تاريخ الدرس: 1981/06/30

في رحاب الآداب والأخلاق

مدة الدرس: 01:19:00

في رحاب الآداب والأخلاق (128):
أهمية ذكر الله وواقع حال المسلمين مع علمائهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أحاديثٌ كثيرةٌ تدفعُ الإنسان إلى دوام ذكر الله سبحانه

قال سيِّدنا رسول الله ﷺ: ((من قال حين يدخل السُّوق: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويُميت، بيدِهِ الخير وهو على كلِّ شيء قدير، لا إله إلَّا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله: كتَبَ الله له ألفَيْ ألف حسنة)) 1 . هذا الحديث وأحاديثُ كثيرة تدفع الإنسان إلى كثرة ذكر الله عز وجل، بل إلى دوام ذكرِه.

الذِّكر هو مادَّة الوصل بين الإنسان وبين الله عز وجل

والذِّكر معناه يُعرَف من لفظه؛ فلفظ الذِّكر من التَّذكُّر، فإذا قال: “الحمد لله” يجب أنْ يَعِيَ ويشعر بمعنى “الحمد لله”، و”سبحان الله”: يجب أنْ يشعر ويعي “سبحان الله”، يعني أن الله منزَّه عن كلِّ نقص في ذاته وفي صفاته وفي شرعه وفي أقداره، فإذا قال: “لا حول ولا قوة إلَّا بالله”، يجب أنْ يفهَمَها الفهمَ الصَّحيح، ومع الفهم يجب أنْ يشعُرَ بذكر الله من أعماق قلبه.. هذا الأساس ليس أساسَ الإسلام فقط؛ بل أساس كلِّ أديان السَّماء.

[يجدر الانتباه أن درس سماحة الشيخ كفتارو هذا كغيره من الدروس، يكثر فيها استخدام اللغة العامِّيّة، وهي اللغة الدارجة والتي يفهما عامة الناس، وذلك حرصاً على وضوح كلامه وتفهيم فكره لكل مستويات الناس.. واستخدامه العامِّي هنا لكلمة “أديان السماء” من هذا القبيل، لأن من المعروف أن دين السماء أو دين الله واحد لكل الأنبياء، والشرائع مختلفة، والقول بأن دين الله واحد هو ما يقوله سماحته في دروس أخرى كثيرة.]

والذِّكر هو مادَّة الوصل وهمزة الوصل بين الإنسان وبين الله عز وجل، وهذه الوصلة كانوا يسمُّونها الإيمان في زمن الأنبياء والرُّسل، وكان هذا الإيمان هو المدرسة والثَّقافة، والَّذي كان يُعطي العلم والحكمة والأخلاق والقوَّة والإلهام الصَّحيح، وكان النور الَّذي يمشي أمام الإنسان في ظلمات الحياة.

هذا الإيمان أو هذا الذِّكر يكاد الآن في عصرنا الحاضر تقحطُ منه أرض قلوب المسلمين وتُجدِب، وتنقلب بساتينها إلى صحاري جافَّة لا ظلَّ فيها ولا ثمر، فينقطع الإنسان عن الله تعالى ويتعلَّق بجسده.. والحيوان أيضاً كذلك ليس له تعلُّق إلَّا بجسدِه، هذا الظَّاهر.. وإنْ كان نصُّ القرآن يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النُّور: 41]، وقال: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحجُّ: 18]، لم يقل كثير من الدَّوابِّ حقَّ عليه العذاب، ممَّا يدلُّ على أنَّ الحمار والعقرب خير من تارك الصَّلاة، لأنَّه: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ.. والمسلمون بصورة خاصَّة في طريق فقد الشَّيخ؛ مثلهم مثل مَن عنده بستان وتركه دون سقاية وحراثة وتسميد فيجفُّ ويَيْبَس، وكذلك المسلمون الآن انقطعت صلتهم بالله تعالى.

هل جيلنا مقطوعٌ عن ِالإسلام؟

لقد جاء الاستعمارُ وقضى على أوقاف المسلمين، وأنشأ مدارس لتنشئة جيل مقطوع عن الإسلام، وهذا ليس عمل يوم، بل عبر مئات السنين، وأنشأوا أجيالاً، وقطعوا مورد الرِّزق عن الشَّيخ، وخرَّجوا جيلاً بعيداً عن الإسلام.. والشَّيخ الموجود لم يعد على مستوى الإسلام الحقيقي؛ إسلام الحياة وإسلام العقل والفكر والقلب والسُّلوك والأخلاق؛ وليس هذا ذنبه، فهكذا قد علَّموه.. فإنْ كان العامل “أبو عبد العزيز” مثلاً قد علَّمه معلِّمه صَنعة البناء بشكل مقلوب وبطريقة مغشوشة فسيكون غشَّاشاً؟ فإذا أردت أنْ تُعلِّم ابنك الصَّنعة بشكل صحيح ضعه عند معلِّم يعرف كيف يعلِّمه صنعته بإتقان.. ولذلك الآن فُقِد الإسلام القلبيّ والفكريّ والشُّعوريّ والأخلاقيّ والحياتيّ.

جلال وهيبة ذِكر الله تعالى

هناك إسلام العبادة لله تعالى، فالصَّلاة ذكر: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]، سمَّى الله تعالى صلاة الجمعة ذِكراً لله تعالى، فإذا صلَّيت ولم تذكر فهذا يدلُّ على أنَّ قلبك ميِّت، فهو موضع الذِّكر.. وإذا كان قلبُك حيّاً بالله عزَّ وجلَّ تشعر بالله جلَّ وعلا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2] فيصير في قلبه من الوجل ومن الجلال ومن الهيبة ومن الرَّعشة ومن النَّشوة، وهذه كلُّها دليل الحياة؛ فإذا سُقيَ أحدهم خمراً ألا يسكر؟ وأمَّا الميِّت إذا سُقي خمراً فلا يسكر، وإذا مَرَّتْ من أمامك امرأة جميلة ألا تلتفت يمنة ويسرة؟ فالنَّبيُّ ﷺ يأمرنا أنْ يذكر أحدُنا اللهَ عزَّ وجلَّ إذا دخل السُّوق وبالذكر الجهري.. والذِّكر الجهريَّ حتَّى يعطي هدفه يجب أنْ يكون معه الذِّكر القلبيُّ، فإذا قال “لا إله إلَّا الله” يجب أيضاً أنْ يقولها قلبُه، وإذا قال: “الله الله” فيقولها ويستشعر معناها في قلبه، ولو لم يقلها لفظاً فلا مانع.. و”سبحان الله” ذكرٌ و”الحمد لله” ذكرٌ.

لما رأى النَّقشبنديَّةُ النَّاسَ يكتفون باللَّفظ ويُضيِّعون المعنى- والمقصود هو المعنى- قالوا: اتركوا اللفظ، وابقوا مع المعنى.. ولِيَحصل على هذا الحال يجب عليه مصاحبة أهل الذِّكر ومحبَّتهم ومجالستهم حتَّى يتطبَّع بطبيعة جليسه، فالشَّيخ من غير ذكر لا ينجح ولا يفلح ولا يصير شيخاً ولا يصير أي شيء! والأفضل أن يصير بَنّاءً أو غيره، وليجد شيخاً يهتمُّ به ويتعلم منه، فهذا أكثر فائدة، وهذا أفضل من أنْ يكون شيخاً مزَيَّفاً.. أنتم في المعهد يجب أنْ لا تنخدعوا، ولو حصلتم على ألف دكتوراه؛ لأنَّ المسألة تحتاج إلى إيمان، وهل نحن لسنا بالمؤمنين؟ هذا إيمان القول وإيمان التَّصوُّر، فمن يتصوَّر السَّبع ليس كمن يرى السَّبع، فإذا وضعوه أمام السَّبع سيرتجف خوفاً، وهذا الخوف جاءه من الحال.. فهناك فرق بين من ذكر السَّبع ومن رأى السَّبع، ولكن لفظة “السَّبع” لا تُشعِر بالخوف.. والَّذي ضيَّع المسلمين هو أنَّهم اكتفوا بأنَّ هذا هو الإسلام، وهذا غلط.

