تاريخ الدرس: 1978/10/29
في رحاب الآداب والأخلاقمدة الدرس: 00:52:39
في رحاب الآداب والأخلاق (2): آداب البيوع 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من كتاب منتخب كنز العمال
نقرأ الآن من كتاب: (منتخب كنز العمال)، وهذا الكتاب جامع تقريباً لكلِّ كتب الأحاديث ومرتب على حروف أ _ ب؛ فباب الحج يُلتمس في حرف الحاء، وفيه كل أحاديث الحج، والشركة كمثال في حرف الشين، والصَّلاة في حرف الصاد، والزينة واللباس في حرف الزاي، فالكتاب في ستة مجلدات على هامش مسند الإمام أحمد.. ولن نقرأه كله، ولكن ليتعرف المتعلم منكم على بعض الكتب، ويطّلع على مصطلحاتها ورموزها، ونقرأ قسماً من الكتاب، ثم ننتقل إلى علم ثانٍ مثل علم الفقه، وعلى هذا الشكل حتى يصبحوا ثلاث أو أربع علوم.. وعندها يصبح عند الأخ منكم مكتبة، ويعرف رموزها، ويقدر أن يطالع بنفسه ما يحتاج إليه.
قرأنا في الأسبوع الماضي “إحياء الموات”، وهي الأحاديث التي تتعلق بالزراعة وإحياء الأراضي الميتة وفضل غرس الشجرة وفضل علم الزراعة، وهنا عندكم كتاب الجهاد، وكتاب الحج قرأنا منه بعض متفرقات، وكتاب الكسب والبيع، وكتاب الإمارة والخلافة، وكتاب البيوع.. وقد وقعَ اختياري واختياركم على كتاب الكسب والبيوع، وهو موضوع مهم جداً.
الكسبُ من الحلال
كتاب البيوع في حرف الباء، وفيه أربعة أبواب
الباب الأول في الكَسْب؛ في الأمور الحياتية، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول في فضائل الكسب الحلال وذمِّ الحرام.
الحديث الأول: قول النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: ((أفضلُ الأعمال: الكسبُ من الحلال)) 1 .
الأعمال الصالحة كثيرة؛ فعدَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام الصلاة من أفضل الأعمال، وكذلك الصدقات من أفضل الأعمال، والأخلاق الكريمة من أفضل الأعمال، وعدَّ الكسب من أفضل الأعمال؛ وهو كسب الإنسان ما يحتاج إليه في الحياة من طريق التجارة والصناعة والبيع والشراء.. فميزة الإسلام عن بقية الأديان أنه ليس دين العبادة والربانية والروحانية والرهبانية فقط، بل مضافاً إلى ذلك الحياة والعمل والكسب. ويدخل في الكسب كل أنواع الكسب على أنَّه دِين، أمَّا مثلاً في النصرانية فإن الكسب لا يُعْتَبر دِيناً، بل عملاً شخصياً بحتاً، أمَّا في الإسلام فأنت مسؤول عن العمل والإنتاج والربح والثروة إلى درجة أنَّ الثروة صارت تعتبر ركناً من أركان الإسلام، حيث اعتُبرت الزكاة ركناً من أركان الإسلام، وهل تكون الزكاة من فقر أم غنى؟ فإذا كانت الزكاة ركناً فإن الغنى ركن.. وهذا يستلزم بأن الإسلام يحارب الفقر ويجعل الركنَ المالي أحد أركانه الأربعة العمليَّة، فالزكاة تمثل منهم 25٪، والركن الأول هو الشهادتان وهو عقيدة ونطق.. إذن فالإثراء في الإسلام واجب.
والإثراء على قسمين: قسم ﴿جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ [الهمزة: 2-3] وهذه هي الثروة الحرام، أمَّا ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ [المؤمنون: 4] فهذه هي الثروة الواجبة والمبَيَّن كيف تصرف وكيف تستعمل، ((فأفضل الأعمال الكسب من الحلال))، رواه ابن لال عن ابن سعيد.
أعطِ مع الحقَّ والعدل شيئاً من الإحسان
الحديث الثاني: قول النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)) 2 ، فالبيع المبرور ضدّ بيع الإثم أو الغش أو الخديعة، وقد يتجاوز ذلك إلى أنَّه البيع بالنصح والصدق والإخلاص، وقد يكون المقصود أيضاً فوق ذلك، فإذا بعتَ أن تبيع كما قال النبي ﷺ: ((إذا وزنتَ فأَرْجِحْ)) 3 أي لا تعطِ الناس حقَّهم وعدْلهم فقط؛ وإنما أعطِ مع الحقَّ والعدل شيئاً من الإحسان وشيئاً من البر.
فإذا كان المجتمع إسلامياً في المعاملات الحياتيّة تُبنَى المعاملات فيه على البر والإحسان وإعطاء الفضل لا العدل فقط.. فكم يصنع هذا من روابط الحب وروابط الثقة والروابط الأخلاقية الفاضلة العالية؟
وقد استطاع النبي ﷺ أن يحولّ كل هذه المعاني من القوة إلى العمل ومن الفكرة إلى التطبيق.. وعلى هذا كان العلم والتربية وتأديب النفس.. وكان هذا هو المجتمع الإسلامي وهؤلاء هم المسلمون الذين صنعوا التاريخ وقلبوا العالم.. ليس إلى شعب فاضل أو أمة فاضلة وحسب، بل قلبوه إلى عالَم فاضل، ولا تزال الشعوب إلى الآن تحنُّ وتشعر بالوحدة وتشتاق إلى هذه المعاني، لكنْ تَحُول آثار الاستعمار الفكري والصليبي والتتري الإلحادي الشيوعي أمام الشعوب.. ونسأل الله أن يوفق المسلمين ويعينهم ليستعيدوا وجودهم الإسلامي الصحيح.
