تاريخ الدرس: 1994/03/25
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:31:56
سورة المعارج: الآيات 1-23 المحاضرة 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأعطر التّحيات على سيِّدنا مُحمَّد خاتم النّبيّين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
سور القرآن تُقسم إلى مكّيّة ومدنيّة
فنحن لا نزال في سورة المعارج التي تبدأ بقوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: 1] كما تقدّم معكم أنّ هذه السّورة من السّور المكية، فالقرآن ينقسم إلى قسمين: مكي وهو الذي نزل به روح القدس على النبي ﷺ في مكّة، ومدني وهو الذي نزل على النّبي ﷺ بعد أن هاجر من مكّة، فالسّور المكيّة يدور معظمها أو كلّها حول مكافحة الوثنية، وإثبات وحدانية الله عزَّ وجلَّ، وإثبات صدق النّبوة، وإثبات الحياة الأخروية، خلود وأبديّة الحياة للإنسان، وحول مكافحة الخرافات التي كانت تعيشها الجزيرة العربيّة.
حقيقة الموت
والحياة الرّوحيّة التي تسمى بالدّار الآخرة، والتي ينتقل إليها الإنسان بطريق ما يسمّى الموت.. كثير من النَّاس يعتقدون أنّ الموت هو موت الإنسان، وهذا خطأ وغير واقعي، فالموت هو موت الجسد الذي كانت الرّوح محبوسة فيه، فالموت انفلات وتحرّر للرّوح من سجنها وقيدها، كما يقول النبي الكريم ﷺ: ((الدنيا سجن المؤمن)) 1 ، ولذلك كان بعضهم يقول
جزى اللهُ عنَّا الموتَ خيرًا فإنّه أبرُّ بنا من كلِّ بَرٍّ وأرأفُ يعجِّلُ تخليصَ النّفوسِ منَ الأذى ويدعو إلى الدّارِ التي هي ألطفُ
فيدعو إلى النّعيم المقيم كما وصفه القرآن: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17].
فما أعظم الإيمان حيث يعطي للإنسان الحياة بلا نهاية، ويهيّئه لنعيم! لكن هذا النّعيم بكفاءات وثمن، فهذا الثّمن أن يحقق سعادته على كوكب الأرض، فإذا اختار الشّقاء في الدّنيا فله ما يسمّى بجهنّم أو بالعذاب؛ لتنقية روحه من أقذارها ونجاساتها وما شوهها من أخلاق وصفات وسلوك.
الجزاء من جنس العمل
ذكرت سورة المعارج ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾، حال الوثنيين عندما كان يخبرهم النبي الكريم ﷺ عن حياة الآخرة، وأن النَّاس صنفان سعيد وشقي، منعم ومعذّب، والعذاب كما قال تعالى: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 90] فإذا زرع الإنسان في أرضه أشواكًا فجرحته جزاءً على ما فعل فهل يكون هذا ظلمًا؟ وإذا زرع آخر وردًا وريحانًا فتنعم بما زرع أليس هذا حقّه ومكافأته؟ فالله عزَّ وجلَّ ليس بالمنتقم، ولكنّ النّفس إذا خرجت من جسدها وهي ملوّثة مملوءة بالميكروبات التي تؤذي الرّوح في عالم الرّوح، فلا بدّ من تطهيرها، ولا بدّ من تنقيتها.
فكان المشركون الوثنيّون يهزؤون ويكذِّبون ويتحدَّون النبي ﷺ فيسألونه ويطلبون منه أن يعجِّل بعذاب الآخرة، لقاء كفرهم وعنادهم وعدم استجابتهم لرسالة الله عزَّ وجلَّ، فلذلك نزلت السّورة.
﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ أي طلب طالبٍ ودعا داعٍ ﴿بِعَذَابٍ﴾ أي عن عذاب ﴿وَاقِعٍ﴾ سيقع بالكافرين الذين جهلوا حياة الأبد، وجهلوا ما أعدّ الله عزَّ وجلَّ للإنسان من نعيم ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) 2 .
لا يمكن دفع عذاب الله عن أحد
﴿لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ [المعارج: 2] فهل أحد يستطيع أن يدفع عذاب الله عمّن يستحقه؟ مرة سألني أحدهم فقال لي: “الإنسان عندما يخرج من الدنيا يوضع في جهنم وفي النَّار وفي كذا وفي كذا، أهذه من رحمة الله؟ أهذه من صفات الرّحمن الرّحيم؟” فقلت له: “أرأيت لو كنت نائمًا في فراشك مع زوجتك وأيقظك رجل بضربة من نعله في رجله، وجعل المسدس والخنجر على رأسك ووجهك، وقال لك: “أين مفتاح الصّندوق؟ وأين أموالك وإلّا قتلك في هذه اللحظة؟ فهل لجهنم حاجة أم لا؟” قال لي: “والله يا شيخي كلامك صحيح”.
فالإنسان لا يصلح في الدنيا ولا في الآخرة إلّا بمكافأة المحسن على إحسانه وقصاص المسيء على إساءته، فلو أنّ الدّول والحكومات لم تقاصَّ المجرم لامتلأ العالم بالجرائم وعدوان الأقوياء على الضّعفاء.. وبهذه التّربية الإيمانية خرجت من هذه المدرسة أعظم أمّة أخرجها الله عزَّ وجلَّ للنّاس، أخرج العرب ففتحوا نصف العالم القديم ووحَّدوه، وجعلوه عائلة واحدة، وبالإسلام تخرّج عظماء تلك العصور من الصّين إلى إسبانيا، لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا أبيض وأسود، ولم يكن العلم مباحًا للجميع، بل مفروضًا على الجميع، والعدالة ليست للأبيض دون الأسود، وليست للقوي دون الضّعيف، فالنَّاس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي.
واقع العرب المعادين للنبي ﷺ
فعندما كان يهزأ العرب الأميّون في العلوم والحضارة وثقافة السَّماء بالنبي ﷺ ويتّحدونه، ويقولون له: “ما دام الله يهدّد الكافر فليأتنا بعذابه في الدّنيا قبل الآخرة”.
قال تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ﴾ فالباء بمعنى عن، فمعنى الآية: سأل سائل عن عذاب ﴿وَاقِعٍ﴾ لمن؟ ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ الذين رفضوا ثقافة السَّماء، وأن ينتقلوا من الظّلمات إلى النّور، وأن ينتقلوا من الجهل إلى العلم، ورفضوا أن يواسي غنيهم فقيرهم، وأن يعين قويّهم ضعيفهم، وأن يقوموا كقوّة عالميّة يحرّرون الشّعوب المستعمرة، فدولة الإسلام لم تحارب الشّعوب والكنائس والضّعفاء، بل حاربت الملوك المستبدّين الذين كانوا يحرِّمون على شعوبهم القراءة والكتابة، وكانوا يحصرون الثّقافة في الأمراء والنّبلاء وعظماء الشّعوب، أمّا الفقير فلا يوجد عنده علم ولا مساعدة.. وإلى آخره.
فالكافرون هم الذين حملوا هذه الصّفات؛ لأنّهم لم يتخرّجوا من مدرسة السَّماء، للكافرين عذاب واقع ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ إذا كان الله عزَّ وجلَّ هو الحاكم وهو المقاصَّ فمن هو أقوى من الله عزَّ وجلَّ ليخلّص هذا المجرم المعتدي الظّالم، الذي كان يرى الفقراء يموتون جوعًا فلا يرحمهم، ويرى الضّعفاء فيستعبدهم ويذلّهم ويقهرهم؟ ألّا يجب لهذا الضّعيف أن يؤخذ حقّه، وهذه النّفس الظالمة أن تعقَّم من أخلاق وصفات الظّلم والجور والعدوان؟
تعرج الملائكة بأعمال الإنسان كلّ يوم إلى ديوان السَّماء
﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 3-4] المعارج: المصاعد، فالمصعد والسّلم والدّرج يقال لها: معراج.. فكلّ يوم تعرج الملائكة بأعمال الإنسان إلى ديوان السَّماء، كلّ يوم أيّها الإنسان يقول لك الله عزَّ وجلَّ: أعمالك التي تعملها.. فهناك ملائكة موكّلة بالإنسان، ملائكة تكتب الخير الذي تفعله وملائكة تكتب الشّرّ الذي تفعله، فكلّ يوم تُكتب بك إضبارة وضبط –كالذي يُكتَب عند الشرطة- إلى جبّار السَّماوات والأرض، إلى ملك الكون، وإلى من لا تخفى عليه من أمورك خافية.