اخلط عمل الدُّنيا بعمل الآخرة

الإسلام يا بنيَّ هو مجموع القرآن، ويجب أنْ تقرَأَه علماً، ولو كنت بنَّاءً، فهو كتاب واحد! ألا تحسن بسبعين سنة أنْ تقرأه وتفهمه وتطبِّقه؟ إنه كتاب واحد، ألا يمكنك أيها المهندس والصَّيدليُّ أنْ تقرأه؟ ولو في كلّ يوم عشر آيات علماً وفهماً وعملاً.. ولكنك تحتاج أستاذاً معلِّماً وأستاذاً مدرِّباً.. وهل البنَّاء يصير بَنّاءً بإلقاء المحاضرات النظرية؟ عليه أنْ يتدرَّب كثيراً مع البنَّائين ويعمل بيده حتَّى يصير بنَّاء.. [يكثر سماحته من ذكر مهنة “البَنَّاء” لأنها مهنة كثير من الناس، وخاصة العوام الذين ليس لهم حظ واسع من العلم والدراسة] والمسلم الحقيقيُّ هو مسلم العلم والعمل والأخلاق والسِّياسة والدَّولة والجهاد والتَّمريض، والإسلام هو الحياة كاملة.. ثمَّ كلُّ واحد يختصُّ بناحية، أما الإسلام العامُّ فيجب أنْ يعرفه كلُّ مسلم حتَّى يصير بذلك مسلماً.. وكيف يصير البنَّاء بنَّاءً؟ عندما يَعْلَم ويعمل، فالحدَّاد يصير حدَّاداً عندما يعرف الصَّنعة ويمارِسُها.. من هو الآكل؟ هو الَّذي يعرف أين القِدْر ويأكل.. وهذا يسمُّونه آكلاً، أمَّا إذا قال: أنا آكِلٌ؛ يعني لا تَدْعُهُ للغداء، فقد قال: إنَّه قد أكل وأنَّه متغدٍّ! [“مُتَغَدّ”: قد تناول الغداء. وهذا يعني أن هناك حقيقة للأكل، فلا يقول “أنا آكل” إلا لأنه قد أكل، أما المسلم فيقول عن نفسه مسلماً بالاسم وليس بالحقيقة]

فهذا الحديث يعلِّمنا أدب الإيمان في السُّوق بأن نذكر الله عزَّ وجلَّ فيه، فاذكر الله طالما أنه ليس عندك زبائن، فإذا أتى زبون وانشغلت به وقضيت حاجته فكن مع الله تعالى، فهذا لن يضرُّك.

قال: ((السُّوق دار سهو وغفلة، فمن سبَّح فيها تسبيحةً كتَبَ الله لهُ بها ألفَ ألفِ حسنة، ومن قال: لا حول ولا قوة إلَّا بالله كان في جوار الله حتَّى يمسي)) 2 ، فاخلط عمل الدُّنيا بعمل الآخرة، وعملَ الجسم بعمل القلب: ((ومن استغفر الله في الأسواقِ)) هذه السِّين في “استغفر” هي

لِسِينِ الاسْتِفْعَالِ جَا مَعَانِي لِطَلَبٍ صَيْرُورَةٍ وِجْدَانِ

هذا “نظم المقصود”.. والطالب ينبغي أنْ يحفظه، وهو مئة وعشرة أبيات، وهذا يكفيه طول حياته.. فالسِّين في “استغفر” لطلب المغفرة، ولكن هل طلب المغفرة باللفظ؟ إذا طلبت ولداً وقلت: أطلبُ الولد، أطلب الولد.. فالنَّاس سيضحكون منك، وكذلك “أستغفر الله” يعني أن تقول: أطلب المغفرة، أطلب المغفرة.. ولكنك عملياً لا تطلب المغفرة! وإذا كان أحدهم عطشاناً وقال: أطلب الماء أطلب الماء.. وكان عمليّاً واقفاً أَمام نَبْع الفِيْجَة ولا يشرب، [نبع الفيجة: نبع مشهور وكبير يشرب منه أهل دمشق] ماذا سيقول النَّاس عنه عندما يسمعون كلامه؟ سيقولون: البارحة لم يكن به شيء، ماذا أصاب عقله؟ نسأل الله أن يشفيه! انظر ماذا يقول؟ يقول: أطلب الماء أطلب الماء! وهو أمام نبع الماء ولا يشرب!

يجب أنْ تطلب المغفرة بأعمالك؛ فإنْ عمِلتَ ذنباً تتركه ولا تعود إليه، وإن كانت له آثار يجب أن تمحو آثاره، ثمَّ تُلحِقَه بحسنة تُناسبه؛ فإذا صفعت شخصاً مثلاً.. فهذه معصية، فعليك أن تندم في نفسك وتعزم أنْ لا تعود وتتعدَّى على النَّاس وتذهب فتستسمح منه إذا سامحك.. أو تعطيه عطاء ليفرح به وينفعه، ويكون هذا العطاء بمقدار ما أحزنته وآذيتَه.. وهذا هو الاستغفار.. فقد طلبتَ أنْ يغفِر لك ويمحو الخطيئة الأولى، وكما قال القرآن: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114]، والنَّبيُّ ﷺ قال: ((إذا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ)) 3 ، هذا هو الإسلام.. لذلك على المسلم أن يكون له كلَّ يوم ساعة يتفقَّه فيها، وليس المقصود أنْ يسمع فقط، بل ليصير مسلماً عليه أنْ يُكرِّر حتَّى يرسَخ في قلبِهِ ويتحوَّل من سماع إلى عمل وخلق وواقع، ولا يكفي هذا، بل ليصير مسلماً أصليّاً عليه أنْ يُعلِّم غيرَه بالعمل والسُّلوك.

هل نعيش في مجتمع إسلامي؟

البنَّاء عندما يعلِّم الأجير بناء السَّقف هل يلقي عليه محاضرة؟ لا، بل يبني السَّقف أمامه مرَّة ومرَّتين وعشرين وثلاثين مع التِّكرار حتَّى يصير ملَكةً في النَّفس ويدرِّبه خطوة خطوة، والإسلام هكذا يا بنيَّ.. وعلى المستوى الموجود اليوم نستطيع أن نقول لا يوجد مجتمع إسلاميٌّ [كامل] وبكلِّ تأكيد، وبصورة خاصَّة عن الَّذين يصلُّون والَّذين يأتون إلى الجامع وإلى الدُّروس.. منهم من حظُّهم السَّماع ولا حظَّ لهم في العمل والتَّطبيق، وصارت العادة أن يأتي إلى الجامع- وهذا شيء جيِّد- لكن لا يكمل؛ يعني إذا أقمت حفل زفاف فليكن هناك لقاء مع العروس، أما حفلَ زفاف من غير لقاء، فما الفائدة منه؟ وإذا وضعنا الطعام ولم نأكل! ما الَّذي انتفعناه؟ وهذه تحتاج إلى قوَّة الشَّيخ وقوَّة إيمانه وصدق المريد، فالنَّبيُّ ﷺ كان صادقاً، لكنَّ أبا لهب لم يكن صادقاً.. وإذا كان الرَّجل فحلاً والمرأة عاقراً، ماذا يستطيع الزوج أن يعمل؟ يقولون: “ما تفعل الماشطة أو المزيِّنة مع صاحبة الوجه البشع!” فإذا كان الوجه قبيحاً والفم من دون أسنان والشعر شائباً، فإن اللَّون الأحمر وغيره لن يُغيِّروا الحقيقة.

الانقطاع كلِّيّاً عن الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ

أصول الطريق: أنه عندما يأتي أحدهم إلى الشَّيخ عليه أنْ يتفرَّغ قرابة شهر أو شهرين وينقطع كلِّيّاً عن الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ؛ فلا يكلِّم أحداً ولا يقعد مع أحد ولا ينشغل بأي شيء إلَّا بكلمة “الله” في قلبه، وذلك باستحضار معناها وعظمة مسمَّاها وجلالته، ويغمض عينه عن الخلق وقلبَه وفكره عن كلِّ ما سوى الله عزَّ وجلَّ، وذلك مع طهارة النَّفس ونقاء الفكر ونزاهة العمل والتخلُّقِ والعمل بكلِّ ما يحبُّه الله سبحانه ويرضاه، ولمدة شهر أو شهرين أو أكثر أو أقلُّ.. وليعتبر نفسَه في المشفى أو مسافراً، فإذا سافرتَ سفرة لله سبحانه وكانت معاملتك صحيحة فذلك خير لك من جبال الذَّهب، [المقصود بالمعاملة هنا الأوراق والوثائق التي تقدمها لجهة أو دائرة ما، فعندما تذهب إلى وزارة أو جامعة أو مشفى أو أي دائرة وتقدم طلباً أو معاملة، فلا يقبلونها إلا إن كانت صحيحة وكاملة.. والشيخ هنا يستعير هذا المعنى من اللغة العامية مُبَيِّناً أن أمورك مع الله يجب أن تكون صحيحة ومقبولة حتى تلقى القبول، تماماً مثل أوراقك وطلباتك عند البشر، حيث لا تُقبل إلا إن كانت صحيحة وكاملة] وإذا سافرت ووصلت وعرفت ستبقى دنياك كما هي، وستبقى كما أنت؛ ملكاً أو تاجراً أو عاملاً أو صانعاً أو إمامَ مسجد.. فالإيمان الحقيقي هو ما عليه المعَوَّل.. ويحذِّرنا النَّبيُّ ﷺ من أنْ يؤثِّر السُّوق علينا فنسهو عن الله عزَّ وجلَّ أو نغفل عنه، لذلك يُرغِّبُنا بأن اذكروا الله فيعطيكم كذا وكذا.

الاستغفار في الأسواق

ورد في الأثر: ((من استغفرَ الله في الأسواقِ غَفَرَ اللهُ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَعْجَمِيٍّ وَفَصِيحٍ)) 4 ، أي: استغفر الله عزَّ وجلَّ ليس بالسُّوق فقط، ولتستغفر اللهَ سبحانه المرأةُ بمطبخها، وكذلك الخيَّاطةُ في محل شغلها، والخياط في محلِّ عمله.. وكلُّ إنسان في مكان عمله يكون دائماً ذاكراً لله تعالى.

يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ

وكان النَّبيُّ ﷺ يقول: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ مِنْ سُوقِهِ أَنْ يَقْرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فَيَكْتُبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً؟)) 5 .

