متى تكون الرياح عقوبة؟
نحن الآن في تفسير بعض آيات من سورة الذاريات، وقد أقسم الله بالرّياح وهي تذرو وتسوق وتسيطر على ما يصادفها من غبار ومن سحاب، وإذا قويت صارت عواصف، كما أرسلها الله على قوم عاد فجعلت عاليها سافلها، وجرت وطيّرت واقتلعت بيوتهم وطيّرتهم بالهواء وضربتهم في الأرض حتى صاروا كما قال الله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر:20] مثل جذر النّخل الذي أصابه التّسوس، فإذا ضُرِبت من أعلى إلى أسفل ماذا يحصل فيها؟
هكذا فعل الله بالفاسقين، وهكذا فعل بالطّغاة المجرمين المتجاوزين حدوده إلى محارمه، وطاعته إلى غضبه، فبعد أن أمهلهم وانتظرهم ودعاهم نبيهم بالبرهان والحكمة والدليل وبالشعور وبكل الوسائل، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأعراف:166]، لمـّا بقوا مصرِّين عتاة متمرِّدين ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف:166].
وأعظم المسخ ليس مسخ الصّورة، فبمسخ الصّورة يتوقف كفرُ صاحبِها وتمرُّدُه على الله وينتهي، أمّا مسخ القلوب فإذا انمسخ القلب يتمادى صاحبه ويزداد طغياناً وفسقاً وضلالاً وكفراً وعناداً، وفي المقابل يزداد من الله غضباً ولعنةً وبُعداً، فنسأل الله عز وجل العافية.
الذاريات وأنواعها
فالذاريات: هي الرياح، وهناك الرياح المادية وهناك الرياح المعنوية، فهناك رياح تسوق التراب والغبار وتقلع الأشجار وتسوق السحاب، وهناك رياح الحبّ الإلهي، ويوجد رياح العشق الرباني، وهناك الرياح التي تسوق الحياة إلى القلوب فتتصل بربها عَلَّام الغيوب فتحيا بعد موتها.
فكما أنَّ الذّاريات عندما تسوق السحاب تنزل الأمطار في الصحارى والقفار فتقلبها إلى جنان خضراء وإلى زهور وورود، فكذلك رياح اللطف الإلهي ورياح الحب الرباني تسوق العبد إلى حضرة الله فتقلب صحراءه بِساطاً أخضر سُنْدُسِيَّاً ملؤه الورود والزهور والعطور وروائح العلوم اللَّدُنِّيَّة وظهور الأخلاق الربانية والحكم الإلهية.
فكما أنّه بالأمطار تخرج النباتات والزروع والثمار فتحيا بها المخلوقات، كذلك بهذه الرياح الإلهية تحيا القلوب، وتحيا الأرواح، وتثمر العلم اللّدني والحكمة الرّبّانية والفضائل الأخلاقيّة، فكذلك هذه من ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ [الذاريات:1].
فيوجد ذاريات للرحمة والعناية واللطف الإلهي، ويوجد ذاريات نحو الهلاك والدمار والشقاء الإنساني، فنسأل الله أن يرزقنا الذاريات التي تسوقنا إلى محبة الله وإلى رضوانه وإلى المعرفة به.
وعد الله واقع
بعد أن قال سبحانه في السورة: ﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ [الذاريات:1]، وحلف الأيمان قال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ [الذاريات:5] مما وعد الله عباده من إحسان للمحسنين، ونعيم مقيم للمتقين، ونصر وتأييد وعزّة وكرامة للمسلمين الصّادقين، ومما أوعد الفاسقين والمجرمين والكافرين بالخزي والعذاب في الدنيا وفي الآخرة.. فحلف الأيمان الأربعة ليثبت ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ [الذاريات:5] ومن وعد الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:2–3].
فجعل الله عز وجل للثلاثة الذين حبستهم الصّخرة في الغار -عندما كانت تقواهم حقّ التقوى- من ضيقهم مخرجاً ومن عسرهم فرجاً، وأنقذهم وفرَّج عنهم من حيث لا يحتسبون.
ولا يزال وعد الله قائماً، لكن كما أنَّ الله يَصْدُقُ وعدَه فيجب عليهم أن يَصْدُقُوا إسلامهم وإيمانهم، وَعْدَ اللهِ لا يُخلِف الله وعده في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وفي زمن الأنبياء وإلى قيام الساعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ [الذاريات:5] لكن عليك أن تكون ذلك الصّادق أيضاً ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الاحزاب:23].
فبلغ بهم الصّدق مع الله إلى درجة أن طلب منهم أن يبذلوا مهجهم في سبيل الله فبذلوها وأرواحهم فقَدَّموها ودماءهم فسَفَكُوها، وأموالهم فأنفقوها، وأوطانهم فهجروها، فجازاهم الله بصدقهم ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الاحزاب:23].
فوصل سلطانهم وتعاليمهم وهديهم ودعوتهم بخمس وعشرين سنة إلى الصين شرقاً، وإلى أوروبا غرباً، خمساً وعشرين سنة مشياً على الأقدام، والآن يوجد طائرات وسيارات وقطارات! وعجلات المسلمين تدور في الوحل، وكلما دارت أكثر غرّزت [نزلت في الوحل] أكثر، فنسأل الله أن يرزقنا حسنَ المعرفةِ وحقيقتَها بالعقل والفكر والقلب والروح.
