنَّ عدد المنتحِرِين في الجامعات الأمريكية بلغوا خمسة عشر ألف جامعيٍّ، ولماذا انتحروا؟ لأنَّ المنتحِر منهم كان هلوعًا ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، فلو لم يكن هلوعًا لما كان جزوعاً إذا مسه الشر، فلمَّا كان هلوعًا وجزوعًا كان ضعيفًا عن تحمُّل هذا العبء، ولذلك يتخلَّص منه بالانتحار، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21]، هذا هو الهلوع، قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:22]، فالصَّلاة هي الدواء المعقِّم لجرثوم الهلع الذي هو الجزع عند الأزمات والشدائد، والمنع عند الخيرات والمصالح والمنافع، فإذا صار غنيًّا يمنع الزكاة، وإذا صار قويًّا يمنع مساعدته للضعيف، وإذا كان قاضيًا لا يساعد المظلوم.. ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:22]، إذًا الصَّلاة تطهِّرك وتزكِّي نفسك وعقلك، فتجعلك الإنسان الفاضل، هذه هي الصَّلاة التي أمر الله عزَّ وجلَّ بها، والزكاة لنُحارب بها فقرنا في مجتمعنا الصغير أو الأصغر أو القومي الوطني أو العالَمي الإنساني، وقد جَعَل الإسلام ذلك أَحد الأركان التي يُبنى عليها الإسلام: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ)).

علاجنا هو ثقافة السماء:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8]، فيجب أنْ نتوب مِن قراءة القرآن للقراءة لا للعلم، ونتوب مِن قراءة القرآن للقراءة دون العمل، ونتوب مِن قراءة القرآن القراءة التي لا تدفعنا إلى أنْ نعلِّم مجتمعنا والنَّاس ثقافةَ السماء وثقافةَ الله عزَّ وجلَّ، وإذا كنَّا في مجتمعٍ: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِير مِّن نَّجْوَاهُمْ [النساء:114]، ومن أحاديثهم وثرثرتهم ومزاحهم ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة [النساء:114]، وهذا مكافحة الفقر ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ الأمر بالمعروف في المجتمع القريب أو البعيد، الصغير أو الكبير، بحسب الإمكان، فإذا رأيناه تاركًا لواجب يجب أنْ نعمل بكلَّ الإمكانات والطاقات على أنْ نُحْيِيَ عمل هذا الواجب، سواء في رفيقنا أو صديقنا وفي أسرتنا وفي مَن حولنا.. ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِير مِّن نَّجْوَاهُمْ وأحاديثهم ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة مكافحة الفقر ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ [النساء:114] إذا رأينا شخصًا تاركًا لواجب [نأمره بالمعروف].

الإصلاح بين النَّاس:

﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاس سواءٌ على مستوى الأسرة أو على مستوى الحارة [الحَيّ]، أو على مستوى النقابة أو على مستوى البلد، أو على مستوى الوطن أو على مستوى القومية العربية والدول العربية، أو على مستوى العالَم وهيئة الأمم، والله تعالى يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] فإن الله يُصْلِح بين عباده يوم القيامة، فهل قرأتم هذه الآية في القرآن؟ من قرأها فليرفع أصبعه! مَن فَهِمها وطبَّقها ويتلوها حق التلاوة يرفع أصبعه! لا تستيطع أن تكذب على الله، إذاً من لم يرفع أصبعه ليس مؤمنًا بالقرآن، ومَن لا يؤمن بآيةٍ مِن آياته فهو ليس مؤمنًا، فكيف سيُقابِل الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة؟ وكيف سيَدخل الجنة؟ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا [الكهف:107]، هل قال: الذين آمنوا ولم يعملوا، أو آمنوا إيمان التمنِّي؟ ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111]، ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنَّ الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 10 .

صار لدينا جامعات وألقاب علمية مختلفة، ولكننا لا نتقدَّم إلى الأمام، بينما المسلمون الأُوَل كانوا أُمِّيِّين لا يقرؤون ولا يكتبون، وليس لهم إلَّا كتاب واحد، وليس على الورق، ولا على رق الغزال، بل كان مكتوبًا على الأحجار وعلى ألواح العظام وعلى جريد النخل، وهذا الكتاب لم يكن مجموعًا عند أَحدهم إلَّا في خلافة عثمان رضي الله عنه لـمَّا جُمع وكُتب في مصحف واحد، فمنهم مِن كان عنده سورة، ومنهم من لديه نصف سورة، ومِن لديه آيتان وثلاث، ولكنْ كانت السورة ونصف السورة عندهم في قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ودمائهم وأعصابهم وأفكارهم وواقعهم وأعمالهم، فلذلك لم يحرِّروا بلادهم فقط مِن الاستعمار، بل حرَّروا العالَم مِن الاستعمارَين العالَميَّين: الاستعمار الشرقي الفارسي، والاستعمار الغربي الروماني، وكتاب الله عزَّ وجلَّ هذا جَعل نصف العالَم وطنًا واحدًا وقوميةً واحدةً، بينما القومية في عصرنا هذا هي اللغة والأرض.

قومية القرآن هي العلم والعمل:

أمَّا قومية القرآن فليست أرضًا ولا لغةً، قومية القرآن ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ [الجمعة:2]، يعلِّمهم كتاب الله عِلمًا وعملًا وتعليمًا بالقول وبالعمل وبالصدق وبالقلب وباللسان، ﴿وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] جعلهم حكماء، والحكمة هي: “فِعْل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الشكل الذي ينبغي”، لذلك ما دخلوا حربًا إلَّا وكانت أعلامهم تخفق بالانتصار، فدخلوا معركة الأيام الستة بخمسة وثلاثين ألفًا، وجيش الرومان كان مئتين وخمسين ألفًا، فكتبوا النصر، وكُتِبَ لهم النصر مع الفارق العظيم، وقد كانت الدولة الرومانية دولة حضارة ونظام، وعمرها ألف سنة، والمسلمون أبناء الصحراء، ولكنَّهم تخرَّجوا في مدرسة السماء، المدرسة التي ما علَّمتهم الحياة الروحية فقط، ولا علَّمتهم الطقوس الدِّينية فقط، بل علَّمتهم الحياة بكلِّ ما فيها مِن ميادين؛ علمتهم الاقتصاد والسياسة والدولة والوقوف أمام الظالِمِين والمجرمين والمستعمِرين، وما دخلوا معركةً بهذه الأسلحة السماوية إلَّا وكانت النتيجة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحج:40]، ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [مُحمَّد:7].