القرآن فيه أحكام وأخلاق ونداء وذكر.. تقرأ عشر آيات بتفهُّم وتمعُّن وتفكُّر وحضور قلب.. وهل عشر آيات كثيرة؟ لا، إن القليل يجرُّ الكثير.

و((مَنْ كَانَ لَهُ مالٌ فَلْيَسْتَكْثِرْ مِنَ العبِيدِ؛ فَرُبَّ عَبْدٍ قُسِمَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ مَا لَمْ يُقْسَمْ لِمَوْلَاه)) 6 ، الآن انتهى العبيد الجسمانيِّين من الحياة، لكن هناك عبيد نفسانيّون، فإنسان يصبح عبداً للمال وآخر عبداً للفرج وعبداً للهوى.. ففي ذاك الوقت قال: ليكن عندك عبيد، ربَّما أحدهم تكون قسمته من الرزق كثيرة، فإذا كان عبدك فإن هذه القسمة الكبيرة من الرزق ستأتي إليك، وقد يكون أجيراً فيأتي رزقه الكثير إليك، وقد يكون ولداً.. وهل هذا يعني أن نكثر الأولاد؟ لا.. كلُّ شيء يحتاج إلى عقل يا بني! فإذا سمعنا شيئاً من النَّبيِّ ﷺ علينا أن نُعمِل عقولنا [في فهمه الصحيح].

تعدُّدُ الزوجات

فمثلاً تعدُّدُ النِّساء.. ماذا يفهم الشَّيخ من الآية: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النِّساء: 3]، ما الفهم من الآية؟ سيفهم منها الأمر، ولكنَّ الحقيقة أنَّه لم يأمر به، والآية لا علاقة لها بتعدُّدِ النِّساء، وسبب نزولها أنَّ العرب في الجاهلية كان فيهم الحكم للقويِّ مثل حكم الأسد للغابة، فالأسد هو القويُّ ويحكم على الكل، فيأكل ما يشاء ويقتل من يريد! فكان عندهم إذا مات أحدهم وخلَّف بنات، فإن الرَّجل الَّذي هو وليُّهن- كالعم أو ابن العم- يسيطر عليهنَّ مهما كانت درجة القرابة منهن، فإذا كانت البنت جميلة ولها مال يتزوَّجُها حتَّى يسيطر على مال أبيها، فالله تعالى نهى عن هذا العمل، قال: إذا أردتَ أنْ تتزوَّجها لتسيطر على مالها وميراثها من أبيها فلا يصح أنْ تتزوَّجها: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النِّساء: 3]، هل الحضُّ هنا على التَّعدُّدِ أم على البعد عن السَّيطرة على البنت اليتيمة؟ هل فهمتم؟

يقول: ﴿فانكحوا ولكن لا يقرأ ما قبلَها، مع أنَّ ﴿فانكحوا هي جواب الشَّرط؛ يعني إذا جعتَ فكُلْ وإذا نعست فنَمْ، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا فإذا لم تكن هذه الحالة أن هناك يتامى وأنْ تسيطر عليهن وتأكل مالهن فلا تنكحوا مثنى وثلاث ورباع، بل ابقَ على واحدة.. ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً إذا كنت تتوقَّع أنْ لا تعدل بين اثنتين فلا تأخذ اثنتين، فمن الَّذي يستطيع أنْ يضمَن لنفسه أنَّه سيعدل عدلاً كاملاً؟ فإذا كانت الأولى عجوزاً والثَّانية صغيرة ولعوباً كيف سيعدل؟ لن يعدل.. فالله تعالى يقول له إذن ابقَ على واحدة.. يأتي الَّذين يحبُّون النِّساء كثيراً ويقولون: الله قال: ﴿فانكحوا! هذا الَّذي حفظه من القرآن! أمَّا ﴿اذكروا لم يحفظه، و”تهجَّدوا” لم يحفظه، ماذا حفِظ؟ وكذلك القطط.. ماذا يحفظون في شهر شباط؟ [شهر تزاوج القطط] يحفظون أيضاً “فانكحوا”! هذا هو الجهل يا بنيَّ.

[يذكر سماحته هذه القضية بهذه الشدة ردّاً على أناس لا علاقة لهم بالإسلام إلا اسماً، فأخلاقهم أخلاق الجهلاء وتصرفاتهم تصرفات السفهاء، ولكنهم يريدون الإكثار من النساء اتباعاً لشهواتهم ورغباتهم، ثم يقولون: هكذا أمرنا الله تعالى! بينما أفعالهم وأقوالهم المليئة بالجهل والغلظة تُنَفِّر الناس من الإسلام، وتوحي للناس أن الإسلام هكذا فظ وغليظ.. وهو بفعله هذا يُحَمِّل الإسلام ذنوبه ومعاصيه.]

والآن حَكَمَ كلُّ المسلمين على العالِم بالإعدام، وأوَّلهم المصلُّون؛ فهؤلاء المصلُّون بالجامع هل يفكِّرون بحقِّ الإمام عليهم؟ فصلاتهم تصير بسبع وعشرين صلاة ببركة الإمام.. فإذا زاد لك أحدهم قيمة الثياب سبعاً وعشرين مرَّة ألا تكون له أجرة سمسرة [أجرة الدلال أو الوسيط]؟ إذا أردت أنْ تبيع، وقالوا لك: قيمة المتر بمئة، بينما قال آخر لك: المتر بألفين وسبع مئة، كم تعطيه على السَّمسرة؟ فكذلك هذا الشَّيخ يعلِّمُك ويفقِّهُك ويربِّي إيمانك، هل شعرت بواجبه عليك؟ ولو كان فيك إحساس ووجدان لما أكلت طعاماً ولا اشتريت حلوى ولا ترفهت بشيء إلا وقدَّمت منه للشيخ! هذا إذا كانت فيك حياة، أما إذا لم تكن فيك حياة فأنت ميت! وإذا أردت أن تذهب نزهة مع أهلك فعليك أن تفكِّر بالشيخ، وتنظر: كم يكلفك ذلك من المال، فتدفعه للشيخ وتقول له: هذا لك يا شيخي لتذهب مع عائلتك في نزهة! وهذا هو المسلم.. المغنِّية هكذا يقدمون لها، وكذلك يقدمون للراقصة ولمن يأتيهم بالعاهرات!

هؤلاء الَّذين يصلُّون وراء الإمام يأكلون حقّ الإمام، والشَّيخ صار مسكيناً.. وذلك على قدر ما أضعفوه، وإذا قال لهم: أعطوني حقي! يقولون: هذا محبٌّ للدُّنيا وماديٌّ! ولماذا عندما تطالب أنت بحقِّك لا تقول عن نفسك أنَّك محبٌّ للدُّنيا وماديٌّ؟ لذلك لم يعد في القرى شيوخ، وحتى هنا في منتصف المدينة لا ترى الشيوخ.. وهل الإمام الحالي في المساجد شيخ [عالم]؟ ترى هذا نجَّاراً وآخر بَنّاءً وغيره صاحب دكَّان.. يأمّون الناس، وبعضهم بلحية وآخرون من غير لحية.

[هذا حال كثير من المساجد وبخاصة في تلك الفترة، فالعلماء أصبحوا نادرين جداً، وإذا مات عشرة من العلماء لا تجد واحداً يخلفهم، ولم يعد هناك أئمة من أهل العلم، لذلك إذا دخل الناس للصلاة في المسجد يقدمون من يجدونه من أبناء الحي ممن يحسن القراءة أكثر من غيره، فكان كثير ممن يؤم الناس من البائعين أصحاب المتاجر الصغيرة، كأصحاب المطاعم الشعبية البسيطة وغيرهم من أبناء الحي، وهذه الأفعال أوصلت إلى فقد العلماء.. ولذلك فإن سماحة الشيخ يتكلم مع المسلمين بهذه القسوة، ليوقظهم ولينقذهم وينقذ الإسلام.]

هذا سبب من الأسباب، مع أنَّه لو نعطي للشيخ مليون ليرة كلَّ يوم لا يصير شيخاً.. ولكنَّ هذا حقٌّ من حقوقِهِ.. والشَّيخ عليه أنْ يكون مربِّياً وحكيماً ومعلِّماً ومرشداً، عليه أنْ يعلِّم النَّاس الدِّين والدُّنيا، ويعلِّمَهم الحياة والأخلاق والغنى والعزَّ والمجد وكلَّ شيء.

المسؤوليَّة على كلّ مسلم

كان يحكي لنا البارحة أحد الشيوخ أنه ذات مرَّة أخذ معه خادم الجامع وكان مفلِساً، وقال له: تأتي مساءً وتقرأ، [في تعزية ميت]، فيعطونك القليل من المال.. وعندما جاء قرأ: أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً، فصاحب البيت انزعج، وقال له: ما هذا؟ تقرأ: “كفروا وزُمَراً”؟ أهذا الَّذي تحفظه؟ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَم يَأْتِكُمْ رُسُلٌ منكم [الزُّمر: 71].