العلم التجريبي يفيد اليقين، والخبر يفيد الاحتمال
فالذي يعرف الزواج قبل أن يتزوج أنّه فيه كذا وكذا فهذه اسمها معرفة وعلم، لكن هل هذا العلم يشبه العلمَ ليلةَ العرس وما بعدها؟ فالذي يعرف العسل أنّه حلو ليس مرّاً ولا حامضاً فهل معرفته كمعرفته بعد أن يأكله ويتذوقه؟
كذلك الإسلام، ففي السماع شيء وبالذوق والمشاهدة وأن يخالط الإيمانُ لحمَك ودمك وعظمك وروحك ونفسك وسرّك وسريرتك شيء آخر، مثل الفرق بين الزواج “بالأذنّامة” [بالأوراق الثبوتية] والكلام عنه وبين الزواج مع الزغاريد في شهر العسل، فنسأل الله أن يَرزقنا حقائق الإيمان وذوقه، وهو ما عناه رسول الله ﷺ بقوله: ((يا مَعشرَ مَن آمَنَ بلِسانِه، ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه)) .
ترحيب بالضيف محمد علي كلاي
أهلاً وسهلاً، ضيفكم اليوم الأخ بالله محمد علي كلاي الملاكم المشهور بوَكْزِهِ، وإن شاء الله يصير بطل الإسلام بدعوته إلى الإسلام ويكون بطل الدعوة في العالم الغربي، وهذا لا يكون إلا بنور القلب وقوة الروح المتصلة بالله عن طريق أحباب الله.
العقل الجسدي والعقل القلبي: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ﴾ [الذاريات:5- 6] الدّين: الحساب والمكافأة على الخير خيراً وثواباً وعطاءً وإحساناً، وعلى الشَّرِّ والسّوء عقاباً وعذاباً وخزياً ونيراناً.
فالآن بعدما ذكر الله تعالى المعرضين الذين ذرّتهم رياح الأنانية والجهل والتقليد إلى الكفر والضلال والعناد وتقليد الآباء والأمّهات، حيث لم يكونوا يحرصون على فهم الحقيقة، قال: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ [الذاريات:10–11] في غمرة الجهل والكفر والخرافات.. وإلى آخره.
والآن يذكر الله الطرف الثاني: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] فهذا إنسان وهذا إنسان، وكلاهما في صورته الجسدية كشيء واحد، أمّا الإنسان فهو ليس هذا القالب الجسدي، بل الإنسان هو العقل الدرَّاك لحقائق الأشياء على ما هي عليه في واقعها، فعندما يدرك أنَّ هذا ياسمين فيقتضي أن يحبَّه فيشمه، وإذا علم أنَّ هذه أفعى فيوجب العلم عليه من طريق العقل أن يجتنبها ويبتعد عنها.
فالإسلام حياة العقل حتّى يكون رائده معرفة الحقائق على ما هي عليه في واقعها، ثمّ ينتقل بالتّقوى والإيمان إلى المعرفة العقليّة والفكريّة، وإلى المعرفة القلبيّة والرّوحيّة، وهناك العقل الداخلي، وهو عقل النبوة، فالنبي ﷺ ليس بهذا العقل [العقل العادي] أدرك وجود الله أو وجود الملائكة أو وجود الجنة أو وجود النار؟
مد يده ﷺ مرة على منبره كأنّه يريد أن يقطف شيئاً، ثمّ تقهقر مرة أخرى كأنه يبتعد عن شيءٍ مخيف أو ضارٍّ، فسألوه فقال: ((رأيت الجنّة، فأردت أن أقطف من ثمارها)) فكأنه قيل له: لم يحن الوقت بعد، وعن تقَهقُرُه قال: ((رأيت جهنم فتباعدت عنها وتقهقرت)) فهذا بالعقل القلبي والروحي، وهذا هو ما يقال له: العلم اللدني، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف:65].
انتشار الإسلام قديماً وحديثاً
كما أخبر بهذا العقل الصّحابة فقال ﷺ: ((ستفتح لكم الْيَمَن)) ((ستفتح لكم الشَّام)) ، ((ستفتح لكم الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ)) ، ((ستفتح لكم الْهِنْد)) ، فهذه الأمور لا تدرك بهذا العقل، خاصة وأن هذا مع قلة الصحابة وضعفهم، ثمّ قال: ((وفي آخر الزمان ستفنى الملل والأديان كلها، ولن تبقى إلا ملة الإسلام)) .
واليوم بدأ فجر هذا العصر، فنسمع الآن بأنَّ الكنائس تُبَاعُ في المزاد العلني وتستعمل لأيِّ استعمال يريده المشتري، لكن في العالم الإسلامي كلّه لم نسمع أنَّ مسجداً في أقصى القرى وأصغرها أنه عُرض على المزاد العلني، ونسمع عظماء العالم وكبار أساتذة الجامعات يدخلون في الإسلام، لكن لا نسمع أن عظماء الإسلام يدخلون في اليهودية أو النصرانية.
فنحن الآن في فجر هذا النهار، فنسأل الله أن تدركنا شمسه لنتمتع بنورها ونكون من جنود ذلك العصر والمجاهدين فيه، ليس جهاد القتال، فالآن جهاد القتال انتهى، بل الآن جهاد الدّعوة بالعقل والعلم، وهذا أحد الجناحين والثّاني بالقلب والروح.
وإذا كان الداعي إلى الله يحمل عقلاً حكيماً وعلماً وافراً وقلباً بالله متصلاً وإمداداً ربانياً فالعالَم كله والعالم المتقدِّمُ كلُّه بشرقه كاليابان وغربه مترقِّبٌ متربِّص كضائعٍ في صحراء يفتّش عن الطّريق السّوي الموصِل، وكمفتشٍ عن الماء ليروي ظمأه ولينجو من هلكته في صحرائه.
