تاريخ الدرس: 1989/12/20
منبر الدعاة
مدة الدرس: 01:02:10
منبر الدعاة (20): كيف ينجح الدّاعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتم التسليم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
أتتْني هذا اليوم هذه الأسئلة من الطّلاب والطّالبات بعد صلاة العصر
السّؤال الأول: “واقعنا مُهَدَّدٌ بالمفاسد والضّلالات، وينذر بالإحباط للدّاعية والدّعاة نتيجة اليأس والقنوط، فما السّبيل للقضاء على هذه الظّاهرة التي فَشَت بين الدّعاة أو بين بعضهم؟”
الدّاعي الحقيقي والمُزَوَّر
أولًا: هذا السّؤال مغلوط وغير صحيح، وإذا كان السّؤال مغلوطًا وغير صحيح فلا يستحق الجواب، ولكن يجب البيان
كيف ينبغي أن يكون السّؤال عن الدّاعي، ومن هو الدّاعي؟ فالدّاعي الحقيقي واحد، أمّا الواقع فهناك داعٍ حقيقي وداعٍ غير حقيقي (مُزَوَّر)، فالورقة النّقدية التي قيمتها خمس مئة ليرة سورية إذا كانت صحيحة؛ وكان منها مليون قطعة- يعني نصف مليار ليرة سورية- ستقضي لك ألف حاجة، أمّا إذا كانت هذه الأوراق مُزَوَّرَة فستبقى في السجن زمنًا طويلًا وبالمدة التي يقررها لك القانون، فهل نستطيع أن نقول أنّ قطعة الخمس مئة ليرة السورية الصّحيحة غير ناجحة؟ أمّا المزوّرة فإنها ليست غير ناجحة فقط، بل لا يمكن أن تشتري بها رغيف خبز، وفوق ذلك تكون ضررًا على حاملها والـمُستعمِل لها.. وهذا في كلّ شيء.
إذا نقصت عجلة من السّيارة فهل تنجح؟ وهل يُرجى أن تُوصلك إلى مكة والمدينة؟ والطّائرة إذا كان فيها أقل نقص؛ ولو سلكًا غير متصل لكي يصِل الطّاقة الكهربائية، أو كان موجودًا لكنّه غير مربوطٍ ربطًا متينًا، فعند الطيران ربما ينقطع هذا الاتصال، فالطّائرة لن تحقق الهدف من صناعتها وهو الوصول إلى ما تريد من أسفارك فقط، بل إنها تُمثّل الخطر- فوق ذلك- والهلاك والفناء لكلّ من يستعملها، وهكذا كلّ شيء في الوجود.. فالمذياع هكذا، “والفيديو” هكذا، وهذا البناء لو كان بلا سقف فلن يُجْلَس فيه في هذا الشّتاء البارد، وكذلك العالِم.. فالعالِم يكون بالمعنى الذي ذكره القرآن: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ [سورة المجادلة: 11].. فإذا كنّا نشك بأنّ العِلم لا يرفع صاحبه فقد صِرْنا شاكِّين في كتاب الله عز وجل، والشّك في كتاب الله عز وجل يُخرِج الإنسان من الإيمان إلى ضدّه، أليس كذلك؟ لكنّنا في الواقع نرى علماءَ غير ناجحين وغير مُنتجين وغير مُثمرين، وفي الوقت ذاته يَودُّون أن ينتجوا وأن ينجحوا، وقد نجدهم مخلصين! فلماذا لم تتحقق آمالهم فيما تعلموا ولم يتحقق حسنُ ظنّ ورجاءُ الإسلام والمسلمين في إنتاجهم؟ والمجتمع الإسلامي ليس فقط في أشدّ الحاجة إلى الدّاعية والدّعوة، بل إنّ العالَم الإسلامي- العربي وغيره- في حالة خَطَر وفي حالة احتضار بين الحياة والموت.
كان العرب قبل الإسلام أسوأ حالًا ممّا عليه المسلمون اليوم، فقد كانوا وثنيين جامدين متقاتلين خُرافِيّين.. وفي هذا المجتمع الجاهلي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وليس لهم دَوْلَة، ولا يوجد عندهم مفهوم أمّة ولا ثقافة ولا حضارة، أتاهم الذي ذَكَرَه القرآن العظيم: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [سورة الأحزاب: 46].. فهل كان هذا الدّاعي الأول فاشلًا أم ناجحًا؟ والدّاعي الثّاني كان أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم أجمعين، كلّهم كانوا أئمة مساجد وخطباء منابر الجمعة.. فبعد أن كان العرب يأكلون الـمَيْتَة ويدفنون البنات وهن على قيد الحياة، ويذبحون أبناءهم من الفقر والجوع، زحفت كنوزُ الدّنيا بذهبها وفضّتها وجواهرها على أقدامهم ونِعالهم؛ لأنّهم كانوا دعاةً يحملون كلمةَ دعاة بحقيقة المعنى وجوهر الدّعوة.العلماء الأميّين
هل يمكن للشّمس أن تفشل في إزاحة ظلمات الليل؟ قد يُحْجَبُ رؤيةُ جُرْمِها بسبب السّحاب والغيوم، ولكن مع وجود السّحاب هل يبقى الليل؟ كذلك مفهوم الدّعوة عند النّاس والدّاعي: طلبُ العلم وأخذُ الشّهادة. أو طلب العلم فقط سابقًا حيث لم يكن هناك شهادات.. كان شيوخي- رحمة الله عليهم- بحرًا في العلم، ودراستنا ليست مثل دراستكم، نحن درسنا أعمق بكثير وكثير وكثير.. لكن الدّراسة العلميّة هي لَبِنَة في بناء الدّعوة، ولو بقيت أنا شخصيًّا على دراستهم العلميّة مع عُمْقها وتقواهم وزهدهم وورعهم؛ لم أكن أكثر منهم صفرًا على الشِّمال، فما كانوا يستطيعون أنْ يهدوا إنسانًا واحدًا؛ لأنّ الدعوة غير قراءة الكتب العلمية، والعالِم غير القارئ.. في المعاهد والكليات يقرأ الكتاب، لكن هل صار عالـمًا؟ قد يقرأ كلَّ الكتب ويبقى أُمّيًّا في قاموس القرآن.. ماذا ذكر الله عز وجل عن علماء أهل الكتاب؟ قال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ [سورة البقرة: 78]. فإذا كانت قراءتنا للقرآن ودراستنا للعلوم والإسلام بالأمانيّ، فالقرآن يسمينا أُمّيين.. فهل سائق الجرار ينجح في قيادة الطّائرة؟ وهل الطّباخ إذا وضع المازوت بدل السّمن على البقلاوة والكنافة تَرُوْج صناعتُه؟العلم الحي يوجب العمل
فبعد القراءة يحتاج إلى مدرسة ثانية لتتحول القراءةُ إلى عمل.. والعلم بمعناه الحي هو الذي يُوجِب العَمَل.. عندما تعرف أن َّهذه أفعى فهذا عِلْم، فهل يستوجب علمُك بأنّها أفعى أنْ تجعلها ربطة عنق؟ أو تجعلها عمامة بأن تلفّها على الطّاقيّة؟ أو تجعل منها حزاماً “زِنّارًا”؟ العلم يمنعُك، ولأنّك عالِم تمتنع عن ذلك.. وعندما تعرفُ صُرّةً كلّها دنانير ذهبيّة؛ فقد صار عندك عِلْم، فإن قال لك أحدُهم: سأهديك إياها- مع عِلْمِك بما فيها- فهل تقبل أو ترفض؟ تقبل لأنّك تعلم.. أمّا إذا كان طفلًا لا يعلم الذّهب وقيمتَه، فقد يُؤْثِر قطعة حلوى “سُكَّرةً” صغيرة، وحتى من غير “سكّرة” لا يقبل ولو رأى الذّهب؛ لأنّه لا يفقه الذّهب.
