تاريخ الدرس: 1992/07/24

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:32:43

سورة الحديد، الآيات: 22-24 / الدرس 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الميامين المجاهدين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

جميع أعمالنا وشؤوننا في علم الله الأزلي:

نحن في تفسير بعض آياتٍ مِن سورة الحديد، يقول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ [الحديد:22] مِن جفاف أو صقيع أو خسف أو زلازل أو نكبات ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ [الحديد:22] من مرض أو فقر أو فَقْدِ أحباب ومصائب متنوعة ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] يعني إلا سبق عِلمُنا بها.. يُعبَّر عن عِلم الله عزَّ وجلَّ بـ”الكتاب”، فالعلم في الكتاب لا يزول ولا يُمحى مهما تقادم عليه الزمن.

﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] مِن قَبْلِ أن نبرأ ونخلق المصيبة في الأنفس أو في الأرض أو في أي ناحيةٍ مِن النواحي، فقد سبق عِلم الله بها، سواءٌ مصيبة في النفس أو في المال أو في الولد أو في الأرض أو في الملك، قال: ﴿إنَّ ذَلِكَ [الحديد:22] علم الله بالأمور أزلي وقديم مِن قبل أن يخلقك ومن قبل أن يخلق السماوات والأرض، وهو في علم الله وكتابه المحفوظ.. إنّ كتابنا من الورق والكرتون والتجليد، والله تعالى لَمَّا سمَّى عِلمه “الكتاب” خاطَبنا بلغتنا الدنيوية، ولكنْ كل ما خَطَر في بالك مِن ذات الله وصفاته فالله بخلاف ذلك، ورد في الحديث مثلًا: ((وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ تَرَدُّدِي في قَبضِ رُوحِ عَبديَ الْمُؤْمِنِ)) تردُّدنا معروفٌ، لكن تردُّد الله عزَّ وجلَّ ليس مثل تردُّدنا ((يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)) الإساءة إليه ((ولا بُدَّ لَه مِنهُ)) 1 .

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ التي ترى فيها ضررًا أو حزنًا أو خسارةً أو مرضًا أو أَلَمًا تسوؤك بإصابتها لك ﴿فِي الْأَرْضِ في أموالك أو في زراعتك أو في بنائك أو في مصنعك ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ [الحديد:22] فقد يفقد شخص بصره، والآخر سمعه، والآخر صحته، والآخر راحته، أو تزداد عليه الآلام، قال: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ قالوا: سبق عِلم الله عزَّ وجلَّ بها قبل أن يخلق الأرض بخمسين ألف سنة ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ أي علمُ الله بما سيقع في ما سيأتي مِن الزمان والمستقبل بالنسبة لك أيها الإنسان هو في كتاب الله المحفوظ وفي علمه الذي لا يزول ولا يتغيَّر، ﴿إِنَّ ذَلِكَ علمُ الله بهذه الأمور ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:22-23] يعني أَخبَرَناكم وأَعلَمَناكم بهذه الحقيقة التي ستعيشون في دنياكم تحت ظلالها وفي دائرتها، ولا يمكن الخروج عنها، لماذا أخبرناكم؟ قال: لأن الله يُحبُّنا كثيرًا، ونحن غالون عليه كثيرًا، ومن محبته ورحمته بنا يقول عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِئَةَ رَحْمَةٍ))، الإنسان يرحم، هل الأب رحيم أم لا؟ الأم رحمتها أبلغ، والله تعالى أرحم الراحمين، قال: ((فَبِهَذِه الرَّحمةِ تَرفَعُ الفَرَسُ حافِرَها عَن فُلوِها ومُهرِها))، والأمُّ تسهر الليالي ولا تجد تبرُّمًا ولا غضبًا على رضيعها، ((وادَّخَرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ لِعِبادِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) 2 ، وَيُضِيفُ إلَيها رَحمةَ الدُّنيا، يَرحَمُكُم بها في دارِ البَقاءِ.. فما أعظم حنان الله! وما أعظم محبة الله لك أيها الإنسان! لقد خرجت إلى الدنيا والله يعلم أنك تحتاج إلى عيون، فأعطاك عينين لا واحدة، ولو كنت من غير عيون لطلبت أي عين تبصر بها، ولو كانت عين جرذ أو عين بقرة، ولو كانت إحداهما عين بقرة والثانية عين جرذ فكم سنكون مشوَّهين؟ ولو أعطاك للسمع أذن قطة أو كلب أو الذي ينهق [يعني الحمار].. ولكن الله أعطى من نفسه دون طلب فضلًا وكرمًا وحبًّا وحنانًا.

المُشْمُش يكفينا منه نوع “الكلَّابِي” [نوع رخيص من المشمش]، وهو كثير علينا، [هو كثير علينا: مصطلح عامّي، بمعنى أننا أقل وأحقر من أن نستأهل هذا الشيء] ولكن الله خلق لنا عشرين نوعًا، ومِن التين كان يكفي الذَّكَر، لأن إيماننا ذَكَر [التين الذَّكَر يبقى صغيراً ويقسو ولا يصلح للأكل، وليس منه ثمر ولا فائدة ولا نتيجة، وكذلك إيماننا عقيم ولا يثمر العمل الصالح].. ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18] ومِن نِعَمه أن يُعْلِمَنا ما غاب عنَّا، ولا تُدركه عقولنا، ومِن جملتها القضاء والقدر الذي هو ركن ركين، كما أن الصلاة والزكاة والصوم مِن أركان الإسلام، كذلك الإيمان بالقضاء والقدر مِن أركان الإيمان، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107] آمنوا بالله وحدانيةً وبصفاته وعظمته وقدرته.. إلخ، وملائكته، وبعد ذلك قال: واليومِ الآخر، وبعده قال: والقدرِ خيرِه وشَرِّه 3 .

الإيمان بالقضاء والقدر:

ما معنى الإيمان؟ إذا آمنتَ بالصلاة فهل ترضى بها أو تسخط منها؟ ترضى بها، وإذا آمنتَ بالنبي ﷺ فهل تقبله أم ترفضه؟ تقبله، وإذا آمنتَ بالملائكة فهل تحبُّهم أو تعاديهم؟ وكذلك إيمانك بالقضاء والقدر، فالإيمان يقتضي القَبول، ويقتضي الحب، ويقتضي الرضى، كما إذا مات ابنك، أو خسرتَ مالك، أو مات أحبابك، أو حدثتْ كارثة في معملك أو في مصنعك، أو حدث صقيع على مزروعاتك، أو فقدتَ عينيك، أو فقدتَ بالشلل نصف جسدك، وهذه الأمور يعيشها الإنسان طول حياته، وكثير مِن الناس ممَّن لا إيمانَ لهم بالقضاء والقدر يَفقد ابنه، أو يخسر ماله، أو يحدث حريق في داره أو معمله، أو خسارة في تجارته، فيُصاب بالشلل مِنَ الهم والحزن والكدر والكآبة، والثاني يصاب بالعمى، والثالث يفقد كِليتيه، والآخر تصيبه جلطة في القلب أو في الدماغ.

ومِن رحمة الله عزَّ وجلَّ أنه علَّمنا، وثقَّفنا ثقافةً لتكون لنا درعًا تُدافع عنا ضد هذه الأعداء المهاجمة التي هي مِن طبيعة وجودنا على هذا الكوكب المسمى بالأرض، لماذا دعانا إلى الإيمان بالقضاء والقدر؟ ولماذا أمرنا به؟ ولماذا جعله جزءًا مِن الإيمان؟ وإذا لم يكن عندك إيمان بالقضاء والقدر فأنت إذًا كافر بالقضاء والقدر.

فما سبق علم الله به في أزله قَبل أن يخلقك ويخلق الدنيا لا بد مِن وقوعه، وليس معنى وقوعه بأنَّ الله ألجأك وفرض عليك وألزمك، فإذا وقعت في النهر فليس معنى ذلك أنَّ الله هو الذي دَفَعك مِن ظهرك وألقاك في النهر؟ لا، بل أنتَ ما استعملتَ عينيك، وما استعملتَ قدمك لتَمَسَّ [وتفحص] مدى تحمُّل موطئ القدم، وهل سيحدث انزلاق أو لا، فوقعتَ في النهر بتفريطك، ووقعتَ في المرض بسبب عدم عنايتك بصحتك، وباختيارك وبإهمالك، وصرت فقيرًا بكسلك، نعم هذا قضاء وقدر، ولكن الله عزَّ وجلَّ ما فرض عليك أن تكون فقيرًا، بل أنت سلكتَ طريقًا أهملتَ فيه طاقاتك وأوقاتك وشبابك، فوقعتَ في الفقر، ولكن الله عزَّ وجلَّ ما فرض عليك الفقر وما أجبرك عليه، وهذا عقيدة خاطئة، كما شاع بين الناس: “كاسات معدودة في أماكن محدودة”، [كاسات: أي كؤوس، وهي جمع عامّي لكأس، والمقصود هنا كؤوس الخمر] إذ يعتقدون أن الله تعالى فرض عليه وأكرهه وأجبره أنْ يشرب الخمر مثلًا، وهذا يعني أنّ الله فتح له الخمارة، وساق له بائع الخمور، وأتى له بالكأس، وملأه له، ثم ربطه، وألقاه على ظهره، ووضع القُمْع في فمه [القُمْع: أداة لسكب السوائل في إناء له فمٌ صغيرة، كالقارورة وماشابه].. ثم يقول: أنا لا دَخْل لي، [لا دَخْلَ لي: مصطلح عامي، بمعنى لا علاقة لي بذلك ولا ذنب لي] ويقول: هكذا أراد الله لي.. فلو كان الله تعالى يريد أنْ تشرب الخمر لَمَا حرَّمه عليك، ولو كان يُريد لَفرضه عليك، فكم حَدَث مِن تحريفٍ لفهم معاني الإسلام!

ولذلك فإنه بهذا التحريف لفهم معاني الإسلام تخلَّف المسلمون وضعفوا وافتقروا وذَلَّوا، حتى صاروا أضعف أمم الأرض وأجهلهم وأفقرهم، وحتى سُمِّينا بالعالم الثالث أو العالم النامي، العالم النائم والعالم المتخلف.