ومن الطرائف التي حصلت أن أحدهم صلَّى وراء إمام، فقرأ الإمام بالركعة الأولى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزُّخرف: 77]، فقرأها: “ونادَوا يا خالد”، ولـمَّا قرأ: ﴿فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً [الحاقَّة: 32] قرأها: “في سلسلة ذرعها تسعون ذراعاً فاسلكوه”! فالناس خلفه رَدُّوه وصححوا له، لكنه لم يصحح، وقالوا: يا شيخ قد أخطأت! قال: لم أخطئ، ولكن عزلوا مالكاً ووضعوا عوضاً عنه خالداً! ولماذا قلت: تسعون؟ قال: كثر الدَّاخلون لجهنَّم، فزاد الملائكة عشرين ذراعاً ليُدرِكوهم كلَّهم! فعزلوا ذاك الإمام وسبُّوه.. فالنَّاس اليوم يريدون شيخاً على هذه الشاكلة، ينسج لهم أشكالاً وألواناً.. [يقول الشيخ هذه الفكاهات وهو يضحك، حيث كان من أسلوبه رحمه الله استخدام الفكاهة ليوضح منها الواقع، ويبين الحكمة فيما يقول.. ومما قاله في دروس أخرى: إن المعاملة السيئة اليوم التي يعامل بها المسلمون علماءهم أنتجت مشايخ على هذا المستوى؛ ممن لا يفقهون ولا يعقلون.]

يا بنيَّ كلُّ مسلم عليه مسؤوليَّة، وقد يحيي الله عزَّ وجلَّ الجامع بشخص واحد، فيعلِّمُ الناس ويرشِدُهم.. إمام الجامع معاشه [راتبه] خمس مئة، لماذا خمس مئة فقط؟ [بينما راتب أدنى موظف غيره فوق الألفين] أعطوه ألفين أو ثلاثة آلاف! ليُحْضِرْ له المصلون في العيد مجموعة ألبسة وجُبَبْ، حتى يستطيع أن يعطي غيره، وليقدموا له عشرة أطباق حلوى، ليكون قادراً أن يوزعهم على الجيران والفقراء، وإن كان شابّاً عليهم جميعاً أن يسارعوا إلى تزويجه، وحينها يصير كلُّ النَّاس عندنا شيوخاً، وبذلك يقوم الدِّين، أما في هذا الوضع فلن يكون إلا الجهل والفوضى.

سيغضب الله علينا ويخسف بنا الأرض

قليل من اليهود الآن أذلوا العرب، ومنذ عشرين سنة كانوا يقولون: سنُغرقهم وسندمِّرهم، واليوم يقولون: إسرائيل الغادرة والعدوان الإسرائيليُّ!.. ما الَّذي سيفعله العدوُّ إذن هل سيرقص لكم؟ هو ينتظر أيَّ فرصة حتَّى ينقضَّ عليكم.. تَبَيَّنَ أن ما فعله العرب في ثلاثين سنة هو الكلام وفقط، رجعوا عَرَباً قوَّالين غير فعَّالين، ومتفرِّقين غير متَّحدين، جهلاء غير علماء.. أمَّا بالإسلام فقد صاروا بعكس ما كانوا عليه في الجاهليَّة.. والآن كل دولة عربية ماذا تقول؟ تقول “العرب” ولا تقول “الإسلام”.. والسَّبب أنَّ الإسلام فقد معانيه الحقيقيَّة؛ فقد كان الحياة والقوَّة والوحدة والأخلاق والعلوم، لكن كلّ هذه المعاني غير موجودة الآن، حتَّى قراءة الفاتحة في المحراب لا يكاد يوجد من يقرؤها قراءة صحيحة! عليكم أنْ تقوموا وتجاهدوا وتبذلوا الجهد وتوقظوا أهل حارتكم.. من أين بدأ الإسلام؟ لم يبدأ من “لا إله إلَّا الله” بل بدأ من الشَّيخ، فقد بدأ من النَّبيِّ ﷺ، هل عرفوا “لا إله إلَّا الله” أولاً أم عرفوا النَّبيَّ ﷺ قبل ذلك؟ هل أحبُّوا الله تبارك وتعالى أولاً أم أحبُّوا النَّبيَّ ﷺ؟ هل أطاعوا الله عز وجل أولاً أم أطاعوا النَّبيَّ ﷺ؟ هل ذكروا الله عزَّ وجلَّ أولاً أم ذكروا النَّبيَّ ﷺ؟ سيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه أولاً آمَن بمن؟ وأحبَّ من؟ هل آمن أوَّلاً بالله عز وجل أم آمن بالنَّبيِّ ﷺ؟ والمسلمون يقومون بالعكس؛ أوَّل من يعادونه هو الشَّيخ، يؤذونه ويمنعونه حقَّه ويسبُّونه، وأضعفوه.. ولا يستطيع أنْ يتكلَّم بكلمة، حتى لو أنه أعطى قرضاً لأحدهم، لا يستطيع أن يقول له: رُدَّ عليّ دَيني، لأن المقترض سيفضحه!

هل يستطيع الشيخ أنْ يدافع عن نفسه؟ لا، لأن الناس سيأكلونه ويهلكونه، لذلك يا بنيَّ فالله تعالى سيغضب ويخسف بنا الأرض.

ركوب البحر

قال: ((لا يَرْكَبِ البحرَ إلَّا حَاجٌّ أوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ في سَبِيلِ الله؛ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَاراً وَتَحْتَ النَّارِ بَحْراً)) 7 ، والآن تطوَّر الزَّمن؛ فكان النَّاس يركبون الزَّوارق وتلطم بهم الأمواج العالية، فكان ركوب البحر خطراً، وذلك لضعف المراكب الَّتي في ذاك الوقت، قال: إلا لشيء ضروري، فالحج فرض، لذلك يمكنه أن يخاطر من أجله، والعمرة فرض في المذهب الشافعي

الحجُّ فرضٌ وكذاكَ العُمرَهْ لَمْ يَجِبَا في العُمْرِ غَيْرَ مَرَّهْ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ حُرّاً مُسْلِمَاً كُلِّفَ ذَا اسْتِطاعَةٍ لِكُلِّ ما يحتاج من مأكول أو مشروب إلى رجوعه ومن مركوب

[يقول سماحة الشيخ هنا: “هذه من محفوظات خمسين سنة”.. وقبل أن يكمل الدرس التفت إلى أحد الإخوة الحاضرين مبتسماً وملاطفاً وقال: “إذا أردت أن تنام فيمكنك أن تنام، فقد أذنتُ لك”، وقال لآخر أيضاً: “وأنت نم إذا أردت فقد أذنت لك”.. وقد كان هذا الدرس يقام بعد صلاة الفجر، لذلك قد ينام بعض الحضور من التعب، خاصة وأن تاريخ الدرس في الصيف، والليل في تلك الأيام قصير في سوريا.. ثم قص الشيخ القصة التالية فقال

“كان الناس في اليمن يستعملون “النَّسانيس” (نوع من القرود) لعدَّة استعمالات؛ فكان بعض أصحاب الدَّكاكين يضعون القرد بالدُّكَّان إذا ذهبوا للصَّلاة أو لحاجة لهم، فلا يترك القرد أحداً يدخل، ومرة جاء لص وقت الصلاة ليسرق النقود، فكان كلما أراد الدُّخول يعضُّه النّسناس، فلا يجرؤ على التَّقدُّم.. فما كان من السارق إلا أن لجأ للحيلة، وقعد أمام القرد، وصار يتثاءب ويغمِض عينيه ويوحي له بالنوم، وكان القرد متوجهاً إليه، فأثَّر به السارق مما جعله ينام بعد قليل، فدخل السارق وسرق النقود وهرب! ولما رجع صاحب الدُّكَّان وعرف أنه قد سُرِق أمسك العصا وضرب القرد ضرباً شديداً.. وبعد شهرين رجع السارق ليعيد الكرة، وصار يتظاهر بالنعاس والتثاؤب، فصار القرد يشد عينيه بيديه، وكأنه يقول له: إنه مستيقظ ولا يمكن أن ينسى ألم العصا”.. هنا يضحك الشيخ ويضحك معه الحضور.]

قال: ((أوْ مُعْتَمِرٍ أوْ غَازٍ)) أمَّا أنْ تركب البحر للنُّزهة فلا، أمَّا الآن فكلُّ باخرة بحجم الجبل لا يشعر بموجها ولا يشعر بغير ذلك.. كانت الدِّية في زمن النَّبيِّ ﷺ قيمتُها ثمان مئة، فقال سيِّدنا عمر رضي الله عنه: ((إنَّ الإبل قد غلت فارفعوا قيمتها)) 8 ، هذا الفرق بين الحركة والجمود في عقل الفقيه فيما يَقبَل التَّغيُّرَ والتَّبدُّلَ، أمَّا الصَّلاة أربع ركعات فلا يزيدونها ولا ينقصونها! هناك شيء يقبل التَّبدُّل لأنَّه لا يكون الهدف منه العدد، ويصير الهدف ما يتناسب مع المقام.

((فإنَّ تحت البحر ناراً وتحت النَّار بحراً)) هذا الحديث يُعتَبَر من المعجزات العلميَّة للنَّبيِّ ﷺ، لأنَّه تحت ماء البحر ماذا يوجد؟ قاع البحر، وإذا حفرنا قاع البحر واستمرَّينا في الحفر سنصل إلى السَّائل النَّاريِّ الَّذي تتكوَّن منه الكرة الأرضيَّة.. والكرة الأرضيَّة مغلَّفة بغلاف صخريٍّ نتوءاته الجبال، وهذه الجبال متَّصلة بالطَّبقة الَّتي تُغلِّف الكرة النَّارية في باطن الأرض.. قال: ((فإنَّ تحت البحر ناراً)) فإذا أزلنا الطَّبقة الَّتي تُغلِّف النَّار وخرقنا للأسفل حتَّى نفذنا من الطَّرف الثَّاني ماذا يوجد؟ هناك بحر، ((فإنَّ تحت البحر ناراً وتحت النَّار بحراً)) وإن ثلثا الأرض أو ثلاث أرباعها بحر.

