تاريخ الدرس: 1992/05/08

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:30:13

سورة الواقعة، الآيات: 1-40 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمّ التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد، وعلى أهل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المجاهدين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وعيسى، وعلى إخوانه النبِيِّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

محبة المحسن من فطرة النفوس السليمة

لقد انتهينا مِن تفسير سورة الرحمن، والآن سنبدأ التفسير في سورة الواقعة، وأرجو الله عزَّ وجلَّ أن يكون تفسير ومعاني سورة الرحمن قد انتقشتْ في قلوبنا، لتتحوَّل عقيدةً وإيمانًا وأخلاقًا وسلوكًا.. سورة الرحمن تذكِّر بآلاء الله عزَّ وجلَّ ونعمه على الإنسان، وكلُّ نعمةٍ في هذا الوجود مصدرها مِن الله عزَّ وجلَّ ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [النمل:60]، ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ [النحل:78]، أمَّن خلق الشمس والقمر؟ أمَّن أعطانا الأهل والزوجات والولد؟ أمَّن أعطانا الحياة والوجود؟ أمَّن أعطانا الرزق والطعام والشراب والزهور والورود؟ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18].

فالإيمان بالقرآن هو أن تَرْسخ معاني القرآن حتى تتحوَّل عقيدةً وشعورًا وواقعًا في الأخلاق والسلوك والشعور، وسورة الرحمن تُعدِّد النِّعم على الإنسان مِن المنعِم المحسِن، ((جُبِلَت النفوس على حُبِّ مَن أحسن إليها)) 1 ، ولا شكَّ بأنه إذا آمنا بهذه السورة الإيمان الحقيقي العملي تجعل مِن الإنسانِ الإنسانَ الفاضل، لأنها تقوده بقوةٍ إلى محبة الله عزَّ وجلَّ، وإذا صار الإنسان مُحِبًّا لأي شيءٍ ولأي محبوب فلا يستطيع المحِبُّ أن يعصي محبوبه، ((جُبِلَت النفوس على حُبِّ مَن أحسن إليها))، حتى الحيوان فإنّ هذه القاعدة الفطرية لا تُخْطِئه.

فتجد الكلب يُحبُّ مَن أحسن إليه، والخروف يِلْحَق ويَتْبَع مَن يُحسن إليه، والدواب تُحب وتُحسن استقبال مَن يُحسن إليها، فهل هذه الحيوانات أرقُّ شعورًا وأكثر تأثُّرًا بتعظيم المحسن ومحبته مِن الإنسان؟

والله عزَّ وجلَّ يُذَكِّرنا بإنعامه ونِعَمه علينا، لكننا لا نحبه الحب الحقيقي والحب القلبي؟ لذلك قد لا نكون كالأنعام، بل أضل: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

الإيمان الحقيقي بحاجة إلى القلب الحي

لا يُنال شرف الإيمان الحقيقي بالقرآن إلا بما ذَكَره القرآن: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] فيجب أن يكون للإنسان قلب، وليس المقصود مِن القلب الذي يضخُّ الدم، فهذا موجود في القطط والكلاب والحشرات، بل المراد مِن القلب في الإنسان هو الروح، هذه الروح التي حييتْ من طريق ذِكر الله عزَّ وجلَّ، ومجاهدة النفس بتزكيتها من رذائل الأخلاق، وتحليتها بفضائل الأخلاق، وتعشُّقها لخالقها، فصارت دائمًا له ذاكرةً، وعليه مقبِلةً، وله عاشقةً، وعند ذلك يُشرق نور الإيمان ونور الله عزَّ وجلَّ في ذلك القلب، فتأتي آيات القرآن غذاءً يعطي القوة والحياة والروح والفضائل والحكمة ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] “مَن كان له قلب”: هؤلاء أصحاب اليقين والمقرَّبون، “أو ألقى السمع وهو شهيد”: هم المؤمنون بالغيب، أمَّا المقرَّبون فيؤمنون بالمعاينة والمشاهدة، ((كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ في نعيمهم، وإِلَى أَهْلِ النَّارِ في عَذابِهم)) 2 .

ويجب أن تشتغلتوا بتغذية القلوب، لذلك لا تفرحوا بكثرة قراءة القرآن ولا بكثرة الدروس، والجسم إذا قُطعَ غذاؤُه ضَعُف، وإذا دام انقطاعه مات، وبعد الموت مهما وضعتَ في فمه مِن الطعام والشراب والغذاء فلا فائدة، كذلك القلب الميت، فمهما سمع صاحبه مِن المواعظ، أو قرأ القرآن أو تفسير القرآن ولم يكن له قلب فلا تكون له ذِكرى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى [الأعلى:10-11].

لقد ذكرتْ سورة الرحمن نِعَمَ الله عزَّ وجلَّ على الإنسان، ليُقْبِل الإنسان على الله تعالى بسائق نعمه ودفع إحسانه إليه، وذَكرت السورةُ أيضًا المؤمنين الذين يخافون ربهم وما أعدَّ لهم في عالَم السماء مِن نعيمٍ تقصر العقول عن إدراكه، والألسنة عن ترجمته: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17].

أتى أعرابي إلى النبي ﷺ وقال: “عظني وأوجز” يعني عِظة مختصرة، لكن هذا الأعرابي كان له قلب، فتلى ﷺ عليه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، فقال: “تكفيني، تكفيني” 3 ، لأنه له قلب، كالسِّلْك إن مسَّته الكهرباء مِن أحد شرائطه الشَّعرية الدقيقة فإنه يتكهرب ويُعطي الطاقة إلى حيث ما هو موجود، وإذا كان ميتًا لا ينقل الكهرباء، كخشب أو قماش، فمهما أعطيتَه من الكهرباء لا تُؤثِّر.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُنوِّر قلوبنا بنور معرفته، ونور ذِكره، ونور محبته، حتى ننتفع بكلامه وقرآنه وتفسير كتابه.

مقدمة عن سورة الواقعة

والآن أنتم في تفسير سورة الواقعة، والواقعة معنى مِن معاني القيامة، وقد سمِّيتْ الواقعة لأنَّ وقوعها ووجودها حتميُّ الوقوع، لا شك فيه ولا ريب، وهي مِن السور التي نزلت على النبي ﷺ في مكة، وأكثر السور المكية كانت تُعنَى ببناء الإيمان؛ الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، وبرسول الله ﷺ، وبالآخرة والحساب والجنة والنار، وأكثر السور المكية كانت لتزكية النفوس، وإحياء القلوب، وبناء العقيدة في القلب وفي الفكر، لتظهر في الأعمال والأخلاق والمعاملات.

وهذه السورة لها مِن الفضائل ما رُوي أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرض فعاده وزاره سيدُنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فلمَّا دخل عليه سأله: “ماذا تشتكي؟” يعني خيراً إن شاء الله؟ ما مرضك؟ “ماذا تشتكي من مرض؟” فقال: “أشتكي ذنوبي”، كان شعورهم بوجودهم الروحي ومصيرهم الأبدي أكثر مِن شعورهم الجسدي ومصيرهم الدنيوي، لذلك بسبب هذا الإيمان ما كانوا يُبالون بالدنيا أقبلتْ أم أدبرتْ، ولا بالجسد أكان صحيحًا أو مريضًا، كما يقول أحدهم

يا خادِمَ الجِسمِ كَم تَشقَى بِخِدمَتِهِ وَتَطلُبُ الرِّبْحَ ممَّا فِيهِ خُسْرانُ

“يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته”: فيتامنيات ومُغَذِّيات وعَمَلِيَّات وثياب جميلة وحمامات.. إلخ. [عَمَلِيّات: تُطلَق عادة في اللهجة السورية على العمليات الطبيّة الجراحيّة]. “يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته”.

أَقبِلْ عَلى النَّفْسِ فَاستَجمِعْ فَضَائِلَها فَأنتَ بِالنَّفْسِ لا بِالجِسمِ إنسانُ

تصير إنسانًا فاضلًا لا بطولك وعرضك وشكلك ومالك، بل بعقلك ونفسك، بأخلاقك وأعمالك.. قال له: “ماذا تشتكي؟” لم يقل له: أشتكي قلبي ومعدتي وظهري.. قال: “أشتكي ذنوبي، قال: وماذا تشتهي؟ قال: رحمةَ ربي”.. سبحان الله! كم تغيَّر المسلمون والعرب! “قال: أَلَا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني”، ضَرْب الحبيب زَبِيْب.. [هذا من الأمثلة الدارجة على الألسنة في سوريا] “قال: أَلَا نأمر لك بعطاء؟” يعني نخصِّص لك راتبًا تقاعديًّا عطاءً مِن بيت المال؟ سبحان الله! “قال: لا حاجةَ لي فيه”، ما هذا الغنى الذي جعله الله عزَّ وجلَّ فيه! ((وَلَيسَ الغِنَى عن كَثرَةِ العَرَضِ، لَكِنَّ الغِنَى غِنَى القَلبِ)) 4 ، بالعفة والقناعة.. وهذا لا يعني أنْ يصير الإنسان كسولًا، بل عليه أن يعمل ويبذل الجهد، ولكن يقنع بما قسم الله عزَّ وجلَّ له، فلا يسرق ولا يتطلَّع إلى ما عند الآخرين طمعًا أو حسدًا، فهذا اسمه القناعة، وهي مِن الإيمان.

“قال: أَلَا نأمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه، قال: يكون لِبَناتك مِن بعدك”، يعني معاشًا رسميًّا ثابتًا، “قال: أتخشى على بناتي مِن الفقر؟” أيضًا لِبناته لا يريد، سبحان الله!

رجال كالأمم

يا ترى هل هم العقلاء أم نحن؟ هل هم فهموا أم نحن الذين فهموا؟ هل نجحوا هم أم نحن الذين نجحنا؟ ما هذا؟ ماذا فعل هؤلاء؟ وماذا فعلنا؟ إلى أيِّ عِزٍّ وصلوا؟ وإلى أي مجد ونصر وفتوحات وعالَمية في كل ميادين العِزِّ والمجد والتقدُّم؟ ونحن كيف نتقهقر في كل ميادين الحياة؟

سبقتْنا كلُّ الأمم ونحن في أُخْرَى أُخْرَاها.. هل نجحوا فقط في مثل هذه القصة؟ لا، بل إن كلَّ أعمالهم كانت خوارق عادات كالمعجزات رضي الله عنهم.