والآن فئة مِن اليهود سمَّوهم حُثالة وشُذَّاذَاً، فكيف ننهزم أمامهم؟ كم هذا تحقير لنا؟ إذا قلنا عن عدونا: هذا صرصور أو خنفساء أو ذبابة، ثم غلبنا هذا الصرصور أو هذه الذبابة أو الخنفساء.. هذا معناه أننا دون ذلك.. فنحن نتكلم فيما لا نفهم ولا نعرف.

الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الجبر والإكراه:

“أتى رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام” أتاه بهذا الفهم الجاهلي -ففي الجاهلية كان يوجد فيهم بقايا مِن دِين إبراهيم عليه السَّلام، منها ما هو محرَّف وما هو مَلْغي وما هو باقٍ كغسل الجنابة- “فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ”.. “كَتَب” [بالمفهوم الإسلامي] بمعنى عَلِم، لا بمعنى فرض وأوجب وأجبر.. هل فهمتم؟ “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ”، وهو يقصد أنه أجبرني وأكرهني وألزمني، والحقيقة أنَّ معناها: عَلِم الله منه، وقَدَّرَ وقوعها له.. وقَدَّرَ بمعنى عَلِمَ، ولكن في وقت الوقوع.. فالعلم قَبل الوقوع هو القضاء، والعلم عند الوقوع هو القدر.. “فجعل رِزقي” يعني رزقي لا يأتي ولا أعيش إلا “بِضَرْبِ كَفِّي على دُفِّي” يعمل رقَّاصًا ومغنِّيًا، “فائذن لي” بما أنَّ الله خلقني هكذا.. يوجد أشياء لك فيها اختيار وإرادة، وأشياء ليس لك فيها اختيار ولا إرادة، فما لا إرادةَ لك فيه ولا اختيار لا تُؤاخذ عليه، كما لو كنتَ مُكرَهًا، فلا يوجد لك إرادة، أو كنتَ نائمًا، وطلعتِ الشمس، وذهب الوقت، وليس لك إرادة، فلا تُوجد مؤاخذة، أو أخطأتَ دون قصد فلا تُؤَاخذ، كما قال النبي ﷺ: ((رُفِع عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ)) يعني المؤاخذة على الخطأ ((وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) 4 .

قال هذا الرجل للنبي ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ” يعني هو يُريد رخصةً ليرقص ويغني.. إنّ الإسلام دِين الحياة، ودِين الإنتاج، ودِين الجِدِّ، ودِين القوة، ودِين الثروة، ودِين الإتقان، يعلو ولا يُعلى عليه، ولما فقهوه -وهم أُمِّيِّون بالقراءة والكتابة، لا يقرؤون ولا يكتبون، وليس لهم كتاب إلا كتاب واحد، وهو القرآن، ومعلم واحد- صاروا خير أمة أُخرجتْ للناس، ونحن على الرغم مِن كتاباتنا وكتبنا ومؤلفاتنا ما زلنا إلى ورا إلى ورا.

زَمانُنا هذا هوا
وأَهلُه كما تَرَى

وكُلُّهُم وَجُلُّهُم
إلى وَرا إلى وَرا

إنْ شاء الله أنتم لا تكونون هكذا، وإن شاء الله إلى الأمام إلى الأمام. [إن شاء الله: تُستَخدَم في العامية السورية في بعض الأحيان وفي مثل هذا الموضع بمعنى: “بمشيئة الله أو بإذن الله” ويكون فيها تَمَنٍّ ودعاء، فيكون المعنى: أرجو الله أن لا تكونوا هكذا، وتكونون بإذنه تعالى إلى الأمام وإلى الأمام].

قال: “فأْذَن لي في الغناء، لكن في غير فاحشة”، قال له: ((كَذَبْتَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ)) هل “كتب الله” بمعنى “فَرَضَ الله”؟ هل أجبره الله على المعصية؟ ((إنَّ اللهَ خَلَقَ لَكَ رِزقًا حَلالًا طَيِّبًا مُبارَكًا)) وعملًا شريفًا طاهرًا مُبارَكًا، فهناك مئة ألف صنعة، ((فَاختَرتَ))، هنا الشاهد، “فاخترتَ”: أردتَ ورغبتَ، مع أنَّ الله حرَّم عليك.. بعض الناس تأتيه الأموال وتأتيه الفرص في الحياة فيضيِّعها، فيصير فقيرًا، واللهُ ما أراد له الفقر.. لَمَّا كان الصحابة في مُفاوَضة في بعض المعارك مع الفُرس، قال قائد الفرس لقائد المسلمين: لماذا أتيتُم؟ قالوا: “جِئنا لننقذ العِباد مِن عِبادة الإنسان للإنسان إلى عِبادة الله الواحد، ولننقل الناس -هنا الشاهد- مِن ضيق الدنيا إلى سَعَتها” 5 ، وهذا معنى ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]، افتقروا باسم الدين، وباسم العلم، وباسم الجهل، وباسم الفقر، وباسم الضعف.

النبي ﷺ يقول: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) 6 ، والناس يقولون: المؤمن الضعيف خير.. المؤمن الغني خير مِن المؤمن الضعيف، وذلك في المال وفي العلم وفي الفكر وفي العمل.. فالشاهد قال له: ((كَذَبْتَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، إنَّ اللهَ خَلَقَ لَكَ رِزْقًا طَيِّبًا مُبارَكًا، فَاخْتَرْتَ)) بإرادتك، فلم يُجبرك أَحد، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ [الأعراف:28]، وإذا كان لا يأمر فهل يُجبِر؟ هل يسلبك إرادتك ويضعك في الخمارة، ويقول للناس: كَبِّلوه وكَتِّفُوه [اربطوه] وضعوا القُمْع في فمه، وشَرِّبوه الخمر؟ لو كنتَ بهذه الحالة فإن الله لا يُؤاخذك لأنك فَقَدتَ الاختيار، ((فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَانَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مِنْ حَلَالِهِ، وَلَئِنْ عُدَّتَ إلى مَقالَتِكَ مَرَّةً أُخرَى لَأَجعَلَنَّكَ نَكَالًا لِلنَّاسِ)) 7 ، يعني سأُعاقبك عِقابًا يكون تربية للتائهين.

إخواننا الضيوف تفضَّلوا إلى هنا. [في هذه اللحظة دخل بعض الضيوف لحضور الدرس في المسجد، فرحب بهم سماحة الشيخ ودعاهم ليكونوا في الصفوف الأمامية]

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر:

كما أنه في قصة أُخرى أُتي بشارب خمر إلى سيدنا عمر أو سيدنا علي رضي الله عنهما فقال: ما هذا يا عدو الله؟

أمريكا في سنة تسع مئة وعشرين (1920م) شرَّعت قانونًا بتحريم الخمر، واستمر إلى سنة تسع مئة وأربع وثلاثين (1934م)، أربع عشرة سنة، فازداد شرب الخمر، وصارت مصانع الخمر تصنعه مِن أشياء ضررها أكبر مِن ضرر خمر العنب، فرأتْ أنه بالتحريم عجزتْ، وانتقل الناس إلى ما هو أسوء، فألغتِ القانون، ورضيتْ بشرب الخمور، لأنها ما استطاعتْ تحريمه، أمَّا في التربية الإيمانية بالمدينة المنورة فبعد أُحُد بأسبوعين، لَمَّا قال الله تعالى لهم: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] كُسّرت الجرار حالًا، وصارتِ الأَزقَّة كالسواقي تَسيل الخمور فيها وانتهى الأمر.. ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قالوا: انتهينا يا رب! وإلى الآن وبعد خمسة عشر قرنًا والمجتمع الإسلامي منتهٍ مِن المسكرات ومِن المخدرات، فما أعظم خسارة المسلمين وخسارة العالَم بجَهلهم الإسلام في فُروعه وأصوله وعقائده الإيمانية!

فلمَّا أُتِيَ بالسكران إلى سيدنا عمر أو سيدنا علي رضي الله عنهما قال له: ما هذا يا عدو الله؟ قال له: القدر يا أمير المؤمنين.. على المفهوم الخاطئ المحرَّف، يعني أن الله بالقدر أجبرني على أن أشرب، قال له: القدر؟ قال له: نعم، قال: إذن أعطوني العصا، قال له: القدر يا أمير المؤمنين، قال له: نعم، سأُجيبك بعد قليل، فبعدما جلدوه قال له: وهذا قَدَرٌ، هذه قَدَرٌ هذه، ألا تؤمن بالقدر؟ هل تُؤمن بالأُولى ولا تؤمن بالثانية؟ قال له: “هذه قَدَرُ هذه” 8 .

فالمسلم يجمد هنا.. وقد دخلت أشياء ليست من الإسلام على كثير مِن العلماء، لا في القَدَر فقط، بل في أمورٍ كثيرةٍ وكثيرةٍ، حتى أنني أدركتُ أنه كان الشافعي لا يُصلي خلف الحنفي، هل هذا هو الإسلام؟ ((صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ)) 9 .. وأمور أخرى لا مجال لبحثها الآن.

فمن أركان الإيمانِ الإيمانُ بالقضاء والقدر، وما هو القضاء؟ هو عِلم الله الأزلي قَبل أن يخلقك ويخلق الدنيا بخمسين ألف سنة، يَعلم أنك ستفعل كذا وكذا بمحض إرادتك، وبمحض رغبتك، بل إنك تُهيِّئ الأسباب، فإن تُعاشر وتُصاحب وتُجالس الأشقياء فإنك ستشقى، وإن تُعاشر الأبرار والأخيار فإنك ستكون منهم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه)) 10 و((الْجَلِيس السَّوْءِ إما أنْ يُحرِقَكَ بِنارِهِ، أو يُؤذِيَكَ بِشَرارِه، أو تَشمَّ مِنه رَائِحَةً خَبِيثةً)) 11 ، فتقع في الزنا أو في المعصية أو في الفسق أو في غضب الله أو في سخط الله.. فالقضاء والقدر ليس معناه أنَّ الله أجبرك، بل أنتَ أتيتَ بالأسباب والشرائط والمقدِّمات، وقد علم الله في عالَم الأزل مِن قَبل أن يخلقك أنه سيكون مسلكك هذا السلوك.