وهذا تعليم من النَّبيِّ ﷺ لنا، ولا علاقة له بالدين والإسلام، والمقصود أنْ لا تتعرَّض للأخطار، ليس فقط في البحر، فإن كان الأمر فيه مخاطرة لا تفعله.. يقول لك أين النَّصُّ؟ هل على النَّبيِّ ﷺ أنْ يتكلَّم لك عن كلِّ شيء؟ إذا صار وباء في مكان ما فلا تذهب إلى ذاك المكان، وإذا كان هناك إطلاق نار في مكان فلا تذهب إليه، فكلُّ شيء مؤذٍ ابتعد عنه، وهكذا كلُّ شيء محتمل الحدوث من خطر أو أذى في صحَّتك أو مالك أو حياتك أو شغلك أو بيتك أو بيعك أو شرائك.

الشيخ والناس عليهما المبادرة معاً لإحياء العلم

معنى ذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ يريد أنْ يُعلِّمَنا كلَّ شيء، ونائب النَّبيِّ ﷺ يريد أنْ يُعلِّمَنا كلَّ شيء أيضاً، لكن الشَّيخ لا يعلِّم شيئاً الآن، فإذا أعرض النَّاس عنه فذلك لأنَّه هو الَّذي لا يُعطيهم، فإذا كان البنَّاء لم يبنِ السقف، فهل له حق عند الآخرين؟ لا أحد يعطيه أجرته.. أمَّا الشَّيخ فاحسبوه حارس جامع يقيم فيكم صلاة الجماعة، قولوا إنَّك مقصر يا شيخي اقعد ودرِّس لنا.. يعني إذا كان الزوج هاجراً زوجته، والزوجة هاجرة زوجها كيف يأتي الولد؟ وإذا كان أحدهما هاجراً الآخر لا يأتي الولد أيضاً.. فيجب على الطرفين “الشيخ والناس” أن يبادر كل منهم للآخر.

المسلمون في خطر والإسلام في خطر هائل؛ هل كنتُ أستطيع أنا أن أتكلَّم لكم بهذا الكلام لو لم أكن أشعر أنني في غنىً عن النَّاس؟ الشَّيخ الفقير لا يستطيع أنْ يتكلَّم هذا الكلام ويستحي، وأنا بفضل الله- ورضي الله عنكم- أنتم أحسن من الأولاد الأبرار الأبرار، لكن أيضاً الشَّيخ له فضل عليكم يغمركم ويغمر آباءكم في دنياكم وفي دينكم.. نسأل الله عز وجل أن يهيئ للمسلمين يا بنيَّ.. حالتنا تُبكي، هؤلاء قليل من اليهود أذلُّوا كلَّ العرب، ألم يعلنوا الجهاد المقدَّس في مكة؟ أين هو؟ ها هم قد ضربوا المفاعل النَّوويَّ في العراق، أين الجهاد المقدَّس؟ لماذا لا يحرِّرُون فلسطين؟ كلُّ أفعالنا كلام.. المسألة تحتاج إلى إسلامَ، وإلى العلم والمعلِّم، والتَّربية والمربِّي، والحكيم والحكمة، والعقل والعاقل، والفكر والمفكر.

وصية الشيخ أمين لا تترك جامع أبي النور

شيخنا أتى إلى جامع أبي النُّور ولمدة سنتين لم يقعد في درسه إلَّا رجل أعمى، حتَّى أنَّه رفض المعاشات [الرواتب أو الأجور الشهرية] والوظائف والرُّتب كلَّها، كي يعلِّمنا أنَّ الله عز وجل لا يضيع الإنسان.. وقبل وفاته بأيَّام ناداني وقال لي: يا بنيَّ إن الله تعالى لم يضيّعني من جهة أمر الدُّنيا ولا ليوم واحد، فلا تخف والله سيغنيك، ولا تترك جامع أبي النُّور.. فلم أتركه.. أتى الإخوان وأغروني بالأربعينيَّات، وقالوا: تعال إلى أي جامع تريده في دمشق، ونحن نؤمِّنه لك ونعطيك بيتاً.. فقلت لهم: لا أترك وصية الشيخ أبداً، قال لي الشيخ: الزم مسجد أبي النور، وأنا في أبي النور، وحتى أموت.. أموت في مسجد أبي النور.. فهل الله عز وجل ضيَّع؟ لا، أبداً. [يقع مسجد أبي النور على سفح جبل قاسيون، وكان حينها في ضواحي دمشق، ومفصولاً عن المدينة، فكان إخوان الشيخ يأتون من دمشق ومن مسافات بعيدة لحضور مجلسه في مسجد أبي النور، لذلك طلبوا منه أن يأتي لمدينة دمشق ليكون قريباً من الناس ومن إخوانه.]

لا تستغل بيع المُضطَّر

قال: ((وَلَا يَشْتَرِي مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ في ضَغْطَةٍ)) 9 فإن وقع أحدهم في ضيق أو كان مديوناً أو محجوزاً عليه وعُرضت بضاعته بالمزاد، هل تشتريها بسعر المزاد وبسعر بخس؟ لا؛ فيلزم أنْ يكون عندك إنصاف، فإن كانت تساوي عشرة وتستطيع أن تدفع فيها ثمانية، فأعطه عشرة بسعر السُّوق: ((لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ)) 10 ، وقع في ضيق وعليه دين ويريد أنْ يبيع سجَّادته ولم يحصل إلَّا على نصف سعرها.. ليكن فيك ذوق واتَّقِ الله تعالى.. قالوا: يوجد فتوى في ذلك حيث إنه يبيع مختاراً، ولكن يوجد تقوى، وهناك ما فوق التَّقوى وهو المروءة والشَّهامة والنبل.

ورد أنه مرة وقع أحد الناس في ضيق حتى عرض داره للبيع، فجاءه جاره وسأله بكم ستبيع بيتك، فقال: بمئتي ألف، قال له: خذ مئتي ألف وأنا أشتريه.. فلما أخذ المال أراد الخروج من المنزل ليعطيه للمشتري، قال له المشتري: لا تخرج، فأنا لا أريد البيت الآن، فابقَ فيه حتَّى أحتاج إليه! فسأله: كم أمكثُ فيه؟ أشهراً أم شهرين؟ فقال: تمكث فيه حتى أحتاج إليه.. فسكن في البيت سنوات، ولا يزال يقول له: ابق فيه فأنا لا أحتاجه الآن! واشتغل البائع بالمال الذي أخذه من جاره حتى صار عنده مئتا ألف، فدعا جاره إلى الغداء، وقال له: جزاك الله الخير أيها الجار وأطال بعمرك، هل تؤدِّي لي معروفاً؟ إن الله رزقني ثمن البيت، وأستطيع أن أشتريه منك كما بعته لك، فهل تقبل أن تأخذ ثمنه وتبقيه لي؟ فنحن معتادون على حارتنا، ولا أريد أن أترك جيراننا، وهذا ثمن البيت. قال له: لا؛ فأنا عندما اشتريت البيت دفعتُ لك ثمنه ليس بِنِيَّة الشِّراء؛ بل على أنْ أعطيك حقَّ الجوار، وهذا حقُّك عليَّ! هل هذه تقوى أمْ فتوى؟ هذه مروءة وهي فوق التَّقوى.

ونحن في هذا الوقت لا يتعامل الأب مع ابنه بهذا الشكل، ولا الجار مع جاره، وصار حالنا مخيفاً مثل حيوانات الغابة، فحينما يتمكن شخص أنْ ينقضَّ على غيره ينقضُّ.. كان هناك فيما مضى حلال وحرام، لكنه لمن يبق لا حلال ولا حرام ولا عيب ولا رحمة.. فلذلك لو أنزل الله عز وجل من السَّماء ناراً عوضاً عن الماء، وحرَقَنا وسلَّط علينا ليس فقط اليهود، بل سلَّط علينا الحيوانات المفترسة.. والله نستحقُّ يا بنيَّ! لذلك علينا أنْ نتوب إلى الله سبحانه، ولا نذكر عيوبنا فقط ونوَلْوِل! [أي نصرخ] فالوَلْوَلَة لا تحيي ميتاً.. إن موت الجسم شأنه إلى الله عز وجل، وأمَّا حياة العقل والقلب فتصير بالعلم والتَّعليم والإرشاد.. فتعال إلى الجامع.. فالهجرة كانت فرضاً على كلِّ مسلم.. ما معنى الهجرة؟ يعني طلب العلم، فهل تهاجر إلى النَّبيِّ ﷺ لترى وجهه ولحيته وشوارع المدينة؟ بل تُهاجر حتَّى تتعلَّم دينك.

متى تُفرض الهجرة؟

اقرؤوا باب الهجرة؛ قال تجب الهجرة وتُفرَض على المسلم إذا لم يجد في بلده من يعلِّمه ومن يُرشده ومن يهديه إلى الله، فإذا لا يوجد معلِّم في حارَتِك أو ضَيْعَتك فتعال وهاجِر ولو ساعة بالأسبوع! أولئك هاجروا طول الحياة وتركوا أموالهم فأخذها الكفَّار، وتركوا بيوتهم وصادرها المشركون! أنت إيمانك ضعيف وإسلامك ضعيف لا تستطيع أنْ تتحمَّل ساعة في سبيل الله عز وجل! أولئك تحمَّلوا كلَّ شيء، لذلك قال النَّبيُّ ﷺ: ((لو أنفق أحدُكُم مثل أُحُد ذهباً ما ساوى مدَّ أحدِهِم ولا نَصِيفه)) 11 إذا أنفق أحد الصحابة قدر قبضة يده أحسن من أنْ تُنفق أنت جبلاً.. وذلك بحسب الإيمان الَّذي ملأ قلوبهم، وما أنتجه في أعمالهم.. ومن الَّذي أوصل الإسلام إلى هنا؟ هم! نحن لا نحسن أنْ نوصل الإسلام لأولادنا وبيتنا وجارنا.. وتوصيله للأقارب والجيران فرض على المسلم، وعلى المسلم أنْ يكون داعياً إلى الله عز وجل ومرشداً للنَّاس وآمراً لهم وناهياً.. وكلَّ ما كان الإيمان في قلبه أكثر يكون التَّأثير أعمق، وإذا لم يكن إيمان في الداخل فلا يستطيع أن يتكلم ولو بكلمة واحدة.

لا تجعل الدُّنيا أكبر همِّك

قال: ((لاَ تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فإن فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ)) 12 ، فاذهب إلى السُّوق لكن لا تكُنْ أوَّل الفاتحين، فمعناه أنتَ حريص على الدُّنيا وسبَّاق إليها أكثر من كلِّ النَّاس.. كنْ بالوسط، ولا تكُنْ آخر من يغلق دكَّانه؛ فالمقصود أنْ لا تكون الدُّنيا أكبر همِّك ومبلغ علمك.. كُنْ ذا الجناحين، تأخَّر عن فتح الدُّكان بدلاً من أن تتأخر عن سوق الإسلام.

الهلاك بالكيل والميزان

وقال ﷺ: ((إنَّكم قد وُلِّيتُم أمرَيْن هَلَكَتْ فيهمُ الأمم السَّالفَةُ قَبْلَكُم، هُما: الكَيْل والميزان)) 13 ، فلا تراه إلا في المتجر وراء الميزان ووراء الذِّراع، [الذِّراع: وحدة قياس يقيس بها عادة بائعو الأقمشة، وهو أقل من المتر قليلاً] وينادي النساء لتشتري منه، وهذا منشغل بالمِتْر وهذا بالمحفار وهذا بالإسمنت وهذا بالبيع والشِّراء.. أمَّا سوق الإيمان وسوق العلم وسوق الأخلاق وسوق المحبَّة في الله تعالى كلُّها لا صلة له فيها.. والنبي ﷺ قال إن الله أهلك من كان قبلكم بشيئين: بالكيل وبالميزان.. الآن الهلاك وأيُّ هلاك! الآن كلُّ أخلاقِنا الإسلاميَّة تبدلت، فقبل خمسين سنة كان من يشرَب الخمر يختبئ، ومن يحشِّش [يتعاطى مخدرات الحشيش] يختبئ بالمغارات! والآن صارت البنات يشربن الخمر! كنتَ تجد في كلِّ حارة أربعة أو خمسة مشايخ؛ شاذليّاً ونقشبنديّاً ورفاعيّاً وقادريّاً وشافعيّاً وحنفيّاً.. مع أنَّهم لو كانوا على نهج النبوة لما وصلنا إلى ما نحن فيه.. مَن مِن أغنياء البلد اليوم أتى إلينا إلى المعهد وقال ماذا تفعل يا شيخ؟ المعهد كلُّه وهذا المشروع قام على أكتافكم كلِّكم؛ بين عمَّال وطلَّاب، فليس عندنا أغنياء.. [كان الشيخ رحمه الله لِتَوِّهِ انتهى من بناء مجمَّعه العلمي الإسلامي في وقت هذا الدرس، وكان هذا البناء يحتاج لتكاليف مالية كثيرة، لكنه لم يجد من أغنياء المسلمين من يعينه على ذلك] والغنيُّ الآن عندما يَعْلَق بمشكلة يأتي إلى الشيخ ويقول: يا شيخي أنا أستجير بك! أمين الحافظ [وهو أحد رؤساء سوريا السابقين] عندما صادر أموال التُّجَّار كانوا- والله- يأتون إليّ يبكون مثل النِّساء، [وذلك ليتوسط لهم عند الرئيس، حيث يعلمون أن للشيخ كفتارو كلمة مسموعة وهيبة عند الحكومة] يقول أحدهم لي: والله يا شيخي أنا الآن أعيش على البطاطا المسلوقة. [كناية عن الفقر الذي صار إليه، حيث لا يجد ما يأكله إلا البطاطا، وهي أرخص الطعام.]

مرَّة بدويّ ركب مركباً وأبحر، وهاج الموج وصار الزَّورق يتراقص، وكان في الزورق فرنسيّون وألمان وأتراك.. وكلُّ واحد منهم ينادي الله بلغته، فيقول الكرديُّ: يا خودي، ويقول الإنكليزي: god، والفرنسي بلغته.. فقال البدويُّ لهم: قولوا “يا الله”! لكنهم لا يعرفون.. قال: يا رب أغرقهم فلا أحد يعرف اسمك!.. أو مثلما يقولون أنَّ بائع الصَّبَّارة لا يعرف الله تعالى إلَّا عندما تفسد الصَّبَّارة أو عندما تلصق رقبته بكتفيه، فيقول: يا الله!.. [عادة ما يكون بائع التين الصَّبَّار فقيراً يبيع في شوارع دمشق وأزقتها، وكان يضع بضاعته على طاولة خشبية سميكة وثقيلة، ولما يأتي صباحاً إلى البيع أو يرجع منه يحمل تلك الطاولة وبضاعته على رأسه، فيشعر أن رقبته من كثرة الضغط عليها تكاد تلتصق بكتفيه، فيقول: يا الله] وكذلك إذا علق الجَمَل بالطِّين وكاد ينقلب هو والحِمل الذي عليه يقول صاحبه حينها: يا الله! ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: 65].

وقال عمر رضي الله عنه: “ما من امرئ إلَّا وله أثر وهو واطئه، ولا رزق إلَّا وهو آكله، ولا أجل إلَّا وهو بالغه، وحتف هو قاتله، حتَّى لو أنَّ رجلاً هرب من رِزقه لاتَّبعه حتَّى يُدرِكه، كما أنَّ الموت يُدرِك من هرب منه” 14 .

هناك قنبلة تقتل عدوَّك وقنبلة تقتل بها نفسك، وهناك استقلال يبني واستقلال يخرب.. استلم المشايخ الحكم الآن في إيران، ولكنهم سيخرِّبونها، مساكين! استقلال جميل وحكم إسلاميٌّ أيضاً! ولو كنت مكانَهم لملأت الدنيا ولجعلت إيران قِبلة العالم، وليس قبلة المسلمين فقط، ولكن أعان الله عز وجل النَّاس على المشايخ! وأعان الله الإسلام على المشايخ!

كنت مرةً أحب أن أتألَّف قلب أحد المشايخ وهو يؤذينا ويتكلم علينا، ومرَّة في العيد قلت لبعض إخواننا من المشايخ: دعونا نذهب إليه ونتألَّفه.. وكان- صدقاً- لا يَقَعُ بشدَّة إلَّا وأكون إلى جانبه! قلت له: أنا وإخواني وكلُّنا حاضرون لما تريد.. قال: لا، حتى يعلن الشَّيخ توبته ويتوب إلى الله عز وجل ويجدِّدَ عقيدته ويُجدِّد إسلامه.. فهذا إذا صار حاكماً للبلد سيحكم على كلِّ الَّذين في البلد بالحرق.

امْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا

الشاهد هو فهم الحديث وفهم الإسلام.. فهناك من يقول خطأً: طالما أنه “أثرٌ” فعليك أن تأخذه وتمشي به! وكيف يَفْهَم مثل هذا الحديث؟ يفهم أن يترك عقله وتفكيره وتدبيره وأن يترك حكم الله تعالى، ويقول: ما دام “رزقٌ هو بالغه”، فلا أفتح الدكان وأقعد في البيت! لماذا لم يفهم: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِه} [الملك: 15]، لِمَ لمْ يفهم قول النَّبيِّ ﷺ: ((إنَّ الله يُحِبُّ العبد المحترف)) 15 لماذا؟ هذا كلام عمر رضي الله عنه وليس كلامَ النَّبيِّ ﷺ.. ولماذا لم يفهم: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً” لذلك لا يمكنك أنْ تحكم حتى على آيات القرآن نفسها، فقد تكون هناك آية ثانية مفصِّلة لها؛ فهل: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ [الأنعام: 72] بمفردها تستطيع أنْ تكتفي بها؟ ما هي الصَّلاة؟ لم يذكرها القرآن! هل ذكر المغرب والعصر والفجر والعشاء؟ وهل ذكر أنَّ الظُّهر أربع ركعات والمغرب ثلاثاً والفجر ركعتين؟ الله تعالى قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((العلماء ورثة الأنبياء)) 16 .. فهنا سيِّدنا عمر رضي الله عنه قال: “ما من امرئ إلَّا وله أثر هو واطئه”.. هل صلاة العصر فرض أم لا؟ وهل صلاة الجمعة فرض أم لا؟ فإذا كانت فرضاً قم وصلِّها الآن! هل هذا يجوز؟ لا، لأنَّ لها شرطاً بأنْ يدخل الوقت.

أضف إلى ذلك أن كلام سيِّدنا عمر رضي الله عنه هذا له وقت، فإذا سافرت سفراً وخسرت فيه، ربما يأتيك من يلومك عليه من صديق أو زوجة أو قريب، ويقول: لماذا سافرت، ألم نخبرك أن لا تسافر؟ لقد كان سفرك خطأ فادحاً.. فبعد أن خسرتَ تجارتك وأصابتك الهموم يأتي هؤلاء ليزيدوا الهموم ويتلفوا الأعصاب.. في هذا الظرف، وبعد أن وقع المقدور نذكر هذا الكلام ونقول: إن سيِّدنا عمر رضي الله عنه قال: “ما من امرئ إلَّا وله أثر هو واطِئه”.. متى نذكر القَدَر؟ نذكره بعد وقوع المقدور، أمَّا قبل وقوعه علينا أنْ نستعمل العقل واليد والرِّجل والحركة والسَّعي، ونستشير أهل العقل والاختصاص، وذلك مثل صلاة الجمعة، فإذا صليتها الآن فأنت عاصٍ لله تعالى، أو تكون مثل ذاك القاضي الَّذي كان خطيباً في الجامع وكان عقله ضعيفاً، مثل عقول كثير من المسلمين هذه الأيام، حيث يخلطون بتعاليم الإسلام ويفهمون أشكالاً وألواناً.. رآه أحدهم مرة لابساً الجبَّة البيضاء والقُمْبَاز الأبيض، [القمباز: لباس كان شائعاً في بلاد الشام يشبه العباءة، حيث يغطي الجسم من الكتفين إلى القدمين، وغالباً ما كان يلبسه الرجال، وخاصة من تقدم في العمر] فقال له: شيخي إلى أين؟ قال: إلى صلاة الجمعة، قال له: أما علمت أنَّ المحافظ أخَّر صلاة الجمعة ليوم الثُّلاثاء؟ قال له: والله يا بنيَّ ما علمت بذلك، جزاك الله خيراً أن أخبرتني.. ورجع الشَّيخ إلى البيت وقد أذَّن المؤذن وقربت إقامة الصَّلاة ولا يلحق أنْ يُصلِّي الجمعة، فسألته امرأته: ألا تذهب إلى الجامع؟ قال لها: والله أخبروني أنهم أخروا صلاة الجمعة ليوم الثُّلاثاء، فقالت له: لا أكثر الله من أمثالك! وإذا كانت عقول مشايخ المسلمين هكذا، فما عسى العامة!.. فهذا الحديث يا بني له وقته، وإذا فهمته بغير وقته تصير كهذا الشيخ الَّذي أخَّر صلاة الجمعة ليوم الثلاثاء.

حدَّثني بعض إخواننا عن جماعة رأوهم في باريس، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء، لكن على مذهب هذا الشيخ، إذ يرون بعض الأمور بالمقلوب، وعندهم تشدّد في غير محله.. فإذا رأى الناس هذا التشدد وهذه الأحوال يكفرون بالإسلام.. لذلك عليك أنْ تكون مرناً.. ولا ترتدي القمباز هناك، لكن إن كنت شيخاً فالبس الجبة والقمباز، [لأن الجبة والقمباز لباس العلماء]، أمَّا أنْ تجعل المسلمين يرتدون قمبازاً وجُبَّة وعمائم [في فرنسا مثلاً] فهذا غير صحيح، وأن يطلقوا لحاهم فهذا غير صحيح، فالوقت الآن ليس وقت اللحية، بل وقتنا وقت الإيمان.. وقد تجد من يُعلِّم الوساخة وقلَّة العمل والفقر على أساس أنها دين.. هذا ليس إسلاماً، لذلك أعان الله الإسلام على ما يحمل من العقول المتخلِّفة والجهل المركَّب.

الإيمان بالقضاء والقدر بعد وقوع المقدور لا قبله

قال: “ورزقٌ هو آكله” فإذا وجدت إنساناً قليلاً رزقه أو ليس له رزق أو كان خسراناً فلا تحطم أعصابه، بل قل له: ارضَ بقضاء الله، وهكذا قدَّر الله.. فالقضاء والقدر يُذكَر بعد وقوع الكارثة، أمَّا قبل وقوعها فذكر القضاء والقدر يشلُّ أعمالك وتقعد في بيتك، لأنك لا تستعمل العلم ولا الأسباب.. وهذا هو سبب تخلُّف المسلمين، وهذه هي عقليَّة كثير من الَّذين نُسِبُوا للعلم ولم يصيروا علماء، وقد يكون عنده مكتبة ويحمل شهادة، ولكن المسألة ليست بالشَّهادة ولا بالمكتبة ولا باللَّفة [العمامة] ولا باللحية: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: 269].

“وحتف هو قاتله” فإذا مات رجلٌ يعني أنه مات وانتهى الأمر، ولا تعمل “لو” بعد ذلك، والنَّبيُّ ﷺ قال: ((وَإِنْ أَصَابَكَ شيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)) 17 ، “وإنْ أصابك” ليس قبل الإصابة، بل بعدها، وبعدها يجب على كل فرد أن يذكر القضاء والقدر.. فصاحب المصيبة يكون مهموماً وحزيناً وتعباً، فيأتي الإيمان بالقضاء والقدر ليزيل عنه ذلك، وقد قال ﷺ: ((الإيمان بالقضاء والقدر يُذْهِبُ الهمَّ والحزن)) 18 ، فالشَّيء في محلِّه جميل، أمَّا في غير محله فقبيح؟ هل تضع قطعة الحلوى في فمك أم أذنك؟ تضعها في الفم.

مرَّة شيخ من إخوان شيخنا كان من القرى، وأراد في الشتاء الذهاب إلى البدو، فأدركه الليل في الطريق، فنام عند بدويٍّ بالخيمة، ونزل مطر شديد في تلك اللَّيلة، وبينما كان نائماً شعر بشيء ثقيل على صدره، فكان بين النائم واليقظان، فظن ذلك زوجته وأنها تريد ملاعبته، فتحسس بيده فإذا بكلب كبير نائم على صدره! فمن شدة المطر والبرد دخل الكلب ورأى مكاناً عالياً وأوى إليه.. فإذا أردنا أنْ نضع الكلب مكان الزوجة هل يستقيم؟ [يروي الشيخ هذه الفكاهة الواقعية وهو يضحك، وكأنه يريد أن يقول: إن الذي لا يفهم الإسلام بحكمة، ويأتي بالنصوص في غير موضعها، يكون حاله كحال هذه القصة التي اختلط الأمر على صاحبها، إلى درجة أنه ظن أن الكلب هو الزوجة.] إن الكلب معذور.. ولكن هل تقوم أنت بهذا العمل بإرادتك وباختيارك؟ كذلك وضع الشيء في مكانه.. وهذا اسمه الحكمة.

“وحتف هو قاتله”: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154]، ردَّ الله هذا الجواب على المنافقين في معركة أحد عندما قال المنافقون عن من قُتِل من المسلمين: ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران: 156]، فكان ردُّ الله عليهم ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ هذه مثل قول سيِّدنا عمر رضي الله عنه: “وحتف هو قاتله” الحتف هو الموت، ولكن متى قال القرآن: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ؟ قالها بعد الكارثة، أمَّا قبل الكارثة فهناك تدبير وتخطيط وعقل وفكر، أمَّا قبل العمل فلا تقل القضاء والقدر وتقعد وتُشِلّ نفسك.. فهذا تخريب للإسلام! كمن يصلي ثم يتوضأ! تقول: ما شاء الله! إن فلاناً محافظ على صلاته وطهارته ووضوئه! لكنه يصلي أولاً ثم يغتسل من الجنابة!

في الحقيقة إن المشايخ الجامدين يحاربون أهل العلم الحق، فعليك بالصبر! لكن الحق والحقيقة لها أنصارها، ولما تثبت يأتيك أنصار الحق.. والحق يطغى على الباطل.