أطيب الكسب
((أطيب الكسب عمل الرجل بيده)) 4 ، فكن عاملاً بيدك لا ناظراً فقط، اعمل بيدك؛ ولا تكن أميراً في عملك، فلو كنت مديراً جالساً خلف الطاولة انهض وحرك جسدك وساعد العامل بنفسك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطحن مع الجارية ويكنس بيته ويرقِّع ثوبه ويخصف نعله.. أما من الناحية الطبية فإن أمراض المكاتب والطاولات مشهورة في الطب، وينتج منها أمراض الأوعية الدموية والسكتة القلبية والخ..
ولما يقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((عمل الرجل بيده)) هذا يعني الصناعة، ثم ((وكلُّ بيع مبرور)) ماذا يعني؟ التجارة.. وفي العصر الحاضر يعتبرون الشعوب التي تكون زراعية فقط شعوباً متخلفة، فإذا كان عمل الرجل بيده يشمل الزراعة ويشمل الصناعة، ((وكلُّ بيع مبرور)) الذي ليس فيه إثم وليس فيه حرام.
(حم) هذا رمز الإمام أحمد في مسنده، (طب) طبراني و(ك) رواه الحاكم عن رافع بن خديج وأيضاً رواه الطبراني، وهذا سند آخر للحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما.
درهمٌ حلال وأخٌ يُوثق به
الحديث الثالث: عن النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((قَلَّ ما يوجدُ في أمَّتي في آخِرِ الزَّمان درهم حلال، وأخٌ يوثَق به)) 5 .
ليس شرطاً أن يكون آخر الزمان هو آخر الحياة الدنيا، بل آخر زمان التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية، وذلك عندما تتحكم بالناس وتقودهم الأنانية ومطامع النفس وحب الذات، فلا يبقى فيهم الوازع النفسي والديني، فلا يلتزم الإنسان طريق الحلال ولا يتجنب الحرام، فيصير الدرهم الحلال قليلاً جداً، ويقِلُّ أيضاً: ((أخٌ يوثق به)) معنى ذلك أن الأخلاق إما أن تنعدم أو يندر وجودها، وهذا سببه عدم وجود المربي والمنشِئ للشخصية الإسلامية.. فبرنامج تنشئة الشيخ اليوم عند المسلمين برنامج عقيم تماماً، فمثلاً إذا أنشأنا كلية هندسة، وتخرِّج منها المهندسون، لكن المهندس يتخرج منها ولا يعرف كيف يبني حائطاً أو عموداً.. فكيف يكون حال هذه الكلية؟
وهل الكليات الدينية اليوم تخرِّج شيخاً يستطيع أن يربي مجتمعاً؟ يجب أن يربي التربية الإسلامية الدنيوية في ميدان الحياة الشخصيَّة وفي ميدان الكسب والعمل والتربية الأخلاقيَّة والربانيَّة، ويجب أن يربي المجتمع كدين ودولة.. فالتربية الإسلامية كعلم وعمل في زمننا هذا حاول أن يقوم بها الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه فقتله الاستعمار، ومن قبله في عصرنا الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني الذين قاموا بالفكرة نفسها بعد ركود العقل الإسلامي.. والكليات الإسلامية اليوم في الأزهر وغيره لا تنتج شيئاً أبداً، أبداً أبداً.. إنها تنتج شهادة يريد صاحبها وظيفة كي يعيش منها، لكن هل يقدر أن يبني مجتمعاً؟ إنه أعجز ليس من أن يعمَل ويباشر، بل أعجز من أن يفكر، لأنه ما أعطي العقل المفكِّر والمنتج حتى يبدأ بذلك، ولذلك صار المسلمون بلا قيادة فكرية تربوية إسلامية.. أرجو الله من مجتمعنا هذا أن يصير فيه شيء من الإسلام الحي، وأقل الدرجات في ميدان الأخلاق وفي ميدان المجتمع.. قال: ((قلَّ ما يوجدُ في أمَّتي في آخِرِ الزَّمان درهم حلال، وأخٌ يوثَق به)) (عد) ابن عدي في كتابه الكامل، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما.
أفضلُ كسبِ الرجل ولَدُه
الحديث الرابع: قول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((أفضلُ كسبِ الرجل ولَدُه)) 6 .
إنتاج الولد وإنتاج العدد في الأمة وتكثير العدد اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً عملاً ونتاجه كسباً، فإذا كان لك ولد واشتغل وعمل فهذا اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم كسباً ومن أفضل الكسب، يعني حتى لا يعيش الإنسان عقيماً أو راهباً مترهباً بعيداً عن الزواج. ((وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ)) 7 . رواه الطبراني عن أبي بردة بن دينار.
كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً
الحديث الخامس: قول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((أُمِرَت الرسلُ بأنْ لا تأكلَ إلَّا طيِّبَاً، وأنْ لا تعمل إلَّا صالحاً)) 8 ؛ المقصود من الطيب الحلال الذي عكسه الحرام، ويشمل أيضاً الطيِّب الذي يُقابل مثل الأمور النجسة كلحم الخنزير والميتات والدم، ((وأنْ لا تعمل إلَّا صالحاً)): ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً﴾ [المؤمنون: 51]، رواه الحاكم عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس.