فهل آمن الإنسان الإيمان العملي؟ وهل آمن كلّ واحد منّا- نحن الذين في المسجد- بأنّ أقوالنا تُرفع كلّ يوم إلى الله عزَّ وجلَّ؟ وكذلك رؤيتنا واستعمالنا لأبصارنا، وكلامنا بألسنتنا، وخطواتنا بأقدامنا، وأعمالنا بجوارحنا، فملائكة الصّباح تسجِّل كلّ يوم أعمالك التي فعلتها في النّهار وترفعها إلى الله عزَّ وجلَّ في المساء، وما فعلته في المساء في اللّيل إلى الفجر فهناك ملائكة أخرى ترفع أعمالك إلى الله عزَّ وجلَّ، في سجلّ تحاسب عليه جملة واحدة يوم لقاء الله عزَّ وجلَّ، يوم يُحشَر النَّاس لربّ العالمين.
ما الضّمير؟
يقولون: “ضمير”، ما الضّمير؟ الضمير هو أنت وأنت الضّمير، فالسّارق هو ضميره وضميره هو السّارق، والمجرم القاتل هو ضميره، وضميره هو المجرم القاتل، أمّا الإيمان فيقول لك: “لست أنت الذي تحاسب نفسك على أعمالك؛ بل سيحاسبك ربّ العالمين”، الذي هو مع ملائكته- الرّقيب العتيد- يسجلون أعمالك وهو في الوقت نفسه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: 4].
فبهذه التّربية تربّى إنسان الصّحراء، وفوق هذه التّربية تربّى بقوّة الرّوحانيّة والرّبانيّة وكثرة ذكر الله عزَّ وجلَّ والعشق الإلهي بصحبة رسول الله ﷺ، فسمت روحه، وصارت روحه من الشّفافية بحيث كان يبصر بهذه القوّة الرّوحيّة أحوال عالم الدّار الآخرة.
وكان أحدهم وقد سأله النبي ﷺ: ((كيف أصبحت؟)) قال: “مؤمنًا حقًّا يا رسول الله”، ليس مؤمن التّمنّي ولا الانتساب، بل المؤمن الحقيقي، ترى الولد يقلِّد الطّيار ويركض ويرفرف بيديه ويقلِّد صوت الطّائرة لكن هل يطير؟ أمّا الطيار الحقيقي فشأنه مختلف، قال له: “مؤمنًا حقًّا”، قال له: ((إنّ لكلّ قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟)) قال: “أصبحت كأنّي أنظر إلى الله في عرشه”، وكأنّي دائمًا في حضرة الله عزَّ وجلَّ، فإذا كان شخصٌ في حضرة الملك فهل يستطيع أن يفعل ما يغضبه أو يخالف رغبته ورضاه؟ “وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة في نعيمهم”، هذا ما يقال له: “الكشف”، وما يقال له: “رفع الحجاب عن بصيرة القلب والرّوح”، فينعكس في شاشة القلب أحوال ما يتوجّه إليه المؤمن، فيتوجه إلى الجنّة فيراها، وإذا وضع عقرب تلفازه [إبرة أو مؤشر جهاز الإشارة] على محطة الجنّة يرى الجنة ونعيمها، وعلى محطة جهنّم يرى جهنم وعذابها، “كأنّي أنظر إلى أهل الجنّة في نعيمهم، وإلى أهل النَّار في عذابهم، وكأني أنظر إلى الله وعظَمته في عرشه”، فقال له النبي الكريم ﷺ: ((عبد نوَّر الله قلبه بالإيمان، عرفت فالزم)) 3 .
ما هذه النّقلة لأقوام في الصّحراء لا يعرفون إلّا القتل والسّلب والنّهب والخرافات والأوهام، فينتقلون بقوّة النّبوة إلى هذه المراتب العالية، أخلاقًا وروحانيّةً ومعرفةً، هذا هو الإيمان بحقائقه، وماذا أنتج للبشريّة والإنسانيّة؟ أنتج أعظم حضارة وأعظم عدالة، حتَّى أقام عمر رضي الله عنه حد شرب الخمر على ابنه ثمانين جلدة حتَّى مات تحت إقامة الحد، فقال له: “يا أبت قتلتني!” فقال له: “إذا متَّ ولقيتَ رسول الله ﷺ فقل له: إنّ عمر يقيم العدالة بعدك يا رسول الله على النَّاس كلهم، حتَّى على ابنه”. فأيّ عدالة في العالم بلغت إلى هذا المستوى؟ هذا هو الإيمان، وهذا هو الإسلام، وهذه هي مدرسة القرآن، وهؤلاء تلامذتها وخريجوها.
تعرج الملائكة بالأعمال كلها صغيرها وكبيرها
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 4] بأعمالك أيّها الإنسان صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، ما أعلنته وما أسررته، إلى جانب ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: 119] وإلى جانب ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النحل: 19] وإلى جانب ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: 4].
قصة ابن عمر رضي الله عنهما مع الراعي
أدرك ابن عمر رضي الله عنهما العطش في طريقه بين مكة والمدينة، فرأى راعيًا فطلب منه أن يسقيه حليبًا، فأعطاه وشرب، وزادت من الحليب فضلة، فقال للرّاعي: “اشربها”، فقال له: “إنّي صائم”، فقال له: “أفي الصحراء وفي حر هذا اليوم تصوم؟” فقال: “أصوم في حرّ هذا اليوم خوفًا واتقاء لحرارة يوم القيامة”.
فقال له: “اشرب فضلة الحليب التي زادت عني”، قال: “أنا صائم”، قال: “فعجبت! فهو في حرارة الصحراء، وهو راعي أغنام، ويصوم في غير رمضان، يصوم صوم النفل”، فأراد أن يجرب تقواه، فهو يتقي الله عزَّ وجلَّ في الصوم، لكنّه عند الشّهوات والمنافع والفوائد فهل عنده إيمان وتقوى؟ فطلب منه أن يذبح له خروفًا، فقال له: “لست ربّ الشياه والغنم، أنا عبد، ليس لي حق أن أذبح، مأذون لي أن أسقي ابن السّبيل إذا استسقاني من الحليب”، قال له: “أنا أعطيك ثمن الخروف وتقول لسيِّدك أكله الذّئب”، ولم يستتم ابن عمر رضي الله عنهما كلمته حتَّى صاح الرّاعي الأسود بصوت رنّ منه الوادي: “فأين الله؟ فأين الله؟ فأين الله؟” فمن شدة انفعال الرّاعي تأثر ابن عمر وصار يصيح معه: “فأين الله؟ فأين الله؟”.
هذه تربية الإيمان بيوم القيامة، وهذه تربية ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ وهذه تربية ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: 1].
حقيقة الضمير
يقولون: “ضمير” هذا ضمير دجل، وهل يوجد لدى مجلس الأمن ضمير؟ فهل أعضاء مجلس الأمن أميّون أم مثقفون؟ كلّهم دكاترة ومن أعلى أنواع الثّقافات الدّنيويّة، أين الضمير؟ هذا كله كذب وغرور في الإنسان، فالضّمير هو التّربية الإيمانيّة الرّبّانيّة السَّماويّة الحقيقيّة.
قصة ابن عمرو بن العاص مع القبطي
فلمّا ترك إنسانُ هذا العصر هذه التربيةَ فهل سدت الجامعات مسد هذه التربية؟ عمرو ابن العاص رضي الله عنه: لمّا سبق قبطيٌّ ابنَه في سباق الخيل، اغتاظ ابن عمرو فضرب القبطي بسوطه على رأسه، فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستدعى عمرُ ابنَ عمرو ووالده فاتح مصر، وأعطى السّوط للقبطي وقال له: “اضرب ابن الأكرَمَين”، عندما ضربه كان يقول له: “أنا ابن الأكرمين”، يعني كيف تسبقني؟ فأخذ القبطي السّوط وضرب ابن عمرو، وعمر يقول له: “اضرب ابن الأكرمين”، هنا هل انحاز مجلس الأمن إلى القوّي؟ وهل انحاز إلى فاتح مصر؟ انحاز إلى نصراني قبطي مستضعف في نظر المجتمع أمام ابن رجل الدولة.