اترك الرِّزق الحرام واستعِن بالله على الحلال

ثمَّ إنّ النَّبيُّ ﷺ يقول: ((فاتَّقوا الله وأجمِلوا في الطَّلب)) 19 ، فإذا أردت أنْ تطلُبَ الرِّزق فاطلبه بطلب جميل، ولا تطلبه بحماقة وعدوان وغشٍّ وكذب ويمين فاجرة.. اطلُب رزقَك بشرف وأخلاق، وذلك مع تقوى الله عز وجل، ورزقُك سوف يأتيك.. والإيمان بالرِّزق هنا مطلوب حتَّى يكون لك لجاماً فلا تطلب الرِّزق الحرام، وهناك من يفهم من هذا الحديث أن اترك الرِّزق، لكن مُراد النَّبيُّ ﷺ أن اترك الرِّزق الحرام واستعِن على ذلك بالقضاء والقدر.. إذن فالقضاء والقدر له فقهه، ويجب أن تعرف مكانه وزمانه وكيفيَّته ونطقه وكيف عليك أنْ تتصرَّف معه، هذا هو الإسلام! والإسلام بهذا الشَّكل هل ينجح به المسلم أم لا؟ وهل يصير فقيراً أم غنيّاً؟ سيصير غنيّاً.. ولماذا يجب أن يكون الشَّيخ فقيراً ويحتاج إلى لئام النَّاس؟ فهناك بين المسلمين من هو أضل من الأنعام، ومنهم من هم شعلة إيمان.. والشَّيخ مسكينٌ وخاطره مكسور دائماً.. كان أحد المشايخ يقول لي: إذا سمعتُ خشخشة مال بالجامع أقول الآن يريدون أنْ يُعطونني ربع ليرة! هذا مسكين! [ربع ليرة ربما لا تكفي وجبة طعام في وقت هذا الدرس]

مرَّة كنت في دكان أحد الإخوة، فمرَّ شيخ لفَّته متسخة وجبَّته متسخة، ويحمل كيساً عتيقاً، ممتلئاً نصفه.. يعني كان منظره أزرى منظر.. جاء ووقف أمام الدكان وصار ينظر إلى السمك، فوقع في قلبي أنَّه مسكين يشتهي السَّمك وليس معه مال، قلت للبائع: يا أبا شاكر أعطِه أربعة أو خمسة كيلو وأنا أحاسبك. قلت له: تفضل اقعد، فقعد، ولما عرف أنَّ السمك له ظهر الدَّم في وجهه [حياءً وعزة نفس].. هل اليهوديُّ الَّذي ضُرِبَت عليه الذلَّة والمسكنة مذلول مثلما أَذَلّ المسلمون مشايخهم؟ الذِّلَّة والمسكنة الآن مضروبة على أهل العلم، ومن فعل ذلك بهم؟ فعله المسلمون أنفسُهم، وكذلك فعله المشايخ بأنفسهم، لأنهم لا يقومون بواجبهم.. والشيخ مسكين لا يقوم بواجبه لأنه لم يتعلم كيف يقوم بواجبه، فإذا أراد أنْ يُعَلِّمَهم القضاء والقدر يُشِلُّهم، فالأحسن أنَّ يسكت.. هل تترك الحلّاق ليبني لك سقف البيت؟ وإذا عمل الحلاق السقف سيسقط على رؤوس الناس، فالأفضل ألا يعمل.. وكثير من المشايخ من الأفضل أن لا يعملوا، لأنَّهم لم يتعلَّموا؛ يُخمِّن أنَّه إذا قرأ كتاب فقه صار شيخاً.

الله يجبر بخاطرنا ويهيئ للمسلمين الشيخ ويحيي قلوب المسلمين ليعرفوا قدر الشيخ، لأنه: ﴿وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ [الذاريات: 49]، فالمرأة لوحدها لا تنجب الأولاد، وإذا أنجبت ولداً من غير زوج تكون سيئة ويكون ولدها من الحرام، وكذلك إذا أتى الرجل بولد، وقال: هذا ابني.. فهو ليس ولده، بل هو دَعِيّ، أليس كذلك؟ [لذلك لا بد أن تكون العلاقة صحيحة بين العلماء والمسلمين كي ننجح ونعود للإسلام، وكل فريق يقوم بواجبه.]

سؤال عن نية الصيام

[يسأل أحد الإخوة الشيخ عن نية الصيام ويقول إنه سمع أحد المشايخ يقول إنه من الواجب أن ينوي الصائم في كل ليلة، فيجيب الشيخ بقوله:] الشافعي ينوي الصيام في كل ليلة، لأن النية هي القصد، وهل هناك واحد من المسلمين في رمضان لا يقصد أنْ يصوم؟ وفي زمان النَّبيِّ ﷺ لم يكن أحد من الصحابة يقول نويت أنْ أصوم هذا اليوم من رمضان أداءً لواجب الله عز وجل.. ففي زمن النَّبيِّ ﷺ وزمن الصَّحابة لا النَّبيُّ تلفَّظ بنيَّة، ولا أحد من الصَّحابة تلفَّظ بنيَّة.. وهل أنت لما أتيت إلى هنا نويت أم لم تنوِ؟ ماذا قلت؟ وما لفظ النية الَّتي قلتَها؟ إذن لم تنوِ! وهل هناك من يصوم رمضان ولا يقصد أنْ يصوم؟ يعني أن مراد الشيخ أنْ تنووا الصَّوم عن الجهل وعن اللَّغو وعن الحرام، فهذه يجب أن تقصدوها حتى تتذكروها، أما الأكل والشُّرب فالأولاد الصِّغار يعرفونها.

والشيخ يحكي لكم عن نية الصوم، لأنه في ذاك الصوم لا أحد ينوي.. فاسأل المسلمين ممن يصومون في رمضان: هل نويت اليوم أن تصوم عن الجهل واللغو والرفث والحرام؟ هذا هو مراد الشيخ.. أنت لما أتيت إلى الجامع وكنت تلبس جواربك هل بنية أم من غير نية؟ وهل وضعت العمامة على رأسك بنية أم من غير نية؟ كيف تلفظت بالنية؟

المشايخ أيضاً.. لكن هكذا الكتب تذكر، وأنت تحتاج للكتاب الناطق.

وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآلِهِ وصحبِه، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي في الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق، رقم (3428)، (5/491)، سنن ابن ماجه، رقم: (2235)، (2/ 752)، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.
  2. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (3557)، (1/241)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
  3. صحيح ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب الجار، رقم: (524)، (2/ 283)، شعب الإيمان للبيهقيُّ ، باب: في حسن الخلق، رقم: (8027)، (6/ 245)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصيني قال: (اعبد الله لا تشرك به شيئا) قال: يا نبي الله زدني قال: (إذا أسأت فأحسن) قال: يا رسول الله زدني قال: (استقم وليحسن خلقك).
  4. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5759)، (3/561)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه.
  5. شعب الإيمان، للبيهقيِّ، فصل في إدمان تلاوة القرآن، رقم: (2003)، (2/ 349)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (12148)، (11/ 398)، عن ابن عباس رضي الله عنه.
  6. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5602)، (1/ 375)، عن ابن عباس رضي الله عنه.
  7. سنن أبي داود، كتاب الجهاد باب في ركوب البحر في الغزو، رقم: (2491)، (2/ 314)، السُّنن الكبرى للبيهقيِّ، كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع المضطر وبيع المُكره، رقم: (10862)، (6/ 18)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه.
  8. سنن أبي داود، كتاب الديات، باب الدية كم هي، رقم: (4544)، (4/307)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَمَانَ مِئَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلاَ إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ. قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَىْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَي بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَىْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةٍ. قَالَ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ.
  9. السُّنن الكبرى للبيهقيِّ، كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع المضطر وبيع المُكره، رقم: (10862)، (6/ 18)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه. وهو تتمَّة الحديث السَّابق. لا يَرْكَبِ البحرَ إلَّا حَاجٌّ.
  10. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم: (13)، (1/12)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه، رقم: (45)، (1/67)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
  11. متفق عليه، صحيح البخاريُّ، كتاب فضائل الصَّحابة، باب قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (لو كنتُ متَّخِذاً...)، رقم: (3470)، (3/ 1343)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم رقم: (2540)، (4/1967)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)).
  12. المعجم الكبير، للطَّبرانيِّ، رقم: (6131)، (6/ 248)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، رقم: (6874)، (12/ 426)، عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه.
  13. سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في المكيال والميزان، رقم: (1217)، (3/521)، المستدرك للحاكم، كتاب البيوع، رقم: (2232)، (2/ 36)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِ المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ: «إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ هَلَكَتْ فِيهِ أُمَمٌ سَالِفَةٌ قَبْلَكُمْ»
  14. شعب الإيمان للبيهقي، باب التوكل بالله عز وجل والتسليم، رقم: (1193)، (2/ 72).
  15. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8934)، (8/ 380)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1181)، (2/ 441)، مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (681)، ص: (22)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (1/ 378)، عَنِ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنه. واللفظ: ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
  16. ذكره البخاري في بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند. سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223)، عن أبي الدرداء.
  17. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشّيطان)) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم: (2664).
  18. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (277)، (1/187)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (384)، (1/27)، المتفق والمفترق للخطيب البغدادي، رقم: (367)، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي، رقم: (237)، (1/150)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ».
  19. شعب الإيمان للبيهقي، باب التوكل بالله عز وجل والتسليم، رقم: (1193)، (2/ 72)، بلفظ: عن عمر بن الخطاب أنه قال: "ما من امرئ إلا و له أثر هو واطئه ورزق هو آكله وأجل هو بالغه وحنق هو قاتله حتى لو أن رجلاً هرب من رزقه لاتبعه حتى يدركه كما أن الموت يدرك من هرب منه ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". صحيح ابن حبان، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الحرص وما يتعلق به، رقم: (3239)، (8/ 32)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب البيوع، باب الإجمال في طلب الدنيا وترك طلبها بما لا يحل، رقم: (10184)، (5/ 264)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، بلفظ: «لاَ تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنَ الْحَلاَلِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ».
WhatsApp