مقتضى الإيمان بالقضاء والقدر:

والقدر عِلْمُ الله تعالى بعَمَلِك عند تنفيذه منك بطلبك وبإرادتك واختيارك، وعِلمُ الله بأعمالك قَبل وقوعها في عالَم الأزل هو القضاء، والعِلم الثاني عند وقوعها هو القدر، فالإيمان بالقضاء والقدر مِن أركان الإيمان، وعندما تؤمن أن هذه أفعى ما مقتضى هذا الإيمان؟ هل أنْ تضعها على شفتك، وتمص شفتها؟ أو أن تضعها “كرافة” [ربطة عنق] وتلفها على رقبتك وتجعل ذنبها للأسفل؟ أو أنْ تجعلها “عقالًا” أو عمامة تضعها على رأسك؟ [العقال أو العكال حيث الكاف تلفظ كالجيم المصرية، وهو ما يكون ملفوفاً على شكل حلقة كبيرة يضعه الرجال على رؤوسهم، وعادة ما يلبسه أهل الخليج العربي] بل الإيمان بأنها قاتلة هو الاجتناب، وحين يُعطيك شخصٌ صُرَّة مِن ذَهَبٍ، وتعرف أنها ذهب، وتؤمن بها، ماذا تفعل؟ هل تقول له: عفواً، أخاف أن تلدغني؟ هل تقول هذا؟ فالإيمان يوجب العمل، أمَّا إذا كان إيمانٌ لا يُوجب العمل فيكون الإنسان مِن فئة: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41]، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا بالقول آمنوا، وفي العمل: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ما الحكم الإلهي فيهم: ﴿وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ [النور:47].

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22] ما معنى كتاب؟ أي في عِلم الله عزَّ وجلَّ الأزلي القديم ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا أي هذه المصيبة مكتوبة مِن قبل أن تقع، سواء في المال أو في النفس أو في الأرض أو في أي شيء، ﴿إِنَّ ذَلِكَ أي العلم الأزلي الإلهي بما سيقع ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] الآن العلم عن الطريق العين، أو عن الطريق الأُذن، أو عن طريق القراءة، أمَّا الله عزَّ وجلَّ فعِلمه غير عِلمنا.. قال: أخبرناكم بذلك، وطلبنا منكم الإيمان بذلك، لماذا؟ هل لأجل منفعة الله أو زيادة غناه؟ قال: لا، بل أوجبنا وفرضنا عليكم الإيمان بهذا حبًّا فيكم ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23]، إذا خسرتَ، أو ماتت زوجتك أو ابنك أو أخوك أو فقدت مزرعتك أو جاهك أو وظيفتك أو سمعك أو بصرك.. قال: حتى تؤمن بالقضاء والقدر وأنَّ هذا لا بدَّ منه، فإذا كان شيء لا بدَّ منه كما إذا حَصَل بردٌ في الشتاء فهل تَزْعَل مِن البرد؟ لا، لا تستاء، لماذا؟ لأنه لا بدَّ منه، وإذا كنتَ مصابًا بالرَّمَد وطلعتِ الشمس هل تزعل مِن الشمس؟ لا، ويمكنك أن تضع منديلًا حتى لا تؤذيك، فهذا شيءٌ لا مفرَّ منه، ولكن عليك أن تعمل الوسائل لتلطيفه ولتخفيفه وتخفيف أثره عليك.

قال: أخبرناكم بذلك كي لا تزعلوا.. فبعض الناس بسبب المصيبة يُصيبه مرض السكر، والآخر يصيبه جلطة، والآخر تتعطل كِليَتاه، والآخر يُصاب بالفالج، والآخر يعمى، والآخر يجنُّ، والآخر يُصاب بمرض الهستريا.. وهل ما فَرَضه الله عزَّ وجلَّ علينا هو لمصلحتنا أو لمصلحته، لسعادتنا أو لسعادته، لمنفعتنا أو لمنفعته؟ كل ما فرض الله عليك مِن إيمان أو عمل أو خُلق كلُّه كما ورد: “خَلقْتُ الخَلْقَ لِيَربَحُوا عليَّ لا لِأَربَحَ عَلَيهِم” 12 ، ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

وهناك شيءٌ ليس لك اختيار فيه، فمثلًا خَلَقكَ الله تعالى ذكراً، وهذا ليس لك اختيار فيه، أو خلقكِ أنثى، وهذا لا اختيار لك فيه، أو خَلَقك جميلًا -وهذه فتنة، إذ يمكن أن تقع بسببها في شقائك وتعاستك التي تُغضِب الله منك، لأنك تُشْقِي نفْسَك، فلو خَلَقك قِطًّا لكان أفضل لك، لأنه لا أحد يلتفت إليك، ولا أحد يعشقك.. أحد الأشخاص كان مريضًا، مات مِن عشرين سنة، وكان يبيع قطع موقد الكاز، وكان أعمى، هل تذكرونه؟ مرة قال لي: يا شيخي الحمد لله، الحمد لله أنني أعمى، قلت له: لماذا؟ قال: يا شيخي أسمع أنَّ النساء في الطرقات صِرنَ مُتكشِّفات مُتهتِّكات سافرات مُتبرِّجات تَبرُّج الجاهلية الأُولى، قال لي: ما الذي يُدريني لو كانت عيوني مُفتَّحة أن أقع في الحرام، أو في نار جهنم، فالحمد لله الذي جعلني أعمى.. سبحان الله! أليس هذا مِن الفقه في الدِّين؟ ونحن ما أحوجنا إلى هذا الفقه!

مرة أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام رجل أسود مثل الفحم.. ولا فرق هنا بين السواد والبياض؟ هناك عِنبٌ أسود وعنب أبيض أيهما أطيب؟ التين متى يطيب حين يكون أبيضاً أم أسوداً؟ هل الباذنجان الأبيض أحلى أم الأسود؟ الحَمَام الأبيض والأسود هل يوجد بينهما فرق؟ لم يكن الرجل أسوداً فقط، بل يداه متعاكستان أيضًا، وقدماه متعاكستان، وأحول العينين، واللعاب يسيل مِن فمه، يعني ليس من خصلة مِن الخصال المعيبة في الخَلْق إلا موجودة فيه، قال له: يا رسول الله علِّمني الإسلام، فعلَّمه وعلَّمه.. ولَمَّا انتهى قال له: “أُشهدك على نفسي أن لا أؤدِّي لله إلَّا ما فَرضَه عليَّ”، أمَّا النوافل فلا أؤديها، يعني أصلِّي صلاة الفرض فقط، ولا أصلِّي السُّنَّة، وأصوم رمضان فقط، ولا أصوم غيره، وهكذا بقية الفرائض، قال له: لماذا؟ قال: “لأنه خَلَقَني فشوَّه خَلْقي”، فهل أصلِّي له النوافل؟ وبما أنه عمل معي هكذا فسأعمل معه هذا.. هذا عقله قليل: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] ما عرفنا أفضال الله حق المعرفة.. على كلِّ حال فالنوافل ليست فرضًا بل هي اختيارية، قال: فما مشى خطوات إلا ونزل جبريل الوحي عليه السَّلام على النبي ﷺ، فلمَّا انقضى الوحي قال ﷺ: ((رُدُّوا عَليَّ الرَّجُلَ))، فقال له: ((إِنَّكَ عَاتَبْتَ رَبًّا كَرِيمًا فَأَعْتَبَكَ، أوحى إليَّ بِأنْ أُبلِّغَكَ قائِلًا: أَمَا تَرضَى)) إذا رضيت بقضاء الله وقدره.. وهذا الأمر ليس بيدك، ((أَمَا تَرضَى عَن هَذهِ الصُّورةِ بأنْ يَحشرَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ جِبْرِيلَ؟)) إذا كانت امرأة جميلة أو شخص جميل ماذا يقولون عنهما؟ مَلَك، ورئيس الملائكة أجمل، قال له: “أُشهدِكُ يا رسول الله بأنَّه لا يحيى جسدي على فريضةٍ أو نافلةٍ إلَّا أدَّيتُها لربي” 13 .. يا حبيبي يا الله! إنسانٌ عاتبه فأجابه هكذا، ومَن نحن؟ مَن هذا المخلوق الضعيف الذي يعاتب جبَّار السماوات والأرض ويجيبه: الحق معك؟ ما أحلاه! وما أرحمه!

الخلاصة: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23]، أطباء القلب وعلماء الصحة في أمور القلب قالوا: إنّ الجلطة وموت الفجأة يحدث بسبب انسداد الشرايين فجأة، وذلك إمَّا بتقلُّص عضلات الشرايين، أو تضيُّقها، أو تشنُّجها، أو انفجارها، وكثيرًا ما يكون هناك قلقٌ أو حزنٌ أو كدرٌ أو هَمٌّ أو مصيبةٌ أو كارثةٌ أو خسارةٌ أو مرضٌ لا يقدر الإنسان أنْ يتحمَّله، فيحدث انفجار في القلب أو في الدماغ، أو يَحدث شلل، وهذا مِن ضَعف التحمُّل، أو مِن ضَعف الإيمان بالقضاء والقدر، لذلك فإن علماء القلب يقولون: ليتحاشى الإنسان أمراض القلب يجب عليه أن يبذل جهده في أن لا يحزن عند المصائب، ولا يقع في البؤس، ولا يقع في الكدر، ولا يقع في الهم، ولا يقع في الحزن، ويُرَوِّح عن نفسه بأي وسيلة من الوسائل، ولا يتلقَّى المصيبة والكارثة بالكبت، بل بالرضى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، ويقولون أيضًا: إن أكثر أمراض القلب بسبب الهموم والأحزان وضعف تحمُّل الإنسان، وضعف إرادته عندما تصدمه المصيبة.

أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة الإنسان:

هؤلاء علماء المادة؛ علماء الصحة وعلماء الجسم، فَلَيتَهم عرفوا ما أعدَّ الله عزَّ وجلَّ في الإسلام مِن طرقٍ لمواجهة المصائب والكوارث والهموم والأحزان، حتى إنَّ الإسلام بهذا البرنامج يَقلِب المصيبة عطيةً، ويَقلِب الكدر والحزن فرحًا وسرورًا ورضى وطمأنينة وسكينة كما حدث مع هذا العبد.

وكما يروى أن أحد العلماء كان في البادية في زيارة بعض قبائلها، وعند وصوله رأى ما يحيط بالقبيلة مِن الجِمال، حيث كانت كلها ميتة، سأل فقالوا: هذه لرئيس القبيلة، وقد أصابها وباء فماتت كلها.. يعني خسر ثروته، ولم يبقَ عنده شيء، قال: فذهبتُ إليه، ووجدته على تَلّ يغزل الصوف، قال: فأردتُ أن أعزِّيَه، فقال له: “هذه الجِمال كانت باسمي عاريَّةً، واستردَّها مالكها وخالقها”، فإذا استعار شخصٌ شيئًا مِن جاره واسترده منه صاحب العارية، هل يغضب؟ ما هذا الإيمان؟ والآن لو أنَّ شخصًا فاقدَ الإيمان فإمَّا أن تصيبه جلطة قلبية أو جلطة دماغية فيصيبه الشلل أو يتعطَّل البنكرياس فلا يُفرز مادة الأنسولين التي تحرق السكر، أمَّا المؤمن فإن الله عزَّ وجلَّ قد حَقَنَهُ ضدَّ كل هذه الأمور، كما يُحقَن الإنسان ضد الجدري، وبذلك لا يؤثِّر فيه هذا المرض.. ثم قال

لا والذي أَنا عَبدٌ مِن خَلائِقِه
والمَرْءُ في الدَّهرِ نُصبَ الرُّزءِ والحَزَنِ

“والعَبدُ في الدَّهرِ نُصبَ الرُّزْءِ والحَزَنِ”: الإنسان دائمًا مستهدَفٌ مِن المصائب التي تُوقعه بالهموم بالأحزان.

ما سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبَارِكِها
وما جَرَى مِن قَضاءِ اللهِ لم يَكُنِ

“ما سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبَارِكِها” يقول: لو خُيِّرتُ بين أن تكون جمالي حيَّة تَرعَى وتنام وتأكل وباقية على ما كانت عليه، لا يَسرني هذا.. “وما جَرَى مِن قَضاءِ اللهِ لم يَكُنِ” فقضاء الله أحبُّ إليَّ مِن بقاء النعمة التي كنتُ أتمتَّع بها، وما دام هكذا سبق في عِلم الله عزَّ وجلَّ فأنا راضٍ بقضاء الله وبقدره.

أيها الإخوة والأخوات هل إيماننا بالقضاء والقدر صحيح؟ إذا كان صحيحًا وفقدت مالًا أو أحبابًا أو صحةً فهل تسخط؟

في حياة النبي ﷺ كان أحد الصحابة له ابن مريض، وقد توفي، فلمَّا أتى في المساء إلى بيته وجد امرأته.. والمرأة المسلمة هي المثقَّفة ثقافةً وعلمًا وخُلقًا وسلوكًا وعقيدةً ومعلمًا ومزكيًا وحكمةً، ولكن هل كلمة مسلم بالاسم؟ إذا كانت بالاسم فيمكن أن تقول عن نفسك: رئيس جمهورية أو رئيس وزارة، إذن سيأخذونك إلى “القُصَيْر” -يعني مشفى المجانين- فقصرك هناك، [في سوريا تسمى مشفى المجانين غالباً باسم المنطقة التي تكون فيها، ومنطقة القصير تابعة لمدينة حمص، وهي قريبة من دمشق، حيث يأخذ أهل دمشق المرضى النفسانيين إليها] والمسلمون اليوم مجانين إلَّا مَن رحم الله، فمَن لا مربي له ولا معلم ولا مثقِّف ولا حكيم يُعلِّمه الحكمة [لا يكون في مدرسة الإسلام]، والحكمة هي العقل الكامل الذي يضع الأشياء في مواضعها، وهذه لا تساوي الصلاة والزكاة والحج والصوم، بل هي ثُلُث الإسلام، فالله تعالى قال: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، فهل تتفقَّه في القرآن؟ وهو كتاب واحد.. ربما تتخرَّج في الجامعة وقد قرأتَ خمسين كتابًا أو مئة كتاب، ولكن هل فقهتَ؟ هل علمتَ؟ هل تفقَّهتَ في كتاب الله عِلمًا يُوجب عليك العمل بمقتضاه؟ إن فعلت فأنتَ مسلمٌ، وإلَّا فلو أنك قرأتَ وتلوتَ بلا علم ولا عمل فأنت مِن الذين ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران:167]، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ هم يقولون، ماذا أجابهم الله؟ قال: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8].

قال: فأتى الزوج -والد الابن المتوفَّى- وقال: كيف ولدي؟ قالت: هو راقد، قال لها: أُريد أن أراه، قالت: إنه نام نومةً هادئة ما نام قبلها مثلها، قال: وتزيَّنتْ، واستقبلتْه في أحسن زِينة، وباتت عنده في أحسن وجه، فلمَّا أصبحتْ قالت: يا زوجي، إنَّ جيرانًا لنا استعاروا متاعًا مِن جيرانهم، فبعدَ يوم أو يومين طلبوا متاعهم، ولَمَّا أخذوا متاعهم صاحوا وبكوا وضجَّوا وكذا وكذا، قال: بئس ما صنعوا، أصحاب المتاع استردُّوا متاعهم، فلماذا الضجيج والسخط؟ فقالت له: وإنَّ ابنك عاريَّة الله عندك، وقد استردَّ الله عاريَّته، فماذا أنت صانع؟ ما شاء الله على هذه المرأة! هذه هي المرأة المثقَّفة! هل درستْ سَرْتَفِيْكا أو كَفَاءَة أو بَكَلُوْرْيَا أو ليسانس أو دكتوراه؟ [هذه الكلمات في العامِّيَّة السورية للشهادات الدراسية.. سَرْتَفِيْكا: ابتدائية.. كَفَاءَة: إعدادية وهي الصف التاسع.. -سرتفيكا وكفاءة كانتا مستَخدَمَتين في طفولة سماحة الشيخ وشبابه لا في شيخوخته- بَكَلُوْرْيَا: ثالث ثانوي أو السنة الثانية عشر في الدراسة.. ليسانس: جامعة] فيها شخصيةٌ قادرةٌ على تحمُّل المصائب وفَقْدِ أعزِّ الأشياء، بل إنها تفرض الصبر على غيرها أيضًا، وهذا هو الإيمان الذي جعل الإنسان العربي كأنه أُمَّةٌ، كما وصفهم النبي ﷺ: ((عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ فُقَهاءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 14 ، وذكر هذا الصحابي قصته للنبي ﷺ فقال له: ((بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا)) 15 ، ورُزِقَ بعد ذلك بسبعة أولاد كانوا كلهم مجاهدين في سبيل الله.

﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23] إذا أُصبتَ بمصيبة كأن فقدتَ مالًا أو ولدًا أو صحة أو سمعًا أو بصرًا.. إذا ولولت المرأة فهل ترجع للميت روحه؟ وإذا نتفت شعرها هل تتحرَّك رِجْلُه؟ وإذا أخذ الرجل سُمًّا وقتل نفسه فهل ترجع الخسارة؟ المسكين خسر ماله، وخسر دِينه، وخسر حياته، وإذا بقي حزينًا فسيُصاب بجلطةٍ أو بالفالج [بالسكتة الدماغية] أو بالسُّكَّر، فهل يكون بمصيبة واحدة أم تصير المصيبة اثنتين؟ هل هذا عملُ عاقلٍ أو عملُ أحمق؟ العاقل هو المؤمن الفقيه في دِين الله عزَّ وجلَّ، والأحمق هو الجاهل في دِين الله فهمًا وعلمًا وعملًا وسلوكًا وأخلاقًا.

قال: أخبرناكم بذلك ودعوناكم إلى الإيمان القوي المتين بذلك.. ما الهدف من ذلك؟ هل لفائدة الله أو لزيادة غِناه؟ قال: كل هذا مِن أجلكم ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23] هذا الشيء الذي خسرتَه؛ صحتك مالك عيونك.. قال رسول الله ﷺ عن ربه عزَّ وجلَّ: ((إذا أَخَذتُ كَريمَتَي عَبدِي فَصَبَرَ وَاحتَسَبَ ضَمِنتُ لَه الجَنَّةَ)) 16 ، إذا أخذَ منك مئة ليرة سورية، وعوَّضك عنها ألف دولار فهل تحزن؟ فإذا لم تكن مؤمناً بالعطاء الثاني ولم ترَ إلَّا خسارة المئة ليرة فاعلم أنك جاهل.

﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23] المراد مِن الفَرَح البطر، والبطر أنْ يُنعم الله نعمةً على الإنسان مِن ثروة أو علمٍ أو جاهٍ أو حُكمٍ أو سلطانٍ، فيستعمل نعمة الله بالطغيان وتجاوز الحدود وإضاعة الحقوق، ويستعمل بالعدوان على الآخرين ما أنعم الله عليه مِن شبابٍ أو قوةٍ أو وظيفةٍ أو سلطانٍ أو جاهٍ أو.. إلخ، وهذا اسمه الفرح المذموم، ﴿لَا تَفۡرَحۡ يعني لا تفرح فَرَحَ البطر ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76] يعني البَطِرين، أمَّا أن تفرح بنعمة الله، فتشكر الله عليها، وتستعملها في مرضاته، وتتقرب بها إليه [فهذا هو الفرح المحمود].

