تاريخ الدرس: 1981/02/03

في رحاب الآداب والأخلاق

مدة الدرس: 01:14:00

في رحاب الآداب والأخلاق (101): الحلم وكظم الغيظ (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

عاقبة حسن الخلق

الحلم: هو ألا يغضب الإنسان إذا صار معه ما يغضبه في أمور الدنيا، أو أن يملك غضبه، فلا يتركه بشكل فوضوي فيستعمله في غير ما يعود عليه بالخير والفائدة؛ لأنَّ كلَّ مكارم الأخلاق تعود فائدتها على الإنسان قبل كل شيء.. كالصدق مثلاً: ينتفع الصادق قبل كل شيء من صدقه، ثم يشتهر بين الناس بأنّه صادق، فيصبح موضع ثقة كل الناس، فيجب على الزوج أن يكون صادقاً مع زوجته وكذلك الزوجة والابن والأخ والجار والأجير والمعلم والدولة والحاكم، فإذا اشتهر أحدهم بالصدق صار موضع ثقة.. فإذا قال الأجير لصاحب العمل إن رأس المال كذا صَدَّقه، أو قال له: أريد أن أستدين منك، وسوف أردهم لك في شهر كذا أقرضه، فيصير بين يديه أموال الناس لكونه صادقاً.. مع أن الشرع قد حبَّذ القرض، أي: أن يقرض الإنسان غيره إلا أن يكون المقترض عديمَ أخلاقٍ، أي أنه إذا وعد أن يعيد النقود بعد شهرٍ تجده كاذباً أو غيرَ أمينٍ أو مماطلاً، فإن كل مساوئ ورذائل الأخلاق تعود على صاحبها بالضرر، لذلك لم يعد أحدٌ يتعامل مع أحدٍ؛ لأنه لا يريد أن يقع في هذه التجربة، لكونها خطراً عليه، ولأنها ضد مصالحه وفوائده ومنافعه، فمكارم وسعة الأخلاق هي السبب في سعادة الإنسان.

فمثلاً: الأوروبيون والشيوعيون كلهم لديهم أخلاق، ولكن ليس على أساس الثواب والآخرة، بل درسوا الأخلاق علمياً وفلسفياً واجتماعياً.. فتجد المذنب القاتل عندهم لا يكذب في المحكمة، بل يقول: “أنا مذنبٌ”؛ ولكونه صادقاً يُخفف عنه الحكم، والكذب مهما طال أمره فلابد أن يُفضَح صاحبه.

عاقبة سوء الخلق

إذا كان الشخص ليس بحليمٍ بل سريع الغضب، أو كان أحمقاً يستفزه غضبه فيضرب بيده، أو كان ممن يسُبُّ بلسانه، أو كان ممن يحمل مائدة الطعام ويرميها فيكسر الصحون فتعود بذلك الخسارة عليه، فلن يتعامل معه ولن يعاشره أحد، وعندما يريد الزواج لا أحد يقبل أن يزوجه؛ يقولون: “إنَ أخلاقه شرسة”، وإن كان يسبُّ الدين، فما الذي استفاده من ذلك؟ فعندما يسبُّ الدين يُغضِب الله عزَّ وجلَّ عليه ولن تتحقَّقُ الحاجة التي سبَّ الدين من أجلها.. لذلك يعالج الأوربيون الأخلاق فلسفيّاً وإقناعيّاً وعقلياً وفكريّاً، لكن أمر الدين أيسر وأسهل وأقصر، فالدين يعتمد على الإيمان، وقد اختلف مفهوم الإيمان في هذا الزمان عن مفهومه في زمن النبي عليه ﷺ، فكان مفهوم الإيمان في زمن النبي ﷺ هو جمع القلب على الله تعالى، فالإيمان بالله في زمنهم: هو أن يحاول المسلم تجميع فكره المتفرّق والمتبدّد في محبوباته الدنيوية، فهو يجتهد في ذلك حتى يجمعها على الله، فعندما تجتمع الروح والنفس على محبة الله تعالى وعلى مجالسته التي هي معنى من معاني الذّكر فتستمد الفضائل النفسية من هذا الإيمان.

لذلك إذا صار للمؤمن هذا الإيمان ولو لم ينضج، وقال له إيمانه: “اُصدق” فلا يحتاج إلى الإقناع ولا إلى دليل؛ لأنه بدافع الحب الإيماني يقول: “إنَّ الله يحبني أن أَصدُقَ” فيصدُقُ، “ويحبني أن أكون حليماً” فيصير حليماً، “وأن أكون مخلصاً” فيعمل العمل خالصاً لله لا لحظ النفس، فطريق الإيمان أقصر وأطهر، أما فاقد الإيمان فتجده يصدق ويصبر ويحلم ولكن لمصلحة نفسه، ولفائدته المادية، وصاحب الأخلاق في ظل الإيمان تجده يتخلق بفضائل الأخلاق في حالةٍ من السموِّ تشبهاً بأخلاق الله وتحبباً إليه، فلا يفكر في أنانيته ولا بمصلحته الشخصية، فأولاً: السمو أعلى، ثانياً: الهدف أسمى، ثالثاً: الطريق أقصر، أي طريق السماع؛ فالذي يسمع الترغيب والترهيب في فضائل الأخلاق، إن كانت نفسه طيّبة، أي بالفطرة السليمة، أو سبق لها شيء من العناية فقد تتقبل ذلك: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر: 13]، الإنابة: هي إقبال القلب على الله عزَّ وجلَّ ورجوعه بالذكر إليه، فهذا إذا ذكّرته يتذكّر، ومنهم كما قال الله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6].

الحلم زينة

الحلم هو مما يزين الإنسان، فإذا كان هنالك شخصٌ بائعٌ ولكنه حليم، أو موظفٌ حليم، أو رئيسٌ حليم، فالحلم دائماً يُجمّلُ صاحبه، فإذا كان الإنسان ذا شأنٍ أو مكانةٍ أو قوّةٍ، فالحلم يجمّله أكثر من غيره، أما إذا كان ضعيفاً وليس ذو مكانةٍ ولا شأنٍ، فهو يتحمل الناس بطبيعة الحال؛ لأنه لا يقوى على مصادمتهم، لذلك قالوا: “أجمل ما يزين الإنسان علم معه حلم”، هنالك حلم يتحمله الإنسان برضاً وسرورٍ، وهنالك حلم يتحمّله بغيظٍ وكدرٍ.

الحلم الراقي

فالحلم الراقي أن تتحمل الأمور بالرضا وسعة الصدر، إما إيماناً بالثّواب وطمعاً في رفعة الدرجات، أو رغبة فيما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه، حتى لو فاتتك بعض حظوظك الدنيوية التي فواتها يوجب الغضب، لكن يتعوض عنها بالثواب.. كما لو أن أحدهم أخذ معطفك الذي ثمنه خمسين ليرة، وأعطاك عوضاً عنه مئتي ليرة، فهل تحلم أم تغضب؟ تقول: ذهب المعطف، فليذهب ولكن عوضني بما هو أفضل منه، فعندما ينظر من هذه الناحية فيكظم غيظه، والأصح أنه لا يكظم غيظه فقط، بل يكون راضياً ومسروراً، فيتعجَّب الناس منه أنه لم يحزن؛ لأنه هو من يرى العطاء الذي لم يره غيره، فأدنى درجاته أن يكون متألماً وضابطاً لنفسه وكاظماً لغيظه مع نسيان الثواب أو نسيان أن هذا الأمر يحبه الله ويرضاه، وأما أعلى درجاته إذا صار لديه ملكة، وهي حال من حالات الإيمان لا يغيب فيها الإنسان عن الله في كل شؤونه، فلا يسعه أن يخرج منه سفاسف ولا رذائل ولا حماقات؛ لأنه يرى نفسه في حضرة الله تعالى.

الحلم سلاح الداعية

كان شيخنا [الشيخ أمين] -قدس الله روحه- من هذا القبيل، كان رضي الله عنه في الحلم كحلم النبي عليه ﷺ، بينما كان قبل أن يسلك الطريق إلى الإيمان، وبحسب ما كنت أسمعه من والدتي -فأنا لم أكن أدركه في ذلك الوقت- كان كالنار الموقدة، وبعدما سلك طريق الإيمان، أي بعدما أخذ الطريق عن شيخه، وسَلَّم قلبه للمربي، صار في الحلم كأنه لا يغضب.

أما الغضب لله فقد كان النبي عليه ﷺ لا يغضب لنفسه، فإذا انتهكت حرمات الله لا يقوم لغضبه قائم، ولكنه كان في بعض الأوقات والظروف يقابل الإساءة بالحلم، كقصة الأعرابي الذي بال في المسجد 1 ، وكذلك عندما كانت تظهر أخطاء من نسائه تجاهه، كقول السيدة عائشة رضي الله عنها له: ((أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟))، فهذه المقولة لو طبقناها بحسب مظهرها، وسألنا الشيخ ما الفتوى في ذلك؟ يقول: كفرت عائشة، فلو كانت مؤمنة لم تقل ذلك.

فلو كنا نعتمد على فتوى المشايخ لكفّروا عائشة، لكن النبي ﷺ لم ينظر لها من هذا المنظار، وعرف أنها لم تقصد هذا الكلام، وإنما كان قصدها “لماذا لم تفضّلني على ضرَّتي؟” فإذا لم يفضّلها على ضرَّتها تصير في شكّ بنبوته، ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المؤمنون: 71]، كل شخص يريد الحق على مزاجه، وهذا لا يصلح، فلو حدث ذلك لفسدت الأرض، فماذا أجابها بحلمه ﷺ؟ قال لها: ((أَفِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟)) 2 فقد تحمَّل غضبها وأصلح الأمر بكلمة واحدة، ولم يخرج عن الحلم إلى سرعة الغضب.

عبء مهمة الدعوة

إن سوء الخلق هو سرعة الغضب، وخاصّة للدعاة إلى الله، لأن الداعية إلى الله يلقى في طريقه جهل الجاهل وحمق الأحمق، وغرور المغرور وجفاء المجافي، وحسد الحاسد وتعسّر الأمور.

هذه الأمور كلها تثير النفس وتشعل نار الغضب، حتى أنها تخرج الإنسان عن الحدود؛ فيحتاج الداعية إلى الحلم كسلاح يستعين به على نجاحه في الدعوة.. تجد العالم وطالب العلم الديني الآن ليس له صلة بالدعوة؛ لأنه في الغالب ليس له شيخ مربٍ، فهو يريد شهادة فقط ليتوظف بها، وهذا صار من أدنى مراتب الرزق والحياة؛ لأنَّ الموظَّف الآن لا يكفيه راتبه، فأي عمل حرّ يتعلمه بسرعة ويتقنه من مرة أو مرتين ويكون راتبه أكثر.

فالعلم لا يُطلب للحياة، وإنما يطلب استجابة للواجب الإلهي الإسلامي؛ ليتعلم فيؤدي واجبه الإسلامي على علم، وبعدها ليعلّم ويبني الإسلام بطريق العلم، فهذا الطريق شاقّ، وهو طريق الأنبياء، فيه جوع وأذى وإعراض وأعداء بغير ذنب، ومن غير أن يكون له أي ذنب: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [البروج: 8]، إنما ذنبه فقط أنه مؤمن، أو أنه معلِّم والناس قد أقبلت عليه، فتثور نفوس الحاسدين ضده خصوصاً من أمثاله، فالمِثْلُ أو العالِم عديم التربية يكون حاسداً للعلماء المرشدين الناجحين، كما قيل: “إن العلماء تقبل شهادتهم على كل الناس إلا على بعضهم بعضاً فإنهم أشد حسداً من التِّيُوسِ فِي زريبتها” 3 ، من هؤلاء العلماء؟ هؤلاء ليسوا علماء التزكية الذين تزكت وتربت نفوسهم عند المربّين، وإنما هم الذين قرؤوا العلم فقط، فهذا لا تزال نفسه كما هي لم تتغير، فإن كان حداداً يبقى كما هو، أو كان نجّاراً يبقى نجاراً، أو بائعاً للصبارة [بائعاً متجولاً في الطرقات يبيع تين الصبّار] يبقى كذلك، حتى وإن كان يضع عمامة وله لحية، وعنده مكتبة وكتب، إلا أن العلم لم يؤثر فيه، فالكلام عندما يخرج من الإنسان يجب أن يكون متأثراً بقدسيّة العلم.

الداعية قدوة

لذلك يحتاج العالِم أشد ما يكون إلى الأخلاق.. ومهمة الإسلام شيئان: حصرهم النبي ﷺ في قوله: ((إنَّما بُعِثْتُ مُعلِّماً)) 4 ، وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 7]، فإن كان النبي ﷺ ((مُعَلِّماً)) أي يجب أن ينقلب المسلم إلى معلم، فإذا لم يكن المسلم الحقيقي معلماً فلن يكون متبعاً للنبي ﷺ، فقد قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]، وقال جلَّ وعلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21].

لذلك كان كلُّ صحابيّ معلِّماً، وكانت كل صحابية وكل مسلمة معلمة، وهي لم تعلِّم بالأقوال فقط، بل بالأقوال والأعمال، وتعلِّم بالإخلاص وبالصّدق وباليقين، ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ)) 5 ليس لأتخلق، بل لأتمم مكارم الأخلاق في المجتمع.. هذا هو شأن المسلم أن يكون نسخة عن نبيه ﷺ، وأن يكون له من التأثير وإفادة المجتمع بقدر ما في نفسه وقلبه من طاقة الإيمان التي هي نور إلهي، فيجب أن يصير لك هذا النور في القلب سواء رأيته بعين البصيرة أم لم تره، لأنك قد ترى الطاقة الكهربائية كنور، وقد تكون في السلك تحرّك الأمور، لكنك لا ترى نورها.

وليس شرطاً أن يكون في الطريق كشف، لكن الشرط أن يكون عندك علم بالله، فتظهر عليك آثار العلم من الأخلاق مع الله ومع خلقه، فإذا لم تظهر فيك هذه الأمور فليس عندك علم بالله تعالى؛ لأن الإسلام علم تصل به إلى مستوى المعلم، وأخلاق ترقى بها إلى مستوى المربي، فيجب أن تصير معلماً ومربياً تعلم بأخلاقك وبأعمالك وبنطقك وبإخلاصك.

فإذا لم تصر كذلك فإسلامك غير ناضج.. مثال: إذا أتينا لك بلحم لم ينضج بعد، أو كان كبشاً كبيراً فتَشُدّ باللحم وأنت تأكله وبدون فائدة، وإذا كنت تضع طقم أسنان مستعار، فهل سيصير اللحم بأسنانك، أم أسنانك ستصير في اللحم؟ فهذا شيء غير منطقي.

الحلم صنعة المربي

هذه مقدمة صغيرة بين يدي الأحاديث النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ -أي النهار- الْقَائِمِ -أي الليل- وَإِنَّهُ لَيُكْتَبُ جَبَّارًا وَمَا يَمْلِكُ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ)) 6 ، قال: يصل بالحلم وكظم الغيظ ومَلْك الغضب، فلا يسلط الغضب عليه، ولا تظهر على لسانه الألفاظ القبيحة المشينة كالسباب واللعن والشتم، وخصوصاً الذي يسب الدين، مسبة الدين بحسب الحكم الفقهي تجعل صاحبها مرتدّاً.

[يكثر سماحته القول عن سبِّ الدِّين وشتمه لأن هذه العادة الخبيثة انتشرت بين كثير من العوام في سوريا، فيسب أحدهم الدين عند الغضب.. نسأل الله أن يعافينا ويعافيهم والمسلمين من هذا].

والمرتد: أي حبطت كل أعماله؛ يعني لو سبق له الحجّ ينبغي عليه إعادته، وتبطل صلاته كلها فيجب أن يعيدها من يوم بلوغه، وتطلق زوجته منه، ولا تعود له برجعة، ولا تعود إلا بتجديد النكاح مع تجديد إيمانه وتجديد إسلامه، ما سبب كل هذا؟ سرعة الغضب، وهل سرعة الغضب من الإيمان أم من النفاق؟ بل من النفاق وعدم تزكية النفس.

فإذا كان الإسلام علماً وإتماماً لمكارم الأخلاق؛ فإذاً سريع الغضب ليس بمسلم، فهو أخذ اسم الإسلام فقط، ولم يعرف حقيقته؛ لأنه لم يصر له مربٍّ ولا معلم، فقد كانت المساجد هي مدارس العلم والتربية، والمساجد تعني الشيخ المعلِّم المربي.

والآن فُقِدَ هذا المربي؛ لأنهم لا يخرِّجون المعلم والمربي في المدارس، بل يخرجون طالب لقمة العيش، لذلك منهم من ترك العلم؛ لأنه وجد أنه لا يشبعه، مع أنه لو صدق في العلم الحقيقي، واللهِ لن يذهب إلى الخباز، ولكن سيأتيه الخبز إلى منزله، ولا إلى الجزار بل سيأتيه اللحم إلى بيته، لكنه يجب أن يصدق.

وهذا شيء غالٍ، فكما أن الماس لا يُشترى بالفرنكات بل بالذهب، كذلك العلم الحقيقي لا يُشترى إلا بالروح وبالنفس وبالصدق وباليقين وبالهمّة العالية، وبالتغلب على النفس وأهوائها وأنانيتها.

ضرر سوء الأخلاق

فالحلم من أخلاق المسلم والمسلمة.. فإذا كانت الحماة [أم الزوج أو أم الزوجة] في المنزل مسلمة فيجب أن تكون حليمة على زوجة ابنها، والمرأة في البيت حليمة على خادمتها، فهنالك من النساء من تحرق خادمتها، فهذه ليست من بني البشر ولا حتى كلبة ولا خنفساء بل هي أحقر من ذلك، فهذه الخادمة هي مخلوق، فماذا لو أن الله جعل ابنتك تعمل مثلها؟ وهل هذه بلا أم أو أب؟ وهل هي بلا إحساس؟ ألا تتألم؟ هل تحبين أن يجعل الله ابنتك خادمة ويحرقونها بالنار، أو يحملونها فوق طاقتها؟ ماذا سيولِّد سوء خلقك في النهاية؟ سوف تؤذيك عندما تخرجين من المنزل، فمثلاً ممكن أن تشعل الكهرباء، أو تهدر المياه، أو ترمي السمنة والزيت في المصارف، تفعل كل ذلك لتنتقم منك، ومنهن من تضرب الأولاد الصغار، ومنهن من تقتل الولد الصغير فتضع دبوساً في أعلى رأس الطفل حيث يكون طرِّياً، فيصلى إلى المخ حالاً، ثم تنزع الإبرة أو الدبوس، ولا يظهر له أثر.. والسبب أنها تتعبها طوال الوقت، بقولها لها: “احملي الولد، احملي الولد”، فهذا ضرر سوء الأخلاق.

ثقافة الحلم

أما لو كانت سيدة المنزل مثقفة بالإسلام، فلن تفعل ذلك، لكن ليس لدى سيدة المنزل ثقافة بالإسلام؛ لأن المدارس لا تثقّف الأخلاق، ولا تثقّف أن بناء المجتمع يجب أن يكون متماسكاً ومتعاوناً أخلاقياً وعقائدياً؛ لذلك تجد البيت والمجتمع في خراب، وذلك لعدم وجود الثقافة، وهي تظن أنها إذا حصلت على شهادة البكالوريا أو الجامعة أنها أصبحت مثقّفة، مع أنه من الممكن أن يصير أستاذاً في الجامعة ويكون بائع الحمّص أفضل منه أخلاقياً، لأن بائع الحمّص إذا كان متديناً حقاً ومثقفاً في الجامع فلا يكذب ولا يخون ولا يغدر ولا يتحامق ولا يؤذِي ولا يظلم ولا يجور، أما المعلم فقد يثور على تلميذه، ولا يكون به رحيماً ولا معه حليماً، ولا ذا عاطفة ولا يتعامل معه بالحكمة.

تكاد الأخلاق أن تمحى من صحيفة حياتنا الاجتماعية والمدرسية ومن حياتنا في المسجد؛ لأنه لم يبقَ في المسجد معلم، فكيف سينضبط إمام المسجد بخمس أوقات بمئتي ليرة فقط؟ وإذا دعاه أحد على الغداء فلا يستطيع أن يذهب ويعتذر منه؛ لأنه ملتزم بوقت صلاة الظهر وصلاة العصر، وإذا هطلت المطر فيركض ليستدرك موعد الصلاة، وكل موعد صلاة في المسجد يستحق عليه كامل الراتب الذي يأخذه، هذا لو حسبنا عمله من الناحية الجسدية، وكذلك فكل وليمة أفضل من راتبه كله، فهو يقوم بعمل جسدي ويجب أن تكون مكافأته على قدر هذا العمل الجسدي، يجب أن يكون راتب هذا الإمام بغير حساب، فأقل ما يمكن ثلاثة آلاف ليرة من أجل عمله الجسدي، وعلى أقل الدرجات أن نعتبره كالطيّان، [الطيَّان: من يعمل بالبناء بالطِّين أو الاسمنت] مع أن الطيّان يصير حرّاً عندما تصير الساعة واحدة، أما هذا فهو أسير؛ لأنه يجب أن يستيقظ قبل الفجر بساعة، وكذلك المؤذن، لذلك لا يرضى أحدٌ أن يعمل مؤذِّناً أو إماماً إلا إذا كان مؤمناً، أما إذا كان ذا حسٍّ دنيوي فلن يرضا بذلك.. والله المستعان.

الخلاصة: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ)) 7 فيجب أن يكون حليماً مع أخيه ومع رفيقه؛ فالحليم محبباً إلى كل من يصاحبه، والذي يقابل صديقه بالسب من أبسط المواقف، كأن يخطأ معه خطأً صغيراً فيحاربه ويقاطعه ويعاديه ويؤذيه؛ هذا كله لأنه فاقد لصفة الحلم، ومن يكون بهذه الأخلاق يخسر كل الناس، فلا يحبه أحد، ولا يرغب أحد في صحبته، ويكثر أعداؤه ويقل أصدقاؤه.

أما الحليم فهو محبب إلى كل الناس، وإذا كان مع الحلم متواضعاً، ومع التواضع ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد: 22] فيكون كما قال النبي ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ)) 8 فإذا كان يألفُه الناس لحلمه ولتواضعه ولمقابلة السيئة بالحسنة، فهل يكون رابحاً أم خاسراً؟

ولكن الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت: 35] هذا معناه أن هنالك أناس يحملون ذلك بالصبر، ولكن هنالك أناس كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 35]، أي أن الله يعطيه حالاً في القلب معه، يجعله لا يشعر بثقل الحلم ولا الصبر ولا سرعة الغضب، حتى يظن أنها صارت طبعاً فيه.

كان المأمون لديه الكثير من أخلاق الحلم والعفو يقول: “حتى كنت أخاف ألا يؤجرني الله على أخلاقي”، لأنه كان يخاف أن يكون طبعاً فيه وألا يكون لله تعالى، والحال أنه كان حليماً بالفعل.. فيجب أن يكون التلميذ حليماً مع أستاذه إذا ما أخطأ معه، وكذلك الأستاذ لو أخطأ التلميذ يكون حليماً وواسع الصدر.

حلم النبي ﷺ وغضب الحكَّام:

عندما أتى الأعرابي إلى النبي ﷺ وهو يقسم بعض الغنائم، وقال له: ((اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ))، فما هذه التهمة؟ فإذا كان النبي ﷺ لا يريد وجه الله؟ فإذاً هو ليس بنبيّ، فقد أخرجه هذا الأعرابي من النبوة، رغم ذلك لم يقل له النبي ﷺ: “لقد كفرت”.. مع أنه في وقتنا الحالي إذا أخطأ أحدهم أقل من هذا الخطأ أمام المشايخ كفروه، أو جعلوه مرتداً، فقد قالوا: “لو صغّر أحدهم كلمة عالم لعويلم، قالوا عنه: إنه صار مرتداً.

ورغم أنه قال للنبي ﷺ: ((إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ)) مع ذلك لم يقل له النبي ﷺ: كفرت، بل قابله بالحلم لا بالفقه، وبالأخلاق لا بالعلم.. وأنتم أيها المشايخ لا تستفيدون شيئاً إذا قلتم له إنه قد كفر، لأنه سوف يشتمك ويسبك أكثر.. أما النبي ﷺ فيقال: إنه غضب حتى صار وجهه كالرمان، وقال: ((يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ، ثم التفت إليه ثم وقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ)) 9 أي إذا لم أعدل فأين النبوّة؟ أي خسرت مقام النبوة، وإذا ذهبت النبوة فلن يربح أحد، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يقطع رأسه، لأنه ملك ويمثل رجل الدولة، لكنه حلم.. كان الخلفاء من بعده إذا أخطأ أحدهم خطأً يقطعون رأسه؛ لذلك كانت تحدث الحروب الأهلية والثورات.

يقولون لو عاش الحجَّاج أكثر لاستكمل فتح الصّين كلها، لكن ثورات الشعوب على الدولة أوقفت الفتح في أوروبا، رغم أنهم وصلوا إلى باريس ولكنهم توقفوا، وكذلك إلى حدود الصّين ثم توقفوا؛ لأن الجيوش انشغلت بالحروب الداخلية، وما سبب هذه الحروب أيضاً؟ كان السبب الثاني هو خرق الدستور؛ أي أن الدولة لم تطبق الدستور الذي هو القرآن، والذي هو السهر على مصالح الشّعب، وتكريم المواطن والقيام بتعليمه، وإرشاده وتأمين كل حقوقه الحياتية.. ولكن كيف لأحد هؤلاء الخلفاء أن يغضب مرة فيقطع رأس أحدهم؟ مع أن النبي ﷺ لم يستطع أن يضرب الخادمة بالسّواك؛ خوفاً من القصاص، وهؤلاء يقطعون رؤوساً لنزوة غضب.

قصة رجل اشتُهر بسرعة الغضب والحماقة

كقصة الرجل الذي كان مشهوراً بسرعة الغضب والحمق، كان يريد أن يسافر، وكانت لديه ثلاثة جوارٍ وعنده خدم، ولديه حاجب اسمه نُجَيح، فقال له: “أحضر لي الجواري الثلاث”، فأحضرهن، فسأل إحداهنّ: “هل تذهبين معي أم تبقين في المنزل؟” قالت: “ما يراه الأمير، ولكن جلوسي في المنزل أفضل لي”، فهز برأسه، وقال لها: “أنت تريدين البقاء في المنزل كي تفسقي وتفجري مع الرجال”، فقال له: “اضرب يا نجيح”، فضربها بالسّوط إلى أن تصبغ جلدها.

فقال له: “أحضر الثانية”، فأحضرها، وكانت قد رأت ما حلّ بالجارية الأولى، فقال لها: “ما رأيك هل تذهبين معي أم تبقين في المنزل؟” فقالت له: “الرأي ما يراه الأمير، سوف آتي معك”، فهزّ رأسه وتمتم: “تريدين أن تأتي معي لكي تمتعي نفسك بي، وتغتسلي كل يوم”، وقال: “اضرب يا نجيح”، فجلدها.

وأحضر الثالثة فسألها: “ما رأيك هل تذهبين معي، أم تبقين في المنزل؟” فقالت: “ما يراه الأمير إذا أردت آتي معك، وإذا كنت لا تريد أبقى في المنزل، اختر أنت وأنا أنفذّ”، فشتمها وقال لها: “من قال لك أن لدي وقت لأفكر عنك وأختار؟” وأمر بجلدها، فجلدها، وعندما خرجت دعت عليه: “اللهم خلصني منه”، فسأل نجيحاً: “ماذا قالت؟ فإني لم أسمعها”، فقال له: “تدعو الله أن يخلصها منك”، فقال له: “أنت من أمرك أن تبلغني؟” واستدعى عبداً آخر وأمره أن يجلده.

هل هذا هو الحليم؟ فضدّ الحلم الحَمَق.. فلم يبقَ أحد من الموجودين يحبه لا الجارية الأولى ولا الثانية، ولا الثالثة ولا حتى حاجبه؛ فالأحمق مبغوض وفاشل في الحياة، سواء أكان بائعاً أو مشترياً أو معلماً أو شيخاً أو زوجاً أو زوجةً.

فالأخلاق هي سبب نجاح الإنسان في الحياة، أي أن يحلم الإنسان فلا يغضب، وألا يطمع في غير حقه، وألا يخون ولا يحقد على الناس وينتقم منهم، فالغضب والطمع والخيانة والحقد كل ذلك يسبب عدم النجاح، والذي يجعل الإنسان ناجحاً هو العفو والصفح والحلم، ومكافأة المسيء بالإحسان، وأن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتصل أرحامك، وتبرّ والديك، وأن تكون أديباً مع الخلق، رحيماً مع المخلوقات جميعها حتى مع ثوبك.. فقد أمر النبي ﷺ أنه من أرد أن يخلع ثوبه فعليه أن يطويه ويذكر اسم الله عليه، وألا يرميه بطريقة عشوائية.

الإمام الشعراني رحمه الله تعالى يسمع نعله

قال الإمام الشعراني: ذات مرة ألقيت نعلي بعنف، فسمعتها تتألم، وتقول: “آه” هؤلاء رقّ وجدانهم وضميرهم حتى صاروا يسمعون صوت الجمادات.. وأحدهم تكون سيارته جيدة ونظيفة ومتقنة الصنع، ولا تقطعه في الطريق، ومنزله جيد وتجد زوجته مغرورة بنفسها، يجب أن تكون المرأة ذات أخلاق، أما هذه التي تفرح إما بطولها أو بعرضها أو بلون بشرتها الأبيض، فهناك حمير لونها أبيض، ولا تحتاج إلى بودرة، ولا يتغير لونها خمسين سنة، وهناك قرود يوجد تحت ذيلها حمرة أشد حمرة من كل النساء، فإذا كانت تريد أن تتباهى بلون ما تحت ذيل القردة أو ببياضها.. أو تتباهى بطولها فشجرة الحور أطول منها بثلاث أو أربع مرات.

فالإنسان بعقله وعلمه، فيجب عليه أن يتعلم.. أحياناً تجد المرأة في المنزل كالغول، وقد يكون الغول أفضل منها؛ لأننا نستطيع أن نحترز من الغول، حتى أن الأفعى أفضل منها؛ لأننا نستطيع أن نتحفظ منها، أما هذه فهي أفعى بصورة زوجة، وقد تكون مؤذية عن قصد وعن غير قصد، عن قصد إذا كانت معادية، وعن غير قصد إذا كانت من المبذّرات ومن القاتلات، وهذا كله موجود في الكتب العلمية، فإذا لم يكن لدى المرأة ثقافة غذائية، أي أنها لا تعرف الطهي الصحي، ليس المقصود أن تتعلمه من والدتها أو من حماتها، بل عليها أن تتعلمه من كتب الغذاء، فتتعلم ما هو الغذاء النافع.

سمعت في الإذاعة أن سلق الخضار مع اللحم يقتل كل الفيتامينات الموجودة فيها، فيجب سلق الخضار على حِدَةٍ واللحم على حِدَة [على حِدَةٍ: لوحده]، لماذا؟ لأن اللحم يستغرق وقتاً لكي ينضج، أما الخضار فتنضج بشكل أسرع، فلو وضعناهم في الإناء نفسه فكثرة الغليان إلى أن ينضج اللحم يقتل الفيتامينات، فعندما نطبخ الخضار لوحدها فتنضج بسرعة، ونضع اللحم إلى أن ينضج ثم نخلطهم مع بعضهم؛ فهذه ثقافة، وهذا علم يجب على المرأة أن تتعلمه، كذلك المرأة غير المثقفة لا تهتم بأسنان أولادها فتهملهم إلى أن تسوس أسنانهم؛ وذلك لقلة علمها.

جاءني البارحة أحد الأشخاص وهو موظف عندنا، يوجد في قلبه صَمّامان لا يعملان، كان يتكلم وهو يشعر أنه سوف يموت، وقد كان شاحب اللون، أتى ليقدّم طلب استقالة مع أنه بحاجة لراتبه، فسألته ما سبب مرض قلبك وتعطل صمامه، فقال: السبب التهاب اللوزتين والروماتيزم، أظن أنه قد أخذ علاجاً، لكنه لو صام أسبوعين لتخلص من الروماتيزم ومن التهاب اللوزتين، وممكن أن يكون الطبيب قد قال له: يجب استئصال اللوزتين، ولكنه إذا قام باستئصالهما فإنه سيفقد قلعتين دفاعيتين تعطيان مناعة للجسم كحال الكليتين في حاجة الجسم إليهما، فلو تثقف بجامع “أبي النور” لما حصل هذا الالتهاب، وانتهى من مرض الروماتيزم، ولما فقد لوزتيه.

فأين الجامع الذي يثقف الإنسان بكل شؤونه الحياتية، فالجامع ليس فقط من أجل التعبد والصلاة والصوم.. صنع المسجد في زمن النبي ﷺ من الصحابة قواد جيوش ورجال دولة وسياسة، ورجال اقتصاد وأخلاق، وجعلهم حكماء ومعلمين، وجعلهم أغنياء وناجحين في كل ميادين الحياة.

فعندما يعطي الشيخ للناس هذا العطاء، فهل سيكلفونه بالذهاب إلى الفرن؟ فلو فعلوا ذلك، أي إذا كلَّفوه أن يفكر في شؤون حياته، أو إذا لم يكن تفكيرهم فيه وبراحته وبرفاهه وبقدسيته وبتعظيمه أكثر من تفكيرهم بأنفسهم؛ فهؤلاء ليسوا ببشر.. أنا كنت أتحير كيف يمكنني أن أتودَّد وأتقرَّب، وأثلج صدري في خدمة الشيخ [الوالد محمد أمين]، كما أنني وجدت الحصاد، فماذا كان هذا الحصاد؟ بذرت مُدّاً، فحصدت ألف مدٍّ أو عشرة آلاف مُدٍ.

فالشيخ الذي يشكو للناس قد يكون عديم الأخلاق، فالعمامة والجبّة لا تصنع أخلاقاً، وإذا كنت تظن أنها تصنع الأخلاق فضعها على أحد الحمير لنرى، ماذا سيصنع؟ أو ضعها على رجل بدوي.. حتى لو جعلت لفته كبيرة، فما الفائدة منها؟ فهذا العطاء لن يكون إلا بعد أن يتخلق بأخلاق العلماء، ويسلك سلوكهم ويعمل بأعمالهم، ويأخذ من حكمتهم ومن قلوبهم وروحانيتهم، ثم يضع الشعار حتى يدل على نفسه، وكأنه يقول: “إني أحمل كل هذه المعاني”.

فهذا أينما وُجِد تقبل يده الملوك، وتصبح كل المخلوقات له أولاداً وأبناءً بررة، فقد يكون الولد غير بارّ وغير موفق وغير مكافئ لخدمات والديه، وقد يكون مؤذياً أو منغِّصاً للحياة أو لا يدخل السرور على قلب والديه، أما ولد التربية وولد القلب والعقل والعلم، فهذا لا يكون إلا بارّاً وسارّاً.

من لم يفقهه الهوى فهو في جهل

أرسل لي المهندس عدنان ديرانية أول كتاب في سفره الثاني، وهو يعتذر فيه عن التأخير؛ لأنه لا يحب أن يرسل لي رسالة إلا وفيها أخباراً سارّة، فكتب لي عن أخبار الدعوة الإسلامية في أميركا، فمن جملة الأخبار أنه معروض للبيع ست كنائس في البلد الموجود فيه، إذا كان أحدكم يريد الشراء، وقال فيه: بأن الحكومة عندهم لا توافق على استعمال الكنيسة إلا للعبادة، فإذا قاموا بشرائها لتحويلها إلى مسجد توافق الحكومة على ذلك، أو إلى كنيس يهودي كذلك توافق، ولأنهم لا يستخدمون الكنيسة غالباً؛ لذلك يقوم المسلمون بشرائها.. فانظر كيف علَّمه الحب، فأنا لم أقل له لا تكتب لي إلا الخبر السّار.

فالحب هو الذي يعلمك كيف تعامل محبوبك، وكيف تدخل السرور على قلبه، وكيف تقوم بخدمته، وكيف تتودد له بالأعمال والأخلاق والمعاملات، فإذا لم يكن لديه هذا الحب فيكون كما قيل: “ومن لم يفقهه الهوى فهو في جهل” أي حتى لو تكلمت معه كثيراً، فالكلام معه بلا فائدة، ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر: 13]

نعود للأحاديث: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ)) 10 لماذا يصوم الصائم؟ أولاً: ليُطهِّر بدنه من السموم والأملاح والرواسب؛ وليحرر أعصابه مما أتعبها من هذه الأوساخ، فعندما تتحرر يصفى الصفاء الذهني والفكري والقلبي والنفسي، وإن كان الصوم عن طريق العبادة ويصاحبه الذكر، [وليس الهدف منه فقط طبياً للصحة الجسدية] فيصبح توجهه لله أسرع وأمكن وأمتن، وكذلك هو صائم النهار قائم الليل.. ففي هذا الحديث قال: إنك تصل عند الله بالحلم وسعة الخلق، وتحمّل أثقال الناس وسوء معاملتهم إلى درجة صائمِ النهار قائمِ الليل.

((وَإِنَّهُ لَيُكْتَبُ جَبَّارًا وَمَا يَمْلِكُ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ)) قد يكون عتّالاً [الذي يحمل الأشياء بأجرة] ولكنه مكتوب عند الله جبّاراً، فلو لمسته مجرد لمسة يصبح كالبغل الشَّمُوس [البغل العنيد الذي لا يلين بأي طريقة] فيضرب برجليه فيقتل الرجل.. تقول له: ماذا بك؟ إنني أمزح معك.. لكنه لا يتحمل المزح، أو إذا تكلمت معه كلمة بسيطة يسبُّ الدين، وقد يكون مجرد عامل نظافة، فيكتب عند الله جبّاراً ولا يملك إلا أهل بيته، هذا مثل فقراء اليهود لا دين لهم ولا دنيا.

الحمق ضِدِّ الحلم

كالقصة السابقة التي مرت معنا: يقول لها: “ما رأيك هل تسافرين معي؟”، فتقول له: “أجل أسافر معك” فيسبها ويشتمها، ويقول لها: “تريدين السفر معي من أجل أن تبتهجي”، والتي قالت: “لا، أريد أن أبقى في المنزل”، قال لها: “تريدين البقاء في المنزل من أجل أن تفجري وتفسقي في غيابي”، والتي قالت: “كما تأمر وأنت اختر”، قال لها: “هل أنا متفرغ كي أفكر وأختار؟” فهذا شيء يُحيِّر، وهذا الأحمق.. لذلك نسأل الله أن ألا يبتلينا بصحبة الحمقى.

قصة أمنية الأحمقَين

وكذلك قصة الرجلين الذَينِ سافرا مع بعضهما، فقال أحدهم: “الطريق طويل وسوف نشعر بالملل، لذلك تمنى”، قال: “أتمنى أن يكون هذا الوادي كله غنم”، فقال له: “تمنى أنت”، فقال: “أنا أتمنى أن يكون الوادي كله ذئاب حتى يأكلوا لك كل أغنامك”، فقال له: “أنت عدوي”، فأجابه: “لماذا؟” فقال له: “لماذا تريد أن تقتل أغنامي؟” فقال له: “أليس كلُّ واحد منَّا حراً يستطيع أن يتمنى ما يشاء؟” فاحتدم النقاش وبدؤوا بالشجار ووقعوا على التراب، فأتى بائع الدبس وحاول أن يهدئهم واستطاع أن يفرّق بينهم.

فقالوا له: “أنت الحكم بيننا”، وقصّوا عليه قصتهم، فهزّ برأسه وسحب خنجره، وصار يضرب على وعاء الدبس حتى سال [على الأرض]، وهو يحلف: “أن يسيل دمه على التراب كما سال الدبس على التراب أنهما أحمقان” [متحدثاً عن نفسه]، أي أقسم أن هذين الاثنين أحمقان، وهو يظن نفسه أنه سيد الحلماء.. فأسأل الله أن يجيرنا من صحبة مثل هذا القاضي وصحبة الأحمق.

قصة مَن طَرَد الذباب بالحجر عن وجه صاحبه

قالوا: “الأحمق هو الذي يريد أن ينفعك فيضرّك”، حتى إذا أحبك فسيؤذيك.. يذكرون قصةً على ذلك، قالوا: إن رجلاً أحمقاً قد زار صديقه المريض، فرآه نَعساناً، فقال له: “نم وأنا أذبّ عنك الذباب”، فنام الرجل واستغرق وقتاً طويلاً وهو يبعد عنه الذباب، فشعر بالملل، ووجد أن الأمر قد طال فأحضر حجراً، وانتظر الذباب إلى أن يتجمع على وجه المريض النائم، ليلقي الحجر على وجهه.

فلا يوجد شخص يخرج عن الحلم إلى الغضب، أو يخرج عن الحلم إلى الحمق إلا ويخسر، أما إذا بدل الجهل والغضب بالحلم فسيكون هو الرابح ولو تكلم عليه الناس، ولكن يجب عليه أن يكون صبوراً ومتَّزِناً، فلا يستخفنك كلام الجهلاء أو السفهاء.

الحلم سيد الأخلاق

الحلم سيد الأخلاق، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ)) 11 الحلم: ألا يستفزك الغضب، وألا تكون سريع الغضب، أي أن تكون واسع الصدر، وأن تعذر الجاهل وتصفح عن المسيء.

والأناة: عدم الاستعجال، فليس بمجرد أن تسمع خبراً تصدقه مباشرة، يجب أن تنتظر قليلاً، وأن تبحث وتتحقق: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6]، فقد تبلغك أمك خبراً عن نية حسنة، وقد يكون من نقل لها هذا الخبر كاذباً وليست هي الكاذبة، أو قد يبلغك والدك أو صديقك، فلا تصدق ما يقال لك مباشرة.

طرفة: لا تصدق كل ما تراه في الجرائد

كان هناك رجل إنكليزي يركب في القطار فأراد الدخول إلى الحمام، ولم يكن هنالك مرحاض، وقد أوشك أن يلوث ملابسه والكرسي الذي يجلس عليه، وكان معه جريدة ففتحها وقضى حاجته فيها وجمعها ووضعها جانباً، فدخل رجل أسباني إلى غرفة القطار، فشم رائحة كريهة وظهر عليه الامتعاض وعدم الرضا والتقزز، ويقول من أين أتت هذه الرائحة الكريهة ومن فعل ذلك؟ وبعدها شاهد الجريدة مبللة وفيها ما هو موضع التهمة، ففتحها وإذ به يرى مالا يسرّ، فقال له: “تعال وانظر يوجد كذا وكذا في الجريدة”، فقال له: “لا تكن خفيفاً فتصدق كل ما تراه في الجرائد، فهذا كلام جرائد وليس كل ما فيها صدق، فلا تقبل كل ما تراه فيها”.. يقال: “دم الإنكليز بارد”.. [سماحته يقول هذه الفكاهة وهو يضحك] فالشاهد: الأناة، أي لا تستعجلوا.

قصة خطأ داود عليه السلام في القرآن والأخبار الإسرائيلية

مما ورد: (إذا أتاك الخصم يشتكي إليك وأنت القاضي وقد قلعت عينه، فلا تَمِلْ معه لعلّ خصمه قد قلعت عيناه) 12 .

كما لو أتتك ابنتك تشتكي من زوجها وكانت مضروبة، فلا يستثيرك الغضب ولا تكن عجولاً، بل كن متأنّياً، وقد ذكر الله تعالى مثل هذه الحالة في القرآن، هل تعرفون أين؟ في قصة سيدنا داوود

﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)  [ص: 21- 24].

فالخطيئة التي آخذه الله بها -هم يقولون إنها أوريا زوجة الجندي عنده، وأنه قد بعثه إلى الحرب ليُقتل- وهذه القصة من التوراة، وهي لا تليق بأخلاق الأنبياء ولا بسلوكهم، وقد بعث الله عزَّ وجلَّ الأنبياء معلِّمين ومهذِّبين، فإذا كانت تلك أخلاقهم، فهل يصلحون للتهذيب والتعليم الذي هو مقام النبوّة والرسالة؟

لذلك يعتقد المسلمون أن هذه القصة باطلة؛ لأنها لا تتناسب مع عصمة الأنبياء، قالوا لكن ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ [ص: 24- 25].

قال: استغفر وغفر الله له؛ لأنه استعجل ولم يتأنَّ ولم يستمع من الخصم الثاني، هذا الكلام مقبول، أما أن يقولوا: إنه أرسله إلى الحرب ليُقتل ثمّ يأخذ زوجته، أي يقتل رجلاً من أجل شهوته، فهذا الكلام غير مقبول، ولو ظهرت من عامل نظافة فغير مقبولة، ذُكر في مواضع كثيرة في التوراة: “الأنبياء الكذبة”، و”النبي الكذّاب” فالنبي عندهم يصير نبياً وقاتل نفس، ونبياً ويفعل كل شيء؛ لذلك اليهود هم أفسد الشعوب أخلاقاً؛ لأن أنبياءهم الذين هم قدوتهم هكذا.

الحلم والأناة خصلتان من الدوحة النبوية

الخلاصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل -وهو الأشجّ من وفد بني عبد القيس- عندما أتى هذا الوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه وهم على جِمالهم ألقوا بأنفسهم، وركضوا إلى النبي ﷺ يقبِّلون ركبته ويتباركون به ويسلمون عليه، وكان من بينهم رجل اسمه الأشجّ، كان قصير القامة، أسمر اللون، في وجهه أثر الجُدَري [مرض معدٍ يصيب الجسم ويترك أثراً فيه]، فلم يسرع كما أسرعوا ولم يلقِ بنفسه من فوق راحلته، بل نزل بكل تأنٍّ، ونَخَّخ جمال أصدقائه وعَقَلَ أرجلهم- ربطهم-، وأخرج الثياب الجديدة، وخلع ملابس السفر التي كان يرتديها وجَهَّز نفسه، ثم ذهب بكل هدوءٍ إلى النبي ﷺ، وقبّل ركبته وسلَّم عليه.

فنظر إليه النبي ﷺ كثيراً، فظنَّ الرجل ظناً خاطئاً، لأنه كان دميم الوجه، قال: “يا رسول الله إنه لا يُسْتَقى بمَسْكِ الرجال” 13 ، المـَسْك: هو الجلد؛ أي أنَّ وجهي ليس بكأس ماء؛ أي أنَّه إذا كان جلد وجهي ليس جميلاً فلا تحتقرني، ظنّ أنه لم يعجب النبي ﷺ، قال: إن جلدة وجهي ليست بكأس ماء، فانظر إلى داخلي فهو أفضل من مظهري الخارجي.

قال النبي ﷺ له: لا، ليس كما تظن، ولكن: ((إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ)) 14 حيث إنه لم يغضب على أصحابه، ولم يقل لهم: “هل أنا عبدكم وأجيركم، وهل كُلِّفت بجمالكم؟” فهو التزم بجمال رفاقه والقافلة وتحمل مسؤولية الكل.. هذه هي الرجولة، فمن كان يريد أن يصبح شيخاً يجب أن يكون خدوماً، فإن النبي ﷺ قال: ((سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمَهُمُ)) 15 .. كان الشيخ أمين الزملكاني -قدس الله روحه- يصلح ويرقع ثياب ونعال مريديه، وكان يخدمهم بنفسه.

أتى وفد من وفود العرب إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقَامَ يَخْدِمُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فقال: ((إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِي مُكْرِمِينَ)) 16 .

أي أنهم أكرموا أصحابي من أجلي، فكأنهم خدموني وأنا أريد أن أكافأهم بنفسي.. هذه هي أخلاق طالب العلم يجب أن يكون خدوماً ومتواضعاً وحليماً، وكذلك كل مسلم، باعتبار أن كل مسلم يجب ألا يكون طالب علم فقط، بل يجب أن يكون عالماً ومعلماً، فعليه أن يكون صاحب أخلاق، وألا يكون أنانياً ولا حاسداً، ولا غيوراً ولا متسرعاً.

((فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا تَخَلَّقْتُهُمَا، أَوْ جَبَلَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمَا -أي هل تخلقت بهما بالاكتساب أم بالموهبة الإلهية؟- قَالَ: ((بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا))، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ)) 17 .

فيجب أن تختبروا أنفسكم، ولكن أولاً: تحتاجون إلى الذكر فلا يكفي العلم بالسماع وحده، بل يجب أن يكون بالسماع والذوق معاً، وبعد ذلك تجرون لأنفسكم اختبارات.. مثل أن يختبر أحدكم الآخر، فيقول له: أريد أن أختبر حلمك اليوم، فليفتعل معه مواقف ناقصة، لكن ليس عن هوى النفس، فهل تستطيعون أن تتحملوها؟ كأن يأخذ أحدهم فردة من حذائك عندما تخرج من المسجد، فهل تغضب أم لا تغضب؟

الإسلام الشخصي لا يكفي وحده

سمعت من شيخنا [محمد أمين] -قدس الله روحه- أنه عندما نزح أهل المدينة في أيام السفربرلك [تعني في اللغة التركية الترحيل الجماعي] نزح من بينهم التكارنة [نسبة إلى دولة تكرور الواقعة حالياً على نهر السنغال] فلزم أحدهم جامع أبي النور، صلى الظهر يوماً وعندما أراد الخروج وجد حذاءه قد سرق، فجلس في الجامع، فرآه الشيخ وسأله ما بك؟ فقال له: إنه لم يجد نعله، فقال له الشيخ: “إنه قد سرق”، فقال: “لا، هل من الممكن أن يدخل الجامع سارق؟ إنما أظن أن أحدهم قد استعاره”، وظل يصبر على أساس أنه ينتظر المستعير حتى يرد له الحذاء؛ لأنه كان مؤمناً مهذباً، وكانت كل بلادهم أهل طريق، أي طريق التربية الإسلامية.. لكن الطريق والتصوف- أي التربية الإسلامية- مع الأسف لم تخرج عن حدود الأخلاق الشخصية في المعاملات العادية، ولم تصر تربية لبناء الإسلام، ولتحمّل أعباء بناء الإسلام بكل مراحله، فالإسلام الشخصي لا يكفي وحده، فالتصوف الذي هو الأخلاق الشخصية في الإسلام شيء حسن وجميل، ومع ذلك فقد فُقِد الآن.

حتى إن الإسلام الشخصي الآن لا نراه في الأشخاص، أين الإسلام الذي كان يحمل المجتمع بأكمله؟ بكل ما في المجتمع من معنى، السبب؛ هو فقد المربي، المربي الذي هو مهندس العقل، أي المهندس الإسلامي، الذي يجعل إسلامك الذي هو كأكوام الحديد والحجارة والإسمنت، فيحوله كما تتحول هذه المواد إلى أبنية ضخمة وإلى قصر ملكي، فما الفائدة منها إذا كانت مواد بناء قد رميت بعضها فوق بعض؟ فبقاؤها تحت المطر والسيل يجعلها تتلف كلها، ثم يأتي السيل ويجرفها كلها وتنقلب إلى خسارة.

حلم مولانا خالد النقشبندي

وقال ﷺ: ((كَادَ الْحَلِيمُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا)) 18 فتمسكْ بالحلم وبأخلاق الحلم.. مولانا خالد عندما أتى إلى الشام تسلّط عليه الحسّاد من العلماء، ومنهم من ألّف رسالات بكفره وزندقته.. والآن أنا ماذا أحمل؟ ليس فقط من الحساد، وكذلك من أعداء الإسلام والملاحدة والحمقى والفضوليين، وعديمي الأخلاق والتربية والإيمان ومن المتسرِّعين، وكل شخص يريد أن يجرب سلاحه بالشيخ، فلو أني أردت النقاش والجدال مع الناس لكنا وقعنا في ثورات كثيرة، وانشغلتم أنتم بالإنتصار للشيخ، وعوضاً عن أن ننشغل بالعلم والتعليم والإرشاد والتربية ننشغل في المشكلات.

الخلاصة: أن مولانا خالد كان في درسه العام وكان الجامع ممتلئاً، فعندما انتهى الدرس، دخل أحدهم وهو يقول له: “شيخي لقد رأيت مناماً، فهل تسمح لي أن أحكيه لك؟” فقال: “نعم”، قال له: “رأيتك في حلمي وأنت أعمى وأخرس وأصم ويداك مقطوعتان وكذلك قدماك ومرميٌّ على مزبلة، ولم أعرف تأويله يا شيخي، وهذا الذي رأيته كان شيئاً عجيباً، فأتيت لأسألك حتى تفسر لي هذا المنام”.. فلو كان الشيخ أحمقاً لقام بسبه وشتمه، أو قد يقوم بعض من المريدين، فيقول لهم الشيخ: اضربوه.

فقال له: “جزاك الله خيراً يا ولدي على هذه البشارة العظيمة”، فقال له: “أين البشارة يا شيخي؟” فقال له: “يا بني وجدتني أعمى؛ فإن الله قد أعمى عينيي عن محارم الله، أي أنا أعمى عن الحرام، وأصماً فأنا لا أعطي أذني لا لكذب ولا لغيبة، ولا لمجلس باطل أو مجلس لغو أو مجلس إثم، وقد كففت لساني عن السَّبِّ والشَّتم والقبيح من القول، وقطعت رجلَيّ عن أن أستعملهما في الذهاب إلى الأماكن المحرّمة، ولم أمدّ يديَّ إلى الحرام، أي قطعتهما عن الحرام.

فقال له: “شيخي هذا فهمناه، فما بال المزبلة؟” فقال له: “يا بني هذه هي الدنيا” كما قال رسول الله ﷺ: ((الدنيا جيفة وطلابها كلابها)) 19 ونحن جميعنا مُلْقَين على هذه المزبلة.. ما هذا؟ هذا هو الحلم، فالشيخ لم يكتفِ بالحلم بل انتقل إلى مقام آخر، وهو: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد: 22] وقال الشيخ: “يا شباب من يحبُّني فليَبُرَّ هذا الرجل، قوموا فاجمعوا له المال”، فجمعوا له كيساً من النقود وأعطوه له، فقال له: “شيخي أتريد أن أقول لك الحقيقة؟” فقال له: “نعم”، قال: “والله إنَّ هذا المنام كَذِبٌ”، فقد أحضرني الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني والشيخ الفلاني وعلَّموني المنام لكي آتي إلى الدرس وأحكيه لك حتى يتركك المريدون ويهربوا من عندك، واللهِ إنَّ هذا المنام لا أصل له”.. فلو أنَّ الشيخ أمر رجلين أن يسحبوه للخارج أو يضربوه لكان تأذى الشيخ أكثر، لأن هنالك أناس مرضى القلوب، فليس كل من في المسجد في مستوى واحد، فمن الممكن أن يظن أحد ممن هو من مرضى القلوب بالشيخ، فبهذا التصرف رمى الشيخ عشرين عصفوراً بحجرٍ واحدٍ، كما يقال في المثل الشعبي، فأولاً: أنقذ الرجل، هذا عصفور، وثانياً: افتضح الحاسدون، هذان اثنان، وثالثاً: حافظ على ضعاف الإيمان ولم يدع ذئب الحسد يتخطَّفهم، وكسب بذلك رضاء الله، ومقام الحليم، وهذا عصفور أيضاً، وعلَّم إخوانه كيف يجب أن يكون موقف الإنسان في مثل هذا المشهد.

فيجب أن يكون مع مكارم الأخلاق الرضا والسرور والفرح.. والله أنا في بعض الأوقات أفرح بمن يحصل لي منه أذى، لأني أقول تارة: “لقد فتح لي باب العفو والصفح عنه”، وتارة أقول: “إني إذا تحملت هذا الأذى فلن يضيع عند الله تعالى”، تارة أخرى أقول: “قد يأخذ سيئاتي وآخذ حسناته”، وهذا أقل المراتب، وهذه لا أرضى بها، فأفرح لأنني أعتقد وأشعر أن هذا يحسن إلي، ففي أقل الدرجات يكون سبباً لكفّارة ومغفرة ذنوبي.

مرة بَلَّغتُ شيخنا مثل هذا الموضوع، فابتسم، وقال لي: “يا ولدي كان بعض العارفين بالله إذا بلغهم مثل هذا الكلام، يقول: “اللهم اغفر لي ذنبي الذي بسببه تكلّم الناس علي”.. فهذا هو الإسلام، وفي النهاية من يصبر على الأذى، هل يفشل أم ينجح؟ وهل يربح أم يخسر؟ لا، بل يربح الدنيا والآخرة، ليس الآخرة فقط بل الدنيا معها.

الله تعالى أصبر من صبر على الأذى

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ)) قال: أصبر الصابرين وأحلم الحالمين، وأحسن المحسنين وأعظم المتحملين هو حضرة الله عزَّ وجلَّ، وهو أشد وأعظم كل ما في هذا الوجود حلماً وعفواً، وعطاء وتحمّلاً للأذى، يعطي ويخلق ويرزق ويكرم، والإنسان يكفر ويشتم ويسب ويجهل ويُعْرِض، قال: ((لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا ويَجْعَلُونَ لَهُ أنداداً)) أي شركاء، النِّدُّ أي المثل: يجعلون الأصنام مثل الله، أو المسيح مثل الله ((وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ)) 20 هل تستطيعون أن تجعلوا هذا اليوم يوم الحلم؟ مثلاً: أن يدرب الأستاذ ممدوح نفسه على الحلم في الصيدلية، لو أن أحدكم يتجرأ، فليذهب ويتحرش به، فمثلاً: قل له: أن هذا الدواء الذي اشتريته منك ليس جيداً يا غشاش يا فعّال يا كذا يا كذا، لنرى كيف يكون حلمه، أما عندما تقول له: السلام عليكم، ويرد: عليكم السلام، ثم تقول له: “الله يعطيكم العافية، وأنت إنسان صالح وجيد ولا يوجد أفضل منك”.. فهذا الكلام لا يظهر خلق الحلم، أو أحدكم يذهب إلى الأستاذ خلدون ويقول له: وهو غاضب ما هذا؟ لقد غششتني بهذه الخريطة، وخربت بيتي، أنت الذي تذهب إلى جامع أبي النور، ويبدأ بشتمه.. قيل

ليست الأخلاق في حال الرضا إنما الأخلاق عند الغضبِ

كان صلى الله عليه وسلم يأمر الإنسان إذا غضب أن يتوضأ، معنى يتوضأ، مثل قول أحدهم: إذا غضبت عدّ للعشرة، أي اشغل نفسك عن تنفيذ الغضب، فالماء البارد يبرِّد الحرارة، والاتجاه في عمل آخر يصرفك عما أغضبك، عن أن تتكلم بكلام سيء أو فكر أو عمل سيء، وإلا فاغتسل، أي إذا كان الغضب شديداً فاغتسل، وإذا كنت قائماً فاقعد، وإن كنت قاعداً فاضطجع، أي غيّر من وضعيتك.. هذا من التعليم إذا لم يكن قد نضج حلمك بعد، ولا زالت أهواؤك تتحكم بك، فهذه مردفات ومساعدات لك على تعلم الحلم، وأعظم من كل ذلك هو الذكر، وبعد ذلك الفكر ثم العلم ثم الصحبة، وبعدها مجاهدة النفس.. هناك شخص يتحمل؛ لأن الحلم أصبح عنده سجيّة وموهبة، فيصبح شيئاً عادياً، فهناك حِلْمٌ بتَحَمُّل، وهناك حلم بتَصَبُّر.

الحلم بالتحلُّم

((إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ)) 21 فما النتيجة لو سببت وضربت وشتمت؟ سوف تندم بعد عشر دقائق، وستقع تحت المسؤولية، فتخسر قلوب الخلق، احلم حتى لو كان الناس ليسوا أهلاً لذلك وليس فيهم خير، فافعل ذلك لله، فالله عزَّ وجلَّ سوف يكافئك وعنده الخير، ولكن عليك ألا تستعجل؛ فهنالك مكافآت تأتي بعد أربعين سنة، ومنها بعد عشر سنين، أو بعد سنة، أو بعد ساعة، أو قد تأتي في الحال.