قال: فضربه وأصحاب رسول الله ﷺ حاضرون، يحبّون أن يضربه، يعني لا أحد كانت فيه عصبية القرابة أو الدين: لمَ نصرانيٌّ يضرب مسلمًا؟ وابن فاتح مصر! قال: “حتَّى أحببنا ألّا يضربه”، أي ضربه واشتفى، فوقف، فقال عمر للقبطي: “اضرب بسوطك على صلعة أبيه عَمرو” فاتح مصر! يعني لمّا فتح “آيزنهاور” اليابان، لو أن ابنه عمل عملًا كهذا وتعدى على أحد اليابانيين فاشتكى إلى واشنطن، فهل يا ترى ينصفون الياباني كما أنصف عمر رضي الله عنه القبطي؟
الآن شعوب مظلومة، مهضومة حقوقها، تُسبى نساؤها، تُسفك دماء أطفالها وشيوخها، ومجلس الأمن لا يتحرّك ويؤجّلها، فقرارات مجلس الأمن في فلسطين وإسرائيل منذ خمسين سنة والغبار يأكلها والعث ينخرها، “أين الضمير؟” لا ضمير إذا لم يكن إيمان، ولا إيمان إذا لم يكن معقَّمًا نازلًا من السَّماء ليس فيه خرافة ولا ما يصادم العقل والمنطق.
فقال له: “اضرب بها على صلعة أبيه”، فالقبطي كان منصفًا فقال له: “يا أمير المؤمنين لقد ضربت من ضربني واستوفيت حقي”، فقال له عمر رضي الله عنه: “والله لو ضربته لما منعك منا أحد، لأنّ ابنه ضربك بسلطان أبيه”.
فاعتبر القضاء الإسلامي أنّ عَمروًا الأب مسؤول عن عدوان ابنه، فهل مرّ في تاريخ الإنسان عدالة على هذا المستوى؟ هذه آثار تربية ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ﴾ [المعارج: 1-3] فالعذاب صدرت أوامره من الله عزَّ وجلَّ، فمن يستطيع أن يرد أوامر الله؟
كل يوم ترفع أعمال الإنسان مرتين إلى السَّماء في السجل العام
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 3] المصاعد، كلّ يوم ترفع أعمال الإنسان مرتين إلى السَّماء في السّجل العام، تُدَّخَر ليحاسب عليها يوم القيامة، سواء أكان إمبراطورًا أو رئيس مجلس الأمن أو عضو الفيتو، فهؤلاء كلّهم سيحشرهم الله عزَّ وجلَّ غدًا يوم القيامة في قراراتهم التي لم تكن عادلة، أو وضعوها رياءً وسمعةً وأهملوها، فبقي المظلوم يعن ويئن وتنزف دماؤه، وتُهتَك الأعراض، ويُقتَل الأطفال، ويُقتَل الشّيوخ، فيعرج بأعمالهم كلّها إلى السَّماء وتوضع في السّجل العام، ويوم القيامة يؤتى بالإنسان أمام الله عزَّ وجلَّ وسجلّات أعماله أمامه ويقول الله عزَّ وجلَّ له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 14].
يقول القرآن: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: 65] فالفيديو العادي يصوّر كلّ أعمالك، وهذا عمل إنسان، فكيف الفيديو الإلهي الذي فيه خيانة الخائن، وظلم الظّالم، وجور الجائر، وإجرام المجرم؟ فغدًا يوم القيامة في محكمة الله عزَّ وجلَّ، إذا عرض الله عزَّ وجلَّ عليك أعمالك وقال لك: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ﴾ [الإسراء: 14] وقد جعلت أعمالك الظّالمة منك وحشًا، وجعلت منك روائح أقذر من الجيف، فكيف تدخل الجنّة وأنت في هذا الحال؟ لأنك ستؤذي أهلها ولا تتنعم بها، كما لا يتنعم المريض بأكل الأغذية الشهية؟ فيمنعه الطّبيب حتَّى يستكمل عافيته.
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ﴾ الرّوح نوع من الملائكة لكن من نوع أرقى، ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4] محل سجلّات الأعمال في عالم الفضاء قدَّره الله عزَّ وجلَّ بخمسين ألف سنة، لا نعرف هل هي خمسون ألف سنة ضوئية أو سماوية أو أقل أو أصغر، لكنّ المقصود أنّ أعمالك أيّها الإنسان مسجَّلة، صغيرها وكبيرها، اليوم أنت ملِك ولكنّك غدًا ستكون أذلّ من أسير ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ [المعارج: 11].
عذاب الله قريب
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ [المعارج: 6] الكافر لا يؤمن بالمحكمة الإلهية والقضاء الرباني، وحتَّى المؤمن لا يفكّر أنّه كشيء واقع وقريب ولا بدّ منه، فأكثر النَّاس حتَّى المؤمن بالقيامة فهو مؤمن أمنيةً مرورًا على الذّهن، أمّا عمليًّا وواقعيًّا فلو آمن بالقيامة وبالحساب الإلهي لتغير حاله ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ﴾ [الإسراء: 14] ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18] هناك لا يوجد ملِك، ولا رئيس جمهورية، ولا جنرال، ولا مُفتٍ، كلّنا في محكمة الله عزَّ وجلَّ سنحاسب ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].
فعندما يُربَّى الإنسان من طفولته على هذه العقيدة الإيمانيّة ألا يكون إنسان السَّلام؟ فهل يستطيع أن يظلم إنسان إنسانًا؟ أو يجور حاكم في حكمه؟ أو يعتدي رئيس أو قوي على ضعيف؟ أو يوجد جائع في مجتمع؟ والنبي ﷺ يقول: ((ما آمن بي- ساعة من نهار- من أمسى شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)) 4 .
رسالة النَّبيّ ﷺ خاتمة الشّرائع
رسالة خاتمةٌ للرسالات، وهي اللّبنة الأخيرة في بناء الأديان، كما قال النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل قوم بنوا دارًا، فأكملوه إلّا موضع لبنة، فأنا كنت تلك اللبنة الأخيرة)) 5 . ولذلك قال القرآن: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3] لم يقل اليوم أنشأت أو بنيت وصنعت؛ بل قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾ اللّبنة الأخيرة، فمعنى ذلك: أنّ الرّسالة الخاتمة جامعة لكلّ رسالات السَّماء ومحفوظة من أخطاء التّرجمات، ومحفوظة من تأويلات رجال الأديان عبر العصور، بقيت بلغتها الأصيلة، وكُتِبت في ساعتها المنزلة، تصدِّق رسالات السَّماء وتقدّس أنبياءها: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: 285]، فإذا اعتنقها النّصراني تقول له: ادخل بها ومعك المسيحُ عليه السَّلام وإنجيلُه وكلّ مقدساته، وتقول لليهودي: لتبقَ معك رسالة موسى عليه السَّلام ومقدّساته وتشريعاته.
أمر الله عزَّ وجلَّ نبيه ﷺ بالصّبر
فكان الكفّار يتحدَّون النبي ﷺ: فأين العذاب وأين ما تهددنا به؟ فقال الله عزَّ وجلَّ للنبي ﷺ: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: 5] لا تنزعج، فهذه طبيعة الإنسان، لا يُشفى المريض بحبّة واحدة، ولا يُشفى بحقنة “إبرة” واحدة؛ بل يحتاج إلى عشرين أو ثلاثين أو خمسين، ومنهم من يحتاجون إلى سنة أو أكثر أو أقل، وكذلك شفاء الرّوح وشفاء النّفس، فشفاء الرّوح من انحجابها عن الله عزَّ وجلَّ وشفاء النّفس من رذائلها وأمراضها الأخلاقية لا يحصل في ساعة واحدة ولا في يوم، فهناك أناس مؤهلون فبمجرد اللقاء وبحبّة واحدة يُشفى، وهناك أمراض تحتاج لشهور، وأمراض تحتاج لسنين ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: 6-7] فالذي كان طفلًا والآن صار شائبًا، وعندما كان طفلاً كان يرى الشَّيخوخة بعيدة عنه فإذا بها قريبة منه، ونحن في الحياة نرى الموت بعيدًا، لكن عندما نكون في الجنائز وإذا به صار واقعًا وقريبًا، وهكذا محكمة الله عزَّ وجلَّ، فالنَّاس ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ﴾ حساب الله عزَّ وجلَّ في الآخرة ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ﴾ فالآن أنتم عندما تخطئون- وأنتم تعرفون ماذا تفعلون- فهل تفكّرون بالحساب وعذاب الله ومحكمة الله أمام جلال الله وأمام ملائكته؟
الخوف من الحساب والتّفكير فيه
هل تفكرون يوميًّا بالمعارج؟ فالملائكة تعرج بأعمالكم إلى ديوان الأعمال لا يضيع منها ورقة ولا تضيع منها جملة، وعندما تقفون بين يدي الله عزَّ وجلَّ والأعمال تعرض بأفلام الفيديو الإلهية ماذا سيكون جوابكم لله عزَّ وجلَّ؟ هذه المدرسة خرَّجت الأمة العربية التي قال عنها غوستاف لوبون: “ما عرف التّاريخ فاتحًا أرحم من العرب”، هل بعروبتهم صاروا بهذا المقام أم بإيمانهم بالقرآن والإسلام؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُرجِع الإنسان إلى الإسلام.