وقد عرَّف النبي ﷺ الكِبْر فقال: ((هو غَمْطُ النَّاسِ)) يحتقر الناس، ((وَبَطَرُ الحَقِّ)) لا يَستجيب للحق إذا دُعي إليه، فالحق عليه ولكنه يتكبَّر عليه ولا ينقاد له، ما اسم هذا؟ قال: هذا اسمه كِبْرٌ، وكذلك أن يحتقر الناس لفَقرِهم أو لضَعْفِهم أو كذا.. النبي ﷺ يقول: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ)) قالوا: “يا رسول الله أَمِنَ الكبر لبس الثياب الحسنة؟” قال: ((لا، إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ))، كأن تكون ثيابك حسنة، وبيتك حسناً، وسيارتك حسنة، وبستانك حسناً، ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ))، يرفض الحق، ولا يذعن إليه، ولا ينقاد إليه، ((وغَمْطُ النّاسِ)) 17 يقول: مَن هذا؟ هذا الذي يعمل كذا [احتقاراً به].. نسأل الله تعالى أن يجعلنا مسلمين، ولو عشرة بالمئة! ولو خمسة بالمئة! وكيف إذا كان لا يوجد مِن الإسلام إلا الاسم؟ كمَن يُظهِر نفسَه [ويعتقد] أنه رئيس جمهورية وهو من غير لباس، ولكنه يلبس “كرافة” [ربطة عنق] في رقبته سعرها ألف ليرة سورية، ويقول: أنا رئيس الجمهورية.. وعورته مكشوفة من الأمام والخلف، وهذا جنون فوق جنون.. نسأل الله أن لا يجعلنا مجانين، المجانين الحقيقيون هم كما ذُكِر أنه مرَّ مجنون على مجلس النبي ﷺ فقالوا: مجنون، قال: ((لا تَقُولُوا: مَجنُونٌ، قُولُوا: مَرِيضٌ، الْمَجْنُونُ مَن يَعصِي اللهَ)) 18 ، أسالكم: الآن هل المجانين أكثر أم العقلاء؟ هل الجهلاء أكثر أم العلماء؟ العلم الحقيقي هو الذي يحوي علوم القرآن، وعلوم القرآن تحوي علم الدنيا والآخرة؛ السياسة والصناعة والاقتصاد والزراعة والصيدلة والاجتماع والوحدة والقوة.. إنّ العرب -وكانوا أعراباً أُمِّيِّين- امتدَّتْ بهم رقعة العرب والعروبة بخمسين سنة إلى حدود الصين وإلى حدود فرنسا، فأين العرب الآن؟ أين المسلمون الآن؟ أين ثمار إسلامهم الميت؟ أعطاهم الضعف والتقهقر والتمزُّق والجهل والفقر، حتى سمونا العالم الثالث، هل نستطيع أن نقول: نحن من العالَم الأول؟ لا، وهل نفهم هذا؟ لا زلنا لا نفهم مع الأسف، متى سنفهم؟ نقول: “نسأل الله أن يفَهِّمنا”، وهذا دعاء بلا عمل، وإذا طلبتَ مِن الله ولدًا، ولم تباشر بالزواج فهذا اعتداء في الدعاء وأُمِّيَّة، والله تعالى قال: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] وكلُّ شيء في القرآن إذا ذُكر فهو مُناسِب لِما ذُكر قبله، فقوله: ﴿لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ يعني في الدعاء، وما هو الاعتداء في الدعاء؟ قال: أن تطلب مِن الله شيئًا وتملك أسبابه ولا تُباشرها، كأن تريد ولدًا ولا تريد أن تتزوج، فهذا اعتداء في الدعاء، فحتى لو دعوتَ مِن الآن إلى يوم القيامة لن يعطيك الله شيئًا، يعني: هل تريد أن يخلق الله تعالى آدم آخر أو عيسى ثانٍ؟ ((مَن يُرِد اللهُ بِهِ خيرًا)) خير الدنيا والآخرة ((يُفقِّهُهُ في الدّين)) 19 .

نرجع لموضوعنا: النبي ﷺ يقول حول الْإِيمَان بالقضاء والْقَدَرِ: ((إنَّ الْإِيمَانَ بالقَضاءِ والْقَدَرِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ)) 20 ، كما قال الله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23] لا تقعوا في الأسى وفي الكدر، فالله تعالى لا يُرضيه أن نحزن، يا حبيبي يا الله! ما أعظمه! ﴿وَلَا تَفۡرَحُواْ أيضًا، فإذا أنعمتُ عليك فلا تقل: هذا بهمتي وثقافتي وذكائي، بل هذا بفضل الله عليك، قال الله تعالى على لسان قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78]، ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41].

طرفة: اليهودي الذي سقط من شجرة التين:

يقال: إن شخصًا مسلمًا وآخَرَ يهوديًّا كانا مسافرَين، وكل واحد منهما يقول: إن دِينه هو الدين الحق، فقال المسلم لليهودي: أسلم، فإنك عندما تموت سيأتيك منكر ونكير وستحاسب في القبر.. وإلخ، ثم قال له: الذي يموت قبل الآخر يروي للحي ما شاهده.. فالميت في عالَم الآخرة يرى الحقائق.. وفي يوم من الأيام كان اليهودي فوق شجرة تين، فانكسر الغصن، وسقط ومات، فرآه المسلم في المنام، قال له: ها قد صرتَ في القبر، أَمَا قلتُ لك: يوجد عذاب القبر وأنكر ونكير؟ قال له: لم أرَ شيئًا مما ذكرتَ، لا منكر ولا نكير ولا سؤال قبر ولا غير ذلك، قال له: كيف؟ قال له: مِن التِّيْنَة على رقبته إلى جهنم مباشرة.

﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78]، ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41].. فنسأل الله تعالى أن يحمينا، واللهِ كلنا سنموت، ولا يوجد هناك مَلِك ولا رئيس ولا سلطان ولا شيخ ولا مفتٍ، لا يوجد إلَّا ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [الأعراف:8]، ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [الأعراف:9].

الرضا بقضاء الله وقدره:

ورد في الحديث القدسي: ((مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، ولم يَصْبِرْ عَلَى بَلائِي)) ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] قد تبتلى بالغنى، وقد تُبتلى بالفقر، والابتلاء بالفقر أهون مِن الابتلاء بالغنى، انظروا هل المصلون الذين يأتون إلى الجامع أكثرهم مِن الأغنياء أم مِن الفقراء؟ أولئك الأغنياء يقولون: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا [الفتح:11] المنافقون كانوا يقولون: ﴿فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا [الفتح:11]، ولكن هؤلاء لا يقولون: استغفر لنا، بل يقولون: ﴿شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا [الفتح:11]، ولا يهمهم إلَّا عبادة المال والأهل والشهوات، وهؤلاء اسمهم مسلمون.. نحن نشوِّه الإسلام بنسبتنا إليه، زد على ذلك واقعنا المتخلِّف إيمانًا وعِلمًا وحِكمةً وأخلاقًا وسلوكًا.. ((مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، ولم يَصْبِرْ عَلَى بَلائِي)).. النبي ﷺ يقول: ((الصَّبْرُ شَطْرُ الْإيمانِ)) 21 ، والله تعالى يقول: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] هل آمنتَ بهذه الآيات؟ هل آمنتَ بهذا الحُكم؟ تراه لأقل مصيبة يَسبُّ الدَّين، ربما يكون أحدهم قد دفعه أو نخزه قليلاً في الزِّحام أو سُرِق حذاؤه.. يقول: ذهبنا إلى جامع الشيخ كفتارو فسرقوا لنا حذاءنا.. يضع الشيخ كفتارو مع الحذاء مع السرقة! هل هذا مِن بني آدم؟ وهل يفهم؟ والذي يذهب إلى المَرَاقِص لو ضاع حذاؤه لا يقل أي شيء ولا يحكي ذلك لأحد، يقول: روحي فداء الرقَّاص والرقَّاصة.. ومهما دفعوه أو وَكَزُوْه أو ضايقوه لا ينزعج أبداً، ولكن في الجامع مِن أقل انزعاج يقول: انظر إلى جماعة الشيخ فهم مِثل كذا [واصفاً إياهم بأوصاف سيئة]، مع أنه في كلِّ مكان يوجد مضايقات.. فنسأل الله أن يعين الشيخ على حمله.

قال: اجتمع سيدي الشيخ أحمد الرفاعي وسيدي الشيخ أحمد البدوي في عالَم الروح، والظاهر أن أحدهما كان مُريدوه أكثر مِن الآخر بكثير، فقال له: لقد اجتمع كل الناس حولك، وأنا ليس عندي غير بعض الدراويش، فقال له: اتركني بهمي وبلائي، ولا ترش على الجرح ملحاً، وبينما هما جالسان سمعا صوتًا من جماعة الذي مريدونه أكثر -مثلاً الرفاعي- والصوت يقول: يا سيدي أحمد الرفاعي، أتوسل إلى الله بك لتخلِّصني مما أنا فيه، فقال: ما مشكلة هذا الرجل؟ قال: هذا الرجل دخل إلى المرحاض، وقد أكل صبارة وهي التين الشَّوْكِي، ومن كثرة ما أكل لا يستطيع الخروج.. قال: يا مولاي الشيخ، مُدَّ يدك لتتدبَّر أمره.. يعني وصلتُ إلى هذه المرحلة، فهل هذا شيء يُحسَد الشيخ عليه.. فنسأل الله بفضله وإحسانه أن يفقهنا في دِين الله.. ((مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، ولم يَصْبِرْ عَلَى بَلائِي، فليتخذ رَبًّا سِوَايَ)) 22 .

وقت الإيمان بالقضاء والقدر:

مهم جدًّا أن نفهم معنى القضاء والقدر، ونعرف وقت الإيمان به والعمل به، أليست الصلاة فرضاً؟ ولكن إذا أدَّيناها قبل وقتها هل تؤدَّى الفريضة ونتخلص من المسؤولية؟ وأليس صوم رمضان فرضاً؟ فإذا صمنا في شعبان هل يَسقط عنَّا صوم رمضان؟ وهل نكون قد أدينا الفريضة؟ كذلك الإيمان بالقضاء والقدر له وقت محدَّدٌ، حدَّده الشارع الحكيم، وإذا استعملتَه في غير وقته تكون كمَن يُؤدِّي الحج في شوال أو في محرَّم أو في ربيع الأول، حيث لا يُقبَل منه الحج، كذلك إذا ذكرتَ القضاء والقدر في غير مكانه كنتَ غيرَ مؤمن بالقضاء والقدر، ولقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى وقت الإيمان بالقضاء والقدر واستعمال هذا الإيمان.. متى يُستعمل درع الحرب؟ هل يستعمل عندما تكون ذاهبًا إلى وليمة عرس؟ لا، بل تلبس أحسن ثيابك، والدرع يُستعمل في الحرب والمعارك.

وبالنسبة لوقت الإيمان بالقضاء والقدر يقول النبي ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) القوي في العِلم، والقوي في الجسم، والقوي في المال، والقوي في السلطان، والقوي في الجيش، والقوي في العلوم وفي التكنولوجيا، ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) وحتى لا يَنكسِر خاطر المؤمن الضعيف صحةً أو مرضًا أو فقرًا أو غنًى قال: ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) احرص على شيء ينفعك في عِلمك أو في دِينك أو في عقلك أو في أخلاقك أو في مالك أو في حياتك، ولا تضيِّع ما يُمكن أن تنتفع منه، ولو قطعة مِن خبز.. المسلمون حفظوا النَّصّ بحرفيَّته، فحافظوا على قطعة الخبز، أمَّا الأنهار التي تذهب إلى البحار سدىً، والتي يُمكن أن نقلب بها الصحارى إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، فما فقهناها، أليس هذا فقهًا؟ هل المعادن المختلفة الأنواع مِن حديد ونحاس وغيرها أعظم أم كسرة الخبز؟ وإذا أخذنا كسرة الخبز الملوثة بالجراثيم هل تؤكل بحسب الشرع؟ هذه أصبحتْ مِن الخبائث، كم من معادن وأنهار وعلوم نضيِّعها كلها! هل نحن فقهاء في الدِّين؟ فلنُلقِ أنفسنا في البحر حتى لا نُسيء إلى الإسلام بانتسابنا إليه، لأننا فهمناه بالعكس، ولذلك تأتي النتائج أيضًا منعكسة.