نجاح العالم الحقيقي حتمي
فالعالِم بمعنى القرآن، والعالِم بالمعنى النّبوي، وبقاموس الكتاب والسّنّة مستحيلٌ أنْ يفشل، وهو حَتْمِيّ النّجاح، وحَتْمِيّ السّعادة، وبنصوص القرآن، أولًا: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ من كل ضيق. وثانيًا: ﴿وَيَرْزُقْهُ﴾من حيث الحياة ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [سورة الطلاق: 2-3]. وآية أخرى: ﴿يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ﴾ من الأمور العسرة ﴿يُسْرًا﴾ [سورة الطلاق: 4]. وفي المعركة: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين﴾ [سورة الروم: 47]. وفي المجتمع: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة المنافقون: 8]. بينما نجد طالب العلم لم تتحقق له هذه النّتائج؛ لأنّ المقدمات مفقودة- رغم وجود بعضها، ولكنْ فُقِد معظمها- ولذلك حسب قانون الله وقانون الوجود إن نجح فإنه يكون مخالفًا لكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فحتمًا لا ينجح، وإذا نجح فيكون القرآن غير صحيح.. فالدّاعي- بمعناه الحيّ- هو من عَلِم علوم القرآن.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) 1 ، لم نفهم نحن حقيقة هذا الحديث وجوهرَ معناه، نحن نفهم من الحديث: أنّ خيرَكم من قرأَ القرآن وعلَّم قراءته وتلاوته، أليس كذلك؟ لأنّه لو علِمْنا القرآن لتجسّد فينا أعمالًا، وتجسّد في عقولنا حكمةً، وتجسّد في نفوسنا أخلاقًا وسلوكًا.. وهل يمكن لمن يحمِل العلم بحقيقته والحكمة بحقيقتها والتّزكية بحقيقتها أن يفشل؟ هل يمكن أنْ تتساوى قيمة الجوهرة الحقيقيّة مع قيمة قطعة الزّجاج أو قطعة الخزف؟ هذا مستحيل.الدّاعي يدعو إلى الله بلا إرادة
لكن نحن نظنّ أنّ الأمرَ بدراسة الكتب.. فلو درسنا كلّ كتب الدّنيا وبكل مذاهبها، فهذا اسمه قارئ وليس بعالم، فبعد القراءة عليه أن يدخل المرحلة التي تؤهّل وتحوّل قراءته إلى عِلم، وتُحوّل شخصية القارئ إلى عالِم.. وإذا كان عنده العلم الحقيقي فيقوم بالدّعوة بلا إرادة.. هل تعطي الشمس إشعاعها وحرارتها للأرض بإرادتها واختيارها؟ لو أرادت ألّا تعطي إشعاعًا ولا حرارة هل تستطيع؟ هل يستطيع سكان الأرض أنْ ينكروا فضلها؟ أو أنْ لا يعرفوا قدرها؟ كذلك مستحيل. لكن إذا سميّنا شيئًا “شمساً” بالاسم وهو ليس بشمس، فما الفائدة؟ فإذا أدخلنا الشّمس على الغرفة وما أضاءت، فما قيمة هذه الشّمس؟ هذه تُلْقى في القُمامة، كذلك يتسرّب اليأس إلى الدّاعية؛ لأنّه لم يستكمل مراحل العلم.
اليأس يصيب أهل العلم إذا لم يدخلوا مدرسة التّزكية
كان الإنسان- فيما مضى- بعدما يقرأ كلّ العلوم حتّى يصير عالـِمًا بكلّ عُمْق؛ ينتقل إلى المدرسة الثّانية وهي مدرسة التّزكية، التي تسمّى اصطلاحًا بالتّصوف، فكان مولانا خالد النّقشبندي رئيسَ علماء العراق.. وكان العالِم في ذاك الوقت صاحب تقوى، وعنده أخلاق وسلوك، ولكن العلم اللّدني غير العلم اللّساني: ((الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَتِلْكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ)) 2 .. فخرج من العراق إلى الحج لعلّه يعثُر على الشّيخ الذي يؤهِّله ليكون عالِمـًا حكيمًا مُزَكِّيًا، والتقى بشيخه، وطلب منه أن يدخلَ مدرسته، فقال له: نحن بالحج، تعال إلى الهند، فسافر أربعين يومًا من العراق إلى الهند، ولما وصل إليه تصدّق بدابّته ومتاعَه كلّه ودخل على شيخه مفلسًا، ودخل في الخلوة ثمانية أشهر، وأتى علماء الهند ليزوروه بسبب شهرته العلميّة العالميّة فلم يقابل أحدًا، وقال: أنا ما أتيت للقاء النّاس، وتخرّج من هذه المدرسة بثمانية أشهر، فنشر أنوار دعوته وهدايته من تركيّا إلى الجزيرة العربيّة إلى الهند إلى غيرها.
مضى على وفاته 150 سنة؛ وإلى الآن يُقصَد ضريحُه للزيارة من الهند وباكستان وتركيا وغيرها.. هل هذا فشل أو نجاح؟ عِزّ أو ذل؟ غنى أو فقر؟ تقدّم أو تَخلّف؟
فاليأس يحدث لفهم طالب العلم مِنْ أنّ العلم هو هذا البرنامج الذي يُقرَأ في الكليّة؛ سواء “ليسانس” أو “دبلوم” أو “ماجستير” أو “دكتوراه”.. ولكنْ لو كان أعلى من “الدّكتوراه” بخمسين مرتبة فهذا لا يُسَمَّى داعية ولا عالِمًا حتّى يتحوَل الذي قرأه إلى عمل عمليٍّ بدَنًا وقلبًا وعقلًا.. وأنا- كمثال صغير- رُبْع داعِ أو عُشْر الرّبْع أو واحد بالمئة؛ لم أفشل من أمريكا إلى إندونيسيا إلى موسكو، ومع أعظم رجالات الدُّول، ومع أعظم رجالات النّصرانيّة؛ مع البابا.. مرّة دعاني البابا لإلقاء محاضرة دعا لها “كرادِلة” العالَم، فهل هذا فشل أم نجاح؟ دعاني للقاء، ومن العادة أنه حين يلتقي برئيس دولة يجلس معه ربع أو ثلث أو نصف ساعة، وحدّدوا لي خمس عشرة دقيقة، ولكنّه هو الذي قال: نريد أنْ نُكْمِل، فكَمُلَت ساعة كاملة- وأنتم قد سمعتم هذا منّي-.