“قال: أتخشى على بناتي مِن الفقر؟” وما همنا نحن اليوم؟ البطن والفرج والمال، لكن أين الآخرة والقبر والذنوب المسجَّلة والحساب أمام الله؟ عندما نقرأ القرآن: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] هل ثبتت هذه الآية في الذهن؟ هل ظهرتْ بالأعمال والمعاملات والإحساس والشعور؟ ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ سنُحاسبك على القليل والكثير، على ما تُعلن وما تُسِرُّ، وأنتَ تخبِّئُ عن الناس ولا تستحي مِن الله عزَّ وجلَّ الذي يقول لك: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119] أَلَا تستحي منه؟ إنك قد تقول كلمةً بحقِّ إنسانٍ فلا تحبُّ أنْ تصل إليه، أَلَا تخاف وتستحي أنَّ الله مطَّلع عليك، وهذا مما لا يُرضيه؟ فإلى أيّ حال وصل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها؟ لقد فَقَدوا المهندسين الذين يُحسنون بناء العقل وبناء الأخلاق وبناء الإيمان.. الشيخ محمد عبده رحمه الله له أبيات كان يقول فيها

وَلَستُ أُبالي أنْ يُقالَ: مُحمَّدٌ أَبَلَّ أَمِ اكْتَظَّتْ عَلَيهِ المآتِم

“محمد” يعني هو محمد عبده، يقول: أنا لا أُبالي إن شُفيتُ مِن مرضي أو متُّ وأقيم المأتم والحزن عليَّ، فأنا لا أخاف مِن الموت، وليس لي طمع في الحياة ولا رغبة، إنما قال

وَلَكِنَّهُ دِينٌ أَرَدتُ صَلَاحَهُ أُحاذِرُ أنْ تَقضِي عَلَيهِ العَمائِمُ

فإنه كان في زمانه جمودٌ وتزمَّتٌ وتكفير الناس بعضهم لبعض، وأكثرهم أصحاب العمائم، وليسوا كلهم حاشا، لكن الكثير والأكثر كانوا بهذا الشكل، حتى كفَّروه، وكان مجدِّدًا للإسلام رحمة الله عليه.

وَلَكِنَّهُ دِينٌ أَرَدتُ صَلَاحَهُ أُحاذِرُ أنْ تَقضِي عَلَيهِ العَمائِمُ

فإذا أتاك الخَطَأ وعلى رأسه عمامة فهنا الخطر، وإذا أتاك الدِّين [الدِّيْن هنا بمعنى عالِم الدين] وهو يلبس عمامة، أو أتاك الشيطان وهو يلبس عمامة فهذا الذي يخيف، أمَّا إذا أتاك الشيطان بقرونٍ وعيونٍ طويلة [عمودية] فتعرفه شيطانًا وتقول له: اخسأ.. ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] قال

وَلِلنَّاسِ آمَالٌ يُرجُّونَ نَيلَهَا إذا مِتُّ مَاتَتْ وَاضْمَحَلَّتْ عَزائِمُ

الأُمة والأمم برجالها الأفراد، فإنسانٌ يُحيي أُمةً وإنسان يُحيي أُمماً، سيدنا رسول الله ﷺ كان رحمةً للعالمين، سيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي رضي الله عنهم كان كل واحد منهم ليس أمة، بل كانوا أممًا ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120]، والآن فإنّ الأمة كلّها لا تساوي رجلًا واحدًا، “أُمةٌ برجلٍ، ورجلٌ كأُمَّة”، والسبب أنه ما الفائدة في ملكة الجمال إذا فَقَدتِ الروح والحياة؟ وأي فائدة في الثريا إذا انعدم التيار الكهربائي؟ [الثُرَيّا: مجموعة من المصابيح الكهربائية توضع عادة وسط المكان كمسجد أو بيت وغير ذلك] وأي فائدة في الطائرة إذا فُقِدَ الطيَّار؟

“وللناس آمالٌ يُرجُّون نيلها، إذا متُّ ماتت”: أحيانَاً موت رجل بموت أُمة، ووجود رجل بوجود أُمة.. فنسأل الله أن يُهيِّأ لنا مِن هؤلاء الرجال في كل ميادين الحياة، لأنَّ الأمم برجالاتها.

يقال: بأنَّ مَلِكين تحاربا فقال أحد الملِكين لوزيره: أيُّ الجيشين سينتصر بتقديرك، وأيُّهما سينهزم؟ قال: إنّ الجيش الذي ينتصر هو الأكثر رجالًا، فقال له: إنّ جيش العدو مئتا ألف، ونحن مئة ألف، قال له: لستُ أقصد بالرجالِ الجنودَ أو الشعب، ولكن أقصد بالرجال رجالَ الرجال ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37]، سيدنا عمر رضي الله عنه مِن الرجال، أبو بكر رضي الله عنه مِن الرجال، والنبي ﷺ صَنَع الرجال

يَبنِي الرِّجالَ وَغَيرُهُ يَبنِي القُرُى شَتَّانَ بَينَ قُرًى وَبَينَ رِجَالِ

هل مَن يبني جدراناً وأَسْقُفَاً كمن يصنع قلوباً وعقولاً؟ هذا يصنع أخلاقًا وهِممًا وعزائمَ وإراداتٍ تخرُّ أمام عظمتها الجبال.. قال: كيف سنعرف الرجال الذين قصدتهم بأيِّ الجيشين أكثر؟ قال له: أعطني مُهلةً محددةً.. فلمَّا انتهتْ أتى إليه، فقال الملِك: مَن سيَغلب؟ قال له: نحن، فالرجال عندنا أكثر، قال له: كيف وجيشنا مئة ألف وجيش العدو ضِعفه؟ فقال: إنّ العبرة ليست بأعداد الجيوش، بل العبرة بالرجال، يعني الذين هم على مستوى القيادة، وعلى مستوى بناء العقول والقلوب والأخلاق والإيمان والصبر والإيثار، قال له: كيف؟ قال: عددتُ الرجال الذين يحملون المواصفات في جيشنا فكانوا عشرين رجلًا في المئة ألف، وجيش العدو مئتا ألف ولكن فيهم ثمانية عشر رجلًا، فنحن نزيد عليهم برَجلَين، لذلك سيكون النصر لنا.. وتَحقَّق النصر على قلة عدد الجيش فيهم، وكثرة الجيش في أعدائهم.

وَلِلنَّاسِ آمَالٌ يُرجُّون نَيلَهَا إذا مِتُّ ماتَتْ وَاضْمَحَلَّتْ عَزائِمُ فَيا رَبِّ إنْ قَدَّرتَ رُجعَى قَرِيبَةً إلى عَالَمِ الأَرواحِ وَانْفَضَّ خَاتِمُ

يعني إذا قدَّرتَ رُجوعي إلى عالَم الأرواح، “وانفض خاتم”: إذا فُتِحَ ختم الظرف وظهر المكتوب، وخرجتِ الروح مِن الجسد الذي هو مثل الظرف.

فَبارِكْ عَلى الإسلَامِ وَارْزُقْهُ مُرشِدًا رَشِيدًا يُضِيْءُ النَّهجَ وَاللَّيلُ قَاتِمُ

“فبارك على الإسلام”: اجعل الخير والبركة في المسلمين، وبارك في الإسلام ليكون في قلوب المسلمين عقيدةً، وفي عقولهم فهمًا وعلمًا وحكمةً.. “يُضِيْءُ النَّهْجَ”: الطريق، “وَاللَّيلُ قَاتِمُ”: مظلِم.

يُماثِلُنِي نُطْقًا وَعِلْمًا وَحِكْمَةً وَيُشبِهُ مِنِّي السَّيفَ وَالسَّيفُ صَارِمُ

“يُماثِلُنِي”: هذا قول الشيخ محمد عبده رحمه الله، وكان يعرف نفسه، كان نقشبنديًّا صوفيًّا عالِمًا حكيمًا تقيًّا، لكن لقي مِن علماء زمانه في الأزهر مَن كفَّره على رؤوس الأشهاد، فرحمة الله عليه.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعل في أُمتنا مِن هؤلاء الرجال العدد المطلوب وزيادة على المطلوب.

نعود إلى سيدنا عثمان مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، قال له: “يكون العطاء لبناتك” فبماذا أجابه؟ قال: “لقد أمرتُ بناتي أنْ يقرأنَ كلَّ ليلةٍ سورة الواقعة، وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا)) 5 “، أي لا يفتقر، لأنه لا يخاف مِن الفقر بعد ذلك، ولا يفكِّر بالفقر، بل يفكِّر بالدار الآخرة، فيصير عنده غنى القلب، فنسأل الله تعالى أنْ يجعلنا مِن أهل القرآن.. هذا الحديث في فضائل سورة الواقعة.

الحال يوم القيامة

﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] أين جواب إذا؟ قال: إذا وقعتْ فسترون مِن الأهوال والأخطار ما يجعل القلوب في الحناجر، وما يجعل العقول والقلوب هواءً ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا [المزمل:17]، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]، ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) [الزلزلة:1-8].