قصة الرجل الذي أخطأ في التَّعَلّم من البومة العمياء:

النبي ﷺ يقول: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ)) في كل شيء؛ في العلم وفي العقل وفي الخُلُق وفي الإنتاج وفي المال وفي الثروة وفي السلاح وفي القوة وفي الجيش وفي الصناعة وفي الزراعة.. ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجَزْ)) لا تجعل نفسك في موقع العجز، مِثل قصة الذي فهم الدِّين بالمقلوب، وكان فقهه أيضًا بالمقلوب، وإيمانه بالمقلوب، مرة رأى بومةً عمياء، فصار يفكِّر كيف تأكل؟ ومِن أين تَصل إلى رزقها؟ وهي من دون بصر لا تستطيع أن تتحرَّك، قال: والله لأجلسن وأنظر كيف تتغذَّى وتعيش هذه البومة، ولم تمضِ دقائق حتى أتى عصفور في منقاره شيء من الطعام، أصدر صوتًا ففتحتْ فمها، فوضع الطعام في فمها، وكرَّر ذلك حتى شَبِعتْ، قال: الله أكبر! الله أكبر! الله لم ينسَ البومة العمياء، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وأنا أفضل عند الله مِن البومة العمياء.. فترك الفقه المسعِد لعدم استعداده للفهم، وعَكَسَ الحكمة الإلهية، فجلس في غار، وصار يعبد الله، وقال: إن الذي رزق البومة العمياء سيرزقه وهو المتعبِّد المتقي المتمسك بدينه، حتى كاد يموت مِن جوعه، وأغمي عليه مِن الجوع، وفي يوم نزلت الأمطار ومرت قافلة، فلجأت إلى الغار الذي هو فيه، ورأوه في الرمق الأخير، فأسعفوه حتى رجعتْ إليه قواه، وسألوه، قال لهم: أنا جوعان، قالوا له: ولكن المدينة قريبة، لماذا لم تذهب لتأكل منها؟ قال لهم: رأيتُ بومة وقد رزقها الله -وحكى لهم عن العصفور- وقلتُ: بما أنَّ الله لم ينسَ البومة، وأنا أفضل مِن البومة.. لأن التفاضل يجب أن يكون فيه تجانسٌ، وقد حَسِب نفسه بومة، فصار بومة بعقل حمار.. قال: فأتيتُ إلى المغارة، وقلتُ: كما يرزق الله البومة سيرزقني، لكنه لم يرزقني، فقال له أَحَد رجال القافلة وكان فقيهًا بِدِين الله: أيها الغبي، لماذا جعلتَ نفسك بومةً عمياء، ولم تجعل نفسك عصفورًا يُساعد البومة العمياء؟ الحِكمة قدِّمتْ له، لكن لانعكاس عقله، وخلل فهمه عكس الحكمة إلى مضادِّها، ولذلك عُكِست النتيجة، كما هو حال المسلمين في عصرنا الحاضر، والسبب هو عدم أو ضعف الفقه في الدِّين.. والدِّين ليس فقط الصلاة والصوم، فعلوم الدنيا مِن الدِّين، وعلوم الطب مِن الدِّين، والتكنولوجيا مِن الدِّين، والتصنيع مِن الدِّين.

قصة: إلى جانب كل مسجد مصنع:

لَمَّا زُرتُ باكستان بدعوةٍ مِن أيوب خان، دُعِيتُ بعد البرنامج الأخير إلى لقائه، فقال لي: كيف وجدت الإسلام في باكستان؟ قلتُ له: مع الأسف وجدتُه ضعيفًا.. وهو ينتظر أنْ أُجيبه بعكس ذلك، فانزعج قليلاً، وقال لي: وكيف؟ قلت له: لأني قبل عشر سنوات زرتُ باكستان، وجدتُ المساجد كثيرةً، والمآذن مرتفعةً، والمساجد مزدحمةً، فكنتُ أظنُّ أنه بعد عشر سنوات مِن الاستقلال ستجعلون مُقابِل كلِّ مسجدٍ مصنعًا، وتُعانق كلُّ مئذنة مدخنةً، فإذا كان يوجد جوامع ولا مصانع، ومآذن ولا مداخن، فهل أغشُّك وأقول: الإسلام قوي؟ لا، الإسلام ضعيف.. وهو ما كان يتوقع هذا الجواب، فتكلم بكلمات من المدح.. وإلخ.

فنحن نحتاج إلى أن نَفقَه القرآن.. وقد فَسَّروا الزُّهد بمعنى الفقد والإفلاس، وهل العاجز الفقير المعدَم اسمه زاهد أم فاقد؟ الزاهد هو سيدنا عمر وسيدنا أبو بكر رضي الله عنهما، وهو النبي ﷺ، فقد صارت الدنيا في أيديهم وترفَّعوا عنها، أمَّا العاجز الفاقد فهذا ليس اسمه زاهدًا، هذا اسمه عاجز وفاقد.

الغنى مِن أركان الإسلام:

الغنى والثروة ركنان مِن أركان الإسلام الخمسة، والغنى أنْ يكون المسلم غنيًّا ثريًّا، وهو بغِناه وثروته أحيا ركنَين مِن أركان الإسلام.. فالصلاة تُطلَب ممن؟ هل مِن المتوضئ أو مِن المحدِث أو مِن الجُنُب؟ إذا كان جُنبًا نقول له: اغتسل ثم صلِّ، وإذا كان منتقِضَ الوضوء نقول له: توضَّأ ثم صلَّ، وكذلك الزكاة، فإذا قال الله لكم: زكُّوا، فهذا يعني: صِيروا أغنياء لتَجِبَ عليكم الزكاة، وإذا اختار المسلم الفقر على الغنى فهو بذلك هدم ركن الزكاة، وكذلك الحج يتوقَّف على المال، فإذا أهمل المسلم المال ولم يكن غنيًّا لم يجب عليه الحج، ولذلك فإنَّ الله فرض علينا الغنى لكن بقالب آخر، وقال: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]، وكذلك يقول النبي ﷺ: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) لا تفوتك ثانيةٌ بغَفلة عمَّا ينفعك ((وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)) هنا الشاهد، وقت الإيمان بالقضاء والقدر ((فقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ))، إذن عليك أن تَذكُرَ القضاء والإيمان به والرضى بما قضى الله وقدَّر بعد وُقوع المصيبة، وقد تُصاب في حياتك أو في جارحة مِن جوارحك [فتستخدم حينها الإيمان بالقضاء والقدر] وكذلك إذا دُعيتَ إلى شيء كالجهاد، فتحتاج قَبل اقتحام المعركة إلى الدخول في الإيمان بالقضاء والقدر دخولًا عمليًّا وتنفيذيًّا.. ((وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، ولَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا))، ماذا يُفيد هذا؟ هل تستطيع أن تفعل كذا حتى لا يقع كذا وكذا؟ هذا الشيء ليس فيه إلا تكرار تَذكُّر المصيبة، وتأثير هذا التذكُّر يكون على أعصابك وعلى شرايين قلبك وعلى شرايين دماغك وخلاياه وعلى بنكرياسك.

صلى الله عليك يا سيدي رسول الله! صلى الله عليك وآلك وأصحابك وأحبابك! ((ولَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كذا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَإيَّاكَ وَلَو، فَإنَّها تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) 23 ، ((وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ)) فلا تعلِّق قلبك بالناس، بل ابذل الأسباب كلَّها مع الناس ومع غير الناس، ولكن لا تعلِّق قلبك إلَّا بالله عزَّ وجلَّ، ويجب عليك أن تكون متوكِّلًا، فما كان لك -يعني في الكتاب الأزلي- سوف يأتيك على ضَعفِك، وما لم يكن لك لن تَنَلْهُ بقوَّتك، ((ولو أَنَّ الأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)) 24 .

لذلك فإن المؤمن يكون دائمًا مسرورًا، ولا يخاف مِن الإقدام على أداء الفرائض، ولو كان فيها إزهاق الروح، يعلم أنه: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] وهذا ما سبق في عِلم الله الأزلي، وأما القدر فهو عِلم الله عند وقوع ذلك العلم الأزلي في عالَم الواقع وعالَم المشاهَدة، ولذلك كان أنس رضي الله عنه خادم رسول الله ﷺ يقول: ((خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فما كان يقول لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟)) 25 .. هذا الحِلم على الخادم، وحُسْن الخُلق والمعاملة مع الضعيف، ((ولا لِشَيءٍ تَركتُه لِمَ تَركتَه؟ ولكن كان يقول: لَوْ قُدِّرَ لَكَانَ)) 26 ، وهكذا يجب أن يكون الزوج مع الزوجة، والأخ مع أخيه، والعامل مع صاحب العمل، لكن بحدود أن لا يكون هناك عدوان على حقوق الآخرين، أو تعدٍّ لحدود الله عزَّ وجلَّ، مثل ذلك الشخص الذي أتى وهو مخمور، وأُقيم عليه الحدُّ في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، وحادثة أخرى في زمن سيدنا علي رضي الله عنه، حيث أُقيم عليه الحد أربعين سوطًا، ولما سأله سيدنا علي عن شربه الخمر قال: إنه القدر يا أمير المؤمنين، فقال لهم: اجلدوه أربعين أُخرى، فقال: لماذا هذه؟ قال: الأُولى حَدًّا لِشُربك الخمر، والثانية لافترائك وإفكك على الله، فإنك تنسب إلى الله أنه أجبرك وأكرهك وضغط عليك لتشرب الخمر، لا باختيارك وإرادتك ومحبتك 27 .