فالشّاهد أنّ واقِعَنا مهددٌ بالفساد والضّلال وهذا صحيح، فنحن تحت وطأة هجوم صليبي وصهيوني يهودي لإفساد عقيدتنا وإسلامنا، وتحت وطأة هجوم إلحاديّ وإباحيّ وجاهلِيّ.. ولكن لا يُحبِط عملَ الدّاعي والدّاعية.. لأنّ الأرض إذا ذَبُل زرعُها، وإذا هيأنا لها الماء؛ فهل هناك يأسٌ مِن أنْ يستعيد النّبات حيويّته ونضارته وتكملة مراحله حتّى يصير زهرًا وثمرًا وغذاءً وحياةً للإنسان؟ لكن إذا زرعنا وما سقينا، أو إذا سقينا وما عَشَّبْنا؛ أو لم نُنظف ما حول النّبات من حشائش طفيلية، فحتّى لو نبت فسيكون ضعيفًا ومحصوله قليلًا، ويمكن ألّا يُثمِر فيكون ميؤوسًا منه.
اليأس له أسباب، والإحباط له أسباب، والنّجاح له أسباب، وتحقيق الأهداف له أسباب.. لذلك إن ظننتم أنّ الدّعوة هي الذي دَرَسْتُموه في الكليّة؛ فمن الآن -وقد قلت لكم كثيراً- كونوا نجّارين وحدّادين.
عليكم بعد الدّراسة أو مع الدّراسة أنّ تدخلوا مدرسة مولانا خالد.. هي ليست مدرسة مولانا خالد، بل مدرسة النّبي صلى الله عليه وسلم ومدرسة حراء ومدرسة الطّور.. من أين تعلّم سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام؟ من أين أتته علوم النّبوة؟ أتته من خلوته بالله عز وجل وانقطاعه عن كلّ مخلوقات الله تعالى.. من أين أتت النبي صلى الله عليه وسلم الرّسالة المحمّديّة؟ من غار حراء.. هل كان هناك كتاب أو أستاذ؟ هل كان يقرأ ويكتب؟ لكن الله عز وجل قال له: ﴿اقْرَأْ﴾ [سورة العلق: 1].. هل يأمر الله عز وجل مخلوقًا بأمر ليس ذاك المأمور أهلًا لتنفيذ هذا الأمر؟ والنبي عليه الصلاة والسلام لا يقرأ! هل المراد القراءة على الورقة؟ طبع الله عز وجل في صفحات قلبه الكتابة الإلهيّة التي تحولت إلى روح تحيا بها روحه وعقله وفضائله، وكانت عنده القراءة الإلهية، كما قال تعالى له: ﴿سَنُقْرِؤُكَ﴾ [سورة الأعلى: 6].. فأيّهما أعظم إذا كان الله عز وجل أستاذك وأنت تلميذه، أم أن تكون تلميذ أستاذ مثلك؟ إنسان وإنسان؟ فما لم تتحول من مدرسة إنسان وإنسان إلى مدرسة إنسان و”الله” فلن تصير داعيًا.
وإذا دخل في مدرسة الله عز وجل بطريق الأساتذة المتخرجين من كليّة الله عز وجل، ينجح في موسكو وواشنطن وباريس، وينجح أينما وُجِد كما ينجح المطر أينما نزل، ﴿وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [سورة النحل: 65]. فإذا كان سحاب بلا مطر؛ فهل توجد أزهار أو ثمار أو خَضَار أو ربيع؟
أظن أن الجواب على هذا السؤال يكفي.
ضرورة المذاهب الأربعة ونبذ التعصب لها
السؤال الثاني: “فهم بعض الناس من سماحة الشّيخ أنّه لا ضرورة للمذاهب الأربعة، وأنّ الإنسان يكفيه فهمه للإسلام بنفسه ليحل له المشكلات، هل هذا صحيح؟ أم المطلوب نبذ التّعصب مع احترام المذاهب الأربعة؟ كما فهم بعضهم من انتقاد سماحة الشّيخ سلبيات بعض المشايخ الانتقاد المطلق لرجالات الإسلام الكبار كالنّووي وابن حجر وغيرهم، يرجى الإيضاح؟”
أولًا: أنا لا أقول بأنّه لا ضرورة للمذاهب الأربعة- كما أنه هناك مذاهب غير الأربعة- لأنّه ممّن أخذنا علمنا؟ من العلماء ومن السّلف الصّالح، جيلًا بعد جيل وقرنًا بعد قرن، فكلّنا عيالٌ وأطفالٌ على مدارسهم، ليس فقط دراسة وقراءة، بل اقتداءً وتأسّيًّا ومحبّة وارتباطًا.. كانوا من كبار أولياء الله عز وجل، وكانوا بحرًا من الإخلاص والعلم والحكمة.
فأنا إنْ ذكرت مثل هذا الموضوع- لعل بعض الناس يكون قد أتى من نصف الحديث أو إلى آخره- فأقصد ألّا يكون التعصب المذهبي، وأن ننظر إلى كلّ المذاهب الإسلاميّة التي صحّت أحكامها وعلومها بالسّند المتّصل بأن تكون موضع احترام الجميع.. أنا أعي أنه قبل خمسين سنة- ولعله يوجد بقايا حتّى الآن- أنه من كان مذهبه شافعيًّا لا يصلي وراء الحنفي، فهل يقول القرآن هكذا؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا﴾ [سورة الأنعام: 159]، صار المسلمون شِيَعًا، وصارت المذاهب كأديان، هذا لا يصلي وراء هذا.. وفي بعض كتب الفقه من هذا التعصب أشياء كثيرة بشكل ينفر الإنسان من قراءتها، خصوصًا من كتب المتأخرين، والذي درس منكم اطَّلع على بعض منها، فهذا الذي أستنكره.. أمّا من ناحية أخرى: فما هي المذاهب الأربعة؟ كانت المذاهب بالمئات، كان الإمام الشّافعي عالمـًا، وكان الإمام أبو حنيفة عالمـًا رضي الله عنهم جميعًا، فالذي كان له أتباع أَحْيَوا اجتهاده بقي مستمرًا وباقيًا، والذي لم يكن له أتباع انقرض مذهبُه وبقي بقايا منه.