العلم التجريبي يفيد اليقين، والخبر يفيد الاحتمال
بعد أن ذكر الله الخرّاصين الذين أرادوا أن يتعرفوا على الدين بالأوهام وبطريق الأهواء وطريق التقليد، لا من طريق البحث الحر العقلي العملي العلمي، فيذكر الآن الطّرف الثّاني الذين قابلوا الإسلام بعقولهم وأشواقهم لمعرفة الحقيقة وإذعانهم العقلي للحقيقة لينتقلوا من إيمان العقل والفكر إلى إيمان العمل والأخلاق وإيمان القلب والروح.
وبإيمان القلب والروح مع إيمان العقل والحكمة يصير الإنسان الفاضل والإنسان السعيد والإنسان الناجح، ليس في حياته الروحية فقط؛ لأنَّ الإسلام ذو جناحين، فجناح [سعادة الروح]، وجناح سعادة الجسد الذي قال فيه سبحانه: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأعراف:32]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:77]، وقال أيضاً: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [البقرة:201]. وقال ﷺ: ((نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ)) ، هذا هو الإسلام.
وكذلك قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:60] هذا هو الإسلام.
وقال أيضاً: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] هذا هو الإسلام.
العقل والقلب يصنعان الأمة والمجتمع
فهذا الإسلام كبناء يَفْقِدُ مهندسَه وبنَّاءَه.. أمّا إسلام القلب وإسلام الروح الذي يجعلك تتمتَّع بالجمال الإلهي بعقلك، فعندما تقرأ القرآن قراءة التّفهُّم والتّدبُّر والبحث عن الحقيقة، ينقلك هذا الإيمان من طريق ذكر الله ومن طريق أولياء الله إلى إيمان القلب وإيمان الروح، وإلى سعادة روحك وحياتِها بروح الله، وذلك في ظلال العقل والحقيقة والعلم.
ولا يكون سلام ولا سعادة للعالم الذي أصبح كقرية صغيرة أو كحيٍّ صغير إلّا بهذا الإسلام الكامل من كلّ أطرافه: إسلام العقل والعلم والقلب.
وهذا ما فعله النّبيّ ﷺ في صناعة الرّجال وصناعة المجتمع، فبخمس وعشرين سنة بعد وفاته ﷺ استطاعوا أن يوحدوا مئات الأمم ومئات الشّعوب من الصين إلى حدود فرنسا، وجعلوهم عائلةً واحدة وإخوةً بعضهم مع بعض، مع حرّية الدّين والعدالة للجميع، وحقّ الحياة للجميع، وحقّ العلم المجاني للجميع.
قال ﷺ: ((لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أعَجَمِيٍّ، ولا لأبيض على أسود إِلَّا بِالتَّقْوَى)) يعني إلّا بالعلم العقلي والقلبي والعمل البدني والقلبي، فالإخلاص من عمل القلب، والحبّ الإلهي من عمل القلب، والتّواضع للخلق من عمل القلب، أما الكبرياء على النّاس بألّا تخضع للحق وأن تتعالى على غيرك فهذه من أعمال القلب الآثمة، ومن أعمال القلب التي يبغضها الله عزَّ وجلَّ.
التقوى ومفهومها
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] فالتقوى في أصل اللغة كأن يقول: أريد أن أقيَ نفسي من الشيء الفلاني يعني سأحفظها، فالتّقوى: أن تحفظ نفسك من غضب الله عزَّ وجلَّ، ومن مخالفة أمر الله عزَّ وجلَّ ومن عذابه ومن تهديده فهذا قسم، والقسم الثاني أن تتقي الله بطاعته من معصيته وبالإيمان من الكفر، وبالتقوى من المعصية.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] الذين اتقوا الكفر، واتقوا المعصية، واتقوا الفسق، واتقوا مجالسة قرناء السوء، واتقوا معصية الله بعيونهم، فلا يعصي الله بعينه ولا ينظر إلى حرام، ولا بأذنه ولا بيده ولا بلسانه ولا في معاملاته، وأبلغ التّقوى وأعظمها وأخلصها تقوى القلوب، “فذرّة من أعمال أهل القلوب توازي عمل الثّقلين” .
سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن التقوى وعن حقيقتها لما أنزل الله قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102] فالإسلام أن تُسَلِّم نفسَك وإرادتك وعقلك لله عزّ وجلّ، فتريد ما يريد، وتحبّ ما يحبّ، وتُبْغِض ما يُبْغِض.. والله سبحانه لا يحبّ لك إلّا ما يسعدك، ولا يكره لك إلّا ما يشقيك.
فسئل النبي عليه الصلاة والسلام عن حقيقة التّقوى فقال: ((هو أن تطيعه فلا تعصيه)) بلسانك أو بعينك أو بنفْسِك بأن يقع في قلبك العجب، فالعجب يحبط العمل، والكِبرُ أن تحتقِرَ الناس ولا تُذْعِن للحق، فهذا كبر، وصاحبه لا يجد رائحة الجنة ولو كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .
والرّياء أن تعملَ الأعمال الصالحة ليراك الناس فيمدحونك وتصير مقبولاً في نظرهم، والسّمعة بأن تعمل ليسمع بك النّاس، فهذا كله محبط للعمل.
فحقّ التّقوى: ((أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه)) فعند النّعم تذكره لتشكره، وعند الأهواء والأنانيّات تذكره فتُلْجِم أنانيتَك إلى رغبات الله سبحانه وتعالى، ومحبوباتِك إلى محبوبات الله.
الحقيقة تحجب الوهم
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] يعني إذا قلنا: “دكتور” يجب أن يكون دكتوراً حقيقياً، و”نجّار” يعني نجاراً حقيقياً، والمتقي أيضاً يجب أن يكون حقيقياً، فهل أنتم مستعدون؟ هذه هي الحقيقة، فلو ملكت الدنيا وكانت جبالها لك ذهباً وسكانها لك جنوداً ونساؤها لك جوارياً، أو بالنسبة للنساء صار أزواجُهن ملوكَ الجمال، وأتى الموت فلا يوجد شيء، وإذا أنت في حلم وفي منام.