هل نحمل همَّ الواقعة كما نحمل همَّ طعامنا، مع أنه لن يموت أحدٌ مِن جوعه، وكما نَحمِل هَمَّ شُربِنَا ولباسنا ونزهاتنا ورفاهيتنا؟ يكون بيتُه لا بأس به، لكنه يريد بيتًا أحسن، وعنده سيارة حسنة فيسعى لسيارة أحسن، ولكن هل يفكِّر في الآخرة وفي دِينه بأن ينتقل مِن الحسن إلى الأحسن، ومِن النقص إلى الكمال، ومِن فقر الدِّين إلى الغنى الدِّيني؟

﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] هل نفكِّر بالواقعة؟ هل نفكِّر في القيامة؟ ما معنى الإيمان باليوم الآخر؟ هل تتخيَّلها في كلَّ يوم وتجلس نصف ساعة تفكِّر أنه إذا قامت القيامة ماذا يكون وضعك؟ ما مصيرك؟ ما مستقبلك؟ هل ستأخذ كتابك بيمينك أم بشمالك؟ ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، هل ستخرج مِن القبر أسود الوجه مثل الفحم، أم أبيض مشرقًا مثل القمر؟ هل تفكِّر في ذلك؟

ليس في القيامة كذب بل فضيحة

﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة:2] عندما تقع القيامة هل يستطيع الذين كانوا يكذِّبون بنبوة سيدنا محمد ﷺ أنْ يكذِّبوا ويقولوا: إنَّ محمد ليس رسول الله؟ هل يستطيع الذي كان يكذِّب بالإسلام أن يُكَذِّب يوم القيامة؟ والذي كان يعبد الأصنام هل يستطيع أن يكذِّب أنَّ عبادته كانت هباءً منثورًا؟ والذي يُكَذّب ويقول: لا يوجد حساب ولا عقاب، هل يستطيع أن يُكَذِّب في ذلك الوقت؟ ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا عند وجودها ليس هناك نفس تكذب بما أَخبر به القرآن والنبي عليه الصلاة والسلام.

فإذا رأيتَ الثواب والعقاب بمشاهدة العين، ودفاتر أعمالك كلها مليئة بالسيئات، فلا فرائض الله أدَّيتَ، ولا عن محارم الله انتهيتَ، ولا ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36] فقلبك مليء بالحقد والغش والخيانة والرياء، وهذا كلُّه سيُكشف يوم القيامة، والله عزَّ وجلَّ أيضاً يكشف الإنسان في الدنيا قَبل الآخرة، فالكذّاب يَكْذِب مرة أو اثنتين أو ثلاثاً، ثم ينفضح، وهكذا الخائن والمرائي.

وَمَهما تَكُنْ عِندَ امرِئٍ مِن خَلِيقَةٍ وَإنْ خَالَها تَخفَى عَلَى النَّاسِ تُعلَمِ

و((مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَها، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ)) 6 ، فمهما أظهر أنه صادق سيُكشَف، وبعد ذلك يقولون: فلان كذَّاب، فلان منافق، فلان لا تثقوا به، ويقولون عن الصالح: فلان مخلص، فلان صادق، فلان ناصح، فلان كذا.. اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنتَ خير مَن زكاها.

﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة:2] هل هناك حساب على الفتيل والنقير والقطمير؟ نعم، هل هناك تَبيَضّ وجوه وتسوَدّ وجوه؟ ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، نعم.. هنا يقول قائل لك: “بَلَا خَلْط بَلَا كَذا” [بَلا خَلْطْ: مثل قولنا: لا تخلِط ولا تُهذِي.. وهذا مصطلح عامي، بمعنى أن ما تقولَه كلام مختلط بعضه ببعض، وهو افتراء وكذب، ولا حقيقة له] هل يستطيع هناك أن يقول: “بَلا خَلْط”؟ هل يستطيع أنْ يقول: هذه خرافة؟

القيامة تخفض وترفع

﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:3] تخفض أقوامًا كانوا في قمة العزة والمجد ملوكًا وأغنياء وأعزَّاء وكانت لهم نَيَاشِيْن [النياشين: جمع نيشان، وهي الأوسمة التي تُوضَع غالباً على الكتفين أو الصدر، وتعطى لمن يقوم بأعمال تفيد المجتمع والبلد].. عندما تموت هل يضعون نياشينك على الكفن؟ وهذا في الدنيا قبل الآخرة.. ولو وضعوه على الكفن هل سيلقي أحد عليك التحية؟ هل ستنفعك أموالك؟ كيف سيكون الغني الذي كان معزَّزًا بغناه، والعظيم الذي كان معزَّزًا بعظمته الدنيوية؛ بالملك أو السلطان أو الجاه أو الأنصار أو الأعوان؟ ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:3] وهناك أناسٌ كانوا في الدنيا فقراء لا أحد يرفع بهم رأسًا، محتقَرِين لا يُؤبَه لهم إذا دخلوا أو خرجوا.

وإذ بالأذلاء صاروا هم الأعزاء، والأعزاء هم الأذلاء، أخذ عزَّ خمسين سنة أو أربعين سنة أو ثلاثين سنة، ثم ذهب وأمامه ذلُّ أبد الآبدين، هل يربح؟ وكيف ذُلُّ وعذابُ عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة إذا أعقبها المغفرة ورضوان الله عزَّ وجلَّ وعزُّ الأبد؟ قال: يُؤتَى بأفقر الناس، وأتعس الناس مِن المؤمنين في الدار الآخرة، فيُرفع الحجاب وينظر نظرةً في الجنة فيقال له: ماذا رأيتَ مِن التعاسة في حياتك؟ يقول لهم: ما رأيتُ شيئًا أبدًا.. بنظرة واحدة إلى الجنة يَنسَى كل الآلام وكل الأحزان وكل الهموم وكل الذكريات المؤلِمة.

ويُؤتى بأسعد إنسان في الدنيا مِن الأغنياء وأصحاب البطون الكبيرة والبنايات الشاهقة والرصيد في البنوك بالمليارات، [البِنَايَات: جمع بِنَايَة، وهي في العامية السورية بمعنى العمارة الكبيرة التي تحوي بيوت كثيرة] فيغمسونه غمسة في جهنم، ويقولون له: ماذا رأيتَ في حياتك مِن النعيم؟ فيقول لهم: ما رأيتُ شيئًا 7 .. بغمسة واحدة، فكيف إذا كان ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]؟ واللهِ إن الإنسان لو حُبِسَ في حظيرة أربعًا وعشرين ساعة يُوَلْوِل، وكذلك لو حُبِس في زنزانة يُوَلْوِل. [يُوَلْوِل: كلمة تُستخدم بالعامية السورية كثيراً، وتعني: يصرخ بالويل، حيث يبكي بصراخ وجنون مثل بكاء النساء وعويلها].

﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:3] فكِّر هل أنتَ مِن المخفوضِين غدًا أم مِن المرفوعين؟ وأنتِ يا سيدة! الآن تلبسين الموضة مِن أجل أن يُرفع قدرك، فهل يا ترى ارتفع قدرك عند الله عزَّ وجلَّ؟ هل أنتِ في الواقعة مِن المخفوضِين أم مِن المرفوعين؟ وأنتَ وشهادتك ونياشينك ووظيفتك ووزارتك.. هذا كله منام، “النَّاسُ نِيَامٌ، فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا” 8 ، وإذا انتبهوا ندموا حيث لا ينفعهم الندم.

مقدمات النهاية

متى تقوم القيامة؟ وما مقدِّماتها؟ قال: أوَّل شيء ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة:4] الناس يكونون في سوق الحَمِيْدِيَّة أو البُزُوْرِيّة أو الحَرِيْقَة [هذه أسماء أسواق مشهورة في دمشق] أو في الوزارات أو في بيوتهم أو في غيرها، وإذا بالأرض قد اهتزت وصارت تضطرب وتتحرَّك في حركاتٍ وزلزلات تقطع القلوب مِن الرعب والخوف، والأبنية كلُّها تتهدَّم، ولا يبقى على وجه الأرض شيء إلا ويصير خرابًا، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه:105-107]، لا فيها شيء مرتفع ولا شيء منخفض.. هذا حال الجبال! فكيف بحال بيتك والبِنَايَة والقصر؟

﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا [الواقعة:4-5] الجبال تَفَتَّتَتْ، وصارت كالعهن المنفوش، وصارت كالهباء المنثور، الهباء هو الغبار أو ما يُرى في شعاع الشمس مِن ذرات الغبار، هكذا تكون الجبال، ماذا سينفعك في هذا اليوم؟ هل الشهادة الجامعية أم الدكتوراه أم الأوسمة أم المال أم النسب أم الحسب أم الشباب أم الجمال؟ نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الحقيقي في الدار الآخرة، ومع ذلك فإنّ القرآن قال: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] ما أعظم الإسلام والإيمان بالقرآن! القرآن يُقرَأ للتخلُّق، يُقرأ لتتبلَّغ الأوامر وتنفِّذها، لكن أنْ تقرأه للقراءة بلا علم ولا عمل

رُبَّ تَالٍ يَتلُو القُرَانَ بِفِيهِ وَهُوَ يُفضِي بِه إلى الخُذْلانِ

قال: كيف الواقعة؟ قال: الواقعة هذه بعض مقدِّماتها ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة:4]، فلا ترى إلا الأسقف والبيوت والقصور والأسواق والشوارع صارت كلها مهدومة، ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا [الواقعة:5]، ما معنى بُسَّت؟ صارت كذرَّات الرمل تفتُّتًا، وطارت في الهواء فصارت غبارًا ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:6].

الأصناف الثلاثة عند الحساب

﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً [الواقعة:7] الناس في ذلك الموقف يكونون ثلاثة أنواع.. اليوم هم شيوعيون وإخوان مسلمون وبَعثِيّون وشافعية وأحناف وسنة وشيعة، ويوم القيامة ثلاثة أصناف، ما هي هذه الأصناف؟ قال: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة:8] الذين أخذوا القرآن بيدهم اليمنى عِلْمًا وعملًا.

الصحابة كانوا أميين فصاروا أعظم أُمة على وجه الأرض بالقرآن ومعلِّمه، بالقرآن ومرشده، بالقرآن ومهندسِ بِنَائِه في قلوب وعقول المجتمع العربي، فالقرآن جعل الصعاليك ملوكًا، والفقراء في قمة الغنى، والمجهولين النكرة صاروا عالَمِيِّين، ولا يزال الإسلام هو هذا، فيجب علينا أن نعود إلى الإسلام، وما العود؟ ليس بالأماني والتمنِّي، بل العَوْد بالعلم والمعلِّم وبالتربية والمربِّي وبذكر الله عزَّ وجلَّ وعدم الغفلة، وبتجنب الجهل، سواءٌ الجهل العلمي والفكري، أو الجهل الأعمالي والخُلُقي.. قد تجده قارئًا ويحمل شهادات، لكن أعماله أعمال الجاهلين، يكون قد درس في المختبر كل السموم وهو عالمٌ بها، ثم يأتي لسمِّ الكوبرا ويجرِّبُه على نفسه، ويُعطيك خمسين محاضرة عن السموم، لكنه تجرع السم القاتل، هل هذا جاهل العلم أم جاهل العمل؟ هذا جاهل العمل.