ما هو المذهب؟
ما المذهب؟ هو اجتهاد صاحبه.. أمّا تحريم الخمر، هل ابتدع هذا أو أَحْدَثه الإمام الشّافعي؟ هل فرضَ الإمام الشافعي فرضيّة الصّلوات والصّيام؟ اجتهاد الإمام الشّافعي رحمه الله تعالى في الأمور التي لم تكن مُوضّحة من الكتاب والسّنّة، أو التي حدثت في عصر من العصور.. فكانوا يجتهدون في استنباط الأحكام لبيانها للنّاس كما كان النّبي صلى الله عليه وسلم يبيّن أحكام القرآن.. فمثلًا قال القرآن: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ [سورة البقرة: 43] لكن لم يأتِ ذِكْرُ صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء في القرآن الكريم.. كذلك الأئمة رضوان الله عليهم هكذا كانوا، فقد كانوا يُبَيِّنون للنّاس ما أُبهِم عليهم أو ما حدث ممّن لم يَرَ مثل هذا ويُصْدِر فيه اجتهاده، فكانوا يجتهدون.فالواجب على العالِم أن يجتهد، والواجب على المقلِّد أن يَتَّبِع، لكن بشرط ألّا يكون تعصبًا مذمومًا بأن يقول الشّافعي أفضل من الحنفي أو العكس.. كان يحارب بعضهم بعضًا ويهدم بعضهم مساجد بعض عبر التّاريخ، والذي يحب أنْ يعرف فلْيقرأ تاريخ ابن كثير “البداية والنهاية”.. يجد مثلًا أن سبب موت الإمام الشافعي- في إحدى الروايات- ضربُه من أحد زملائه من العلماء على رأسه، فهل يُسَمّى هذا عالِمًا؟ هذا حاسد.. واحترام المذاهب واجب، لكن التّعصب الذي يفرِّق المسلمين ويجعل المتعصّب يرى مذهبه دينًا، هل الإسلام يُقِرُّه؟ وهل العقل يقرّه؟ وهل مصلحة المسلمين تقرّها؟ هذا الذي أريده.
كيفيّة التّعامل مع كتب العلماء الأقدمين والمذاهب
وأمّا سلبيات بعض المشايخ كالنّووي رحمه الله: فأنا لم أقل أنّ النووي له سلبيات ولنْ أقول.. النّووي كان من كبار العلماء والأولياء، وابن حجر كذلك، لكن هل كلام النووي وابن حجر وأي كتاب أعظم أم كلام النّبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن كان قد اُلْصِق بالنّبي صلى الله عليه وسلم أحاديث موضوعة، فهل واجب علينا أن نقبلها؟ والنّبي صلى الله عليه وسلم معصوم، أمّا الإمام النووي فليس بمعصوم، وكان الإمام مالك يقول: “كلّ رجل يُؤخذ منه ويُرَدّ عليه إلّا صاحب هذا القبر” 3 .
لما اجتهد سيدنا عمر رضي الله عنه وبإجماع الصّحابة كلّهم على تحديد المهر بخمس مئة درهم، بناءً على أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج ولم يُزَوِّج على مهر أكثر من خمس مئة درهم، ولم يرفع أحد من الصحابة أصبعَه مخالفًا؛ ولكن امرأة في آخر الصفوف قالت له: أنصَدِّقك أم نصدِّق الله عز وجل؟ أم نصدّق القرآن؟ أما سمعت الله عز وجل يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ [سورة النساء: 20]؟ أتدري كم هو القنطار؟ 4 فماذا قال عمر؟ إذا صوّت الأكثرية الآن في البرلمان، ألا يُقبل رأي الأكثرية؟ والمرأة بنصف شهادة.. وسيدنا عمر رضي الله عنه والصّحابة كلّهم بميزان والمرأة وُضِعت بميزان.. فمن الذي رجّحه الإسلام؟ممّا يُؤخَذ على الإسلام ويُهاجَم ويُنتقَد موضوعُ المرأة، فدَعُونا نُظهِر فضائل المرأة في الإسلام.. العدو يبحث عن مواضع الضّعف ليهدم الإسلام.. طالب العلم عليه أن يتعلّم كيف يُدِير المعركة.. فما موقف عمر رضي الله عنه؟ وما هو موقف الإسلام المتجَسِّدُ في عمر رضي الله عنه؟ كان الموقف: “صدق الله وكذب عمر”، وفي رواية: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”.
فإذا كان عمر رضي الله عنه يقول عن نفسه أخطأ! ألم يرجع الإمام الشافعي عن مذهبه القديم كله ولم يرضَ أن يُنسَب إليه حرف منه؟ إن الأمور الاجتهادية منها أمور تتناسب مع الزّمان والمكان، ومذهب الإمام الشّافعي القديم كان في بغداد، ولـمّا انتقل إلى مصر تغير الزّمان والمكان فتغير الاجتهاد.. فعلى طالب العلم أن يفهم المذهب بزمن معين، وإذا رأى شيئاً حدث ضمن قواعد الإسلام يقتضي البحث والتّمحيص ينتقل فيه من الضّعف إلى القوة، ومن الهزيمة إلى النّصر.
كان الإمام الشّافعي من إخلاصه لا يريد أن يُنسَب إليه من علمه حرفٌ واحد.. كان من بقايا التعصّب أن من كان مذهبه شافعياً لا يصلي وراء حنفي، والحنفي لا يصلي وراء الشّافعي، وفي باكستان وأفغانستان إلى الآن لا يصلي الحنفي وراء الشّافعي.. هل أراد الإمام الشّافعي هذا؟ إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((صلوا خلف كل بَر وفاجر)) 5 فهل الشّافعي فاجر إنْ لم يصلّ خلفه الحنفيّ؟ هذا الذي أريده وهذا الذي أنقُدُه، وهذا الذي لا يرضى به اللهُ عز وجل ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم.. وإذا يرضى به أحدُكم ليرفع لي أصبعه حتّى أجاوبه وأقنعه.
كما أنّي أريد لكم ذلك كي تنجحوا.. وهل لي هدف معكم إذا قلت هذا أو هذا أو في الدّروس العامّة؟ أنا لست بحاجة للدّنيا ولا للمال ولا للجاه ولا لأيّ شيء، لا أريد- إنْ شاء الله تعالى- إلّا رضا الله عز وجل وخدمة دين الله تعالى بكلّ ما أملك من طاقة، لكن أريد ألّا يفشل في الألف منكم واحدٌ؛ لتُعَزُّوا في الدنيا قبل الآخرة وتُكرَّموا وتُرفَعوا وتَنجَحوا وتَنتَصروا، فنجاحكم نجاح الإسلام ونجاح الأمة العربية وفخر هذا البلد.. وهذا بصحيفة كل من ساهم من ولاة الأمور- جزاهم الله كل خير- في دعم وإنشاء الكليات ومعادلة الشهادات وقبول طلاب العلم خصوصاً من المحافظات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله)) 6 ، والله تعالى يقول: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾ [سورة إبراهيم: 7].