انتصار السلف الصالح بصدقهم وحُسن امتثالهم:

خالد بن الوليد رضي الله عنه بهذا العدد مع الفارق الكبير، مئتان وخمسون ألفًا مقابل خمسة وثلاثين ألفًا، وهؤلاء الخمسة والثلاثون ألفًا ليسوا نظاميِّين، فما تخرَّجوا في مدارس عسكرية، ولا تثقَّفوا بالثقافات العسكرية، وهم أمام مئتين وخمسين ألفًا مِن أرقى الأمم نِظامًا ومدنيةً وثقافةً، فهل يُعقل أنْ ينتصر العرب بجاهليتهم وأُمِّيَّتهم وفَقْد حضارتهم على أُمَّةٍ وجيشٍ بهذا الشكل؟ هذا غيرُ معقولٍ، أمَّا في القانون الإلهي فهذا معقولٌ، بل هو واجب وواقع عملي، فأنهى خالدٌ رضي الله عنه هذه المعركة العظمى والاستعمار الغربي في معركة الأيام الستة، والانتصار لم يكن من أجل الاستعمار، بل كان لنشر العلم والحكمة وتزكية النفوس، ولتدخل شعوبُ العالَم في مدرسة الله عزَّ وجلَّ، فيتخرَّجوا فيها مؤمنِين متآخِين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة [الحجرات:10]، و((كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ)) 11 ، ((لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أعجَمِيٍّ، ولا لِأَبيضَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)) 12 .

مراعاة حقوق الإنسان مهما اختلف اللون أو اللغة أو الدِّين:

كل هذا مع مراعاة حقوق الإنسان مهما اختلف اللون أو اللغة أو الدِّين، كان النَّبيُّ ﷺ يوزِّع الصَّدقات، فأتى وثنيٌّ، فقال له النَّبيُّ ﷺ: ((أَنتَ لَستَ عَلَى دِينِي، فَلَا أُعطِيكَ)) 13 ، أين حقوق الإنسان؟ أليس هذا إنسانًا؟ هل يجوز هذا للنَّبيِّ ﷺ الذي هو رحمة للعالَمين، لا للعرب ولا للمسلمين فقط.. الرحمة صفة مِن صفات الوالدَين، فكيف رحمة الأمُّ بابنها؟ هكذا تكون رحمة الإسلام لا بالنَّاس فقط، بل بمخلوقات الله عزَّ وجلَّ كلِّهم، وبما يشمل الحيوان أيضًا، ولكنَّ النَّبيَّ ﷺ وإنْ كان نبيًّا فهو كما قال الله تعالى: ﴿هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا [الإسراء:93]، وقَبل كلِّ ذلك هو إنسان، والإنسان يُخطئ ويُصيب، لكنَّ أخطاء الأنبياء في الاجتهادات بين الفاضل والأفضل، وبين الحسن والأحسن، لا بين الرذيلة والفضيلة، حاشا لهم وقد اصطفاهم الله تعالى خِيارًا مِن خيارٍ مِن خيارٍ، ويَمضِي هذا الوثني المشرك خطوات، وتنزل حالًا برقيةٌ مِن السماء، حيث هناك رقباء تُنَبِّهُ النبي ﷺ حالًا إذا خرج عن الخطِّ، فلا يُقَرُّ على غير الأكمل والأفضل، ويُنْزِل الله تعالى في سورة البقرة عتابًا للنَّبيِّ ﷺ على ما حصل، والعتاب في أواخر سورة البقرة يقول الله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ أنتَ لستَ مسؤولًا عن عقيدته الدِّينية ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [البقرة:272]، ولكنْ كإنسانٍ فقيرٍ جائعٍ وأنتَ غنيٌّ واجدٌ فحق الدِّين والإيمان عليك أنْ تساعد الإنسان وتعطيه حقوقه ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْر من مساعدات ﴿فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْر يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [البقرة:272].

فقال النَّبيُّ ﷺ: ((رُدُّوهُ عَلَيَّ)) فأعطاه ضِعف ما كان يُريد أنْ يعطيَه، وبعد ذلك كان يُعطي المساعدات للمسلم ولغير المسلم.. هذه هي حقوق الإنسان في القرآن.

وفي سورة النساء ذُكر أنه اتُّهم يهوديٌّ بريءٌ، ولفَّق المسلمون له تهمة السرقة، وبرَّؤوا السارق المسلم، فنزل القرآن يُناصر اليهودي البريء على المسلم المجرم، فلا يوجد تعصُّبٌ دِينيٌّ، والتعصب للحق وللحقيقة وللإنسان.

التوبة إلى الله مِن التقصير:

فلذلك يجب أنْ نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ مِن قراءة القرآن، يجب أن لا نقرأ القرآن، هل أنتم مستعدُّون لأنْ تتوبوا من القراءة؟ لكنْ أيُّ قراءة؟ القراءة الخامسة عشر: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، والقراءة التي قال الله عنها في بعض اليهود: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يُظنُّونَ [البقرة:78]، أوهامٌ متعلِّقون فيها باسم الدِّين، وهي بعيدةٌ عن جوهره وأهدافه الحقيقية، إذًا هل تعاهدونني أنْ نقرأ القرآن؟ وليس المهم كثرة القراءة؛ جزء أو نصف جزء أو ربع جزء، المهم أنْ تقرؤوا ما تَعلَمون لتعملوا، وبعد أنْ تعملوا لتعلِّموا غيركم، والقرآن أُنزل لهذا، ولذلك كان النَّبيُّ ﷺ يقول: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) 14 ، فعليكم أنْ تتوبوا من هذه القراءة.