الله عزَّ وجلَّ قال لسيدنا نوح عليه السَّلام: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] الجاهلين في أعمالك، فأنتَ تطلب منِّي أن أنجِّي ولدك، وقد وعدتُك أنْ أُنجيَك وأهلك معك، وابنك لَمَّا اختار الكفر على الإيمان انقطع عن نسب النبوة ﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ قال: عملٌ، ولم يقل: جسدٌ ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] ولذلك كان النبي ﷺ يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ)) 9 ، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23]، لم يلتجأ إلى الله أو إلى مدرسة الله أو إلى ثقافة القرآن، بل إلى أهوائه وقرناء السوء وجلساء السوء الفسقة الفجرة.. أين الناس اليوم؟ هل يعرفون مكانهم وأوضاعهم وحقيقة حالهم ومصيرهم؟ ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

أهل اليمين

﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً [الواقعة:7] كل البشر مِن عهد آدم عليه السَّلام إلى قيام الساعة ينقسمون إلى ثلاث أحزاب: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة:8] قال: وما أدراك ما أصحاب الميمنة! مِن سعادتهم ومستقبلهم السعيد ومِن حسن المصير ومِن السرور الذي يملأ قلوبهم حين يرَون أنفسهم وكتابهم بيمينهم، وعندما يرون أنفسهم مع الصالحين، مع الذي أنعم الله عليهم.

قال: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة:8] “ما أصحاب الميمنة؟” قال: مهما أخبرناك فإن عقلك لا يُدرك ما حصَّلوا عليه، وما انتهى إليه مصيرهم ومستقبلهم الأبدي الخالد الذي لا يفنى ولا يزول.. ومهما لقي المؤمن في الدنيا مِن عذاب ومِن شقاء ومِن قِلَّةٍ فهذا أمر صغير، خاصة إذا كان على الإيمان الحقيقي.

أهل الشمال

﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:9] سود الوجوه، تسحبهم الملائكة مِن نواصيهم والأقدام ﴿فَيُؤخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقدَامِ [الرحمن:41] منهم المسحوبون على وجوههم مِن أرجلهم، ومنهم مِن شعر رؤوسهم ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [الفرقان:13] يُوَلْوِلون، يَدْعُوْن على أنفسهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:99-100] ((اغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمْسٍ: صِحَّتَكَ قَبلَ مَرَضِكَ، وَشَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَغِناكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَحَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغْلِكَ)) 10 .

هل هذا الكلام للسماع أم للعمل؟ فإذا كانت الأرض جيدة وأُلقي فيها البذار وسُقيَت ﴿أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] لكن إذا كانت الأرض سبخة فمهما أحضرتَ لها البذار الجيد، ومهما سقيتها السقاية الجيدة ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف:58].

﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:9] هم المشؤومون مثل أبي جهل، فقد جاءه النبي ﷺ خاتم النبيين، وسيد ولد آدم، وأعظم الحكماء، وأعظم العلماء، وأعظم الأنبياء والرسل، ولكن أبا جهل بقي أبا جهل، وأبو لهب كذلك، وهو عمُّ النبي ﷺ! لم يَذكر الله عزَّ وجلَّ من الكفَّار بأسمائهم في حياة النبي ﷺ إلَّا واحدًا وهو عمّ النبي ﷺ، لأنَّه إذا كان قريبًا مِن النبوة أو قريبًا مِن الدَّعوة إلى الله، وكان سلبيًّا يصير كفره أسوأ كفر، وسخط الله عليه يصير أعظم السخط، والشؤم عليه أعظم الشؤم.

لم يذكر الله تعالى أبا جهل، ولم يقل: تبت يدا أبي جهل، لكن قال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] إشارةً إلى أنَّ النسب الجسدي إذا لم يكن معه النسب الإيماني والأخلاقي ونسب التقوى فإن النسب الجسدي يصير شؤمًا ويصير مقتًا على صاحبه.

﴿يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ [الأحزاب:30-31] القنوت الطاعة مع دوامها، ليس بأنْ يكون يومًا صالحًا ويومًا فاسدًا، يوماً يأكل بقلاوة ويوماً يأكل الروث، فما هذا الذَّوق؟ هذا الذي ليس له استقرار.. إذا كنتَ شقيًّا تبقى مع الأشقياء، وإذا كنت سعيداً تبقى مع السعداء، وهل يصح أن تكون كل يوم في لون؟ [يوم مع الصالحين ويوم مع الفاسدين] فلا تَعْرِف أن تُفَرِّق بين البقلاوة وبين الروث والنجاسة؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبِّتنا بقوله الثابت.

﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:9] “ما أصحاب المشأمة؟” بأيِّ حال! بأيِّ خزي! بأيِّ شقاء! بأيِّ ندامة! بأيِّ سوء مصير!

مقام السابقين لأهل القلوب الحية

﴿وَالسَّابِقُونَ [الواقعة:10] هؤلاء فوق أصحاب اليمين، وهم السابقون في الدنيا الذين كانوا يسارعون: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] ليس الذي يقول: أنا ما زلتُ شابًّا وما زال الأمر مُبَكِّراً.. وهو متباطِئ متثاقِل متخلِّف عن طاعة الله، وعن امتثال أوامره.. فماذا ينتظر؟

فالسابقون في الدنيا إلى مرضات الله عزَّ وجلَّ هم السابقون إلى المنازل العالية والشَّرف الكبير في الدار الآخرة، بل واللهِ [إلى المنازل العالية والشرف] في الدنيا والآخرة، ما معنى قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل:30]؟ هل وجدوها؟ هل صدق الله العظيم؟ هل وجدوا الحياة الحسنة؟ لقد وجدوا العز والمجد.. وكان ذلك بكتاب واحد وهو القرآن، وبمدرسة واحدة هي المسجد، وبمعلم واحد هو النبي عليه الصلاة والسلام.

والمدارس اليوم بالآلاف وبمئات الألوف، والمعلمون كذلك، والمشايخ كذلك، لكن مشفى ولا أطباء فيه ما فائدته؟ وتمديدات كهربائية، وكل الأدوات الكهربائية لكن بلا تيَّار فما الفائدة؟

والسابقون في الدنيا الذين سارعوا: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] سارعوا قبل أن يُسارِع إليكم الموت، سواءٌ موت الجسد أو موت القلب، فإذا ما مات القلب يسمع صاحبه الموعظة فلا يتَّعظ، يُخيفه الله تعالى فلا يخاف، يُرغِّبه الله فلا يرغب، يُشوِّقُه فلا يشتاق، يُحذِّرُه فلا يهاب، ينهاه فلا ينتهي، يُنصَح فيرفُض النصيحة، وهذه علامة موت القلب: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80] هل يستطيع الأعمى أن يُفرِّق بين الأبيض والأسود؟ وهل يفرق الأصمُّ بين صوت أم كلثوم وصوت الحمير؟ [أم كلثوم: مغنية مصرية مشهورة، صارت مضرب المثل بجمال الصوت] فإذا لم يعجبه صوت أم كلثوم فهل العِلَّة مِن أم كلثوم أم مِن أذنه الحمارية؟ الحمار هل يُطرب لصوت أم كلثوم؟ حتى ولو قالوا لها: انقلي مِن حجاز كار لِلْبَيَات لعلَّ الحمار يطرَب، فغيَّرت لنغم آخر ثم لثالث ورابع.. ولكنْ إذا أتوا له بحمارة، وغنَّت له مَوَّالًا فإنه يطرب، [المَوَّال: أغنية إفرادية لا جماعية] فالحمار ماذا يريد؟ موسيقى الحمير، والتقي يريد موسيقى الأتقياء، والشقي يريد موسيقى الأشقياء، والخنافس هل تعيش في المزابل أم بين الرياحين والورود؟ ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26].

قال: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10] اللهم اجعلنا منهم.. سابَقُوا بالهجرة، وتركوا أموالهم وأولادهم وعشائرهم.. والزوجةُ تترك زوجها، والزوج يترك أهله وأباه وأمه وزوجته، وتركوا أموالهم وديونهم، فهل خسروا في آخر المشوار؟ [المُشْوار: كلمة تركية، تعني جولة قصيرة، تُستخدَم كثيراً بالعامية السورية، بمعنى الذهاب إلى مكان ما، وغالباً بمعنى نزهة] قالوا: “مَن ضحك أخيرًا ضحك كثيرًا”، هِتْلِر في أول الحرب حقَّق عِدَّة انتصارات، لكن الكلام للنصر الأخير.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعل خاتمتنا صالحة.

الاستعداد للفوز بالسباق

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10] كان النبي ﷺ يقول: ((الدَّنيا مِضمارٌ)) 11 يشبهها بخيل السباق، فإنهم كانوا يُضَمِّرونها، فلا يُطعمونها تبناً لئلَّا تكبر بطونها فتثقل حركتها، ويطعمونها شعيرًا خالصًا، وضمن حدود محددة، حتى تُبنى عضلاتها، وبالتمرين تصير جاهزة للسباق.

((الدَّنيا مِضمارٌ)) فيجب أنْ تُضِمِر نفسَك عن شهواتها، فسمعك وبصرك وعقلك وأيامك وساعاتك كلها تصرفها في رضاء الله عزَّ وجلَّ.. أنت تنتقي الحذاء انتقاءً [عندما تريد شراءه]، وكذلك “التواليت” [المرحاض: مكان قضاء الحاجة] وهكذا المِكْنَسَة، أليس كذلك؟ لكن هل تنتقي الصاحب الذي سيُخالط عقلَك وفكرك وأخلاقك وستنتقل إليك كل صفاته وميوله شئتَ أم أبيتَ؟

تصحب الحشَّاش، وبعد مدة ترى نفسك قد مِلتَ وصرتَ حشَّاشًا، وتصحب من يشرب الخمر فتصير سكيرًا مثله، تصحب الكذَّاب فتصير كذَّابًا مثله، وتصحب المنافق فتصير منافقًا، وتصحب الكافر فتصير كافرًا، وتصحب الفاسق فتصير فاسقًا، وتصحب التقي فتصير تقيًّا، وتصحب الذاكر فتصير ذاكرًا، قيل: “قل لي: مَن تَصحب، وأنا أقول لك مَن أنت”، ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) 12 .