أمّا المتّقون فينتقلون من الحلم إلى اليقظة، ومن مُلْكِ المنام ودولته إلى مُلْكِ اليقظة والحقيقة، فأين المُلْك المنامي من المُلْك الحقيقي؟
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] فالأمر يحتاج إلى جدٍّ واجتهاد، كان سيدنا أنس رضي الله عنه يقول: “من التقوى أن تخزن لسانك عن اللغو والإثم”، فتجعل للسانك “دقر” [مِتراساً]، وتصنع له “فرامل” [مكابح] عن الغيبة والنميمة وعن الكلام فيما لا يعنيك أو أن تتدخل في خصائص غيرك، فهذا ليس من التقوى، “انظر إلى ما فيك يكفيك” ، ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) فأمرٌ لا يخصك يقول لك الإسلام: لا تتدخل به.. فأين الإسلام الحقيقي من مسلمي زماننا؟ والسبب في ذلك أنه هل تصير نجاراً بلا معلم؟ وهل تصير رياضياً بلا مُدَرِّب؟
يريد الناس أن يصيروا أطباء لأن آباءهم أطباء، فيدَّعي الطب ويأخذ آلة الطب حقيبةً ومعطفاً أبيضاً وسماعات! وهذه لا تجعل منه طبيباً، فإذا لم يتعلم كما تعلم أبوه، وما كان له مدرب كما دُرِّب أبوه لن يكون طبيباً.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] هذا في عالم بعد هذا العالم، فعندما ننتقل إلى ذلك العالم؛ ننتقل إلى عالم الروح أو عالم البرزخ، وهو قبل عالم الدار الآخرة، وعندما ننتقل إلى عالم الروح كالذين ماتوا قبلنا، وهؤلاء يرون حياتهم الدنيوية مناماً، كما لو أننا رأينا في المنام أننا كنَّا في دمشق أو في بيروت أو في أمريكا أو في أوروبا.. فاستيقظنا من النوم ووجدنا أنفسنا لا في أوروبا، بل في عالم جديد ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق:22] إذا قامت القيامة فهناك العالم الأخير وهناك الخلود، فينظر هناك أيضاً إلى عالم الروح كأنه منام.
الشكر على النعم من عادات أهل التقوى
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] أسأل الله أن يجعلنا من المتقين، ((هو أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه)) الشكر بالقول، والشكر بالعمل.
فالشكر المطلوب بالقول والعمل، بالقول أن تَحمَد الله وتثني عليه، أمّا بالعمل سأحكي لكم هذه القصة: ففي زمن نبي من الأنبياء أتى أحدهم إلى نبيّه وقال له: “ادع الله لي بالغنى”، فدعا له النبي، فأوحى الله إليه أن يسأله: هل يريد أن أغنيه في شبابه وأول عمره أم في آخره؟
فقال له: “لي زوجة صالحة فأمهلني حتى أشاورها، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:38] فلما شاورها قالت له: “في آخر عمرنا نكون قد صرنا كبار السن فيعطينا الله ما نكفي به همومَ الدنيا ونشكر الله بكل أنواع الشكر بالعبادة والصّدقات وعمل الخير”.
قال لها: “أنا أرى أن يكون في أول العمر في شبابنا، فالشّباب يقدِّمه لله وهو أفضل ما في حياة الإنسان، ويأتي معه المال فيكون أفضل!” فالخلاصة قال للنبي: “في أول العمر”، ففتح الله تعالى عليه.. وعندما يعطيك الله.. فبما لا يخطر على بالك يجعلك أغنى الأغنياء، ويجعلك مَلِكاً ويجعلك كذا وكذا.
فعندما أغنى الله عز وجل هذا الرجل فتح ما يشبه السوق، فكان يأتيه الفقير فيدخل الحمام ويخرج فيُلبسه أحسن الثياب، ثمّ يدخل المطعم فيأكل أطيب الطعام، وفي آخر السّوق أيضاً يعطيه المال بحسب حاجته وفقره، وهكذا حتى مضى [الوقت المحدد] لنصف العمر، فقالت له زوجته: يا رجل توقف عن الإعطاء، فإنّ الله تعالى قد وعدنا نصف العمر فقط، فقال لها: يا امرأة إذا وعد الله إلى نصف العمر فهذا يعني أنَّ النصف الثّاني سنبقى فقراءَ فبلحظةٍ واحدة يأخذ منّا كل شيءٍ، فقد عودني ربي شيئاً وعودته شيئاً، ولا أريد أن أُغير عادتي مع الله حتى لا يغير الله عادته معي، فهو وكرمه! فما غيَّر عادته.. ومضت سنة وسنتان وأربع، فأوحى الله إلى نبيه أن قل لعبدي فلان: مادام قد شكرني بما قد فعل فقد أغنيته في أول عمره وفي آخره.. اللهم ارزقنا الشكر دائماً بالقول والقلب والعمل.
الجنة بالعمل والاستعداد لا بمجرد القول
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ فحق التقوى أن تطيعه، وأن تشكره، وأن تذكره، ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ [الذاريات:15] ليست جنة واحدة بل جنات، فالجنة مئة درجة ما بين كلّ درجة ودرجة كما بين السّماء والأرض، فكم هيأ لك الله عز وجل! عالماً يعجز العقل عن إدراك مساحته إذا استعددت أن تكون من سكانه.. فتصير طبيباً بالاستعداد، وتصير ضابطاً في الكلية العسكرية، وتصير بالدرجة المطلوبة إذا دفعت ثمنها علماً وعملاً وإيماناً، ليس إيمان اللّسان، بل إيمان القلب ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات:14]، يعني الإسلام الظّاهر تحت سلطان الدّولة، فالإسلام بعد أن كان ديناً صار ديناً ودولةً، والنّبي ﷺ نبي وحاكم، وإن كان تنازل عن لقب الملك، وقال: عبداً نبياً لا ملكاً نبياً .. فهل صَغُرَ شأنُه لتواضعه أم عَظُم؟ والتّواضع مطية الشرف.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] إن كان أحدكم يحمل شهادة الطب فهذا شيء حسن، وآخر يحمل صيدلة وآخر حقوق وآخر تاجر وغيره كذا، لكن هل أخذتم شهادة التّقوى؟ شهادة تقوى القلوب وتقوى الله حق تقاته؟ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال:4] حق الإيمان.
عندما سأل النبي ﷺ أحد الصحابة فقال له: ((كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثة؟))، قال: ” مُؤْمِناً حَقّاً”، يوجد مؤمن الادعاء، ومؤمن الصّورة العمليّة الجسديّة، ومؤمن الفكر من دون عمل، أمّا مؤمن القلب فلا يمكن إلّا أن يكون مؤمن العمل ومؤمن الأخلاق، والإيمان درجات.
فسأله النبي ﷺ عندما قال: مُؤْمِناً حَقّاً، وقال له: ((مَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟)) فهذا ادعاء، فأرنا صدق الادعاء، قال له: “أَصْبَحْتُ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ عَرْشَ رَبِّي بَارِزاً”، إذا رأيت رئيس الجمهورية في قصره في التلفزيون فهل هذه رؤيا حقيقية؟ وهل رأيت شخصيّة رئيس الدولة؟ لا، بل رأيته على شاشة التّلفزيون كأنّه هو، فلمّا ترى نفسك في المرآة، فهل أنت في المرآة؟ لكن الصّورة في المرآة كأنّك هي وكأنّها أنت.
“وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ في نعيمهم يتنعَّمون، وأهل النار في جهنم يتعذَّبون”، هذا اسمه علم اليقين، وهذا خاص بأهل الله من أهل التّصوف، فإذا لم يدخل المسلم مدرسة التصوف بالعمل وبحسب البرامج التربوية الروحية فلا ينال حقائق الإيمان، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((عرفت فالزم، عبدٌ نور الله قلبه بالإيمان)) . هنا يا بني هنا! [كأن الشيخ يشير إلى قلبه] ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور:40] فهذا النّور يُنَالُ بصحبة ومحبة عارف بالله والتفاني فيه، فتَعرف اللهَ بعقلك وعينك ونظرك، وبعد ذلك تمشي بحسب تعاليمه وتوجيهاته، وأول ما يأمرك أن تشتغل به هو الوظيفة القلبية والروحية، فإذا أطعت معلِّم السباحة [تتعلم السباحة، وإذا أطعت معلم الإسلام تتعلم الإسلام].
العمل بالقرآن من صفات المتقين
﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُم﴾ [الذاريات:16] آتانا الله عز وجل القرآن، وآتى اليهود والنصارى الكتاب، ونحن ماذا أوتينا؟ أوتينا القرآن.. فمن أخذه بيمينه -بقوة- بقوة العلم والعمل والتطبيق سيكون في جنات وعيون، وذلك في الدّنيا وفي الآخرة، فهل كان الصّحابة في الصحراء يمتلكون جناناً وبساتيناً وأنهاراً؟ ملَّكَهُم الله نصف الدنيا -جنان الدنيا- وفي الآخرة: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة:17].
لكن يجب أن نأخذ القرآن كله، ليس للتّلاوة، بل للعلم والعمل، فهناك شيء يتعلّق بجسدك، وشيء بأخلاقك، وشيء بروحك، وشيءٌ بمجتمعك، وشيء بالحياة العائلية أو الوطنية أو العالمية، فإذا تثقَّفت بالجميع وعملت بالجميع تكون مسلماً وتكون مؤمناً، ويكون الله معك، والذي يكون الله حليفه فهل يمكن أن ينهزم؟
قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:21] كتب يعني أوجب وفرض ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51].
لكنّهم آمنوا حق الإيمان، واتقوا حق التقوى.. ما حقيقة إيمانك؟ اسأل المسلم والمسلمة: ما حقيقة إيمانك؟ لسانها كذب ولغو وغيبة وحرام وتدخلٌ فيما لا يعنيها، وكذلك العين والأذن والقلب والبدن والروح والنفس والفكر، فأيُّ إسلام هذا؟ هذا إسلام: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:8]، لذلك تعرف حقيقة إيمانك من ثمرات حياتك، فكيف هي حياة المسلمين الآن في العالم؟ هل هم منتصرون أم مخذولون؟ وهل هم ضعفاء أم أقوياء؟ وهل هم علماء أم جهلاء؟ وهل هم أذلة أم أعزة؟ هذا كلّه ضدّ الإسلام؛ لأنَّ الإسلام: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8]، والإسلام كما قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النحل:128] أنا خائف إذا فاتتنا الدنيا أن تفوتنا الآخرة أيضاً، فنخرج لا دنيا ولا آخرة.
فعلينا أن نضع عجلة حياتنا على سكة القرآن فهماً وعقلاً وفكراً، وقلباً وروحاً وإيماناً، وعملاً وسلوكاً وحياةً، فهذا هو الإسلام! وما أحوج العالم كله من أميركا إلى اليابان إلى هذا البرنامج العلمي السماوي، الذي يجعل من مجموع البشرية عائلةً واحدة، وأسرة واحدة، وجسداً واحداً، إذا تألم عضو منه سهر له كل الجسد بالسهر والحمى ، وهذا ما تخيّله الفلاسفة، ولكنهم عجزوا عن تحويله إلى واقع وعمل، أمّا النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة فقد حوّلوه إلى واقع وعمل.
قصة المسلم الصيني الذي قابل الشيخ كفتارو في الطريق
من شهر كنت في اليابان، ثم زرت إخواننا المسلمين في الصين، وبينما أنا في أحد شوارع الصين أقبل عليَّ رجل صيني ووجهه يتهلَّل بالسرور، وسألني باللغة الصينية وأشار إليَّ بما معناه: “الله أكبر؟” يعني: هل تقول: “الله أكبر”؟ يعني: هل أنت مسلم؟ قلت له: “الله أكبر”، يعني أقول الله أكبر.. لم أره ولم يَرَني طول حياتي، لكنّه ظنَّ من لباسي أننّي مسلم، فبهذه العلامة اتجه نحوي، وإذا به يعانقني ويقبِّلني ويبكي.
فمن جعل هذه الأُخُوَّة وهذه القرابة العائليّة الروحيّة بين العربي والصيني، وبين العربي والإفريقي والأمريكي والأوروبي؟ فمَن أبُ هذا العائلة؟ سيدنا محمد ﷺ، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب:6]، وفي قراءة: وهو أبوهم.
كيفية الأخذ بالقرآن الكريم
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [الذاريات:15–16] آتانا الله عز وجل القرآن، فيجب أن نأخذ القرآن؛ نأخذه علماً به، وعملاً بأحكامه، وتخلُّقاً بأخلاقه، وتنفيذاً لأوامره كلها، من سورة الفاتحة إلى سورة النّاس.
فيجب أن تكون أنت المصحف؛ مصحف العمل، فهذا مصحف الكتابة والطّباعة والورق، [يرفع الشيخ مصحفاً بيده مشيراً إليه] وإذا قرأته يصير مصحف القراءة، أما النّافع فهو مصحف العمل، سئلت عائشة رضي الله عنها عن أخلاق رسول الله ﷺ فقالت: ((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)) هل فقط خلقه؟ فأعماله هي القرآن المجسَّم؛ قرآن العمل، فنَقَل قرآن التّلاوة إلى قرآن العمل، هذا هو الإسلام الحقيقي، وهذا هو الإيمان الذي يوصلك إلى رضوان الله وإلى جنانه.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الذاريات:15] وإذا أخذت القرآن بقوّة ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم:12]، ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الحاقة:19]، فعندما يريد الإنسان أن يأخذ شيئاً ذا شأن مقدس فهل يأخذه باليمين أم باليسار؟ ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ [الإنشقاق:10–14].
وإذا أخذت هذا الكتاب بكلّ ما فيه فستأخذ من عطايا الله وإنعامه ورضوانه وجناته التي قال فيها سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة:17]، ((فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)) من النّعيم والسّعادة.
فهل تبيع حياة هذه بعض حقائقها بحياة مدتها خمسين أو ستين سنة؟ فهل تقارن حياة لا تحدها آلاف السنين ولا ملايين السنين بحياة شبابها عارية، وغناها وملكها عارية، والزوجة فيها عارية، والبيت عارية، والصّحة عارية؟
أمّا هناك فبَيتُ الملك، والشباب والصحة الدائمة، والسعادة التي لا تزول، فنسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن علماً وعملاً ظاهراً وباطناً جسداً وروحاً.
﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُم﴾ [الذاريات:16] من أحكام القرآن، وسيعطيهم الله وسيأخذون في الدار الآخرة ثوابهم من رضوانه ومن الجنان، قال: لماذا سيعطينا الله هذا العطاء؟ قال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ قبل الآخرة كانوا ﴿مُحْسِنِينَ﴾ كان إسلامهم حسناً، وتقواهم حسنةً، وأخلاقهم حسنةً، وإيمانهم وقلوبهم حسنة، ومعاملتهم حسنة، وحبهم لله حسن، وكذلك مخافتهم من الله، وكل صفاتهم وأعمالهم حسنة.
قيام الليل من صفات أهل التقوى
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات:16] كأنَّ قائلاً يقول: أخبرنا عن بعض إحسانهم في أعمالهم في الدنيا.. لأنهم ﴿كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ يعني في الدنيا قبل الآخرة.
قال من جملة محاسنهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات:17] “ما” هنا زائدة، أي كانوا قليلاً من الليل يهجعون.
والهجوع هو النوم، يعني كانوا لا ينامون من الليل إلا القليل، والجزء الذي لا ينامون فيه ماذا كانوا يفعلون فيه؟ هل سهرات ورقص وشرب خمر وعربدة وفسق وضلال؟ [حاشاهم]، بل كانوا -رضوان الله عليهم- كما قال الله عنهم: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ ليس كلّهم بل طائفة.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((إذا تعارَّ المؤمن من فراشه)) يعني إذا استيقظ ((فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ))، يجب أن يقولها لساناً وقلباً ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يحيي ويميت، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، إذا قال ذلك ثم دعا الله واستغفر إلا استجاب الله دعاءه وغفر له)) .
قام النبي ﷺ الليل حتّى انتفخت قدماه، يعني صارت الدورة الدموية بطيئة، وترسّب الدم في قدميه، فقالوا: “يا رسول الله غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ” يعني لماذا تتعب نفسك هذا التّعب؟ فقال ﷺ: ((أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟)) .
لماذا وكيف استطاع أن يقوم هذا القيام معظم الليل؟ فالمغنون والعشاق عندما يطربون يقولون: “يا ليل” فهل مجتمع العشاق في النهار أم في الليل؟ في الليل حتى لا أحد يراهم.
فكان يقول ﷺ: ((وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ)) ، فالعريس قرّة عينه في الليل أم في النهار؟ [العريس في العامية السورية هو العروس الذكر] وهل يقيمون العرس في النهار أم في الليل؟
فأسأل الله أن يجعل ليلنا نوراً وليلنا عرساً ولقاءً مع الله، لتحيا بروحه أرواحنا، ولتنجلي بأنواره ظلماتنا، ولتنقشع بعلمه اللدنيِّ جهالتنا وجاهليتنا، لنصير الإنسان الحقيقي الذي هو سعادة مجتمعه بعد سعادة نفسه.
المحسنون أهل إيمان
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات:16] أخلاقهم حسنة، وأعمالهم حسنة، وأفكارهم حسنة، ونياتهم حسنة، وكلما تحركوا لا يخرج منهم إلا الحسن، مثل النحل، شبَّه النبي عليه الصّلاة والسّلام المؤمن بالنحلة فقال: ((إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّبًا)) إذا أكلت أين تأكل؟ وأين غذاؤها؟ وأين مطعمها؟ على الزهور والورود ومن العطور والرّوائح الجميلة.
((وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّبًا))، ماذا تصنع؟ وماذا يخرج منها؟ هل الزفت؟ لا بل العسل، ((وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودِ لَمْ تَكْسِرْهُ)) وإذا نزلت فلا تكسر العود، فلا يوجد فيها أذى في كل تصرفاتها؛ فيما تأخذ وفيما تعطي وفيما تتعامل معه.
ما أحلى كلمة مؤمن بحسب المواصفات النبوية! أما المؤمن بمواصفة أهل الأماني فتتمنَّى أنك مسلم، وتتوهَّم أنك مسلم ومن غير معلِّم! فهل تصير طبيباً من غير معلِّم؟ وهل تصير صيدلانياً بلا مدرسة؟ وهل تصير مسلماً بمجرد أن تقول: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” مثل من يقول: “أنا طبيب” فهل بهذه الكلمة يصير طبيباً؟
هجرة المحبِّ إلى الوارث فرض
كانت الهجرة فريضة على المسلم؛ على الرّجل وعلى المرأة، هاجرت أم سلمة من مكة إلى المدينة في الصّحراء وحدها لتدخل مدرسة الإسلام الذي كان أستاذها رسول الله ﷺ، وانتقل رسول الله ﷺ إلى عالم السّماء، ولكنه قال: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) ، العلماء ليس بالقراءة من صفحات الكتب فقط، فالعلماء الرّبانيون يجعل اللهُ قلوبَهم كُتُبَهم، ويصير معلِّمَهم اللهُ عز وجل، ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف:65] هل أخذ الأنبياء العلوم من الكتب أم من المدارس أم من الأساتذة؟ [من الله تعالى]
فنبينا ﷺ أخذها من غار حراء، ماذا يوجد في غار حراء؟ لا يوجد شيء، لكنه بعشقه لله وإقباله بروحه وبكل حواسِّه وتوجُّهِهِ إلى الله وتنظيف مرآة نفسه من كل الأوساخ والأقذار النفسية حتى انطبع وانعكس في مرآة قلبه نور الله عز وجل، فأشعَّه على الأمة وعلى العرب نوراً وعلماً وحكمةً وأخلاقاً وعظمةً.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ لله ثلاث مئة وستين خلقاً من تخلق بخلق منها دخل الجنة))، سيدنا أبو بكر رضي الله عنه قال: “يا رسول الله أفيّ خلق منها؟” حتى يدخل الجنة، قال له: ((كلّ هذه الأخلاق فيك يا أبا بكر)) إذا صار الإنسان طبيباً يُحب أن يصير رئيس الأطباء، وإذا كان مهندساً يحب أن يصير أعظم المهندسين، فيجب أن نكون بإسلامنا أعظم المسلمين، ودائماً أصحاب الهمم العالية يكونون مثل القصة الآتية
قيل إنَّ ملكاً من الملوك كان له في السنة يوم يعرض نفسه على جواريه وزوجاته، ليحَقِّقَ لكلِّ واحدة منهن طلبها، فلمّا صار ذلك اليوم، أحضر بناته وزوجاته وجواريه، وقال لكل واحدة: ماذا تريدين؟ إحداهن تقول: “أريد خاتم ألماس”، فيعطيها، وأخرى تقول: “أريد قلادة لؤلؤ”، فيعطيها، وواحدة تقول: “أريد سيارة”، فيعطيها.
واحدة منهنَّ لما سئلت صمتت، فقال لها: “ألا تتكلمين؟” قالت له: “أخاف ألا تعطيني”، قال لها: “أنا من عرض نفسه عليك وعليكنَّ جميعاً”، قالت له: “أنا أريدك أنت، أنا لا أريد سواراً ولا أريد قلادةً ولا سيارةً، أنا أريدك أنت”، فقال لها: “ما دمت كذلك فأنا وما أملك كله لك”.
فأسأل الله أن يجعلنا نطلب اللهَ بكُلِّيَّتِنَا ليعطينا الله عز وجل بحسب ما نطلب، والطلب ليس بالقول ولا بالتمني، فالطلب الحقيقي بالعمل، فالذي يطلب الولد بالكلام لا يأتيه الولد، أمّا الذي يطلب الولد بالزّواج فهذا الذي يأتيه الولد، وإذا طلب القمح بالدّعاء لا يصير له قمحٌ، أما إن طلبه بالزرع والحصاد فيصل إلى ما يريد، وأكثر المسلمين يطلبون بالدعاء وبالأقوال، فيجب أن يكون مع الأقوال والقلبِ أعمالٌ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾ [البقرة:277]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا﴾ [الأنفال:72]، فأيها المسلم هل عندما قرأت كلمة “هاجروا” هاجرت؟ وفي زمان النبي ﷺ كانت الهجرة إليه، ومع النبي ﷺ ((إلى الله ورسوله)) لأنَّ قلوبهم كانت تَجِدُ الله في صحبتهم لرسول الله ﷺ، وقد ذهب النبي عليه الصلاة والسلام فهل ترك الله تعالى الناس هكذا ضياعاً في صحراء الحياة؟ لا، بل قال رسول الله ﷺ: ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) فابحث عن عالم تصِحُّ الهجرة إليه؛ هجرة القلب والروح والحبُّ، وستجده، وأن يكون عالم القرآن وعالم العقل الحكيم وعالم تزكية النفس.
الإسلام كل لا يتجزأ
تخلَّف المسلمون لأنَّ كل فئة أخذت من الإسلام طَرَفاً؛ كلهم أحبوا ملكة الجمال، كلهم أحبوا الإسلام كملكة جمال، فأحدهم أخذ رأسها.. وماذا يصير بملكة الجمال إن ذهب رأسها؟ لا تبقى فائدةٌ في رأسها ولا في جسدها.. وآخر أخذ يدها، وآخر أخذ رجلها، وغيرهم أخذ شعرها.. وكل واحد منهم جعل ما أخذه نَكْبَةً على الإسلام، وهذا حال المسلمين الآن.
الإسلام هو العقل والفكر بكل طاقاته وأبعاده، والعلم بكل تفرعاته من علوم الدنيا وعلوم الآخرة، من علوم الأرض وعلوم السماء، مع تزكية النفس وتصفيتها حتى تكون مع الله والله معها.
كما روي عن سيدنا عليّ رضي الله عنه وقد سئل فقيل له: “هل رأيت ربك؟ فقال: وكيف لم أره؟ وإني لا أعبد إلهاً لا أراه، فقيل له: وكيف تراه؟”
فالشمس بيننا وبينها مسافة تسعين مليون ميل، ومع بعدها فإن العين لا تستطع أن تحدق فيها ثانية واحدة، والله سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور:35]، وكلّ الأنوار من نوره، أهذه العين تستطيع أن تُدرِك؟ “فقالوا: وكيف تراه؟ فقال: لم تره العيون بمشاهدة العيون والأبصار، ولكن تراه القلوب بنور الإيمان واليقين” . هنا [في القلوب] ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ [يونس:43]، ينظرون إليك بأعينهم لكنّهم عميٌ عن أن ينظروا إليك بقلوبهم أو بعقولهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [البقرة:18] هل المراد الصّم والبكم والعمي في آذانهم وأفواههم وعيونهم؟ لا، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46]، فأسأل الله أن يرزقكم قلوب أحباب الله، وقلوب إيمان القلوب.
الخوف من الله يدفع لبذل المزيد من الطاعة
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات:17] هذه كانت مدرستهم ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة:282].
﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات:18] مع كلّ هذه العبادات والتّهجد والإقبال على الله فهم في آخر الأمر يرون أنفسهم أنهم لم يعملوا شيئاً، وأنهم مذنبون الذّنوب الكثيرة، لذلك كانوا بالأسحار يستغفرون، سألت السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: “يا رسول الله، العبد الذي يعصي ويفسق، ويرجو الله، هل هذا هو الذي ينال رحمة الله؟” مثل أكثر المسلمين اليوم، تراه تاركاً للفرائض ومرتكباً لكل المعاصي ويريد الجنة!
قال: ((لا، ولكنهم الذين قال عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ -يفعلون كل الأعمال الصالحة- ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:60-61])) ، يعملون كل الأعمال الصالحة ويتهمون أنفسهم بالتقصير والخطيئة.
ولذلك كان النبي ﷺ يقول: ((إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتوب إليه فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)) ومع أنهم كانوا قليلاً من الليل ما ينامون، ويقومون في الصلاة والذكر والتوجه إلى الله، كانوا في آخر المطاف: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات:17–18].
النظام المالي العادل في الإسلام
هذه الآية أعظم من الاشتراكية والرأسمالية، أبقى الإسلام الغني على غناه ولكن فرض له في ماله ما يسد عوز وحاجات الإنسان الضعيف أو الإنسان اليتيم أو الإنسان العاطل عن العمل، فترك له ثروته ولكن فرض عليه فيها ما يساعد الإنسان المقصِّر.
لذلك من الأحكام الإسلامية إذا تعطّل الإنسان عن العمل وكانت الدولة الإسلامية قائمة أنه يجب أن يُدفَع له الراتب الشهري كاملاً، وليس نصف الراتب، وإذا كان مديوناً وعجز عن سداد دينه فالدولة هي المكلفة بأداء دينه مسلماً كان أو غير مسلم؛ مادام مواطناً في دائرة الدولة الإسلامية، فقانون الإسلام في أمور الحياة وفي حقوق الحياة الجسدية لا يفرق بين المسلم وغيره.
أَذَّنَ المؤذن [لصلاة الجمعة] والوقت انتهى.
فأسأل الله أن يحوّل هذه الآيات فينا من سماع وتلاوة إلى عمل وأخلاق وواقع، حتى يُقرَأ القرآن في أعمالنا، فأينما وُجِدتَ ونُظِرَ إليك تكون للناس قدوةً وإماماً، يتعلّمون الإسلام ليس من أقوالك، بل من أعمالك وإخلاصك وصدقك ويقينك.