وكيف نتوب؟ الندم توبة، ثم أنْ نعزم على أن لا نعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع، فبعدما يَحلب الإنسان الحيوان هل يمكن أنْ يرجع الحليب إلى ثدي أمِّه؟ قال: كذلك التوبة، أنْ تعزم على أن لا تعود إلى الخطيئة كما أنَّ الحليب لا يعود إلى ثدي أمِّه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:8]، [الحضور يقولون: لبيك اللهم لبيك، كما علمهم الشيخ] إذا جاء أمر بعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:8] فهل أنتم مستعدون لتلبُّوا؟ ولكنْ كيف تكون التلبية؟ هل بالأقوال وبالأعمال وبالصدق أم بالكذب؟ هل في الجامع فقط أم خارج الجامع أيضاً؟ هل أنتم مستعدُّون؟ هل تعاهدونني على هذا؟ وأنا أيضًا، كلنا نُعاهد إنْ شاء الله، والله علينا بصير وشاهد، ونسأله أنْ يجعلنا نتوب إليه مِن كلِّ ما لا يحبه لنا، كان النَّبيُّ ﷺ يقول: ((إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيهِ كُلَّ يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ)) 15 ، وتوبة النَّبيِّ ﷺ مِن أيِّ شيء؟ إذا ترك الأفضل وعمل الفاضل، وإذا ترك الأحسن وعمل الحسن، لأنَّ النَّبيَّ ﷺ لا يعمل القبيح، فإذا كان النَّبيُّ ﷺ يستغفر الله عزَّ وجلَّ مِن ترك الأفضل وفعل الفاضل، فكيف يجب علينا نحن أن نستغفر الله عزَّ وجلَّ ونحن نعمل القبائح والمنكرات في السمع والبصر والكلام والنفس مِن غشٍّ وحقد ورياء وخيانة ومكر وغيرها؟ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33].

التوبة والإيمان الحقيقي ربح للمؤمن:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8]، كان ﷺ يقول: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا)) 16 ، مَن المنافق؟ هو الذي يدَّعي الإسلام بأقواله، ويُخالفه بأفعاله وسلوكه ومعاملته، قال: هذه ثلاث صفات إذا وُجِدْنَ في الإنسان ولو ادِّعى الإسلام وإنْ صام وصلَّى وإنْ زعم أنَّه مِن المسلمين، فالنَّبيُّ ﷺ يقول عنه إنَّه ليس مسلماً، بل هو منافقٌ، فهل تريدون أن تكونوا منافقين؟ من يريد أن يكون منافقًا فليرفع أصبعه، اليوم تخجلون مني ومن الناس، ولكن كيف بنا غداً إذا لاقينا الله تعالى وطُلِبَت هويتُنا وظهر أن هويتنا: منافق؟ ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [الحاقة:25]، إذا ظهرت هويَّتُك يوم القيامة منافقاً فهل تستطيع أنْ تمحوَها بالممحاة أو بلسانك أو بإصبعك؟

ثمَّ إذا كنتم مؤمنين حقيقيِّين هل تظنون بأنكم ستخسرون؟ وهل خسر أصحاب رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم لـمَّا صاروا مؤمنين صادقين؟ قال النَّبيُّ ﷺ: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ أعداءً فَأَلَّفَ بين قُلُوبِكُم بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ فُقَراءَ عَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟)) 17 ، إذًا فالإسلام غنًى ووحدةٌ وحبٌّ وهدايةٌ مِن الضلالة، وعزٌّ بعد الذُّلِّ، وقوةٌ بعد الضعف، لكنْ أيُّ إسلامٍ؟ هل هو الإسلام الكاذب والنفاق وإسلام تلاوة القرآن مِن غير فهم ولا عمل؟

حياة القلب بنور الله وحياة العقل بالحكمة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، سواء حياة القلب بنور الله، أو حياة العقل بالحكمة، أو الحياة العامة بالسعادة وبالصحة وبالغنى وبالاستقلال وبالقوة.. ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ)) 18 في بيعه وفي شرائه وحديثه.. في بعض الأوقات هناك كذبٌ لكنَّه لا يُؤذي، وهناك كذبٌ يضرُّ النَّاس في أموالهم وفي أعراضهم وكراماتهم ومصالحهم، وفي البيع وفي الشراء.. والمسلم لا يكذب، سألوا رسول الله ﷺ: “يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟” فأجابهم: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [النحل:105]19 .

مواضع جواز الكذب:

((لاَ يَحِلُّ الكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثةِ مَواضِعَ: كَذِبُ الرَّجُلِ عَلَى امرَأَتِهِ)) المرأة الرَّعناء التي تطلب مِن زوجها ويكون في عسرٍ، وهو غير قادر على تلبية طلباتها، وإذا قال لها: لا، فستُحوِّل حياته جحيمًا، فيقول لها: سأشتري لك، وهو يعلم أنَّه لا يستطيع، هذا كذب الرجل على زوجته، وبالعكس.. أتت امرأةٌ إلى سيِّدنا عمر رضي الله عنه، وفي حديث طويلٍ وقالت: أنا أُبغض زوجي يا أمير المؤمنين، قال لها: “وكيف تبغضينه؟” لأن بغض المرأة لزوجها حرام، وليس المراد البغض الداخلي، بل البغض الخارجي مِن الأعمال والمعاملات، فتُشاكسه أو تعصي أمره، أو تهجره أو تأبى عليه.

ثمَّ قال لها: إنَّ المرأة تعيش في عش الزوجية تحت ظل الإسلام والأنساب، فالتي تكون أصيلة ومِن نسب عالٍ تتحمَّل زوجها، وتصبر على أزمات زوجها المالية والأخلاقية، هذا إذا كانت أصيلةً في الحسب والنسب، [وإذا كانت أصيلة في] الإسلام، فإن الإسلام يهذِّبها ويروِّضها لتعيش مع زوجها في كلِّ ظروفه الحياةَ السعيدة لها وله.. الشاهد أنها لو قالت له: أحبكَ، وهي كاذبةٌ فلا بأس، وإنْ قال لها: أحبكِ، وهو غير صادق أيضًا لا بأس.. ((بَينَ الْمَرْأَةِ وَزَوجِها، وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ)) 20 ((فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ)) 21 إلى آخره.