اللقاء السني الشيعي
الشّيء الثّالث: السّؤال: “التّعاون الإسلامي السّني الشّيعي دعوةٌ مطروحة في عالم اليوم، فما هي مجالات التّعاون مع العلم أنّ الخلاف يكاد أن يمسّ العقيدة؟ – هذا السّؤال صحيحٌ- ثمّ هل نعني بالتّعاون والالتقاء السّني الشّيعي التّخلي عن السّنية أو عن الشّيعيّة؟ فإن كانت.. فهل يرضى أحد الطّرفين؟ فما جدوى الالتقاء؟”
أولًا: هل كان في زمن النّبي عليه الصلاة والسلام سنيٌّ وشيعيٌّ؟ لم يكن، وهل كان شافعيٌّ وحنفيٌّ؟ لم يكن، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون﴾ [سورة المؤمنون: 52].هذه الأمور منها سياسي- السّنة والشّيعة- ومنها عقائدي، ومنها فقهي.. الاختلاف في الفروع الفقهيّة موجود بين المذاهب الأربعة وفي نفس المذهب الواحد، فيوجد في المسألة الواحدة عدّة أقوال وهذا لا يخفى على أحد منّا.. أمّا السّنة والشّيعة: فكان الخلاف حتّى قبل القرن الثالث بين السّنّة والشّيعة في أفضلية علي رضي الله عنه على الخلفاء الثّلاثة رضي الله عنهم أجمعين، ثم من القرن الثّالث وما بعده بدأ الخلاف يأخذ أبعادًا أكثر من الأفضليّة؛ وهو التّنقيص ثمّ زاد على التّنقيص إلى ما كلّنا يعلمه.. وهذا انقسام للمسلمين وضعف، وخلاف أهداف القرآن نصًّا؛ تصريحًا وتلميحًا.
هل نترك هذا المرض الذي مزّق وحدة المسلمين على حاله أم- نحن كأطباء- يجب أن نعالجه؟ ثمّ إذا أردنا أن نعالج المريض: فإذا كان طفلًا وأردنا أن نعطيه دواءً مرًّا فنضعه ضمن الحلوى (ملبّسة)، وإذا احتاج إلى جراحة يخَدِّرونه حتّى يفقد إحساسه، ويشقّوا له صدره، وينشروا له عظمه حتّى تنتهي العملية، ولما يستيقظ يقول: هل أنجزتم العملية؟ فهل علينا أن نُبْقِي المسلمين هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف؟ وهؤلاء يُعَادون هؤلاء ويحقدون على هؤلاء ونحن أمام إسرائيل وأمام الزّحف الصّليبي والإلحادي والجاهلي والإباحي؟ وهل يمكن أن نوحّد الكلمة بالسّباب والشّتائم والبغضاء والعداوة؟ هل قال الله تعالى: “وقولوا للذين آمنوا حسنًا”، هل الآية هكذا؟ أم ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [سورة البقرة: 83]؟ فلـمّا يُذكَر الناس لا يُقصَد به المؤمنون، بل عموم النّاس. فإخواننا الشّيعة يصلّون ويصومون ويحجّون وعندهم التّصوف، وهناك أشياء خلافيّة في العقائد أو في الفروع، فإذا أردنا التّقارب؛ فهل يكون التّقارب بالتّناطح أو بالسّباب أو بالشّتائم أو بالمقاتلة؟ ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [سورة النحل: 125]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [سورة الحجرات: 10].((الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)) 7 وهل من الممكن أن يصير الشّيء دفعة واحدة؟ أيْ: هل تريد ولدًا من ليلة العرس يكون خريج الجامعة وحامل “دكتوراه” وأستاذًا في كليّة الطّبّ؟
وإذا أردت الولد بهذا المعنى، ورُزِقت به، فكم يحتاج ليصير بهذا المستوى؟ خمس سنوات أو عشراً؟ يمكن أنه يحتاج ثلاثين سنة ليصير بهذا المستوى.. فإذا أردنا أن نقيم تقاربًا- والتّعاون أوله تقارب- فكما قال الشاعر
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ فكلامٌ فموعدٌ فلقاء
فبعض طلاب العلم يريد “لقاءً” مباشرة، وهذا غير ممكن.. فمن ليلة العرس يريد ثلاثة أولاد مباشرة؛ واحد أستاذ بكليّة الطّبّ، وواحد أستاذ بكليّة الهندسة، وواحد أستاذ بكليّة الآداب.. هناك امرأة عمرها تسعين سنة وعاجزة وعندها ثلاثة أولاد أساتذة في الجامعات.. فمن يرضى بالزواج منها؟ هل أحد منكم يرضى يصير عنده ثلاثة أولاد في يوم واحد؟ [يقول ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك ويضحك معه الحضور] هل سينجح الذي يريد الأمور بهذا الشّكل؟ لذلك لا ينجح طالب العلم؛ لأنّه لم يُؤْتَ الحكمة ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [سورة البقرة: 269].اللّقاء مع رئيس أساقفة أمريكا
ذكرت للإخوة في درس الجمعة أكثر من مرة أنّه قد التقيت مع رئيس أساقفة أمريكا، فبعد لقاء ساعة قَبَّل يد الشيخ ثلاث مرات، هل يقبّل خوري قريةٍ يدَ شيخٍ في سوريا؟ هل هو خائف مني عندما قبّل؟ أم له طمع في الشيخ؛ في مال أو في منصب أو في دنيا؟ قبّل يد الإسلام الذي اقتنع به في جلسة نصف ساعة؛ لأنّ التّرجمة نصف ساعة، وكلامي نصف ساعة، هل اسم هذا نجاح أو فشل؟ هل هذا موجب لليأس أو للأمل؟ هل هذا انتصار أو هزيمة؟ هل هذا عزّ أو ذلّ؟
العلم ثلاث مراحل
العلم ثلاثة مراحل: الدّراسة، وبعد الدّراسة فِقْهُ العلم، وبعده فِقْهُ الحكمة التي تبيّن كيف تضع الأمور في مواضعها؟ وكيف تدرس الأسباب ومُسَبَّباتها؟ وكيف تعرف المقدّمات ونتائجها؟ فإذا مشيت بالحكمة فالنتيجة ستكون صحيحةً أم خاطئةً؟ نجاحًا أم فشلًا؟
إذا أعطيناك ساعة لتصلحها ولست متعلّمًا فنّ إصلاح السّاعات بشكل جيد، ستخرِّبها أكثر مما كانت عليه، فهل ستكون ناجحًا أم فاشلًا؟ هل تستحق الأجرة أم تستحقّ صفْعًا على رقبتك؟ وهل يقولون لك: رضي الله عنك أم يشتمونك خمسين شتيمة؟ ليس السّاعاتي فقط هكذا، بل والنّجّار هكذا، والبنّاء والمهندس والطّبيب.. وكذلك؛ هل للشّيخ امتياز أنه إذا أخطأ أو لم يكن أهلًا؟ وهل سيعطونه أوسمةً؟ هل يقولون: “قدّس الله سرّه”؟ لا؛ إذا لم يكن مهيَّأً سيكسب مثلما كسب السّاعاتي الفاشل.. شيخنا الوالد- رضي الله عنه- كان من أكبر علماء زمانه؛ حافظًا لكتاب الله عز وجل، وكان عنده دروس وعنده طلاب علم، وكان من المنكرين على شيخه المربّي، وشيخه كان يُلقّبُ في دمشق بالشّافعي الصّغير، وكان لا يتكلم إلّا باللّغة الفصحى، ومع عظيم مقام شيخه الـمُربّي وعظيم فضله كان شيخنا من المنكرين عليه؛ لأنّه يفهمه أو يعرفه إما من حاقد أو من حاسد أو عن بُعْد أو أن عقله معكوساً، فلمّا لقيه؛ فبالمصافحة وبأربعين يوم أجازه بالإرشاد الكامل.. فما أنتم فيه الآن؛ هل هو نجاح أو فشل؟ بل هو من بركة شيخ شيخنا الشّيخ عيسى الكردي ومن بركة شيخنا.