العبد المؤمن المحترف
الحديث السادس: قول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إنَّ الله تعالى يحبُّ العبد المؤمن المحترف الحكيم)) 9 “إنَّ الله يحب”: فهل هذا حضٌّ على العمل أم على البطالة والكسل؟ وهذه الأحاديث النبوية كيف تكون تجاه قول الشيوعيين: “إن الدين أفيون الشعوب”؟ وما موقف كثير من المشايخ والعلماء الذين فهموا الدين ابتعاداً عن العمل وعن الكسب وعن التجارة وعن الاحتراف وعن الغنى وعن الثروة؟ وربما يعدّون عاراً ونقصاً اشتغال الشيخ بعمل من أعمال الحياة، فكيف نجمع ذلك مع هذه الأحاديث النبويّة؟ لا يجتمع إلا إذا اجتمع الجهل مع العلم، والليل مع النهار، فيجب أنْ يكون العالِم هو من يفكّر في إقامة الصّناعة والمصانع، وأنْ يكون الشَّيخ هو الدماغ والمحرِّك للمجتمع ليدفع الأمّة نحو التقدم الحضاريّ والمادي إلى جانب التّقدم الرُّوحي والأخلاقيّ والفكريّ.
وإن من أسباب أمراض المجتمع الإسلامي فَقْد الشيخ بمعناه الحقيقي الحي.
أنا في المعهَدَين [كان للشيخ في تاريخ هذه المحاضرة معهدان أو مدرستان في مجمع أبي النور في دمشق لتعليم العلوم الشرعية؛ واحد للذكور وآخر للإناث] الآن أعاني كثيراً وفي تعب فكري كبير، لأنني أضطر أن أدرِّسهم البرنامج القديم، والبرنامج القديم عقيم، وأريد أن أدرّسهم ما أعرف لكنهم لا يحصلون به على شهادة لا من الأزهر ولا من هنا، لذلك أريد أن أدرّسهم القديم لأنه أيضاً يفيدهم فيعرفون به العقلية القديمة، كما أن العقلية القديمة فيها أشياء كثيرة نافعة.. وفي تربية الجامع العامة والمجالس الخاصة أوجههم إلى الإسلام الحي، فعسى أن يجمعوا بين القديم والحديث، حتى إذا ما اجتمعوا مع العقل القديم لا يغلط عليهم ويقول عنهم كفرة.. ألم يكفِّر أكثرُ علماء الأزهر الشيخ محمد عبده؟ وأنا الآن ألا ألقى عناءً من كثير من الجامدين؟ والسبب هو الحركة وعدم الحركة، السبب هو الإنتاج والعقم، السبب التجديد والترسب والتزمت على القديم.. وليت القديم يكون القديم الصحيح!
((إنَّ الله يحبُّ العبد)) كلمة “عبد” تعني لله، وهو العبد الذي يكون شأنه تابعاً لأمر سيده، فالمسلم الحقيقي يجب أن يكون مع الله عبداً، وهذه العبودية عبودية عزّ.. فلما يكون المريض تابعاً للطبيب التبعية الكاملة، فهل هذه تبعية ذلّ أم تبعية عزّ؟ تبعية صحّة أو مرض؟ ولما يكون الطالب تابعاً لأستاذه تبعية كاملة كتبعية العبد للسيد، فهل يوصله ذلك إلى العلم أم إلى الجهل؟ ولما يكون مع الله عبداً، فهل يعني هذا أن الله يريد أن يجعله خادماً له أو يفرح بإذلاله؟ لا، فالمقصود من العبودية كمال الطاعة والانقياد.. والإيمان مثل ما ورد في الحديث: ((قول باللسان وعمل بالأركان وعقيدة في القلب والجنان واتباع بإحسان)) 10 ، فالإيمان ليس قولاً فقط، والذين اعتبروا الإيمان قولاً قال فيهم القرآن: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: 8] أخذوا الإيمان كقول فقط فالله جل جلاله ردَّ عليهم فقال: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 8]، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [النور: 47]، هذا في ميدان العمل، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 47].
((إنَّ الله يحبُّ العبد المؤمن المحترف))؛ الذي يتعلم حرفة تقوم بكفايته في أمور الحياة، وليس كفايته فقط، فالمسلم لا يعمل لنفسه وحسب، بل يعمل لنفسه ولعقيدته ولإسلامه ولدعم الإسلام وللإنفاق على الإسلام وبناء المؤسسات الإسلامية وتشجيع حملة الرسالة، أما أن يعمل لنفسه وفقط فهذا شأن الطيور وشأن البهائم والحيوانات، بل إن قسماً منها من يعمل للمجتمع مثل النمل والنحل وما شابه.