الكذب حرام مهما قلَّ:

كان النَّبيُّ ﷺ ينهى عن الكذب، إلى درجة أنه ﷺ لـمَّا تزوج عائشة رضي الله عنها، وفي ليلة العرس كانت الضيافة هي الحليب، وكان حول النَّبيِّ ﷺ وحول السيدة عائشة رضي الله عنها بعض النساء مِن قريبات السيدة عائشة رضي الله عنها وقريبات النَّبيِّ ﷺ، فشرب النَّبيُّ ﷺ، وأعطى عائشة رضي الله عنها فشربت، وقال لها: ((نَاوِلِي الإناءَ لِصَوَاحِبِكِ)) يعني لرفيقاتك مِن النساء، فقلنَ: “نحن شِباعٌ يا رسول الله”، لا نشتهيه، فابتسم النَّبيُّ الكريم ﷺ وقال: ((لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا)).. إذا قال لكَ: تفضَّل، وقلت: لا أريد، فهذا كذب، أو قلتَ: أنا شبعان، فهذا كذب، فالنَّبيُّ ﷺ ما رضي بهذا، مع أن هذه الكذبة لا تضرُّ، لكنْ حتَّى يُفهِم مَن حوله أنَّ المسلم هو الذي لا يكذب مازحًا ولا جادًّا، لا في صغائر الأمور ولا في كبارها، فقالت إحداهنَّ ممَّن حضر عرس النَّبيِّ ﷺ: يا رسول الله إذا قالت إحدانا: لا نشتهيه، أَيُعدُّ كلامنا كذبًا؟ فقال النَّبيُّ ﷺ: ((إِنَّ الْكَذِبَ لَيُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً)) 22 تُسجَّل عليك في صحيفتك يوم القيامة، فكيف إذا كانت كلُّ كذبة منك بحجم الجبال، ألا تسجَّل؟ وكيف إذا كنتَ تكذب في البيع والشراء، وتخلف الوعد، وتغش وتُنكر وكذا..؟ إنه بسبب رشفة حليب وبِقَدْرِ نصف كأس وقلنَ: إنهنَّ شباع، وهنَّ جائعاتٌ، قال لهنَّ النَّبيُّ ﷺ: أنتنَّ جائعاتٌ، وفوق ذلك كذب أيضًا، يكفي جوع بلا كذب، أمَّا كذب وجوع.. فقالت: يا رسول الله إذا قالت إحدانا: لا أشتهي أَيُعدُّ كذبًا؟ قال: ((إِنَّ الْكَذِبَ لَيُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً)) هذه نصف كذبة، أو ربع كذبة، ولكن هي كلمة غير موافقة للواقع، إذًا هي كذب، لا كذبًا كبيرًا، بل كذب صغير.

ومرةً رأى ﷺ أمًّا تُنادي ابنها: تعال حتَّى أعطيك تمرًا، فسألها النَّبيُّ ﷺ: ((هَلْ تُرِيدِينَ حَقًّا أَنْ تُعطِيَهُ تَمرًا؟)) فقالت: نعم يا رسول الله، قال: ((لَوْ لَمْ تُرِيدِي أن تُعْطِيهِ شَيْئًا لَكُتِبَتْ لَكِ عِندَ اللهِ كذْبَةٌ)) 23 ، يا الله! هل هذا إسلامٌ أم ليس إسلامًا؟ لأنك إذا كذبتَ على طفلٍ فإنك تُعلِّمه الكذب، وتكون أنتَ مَدْرَسَة الكذب، فينشأ على الكذب.

ورأى النبي ﷺ مرَّةً امرأةً تُفلِّي أُختها أو أخاها مِن القمل، وكان القمل موجودًا في ذلك الزمن، لكنَّها كانت تُطقطِق بأظافرها كثيرًا، بشكل واضحٍ أنَّه ليس واقعيًّا، فسألها النَّبيُّ ﷺ: ((أَحَقًّا يُوجَد الكثيرُ مِن القَملِ في رَأسِه؟)) قالت: لا يا رسول الله، فقال لها: ((إنَّ اللهَ يُبغِضُ كَذِبَ الأَنامِلِ)) 24 ، أنتِ تكذبين برؤوس أصابعك، يا الله! يا الله! فكيف عندما يكذب الإنسان ليأكل المال الحرام! ويكذب ليفرِّق بين الأحبة والإخوان! ويكذب لأنَّه يُحب الكذب! ولأنَّه كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [النحل:105]، فعلى أيِّ حال ستموت؟ وعلى أيِّ حالة ستموتين؟ والنَّبيُّ ﷺ قال: ((كَذِبُ الأَنامِلِ))، وقال لصاحبة الحليب: ((إِنَّ الْكَذِبَ لَيُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبُ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً)) والأمُّ مع طفلها قال لها: ((لَوْ لَمْ تَرِيدي أنْ تُعْطِيهِ لَكُتِبَتْ لكِ عندَ اللهِ كذْبَةٌ)).

الكذب صفةٌ ملازمةٌ للمنافق:

يقول النَّبيُّ ﷺ: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا)) منافق يعني غير مؤمن، وهذا كلام النَّبيِّ ﷺ، وليس كلامي: ((مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ)) فكيف إذا كان الإنسان يكذب ليُلقي العِداء بين المتحابَّين! وليفرِّق بين الصَّديقَين! ولتفرِّق الأم بين الكَنَّة وزوجها، ولتفرِّق الكنّ ة بين الولد وأمِّه أو أبيه أو إخوته؟ [الكَنَّة: زوجة الابن] أليس هذا كذبًا؟ هذا كذب وإفساد، والشيطان صفاته الإفساد والتخريب، فكيف يجتمع كذب وإيمان، فإنْ ماتت هذه المرأة فهل تموت على الإيمان أم على النفاق؟

النفاق هو ادِّعاء الإيمان والإسلام قولًا باللسان لا عملًا ولا خُلُقًا ولا سلوكًا، قَدِّروا أنَّكم واقفين الآن بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وقد سألكم الله: هل أنتم مؤمنون أم منافقون؟ وأحضر لكم الفيلم والفيديو الإلهي، وفيه خمس مئة كذبة بالسَّنَة، وعددها لك، وكانت بالصورة والصوت والمكان ومع الإنسان وبالبيع والشراء وبالزواج وعند الخِطبة وبالإجار والاستئجار، يقول المستأجر لصاحب البيت: متى ما أردتَ البيت أسلِّمك إيَّاه، وهو يُضمر الكذب، ولا يريد أن يسلمه له، والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، فكيف وأنت منافقٌ، لأنَّه: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ واحِدةٌ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ))، ولو شربة حليب.. يقول لك: تفضَّل كُلْ، تقول: واللهِ أنا شبعان، هذه “شبعان” هل هي كذبة أو كذيبة؟ كذيبة، وهي نصف كذبة، ثم كذيبة ثانية، كم صارت؟ وبذلك يصير كاذبًا وتصير كاذبة، وإذا تكررت أيضًا يصير كذَّابًا وكذَّابة، مبالغة.. فهل تُعاهدونني على الصدق؟ لا تخجلوا مني الآن لأنه غدًا سيظهر الكذب أمام الله عزَّ وجلَّ.

الاعتياد على الصدق بالعزم عليه وقصة الإمام الشافعي:

إذا عزم الإنسان وصدق فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعينه، ويَصير يستلذُّ بالصدق، ويصير الصدق ينجيه ويُساعده، فمرة كان الإمام الشافعي في سفرٍ، وعندما أراد أنْ يودِّع أستاذه قال له: أوصني، قال له: لا تكذب، ومضى في سفره، وفي الطريق خرج للقافلة قُطَّاع الطرق، وصاروا ينهبون حتَّى وصلوا إلى الإمام الشافعي، فقالوا له: ماذا يوجد معك؟ وكان معه عشرون دينارًا، فقال لهم: معي عشرون دينارًا وهي تحت إبطي، كما هو الواقع، فتركوه ظنًّا منهم أنَّه يكذب عليهم ويمزح معهم، قال: فأنجاني الله بصدقي.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا صادقين مع الله في إسلامنا، وصادقين مع الله في تلاوتنا للقرآن، وصادقين مع الإسلام في الأخلاق الإسلامية، فلا نكذب ولو على طفل، ولو بشربة حليب.

((وَمَنْ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)) 25 ، يذكرون عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان في طوافه، فسأله أحد رجالات قريش في خِطبة ابنته، فما أعطاه وعدًا، لكنْ أعطاه ما يُشبه الوعد، وبعد ذلك بقليل مرض وحضرته الوفاة، فقال لِمَن حوله: اشهدوا عليَّ أنِّي قد زوَّجتَ ابنتي فلانة مِن فلان الفلاني، فإنَّه قد سألها مني وطلبها، فأعطيتُه شِبه وعدٍ في طوافي، فأخشى أنْ ألقى الله بثُلُث النفاق، لأني وعدتُه ولم أفِ بوعدي 26 .

أثر الإسلام في حياة العرب:

اليوم يقولون: نريد السَّلام، وهناك السَّلام الدولي والسَّلام الوطني والسَّلام للأسرة والعائلة وهناك سلام الأصدقاء ويوجد سلام البيع والشراء، فعندما يأتي الشاري إلى البائع هل يأتي مُظَلَّلاً بمظلة السَّلام أم يخاف أنْ يغلبه أو يغشه أو يكذب عليه؟ هذا ليس إسلامًا، الإسلام هو السَّلام، والإسلام هو السعادة، والإسلام كما ورد: “خَلَقْتُ الْخَلْقَ لِيَرْبَحُوا عَلَيَّ لَا لأَرْبَحَ عَلَيْهِمْ” 27 ، هل الربح بالإسلام الكامل والإيمان الصحيح، أم بالإيمان الكاذب والإسلام المريض؟

لـمَّا أصحاب رسول الله ﷺ أعطوا كلَّ أنفسهم للإسلام عقلًا وقلبًا وعملًا واستجابةً، هل كانوا خاسرِين أم رابحِين، منتصرين أم منهزمين، أقوياء أم ضعفاء؟ كيف كانوا بالإسلام وكيف كانوا قَبل الإسلام؟ وكما قال عمرُ لأبي عبيدةَ رضي الله عنهما لـمَّا أتى إلى القدس يخوض مخاضةً مِن الطين، ويقود زمام جَمَله بيده رأفةً بالجمل أنْ يركبه في مخاضة الطين، وعلى مرأى مِن عظماء الروم، فلمَّا خرج مِن مخاضة الطين قال له أبو عبيدة رضي الله عنه: ما هذا يا أمير المؤمنين أمام عظماء الروم؟ يعني جعلتنا نشعر بالذلِّ، فصكَّه، ما هو الصك؟ يعني اللَّكْمَة، قال: فصكَّه في صدره وقال له: “نَحنُ قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ” 28 ، أيُّ إسلام؟ إسلام العلم وإسلام العمل وإسلام التعليم وإسلام ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:104]، وإسلام الهجرة، الهجرة كانت مِن مكة للمدينة خمس مئة كيلومتر، وكانت فرضًا على المسلم كبيرًا أو صغيرًا وذكرًا أو أنثى وشابًّا أو شيخًا.

الهجرة أن تنتقل من دار الجهل إلى دار العلم:

أمُّ سلمةَ رضي الله عنها هاجرت وحدها، وهي امرأةٌ مِن مكة إلى المدينة خمس مئة كيلومتر في الصَّحارى والجبال والوهاد وقطَّاع الطرق والوحوش، ولماذا الهجرة؟ الهجرة لتنتقل مِن دار الجهل إلى دار العلم، ومِن دار الكفر إلى مدرسة الإيمان، ومِن المجتمع الجاهلي الفوضوي اللاأخلاقي إلى المجتمع الفاضل الأخلاقي الرباني، والآن الهجرة فرضٌ، ولا يلزمك أنْ تذهب خمس مئة كيلومتر فقط، بل ابحث عن مسجد تجد فيه: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، إذا جَمع المسجد هذه المعاني فهو الجامع، وإلَّا فهو مصلًّى، يقول النَّبيُّ ﷺ: ((وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا)) 29 ، فيمكن أنْ تصلِّي على ظهر “الباص” [الحافلة] وفي السينما.. ولكن هل الجامع للصلاة فقط؟ الجامع هو الذي تجد فيه مَن يعلِّمك الكتاب والحكمة ويزكِّي منك النفس.. اللَّهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنتَ خير مَن زكَّاها، أنتَ وليُّها وأنت مولاها.. ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ)).