المدرسة الثّانية بعد العلم.. بالنسبة لي: فلا يوجد علم من العلوم إلّا حفظت فيه متنًا أو متنين نظمًا أو نثرًا، ووالله أبيعكم كلّ ما درسته “بفْرَنْك”، [الفرنك: كان يساوي خمسة قروش والليرة السورية تساوي عشرين فرنك.. والفرنك لا يستخدم الآن وليس له قيمة شرائية مطلقاً. ومثل هذه الجملة في العامية السورية “واللهِ أبيعكم كلّ ما درسته بفْرَنْك” يُقصَد منها أن هذا الشيء لا قيمة له أبداً عندي] لولا أنّ الله عز وجل كمَّل لي المدرسة الثّانية التي هي مدرسة التّزكية ومدرسة الحكمة.
شيخنا كان من أكبر الحكماء ومن كبار الأولياء ومن كبار العلماء.. فيجب أنْ تجتمع هذه الأمور الثلاثة في العالِم.. فإذا وجدت الأربع عجلات في السّيارة تمشي، أمّا إن وجد ثلاثة أو كانتا اثنتين أو واحدة؛ فهل تمشي؟ وهل التقصير من السّيارة أو منك؟ أكْمِلها ثم إذا لم تمْشِ بعدها فقل إن السّيارة فاشلة.
كيفيّة جمع كلمة المسلمين السّنّة والشّيعة
وصلنا في كتب السّنّة والشّيعة لدرجة التّكفير، فهل سنبقى على درجة التّكفير؟ ألا يقولون: لا إله إلا الله؟ ألا يقولون: محمد رسول الله؟ ألا يقيمون الصلاة؟ ألا يؤتون الزكاة؟ ألا يحجّون؟ ألا يصومون؟ يوجد خلاف، ولكن لماذا لا نجمع كلمة المسلمين؟ فإنْ كنت هنا وكانت زوجتك في حلب؛ هل يأتيك أولاد؟ هل يأتي الأولاد عن طريق التلفون أو باللاسِلْكي أو بالبرقيّة؟ عليك أن تقترب.. ولكن ليس ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ [سورة العلق: 19] بل اقترب من غير سجود.. فإذا أردنا أنْ نجمع كلمة المسلمين، فكيف سنجمعهم وهم بإيران ونحن هنا؟بعض لقاءات الشيخ مع المسلمين في إيران
ذهبت بزمن الشّاه- بطلب- لزيارة إيران لأجل الحوار وجمع كلمة المسلمين.. فالتكبير الذي كان يُكَبّره إخوتنا في إيران أثناء المحاضرات التي كنت ألقيها يكاد يطير بالسّقف ابتهاجًا وتَقَبُّلًا وتلاقيًا.. وألقيت بجامعة طهران محاضرات، وكذلك في الجامعات الدّينية؛ حتّى إنّ أحد المراجع وقد توفّي رحمه الله- والمرجع هو أعلى مرتبة عندهم.. طالب علم ثم ملّا ثم مجتهد ثم حجة الإسلام وآخر شيء المرجع- وهو “الحجّة الميلاني” لـمّا زرته في مشهد- وكان عنده مجمع علماء شيّباً وشبابًا، وأكثر من ألف شيخ- ألحّ عليّ حتّى أجلسني على كرسيّه وألقيت المحاضرة بدلًا عنه.. “نظرةٌ”.. وهناك أناس- بعضهم وليس كلّهم- لا نظرة ولا ابتسامة ولا سلام ولا كلام ولا موعد، وبدلًا عن “الّلقاءُ” نطاح.. هل نستطيع هكذا أنْ نوحد كلمة المسلمين؟ هل هذا هو العِلْم؟ لـمّا أتى النّبي صلى الله عليه وسلم العربَ؛ ألم يكونوا متفرّقين؟ ولكن ماذا كانت النتيجة بالحكمة؟ قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ [سورة الأنفال: 63].وهل كان ذلك بالدعوة والموعظة والتّهجد فقط؟ بلْ وبالمال وبالوظائف العالية.. أعطى لأبي سفيان ثلاث مئة ناقة له ولأولاده، مع أنّه كان يحتاج أنْ تُقطَع رقبته، ولمن أعطى غنائم حُنيْن؟ هل أعطاها للمهاجرين والأنصار؟ أعطاها للطُّلقاء.. فهذا هو الدّاعي، وهو الدّاعي الأول؛ سيّد الدّعاة وإمام النّبيين والمرسلين.. فعلينا أنْ نمشي بالتدرّج.
بعدها التقيت مع “الشّاه”، [زعيم إيران قبل الثورة] وقال لي مدير التّشريفات: “اللّقاء ربع ساعة”- هكذا عادة الملوك والرؤساء بالنّسبة لأشغالهم ومواعيدهم ومسؤوليّاتهم- فلمّا صارت أربع عشرة دقيقة قلت له: “انتهى الموعد؛ فاسمح لي”، قال لي: “لا، أكمْل كلامك” حتّى أبقاني معه ساعة ونصف، قال لي: “أنا أتتبّع كلّ محاضراتك في الصّحف، وإنّا قد أَتْعَبْناك، فأنا أدعوك للرّاحة والاستجمام في مصايف قزوين- هذه على شاطئ بحر قزوين، وهي من أجمل مصايف الدّنيا”.. فهل هذا نجاح أم فشل؟
ألّف مفتي طهران كتابًا للجمع بين السّنّة والشّيعة عقب زيارتي، حتّى إنّ مُتعصّبي إخوتنا الشّيعة قالوا: “مفتي سوريا سنَّنَه”.. وقد حضر عندنا درسًا في الجامع- اسمه شيخ خليل كمرائي-، فدعوته لإلقاء كلمة بعد انتهاء الدّرس، فكان يلقيها وهو يشهق بالبكاء.. هل هذا نجاح أم فشل؟
تعقيب على زيارة اتحاد الكنائس العالمي لمجمع الشّيخ في دمشق
أكثركم حضر مجيء اتّحاد الكنائس العالمي الذي يمثّل كنائس العالَم كلّه.. أيّ شيخٍ يجْرؤ أن يُحضِر خُوريًّا إلى الجامع؟ يعني إذا بقيتم: “جُمادى أول وجمادى ثاني” [جامدين]، فالفشل نصيبُكم سلفًا؛ بل والآن أبشّركم به، ستفشلون وترجعون بالخيبة.. واذهبوا وكونوا حدّادين، وبيعوا فجلًا فهو أحسن من أنْ تنتسبوا للعلم والعلماء وتُفشِّلوا العلم والعلماء.. إمّا عالِمٌ ناجح أو لا نريد هذا العالِم الفاشل.