هذا هو الفقه في الدِّين، فهل واقع المسلمين هكذا؟ إنْ أصابتهم المصائب هل يَعلمون أنها بقضاء الله وقدره؟ وهل يرضون بها كما رضي الشاعر الذي ماتت جِمالُه كلُّها وقال

لا وَالَّذي أَنا عَبدٌ مِن خَلَائِقِه
وَالعَبدُ في الدَّهرِ نُصبَ الرُّزْءِ والْمِحَنِ

مَا سَرَّنِي أنَّ إِبْلِي في مَبارِكِهَا
وَمَا جَرَى مِن قَضاءِ اللهِ لَم يَكُنِ

كانوا يفرحون بقضاء الله -لهم أو عليهم- أكثر مِن فرحهم بالعطاء.. ولأجل أن لا يُفهَم الإيمان بالقضاء والقدر أنَّه إجبارٌ وإكراهٌ مِن الله للإنسان، وأن الإنسان ليس له إرادةٌ ولا اختيار، وتجنُّبًا لهذا المنزلق في الفهم والفقه الإسلامي حذَّرنا النبي عليه الصلاة والسلام مِن هذا المنزلق ومِن هذا الخطأ، فقد “أتى إليه أحدهم وقال: يا رسول الله، أَفَلَا نترك العمل ونتوكَّل؟” فما سنعمله هو في علم الله الأزلي، وما جرى في عِلم الله لا بدَّ مِن وقوعه، “أَفَلا نترك العمل ونتوكَّل؟” هذا الذي يُريد أن يتوكَّل يعني أن يعتمد على القضاء والقدر، ولكنَّ الإيمان بالقضاء والقدر بعد وقوع الأشياء لا قَبل وقوعها، أمَّا في مِثل الجهاد، وفي مِثل البذل في سبيل الله فيَعتمد المؤمن على قضاء الله، ويَبذل نفسه رخيصةً في مرضاة الله.. قالوا: “أَفلَا نترك العمل ونتوكل؟” قال: ((لا، اعْمَلُوا)).. صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله! ويا معلم الناس الخير، ويا منقذ العقول، ويا مُجِير الأفكار، ويا منيرًا للإنسان وللأمم طريق سعادتهم في صحتهم وفي أجسادهم وفي عقولهم وفي أخلاقهم وفي تقدمهم.. المسلمون اليوم ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46] حرَّفوه فَهْمًا، وحرَّفوه عملًا وواقعًا، ولذلك يقطفون الآن ما غرسوا، ويحصدون ما زرعوا، ويتَّهمون الله، والله عزَّ وجلَّ مُنَّزه عن كل نقص: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].. قالوا: “أَفلَا نترك العمل ونتوكل؟” قال: ((لا، بل اعْمَلُوا ولا تَتَّكِلوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)) 28 .

نموذج للفهم الخاطئ لقضاء الله وقدره:

في بعض الأوقات يطمع الإنسان، وطمعه قد يَتجاوَز به حدود الله إلى محارمه، وقد يتجاوز به الهدوء والسكون وعيش السعادة إلى التسلُّط والتكبُّر.. أتى رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال: “يا رسول الله ادعُ الله لي أن تكون فلانة زوجتي”، والظاهر أنه أتاه وكان حريصاً ومندفعاً وقلقاً ليدعو له النبي ﷺ، يعني أن الأبواب سُدَّت أمامه، وليس لها فتحٌ إلَّا برديفٍ وقوةٍ داعمةٍ وهو دعاء النبي ﷺ.. إن الحرص على الدنيا حتى تقع في محارم الله، كأن تحرص على المال وأنت فقير حتى تأخذه مِن الحرام، وتريد القضية الفلانية ولم تستطع الوصول لها فتستعمل فيها الآثام والمعاصي هذا كله اسمه الحرص المذموم.. فقال له ﷺ: ((لو دَعَا لَكَ جِبرائِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَحَمَلَةُ العَرشِ وَأَنَا مَعَهُم لَم يَكُنْ إلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَكَ)) 29 ، فلا تقع في الاضطراب، وتقلقل حياتك، وتتشوَّش، بل اطلب واعمل الأسباب، وليكن قلبك مطمئنًا أنه لن يكون لك إلا ما كتبه الله لك.. ولئلا تختلط علينا العقائد ونتجنَّب صوابها ونقع في الخطأ فيها، أتى بعض الصحابة فقال: “يا رسول الله: أدوية نتداوى بها، ورقًى نسترقي بها، وأشياء نعملها، هل تردُّ مِن قَدَر الله شيئًا؟” وكذلك أن نعمل دروعاً واستحكامات واحتياطات للقاء العدو، والأمر سابق في عِلم الله؟ فهل يَردُّ ذلك مِن قَدَر الله شيئًا؟ ماذا أجابهم صلوات الله وسلامه عليه وهو مَن قال: ((أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ)) 30 ، كلمتان قصيرتان تؤدِّيان إلى فهم ما شاء الله من المعاني، ولأنَّ لكلِّ سببٍ مُسبَّبٌ قال: ((الأَدوِيةُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ)) 31 ، ولذلك كان بعضهم يقول: “نُحارب القَدَر بالقَدَر” 32 ، يعني السبب بسبَبِه، هذا هو المقصود، أما عِلم الله الأزلي سواء الغيبي أو الواقعي فلا علاقة له بهذه الحكمة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، ومرة أُخرى يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] والنبي ﷺ حفر الخندق قَبل مجيء الكفَّار، وكان ﷺ إذا دَخَل المعركة يَلبس بدل الدرع الواحد دِرعَين، وقد ورد: ((إذَا أَرادَ اللهُ أَمرًا هَيَّأَ أَسبَابَه)) 33 ، فرَبُّ العالمين الذي يملك ﴿كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117] يوجد في قانونه الذي قَنَّنَه الأسباب والمسببات، فإذا أراد أنْ يرزقك الولد يُعطيك مِن أسباب الولد؛ مِن الزواج وغيره.

قصة المليادير الأُمِّي:

إن القصة التالية في القضاء والقدر مما يجعل المؤمن يرضى بما قدَّر الله له مهما كان سلبيًّا معه، ويعلم أن الأمور مفروغ منها، ولكن لا على أساس تَرْك الأسباب أو الواجبات أو العمل أو الفكر أو الإعداد.

يقال: ذهب ملياردير إلى أحد البنوك ليقبض مبلغًا أو حوالة، وعندما سلَّموه المبلغ قالوا له: وقِّع على الإيصال، قال لهم: أنا أُمِّيٌّ، لا أقرأ ولا أكتب، فدهش الموظف وقال له: أنت ملياردير ولا تعرف القراءة والكتابة! فكيف لو كنتَ تقرأ وتكتب؟ ربما تملك الدنيا، قال له: لو كنتُ أقرأ وأكتب لكنتُ زَبّالاً [عامل نظافة].. ففي بعض الأوقات -يا بُني- تكون المصيبةُ بابًا للرزق، وأحياناً تكون النكبةُ بَدَلَ نكبةٍ أكبر.. نسأل الله أن يرزقنا الإيمان بالقضاء والقدر.

قال: كيف هذا؟ وهل من يقرأ ويكتب ويتعلَّم يصير زَبَّالاً؟ قال: إليكم الجواب.. أنا كنت فقيرًا، ووجدتُ إعلانًا في الصحف مِن المحافظة في المدينة يَطلبون زَبَّالِين [زَبَّالِين: عمَّالَ نظافة، والمُحافظة: دائرة حكومية وهي الجهة الأعلى في المدينة في سوريا]، فذهبتُ مع الطالبين والمرشَّحين ليكونوا زبّالين، ولَمَّا طُلب مني أنْ أوافق على الاتِّفاق وأُوَقِّع، قلتُ للموظَّف: أنا أُمِّيٌّ، لا أقرأ ولا أكتب، ولا أُحسِن الإمضاء.. ولأمر ما وبَّخه وشتَمه، وأخرجه بإهانة وإذلال، قال: فخرجتُ مِن عنده مكسورَ الخاطر، حزين القلب.. ثم نزلتُ إلى بعض الأسواق التجارية وعملتُ أجيرًا عند تاجر، وانتقلتُ مِن أجير إلى كذا إلى كذا إلى كذا.. ثم فتحتُ محلًّا، وصرتُ تاجرًا حتى أصبحتُ مليارديرًا، قال له: لو كنتُ أقرأ واكتب لكنتُ زَبَّالاً: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] يعني عند المكروهات لا تحزن ولا تقنط ولا تيأس.. هذا هو الفقه في الدِّين: ((مَن يُرِد الله بِهِ خيرًا يُفقِّهُهُ في الدّين)) 34 و((إنما العِلم بالتَّعَلُّم)) 35 .

﴿واللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23] المختال: المتكبر الذي يرفض الرضوخ إلى الحق، يرفض العلم ويرضخ للجهل، يرفض التقوى ويخضع للفسوق، ويتعالى ويتباهى على مخلوقات الله، إضافة إلى ذلك: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ هو متكبِّر على الآخرين، وفوق ذلك بخيل، وفوق هذا: ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ أي يتولى عن أوامر الله والاستجابة لها والعمل بها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24] الله غنيّ عنه، وهو حميدٌ سواءٌ أطعتَه أم لم تُطعه، فلا طاعتكَ تنفعه، ولا معصيتكَ تضره.. فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا مِن فقهاء القرآن.. ولا تَفرحوا بتلاوة القرآن أو حفظ كلماته، بل يجب عليكم مع هذا أنْ تعقِدوا الهِمَّة على أنْ تتدبَّروه، ولا يمكن أن تتدبَّروه إلا كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] والقلب في تعريف المعرِّفين قال

قُلُوبٌ إذا مِنه خَلَتْ فَنُفُوسُ
لِأَحرُفِ وَسوَاسِ اللَّعِينِ طُرُوسُ

وإنْ مُلِئَتْ مِنهُ وَمِنْ نُورِ ذِكرِه
فَتِلكَ بُدُورٌ أَشرَقَتْ وَشُمُوسُ

“قُلُوبٌ إذا مِنه خَلَتْ فَنُفُوسُ” يعني إذا كان القلب غافلًا عن الله، خاليًا مِن حب الله وذِكره فهو نفس أمَّارة بالسوء، “لأحرف وسواس اللعين طُرُوْسُ”: أي في قلبك دفتر يَكتُب به الشيطان ويؤلِّف، وقلبك يُسَخِّر أعضاءك فيما كَتَبه لك وطَلَبه منك الشيطان، “وإن مُلئتْ منه”: مِن جلاله ومِن حبه ومِن خشيته، “ومن نور ذكره فتلك بدور أشرقت وشموس”.

﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ومِن أين يأتي النور؟ مِن ذكر الله، ومَن لم يذكر الله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الزمر:22].

مُلْحَق

ترحيب بضيوف من علماء إيران

أهلا وسهلًا بإخواننا وأحبابنا وعشيرتنا وأهلنا؛ إخواننا مِن كِبار علماء المسلمين في إيران.. وأنا أحرِّم كلمة “سُنَّة وشيعة”، لأننا كلُّنا شيعة، شيعة أهل البيت، وكلُّنا سنة.. نرجو مِن الله أنْ نكون على سنة رسول الله ﷺ، ولَمَّا صِرنا كلمتَين صار ذلك يُعطي الأثر في تفريق المسلمين، لذلك أنا أقول: المسلمون في إيران، المسلمون في باكستان.. نسأل الله أن يجعلنا أمة واحدة.

الشيخ محمد الخراساني الأمين العام لمجمع التفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدكتور عبد الكريم الشيرازي رضي الله عنهما وعن أصحابهما ورفاقهما.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137)، (5/2384)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))، وفي حلية الأولياء للأصبهاني (4/32)، بلفظ: ((عن وهب بن منبه، قال: إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن الله تعالى يقول: «ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه».
  2. متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة مائة جزء، رقم: (6000)، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2752). مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24121)، (5/439)، عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِئَةَ رَحْمَةٍ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ يَتَرَاحَمُ بِهَا الْخَلْقُ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).
  3. إشارة إلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، صحيح مسلم (8)، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان.
  4. سنن ابن ماجه، كتاب الطّلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم: (2045)، (1/659)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
  5. تاريخ الطبري، (2/401)، البداية والنهاية، فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ الْقَادِسِيَّةِ، (7/39)، بلفظ: بَعَثَ إِلَيْهِ سَعْدٌ رَسُولًا آخَرَ بِطَلَبِهِ وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ. وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وبيضته عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلَاحَكَ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ. وَإِنَّمَا جِئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلَّا رَجَعْتُ. فَقَالَ رُسْتُمُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ فَخَرَّقَ عَامَّتَهَا، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ...
  6. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  7. سنن ابن ماجه، كتاب الحدود، باب المخنَّثين، رقم: (2613)، (2/871)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7342)، (8/51)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (7760)، (5/142)، عَنْ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ رضي الله عنه، بلفظ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ قُرَّةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ، فَمَا أُرَانِي أُرْزَقُ إِلَّا مِنْ دُفِّي بِكَفِّي، فَأْذَنْ لِي فِي الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ فَاحِشَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا آذَنُ لَكَ، وَلَا كَرَامَةَ، وَلَا نُعْمَةَ عَيْنٍ، كَذَبْتَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لَقَدْ رَزَقَكَ اللَّهُ طَيِّبًا حَلَالًا، فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مِنْ حَلَالِهِ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَفَعَلْتُ بِكَ وَفَعَلْتُ. قُمْ عَنِّي، وَتُبْ إِلَى اللَّهِ. أَمَا إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ بَعْدَ التَّقْدِمَةِ إِلَيْكَ، ضَرَبْتُكَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَحَلَقْتُ رَأْسَكَ مُثْلَةً، وَنَفَيْتُكَ مِنْ أَهْلِكَ، وَأَحْلَلْتُ سَلَبَكَ نُهْبَةً لِفِتْيَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».
  8. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (541) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، رقم: (1510)، عن الْحَسَنُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ "أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: الْقَدَرُ قَالَ: فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَالَ: «قَطَعَتْ يَدَكَ لِسَرِقَتِكَ وَضَرَبْتُكَ لِفَرْيَتِكَ عَلَى اللَّهِ».
  9. السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على من قتل نفسه غير مستحل لقتلها، رقم: (6623)، سنن الدار قطني، كتاب العيدين، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه، رقم: (10)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ».
  10. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، (2/675)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، (4/589)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398) (2/ 334)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، (7/ 55)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5214)، (5/2104)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628)، (4/2026)، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)).
  12. قوت القلوب للمكي، (1/366)، الرسالة القشيرية (1/ 265)، بلفظ: ((وقيل: أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد قل لَهُمْ إني لَمْ أخلقهم لأربح عَلَيْهِم وإنما خلقتهم ليربحوا عَلي))، وفي تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (97)، بلفظ: "يأتي كل رجل من أمتي من هذه الأمة بيهودي أو نصراني إلى جهنم فيقول هذا فدائي من النار فيقال للمسلم إنما خلقت الخلق ليربحوا عليَّ ولم أخلقهم لأربح عليهم".
  13. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (154)، (22/63)، بلفظ: عَنْ وَاثِلَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَكْشَفُ أَحْوَلُ أَوْقَصُ أَحْنَفُ أَقْحَمُ أَعْسَرُ أَرْسَجُ أَفْحَجُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ: إِنِّي أُعَاهِدُ اللهَ أَنْ لَا أَزِيدَ عَلَى فَرِيضَتِهِ، قَالَ: «لِمَ» قَالَ: لِأَنَّهُ خَلَقَنِي أَكْشَفَ أَحْوَلَ أَقْحَمَ أَعْسَرَ أَرْسَجَ أَفْحَجَ ثُمَّ أَدْبَرَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْنَ الْعَاتِبُ عَلَى رَبِّهِ؟ عَاتَبَ رَبًّا كَرِيمًا فَأَعْتَبَهُ، قَالَ: قُلْ لَهُ: أَلَا تَرْضَى أَنْ تُبْعَثَ فِي صُورَةِ جِبْرِيلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: «إِنَّكَ عَاتَبْتَ رَبًّا كَرِيمًا فَأَعْتَبَكَ، أَفَلَا تَرْضَى أَنْ يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ جِبْرِيلَ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنِّي أُعَاهِدُ اللهَ لَا يَقْوَى جَسَدِي عَلَى شَيْءٍ يَرْضَاهُ اللهُ إِلَّا حَمَلْتهُ.
  14. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  15. صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، رقم: (2144)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12047)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتُوُفِّيَ الْغُلاَمُ، فَهَيَّأَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَيِّتَ، وَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لاَ يُخْبِرَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَا طَلْحَةَ بِوَفَاةِ ابْنِهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ: مَا فَعَلَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ: خَيْرُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِمْ عَشَاءَهُمْ، فَتَعَشَّوْا وَخَرَجَ الْقَوْمُ، وَقَامَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى مَا تَقُومُ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَلَمْ تَرَ إِلَى آلِ فُلاَنٍ اسْتَعَارُوا عَارِيَةً فَتَمَتَّعُوا بِهَا، فَلَمَّا طُلِبَتْ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَاكَ. قَالَ: مَا أَنْصَفُوا، قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِنَّ اللَّهَ قَبَضَهُ فَاسْتَرْجَعَ وَحَمِدَ اللَّهَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ((بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا..)). واللفظ لأحمد.
  16. صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره، رقم: (5329)، (5/2140)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12490)، (3/ 144)، بلفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ».
  17. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم: (91)، (1/ 93)، سنن الترمذي، أبواب البر والصلة: باب ما جاء في الكبر، رقم: (1999)، (4/361)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ)).
  18. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ».
  19. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/25)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/719). عن معاوية رضي الله عنه.
  20. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (277)، (1/187)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (384)، (1/113)، المتفق والمفترق للخطيب البغدادي، رقم: (367)، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي، رقم: (237)، (1/150)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ».
  21. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8563)، (9/104)، شعب الإيمان للبيهقي، باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه، رقم: (48)، (1/ 74)، روي موقوفًا على عَبْد اللَّهِ بن مسعود بلفظ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ»، الآداب للبيهقي، رقم: (757)، (1/306)، قال البيهقي في الآداب: "روينا عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح".
  22. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (807)، (22/320)، تاريخ دمشق لابن عساكر، (43/209)، عَنْ أَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَيَصْبِرْ عَلَى بَلائِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا سِوَايَ».
  23. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  24. سنن الترمذي، رقم: (2516)، (4/667)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (2669)، بلفظ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».
  25. صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، رقم: (2309)، (4/ 1804)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13057)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ، لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ، وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلاَّ فَعَلْتَهُ)).
  26. صحيح ابن حبان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم رضوان الله عليهم أجمعين، رقم: (7179)، (16/145)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8070)، بلفظ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا بَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ لَمْ تَتَهَيَّأْ إِلَّا قَالَ: «لَوْ قُضِيَ لَكَانَ، أَوْ لَوْ قُدِّرَ لَكَانَ».
  27. سبق تخريجه.
  28. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة ﴿والليل إذا يغشى﴾ رقم: (4666)، (4/1891)، صحيح مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم: (2647)، بلفظ: ((عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، واللفظ للبخاري.
  29. تاريخ دمشق لابن عساكر، (52/395)، بلفظ: ((عن محمّد السعدي أن رجلًا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أتزوج امرأة، فادع لي، فأعرض عنه ثلاث مرات كلّ ذلك يقول. ثم التفت إليه، فقال: «لو دعا لك إسرافيل وجبريل وميكائيل وحملة العرش وأنا فيهم، ما تزوجت إلّا المرأة التي كتبت لك».
  30. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (7397)، (2/ 250)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بلفظ: ((أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
  31. سنن الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء لا ترد الرقى ولا الدواء من قدر الله شيئا، رقم (2148)، (4/453)، سنن ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء، إلا أنزل له شفاء، رقم: (3437)، بلفظ: عَنْ ابْنِ أَبِي خُزَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ».
  32. مجموع الفتاوى لابن تيمية، (2/458)، قال ابن تيمية رحمه الله: قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: كَثِيرٌ مِنْ الرِّجَالِ إذَا دَخَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا وَأَنَا انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَة فَنَازَعْت أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ، وَالْوَلِيُّ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِلْقَدَرِ لَا مَنْ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى لِسَانِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَأْمُورٌ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيَدْفَعُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابُهُ قَدْ قُدِّرَتْ فَيَدْفَعُ قَدَرَ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ.
  33. كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (1741)، (2/63)، قال العجلوني: "هو مما يجري على الألسنة"
  34. سبق تخريجه.
  35. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2663)، (3/118)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10739)، (7/398)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (5/174)، ((إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ، وَمَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّى الشَّرَّ يُوقِهِ،))، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
WhatsApp