حقيقة الإسلام
ما هو الإسلام؟ ليس لفظًا تسمّي به نفسك أو تجعله لقبًا لك، فالإسلام هو الاستجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ، والانقياد لأحكامه، والعمل بوصاياه، فإذا ادّعيت الإسلام ولم تستجب فأنت منافق، وإذا جحدت شريعة الله عزَّ وجلَّ قولًا وعملًا فأنت كافر، يعني جاهل بالله وجاهل بمدرسة الله عزَّ وجلَّ، فتكون من الأشقياء في الدّنيا والآخرة.
العالَم الآن مع كلّ تطوّره وتقدّمه، ولم يمر في التّاريخ على الإنسان تقدّم مادي كما يمر عليه الآن، ولكن لم يمر عليه رعب وخوف كما يمرّ عليه الآن، فهل هذه المدافع التي تُصنَع خوفًا من الأفاعي والثعابين أم خوفًا من النمور والأسود والوحوش أم خوفًا من الحيتان أن تبتلعك وأنت تسبح أم خوفًا من ماذا؟ خوفًا من الإنسان، فالسّبع والضّبع والثّعبان برصاصة أو بعصا أو إذا أغلقت الباب حصل السَّلام، أمّا الإنسان فأصبح أخبث من مليون تريليون شيطان، لا تأمنه إلّا إذا صنعت له قنابل نووية بصواريخ عابرة للقارات حتَّى تجعل من الدّنيا رمادًا، هل هذا إنسان؟ هذا الذي لا يُتَّقى شرّه إلّا بهذه الأسلحة التي تدمر الإنسان والحيوان والحياة، ولذلك كان بعض الشّعراء يقول
عوى الذئبُ فاستأنستُ للذّئبِ إذ عوى وصوَّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
“عوى الذئب فاستأنست للذّئب إذ عوى” يعني لم أخف منه، فالآن هل يخاف الإنسان من الذّئب؟ بالعكس: إذا سمع صوت الذّئب يتجه نحوه حتَّى يطلق عليه النَّار ويأخذ جلده، يفرح إذا سمع بصوت الذّئب لأنّه يربح بسماع هذا الصّوت جلدًا يبيعه بما شاء
عوى الذئبُ فاستأنستُ للذّئبِ إذ عوى وصوَّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
“وصوَّت إنسان” سمعت صوت إنسان، “فكدت أطير” يعني من الخوف والفزع.
فلا يصلح الإنسان ويحوِّله من وحش إلى إنسان، ومن شيطان مفسد ومخرّب إلى إنسان إلا مدرسة السَّماء، وآخرها وأحدثها واللّبنة الأخيرة فيها حتَّى كملت، هو كتاب الله العزيز: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: 1-2].
متى يكون عذاب الكفار؟
متى يكون هذا العذاب؟ قال: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ [المعارج: 8] يبدو أنّه يحدث انفجار في الكون، فتتمزّق الأرض ويكون لون السَّماء كالمهل، فالمهل: عَكَر الزيت، فيكون لون السماء كلون عكر الزيت ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ [المعارج: 9] يعني كالصّوف المنفوش ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ [القارعة: 5] تصير هباءً منثورًا وذرّات تتطاير في الهواء، هل يكون ذلك بالقنابل الهيدروجينية أو النترونية؟ فالله عزَّ وجلَّ ليس من شأنه التّخريب، بل من شأنه العمار، وليس من شأنه الهلاك، بل الإنشاء، وليس الإساءة، بل الإحسان.
﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: 10] الصّديق الحميم يرى صديقه في العذاب وهو في الخوف والفزع فلا يسأله ماذا أصابك حتَّى أساعدك، ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: 37] فضلًا عن إعراضه عن الصّديق، فهل من الممكن أن يكون لم يرَه؟ قال: لا، ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ يبصره ولا يبالي به ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾ [المعارج: 11] المجرم الذي لم يستجبْ لأوامر الله عزَّ وجلَّ ودينه، فالله عزَّ وجلَّ هو الذي خلق المجرّات والأكوان، وكوكبنا الأرضي كذرّة في هذا الفضاء اللانهائي، فماذا نمثّل أنا وأنت على هذه الذرة؟ ليس بالنّسبة للمصنوع فقط، بل بالنّسبة للصّانع العظيم، فماذا تمثّل وبالنّسبة للكون ماذا تمثّل؟
امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ
لو أنّ رئيس الجمهوريّة خاطبك بالهاتف وطلب منك خمسين أمرًا فلا تقدمها تسعة وأربعين، تقول: “يا أخي طلب منّي رئيس الجمهورية خمسين أمرًا فيجب أن أكملها”، فربّ العالمين عزَّ وجلَّ يخاطبك بالطّريق المعقول المنطقي التّربوي.. ثمّ إنّ هذا البرنامج [الإيمان أو الإسلام] مرّ بالتّجربة العمليّة الواقعيّة فماذا أنتج؟ أنتج ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: 110] أخلاقًا وإيمانًا وتقدّمًا؛ ولم يكن قومياً أو لغوياً أو لونياً أو غير ذلك، فالعلم فيه فريضة على الجميع، والحرّية للجميع، والعدالة للجميع، والضّمان الاجتماعي الحياتي للجميع.
لمّا أبرم خالد رضي الله عنه المعاهدة مع نصارى الشّام، كان من جملة بنود المعاهدة: أنّ المَدين من النّصارى إذا عجز عن أداء دينه فتضمن الدّولة له أن تؤدي عنه دينه، وإذا عجز عن العمل أو لم يجد عملًا ينفق على أهله منه فالدّولة مكلّفة أن تقدّم له كفايته الحياتية.. هل هناك دولة إلى الآن تفعل هذه الأمور؟ وهل يوجد ذلك في سويسرا أو النمسا أو أمريكا أو روسيا؟ فهذه شريعة السَّماء: ((الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله)) 6 ، فمن هذه المدرسة تخرَّجوا.
تمني المجرم الافتداء من عذاب يوم القيامة
قال تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ [المعارج: 11] يقول: خذوا أولادي كلهم عذبوهم بشرط أنا أنجو ﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ وأيضًا خذوا زوجتي وعذبوها لأنجو من العذاب ﴿وَأَخِيهِ﴾ وخذوا أخي أيضًا ﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾ العائلة والعشيرة ﴿الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المعارج: 12-14] خذوا أهل الدنيا كلّهم فضعوهم في جهنم ودعوني أنجو، فمعنى ذلك: ما أعظم ما يلاقي الإنسان إذا خالف أمر الله عزَّ وجلَّ!
فماذا أنتجت هذه التربية لمصلحة الإنسان؛ كل الإنسان؟ أنتجت الأمن والسَّلام والأُخُوة، وأنتجت الأمان والعدالة، فعمر رضي الله عنه وعبد وأجير في نظر الدّولة سواء.