أنا حاورتهم يوم الخميس ساعتين– وهؤلاء ليسوا ممثّلين كنائسهم فقط؛ بل يمثّلون كنائس العالَم وهم مسؤولون عن كلّ كلمة يقولونها- فقام ممثّل الكنيسة الرّوسيّة- وهذا كلّه مسجّلٌ صورةً وصوتًا- فقال: كان قلبي مملوءًا حقدًا على الإسلام والمسلمين، أما بعد هذه الجلسة فانتهت الأحقاد.. هل هذا نجاح أو فشل؟ ممثّل الكنيسة الإنكليزيّة قال لي: أنا كتبت تسع صفحات من كلامك، وذاكرتي لا تَنْسَى، ولكن لأجعل كلامك دستورًا في حياتي. وحكى كلمة- لا أقبلُها ولا أُجيزُها ولا الإسلام يجيزُها، لكن هم يجيزونها- فقال: وأشهد بأنّك نبيّ.. مع أنّني أتمنّى أنْ أكون ترابًا عالقًا بنعل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، ليس بنعل النّبي صلى الله عليه وسلم فلست أهلًا لذلك.. هل هذا نجاح أم فشل؟
لـمّا دعوتهم وألقوا كلمات في الجامع، فكلّ واحد بدأ كلمته “ببسم الله الرحمن الرحيم”، وفي النّهاية قالوا: “نعلن في هذا الموقف إيماننا بنبوة إبراهيم ونبوة موسى ونبوة عيسى- فإذن صار عيسى عليه السلام نبيًّا حيث أسقطوا قولهم أنّه ابن الله- ونبوةِ محمد صلى الله عليه وسلم- يعني: لا إله إلا الله محمد رسول الله-” فهذا نجاح أو فشل؟ وهذا يحدث لأوّل مرّة في تاريخ الإسلام والمسيحيّة، والذين قالوه هم ممثلو كنائس العالَم وكان على الملأ.. وسمعت في التّلفاز – وكذلك كثيرٌ من الإخوة سمعوا وسجّلوا- أنّهم قالوا: “بعد لقائنا مع المفتي العام، سنحمل الإنجيل في يد والقرآن في اليد الأخرى”.. هل هذا نجاح أم فشل؟
أليس في سورة المائدة حوار؟ ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون﴾ [سورة آل عمران: 64]. هل سيبقى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ولا يحاور المشركين؟ أليس القرآن مليئاً بالحوار؟ ألم يحاور سيدنا إبراهيم عليه السلام فقال: يا أبت يا أبت! يا قومي يا قومي؟كلّ أهل السّنّة يتشيعون لأهل البيت
فمن أجل التّسمية “سنّة وشيعة”؛ واجب على كلّ واحد منكم أنْ يبذل كلّ جهد حتّى يزيل هذه الفوارق، ونتسمّى بما سمّانا القرآن، وماذا سمّانا القرآن؟ هل سمّانا سنّيًا أو شيعيًّا؟ ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ [سورة الحج: 78]. أتاني أحدُ كبار الشّيعة- وهو سوريّ- قال لي خلال الحديث: إنّ عدد الشّيعة في سوريا مئة وخمسون ألفًا أو مئة وأربعون ألفًا، قلت له: لا أنت غلطان، العدد ليس هكذا، قال لي: كم إذًا؟ قلت له: أربعة عشر مليونًا، قال: ماذا؟ أربعة عشر مليونًا؟ قلت له: أربعة عشر مليونًا، قال لي: كيف؟ قلت له: كلّ مسلم في سوريا محبّ لأهل البيت، وكلّ مسلم في سوريا يتشيّع لسيّدنا عليّ رضي الله عنه، وكلّ مسلم في سوريا يفدي سيدتنا فاطمة رضي الله عنها والحسن والحسين رضي الله عنهما بروحه.. أليس كلامي صحيحاً؟ ففرح وسُرّ سروراً بالغاً.. زالت كثيرٌ من الأمور، ولكن لم تزُل كلّها، وهل بساعة واحدة نستطيع أن نفعل كلّ شيء؟ فعليكم أنْ تكونوا حكماء يا بُني.مدرسة حراء
أملي فيكم كبير.. عندما تتخرّجون إن شاء الله.. ولا تظنّوا أنّكم بالشّهادة تصبحون علماءً أو دعاةً.. فبعد الشّهادة ومع الشّهادة عليكم أنْ تدخلوا مدرسة حِراء ومدرسة الطور ومدرسة مريم ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا* فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [سورة مريم: 16-17].. إذا ما احتجَبْتَ عن الخلق وخلوت بالخالق فلن تأتي إليك روح القدس لتحيا بها روحك، بل تبقى بروح حيوانيّة مهمّتها حياة الجسد.. أمّا الإسلام الحقيقي فهو أن تتمثل الروح فتحيا روحك بالله عز وجل، عند ذلك تصير عالمـًا ربانيًّا وحكيمًا ناجحًا وداعيًا.. ولا يمكن أن يقف أمامَ نور الشّمس أيّ ظلام.شيخ يقول للشيعة أنتم سنة وأنا شيعي
أمّا كلمة سنّة وشيعة فهذه نريد أن نتغلب عليها، فكلّنا نقول “مسلم”. ذهب أحد إخوانكم إلى قريةِ شيعة- وهذه أقولها مجازًا- وسذاجة أهل القرى ونقاء نفوسهم معروفة.. فأرادوا أنْ يعرفوه: هل هو سنّي أم شيعيّ؟ فلمّا ارتفعت الكُلفة بينهم؛ قالوا له: هل أنت سنيّ أم شيعيّ؟ قال لهم: أنا شيعيّ وأنتم سنّة، قالوا له: لا، نحن شيعة، قال لهم: أنا شيعيّ، وبلغني أنّكم سنّة.. الخلاصة: قال لهم: لا يوجد مسلمٌ لا يحب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإلا يكون محاربًا للقرآن، فالله يقول: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [سورة الشورى: 23].. وهل من الممكن أن تحبّ النّبي صلى الله عليه وسلم ولا تحبّ ابنه أو ابنته أو ذريّته أو حتّى كلابَه؟ وأنتم ألستم سنّة؟ هل تحبون سنّة النّبي صلى الله عليه وسلم؟ إذا لم تكونوا كذلك فهل عندكم سنّة لوط أو ماركس؟ [يقول ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك] أم أنّ عندكم سنّة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فلماذا تقولون سنّة وشيعة؟ قولوا: مسلمين؛ لأنّ الإسلام يجمع محبّة أهل البيت، ويجمع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وننتهي من التّفرقة والألقاب الممزِّقة التي لا يستفيد منها إلّا العدو.اللقاء الأول مع هاشمي رفسنجاني
هاشمي رفسنجاني- الذي هو رئيس الجمهورية حالياً- أتى إلى دمشق قبل أنْ يصير رئيس جمهورية- كان رئيس المجلس النيابي في إيران- وطلب من الدّولة أن يزورني، فزارني هنا في الكليّة، فاستقبلته كما يُستقبَل الضّيف، ولما جلسنا قال لي: أنا عاشق لك.. وأنا لم أره بعد، فقلت له: كيف تعشق من لم تره ولم يرك؟ قال لي: أنت لما أتيت إلى طهران في زمن الشّاه كنتُ سجينًا، وكنت أقرأ محاضراتك التي ألقيتها في الجامعات الدّينيّة وجامعة طهران الرّسمية، فعشقتك من قراءتي لمحاضراتك.. فهل هذا أحسن أمْ أنْ نسبّ بعضنا ونلعن بعضنا ونعادي بعضنا ونقاتل بعضنا؟
أنت طبيب مداوٍ لا قاض
فأنت كداعٍ؛ هل مهمتك أن تكون قاضيًا أم أنْ تكون طبيبًا مداويًا؟ وهل تزيد الشّقّ اتساعًا أم تضيقه حتّى تسَدّ الهُوَّة؟ عليكم أن تكونوا حكماء يا بُني.. وأرجو الله عز وجل أن تكونوا حكماء وتكونوا قرة عين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكونوا قرة عين أنفسكم.