التوبة من قراءة القرآن قراءة الغافلين وملازمة الذكر:

هل تعاهدونني على التوبة؟ ولكن هل تعاهدون كما تقرؤون القرآن قراءة من غير عمل أم معاهدة صادقة؟ يعني هل تُبنا مِن قراءة الغافلين للقرآن؟ اقرأ ولو سطرًا واحدًا.. ذَكَر لي شيخي المربِّي والمزكِّي رضي الله عنه أنه كان قبل أنْ يدخل مدرسة التزكية والتربية القلبية والروحية، وقد كان هو في الواقع مِن كبار العلماء، وكان مِن حفَّاظ كتاب الله تعالى، فلمَّا دخل مدرسة الشَّيخ المربِّي والمزكِّي قال: لـمَّا صافحني وصافحتُه لأخذ العهد.. يا الله! يا الله! ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرَّجالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ)) 30 .. فكان يقول لي: بمجرَّد أن صافحتُ شيخي وهو متَّجهٌ بقلبه إلى قلبي وبروحه إلى روحي شاهدتُ شيخي ونفسي متصافِحَين نعرج في السماء، وأنا أنظر إلى جسدَينا متصافِحَين على الأرض، ثمَّ في مرحلةٍ ما قال: امتزجت روحي بروح شيخي كما يمتزج الحليب بالماء، ثمَّ رجعا إلى هيكلهما، وبذلك تحقَّق اللقاح الروحي.. اللقاح الروحي هو كما إذا ألصقت الشجرة رديئة النوع بجزء مِن الشجرة جيدة النوع، فينقلب الرديء إلى الجيد، وهكذا النفوس والقلوب، و((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) 31 .

قال: ثمَّ هبط الجسدان الروحيَّان الأثيريَّان في قالبهما الجسدي، وفتح شيخه عينيه، وقال لشيخنا تلميذِه ومريده: هل رأيتَ كما رأيتُ؟ وكان شيخه يتكلم بالنحو، فقال: أنا رأيتُ لكنْ لا أدري ما رأيتَ! قال له: ماذا رأيتَ؟ فأخبره بما رأى، فقال له: ما رأيتَه صحيحٌ، ودخولك الخلوة اختياريٌّ إنْ شئتَ دخلتَ، وإنْ شئتَ فلا تدخل، ولكنْ اترك كلَّ أعمالك إلَّا الفرائض، وأشغل نفسك بقية الوقت بذكر الله عزَّ وجلَّ كما قال تعالى: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، فكان شيخنا يقول: كنتُ وأنا في داري أرى شيخي وهو في داره آكلًا شاربًا متكلِّمًا ومع ضيوفه، كما قال رسول الله ﷺ: ((كُنْتُ سَمْعَهُ فبي يَسْمَعُ، وَبَصَرَهُ فبي يُبْصِرُ)) 32 ، فيقول: ما قمتُ مِن مجلسي مع شيخي إلَّا وقد امتلأ قلبي حبًّا لله عزَّ وجلَّ وعشقًا، كالنَّار المحرِقة أحرقت في قلبي كلَّ ما سوى الله عزَّ وجلَّ، فإذا لم تَحدث هذه الطاقة الربانية فهذه النفس الأمَّارة بالسوء ستتغلب على علم الإنسان وعلى تلاوته للقرآن، لذلك كانت الصحبة والهجرة فرضًا، كي تتغذَّى النفس على مائدة رسول الله ﷺ بالعلم، ويتغذَّى العقل بالحكمة، والنفسُ بطهارتها وتزكيتها مِن رذائل الصفات والأخلاق.

أداء الأمانة وذم الخيانة:

((وَمَنْ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)) 33 سواء الأمانة في البيع أو في الشراء أو في الودائع، حتَّى في القول: ((الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ)) 34 ، فإذا تكلَّم أحدٌ معك بحديث يؤذيه أنْ تنشر حديثه أو تذكره لأحدٍ مِن النَّاس فذكرته، فإنك تكون قد خنتَ الأمانة، والمرأة في بيت زوجها أمينة، والزوج زوجته أمانة عنده، يقول النَّبيُّ ﷺ: ((أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ)) 35 ، فإذا استعرتَ شيئًا فالعاريَّة أمانةٌ، فإذا استعرتَ دابَّةً أو آلةً يجب عليك أنْ تستعملها استعمالًا لا يضرُّ بصاحبها ومالكها، حتَّى قال الفقهاء: إنك لو استعرتَ دابَّةً لتحمِّل عليها كيسًا مِن شعير لا يجوز أنْ تُحمِّلها كيسًا مِن حنطة، فإنَّك تكون قد خنت الأمانة، لماذا؟ قال: لأنَّ كيس الحنطة أثقل وزنًا مِن كيس الشعير.. يا الله! مجتمع يتخرَّج في مدرسة القرآن والإسلام هل يحتاج إلى محاكم أو شرطة أو سجون؟ هكذا كان المجتمع في زمن دولة القرآن، وفي زمن رسول الله ﷺ، وفي زمن أبي بكر رضي الله عنه، فلم يكن لديهم شرطة ولا سجون ولا قضاة، وقد بقي سيِّدنا عمر رضي الله عنه قاضيًا سنتين، وكان قد وظَّفه سيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه، فما أتى إليه ظالم ولا مظلوم، فهل استطاعت أرقى دول العالم بكل حضارتها وعلومها أنْ تصنع هذا الإنسان الرباني وهذا الإنسان القرآني؟ المسلمون اليوم يشوِّهون الإسلام بانتمائهم إليه، فيظنُّ غير المسلمين بأنَّ الإسلام هو ما عليه المسلمون، لكنَّ الواقع كما يقول الشاعر

طَلَعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللـ ـهِ وَقَالَ: العِبادُ قَد ظَلَمُونِي
يَتَسَمَّونَ بي وَحَقِّكَ لَا أَعرِفُ مِنهُمُ أَحَدًا وَلا يَعرِفُوني

ليس كلُّ كلام الشاعر صحيحًا، ولكنَّ الصحيح ما قاله النَّبيُّ ﷺ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُم، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)) 36 .

الوفاء بالوعد:

((وَمَنْ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)) 37 ومِن جُمْلَة عهدِ النَّبيِّ ﷺ أنه أُتي إلى النَّبيِّ ﷺ بثلاثة أسرى، وكان الأسير في زمانهم يصير رقيقًا، وكانت كلُّ دول العالَم تتعامل على هذا الشكل، فأَعطَى النَّبيُّ ﷺ اثنين منهما لبعض أصحابه، وبقي واحدٌ، وكان ﷺ قد وعد أحد أصحابه المسمَّى بأبي الهَيْثَان، وكان قد طلب مِن النَّبيِّ ﷺ عبدًا مملوكًا، فوعده إذا أتاه أنْ يعطيه، فأتت فاطمة رضي الله عنها -ومَن فاطمة رضي الله عنها؟ هي بنت رسول الله ﷺ- تطلب عبدًا يُساعدها في بيتها، وتشكو إلى النَّبيِّ ﷺ تقرُّح كفَّيها مِن حبل البئر والدلو للسقاية، ومن طحنها بِرَحَاها وطاحونة البيت، فيداها متشقِّقة ومتقرِّحة، والعبد الثالث موجود، فقال لها: ((لَقَد وَعَدتُ أَبا الهيثان بعبد إذَا أَتَانِي أَسرَى، فَمَاذَا أَفعَلُ بِوَعدِ أَبي الهيثان؟)) 38 ، يا الله! ومَن هو أبو الهيثان؟ هو أَحد المسلمين إذا قال له النَّبيُّ ﷺ: فاطمة بحاجة له، فسيقول له: أنا والعبد كلُّنا خدم لكم، هكذا كان النَّبيُّ ﷺ، وهو أول المسلمين في الوعد، وهو أول المسلمين في الوفاء بالوعد، وهو أول المسلمين في الصدق، وهو أول المسلمين في الأمانة.