((إنَّ الله يحبُّ العبد المؤمن المحترف الحكيم))، الحكيم: هو صاحب العقل الناضج الكامل الذي يضع الأشياء في مواضعها ويطبِّق الأمور في أوقاتها وزمنها وبالقدر المطلوب والقدر الذي يحقِّق الغرض والهدف، فإذا وضعت ملحاً في الطعام زيادة عن المطلوب فهذا عمل غير حكيم، وإن كان فيه نقص فهو غير حكيم أيضاً، لكن إذا كان بمقدار الحاجة تماماً فهو العمل الحكيم، وكذلك إذا وضعت السمن بالرز بالمقدار المطلوب فأنت حكيم، لكن إذا وضعتها بمقدار كبير لتكون مثل الشوربة [الحساء] أو وضعتها بمقدار ملعقة صغيرة لطنجرة كبيرة، فأنت غير حكيم.. فالحكمة هي “فعل ما ينبغي” يعني أداء الواجب، “في الوقت الذي ينبغي وعلى الشكل الذي ينبغي”، فإذا كان الله يحب هذه الصفات في الإنسان، معنى ذلك أن الإسلام يطلب هذه الصفات، أما إذا كان يطلبها ويوجبها ليكون الإنسان بهذا المستوى؟ يعني ذلك أن هذا هو المسلم، فالمسلم ممتثل ومؤمن بكل مراتب الإيمان ومحترِف وحكيم.. والمطلوب من المجتمع أن يكون مؤمناً.. فإذن كيف يكون هذا المجتمع؟ وأي مجتمع هذا؟
إن فلاسفة اليونان تخيلوا المدينة الفاضلة، أمَّا النبي عليه الصلاة والسلام فقد حقَّق العالَم الفاضل، وهذا الفرق بين الفيلسوف والنبي، فالفيلسوف صاحب فكرة، أمَّا النبي فإن الفكرة يحوِّلها إلى عمل.. والعالِم- العلماء ورثة الأنبياء- يجب عليه أن يكون نسخة مصغرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فبمقدار علمه الحقيقي وإيمانه الروحي يكون نتاجه قليلاً أو كثيراً.. ((إن الله يحب العبد المؤمن المحترف الحكيم)). رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
التعب في طلب الحلال
حديث آخر: “إن الله يحب أن يرى عبده مُرَفَّهاً في طلب الحلال”، [مرفَّهاً: هذا من أساليب الشيخ في التعليم بأن يأتي بالضد لشد الانتباه، خاصة إذا كان هذا الضد هو المعمول به عند كثير من المسلمين] كيف الحديث؟ تَعِباً؟.. نعم، تعباً في طلب الحلال- ﷺ.. ما هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ماذا يعلّمنا هنا؟ هل يعلمنا الصلاة؟ هل يعلمنا التهجد؟ هل يعلمنا الذكر؟ إنه يعلمنا الحياة، قال: ((إنَّ الله يحبُّ أنْ يرى عبده تَعِباً في طلب الحلال)) 11 .
أما أن يقول: هذا عمل يتعبني، ولا أريد عمل هذا، وهذا العمل فيه تعب، وعليَّ أن أهرب منه، وهذا عمل صعب، عليّ أن أنسحب منه!.. فهل يلتقي التعب مع الكسل؟ والذي يتعب في طلب الحلال هل يلتقي مع الفقر؟ فإذا كان عنده فراغ ويُمكِن أن يملأه بعمل، أليس المطلوب منه أن يتعب؟ فإذا فرغْتَ فاتعب! أليس كذلك؟ يعني أن المسلم لا يوجد عنده فراغ.
يا ترى هل المسلمون في وقتنا الحاضر في مدارسنا الرسمية أو في مساجدنا الدينية أو في صحبتنا مع علماء الدين.. هل يأخذون ويقطفون من هذه الأمكنة ومن هؤلاء الرجال ثمرات هذا الإسلام الذي غرسه النبي صلى الله عليه وسلم وغرسه الوحي في القرآن وغرسه في الجيل الأول؟ أم هذه الأمور معدومة؟
فالأوربيون اليوم ألا نرى في أعمالهم مثل هذا الحديث؟ ألا نراهم تعبين في طلب الحلال؟ فمرة يغوصون في البحار، ومرة يذهبون إلى مجاهل القطبين، ومرة يصعدون على قمم الجبال التي من المعروف أنه لا شيء فيها، لكن لعلهم يكتشفون شيئاً جديداً ولو كان شيئاً تافهاً، ويصعدون إلى الفضاء، ويطوفون حول النجوم، أليس هذا الذي أراده الإسلام من تشريعه وتوجيهه وتأديبه؟ فمَن المسؤول عن هذا؟ المسؤول هو الشيخ.. لكن الشيخ في الحقيقة ليس مسؤولاً، لأنه لم يَدْرُس ولم يُنَشَّأ عقله في مثل هذا المصنع، والحكومات هي المسؤولة، لأنهم يملكون الطاقات، لكنهم أيضاً معذورون، لأنهم ما عرفوا الاسلام بهذا المعنى، فقد عرفوا أن الإسلامَ شيخٌ يسبّهم ويشتمهم، وشيخ ثان يكفرهم وشيخ ثالث يلحِّدهم، فـكرهوا الدين من كراهيتهم للشيخ، وجاء المستعمر وجاء الصليبي وجاء الشيوعي وجاء المستشرق الإستعماري..
تكاثرت الظباء على خُراش فلا يدري خُراش ما يصيد
وكما قيل
فصرتُ إذا أصابتني سِهامٌ تكسَّرت النصالُ على النِّصالِ
كل هذا يجب أن لا يكون مدعاةً لليأس، فإذا عرف الإنسان كثرة الأمراض في جسده هل يستسلم لليأس أم يركض إلى الطبيب ويركض إلى الصيدلي ويبادر بقدر ما أمكنه لعملية الإنقاذ؟ كل واحد منكم.. كل واحد منا إذا سعى في محيطه.. ألا يقدر أن يصنع واحداً من زملائه؟ يعني يهيئه ليأتي فقط ويسمع الإسلام ويفهمه.. ما معنى طبيب؟ يعني أنه درس الطب ومارسه.. والنجّار كذلك، فما معنى مسلم.. معناه مَن درس الإسلام ومارسه وعرفه، وأنت أيها المسلم هل درست الإسلام؟ هل مارست الإسلام؟ هل عرفت الإسلام؟ ألا يجب أن تعرف؟
فإذا الواحد منكم فكّر في الأسبوع بشخص مثيل له، والقليل يعمل الكثير والكثير يعمل الخير، هل فكرتم بهذا الشيء أم اكتفيتم بالجلوس هنا في الدرس؟ وهناك أناس كثر يتمنون ويلتذّون..
((إن الله يحب أن يرى عبده تعباً في طلب الحلال)) (ك/ر) رواه ابن عساكر عن علي رضي الله عنه.