حتَّى النبي ﷺ كذلك: مرّة ضرب- وهو يسوي الصفوف في إحدى المعارك مع الوثنيين- أحدهم بقضيب ضربًا لطيفًا ليسوّي الصفوف، فقال له: “يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالعدل، فأريد القصاص”، فسلَّمه النبي ﷺ القضيب وقال له: “اقتص لنفسك يا سواد”، لم يقل له قدم دعوى للمحكمة، واطلب محاميًا.. والمحامي يطلب ألف دولار أو خمسة آلاف دولار أو خمسين ألف ليرة سورية، بل مباشرةً.. مَنْ؟ مَلِك الدولة ومَلِك القلوب ومَلِك الأرواح.
فقال له: “ضربتني وبدني مكشوفٌ”، فكشف النبي صلوات ربي وسلامه عليه ثيابه عن بدنه وقال له: ((اقتص لنفسك يا سواد)) فهل يفعل كلينتون ذلك؟ وهل تفعل ملكة إنكلترا هذا؟ أو يفعله ملك هولندا؟ أو يفعله الملك فهد؟ أو يفعله رئيس مخفر؟ أو يفعله شرطي سير؟ ((اقتص لنفسك يا سواد)) 7 وكشف النبي ﷺ بدنه، فأقبل سواد واحتضن النبي ﷺ وصار يقبّل بدنه يتبارك به.. ففي المعركة قَبِل إقامة الدعوى وسلَّمَ نفسه للقضاء السَّماوي.
فقال له: لماذا صنعت ذلك فالآن وقت المعركة، وقت الزّحف؟ لماذا تقبّل بدني؟
فقال: “يا رسول الله، حضر ما ترى “المعركة”، ولعلي أفارق الدنيا، فأحببت أن أودع الدنيا والحياة بأن أجعل آخر عهدي بها أن يمس جلدي جلدك”، يعني أن أقبّل بدنك وأودّع الدّنيا؛ لأنّ هذا أعزّ شيء عندي. فكيف هذا الأعرابي عابد الصّنم يصل إلى هذا المستوى من العاطفة، ويصل الحكم والدولة في الإنصاف والرضوخ إلى الحق إلى هذا المستوى؟ فهل هذه رواية خيالية؟ أو هل هذا حلم منام أم حقائق واقعيّة تاريخيّة؟ لا يصلح أمر آخر النَّاس إلّا بما صلح عليه أوّلهم.
الرجوع إلى مدرسة الله عزَّ وجلَّ
لابد أن نرجع إلى مدرسة الله وإلى كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ كتاب واحد كان مكتوبًا على الأحجار والعظام، ومعلّم واحد أمّي يصنع هذه الدّولة التي لم يأتِ مثلها في العدالة وتعميم العلم، وقد قَلَب أمة في أقل الأوقات من أمة جاهلية وثنية خرافية إلى أرقى أمة علمًا وحكمة وأخلاقًا وعدالة وعالمية، أفلا يجب على إنسان هذا العصر وخصوصًا المسلمين أن يرجعوا رجوعًا علميًّا وعمليًّا إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ بل على كلّ العالَم، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهيّئ للإنسان إضاءة الطريق حتَّى يرجع إلى صراط الله المستقيم.
﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾ [المعارج: 13] فالمجرم يقول: خذوا كلّ الدنيا لكن دعوني أنجو وحدي، فالمجرم سيلقى قصاصه وما يستحقه، لذلك عندما رأى المجرم أنه لا يوجد خلاص إلّا بالتّوبة، وإلا بالأوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، وإلا بأن يبدل سيئاته حسنات وفسقه تقوى وشره خيرًا ووحشيته إنسانية، لم يرَ إلّا أن يعود إلى صراط الله المستقيم، فصار أبا بكر وصار عمر وصار سعدًا وصار خالدًا رضي الله عنهم أجمعين، حكموا الدنيا وكانوا أعدل مَن خلَق اللهُ عزَّ وجلَّ على الدنيا.. هذا هو القرآن الذي نحن نتغنى به مع أننا لا نفهم ولا نعلم ولا نعمل ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30] نعوذ بالله من أن نكون من الهاجرين لعلم القرآن أو فقهه أو العمل به أو تعليمه.
هل يقبل افتداء الكافر بغيره؟
﴿كَلَّا﴾ يعني كما يقال له: اخرس، فما معنى خذوا زوجتي وأولادي ودعوني وشأني؟ هذا مستحيل، ستلقى عذابك على ما جنته يداك.
﴿إِنَّهَا لَظَى﴾ [المعارج: 15] اللّظى في الأصل: هي النَّار التي لا دخان فيها، ومن شدّة حرارتها انقلبت حمرتها إلى زرقة، مثل نار الأكسجين أليس كذلك؟ زرقاء على بيضاء، وهي اسم جهنّم، هناك أناس في أي فندق ينزلون؟ هل ينزلون في فندق الميريديان أو أين؟ فأنت أين قطعت تذكرتك؟ بعدما تتخلص من قفص جسدك وتخرج من سجن بدنك فأين حجزت؟ سيقول البعض: في لظى، والبعض: في الجحيم، وآخرين: في جهنم الحمراء، وأنت؟ في الفردوس الأعلى، لكن هل أخذت فيزا [تأشيرة] ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2]؟ فهؤلاء هم أصحاب الفردوس؛ أمّا بالتّمنّي بأن تجلس في الميريديان عشرين يومًا وتخرج ولا تعطيهم شيئًا، فيضعونك في السجن.
الجزاء من جنس العمل
﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى﴾ [المعارج: 15] ما هي ﴿لَظَى﴾؟ جهنّم التي نارها أشد ما تكون احتراقًا ﴿وَقُودُهَا النَّاس وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة: 24] تنقلب الحجارة إلى نار فتصير حطب جهنم ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: 98] قالها الله عزَّ وجلَّ للكفار.
﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾ [المعارج: 16] الشّوى: هي جلدة الرأس، كما أنّه كان لا يدخُل القرآن في مخه وفي رأسه؛ لأنّ الجلدة كانت تحول بينه وبين دخول رسالة الله عزَّ وجلَّ إلى مخه، لذلك يخلعون له هذا الحاجز وينزعون له الجلدة، جلدة رأسه تُنزَع، ثمّ تعود، ثمّ تُنزَع؛ لأنّ كلام الله عزَّ وجلَّ يكرَّر فلا يلقي إلى ذلك بالًا ولا استجابة، والجزاء من جنس العمل
سيحصدُ عبدُ اللهِ ما كانَ زارعًا فطوبى لعبدٍ كانَ للهِ يزرعُ
الخوف من عذاب الله
فما رأيكم؟ هل أنتم من أهل لظى؟ “واللهِ لا نعرف، أنا واللهِ عن نفسي لا أعرف”، غدًا هناك سؤال، وهناك حساب: “النَّاس هلكى إلا العالِمين، والعالمون هلكى إلا العاملين، والعاملون هلكى إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم” 8 .
مات رجل في عهد رسول الله ﷺ فقالت أمه: “هنيئًا له، عصفور من عصافير الجنة”، فغضب النبي ﷺ وقال: ((وما يدريك؟ أما أنا فلا أدري ما يفعل الله بي، قولي: أرجو له الجنة، أرجو له المغفرة)) 9 ، هذا كلام جِدّي، فعن قريب سنكون تحت سلطانه وتحت حكمه، لا يبقى المال ولا الصّنعة ولا الوظيفة ولا الملك ولا الدّولة ولا الثّروات ولا الملايين.
﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾ [المعارج: 15-16] فكيف إذا حقّت هذه الآية على أحد منّا غدًا؟
عقوبة المدبر عن أوامر الله عزَّ وجلَّ
﴿تَدْعُو﴾ لمن هذه لظى ولمن ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾؟ للذي ﴿أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ [المعارج: 17] هرب عن الإسلام، وابتعد عن دين الله عزَّ وجلَّ، وابتعد عن مدرسة القرآن وعن علوم القرآن وعن العمل بالقرآن وعن العمل بمدرسة رسول الله ﷺ، وابتعد عن مدرسة ورثة رسول الله ﷺ.
فأنت مسلم، من أين استفدت وأخذت ثقافتك الإسلاميّة حتَّى استحققت هذا اللّقب؟ تقول: “أنا طبيب، فمن أين أخذت دراستك وثقافتك الطبية؟” يقول لك: “من جامعة أكسفورد”، ما شاء الله ما شاء الله! وأنت طبيب من أين أخذت لقب الطّبّ؟ يقول لك: “أنا بورد من أمريكا”. الله الله!