حقيقة الإسلام ليس الاسم فقط:

فلنكن مسلمِين.. ومعنى الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وبمقدار ما تُخالف أوامر الله عزَّ وجلَّ تخرج مِن الإسلام بهذا المقدار، فأنتَ خارجٌ مِن الإسلام بكم مِن المئة؟ هل بعشرة وبقي معك تسعين؟ أم بعشرين وبقي معك ثمانين؟ أو خرج تسعون أو خمسة وتسعون أو تسعة وتسعون ولم يبقَ معك إلَّا الاسم، يجب علينا أنْ نتمثل بهذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8]، فإذا كانت توبةً نصوحًا ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم:8] أمَّا إذا كانت توبةً كاذبةً فهل يكفِّر عنكم سيئاتكم؟ لا، وإنْ كانت نصوحًا ﴿وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يَخْزِي اللهُ النَّبي وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم:8]، لم يخزِ الله عزَّ وجلَّ النَّبيَّ ﷺ في الدنيا ولا يخزيه في الآخرة، فقد كانت كلُّ معاركه انتصاراتٍ، إلَّا أُحُدًا فإنهم لـمَّا خالفوا أمر رسول الله ﷺ انهزموا، ولم يشفع لهم أنَّ النَّبيَّ ﷺ قائدهم، ولم يشفع لهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ شهد لهم بأنَّهم ﴿خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، فالقصة كما إذا حلَّلتَ الدم، وقال لك الطبيب: الكولسترول عندك مئة وعشرون أو مئة وثلاثون، فإذا أكلتَ قِشْطَةً زيادةً فسيزيد إلى مئتين وخمسين أو إلى ثلاث مئة، [القِشْطَة: ما يَتَكَوَّن على وجه الحليب] فهل تأكل قِشْطَةً ولا تهتم بصحتك؟ “يا شُهَدَا يا سُعَدَا” [مَثَل يُقال للذي يأكل بشراهة دون تفكير، ويشبهونه بمن يدخلون المعركة بشعار: إما شهداء وإما سعداء منتصرون]؟ وتحليل الله عزَّ وجلَّ أبلغ مِن تحليل الدم، فيجب أنْ نَصْدُق مع الله عزَّ وجلَّ، ونصدق مع القرآن، ونصدق مع أنفسنا، وهل المردود إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى رسول الله ﷺ أم إلى أنفسنا؟ واللهِ [لنرتقينَّ بين الأمم] إنْ رجع المسلمون الآن إلى القرآن الرجوع العلمي والفهمي والعملي والأخلاقي والسلوكي، ولا يكفي هذا، بل يجب أنْ يعلِّموا الآخرين ويعلموا الشعوب الأُخرى، وهذه الثقافة الإلهية لا تحقِّق السَّلام فحسب، بل تحقِّق السَّلام والإخاء والثروة والغنى والسعادة الجسدية والفكرية والنفسية والروحية والجسدية الأرضية والسماوية الروحانية الربانية.

اللَّهم اجعلنا مِن الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، واجعلنا اللَّهم هادِين مهدِيِّين، ولا تجعلنا ضالِّين ولا مضلِّين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ التحريم (1)، رقم: (4967)، صحيح مسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق، رقم: (1474)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ فَسَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ وَسَأَقُولُ ذَلِكِ وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ قَالَ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقَالَتْ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي)).
  2. تفسير الطبري (23/479)، سنن الدارقطني، رقم: (122)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وَكَانَ بَدْءُ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِ أَمِّ إِبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيَّةِ، أَصَابَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فِي نَوْبَتِهَا فَوَجَدت حَفْصَةُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتَ إليَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ، فِي يَوْمِي، وَفِي دَوْرِي، وَعَلَى فِرَاشِي. قَالَ: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا؟". قَالَتْ: بَلَى. فحَرَّمها وَقَالَ: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ". فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ الْآيَاتِ فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفَّر عَنْ يَمِينِهِ، وَأَصَابَ جَارِيَتَهُ.
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/ 2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، (12/ 468)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، (18/ 137)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
  4. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب /، رقم: (2499)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم: (4251)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».
  5. تفسير القرطبي (8/253)، قال ابن عباس: كانت التوبة على النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل إذنه للمنافقين في القعود دليله، قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة:43] وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه.
  6. مُصنف ابن أبي شيبة، باب في فكاك الأسارى، رقم: (33936)، أسباب النزول للواحدي رقم: (485)، ص: (242)، بلفظ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُسَارَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ خَلِّ سَبِيلَهُمْ، وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَقَالَ: اقْتُلْهُمْ، فَفَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ قَالَ: فَلَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ فَقَالَ: ((كَادَ أَنْ يُصِيبَنَا فِي خِلَافِكَ بَلَاءٌ)).
  7. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  8. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7447)، (6/43)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، (6/65)، مسند البزار، رقم: (6948)، (2/324)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه.
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ)، رقم: (8)، (1/12)، صحيح مسلم، رقم: (16)، (1/ 45)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)).
  10. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، (3/404)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، (6/ 163)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، (1/158)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفًا عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561) (4/921).
  11. سبق تخريجه.
  12. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137)، (4/ 289)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))، وفي مسند أحمد بن حنبل، رقم: (23489)، (38/474)، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه بنحوه.
  13. تفسير القرطبي (3/319)، بلفظ: ((أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بصدقات، فجاءه يهودي فقال: أعطني فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس لك من صدقة المسلمين شيء فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم﴾ فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاه]، وفي الدر المنثور للسيوطي (2/87)، بلفظ: أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج، قَالَ: سَأَلَهُ رجل لَيْسَ على دينه فَأَرَادَ أَن يُعْطِيهِ ثمَّ قَالَ: لَيْسَ على ديني، فَنزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم﴾.
  14. سبق تخريجه.
  15. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، رقم: (2702)، (4/2075)، عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، بلفظ: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))، وفي سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، رقم: (3815)، (2/1254)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  16. سبق تخريجه.
  17. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4075)، (4/1574)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، رقم: (1061)، (2/738)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ...)).
  18. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (34)، (1/21)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق رقم (58)، (1/78)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)). وفي رواية أخرى في صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (33)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)).
  19. مساوئ الأخلاق للخرائطي، رقم: (127)، ص: (69)، تاريخ ابن عساكر، (27/241)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَلْ يَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ». قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «لَا». ثُمَّ أَتْبَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل:105]
  20. سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في إصلاح ذات البين، رقم: (1939)، (4/331)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لاَ يَحِلُّ الكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ، وَالكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ))، وفي سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، رقم: (4921)، بلفظ: «عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا، الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، يَقُولُ: الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا».
  21. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، رقم: (2866)، (3/1102)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، رقم: (1102)، عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْحَرْبُ خَدْعَةٌ)).
  22. سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب عرض الطعام، رقم: (3298)، (2/1097)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث أسماء بنت عميس رضى الله تعالى عنها، رقم: (27511)، (6/438)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نِسْوَةٌ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلاَّ قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ، قَالَتْ: فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ فَاسْتَحْيَتِ الْجَارِيَةُ فَقُلْنَا: لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْهُ فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ فَقُلْنَا: لاَ نَشْتَهِيهِ فَقَالَ: ((لاَ تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا))، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنْ قَالَتْ إِحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيهِ لاَ أَشْتَهِيهِ يُعَدُّ ذَلِكَ كَذِبًا قَالَ: ((إِنَّ الْكَذِبَ يُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً)).
  23. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في التّشديد في الكذب، رقم: (4991)، (2/716)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (15740)، (3/447)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ».
  24. مسند الفردوس للديلمي، عن عائشة، رقم: (6474)، (4/153). عن عَائِشَة رضي الله عنها، بلفظ: ((مهلًا يَا عَائِشَة أما علمت أَن هَذَا من كذب الأنامل))، وفي البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، رقم: (1599)، (2/238)، بلفظ: ((مهلًا يَا عَائِشَة أما علمت أن هذا من كذب الأنامل))، قال: أخرجه أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، سببه: ((قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أفلي رأس أخي عبد الرحمن وأنا أقطع أظفاري على غير شيء فقال مهلا فذكره)).
  25. سبق تخريجه.
  26. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (6/143)، تفسير الثعالبي (5/75)، بلفظ: عن عبد الله بن عمرو أن أباه لما حضره الموت قال: "زوّجوا فلانًا فإني وعدته أن أزوجه، لا ألقى الله بثلث النفاق"، قال: قلت: "يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقًا وثلثاه مؤمنًا؟" قال: "هكذا جاء الحديث".
  27. قوت القلوب للمكي، (1/366)، الرسالة القشيرية (1/265)، بلفظ: ((وقيل: أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد قل لَهُمْ إني لَمْ أخلقهم لأَرْبَحَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا خَلَقْتُهم لِيَرْبَحُوا عَلَيَّ))، وفي تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (97)، بلفظ: «يَأْتِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِلَى جَهَنَّمَ فَيَقُولُ هَذَا فِدَائِي مِنَ النَّارِ فَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِ إِنَّمَا خَلَقْتُ الْخَلْقَ لِيَرْبَحُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَخْلُقْهُمْ لأَرْبَحَ عَلَيْهِمْ».
  28. المستدرك للحاكم، رقم: (207)، (1/130)، بلفظ: ((عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة: "يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك" فقال عمر: أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنَّا كنَّا أذلُ قومٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ"، وفي مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34539)، (13/41)، بلفظ: "إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَلَنْ نَبْتَغِيَ الْعِزَّةَ بِغَيْرِه".
  29. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التيمم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((جعلت لي..))، رقم: (328)، (1/128)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، رقم: (521)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)).
  30. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم: (100)، (1/50)، صحيح مسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، رقم: (2673)، (4/2058)، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).
  31. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، (2/675)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، (4/589)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398) (2/ 334)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، (7/ 55)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  32. نوادر الأصول في أحاديث الرسول للحكيم الترمذي (1/ 193)، بلفظ: ((إذا أحببت عبدي كُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ويده ورجله فبي يسمع وبي يُبْصِرُ وبي ببطش وبي ينطق))، وفي صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137)، (5/2384)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)).
  33. سبق تخريجه.
  34. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، رقم: (4869)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (14734)، (3/342). عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ: سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ، أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ، أَوْ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)).
  35. صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (1218)، سنن أبي داود أول كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (1905)، سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (3074)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)).
  36. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي، رقم: (6881)، (6/ 2667)، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي، رقم: (1920)، (3/ 1523)، عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)). واللفظ لمسلم.
  37. سبق تخريجه.
  38. إحياء علوم الدين (3/133)، التماس السعد في الوفاء بالوعد للسخاوي ص: (84)، رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان وعد أبا الهيثم بن التيهان خادمًا فأتى بثلاثة من السبي فأعطى اثنين وبقي واحدًا فَأَتَتْ فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطْلُبُ مِنْهُ خَادِمًا وَتَقُولُ أَلَا تَرَى أَثَرَ الرَّحَى بِيَدِي فَذَكَرَ مَوْعِدَهُ لأبي الهيثم فَجَعَلَ يَقُولُ: ((كَيْفَ بموعدي لأبي الهيثم))، فآثره به عَلَى فاطمة لِمَا كَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْ مَوْعِدِهِ لَهُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُدِيرُ الرَّحَى بِيَدِهَا الضَّعِيفَةِ. وحديث الوفاء بالوعد لأبي الهيثم ورد عند الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (2369)، من حديث أبي هريرة وليس فيها ذكر لفاطمة.
WhatsApp