موسى عليه السلام آجرَ نفسه على عِفَّة فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ
وقال ﷺ: ((إنَّ موسى آجرَ نفسه ثماني سنين أو عشراً على عِفَّة فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ)) 12 اشتغل أجيراً عند مَن؟ عند شعيب، قال: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: 27]، قال: على عفَّةِ فرجه، يعني على أن يزوجه ابنته وطعامِ بطنه، فإذا كان النبي يعمل.. ويعمل أجيراً؟ فكيف يترفَّع بعضهم ويقول: هذا عمل لا يليق بي؟ وهذا نبي من أنبياء الله؟ وهذا النبي مربٍّ لأمّة ومنشِئ أمة على اختلاف طبقاتها.. واشتغل أجيراً وبأرخص الأجرة.. فالمسلم عليه أن يعمل نجاراً أو حداداً أو راعياً أو غير ذلك كي يأكل ويتزوج ويكفي نفسه ومن حوله.
وأخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن الأنبياء كلهم كانوا يعملون بأيديهم وكلهم رعوا الغنم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إنَّ الله جعل رزقي تحت ظلّ رمحي)) 13 ، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشتغل بالسياسة؛ والسياسة كانت بناء الأمة وبناء الدولة ووحدة الأمة وتحرير الأمة من الاستعمار ومن الجهل ومن الفقر ومن التفرقة ومن الرذائل.. فأي إنسان هذا النبي عليه الصلاة والسلام الذي دعانا الله لأن يكون قدوتَنا؟
إن الملحد بالمعنى الصحيح المذموم حتى في أوربا غير موجود، فالشيوعيون لمّا ألحدوا جحدوا ما يجب جحده، وليس ما يجب الإيمان به، فأنتم الآن ألا تجحدون أولوهية عيسى عليه السلام؟ هل نسميكم ملحدين أم مؤمنين؟ فالقسم السلبي الذي منعهم من الإيمان قد ذهب، ويبقى لهم النصف الثاني الإيجابي.. وهؤلاء ألحدوا عن علم ودراسة، أما ملحدوا بلادنا فألحدوا عن تقليد وجهل، فقلدوا الأوربيين.. لكن هل درسوا الاسلام؟ لم يدرسوه، ولو أرادوا أن يدرسوه لوجدوا الأمر صعباً أيضاً، فالشيخ في الطريقة القديمة يصعب أن يلتقي عقله مع عقل الإنسان المتعلم.. فالمتعلم يحتاج إلى حقائق وثمار وقناعة، والشيخ لا يستطيع أن يفهِّمه الإسلام الذي فهمه من شيوخه ويمكِّنه من هضمه، لذلك يرفضون الإسلام، أضف إلى ذلك إذا كان هناك ضعف في الأخلاق الاجتماعية فإن الأمر يزداد صعوبة.. لذلك أنتم صيروا مشايخ ولا نريد عمائم ولا جُبَب ولا لحى، كن مؤمناً حياً.
ما هذه الأحاديث النبوية؟ هذه الأحاديث منه عليه الصلاة والسلام هي دين وإسلام وإيمان، وهذا يعني أن المسلم في الذروة في الاقتصاد والزراعة والصناعة والتكنولوجيا وفي كل أنواع العلوم. رواه الإمام أحمد و(م) الإمام مسلم عن عقبة بن الندري.
إِنَّهَا لَهُ زَكَاة
الحديث الآخر وهو قول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((أَيُّمَا رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً مِنْ حَلَالٍ فَأَطْعَمَ نَفْسَهُ أَوْ كَسَاهَا فَمَنْ دُونَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَإِنَّ لَهُ بِهَا زَكَاةً، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَدَقَةٌ فَلْيَقُلْ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَصَلِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، فَإِنَّهَا لَهُ زَكَاةٌ)) 14 ، كسَب وليس كَسِب: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286] ((كَسبَ مَالاً مِنْ حَلَالٍ فَأَطْعَمَ نَفْسَهُ أَوْ كَسَاهَا فَمَنْ دُونَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ)) ليس فقط أطعم نفسه وكساها، بل كسا غيره من فقير أو ضعيف أو مسكين، وسواء كسا من هو مثله أو أعلى أو دونه من إنسان أو حيوان أو بهيمة ((فإنَّها له زكاة)) صدقة، ((وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَدَقَةٌ فَلْيَقُلْ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَصَلِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، فَإِنَّهَا لَهُ زَكَاةٌ))، الصَّلاة بمعنى الرحمة؛ أي ارحم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنَّها له زكاة.. ((فمن دونه من خلق الله)) هذه تشمل الرحمة بالحيوان والرفق بالحيوان كذلك ((فإنها له زكاة)).
((وأيما رجل مسلم لم يكن له صدقة)) يعني إذا عجز عن الصدقة عملياً فلا يعجز نفسياً، وإذا عجز تطبيقياً فلا يعجز فكرياً، فيجب أن يكون عازماً ويفكر بأن يعمل ويكسب ليساعد الآخرين.. فإذا كان عاطلاً عن العمل لا ينفع غيره ولا يغني نفسه، فهذا ليس من الإسلام في درجة من الدرجات المقبولة عند الله.. قال: فإذا لم يتمكن فليكن دائماً مفكراً ولو بالنية.. ومعنى (اللهم ارحم المسلمين): اللهم أعطهم خيراً ونفعاً ومالاً وصحة وفائدة.. فأقلُّ الدرجات إذا حُرِم العمل لا يُحرَم النية ((فإنها له زكاة)).
((اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك)) المعلم الأول ((وصلِّ على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات: فإنها له زكاة)). (ع) يعني أبا يعلى و(حب) وابن حبان والـ (ك) رواه الحاكم، عن أبي سعيد.