بعض إخوانكم الذين تخرجوا يأتون لزيارتي فأسألهم، يقولون لي: أطال الله في عمركم؛ والله شبعنا مجدًا وعزًا ونجاحًا، وكنّا أمواتًا فأحيانا الله عز وجل بهذه الكُلّية.. فلا تخافوا، اصدقوا مع الله عز وجل وكونوا مثل ما أقول لكم، وأنا ضامن لكم أنْ يتحقّق لكم ما أقول، إلّا إذا تركتم ما أقول فتكون المسؤولية عليكم وليست عليّ.
كتاب بحار الأنوار
فكلّ سنّي شيعيّ بالمعنى الحقيقيّ، وكلّ شيعيّ هو سنّيّ بالمعنى الحقيقي.. زرت مرّة “المنتظري” الذي كان ولي العهد للخميني في بلده، فأهداني كتابًا اسمه: “بحار الأنوار”، مئة وسبعة وعشرون مجلّدًا، الفهرس فقط: ثلاث مجلّدات؛ قدّمه إليّ، وقال لي: “ستجدُ فيه ما لا يَسُرُّك، فنحن من ذلك براء”.
فتوى الخميني في الاقتداء بالسّني والخروج معهم إلى عرفات
كان الشيعيّ لا يقتدي بالسّنيّ، فأصدر الخميني فتوى بوجوب اقتداء الشّيعي بالسّنّي.. وكان الشّيعي لا يخرج لعرفات مع السّني؛ لأنّه لا يثق بشهادة السّنيّ في رؤية الهلال، فأصدر الخميني فتوى بوجوب خروج الشّيعة مع المسلمين في عرفات ولو خالفت الرّؤية.
جدوى اللقاء مع الشّيعة ومع النصارى
هل نريد أن نزيد التّقارب أم نريد أن نُرجِع التقارب إلى التّباعد ونزيد التّباعد؟ هل نريد أن نكون أطباءً نخلّص المرضى من المرض؛ أم نضع جراثيمًا حتّى لا يُرجى شفاء المرضى وخلاصهم من المرض؟
فهل توجد جدوى في اللقاء أم لا؟ وهل هناك جدوى في اللقاء مع النصارى؟ اللقاء واجب، بل هذا فرضٌ أنْ تذهب إلى الكنيسة [للدّعوة].. ألم يذهب أبو يزيد البسطامي إلى الكنيسة؟ ألم يُمكِّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم نصارى نجران من أنْ يصلّوا صلاتهم في مسجده الشريف؟ فعلينا أن نكون هكذا أم نكون مثل القنفذ؛ فلا نقترب من أحد ولا ندع أحدًا يقترب منّا؟ ثم انتصر يا إسلام! سيفشل لو كان من كان!
السؤال الأخير: ما هي الفوائد التي تحصل من الحوار؟
الفوائد سمعتموها.. أعداد كبيرة دخلت في الإسلام على مختلف المستويات.. فما هي حصيلة تلاقي الزّوجين؟ مجيء الأولاد.. وكذلك التّلاقي والحوار القائم على العِلم الحقيقيّ والحكمة الحقيقيّة والرّوح الرّبانيّة فكذلك هذه نتائجه؛ حتّى صار التّلاقي بفضل الله بأوسع ما يفكِّر المفكّرون.
ختامًا
فأمَلِي من الله عزّ وجل أنْ يجعلكم أحسنَ منّي وأنجح منّي وأعزّ منّي، وأن تذكّروا كلامي.. فإذا ذكرتموه وأنا حيّ فتدعو لي، وإنْ كنت مُتَوَفّى فتدعو لي بالمغفرة.. وأنا ضامن لكم “وهذه لحيتي!”.. ونسأل الله أنْ يُعيد مجدَ الأمّة العربية بالإسلام.
وأريد أنْ أشكر من كان سببًا في هذه الكليّة.. وكما ورد: ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله)) 8 فجزاه الله خيراً، والذي لولاه لما كانت الكلية ولما اجتمعنا هنا، ولما حصلتم على الشهادات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- صحيح البخاري، عن عثمان، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (5027)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تعليم القرآن، رقم: (2907).
- مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34361)، (7/82)، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا وأخرجه الدارمي موقوفًا على الحسن في سننه، رقم: (376)، (1/373). قال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي النَّوَادِر وَابْن عبد الْبر من حَدِيث الْحسن مُرْسلا بِإِسْنَاد صَحِيح، وأسنده الْخَطِيب فِي التَّارِيخ من رِوَايَة الْحسن عَن جَابر بِإِسْنَاد جيد وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ، (1/71).
- انظر كشف الخفاء للسخاوي: (1961).
- رواه أبو يعلى في "مسنده الكبير" عن مسروق، وأن الزيادة لا تكون أكثر من أربع مئة درهم. ورواه البيهقي في سننه. وانظر في كشف الخفاء للسخاوي (1236) وقد روى القسم الأول من القصة عن احمد والدارمي وأصحاب السنن وروى القسم الثاني عن الحاكم، وقول عمر بلفظ: كل الناس أفقه منك يا عمر.
- سنن الدارقطني، عن أبي هريرة، رقم: (1768)، (2/404)، والسّنن الكبرى للبيهقي، رقم: (6832)، (4/29).
- سنن الترمذي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، رقم: (1955)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم: (7495)، (2/258)، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
- المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10033)، (10/86)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7045)، (9/521)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/102).
- سنن الترمذي، عن أب سعيد، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، رقم: (1955)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة رضى الله تعالى عنه، رقم: (7495)، (2/258)، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".