وأنت مسلم من أين أخذت إسلامك؟ أخذته من السّينما ومن المسرح، ومن الرقص وشرب الخمر والجهل، طول الحياة ما عرفت مجلس علم ولا مجالسة العلماء ولا الحكماء ولا مصاحبة الصّالحين.. وأنت بورد من أين أخذتها؟ “أخذتها من السينمات والمقاهي ومن لعب القمار والملاعب الرياضية”، أهناك يصبح طبيبًا؟ فأيضًا تريد أن تصبح مؤمنًا، من أين أخذت إيمانك؟ كانت الهجرة من مكة إلى المدينة خمسمئة كيلومتر، تهاجر المرأة والطفل والعجوز، مشيًا على الأقدام وفي أخطار الصحراء؛ لأجل أن يلتحق بمدرسة القرآن والإسلام وأستاذها سيِّدنا رسول الله ﷺ، حتَّى استحقّوا لقب ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35]، وإلّا ﴿إِنَّهَا﴾ هل عرفتم ﴿لَظَى﴾؟ لا أراكم الله إيّاها.
عندما يمر المؤمن الصّادق- بالعلم والعمل والإخلاص- على الصّراط فوق نار جهنم تقول جهنّم: “جُز” اركض، أسرع “يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي” فالذي نور إيمانه يطفئ ظلمات معاصيه، ونور علمه يطفئ ظلمات جهله هذا هو المؤمن، إذا لم نحصّل هذه الآن فهل سنحصّلها عندما نصبح جنائز أو عندما نصبح قبورًا؟ فهل يفيد التّسويف غدًا وغدًا؟ وقد هلك المسوّفون.
﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ﴾ ركضًا، مدبرًا ﴿وَتَوَلَّى﴾ [المعارج: 17] معرضًا عن العلم ومجالس العلم، وعن الحكمة والحكماء وعن التّزكية ومن يزكّون النّفوس.. وهذا لا يصلح.
الذي يريد أن يصبح نجارًا يجب أن يجلس في مدرسة النّجارة عند معلّم النّجارة، والحدّاد عليه أن يجلس في مدرسة الحدّادين، والفاسق يجلس في مدرسة الفاسقين، أليس كذلك؟ يخرج فاسقًا، فالسّكير يجلس في مدرسة ويهاجر إلى من؟ إلى السّكيرين والخمارات، والذي يريد أن يكون من المؤمنين أيضًا لها مدرستها ولها أساتذتها ولها أجواؤها، فنعوذ بالله أن يجعلنا من الجاهلين المتمنّين.
﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ لاحظ نفسك إذا كنت أنت بهذا المستوى وأتاك زبانية جهنم فهربت وأدبرت لأنّك كنت تهرب من مجالس العلم والحكمة وتتولّى عنها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].
عقوبة من كان همّه جمع المال وقد ترك أوامر الله
﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ [المعارج: 18] همّه المال والمال فقط، فيجمع ويمنع، يجمع في الصندوق، ويجمع في البنك [المصرف]، ويجمع ويشتري أملاكًا وعقارات؛ وإذا بالموت يأتي فلا يأخذ معه إلّا الكفن والقطنة وبعض الكافور حتَّى لا تفوح رائحته، فهل نفكر بهذا؟
كان عمر رضي الله عنه كاتبًا على خاتمه: “كفى بالموت واعظًا يا عمر”، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الاستعداد، قال
حافِظْ على صلواتِكَ الخمسِ كم مصْبحٍ وعساه لا يمسي واستقبلِ اليومَ الجديدَ بتوبةٍ تمحو ذنوبَ صبيحةِ الأمسِ فلَيَفْعَلَنِّ بجسمِكَ الغضِّ البِلى فِعلَ الظلامِ بصورةِ الشَّمس
البِلى: الموت.. إذا جاء اللّيل وغابت الشَّمس خلف البحر فأين النّهار وأين الضياء؟ وأين الحياة إذا أصبحت في القبر؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الاستعداد للقائه على ضوء تعاليمه.
الإنسان بين الهلع والجزع
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ [المعارج: 19] الإنسان الخام البدائي ﴿هَلُوعًا﴾ من هو الهلوع؟ قال: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ [المعارج: 20] لا يصبر على المكاره من فقر أو مرض أو ألم أو فقد الأحبة كفقد الابن أو الأب أو الزوج أو الزوجة أو يفقد أموره الحياتية، يهلع فهذا الإنسان الخام.
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: 21] وإذا أنعم الله عزَّ وجلَّ عليه بالغنى أو الشّباب أو الصّحة أو الملك أو القوّة أو السّلطان؛ فيمنع معونته عن الإنسان الضّعيف، هذا الإنسان الخام، فأتى الإسلام إلى جبل الحديد الخام فجعل منه بالعلم والتّصنيع طائرة “بوينغ” ثمنها مئة مليون دولار، وجعل منه مراكب بحرية بمئات الملايين؛ بالعلم والتّصنيع.
معنى الصلاة
والإنسان الخام يُصنَّع كما قال تعالى: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ يُصَنَّع بالصَّلاة، ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 22-23] وقد ذكر أكثر الفقهاء رحمهم الله تعالى- مع الأسف- الصَّلاة الجسدية: كيف يتحرّك الجسم؟ وكيف ينطق اللّسان؟ ولم يذكروا ثمرات الصَّلاة التي ذكرها القرآن ﴿إِنَّ الصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45] نعلِّمه الصَّلاة كيف يركع وكيف يسجد وكيف يقرأ الفاتحة؟ لكن هل علَّمناه الصَّلاة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر؟ وهل علمناه الصَّلاة التي قال الله عزَّ وجلَّ عنها: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]؟
فإذا أردت أن تذكر الله عزَّ وجلَّ بالتّكبير فعليك أن تذكر الله بلسانك وقلبك وفكرك، فالله أكبر من كل شيء؛ من المحل ومن التجارة ومن المرأة ومن الأعداء ومن كلّ شيء، مع الله عزَّ وجلَّ وفقط، ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ [الأنعام: 79] عليك أن تكون لسانًا وقلبًا وفكرًا، وكذلك ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: 30] لسانًا وقلبًا وفكرًا، فالصلاة معراج المؤمن، وقال ﷺ: ((وجعلت قرة عيني في الصَّلاة)) 10 .
فلماذا لا يعلّمون فقه الصَّلاة القرآنيّة في المعاهد الشّرعيّة والكلّيّات؟ أليس كذلك؟ فنحن المشايخ نحن المقصرون لا نعلِّم الصَّلاة التي أرادها القرآن بقوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي﴾ [طه: 14] ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاة﴾ [البقرة: 43] وليس صلُّوا فقط؛ بل أقيموا، اجعلوها قائمة مستقيمة مقوَّمة لا اعوجاج فيها ولا التفات إلى غير الله عزَّ وجلَّ، فجسمك توجهه إلى الكعبة، أمّا قلبك فإلى الذي ﴿فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: 79]، أليس من شروط الصَّلاة استقبال القبلة؟ هذه الصَّلاة الجسدية، أما الصَّلاة الربانية الروحية الحقيقية فمع الجسدية ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ [الأنعام: 79].
متى يكون الإنسان مسلمًا؟
إلى هنا سنقف.. نرجو من الله عزَّ وجلَّ أن يكون القرآن حياتنا، وأن يُقرَأ القرآن في أعمالنا وفي أخلاقنا، وفي غنانا وفقرنا، وفي قوتنا وضعفنا، سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ﷺ، فقالت: “كان خلقه القرآن” 11 ، وهكذا المسلم والمسلمة، فيكون الإنسان مسلمًا إذا قُرِئ القرآن في أعماله فرائضَ وواجباتٍ، وفي عقله حكمةً ووعيًا بأمور الحياة الدنيا والآخرة، وفي نفسه وأخلاقه تزكيةً وطهرًا وعروجًا إلى الفضائل، فبذلك نرجو من الله عزَّ وجلَّ أن نكون من المؤمنين ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 23]. والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.