طلب الحلال فريضة بعد الفريضة
وقال ﷺ: ((طلبُ الحلال فريضةٌ بعدَ الفريضة)) 15 يعني أن المسألة ليس لك خيار فيها أو أنها مسألة مستحبة، فإذا فعلتها فلك الثواب وإذا تركتها فما عليك من عقاب؟ لا.. فطلب الحلال فريضة بعد الفريضة؛ بعد فريضة الزكاة.. بعض الفرائض فيما بينك وبين الله، وبعضها فيما بينك وبين نفسك، لكن طلب الحلال أن لا تطلب الحرام ولا تطلب بطريق الإثم أو بطريق الظلم أو بطريق الغش أو بطريق السرقة أو بطريق الخداع: ((طلب الحلال)).
كان كثير من علماء الدِّين قبل خمسين سنة وما قبل يشتغلون بالتجارة والصناعة.. وإنْ كان هذا برأيي غير صحيح؛ فالطبيب يتفرغ للطب، ورجل الدِّين إذا أراد أنْ يقوم بعمله على الشكل المطلوب فلن يكون معه وقت زائد في أنْ يشتغل نجّاراً أو حدادّاً أو تاجراً.. لكن باعتبار أنه يتعلم وهذا العلم لا يكون له نتاج وحركة، فيرى أن عنده فراغاً ليعمل به عملاً آخراً.. أما إذا عرف ما معنى العلم الإسلامي.. فالعلم ليس فقط علم القول واللسان، يجب أن يكون معه علم القلب والنفس والعقل والفكر، وهذا أعظم عمل.. فهل اشتغل النبي صلى الله عليه وسلم نجاراً أو طحاناً؟ لقد اشتغل ﷺ بالتعليم والتربية وبناء الأمة وبناء الدولة.
فإذا كان الرجل قاعداً لا يعمل يُعتَبر تاركاً الفريضة وواقعاً في المعصية.. وإذا سألته لماذا لا تشتغل؟ يقول: والله لا يوجد شغل.. إذن ابحث عن عمل، فسيدنا علي رضي الله عنه مرة اشتغل أجيراً عند يهودي يستقي له الماء من البئر كلّ دلو بتمرة حتى مَجَلَت كفَّاه، يعني صار فيها دُمَّل، هذا سيدنا علي رضي الله عنه! والنبي ﷺ اشتغل راعي غنم! وسيدنا موسى اشتغل! ((وفريضةٌ بعد الفريضةٌ))! وإذا لم تجد العمل الذي يتناسب مع نفسيتك اشتغل بغيره.. ما دام كلُّه حلال.. فيجب أن يكون العيب ما يعيبه الشرع، والكمال ما يقبل به الشرع، وكثير من الناس الذين صاروا أصحاب ثروات كبيرة بدأوا بالأعمال الصغيرة ومنها تدرجوا حتى وصلوا إلى الدرجة التي كتبها الله عز وجلَّ لهم وفْق همتهم ووفق استعدادهم.
طلب الحلال جهاد
الحديث الآخر: ((طلب الحلال جهاد)) 16 ، طلب الحلال ماذا؟ جهاد.. حتى ولو كانت امرأة، فالمرأة يحق لها أن تبيع وتشتري، ويمكنها أن تتعلم أي صنعة من الصناعات التي لا تتنافى مع طبيعتها الإسلامية.
وقال ﷺ: ((إذا سأل أحدكم الرزق فليسأل الحلال)) 17 هذا مفهوم.
رحم الله امرأ اكتسب طيباً وأنفَقَ قصداً
((رحم الله امرأ اكتسب طيباً وأنفَقَ قصداً)) 18 ، إذا اكتسبت وربحت مالاً جيداً ينبغي أن تنفق، لكن هل تنفق إسرافاً وتبذيراً؟ لا. قال: وأنفَقَ اقتصاداً، فتنفق ما يتطلب الإنفاق؛ والإنفاقَ النافع المفيد، أمَّا إسرافاً واستهتاراً وعدم تفكير وضياعاً فلا، فالله سبحانه وتعالى في بعض الأوقات يعطي رزق سنة بشهر أو بأسبوع، أو يرسل رزق عشر سنين فيصرفهم بسنة! هذا لم ينفق قصداً، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
أنا أقرأ التوراة مؤخَّراً، وقرأت الإنجيل من قبل، لكنهما لا يقارنان بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم! هل سيدنا عيسى عليه السلام علمهم أن يشتغلوا؟ هل قال لهم: اعملوا؟ هل قال لهم: اصنعوا؟ أو (طلب الحلال فريضة)؟ قال لهم: “اتركوا أموالكم والحقوا بي، والأغنياء لا يدخلون في ملكوت السموات”.. فلذلك كفروا وألحدوا بالمسيحية.
قال لهم: “إذا ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر، وإذا أخذ منك الإزار أعطه الرداء”.. هل تعمل فرنسا هكذا؟ أم إنكلترا؟ أم أميركا؟ أم روسيا؟ لذلك كفروا.. ومن الطبيعي أن يكفروا.