أما ألا يكافئ الله فهذا مستحيل؛ لأنك ليس بمجرد أن تبذر ترى السَّبَل، يحتاج إلى ستة أشهر، ويحتاج الزيتون إذا غرسته إلى سبع سنوات، فمن كان إنتاجه سريعاً فسيأتي حصاده سريع، والبطيء إنتاجه بطيء.. عندما يزرع الفلاح الزيتون يزرع بين كل شجرة زيتون شجرة دراق أو شجرة خوخ إلى أن يثمر الزيتون، لأن شجرة الخوخ تثمر في العام الثاني أو الثالث، ثم يأخذ ثمر الزيتون بعد ستة أو سبعة أعوام وتكون تلك قد ماتت.

فالعاقل من يعمل بشكل سريع وبطيء، سواء أكان تاجراً أو عالماً أو سياسياً أو رجل دولة أو صاحب عائلة، أو أستاذاً في المدرسة.. كحال أستاذ كان عندنا في المدرسة -رحمه الله- كانوا يقولون له: “أمين أفندي”، عندما أتى إلى المدرسة صار يلاعب الأولاد “بالدَّحَل” [كرات صغيرة: يلعب بها الأطفال الصغار] في وسط المدرسة، وبقي كذلك مدة من الزمن، فرح كل الأولاد بذلك، وبعد فترة أثناء الاستراحة، قال لهم: قيام، فقاموا، فجمع منهم جميع الكرات، رغم ذلك بقي الطلاب يحبونه كثيراً، فقد كان صاحب أخلاق، واسع الصدر وطويل البال، وكان من أفضل ما يكون.. فيجب أن يكون الزوج والزوجة هكذا، وكذلك الوالدان والأولاد، والمعلم والمتعلم، والقاضي والحاكم، والضابط والجندي، والرئيس والمرؤوس.. أسأل الله أن يرزقنا مكارم الأخلاق.

إذا كان النبي ﷺ قد حصر الدين كلَّه في هذين الأمرين، ((إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ))، فقد وصلوا إلى القمر بالعلم، وصنعوا الطائرات بالعلم، والكهرباء وبناء الجسور والزراعة الحديثة، واستخراج البترول.. كل ذلك بالعلم، فإذا كان مع العلم أخلاق كالرحمة والحنان والحلم والصفح والعفو، وإكرام الجار والرحمة بالبائس وإعانة المستعين، فالأخلاق الأخلاق -يا بني-.. فإذا قرأتم عن الحلم اجعلوا هذا الأسبوع كله حلماً.

واطلبوا من شخصين أو ثلاثة ليختبروا أحدكم، يرون هل يتحمل؟ وهل فهم الدرس أم أنه قد سمع فقط؟ فالسماع وحده لا يكفي، واشتغلوا بالذكر، فالذكر يهيّئ القلب والنفس لقبول أحكام العلم.

نختم لكم بهذا الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم ((ما أزينَ الحِلْمَ!)) 22 أي ما يجمل الإنسان ويزينه في نظر الله تعالى ونظر الخلق هو الحلم.

((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يقدر عَلَى إِنْفَاذه مَلَأَ اللَّه قلبه أَمْنًا وَإِيمَانًا)) 23 فإذا أغضبوك وأنت ذو قدرة على أن تنتقم أو تقتص أو تحاسب من آذاك، فاستقبلت فعله بحلم وبعفو وبصفح، وأنت قادر على القصاص وعلى العقوبة، قال: ((مَلَأَ اللَّه قلبه أَمْنًا -من المخاوف- وَإِيمَانًا))، والحلم هو شعبة من شعب الإيمان الأخلاقية، فالإيمان نور في القلب، وأخلاق في النفس، وعملٌ في الجوارح، أما من كان إيمانه وإسلامه بالاسم، معنى ذلك أن قلبه مظلم، ونفسه خبيثة، وجوارحه مستعملة في معصية الله، ثم بعد هذا كله يقول: إنه مسلم، فما هو الاسم الحقيقي لهذا؟ منافق، فالمنافق: من يدعي الإيمان والإسلام ادعاءً من غير حقيقة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح البخاري، باب الرفق في الأمر كله، رقم: (5679)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ)).
  2. مسند أبي يعلى الموصلي، في مسند عائشة، (8/129)، رقم: (4670)، الأمثال في الحديث النبوي لأبي الشيخ الأصبهاني، قوله: ((إنَّ الغَيْرَى لا تُبْصِرُ أسفَلَ الوَادي مِنْ أعْلاهُ))، ص (96)، رقم: (56).
  3. جامع بيان العلم وفضله، (2/1090)، بلفظ: "عن ابن عباس، قال: استمعوا علم العُلماء ولا تُصدِّقوا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فوالذي نفسي بيده لهم أَشَدُّ تَغَايُرًا مِنَ التِّيُوسِ فِي زربها".
  4. سنن ابن ماجه، كتاب أبواب السنة، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (229)، (1/83).
  5. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (20782)، (10/323)، ومسند القضاعي، رقم: (1165)، (2/192)، موطأ مالك باب ما جاء في حسن الخلق: (5/1330).
  6. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (6273)، (6/232) بلفظ: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَإِنَّهُ لَيُكْتَبُ جَبَّارًا وَمَا يَمْلِكُ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ». قال: لا يروى هذا الحديث عن علي رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش، حلية الأولياء لأبو نعيم (8/ 289).
  7. سبق تخريجه.
  8. المعجم الأوسط للطبراني، (6/58)، رقم: (5787).
  9. صحيح البخاري، باب الصبر على الأذى (20/255)، رقم: (6100)، صحيح مسلم، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه (3/ 109)، رقم: (2495)، مسند أحمد، (23/123)، رقم: (14820)، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم، وهو في حجر بلال، فقال «رجل:» اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل! فقال: "ويلك، ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟!... " صحيح ابن حبان، باب الغنائم وقسمتها (11/147)، رقم: (4819).
  10. سبق تخريجه.
  11. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24270)، (5/ 463)، صحيح مسلم، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه، رقم: (17).
  12. مجمع الأمثال لأبي الفضل النيسابوري، (1/62)، بلفظ: "إِذَا أتاكَ أحَدُ الخَصْمَيْنِ وَقَدْ فقئَتْ عَيْنُهُ فَلاَ تَقْضِ لَهُ حَتَّى يَأتِيَكَ خَصْمُهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ جَمِيعَا"، هذا مثل أورده المنذريّ وقال: هذا من أمثالهم المعروفة.
  13. ذكرت القصة كاملة في الطبقات الكبرى لابن سعد، (5/558)، وفي السيرة الحلبية، باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم، (3/311)، وردت هنا بلفظ: "يا رسول الله إنه لا يُسْتَقى بمَسْوكِ الرجال".
  14. الأدب المفرد للبخاري، باب التؤدة في الأمور، رقم: (587)، (206)، صحيح مسلم، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه، رقم: (17).
  15. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8407)، (6/334)، بلفظ: ((سيد القوم في السفر خادمهم فمن سبقهم بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة)).
  16. شعب الإيمان للبيهقي، فصل في المكافأة بالصنائع (11/381)، رقم: (8704)، البداية والنهاية لابن كثير (3/ 78)، بلفظ ((قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَخْدِمُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: ((إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِي مُكْرِمِينَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ)).
  17. سبق تخريجه في ص: (15).
  18. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (3/ 248)، رقم: (598)، المقاصد الحسنة للسخاوي (ص: 497)، رقم: (788)، عن أنس.
  19. الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، ص (239)، عن علي موقوفاً.
  20. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الصبر على الأذى، رقم: (6099)، صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، رقم: (2804).
  21. أخذاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ، وَمَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّى الشَّرَّ يُوقِهِ،))، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2663)، (3/118)، شعب الإيمان للبيهقي (13/236)، رقم: (10254)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (5/174).
  22. المعجم الأوسط للطبراني (1/43)، رقم: (118)، واللفظ: عن معاذ بن جبل، أنه شهد إملاك رجل من الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري، وقال: «على الألفة والخير والطير الميمون، دففوا على رأس صاحبكم». فدففوا على رأسه، وأقبلت السلال فيها الفاكهة والسكر، فنثر عليهم، فأمسك القوم فلم ينتهبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أزين الحلم، ألا تنتهبون؟» فقالوا: يا رسول الله، إنك نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا. فقال: «إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، ولم أنهكم عن نهبة الولائم، ألا فانتهبوا» قال معاذ بن جبل: فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبذنا ونحبذه إلى ذلك النهب. قال الطبراني: لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر بن إبراهيم.
  23. سنن أبي داود، باب من كظم غيظاً (2/663)، رقم: (4778)، مسند الشهاب للقضاعي (1/269)، رقم: (437).
WhatsApp