مُلْحَق
ترحيب الشيخ
أنا أرحب بأصحاب الفضيلة والسماحة إخواننا كبار علماء البلد الشّقيق؛ ليس البلد الشّقيق، صارت بلادنا كلها مشقَّقة، بلد الإسلام ليس بلدين، بل بلدًا واحدًا، مثل ما قال مُحمَّد إقبال رحمه الله
الصينُ لنا والعرْبُ لنا والهندُ لنا والكلُّ لنا أضحى الإسلامُ لنا دينًا وجميعُ الكونِ لنا وطنا
فالبلاد العربية والإسلامية مستقلة منذ خمسين سنة ولم يتوحد بلدان مع بعض، ورغم ادعاء العروبة والقومية والوطنية والثورية، فسيِّدنا عمر رضي الله عنه لم يدّعِ القومية ولا الوطنية ولا العروبة؛ بل قال: بالإسلام، يعني بالاستجابة، ليس إسلام اللفظ، بل إسلام العمل، ((لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها)) 12 .
فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعود المسلمون إلى قرآن العلم والعمل والتّعليم، ليس تعليم الكلمات والقراءة والتّلاوات، بل تعليم العلم والعمل والحكمة والتّزكية، وهذه تحتاج إلى أساتذتها الذين يحملون هذه الحقائق ليجعلوها في القلوب والنّفوس وفي العقول والأفكار.
وأسأل الله عزَّ وجلَّ- قولوا آمين- أن يجمع كلمة المسلمين على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله ﷺ، وأن يفرّج عنهم، ويرفع عنهم سحابة الجهل والجاهليّة بكتاب الله، وأن يرفع عنهم ضغط الاستعمار والصّهيونية والكيد للإسلام والمسلمين من أعدائهم، الآن الضّغط الذي حصل على كثير من البلاد الإسلامية، والفتن إنْ كان في الصّومال أو في أفغانستان أو في كشمير أو في ليبيا، فتدعو ليبيا لأن يحاكَم من ادعوا التّهمة وألصقوها بهم إلى دولة محايدة، وإلى محكمة العدل الدّولية، أما أن يحاكم الخصمُ المتهمَ؟ فالخصم لا يكون قاضيًا، فهذا جور الإنسان، أمّا عدالة السَّماء: فالخصم لا يكون قاضيًا.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يفرّج عن إخواننا في ليبيا، وعن إخواننا في الصّومال، وفي كشمير وفي فلسطين.. لا يوجد إمكان إلّا أن نعود إلى قرآن العلم والعمل، كم جرَّب العرب في هذه المئة سنة؟ فالعروبة على العين والرّأس، فقد قال النبي ﷺ: ((حبّ العرب إيمان، وبغضهم كفر ونفاق)) 13 ، حسب الروايات.. هل أنكر النبي ﷺ الوطنية؟ ورد: “حب الوطن من الإيمان” 14 وهل أنكر القومية؟ ففي الأثر: “أنا أفصح من نطق بالضاد، غير أني من قريش” 15 هذا المدح بما يشبه الذّم، [وهو أسلوب بلاغي]. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: 2] ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [الرعد: 37].
العلاقة بين الحاكم والعالِم
فكلّ هذه الأمور دخلت على المسلمين لتحجبهم عن الإسلام، ويتحمّل المسؤولية المشايخ وعلماء الدين الإسلامي، إلى جانب تحمّل رجال الدّولة والسّياسة، فالمسؤول نوعان: الأمراء والعلماء، وكما ورد: ((الإسلام والسلطان أخوان توءمان لا يصلح أحدهما بدون الآخر، فالإسلام أسّ والسّلطان حارس، فما لا أسّ له ينهدم، وما لا حارس له يضيع)) 16 . وأنا أقول إنّ المسؤولية الأولى على العلماء؛ لأنّ العالِم يجب أن يكون هو الطّبيب، فإذا رأى في الحاكم بعدًا أو انحرافًا فعليه أن يكون مثل الطّبيب؛ بالرّفق والحكمة واللّين وبكلّ الوسائل الممكنة ليتعاونوا ولتصفق اليد مع اليد الأخرى، ولتغسل الكف الكف الأخرى، أمّا هذه الأمور التي تحصل في البلاد العربية مثل مصر والجزائر فأنا لا أقرها، فواجب على العالِم أن يقترب من الحاكم، ولا يكون له هدف إلّا “إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي”، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
قصة المأمون والذي أغلظ عليه في النصيحة
يقال: إنّ رجلًا من المشايخ والعلماء دخل على المأمون وأغلظ عليه في النّصيحة بكلام خشن، فقال له المأمون: “أنت لست أفضل من نبي الله موسى وهارون عليهما السَّلام، وأنا لست أسوأ من فرعون”، فأنا مؤمن بالله وملائكته ورسله، وفرعون غير مؤمن، وأنت لست موسى كليم الله ولا هارون نبي الله، “مع ذلك لما أرسلهما الله عزَّ وجلَّ إلى فرعون قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44] لماذا هذه الفظاظة والغلاظة؟ ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125].
قصة الملك الذي يلبس الحرير مع الداعي له بالحكمة والموعظة الحسنة
يقال: بأنّ أحد الملوك كان يلبس الحرير، وكان المشايخ عندما يدخلون عليه يقولون: “هذا حرام، وإذا متَّ عليه يدخلك الله جهنم”، فيقول: “اقطعوا رأسه”، ويأتي الثّاني فيغلظ عليه فيقول لهم: “اقطعوا رأسه”، وكذلك الثالث، فهناك شيخ حكيم قال لهم: “خذوني إلى الملك”، قالوا له: “سوف يقطع رأسك!” فقال لهم: “لا عليكم”، فدخل عليه وقال له: “يا مولانا الملك ما هذا الثوب؟” قال له: “هذا حرير”، قال له: “يا جلالة الملك هذا قد أصبح لباس العوام، كل النَّاس يلبسون هذا ولا يليق بك، وقد جاء شال من الصّوف أنعم من الحرير وأغلى من الحرير بعشرين مرة، فهذا الذي يليق بك!” قال له: “واللهِ إن كلامك صحيح”، فخلعه وأحضروا له ثوبًا صوفيًّا، شالًا من النوع الرفيع، فنزع عنه ثوب الحرير الحرام وألبسه الثوب الحلال بالحكمة والموعظة الحسنة.
أنا رأيت كل الملوك والرؤساء من مسلمين ومن غير مسلمين، في الكريملين شيوعيين، من عظماء الشيوعيين، واللهِ لم تكن النتائج إلا مثمرة منتجة، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الحكمة، ويهدينا إلى الصّواب، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله ربّ العالمين.
ترحيب بالإخوة الضيوف القادمين من ليبيا
هناك إخوان شرّفونا وتكرموا علينا بزيارة بلدهم، ليس الشّقيق، بل بلدهم، وليبيا بلدنا وباكستان بلدنا وإندونيسيا كذلك، وإن شاء الله بالإسلام يصبح العالم كلّه بلد المؤمنين، فإذا أمكن أن نسمع كلمة من الأستاذ مُحمَّد الزّياد.
كلمة الأستاذ مُحمَّد الزّيّاد
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك ربّي وأصلّي وأسلم على خير خلقك مُحمَّد ﷺ، أستاذنا سماحة الشَّيخ، إخوتي الحاضرين هنا، الإخوة المسلمين وأخواتي المسلمات: السَّلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
اسمحوا لي أولًا: أن أقول إنّي أحمد الله كثيرًا، لأنّه رغم كلّ ما فرض الظّالمون الكفرة من حصار علينا فقد مكننا الله صحبة هؤلاء العلماء من الالتقاء بكم هنا في هذا المكان الطّاهر، على الرّغم من كل ما فرضوا علينا فلم يستطيعوا أن يمنعونا من مواصلة إخواننا في الله، وها نحن نشهد هذه اللّحظة المباركة الطيبة، ونشهد هذا الجمع الكريم.
ونحمده سبحانه وتعالى أن كتب لنا أن نحظى معكم بالجائزة التي وصفها رسول الله ﷺ حين يصف هذا المجمع، وذلك حين قال ﷺ: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) 17 .
إذًا أيها الإخوة كتب الله لنا رغم الحصار أن يذكرنا الله فيمن عنده، بفضلكم وبفضل هذه المؤسسة الكريمة التي يرأسها سماحة الشَّيخ أحمد كفتارو.
أحمد الله كثيرًا أن مكنني صحبة إخوتي الأساتذة العلماء المسلمين في ليبيا أن نأتي إلى هذا البلد الطيب المسلم، هذا البلد الصامد، بلد العروبة والإسلام، لنمدّ أيدينا إلى علماء الإسلام في دمشق، وأن نتعاهد معهم سويًا على خدمة المسلمين وعلى خدمة الإسلام، لا أريد أن آخذ من وقتكم كثيرًا ولكنني أشكر لكم كريم فضلكم، وشكري لا يغني عن حديث إخوتي العلماء، فاسمحوا لي أن أقدّم لكم أحدهم وهو فضيلة الأستاذ الشَّيخ أحمد كدو.
سماحة الشَّيخ: أهلًا وسهلًا.
كلمة الشَّيخ أحمد كدو
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى على ما أنعم علينا من جلائل النّعم، ونشكره سبحانه على ما أنعم علينا من نعمة الإيمان والإسلام، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]، وأصلّي وأسلّم على من بعثه الله رحمة للعالمين، فجمع الله به شمل هذه الأمة، فرفع قدرها، فبلَّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتَّى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين جعلوا القرآن شريعتهم، فنصرهم الله، ووحّد بين قلوبهم قبل توحيد صفوفهم، فاستطاعوا بذلك أن يفتحوا هذا العالم، ويرفعوا فيه راية الإسلام عالية خفّاقة، فرضي الله عنهم ومن سار على نهجهم إلى يوم الدّين، أما بعد
فيا إخوة الإيمان، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]. إخوة الإيمان، لقد أنعم الله علينا بهذا الدّين الذي وحّد بين قلوبنا، ونشر الحب بين أفئدتنا، حتَّى أنّ المؤمن لا يشعر بأي غربة مهما انتقل لأي بلد من البلدان؛ لأنّ كل الأرض بلده لأن الإسلام وحّد بينهم، ومما زادنا سرورًا وابتهاجًا حينما وجدنا في هذا البلد المسلم الشقيق أنّ المساجد مملوءة بالمصلين، وخاصة جلّهم الشّباب، وهذه ظاهرة إيمانية تبشّر بالمستقبل، فعلى العلماء والمصلحين أن يأخذوا بأيديهم ويفقّهوهم في دينهم، ويعلموهم الثقافة الإسلامية الخالصة من الشوائب ومن الثقافة المزيفة التي أراد أعداء الإسلام أن يغزوا بها هذا الشّباب الذي سيحمل راية الإسلام عالية خفّاقة.
ولكن بجهد العلماء والمصلحين وخاصةً في هذا البلد، وفي مقدّمتهم فضيلة سماحة الشَّيخ، لقد وقفنا على ثمار ما أنجزه في هذا البلد، لقد أوقف حياته وعلمه وعمره لخدمة الإسلام والمسلمين، ولذلك يجب على علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يأخذوا بأيدي هؤلاء، وبذلك تتّحد قلوبهم وتتّحد الأمّة العربية، وبعد ما تتّحد لا بد أن تكون لهم قوّة، وبعد ذلك يتحقق وعد الله سبحانه وتعالى حينما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7] لأنّنا نعلم جميعًا أنّ ما أنجزه العالَم من قوّة، كلّه في يد القدرة الإلهية، لا يستطيع أي مخلوق أن يتصرف فيه إلا بإذن الله، فعليه لا بدّ أن تكون علاقتنا مع الله، ولا تكون علاقة الأمة مع الله إلّا إذا كان القرآن دستورها، وكانت شريعة الإسلام منهجها.
ولذلك كما قال زميلي: إنها فرصة طيبة منحنا الله إياها أننا نرى هذه الوجوه الطيبة من الرجال والنساء الذين أنار وجوههم الإيمان، وهذا مما جعل بلادنا الجماهيرية تهيئ لنا الفرصة لهذه الزيارة؛ لأنّها الأمة الوحدة التي تتمنى وتطلب وتعطي ما في إمكانها لأجل أن يكون القرآن شريعة المجتمع، لأنّ المسلمين قد جربوا كل القوانين وكل الأشياء التي اقترح هذا العالم، فما زادتهم إلا تفرقًا وتشتتًا وانهيارًا، ولكن إذا رجعوا للقرآن فلا بد أن يكون لها النصر، مثل ما كان لخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي اختار الله سبحانه أن تكون تربته في هذا البلد الشقيق المسلم، ولذلك لا نطيل عليكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق شبابنا ورجالنا وفتياتنا لمعرفة هذا الدين وتطبيقه، حتَّى ينصرنا الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Amiri Font
الحواشي
- صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ في مقدمته، رقم (2956)، (4/ 2272)، سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر رقم: (2324)، (4/ 562)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ)).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: (3072)، (3/ 1185)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2824)، (4/ 2174)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. واللفظ: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)).
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (3367)، (3/266)، شعب الإيمان، رقم: (10107)، (13/157)، بلفظ: أَنَّ حارثة رضي الله عنه مَرَّ بِالنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: ((كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟)) قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِناً حَقّاً. قَالَ: ((انْظُرْ مَا تَقُولُ: فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟)) قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ عَرْشَ رَبِّي بَارِزاً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا. قَالَ: ((يَا حَارِثَةُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ)) وفي رواية يعذبون وفي أخرى يتعاوون.
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
- متفق عليه عن أبي هريرة، صحيح البخاري، كتاب المناقب: باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، رقم: (3534)، (3535)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل: باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، رقم: (2287)، واللفظ: ((إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)).
- المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10033)، (10/86)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7045)، (9/521)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/102). مسند البزار، رقم: (6947)، (13/332)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، (6/65).
- القصة أخرجها ابن هشام قي السيرة عن ابن إسحاق (2/266). وكذلك أبو نعيم في معرفة الصحابة (303/1).
- شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (6455)، (9/181). وهو قول لذي النّون المصريّ رحمه الله تعالى، حيث يقول: "النَّاس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلُّهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلُّهم يغترون إلَّا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم". والخطيب البغدادي عن سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «الدُّنْيَا جَهْلٌ وَمَوَاتٌ إِلَّا الْعِلْمَ، وَالْعِلْمُ كُلُّهُ حُجَّةٌ إِلَّا الْعَمَلَ بِهِ، وَالْعَمَلُ كُلُّهُ هَبَاءٌ إِلَّا الْإِخْلَاصَ، وَالْإِخْلَاصُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى يُخْتَمَ بِهِ» اقتضاء العلم العمل. 1/29
- صحيح البخاري، عن خارجة بن زيد بن ثاتب، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، رقم: (3929)، والحديث بتمامه: رُوِيَ أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ وهي امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ رضي الله عنها بَايَعَتِ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم وَأَخْبَرَتْهُ: "أَنَّهُ اقْتُسِمَ المُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم: ((وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟)) فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: ((أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ، مَا يُفْعَلُ بِي)) قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً".
- سنن النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، رقم: (3940)، ولفظه: ((حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ)). وأحمد (13079) عن أنس بن مالك.
- شعب الايمان للبيهقي، عن عائشة: (1360). مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24645)، (6/91).
- الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، (2/ 88)، مجموع الفتاوى لابن تيمية، (20/375)، منهاج السنة النبوية لابن تيمية، (2/ 444)، من قول الإمام مَالِكٌ بلفظ: ((لَنْ يُصْلِحَ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا)).
- شعب الإيمان للبيهقي، فصل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم: (1608)، (2/ 230)، عن البراء رضي الله عنه، وفي المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2537)، (3/76)، المستدرك للحاكم، (6998)، (4/ 97)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: «حُبُّ قُرَيْشٍ إِيمَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي»، وفي شعب الإيمان والمستدرك، ((وبغضهم نفاق)).
- المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (386)، ص: (297)، كشف الخفاء للعجلوني، (1/398)، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (6)، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، ص: (197).
- كشف الخفاء للعجلوني، (1/200)، المقاصد الحسنة، رقم: (185)، ص: (167)، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (39)، معناه صحيح، ولكن لا أصل له.
- مسند الفردوس، للديلمي، رقم: (396)، (1/27)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم: (2699)، (4/ 2074)، سنن أبي داود، كتاب سجود القرآن، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1455)، (1/460)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.