أمَّا الإسلام فهو دين الحياة، لكن هل الإسلام معروف في العالم الآن؟ ولو أن هذه الأحاديث اليوم تُكتَب كتابة حديثة، وتُكتَب كتابة جديدة بلغة عصرية وزمنية وعلى مستويات مختلفة للأطفال وللشباب وللأجانب، هل تظنون أن يبقى في العالم غير الإسلام؟ لكن هل يُدرَّس هذا الإسلام في المساجد؟ حتى التدريس في المساجد لم يعد موجوداً.. أنا أقول للمدرسين عندنا في الفتوى: لماذا لا تُدَرِّسون؟ يقولون: لا أحد يجلس عندنا في الدرس.. لأنه إذا كان إناء بائع التين الصبار فارغاً مَن يأتيه ليشتري؟ [يضرب الشيخ مثلاً ببائع التين الصبار، لأنها عادة في مدينة دمشق أن يقف بائعو تين الصبار على الأرصفة ويقشرونها للناس ويبيعونها.] وإذا كان البائع مقدِّماً القشر فقط من يشتري منه؟ لا يوجد هناك احتمال للنجاح.. لأنه إذا لم ينشأ الشيخ من أول نشأته على يد المربي يصعب عليه أنّ يعلِّم وينجح.. ((رحم الله امرأ اكتسب طيِّباً)) يعني حلالاً نافعاً ((وأنفقَ قصداً وقدَّم فضلاً)) 19 وإذا بقي عنده شيء يقدِّمهُ، قال: ((ليوم فقره وحاجته))، يعني يتصدق به ليراه يوم القيامة وهو فقير إلى ثوابه محتاج إلى رضاء الله عنه بسبب ما أنفق، ((اكتسب طيِّباً وأنفق قصداً وقدَّم فضلاً)) ألا تتعلق هذه بالإشتراكية؟ إذا فضل عن حاجتك شيء.. لكن من عظمة الإسلام أنه لم يجعل ذلك فرضاً حتمياً، بل جعلها عملاً اختيارياً بحسب الاستعداد النفسيّ.
أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك
كما أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يأتيه الرجلُ بكل ماله ليقدِّمه، فكان النبي ﷺ يأبى، ويقول له: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)) 20 ، وكان الرجل يوصي بكلِّ ماله بعد موته، فما كان يقبله النَّبيُّ ﷺ أيضاً ويقول له: ((لأنْ تدع ورثتك أغنياء خير من أنْ تدعهم عالة يتكفَّفون الناس)) 21 ، إنه من المستحيل إذا أراد العقل الإنساني أن يدْرس الإسلام أن يرى فيه نقصاً أو ثغرة أو نقداً.. وأنا ذكرتُ لكم في الدروس مرات متعددة أنه في الكريملن في بحث إسلامي لمدة ساعة مع كبار رجال الكريملن وبآخر جلسة قال: “إذا كان الإسلام ما نسمعه منك فهذا شيء حسن”.. ليس شيئاً مقبولاً فقط، فالحسن فوق المقبول، وليس شيئاً صحيحاً، فالحسن فوق الصحيح، فلو أن المسلمين أنفسهم تعلموا الإسلام بهذا الشكل فهل يبقى مسلم لا يرتاد إلى المسجد ارتياد الجائع إلى المطعم والبردان إلى المدفئة؟ لكن الجوامع فارغة.. نسأل الله بإذنه أن يهيئ الوسائل والأسباب.
العافية عشرة أجزاء
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((العافية عشرة أجزاء؛ تسعة في طلب المعيشة وجزء في سائر الأشياء)) 22 ، العافية والحفظ من الذل ومن الفقر ومن الجوع ومن المرض ومن الهوان ومن الضعف، وهذه كلها تُعَدّ أمراضاً للمجتمع، قال: ففي طلب المعيشة وفي العمل وفي الكسب وفي اقتناء المال الحلال تحصل على أنّ الله يعافيك من تسع آفات، قال: ((وجزء في سائر الأشياء)).. أيُّ حضّ هذا وترغيب على العمل وعلى الكسب وعلى محاربة الفقر وأن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً متحرراً عاملاً منتجاً؟ (ف/ر) الديلمي في الفردوس عن أنس.
أفضل عند الله من الجهاد حولاً كاملاً
((لَعَثْرَة في كدٍّ حلال أفضل عند الله من ضرب بسيف حولاً كاملاً لا يجِفُّ دماً مع إمام عادل)) 23 ، فإذا ذهب عامل إلى عمله فتعثر ووقع، وجُرِحَت ركبته أو سقط، و((في كدٍّ)) ليس في عمل.. فالكدّ أكثر من العمل، يعني يمشي واسع الخطى أو راكضاً، فتعثَّر، لكن الكدَّ حلالٌ، فلا يروح في كدٍّ حرام، ((على عُيَّلٍ محجور)) يعني عائلة لا تستطيع الكسب، مثل المرأة ومثل الأطفال الصغار فهؤلاء محجور عليهم الكدّ لأنهم عاجزون لا ييستطيعون العمل.
وأنت ذاهب تكد وتشتغل، تعثرت ووقعت، وسقطت على وجهك أو على ثيابك أو على رجلك أو غيره، قال: ((أفضل عند الله من ضربٍ بسيف حولاً كاملاً لا يجِفُّ دماً)) يعني أن السيف دائماً مندَّى بالدم سنة كاملة يجاهد في سبيل الله، ويقتل الأعداء دائماً وينتصر عليهم، ودائماً سيفه يقطر دماً من الجهاد، ((مع إمامٍ عادل)) كأن يجاهد تحت راية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو تحت راية سعد أو خالد بن الوليد رضي الله عنهما قال: فأفضل منها عثرة وتعثرٌ وسقوط في كَدِّ حلال على عائلة عاجزة عن العمل- وترى رجلاً يجلس سنة لا يعمل وأولاده صغاراً!
يتعثر في كده على عائلته أو عائلة غيره، وقد تكون عائلة فقيرة عاجزة عن الكسب لمرض أو ِصِغَر أو يُتْم أو رُمْلة [أرملة]، فبينما هو ذاهب تعثرت رجله فسقط، قال: فهذه العثرة في كدٍّ حلال على عائلة محجورة ((أفضل عند الله من ضرب بسيفٍ حولاً كاملاً))، الحول هو السنة والعام، ((لا يجفُّ دماً مع إمام عادل)). رواه ابن عساكر عن عثمان رضي الله عنه.