صفات السابقين

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:10-12] سُئِلَ النبي ﷺ عن السابقين والمقرِّبين، فقال: ((الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ)) يأخذون حقَّهم فلا يتجاوزونه، ((وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ)) إذا طُلب منهم الحق بَذلوه، ((وَالَّذِينَ يَحكُمُونَ لِلنَّاسِ كَما يَحكُمُونَ لأَنْفُسِهِمْ)) 13 هذه مِن صفات السابقين.. في المدرسة تحبون أن تكونوا الأوائل، أليس كذلك؟ وفي المعرِض الذي يَعرض فيه التجار بضائعهم، يحبُّون أن يكونوا الأوائل، والضُّبّاط [في الجيش] يحبون أن يأخذوا أعلى الرتب، وأصحاب الأموال يحبون أن يكونوا الأكثر مالاً.. ويا ترى في الآخرة هل لديك مِثل هذه الرغبة؟ في الرياضة البدنية يحبون أن يفوزوا بكأس العالم، أو كأس سورية، ولكن المهم أن تأخذ الكأس الرباني، كأس التقوى، كأس العِلم.. عندما تعلم أنَّ الأفعى سمُّها قاتل.. هذا هو العلم، ولكن ما أثره فيك؟ أنْ تجتنب الأفعى، وعندما تعرف أنَّ العسل فيه شفاء، فما أثر هذا العلم فيك؟ أثره أن تدفع ثمن الكيلو ثلاث مئة ليرة أو أربع مئة [ثمناً غالياً في ذلك الوقت]، لكن إن اشتريت الثعبان بأربع مئة ليرة ورميت العسل في القمامة، فعلى أي شيء يدل هذا؟

قيل: دعا أحد الأتراك أصدقاءه إلى وليمة، فأحضر اللحم ونسي أنْ يُحضر الجوز، فرجع ليشتريها، ولَمَّا عاد إلى البيت وجد كيس اللحم ممزَّقًا، والقط بطنه منفوخ، ورائحة اللحم تخرج مِن فمه، وهو جالس على سجادة الصلاة ويخرخر كأنه يقرأ وِرْدَه، فقال له: “قراءة شوك زِمَّت يوك”، [شوك: باللغة التركية تعني كثير، يوك: تعني لا يوجد] يعني أنتَ تقرأ كثيرًا، ولكن لا أمانةَ لديك.. وبعض الناس تراه بالكلام والثرثرة يتكلَّم خمس ساعات ولا يكلُّ ولا يَملُّ، ولكن إن نظرت إلى أعماله فتراها مِن غير إعمال للعقل.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعطينا العقل، وأن يُعطينا الخُلُق والإيمان والتقوى.

من كان في مقام القرب نال النعيم بجنانه

قال: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:11] مِن الله، مُقَرَّبون: فحكمتهم مِن حكمته، وعلمهم مِن علمه، وأخلاقهم مِن أخلاقه، وأنوارهم مِن نوره، وروحانيتهم مِن رُوْحِ قدسه.. لا قرب المكان بل قرب الصفات، وقرب الأخلاق، وقرب العلم، وقرب التشابه في الفضائل والكمالات.

﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:12] ليست جنة، ((أَتَحسَبِينَها جَنَّةً واحِدَةً؟ إِنَّهَا جِنَانٌ، وَإِنَّ حَارِثَةَ في الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى)) 14 أحدنا يملك حديقةً مساحتها عشرون أو ثلاثون قَصَبَة يشعر أنه صار عنده جنة [القَصَبَة: وحدة قياس].. ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا)) 15 ، عالَمٌ واسعٌ كبيرٌ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] هل تبيع هذه الجنة بمجلس فسق ولأجل فاسق؟ كيف تبيع اللهَ والجنة وشجرةً الغصنُ منها والفاكهةُ منها لا يتصورها العقل؟ لَمَّا كان النبي ﷺ في صلاة الاستسقاء وهو يصلي أو يخطب رأوه يُقبِل وكأنه يتناول بيده، ثم رجع القهقرى، فقالوا: يا رسول الله رأيناك تفعل كذا، فماذا كنتَ تفعل؟ قال: ((عُرِضَتْ لي الجَنَةُّ، فَرَأيتُ عِنَبَها، فَأَردتُ أنْ أَقطِفَ لَكُم عُنقُودًا، فَتَراجَعتْ عَنِّي، وَلَو وُجِدَ هَذا العُنقُودُ لَأَكَلتُمْ مِنهَ مَا بقيت الدُّنيَا)) 16 ، ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، فمَن يبيع جنة عرضها السماوات والأرض لأجل فاسقٍ أو منافق، أو لئلَّا يَغضب منه فلان؟ فليغضبْ منك خمس مئة مليون شيطان، ولا يَغضب اللهُ عزَّ وجلَّ منك، خمس مئة ألف شيطان أَغضِبهم واخسرهم ولا تخسر إيمانك ودِينك وتقواك.

قال: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:11] مِن الله عزَّ وجلَّ، وأين المكان والمصير؟ ﴿فِي جَنَّاتِ، لكن جنات ماذا؟ قد يُدْخِلُون شخصاً إلى بستان، ولكن كيف؟ يربطونه مِن رجليه ويجعلون رأسه للأسفل، ويعلِّقونه على شجرة.. قال: ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ يعني جماعةٌ وطائفة ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة:12-14] مَن الأولون؟ قال: المقرَّبون في الأولين مثل الصحابة والتابعين الذين كانوا أوَّل المسلمين إسلامًا، والذين كانوا أول مَن أسلموا مع إبراهيم عليه السَّلام، وأول مَن أسلموا وآمنوا بعيسى وبموسى عليهما السَّلام، فهؤلاء من الأولين.

﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ لأنه عندما يتأخَّر الزمان عن عصر النبوة وعصر الوحي وعصر مشاهدة نور النبوة في الأنبياء يتراجع الإيمان، ويقلُّ المقربون.

﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [الواقعة:13] كالصحابة والتابعين، ﴿وَقَلِيلٌ من الذين يأتون لاحقاً، ويكون إيمانهم مثل إيمان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا كان يعتبر مِن عامة الصحابة، أمَّا الخواص فكأبي بكر وعمر والعشرة المبشرين رضي الله عنهم.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مِن أهل القرب، ولا يكون ذلك بالتمني ولا بالتَّشهي، بل بالعمل والعزيمة.

﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ الحكمة ﴿صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً أعطيناه الحب والرحمة والحنان على مخلوقات الله، ﴿وَكَانَ تَقِيًّا (13) يُسارع إلى مرضات الله، ويهرب مِن معاصي الله ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا [مريم:12-14] الجبَّار هو الذي يُقدِم على إيذاء الناس، وعلى معاصي الله عزَّ وجلَّ، ولا يفكِّر في العاقبة، الذي يظلم ويضرب ويبطش ويكفر ويسب ويشتم، ولا يخاف مِن الله ولا مِن المصير ولا مِن المعاقبة، فهذا هو الجبار، ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا [مريم:14] والجبار إلى أين يصل؟ يصل إلى الشقاء، إنْ في الدنيا أو في الدنيا والآخرة ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم:14] ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15].

فُرُش الجنة

﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ [الواقعة:15] المكان: الجنات، وصفة الناس: المقربون، والمنامَة والفرش: على سُرُرٍ موضونة، ما الموضونة؟ يعني المنسوجة بخيطان الذهب.. مَن منكم يملك سريرًا خيطانه مِن ذهب؟ مهما صرتَ غنيًّا هل تملكه؟ فيه الذهب إضافة إلى اللؤلؤ والجواهر المرصَّعة.. وهو في الدنيا يكون درويشاً [فقيرًا مسكيناً]، وراتبه لا يسد جوعه، فيجعله الله عزَّ وجلَّ مِن المقرَّبِين: ((رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذُي طِمْرَيْنِ)) ملابسه بالية عتيقة، ((لَا يُؤبَهُ لَه))، ولا يَنْتَبِه له أحدٌ، ((لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ)) 17 ، إذا قال: يا ربي أُقسم عليك إلا فعلتَ الأمر الفلاني، فإن الله تعالى لا يُخيِّبُ أمله، ولا يردُّ طلبه.

﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا [الواقعة:15-16] عندما يكون الإنسان متَّكئاً ومسترخياً هل يحمل هماً؟ معناه الاسترخاء الكامل للجسد والروح، وليس هناك همٌّ ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: 62]، الخائف هل يتَّكئ؟ والمحزون هل يستطيع أنْ يتَّكئ؟

﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ [الواقعة:15] هذا حال السُّرُر، وكيف حالهم؟ قال: بحالة الاسترخاء الكامل ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].

السعادة باجتماع أهل القرب في الجنة

﴿مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:16] يناقشون بعضهم ويسامرون بعضهم ويتذكِّرون كيف كانوا في الدنيا، كيف كانت ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] كيف كانوا يكظمون الغيظ، كيف كانوا يَلجُمون أنفسهم عن شهواتها المحرمة، كيف كانوا يُؤثرون الآخرة على الدنيا، ورضاءَ الله عزَّ وجلَّ على رضاء الخلق، ((مَن أَرضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَرضَى عَلَيهِ النَّاسَ، وَمَن أَرضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَسخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ)) 18 كمَن يرتكب المحرَّم حتى لا يغضب فلان، ويُغضِب الله عزَّ وجلَّ مِن غير أنْ يسأل عن غضبه سبحانه، فالله عز وجل سيكون ساخطاً عليه يوم القيامة.. قيل: “مَن أراد أنْ يَعرف منزلته عند الله فَليعرف ما منزلةُ الله عنده”.

أين الإسلام؟ فهل مِن السهل أن تعيش على الإسلام وتموت على الإسلام؟ أبو بكر رضي الله عنه هل صار مِن نفسه؟ عمر رضي الله عنه هل صار مِن نفسه؟ وعثمان هل صار وحده؟ والذين أعرضوا عن النبي ﷺ وآذوه هل أفلحوا؟ وهل نجحوا؟ وهل سعدوا؟ وهل انتصروا؟

﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ساعة القصاص الإلهي قد تكون في الدنيا أو في الآخرة ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:45-46].

﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:16] متحابِّين، لا تقابلَ الجسد فحسب، بل الجسد والروح والنفس والعقل، فعندما يكون الإنسان مع مَن يحب يُقبل عليه بكل مشاعره، وبكل عقله، وبكل أحاسيسه.. هذه حالتهم النفسية.

خدم أهل الجنة

هؤلاء في الجنة إذا كانوا من غير خُدَّام هل تستقيم أمورهم؟ إذا أعطوك بيتًا مثل القصر فهل تقدر أن تعيش فيه وحدك؟ أَلَا تحتاج مَن يُساعدك؟ مَن يطبخ ويخدم ويجلي ويكنس؟ فمن الخَدَم؟ قال: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ للخدمة ﴿وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة:17] ماذا يعني مخلَّدون؟ يعني مخلَّد في سنِّ الوِلْدَان، لا يكبر ولا ينبت شعر في وجهه، ولا يهرم، ولا يمرض، مخلَّد في سنِّ الولدان؛ لأن الولد مظهر الجمال، فالخدم إذًا بمنتهى الجمال.. هذه خدم أهل الجنة.

﴿بِأَكْوَابٍ ما هو الكوب؟ الكوب الكأس التي لها يدٌ، ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ [الواقعة:18] الإبريق الذي له يد وفم أو خرطوم ﴿وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة:18] كؤوس لها أَيْدٍ وكؤوس بلا أَيْدٍ، ومِن مَعين: ﴿مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15] لا التي تُعصَر بالأيدي والأرجل وفيها الفاسد والحامض، بل يكون النهر كله خمرًا.. هل تريدون أنْ تصيروا سُكارى؟ [يسأل ذلك سماحة الشيخ ملاطفاً ومداعباً الحضور، ومُبَيِّناً لبعض أحوال الجنة.. وهذا أسلوب يرسخ المعلومة أكثر في الأذهان] لكن أين؟ في الجنة، ومِن أين؟ من معين، ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15] قال: الخمر إنْ شربها الإنسان يسكر ويفقد عقله، ويتقيَّأ على نفسه ويؤلمه رأسه، أمَّا خمر الآخرة وخمر الجنة فـ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا لا يصيبهم صداع ﴿وَلَا يُنْزِفُونَ [الواقعة:19] والخمر لا يَستنزِف عقلَهم ولا تفكيرهم ولا شعورهم.. يا سلام! إذن في الجنة يوجد خمارات ورقص وملكات جمال ومناظر جميلة! وهل هذه مجانًا أم بأسعار غالية؟ الثمن يُدفع في الدنيا، والقبض في الآخرة، والثمن بالعمل لا بالأماني.. بعض الناس يقول: الحمد لله على دِين الإسلام.. يقول ذلك كلاماً، ولكن أين الإسلام؟ هل الإسلام بالكلام؟ أين دِين الإسلام في نطقك، في عقلك، في تفكيرك، في ظاهرك، في باطنك، في أصحابك، في صلاة جماعتك، في علمك، في ذكرك، في تقواك، في مرشدك، في مربِّيك، في مهذِّبك؟ أبو بكر رضي الله عنه هل صار لوحده؟ لولا النبي ﷺ هل يصير أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ لولا النبي ﷺ هل يصير عمر الفاروق رضي الله عنه؟ المسلم اليوم مسلمٌ بلا مربٍّ، مثل طبيب بلا كلية الطب، أو صيدلي بلا كلية الصيدلة، وهذا بنظر الناس كذاب، وإذا كان يُصدِّق نفسه فهو مغرور أو أحمق أو مجنون.

﴿بِأَكوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأسٍ مِّن مَّعِينٍ [الواقعة:18] كؤوس لها يد وكؤوس بلا يد، ﴿وَأَبَارِيقَ يَصُبُّون بها في الكؤوس، ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا [الواقعة:19] لذة وطرباً بلا صداعٍ ولا سُكرٍ.

طعام أهل الجنة

﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ الخمر أولًا ثم المُكَسَّرات ثم الفاكهة، ﴿يطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:17-20] في أثناء الطعام لك الحق في أن تختار الفاكهة مِن أمامك ومِن أمام غيرك، أما الأكل الذي فيه الدسم وما شابه فتأكل مما يليك.

﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] الآن التغذية الصحية الحقيقية أنْ تكون الفاكهة قبل الطعام، والقرآن قَبل خمسة عشر قرنًا قال: تغذوا على الطريقة العلمية التي سيكشفها العلم بعد خمسة عشر قرنًا، لأنَّ الفاكهة تأخذ حجمًا في المعدة، فلا يقع الآكل في التخمة، ويأتي الغذاء واللحم وغيره مِن المأكولات فيأخذ الحجم القليل، فيكون غذاؤك كاملًا حسب القواعد الصحية والطبية.

﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] ليس لحم العجول، بل لحم الطير، فهو أطيب اللحوم وألذُّها.. فخمرٌ ولحم وفواكه وخدم، ماذا ينقصه بعد ذلك؟ ألا يريد عروساً؟

حور الجنة

﴿وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22] الحوراء هي شديدة البياض مِن حيث اللون، وهل لونها أبيض فقط؟ إذن لكان لونها مثل المصابة بمرض البرص، لكنه قال عن البياض: ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] الياقوت أحمر بصفائه، والمرجان أحمر، فهي مُحْمَرَّة وحوراء ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:23] كأنهنَّ اللؤلؤ الذي لم يصبه غبار ولا تلوُّثٌ عندما خرج مَن الصَّدَفة، فكم يُدلِّلُنا الله تعالى؟ وكم يُرغِّبنا ويشهِّينا؟ وكم يقدِّم لنا من الدعايات؟ كل ذلك مِن أجلنا نحن المساكين، فإن الله سبحانه وتعالى لا يستفيد منَّا شيئًا؟ الأب عندما يُرغِّب ابنه أو يحذِّره، فهل يحذِّره انتقامًا ويرغِّبه لمصلحته هو، أم أنَّ الأمر كلّه لمصلحة الابن ترغيبًا أو ترهيبًا، عطاءً أو منعًا؟ الله تعالى إذا منع يمنع رحمةً، وإذا أعطى أعطى حكمةً. [يمنع برحمة ويعطي بحكمة]

ثمن الجنة

﴿وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22] ما الحور؟ الحور جمع حوراء، والحوارء هي شديدة البياض، و”العِيْن”: هي شديدة بياض العين في شدَّة سوادها، ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:23] ولكن كم المهر؟ المهر هو التهجد: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، هو: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، هو: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، هو: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، هو الهجرة في سبيل الله إلى مجالس العلم والحكمة والتقوى، هذا هو الثمن، فمَن يدفع الثمنَ هل يهضم اللهُ حقَّه أو يُؤخِّر له الدفع دقيقةً واحدةً؟ الله تعالى يَعرض عليك هذه البضائع التي لا تُقدَّر بثمن، ويطلب منك أبخس الأثمان لتسعد فيها بالدنيا قبل الدار الآخرة.. الذي يتقي الله عزَّ وجلَّ هل يخسر بالدنيا؟ واللهِ سيربح بالدنيا، وسيصير مُكَرَّمًا في نظر الناس، عظيمًا في أعين الناس، وسعيدًا في حياته، ويغنيه الله عزَّ وجلَّ، لأنَّ الغنى مِن أين يصير؟ هل بالكسل والبطالة والثرثرة؟ ((إنَّ اللهَ يَكرَهُ العَبدَ البَطَّالَ)) 19 ، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، الآن الناس يسهرون ساعتين أو ثلاث، وكل سهرتهم ثرثرة وكلام لغو.. اللغَى هو صوت العصافير، فسهرتهم كأصوات العصافير لا فائدةَ منها، هذا اسمه اللغُو واللغى، فالله عزَّ وجلَّ وصف المؤمن بأنه لا يضيِّع وقته، ولا يستعمل لسانه إلا فيما ينفع وفيما يعود عليه بالخير، إمَّا في دِينه أو في دنياه، أمَّا إذا لم تكن هناك مصلحة لا في الدِّين ولا في الدنيا فيُمسك لسانه عن الكلام، وإذا سمع اللغو مِن الغير: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63] لا يأخذ ويعطي معهم، [يأخذ ويعطي في الكلام: مصطلح عامي، بمعنى يجادل أو يناقش أو يتكلم أكثر من اللازم] بل يقول: السلام عليكم.. مع السلامة.

يفعل ذلك لأنه كما قيل: “الكلام مع الحمقى كالذي يُغنِّي في المقابر للأموات”، لماذا لا نغني على القبور؟ هل الميت يطرب بصوت أم كلثوم؟ كذلك الحمقى لا يتلذَّذون بالحِكَم والعظات والإرشاد، فالأحمق أحمق، والميت ميت.

﴿وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22] هل ترغبون بزوجة حوراء؟ أبو هادي هل تريد حوراء؟ [يجيب أبو هادي بقوله: “يا ليت!” أتمنى ذلك.. فيمازحه سماحة الشيخ بقوله:] انتبه فأُمُّ هادي هنا، وعندما ترجع إلى البيت.. أعانك الله. [هذا من أسلوب سماحة الشيخ في التلطف والمباسطة مع إخوانه في أثناء دروسه].

قال رسول الله ﷺ: ((إِنَّ مِنَ المُنْشَآتِ اللَّائِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشًا رُمْصًا)) 20 فالعجائز المؤمنات اللواتي شعرهنَّ أبيض، وعيونهن ورموشهن مليئة بالعمش، يُحْشَرن يوم القيامة: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:35-37] ما العَرُوب؟ هي المرأة المتَودِّدةُ لزوجها بكل ما يحبُّه ضمن حدود الشريعة المطهَّرة، ﴿أَتْرَابًا: الأتراب يعني كلهنَّ متساوياتٌ في السنِّ، بنات ثلاث وثلاثين كأبناء الجنة، كلُّهم بسنِّ الثالثة والثلاثين.

الجنة جائزة العاملين

﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] فالجنة مقابل الأعمال الصالحة، ولا تكون بالأماني ولا بالبطالة ولا بالكسل ولا بالخمول ولا بالمعاصي.

تَضَعُ الذُّنوبَ على الذُّنوبِ وَتَرتَجِي دَرَجَ الجِنانِ وَطِيبَ عَيشِ العابِدِ وَنَسيتَ أنَّ اللهَ أَخرَجَ آدَمًا مِنها إلى الدُّنيا بِذَنبٍ واحِدِ

إبليس صار ملعونًا إلى يوم يبعثون لأنه ترك سجدةً واحدةً.. الله تعالى قال لإبليس: اسجد لآدم، ولو قال له: اسجد لي، لسجد له خمس مئة ألف سجدة، فمَن الأسوء تارك الصلاة أم إبليس؟ صلاة الظهر كم سجدة فيها؟ والعصر؟ والمغرب؟ والعشاء؟ والفجر؟ في كل أربع وعشرين ساعة يصير تارك الصلاة اثنين وثلاثين إبليسًا، أي إبليس مكرَّراً.. فإبليس لم يسجد لآدم عليه السَّلام، ولكن لو قال الله تعالى له: اسجد لي، لسجد مليون سجدة، فمَن الأسوء تارك الصلاة أم إبليس؟ نسأل الله أن لا يجعلنا أسوء مِن إبليس.

السلام صفة الجنة

﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [الواقعة:25] واللغو كلامٌ ليس منه فائدة، ولا يكون كلاماً بذيئاً ولا حقيراً.. كيف يُمضي الناسُ سهراتهم في هذه الأيام؟ إنّ اللغو هو الذي لا يكون فيه حرام، أما إن كان فيه حرام من غِيبة ونميمة وتعاون على الإثم والعدوان، فهذا ليس مِن صفات المؤمن ولا مِن صفات المسلمة.

كيف تكون مجالسنا وسهراتنا ونزهاتنا واجتماعاتنا؟ هل هي اجتماعات المؤمنين بالقرآن؟ هذا هو القرآن: ﴿وَٱلَّذِينَ هُم عَنِ ٱللَّغوِ مُعرِضُونَ [المؤمنون:3]، إنّ سبب ذلك عدم وجود المعلِّم، وعدم وجود المربي.. ومع وجود المعلم والمربي يجب أن يكون لك قلب، وأن تبني إسلامك أولًا على القلب وعلى الذكر وعلى الزيادة في النوافل.

بداية جلسة الذكر يوم الأربعاء في جامع أبي النور

بعض إخواننا -رضي الله عليهم- اقترحوا إقامة مجلسٍ للذكر والعبادة مساء الأربعاء، وهذه سُنَّة حسنة، جزاهم الله خيرًا، ((مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا)) 21 ، سررتُ كثيرًا مِن هذه السُّنة الحسنة، فداوموا عليها، واحرصوا عليها لتكون شحناً لطاقاتكم الإيمانية، وإنْ شاء الله تضيفون لها الأوراد كل يوم، ليقوى الإيمان، ثم تظهر فيكم بذارُ القرآن شجرًا مثمِرًا بالأعمال والأخلاق وبسعادة الدنيا والآخرة. [بدأت جلسة الذكر هذه التي ذكرها سماحة الشيخ من هذه الكلمات في هذا الدرس، والذي كان في اليوم الثامن من الشهر الخامس لعام 1992م، ولا تزال مستمرة في مسجد أبي النور إلى يوم تحرير هذا الدرس وكتابته عام 2023م]

الكلام في الجنة

﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا [الواقعة:25] لا فيها قول اللغو ولا قول الإثم، قول الإثم مثل الغيبة والنميمة والاحتقار والسباب والشتائم، واللغو كما نقول: ذهبنا ورجعنا وأكلنا وشربنا.. إلخ، لكن الكلام في الجنة كله حكم وفضائل.

﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامً [الواقعة:26] ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] تارةً يسلِّم الله عزَّ وجلَّ عليهم، وتارةً تُسلِّم الملائكة والروح عليهم، فهم في سلام وأمان.

جوائز أهل اليمين

بعد الحديث عن المقرَّبين، قال: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27]؟ قال: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:28] السدر شجرٌ يخرج في الحجاز يشبه الزعرور [وبالعامية زعبوب] وفيه شوك، وقد كان في الطائف وادٍ مشهور بسدره وموزه، فكانوا يقولون: لو أنَّ لنا واديًا مثل وادي الطائف، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27] في أي منزلة هم وفي أي نعيم؟ قال: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:28] على حسب ما طلبوا، ومفهومهم كان بهذا الشكل.. هناك مِن الناس اليوم مَن يطلب الزبداني، ومنهم مَن يطلب عين الفيجة، [الزبداني وعين الفيجة من ضواحي دمشق، مشهورة بجمال طبيعتها والفواكه فيها، يذهب إليها أهل دمشق للاستجمام والنزهة] لكن الجنة: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17].

﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة:29] ما الطلح المنضود؟ الموز المتراكب فوق بعضه، ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30] ظِل الدنيا يكون في الصباح موجوداً، ولكنه في وقت الظهيرة تكون الشمس قوية، أما في الجنة فالظل لا يزول ولا يغيب، الظل دائمٌ بلا شمس، كاليوم الذي يكون فيه الغيم، حيث يكون الضوء موجوداً، ولكن الشمس غير ظاهرة.

﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [الواقعة:31] بلاد العرب مياهها إما بالآبار أو بالبِرك، قال: أمَّا هناك فأنهار وشلالات واستمتاع، فتمتع يا مؤمن ويا مؤمنة!

﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ صيفًا شتاءً خريفًا ربيعًا ﴿وَلَا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة:32-33] بمعنى أنك لا تستطيع أن تطولها [تقطفها وتأخذها]، بل عندما تشتهيها يتدلَّى الغصن إليك، فتقطف ما تريد، ثم يرجع إلى محله، وما قُطِفَ يعود مثله مكان المقطوف.

﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:34] المقرَّبون على سُرُر، وهنا الفُرُش على الأرض، فكلُّ مكان على حسب الدفع، هل الفندق الذي بمئة دولار مثل الفندق الذي بمئة ليرة سورية؟ فإذًا المقربون مقامهم أعلى، وبينهم وبين أهل اليمين تفاوت، هناك على سرر، وهنا على فرش، فكما تدفع تقبض، تدفع الغالي تأخذ الغالي، وتدفع الرخيص تأخذ بقدره: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

صفات نساء الجنة

﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً [الواقعة:31-35] زوجته يعيد الله عزَّ وجلَّ نشأتها، فإذا كان عمرها سبعين سنة يُرجعها الله تعالى له ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37]، إذا كان دَمُّهَا ثقيلًا في الآخرة يصير دمها خفيفًا، [دَمُّها ثقيل أو خفيف: كلمات تستخدم في اللهجة العامية السورية، وصاحب الدم الثقيل أو صاحبة الدم الثقيل هي الثقيلة في أخلاقها والغليظة والفظة، وعلى العكس تأتي صاحبة الدم الخفيف، فهي المحبوبة والمرحة واللطيفة] وإذا كانت عبوسًا قمطريرًا تصير عَروبًا، وما العروب؟ الزوجة المتودِّدة بطِيب كلامها وشكلها وحركاتها إلى زوجها.. النبي ﷺ يقول: ((إنَّ اللهَ يُحِبُّ المرأَةَ الملِقَةَ البَزِغَةَ)) 22 “الملقة”: التي تتملَّق لزوجها بالكلام والأعمال والحركات لتملأ قلبه سرورًا.. وهناك زوجات يكون الرجل عائدًا إلى بيته فتذبحه ذبحًا [تهلكه هلاكاً شديداً]، هل الله تعالى يحب هذه المرأة؟ ((إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوجُهَا غَضَبانُ عَلَيهَا باتَتْ والْمَلَائِكَةُ تَلعَنُهَا حَتَّى تُصْبِحَ)) 23 .

إذًا الله عزَّ وجلَّ يُعيد نشأتها، فإذا كانت أسنانها مقلوعة تَرجع أسنانها، وإذا كان وجهها مجعَّدًا ذابلًا ترجع بنت ثلاث وثلاثين.

﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، هل البَكارة مرة واحدة؟ بل كلما ضاجعها عادت بِكرًا، سمعت السيدة عائشة رضي الله عنها هذا فقالت: “واوجعاه!”، فقال لها ﷺ: ((لَا وَجَعَ في الجَنَّةِ)) 24 ؛ اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.

﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:35-37] ما معنى “عُربًا”؟ المرأة العروب هي المتودِّدةُ إلى زوجها، وحَسَنَةُ التَّبعُّل معه.. فكيف إذا أتى إلى البيت، ورآها قد طبخت سَمَكًا، ولم تغسل يديها، ومسحت يديها بصدرها وثيابها، وصارت رائحتها كريهة مثل القط الذي يكون في سلة القمامة، وقد أكل بقايا السمك، هل هذا اسمه حُسْن التبعُّل؟

فكلمة “عُرُبًا” يعني الودودة، فكم مِن النساء لا يصنعنَ سعادة في بيوتهنَّ، وكم مِن الرجال كذلك، كان النبي ﷺ يقول للرجال: ((قُصُّوا أَظافِرَكُم، وَنَظِّفُوا بَراجِمَكُم)) يعني عُقَد الأصابع ((وَاستَاكُوا، وَتَنَظَّفُوا، وَتَطَهَّرُوا، وَتَعَطَّروا، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيْلَ لَمْ يَكُوْنُوا يَفعَلُوْنَ ذَلِكَ فَزَنَتْ نِسَاؤُهُم)) 25 ، وأنتَ عندما تكون مع زوجتك، فكما تحبها أن تكون بأحسن الصفات والثياب والرائحة، عاملها كذلك: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] قال: الدرجة معناها أن تحلم عليها إذا تحامقت، هذا في أحد التفاسير.

قال: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:36-37] كما أنَّ الله أمر المرأة أن تكون عَروبًا، كذا الزوج يجب أن يكون عروبًا، كان النبي ﷺ إذا دخل بيته ضحَّاكًا بسَّامًا، يقول: ((لَا يَغلِبُهُنَّ إلَّا لَئِيمٌ، وَلَا يَغلِبْنَ إلَّا الكَرِيمَ)) 26 .

﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [الواقعة:38-39] أصحاب اليمين كثُر، سواءٌ في الأولين أو في الآخرين، أما المقربون: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة:13-14] إلى آخر الآيات.

قول الحسن البصري عن الصحابة المقربين

الحسن البصري رضي الله عنه كان يقول عن المقربين: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ: “رأيتُ وأدركتُ سبعين بدريًّا -يعني الذين شَهِدوا معركة بدر- كانوا فيما أحلَّ الله لهم أزهدَ منكم فيما حرَّم الله عليكم”، يعني كيف نزهد نحن بالحرام مِن الزنا والخمر وغيرهما، هم كانوا يزهدون في الحلال، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] متَّجهِين إلى الدار الآخرة، والدنيا عندهم كأنها صفر على الشمال، ونحن الآن الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا، والآخرة لا نهتمُّ بها، فكيف سنصير مِن المقرَّبين؟ كيف سنصير مِن أصحاب اليمين؟ هل الجنة مجَّانًا؟ ((أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) 27 ، “وكانوا بالبلاء أشدَّ منكم فرحًا بالرخاء”، لا يهمّهُم البلاء من المرض والفقر والجوع، همُّهم الدار الآخرة، “لو رأيتموهم قلتم: مجانين، ولو رأوا خياركم قالوا: ما لهؤلاء مِن خَلَاق” هذا كان في زمن التابعين! فكم اختلف زمن الصحابة عن زمن التابعين، وكيف لو رأوا زماننا! الجوامع فارغة.. منذ يومين صليتُ المغرب في الجامع الأموي، ولم يكن فيه عشرون رجلًا، اذهب إلى ملعب الرياضة ترى شخصًا قد أتى مِن دوما وآخر مِن المزة وآخر مِن عربين وآخر مِن المهاجرين، [أسماء مناطق متباعدة في دمشق]، وتحت المطر، وهم فوق بعضهم، ويدفعون المال للدخول.. لو جعلنا على كل واحد يدخل إلى الجامع خمساً وعشرين ليرة هل تدخلون؟ والله ندفع الروح والحياة يا بني!

قال: “ولو رأوا أشراركم لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب”، فهو يقول عن الصحابة: إنهم تركوا الحلال خوفًا مِن فساد قلوبهم، فقد كانت الدنيا تأتيهم بالحلال، فيزهدون فيها خوفًا مِن أنْ تستولي على قلوبهم.. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.. الناس في هذه الأيام يعيشون ويستيقظون على الدنيا، ويمشون على الدنيا، وينامون على الدنيا، والآخرة ما محلُّها في قلوبهم؟ مثل الهلال في أول الشهر، يراه شخص واحد، ومئة ألف لا يرونه.. فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا مِن المؤمنين حقًا: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2].

سمعنا عن الجنة وعن المقرَّبين، فهل نحن مقرَّبون أو أصحاب اليمين أو الشمال؟ ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً [الواقعة:7] مَن منكم مِن حزب المقرَّبين؟ وهل هذا بالتمني؟ ومَن مِن أصحاب اليمين؟ ومَن مِن أصحاب الشمال؟ نسأل الله أن يجعلنا مِن المقرَّبين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8984)، (6/ 481)، حلية الأولياء للأصبهاني (4/ 121)، عن عبد الله بن مسعود، بلفظ: ((إن الْقُلُوبَ جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا)).
  2. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (3367)، (3/266)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في الزهد وقصر الأمل، رقم: (10591)، (7/ 363)، ((عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، وفي رواية يتعاوون، قَالَ: "يَا حَارِثَةُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا))، وأخرجه البزار في مسنده، رقم: (6948)، (13/ 333)، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وأضاف: ((عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ)).
  3. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20595)، (5/59)، بلفظ فقرأ عليه فمن يعمل مثقال ذرة ...فقال الرجل: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها. وفي رواية عند أبي داود، باب تحزيب القرآن، رقم: (1399)، (1/ 445)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((...فقال الرجل يا رسول الله أقرئني سورة جامعة فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم {إذا زلزلت الأرض} حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أفلح الرويجل" مرتين)).
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، رقم: (6081)، (5/2368)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغني عن كثرة العرض، رقم: (1051)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)).
  5. القصة أخرجها الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ قَالَ: مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَعَادَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ أَلَا آمُرُ لَكَ بِطَبِيبٍ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ: أَلَا آمُرُ لَكَ بِعَطَاءٍ؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. قَالَ: يَكُونُ لِبَنَاتِكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَقْرَ؟ إِنِّي أَمَرْتُ بَنَاتِي يَقْرَأْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا". انظر تفسير ابن كثير (4/310) في تفسير سورة الواقعة. والحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، رقم: (2498)، (2/ 491)، عمل اليوم والليلة لابن السني، رقم: (680)، ص: (629)، عَن ابْن مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  6. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (1702)، (2/171)، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ، بلفظ: «مَا أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَها إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ».
  7. صحيح مسلم، كتاب المنافقين، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، صبغ أشدهم بؤساً في الجنة، رقم: (2807)، (4/2162)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13134)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)).
  8. الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، ص: (452)، من كلام عَلي بن أبي طَالب، وفي حلية الأولياء، (7/52)، من كلام سفيان الثوري، يقول: «الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا».
  9. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم: (2722)، (4/ 2088)، بلفظ: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ». والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، رقم: (5470)، (5/ 44).
  10. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10248)، (7/ 263)، المستدرك للحاكم، رقم: (7846)، (4/341)، بلفظ: ((عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)).
  11. حلية الأولياء للأصبهاني (1/9)، بلفظ: ((عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل عني -أو سره أن ينظر إلي- فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، اليوم المضمار وغدا السباق، والغاية الجنة أو النار».
  12. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، (2/675)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، (4/589)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398) (2/ 334)، كلهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  13. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (11139)، (7/ 504)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24424)، (6/ 67)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، بلفظ: ((أَتَدْرُونَ مَنِ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ))، وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي، (2/ 165)، بلفظ: ((طوبى للسابقين إلى ظل الله تعالى، قيل ومن هم يا رسول الله؟ قال: ((الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوه والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم)).
  14. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أتاه سهم غرب فقتله، رقم: (2654)، (3/ 1034)، بلفظ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: انْطَلَقَ حَارِثَةُ ابْنُ عَمَّتِي نَظَّارًا يَوْمَ بَدْرٍ مَا انْطَلَقَ لِقِتَالٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ، فَقَتَلَهُ فَجَاءَتْ عَمَّتِي أُمَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنِي حَارِثَةَ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِلَّا فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ «إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى». السنن الكبرى للنسائي، رقم: (8232)، (5/ 65).
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم: (6186)، (5/ 2398)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، رقم: (2828)، (4/ 2176)، أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  16. متفق عليه عن عبد الله بن عباس، صحيح البخاري، كتاب الأذان: باب رفع الإمام البصر في الصلاة، رقم: (748)، أبواب الكسوف: باب صلاة الكسوف جماعة...، رقم: (1052)، كتاب النكاح: باب كفران العشير وهو الزوج، وهو الخليط، من المعاشرة، رقم: (5197)، صحيح مسلم، كتاب الكسوف: باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، رقم: (907)، واللفظ عند البخاري، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت، قال: «إني أريت الجنة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا».
  17. شعب الإيمان للبيهقي، باب الزهد وقصر الأمل، رقم: (10000)، (13/ 89) بلفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)). وفي صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الضعفاء والخاملين، رقم: (2622)، (4/2024)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بزيادة "مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ".
  18. صحيح ابن حبان، رقم: (277)، (1/200)، بلفظ: ((قَالَ: مَنْ أَرْضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضَى النَّاسِ، وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ)) عن عائشة رضي الله عنها. وأخرج الترمذي (2414) بنحوه.
  19. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (246)، (ص:209)، قال: ((إن الله يكره الرجل البطال))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8538)، (9/ 102)، بلفظ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لا فِي عَمِلِ دُنْيَا وَلا آخِرَةٍ"، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35704)، (13/ 300)، وحلية الأولياء للأصبهاني، (1/130)، من قول عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ: «إِنِّي لأمقت الرجل أراه فارغاً».
  20. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الواقعة، رقم: (3296)، (5/402)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ [الواقعة: 35] قَالَ: «إِنَّ مِنَ المُنْشَآتِ اللَّائِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشًا رُمْصًا».
  21. صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، رقم: (1017)، (2/ 704)، سنن النسائي، كتاب الزكاة، التحريض على الصدقة، رقم: (2335)، (2/ 39)، عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)).
  22. أخرجه الديلمي (1/2/249) عن علي بلفظ: ((إن الله يحب المرأة الملقة البزعة مع زوجها الحصان مع غيره))، ومن غريب الحديث: «الملقة»: التى تتملق زوجها بالكلام اللين. «البزعة»: أى الظريفة الجميلة. «الحصان»: العفيفة. وأخرجه: ابن حجر الهيتمي، رقم (82) في الإفصاح عن أحاديث النكاح (1/133).
  23. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، رقم: (4897)، (5/ 1993)، صحيح مسلم، كتاب النكاح: باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، رقم: (1436)، (2/ 1059)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ: ((إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ))، واللفظ لمسلم.
  24. تفسير القرطبي (17/ 181)، تفسير الثعلبي (9/210)، بلفظ: ((وقال المسيب بن شريك: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ الآية قال: ((هن عجائز الدنيا أنشأهن الله خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً، فلما سمعت عائشة رضي الله عنها ذلك قالت: واوجعاه! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس هناك وجع)).
  25. تاريخ دمشق لابن عساكر (36/ 124)، سير أعلام النبلاء للذهبي (35/ 237)، عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه، بلفظ: ((اغْسِلُوا ثِيَابَكُمْ، وَخُذُوا مِنْ شُعُوْرِكُمْ، وَاسْتَاكُوا، وَتَزَيَّنُوا، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيْلَ لَمْ يَكُوْنُوا يَفعلُوْنَ ذَلِكَ فَزَنَتْ نِسَاؤُهُم)).
  26. تاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 313)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بلفظ: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم)).
  27. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب، رقم: (2450)، (4/633)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (881)، (1/ 512)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)).
WhatsApp