هو في سبيل الله
وقال ﷺ: ((إنْ كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يُعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان)) 24 ، فإذا خرج من بيته ليشتغل كي يكفي أولاده الصغار يُعَدّ جهاداً في سبيل الله، ((وإنْ كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يُعفِّها)) يعني من أكل الحرام ومن مال الحرام ((فهو في سبيل الله، وإنْ خرج يسعى رياءٍ ومفاخرة)) حتى يُكثِر ماله ويفتخر على الناس، فيقول: أنا غني أكثر من فلان، وأنا أملك أكثر من فلان.. كي يظهر بمظهر الغنى والثروة أمام الناس تعززاً وافتخاراً، قال: ((فهو في سبيل الشيطان)).. إن خرج على أولاد صغار أو على شيخين كبيرين أو على كفاية نفسه فهو في سبيل الله، أمَّا إن خرج رياءً حتى يراه الناس في مظهر الغنى وفي مظهر الثروة ويتفاخرَ ويتعاظمَ ويتعالى قال: ((فهو في سبيل الشيطان)).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
Amiri Font
We sell high quality replica Omega watches including AAA+ replica Omega watches, Moonwatch, Seamaster, Speed MAAA 1:1 Omega clone watches. Best Breitling replica watches for sale, super fake Breitling Bentley watches knockoff online with cheap price wholesale. IWC replica show Swiss luxury replica iwc watch here best cheap price with AAA High quality fake watches.الحواشي
- المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي للغُمَارِي، رقم: (1238)، (2/ 57)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17304)، (4/141)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب البيوع، باب إباحة التجارة، رقم: (10177)، (5/ 263)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (4412)، (4/ 276)، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، بلفظ: ((سُئِلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ أو أفضل قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ»
- مستخرج أبي عوانة، رقم: (4864)، (3/255)، عَنْ جَابِر ٍرضي الله عنه، وفي شرح السنة للبغوي، كتاب اللباس، باب الجبة، رقم: (3071)، (12/6). عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17304)، (4/141)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب البيوع، باب إباحة التجارة، رقم: (10177)، (5/ 263)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (4412)، (4/ 276)، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، بلفظ: ((سُئِلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ أو أفضل قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ»
- تاريخ دمشق لابن عساكر، (55/106)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (1739)، عنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما، (6/220)، مسند الفردوس للديلمي، (3/223)، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (18372)، (22/197)، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بن نِيَارٍ، بلفظ: ((أَفْضَلُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَلَدُهُ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ)).
- بهذا اللفظ بدون القسم الأول من الحديث الشريف المذكور أخرجه الإمام أحمد، رقم: (15836)، (25/157).
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (21546)، (25/174)، المستدرك للحاكم، رقم: (7159)، (4/140)، الزهد لأحمد بن حنبل، ص: (398)، عن أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ أُخْتُ شَدَّادِ بن أَوْسٍ رضي الله عنها.
- المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8934)، (8/ 380)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1181)، (2/441)، مسند الفردوس الديلمي، رقم: (567)، (1/40)، نوادر الأصول للحكيم الترمذي (1/405)، الفتح الكبير للسيوطي، رقم: (3572)، (1/ 329)، عَنِ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنه. بلفظ: ((إنّ الله تعالى يُحِبُّ العَبْدَ المُؤْمِنَ المُحْتَرِفَ)).
- سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب في الإيمان، رقم: (65)، (1/25)، شعب الإيمان للبيهقي، باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان، رقم: (16)، (1/47)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (2/ 342)، عن عَلِيّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((اَلإيْمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالقَلْبِ وقَوْلٌ بِاللِّسانِ وَعَمَلٌ بِالأرْكَانِ)).
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني، رقم: (763)، (1/284)، المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي للغُمَارِي، رقم: (912)، (2/362)، عن علي رضي الله عنه.
- سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب إجارة الأجير على طعام بطنه، رقم: (2444)، (2/817)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (333)، (17/ 135)، عَنْ عُتْبَةَ بْنَ النُّدَّرِ
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن عبد الله بن عمر، رقم: (5115)، (2/50)، والبخاري معلقاً في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في الرماح.
- صحيح ابن حبان، رقم: (4236)، (10/48)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7175)، (4/144)، مسند أبو يعلى، (1397)، (2/529)، شعب الإيمان للبيهقي، (1231)، (2/86). عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (9993)، (10/74)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8741)، (6/420)، مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (121)، (1/104)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود.
- مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (82)، (1/83)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (3919)، (1/ 263)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (6/ 263)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ، (4/117) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
- تهذيب الآثار للطبري، (355)، (1/57)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35700)، (7/242)، بنحوه، من قول الحسن رضي اله عنه، بلفظ: ((رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اكْتَسَبَ طَيِّبًا وَأَنْفَقَ قَصْدًا، وَقَدَّمَ فَضْلًا ليوم فقره وحاجته)).
- تقدَّم تخريجه.
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز، رقم: (2606)، (3/ 1013)، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: (2769)، (4/ 2120)، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب أنْ يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، رقم: (2591)، (3/ 2591)، صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم: (1628)، (3/1250)، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني، رقم: (1706)، (2/63)، تخريج أحاديث الإحياء للعراقي، (2/1055)، عن أنس بن مالك، قال ابن السبكي: لم أجد له إسناداً.
- مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5405)، (1/364)، وتاريخ دمشق لابن عساكر: (54/312)، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، بلفظ: ((لَعَثْرَة في كدٍّ حلال أفضل عند الله من ضرب بسيف حولاً كاملاً لا يجِفُّ دماً مع إمام عادل على عُيَّلٍ محجور أفضل عند الله من ضربٍ بسيف حولاً كاملاً لا يجِفُّ دماً مع إمامٍ عادل)).
- )المعجم الكبير للطبراني، رقم: (282)، (19/129)، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه.