تاريخ الدرس: 1978/01/12
منبر الدعاة
مدة الدرس: 01:32:29
منبر الدعاة (14): الصبر وعلو الهمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:
الصّبر وعلو الهمّة
الصبر هو الثّبات والصّمود واستعمال الباعث والدّافع الدّينيّ لقهر الدّافع والباعث النّفسيّ وأهواء النّفس ويكون ذلك بالتّربية، والثَّقافة ما جَمَعَتْ علماً وأخلاقاً وتّربيةً، فمهما قرأت وتعلّمت من العلم ولم تتربَّ فأنت لست مثقّفاً، وإذا كان عندك من الأخلاق ولم يكن عندك من العلم فأنت لست مثقّفاً أيضاً، فالثّقافة ما جَمَعَتْ علماً وأخلاقاً.
والصّبر هو استعمال الّدافع الإسلاميِّ لقهر الأهواء والتّغلُّب على الأهواء والشّهوات وعلى الميول النّفسيّة والحيوانيّة وعلى الأنانيّة وعلى الكسل وعلى الجزع وعلى ضعف الهمّة، فهذا هو معنى الصّبر أي تَغلُّبُ الباعثِ الدّينيّ على الباعث النّفسيّ وعلى الكسل وعدم الشّعور بالمسؤوليَّة.
وذُكر الصّبرُ في القرآن في نيف وسبعينَ موضعاً، وإذا ذُكر الصّبر في القرآن فهذا يدل على الصّمود لبناء الفضائل والصّمود في أداء الواجبات والصّبر على تحصيل العزّة والكرامة.. هذا بالنسبة للصبر، أمَّا تحصيل العزّة والكرامة فيجب أن يكون مقروناً بالحكمة وليس بالطّيش أو بالجهل أو بالحمق أو بإتيان البيوت من غير أبوابها، ولذلك فإن التّواضع فيه صبر؛ ذلك أنّ النّفس تحبُّ الاستعلاء والنّفس لا تقبل أن يتغلّب باعث الدّينِ وهو التّواضع على باعث حبِّ الاستعلاء، فعليك أن تجاهدها وتصارعها وتصمد في المعركة حتّى يتغلّب التّواضع فيك على حبّ التّعالي، فعمليّة الصّمود في هذه المعركة اسمها الصبر.
الصبر على الطّاعات والواجبات الإسلاميّة
وفي أداء أيّ واجب من واجباتك الإسلاميّة تعترضك صعوبات ومشقّات وحسّاد ومن يفسد عليك العمل ومن يصدّ عن سبيل الله عز وجل مَن آمن، ويعترضك من يؤذيك في جسدك وفي مالك وفي أهلك وفي سمعتك وفي كرامتك، فالنّفس تنفر من هذه الإيذاءات ولا تحبّ أن يسلُبها أحد كرامتها أو عزَّتها أو راحتها أو مجدها أو مالها أو من يؤذيها في جسدها.
فباعث الدّين يقول لك: عليك أن تتحمّل في ذات الله عز وجل ومن أجل الله عز وجل، ومن أجل التّحقّق بأن تكون مؤمناً فعليك أن تتحمل كلّ هذه الأشياء، عندها تتحمَّل وأنت تشعر بالآلام ولكنْ مع شعورك بالآلام فإنَّك تصمد، والإيمان الّذي هو أعلى من هذا المقام تَشعرُ باللّذَّة به، مع أنّ هذه الأمور مؤلمة وموجعة إلّا أنّك تشعر باللّذَّة، وهذا الشعور ناشئ من أن نتائج هذا الأمر هو الرِّبح، وذلك كمثل أنْ يعطيك الطّبيب حقنةً فأنت تبتسم في وجهه على الرغم من أنَّك تشعر بالألم، وعندما يقدّم لك شراباً مُسهِّلاً ويكون طعمه مُرّاً كزيت الخروع فإنَّك تتناوله وأنت راضٍ وأنت صابر.
الصبر في التواضع وعند الحلم
والصّبر يكون في التّواضع وعند الحلم؛ فإذا تعدّى عليك أحد الجُهلاء بجهالته وسبّك أو شتمك أو خرّب عليك عملك فإنَّك تقابله بالحلم وتقابلُ إساءته بالحَسَنة، لذلك وصف الله عز وجل المؤمنين بقوله: ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [الرّعد: 22] فمن طبع الإنسان أن يشعر بالانزعاج إن سبَّه أحد أو انتقصك أمام النّاس أو كذب وافترى عليك ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ [سورة النور: 11] وقالوا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأنَّه كذّاب وساحر وشاعر وكذا وكذا وكذا، فبأيِّ شيء قابلهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قابلهم بقوله: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) 1 وأعطى أبا سفيان ثلاثمئة جمل وزّعها بينه وبين أولاده، ولم يعطِ أبا بكر ولا عثمان ولا عليّ رضي الله عنهم أي شيء.
عندما قال المنافقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا﴾ [المنافقون: 7] قال ابن أبي بن سلول: ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال الأُوَل: سمّن كلبك يأكلْكَ.. شبّه النّبي صلى الله عليه وسلم بالكلب، وبأنّهم فتحوا له المدينة وقَويَ واليوم يريد أن يتعدّى عليهم، فهمَّ سيِّدنا عمر رضي الله عنه ليقطعَ رأسه، وكان ابنه من فضلاء المسلمين وجاء للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وظنَّ بأنّ الصّحابة من غيرتهم على النّبي صلى الله عليه وسلم بأنَّهم قد يقتلون أباه، فقال: يا رسول الله قد علم أهل المدينة أنّي من أبرِّ الناس بوالديها، وأخشى أن يقتله أحد من المسلمين، فإنّي لا أستطيع أن أرى قاتل أبي؛ فأقتله فأرتكس في الكفر وفي نار جهنّم، فإذا أردت قتله فأذن لي فأنا آتيك برأسه، فظهر هنا صبرُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحلمه، فقال: ((بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ وَنَتَرَفَّقُ بِهِ مَا صَحِبَنَا)) 2 وأمَره بالبرِّ وبالإحسان إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصبر نصف الإيمان)) 3 وقيل
لا تحسبنّ المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتّى تلعـق الصَبِرَ لــــولا المشقّةُ ســـاد النّاس كلُّهمُ الجـــــودُ يُفقِـــرُ والإقـــــــدامُ قتــــــــــَّالُ
الإسلام وعلو الهمّة
فحاتم الطّائي حتّى الآن اسمه مخلّد بسبب سخائه وكرمه، وربّما أفلسه كرمه في بعض الأزمنة.. والمعالي تحتاج إلى بذل فمن يريد أن يصعد لشّاهق الجبال فسوف يتعرّق ويلهث ويتعب، أمّا النّزول فلا يحتاج لهذا العناء.
فالإسلام كلّه صعود، فَقِهَ العرب الإسلام الفقه الصحيح بدءًا من إسلام القلب بحياة قلوبهم بنور الله عز وجل، ثمّ بتزكية النّفس وتحليّتها بمكارم الأخلاق وتطهيرها عن رذائله، فالجُبُن والفرار من المعركة أمام العدوّ والمستعمر هذا من رذائل الأخلاق، أمّا الشّجاعة والإقدام حتّى الشّهادة والاستبسال فهذه من الفضائل، فبلغ بهم الإيمان بمعناه الحيّ نوراً وأخلاقاً.
سالم هو مولى أبي حذيفة رضي الله عنه وكان عبداً مملوكاً، فقال عنه سيّدنا عمر رضي الله عنه لـمـّا طُعن: “لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لّما تركتُ الخلافةَ شورى، كنتُ جعلت هذا العبدَ خليفة المسلمين” 4 . فهنا تظهر عظمة الإسلام، فعبدٌ يصبح خليفةً على العالم، حيث أنَّه لا يوجد في الإسلام عبدُ ومملوك ومالك، بل كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
وبالرغم من كلّ ما قدّمته الإنسانيّة في القرن العشرين والّذي يتباهون به، فما يزال بين البشر هناك إله ومألوه، وكرامة الإنسان ما تزال إلى الآن في الحضيض، والّذي رفع كرامة الإنسان هو الإسلام.
فأنتم وباعتباركم مهندسي إسلام فما معنى ذلك؟ يعني مهندسي سعادة المجتمع.. والمجتمع يُسعَد بالعلم فوظيفتكم أن تُسعِدوا هذا المجتمع وعليكم أن تكونوا دعاةً إليه وبناةً له، وأن تكونوا حكماء في العمل، وأن تبنوا البناء المتين الجميل الجيّد الّذي يصمد أمام الزّلازل، فالمهندسون الذين يبنون الأبنية الكبيرة يضعون في حساباتهم حدوث الزّلازل، فلا تنهار الأبنية عند حدوث الزلزلة، فأنتم كمهندسين عليكم أن تبنوا الإسلام وأن تبنوا سعادة أمتكم وسعادة مجتمعكم وسعادة دولتكم، وذلك يكون عن طريق العلم والعمل والحكمة والأخلاق.
هَمُّ العالِم العالَم
وهذا الأمر عظيم وكبير، بل العالِم الإسلامي همّه ليس بلده فقط، بل همّه العالَم كلّه، وهذا العمل هو نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد خاطب الله عز وجل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾ [الأنبياء: 107] والنّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: بأنك أيّها العالِم أنت وكيلي ونائبي ووارثي، إذا فعليك أن تكون رحمةً للعالَم كلّه وليس لوطنك ولا لأمّتك فقط.
أمّا العالِم اليوم فينقلب رزيّة ومصيبةً على نفسه وعلى وطنه وعلى أمّته، أمّا العالم الخارجيّ فلا يدري به ولا يشعر به، وحتّى إن ذهب إلى هناك قد يسبب ضرراً، فأصبحت مهمَّة المهندس الهدم لا البناء والدّمار لا الإنشاء، فإذا كانت بيوت النّاس خَرِبَةً وأتاهم مهندس ورمّم البناء وأعاده إلى وضعه الأصليِّ وصمَّمَ له ديكوراً أيضاً وفرَشَه، فهل يقبلون منه هذا العمل أم يرفضونه؟ فمهمّتكم هي بناء القلوب فمن كان فاقد القلب فلن تنجح مهمته؛ لأنَّ فاقد الشّيء لا يمكن أن يعطيه.
أهمية تزكية النّفس
وعليكم أن تقيموا دولة الذّكر في القلوب حتّى تجعلوا النّاس يعبدون الله عز وجل كأنّهم يرونه، فيا ترى إذا كنت لم تشمَّ رائحة هذا الأمر فهل تستطيع أن تبنيه في غيرك؟ هذا مستحيل، وعليكم أن تزكّوا النّفوس، فإذا لم تتزكَّ نفوسكم فلا يمكنكم أن تزكّوا غيركم، وعليكم أن تطهِّروا المجتمع من الكذب ومن الخيانة ومن الإخلاف بالوعد، وأقول لكم صراحة بأن هناك بعض المشايخ والذين يكون هناك موعد بيننا في وقت محدَّد كالسّاعة العاشرة، فتتجاوز السّاعة إلى العاشرة والنصف ثمَّ الحادية عشرة إلّا رُبعاً ثم تصبح الحادية عشرة، والحادية عشرة والرُّبع؛ فيتأخر ساعةً أو ساعتين، ويُقال عنه بأنّه عالِم إسلامي، فهذا ما شمّ من العلم رائحته، والبعض منهم قد لا يتكلّم بالصّدق، أقول البعض وليس الكلّ، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم بقي ثلاث عشرة سنة في مكة ولم تكن هناك الصّلوات الخمس ولم يكن هناك صوم رمضان ولم يكن هناك حج، فالحجُّ فُرِض في السّنة الأخيرة من حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مكّة يبني الإيمان القلبيّ والأخلاق التي تعني تزكية النّفس والحكمة، وهذه ليست لها أيُّ أثر في كلّ البرامج العلميّة والتّعليميّة في الجامعات الدّينيّة، لا تزكية النّفس ولا الإسلام القلبيّ الّذي عناه الله عز وجل في قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14].
سنّة النّبي ّصلى الله عليه وسلم في الصّبر في الدّعوة
فالواحد منَّا يفرح إن صارت له عمامة وجبّة وشهادة وهذه ليست لها أيّ قيمة: لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس لها أيّ نتاج، لأنَّها تتعلق ببعض الطّقوس والشّكليّات الجسديّة، ولكنَّ النّاس لا يتأثّرون بأجسادهم بل بقلوبهم وبمشاعرهم ووجدانهم وبفكرهم وبرؤيتهم للفضائل والكمالات، فعليك أن تعلّم النّاس بالعمل وبالقدوة، وتعلّمهم عن طريق عيونهم وليس عن طريق آذانهم، فهو لا يستطيع أن يعلّمهم عن طريق آذانهم لأنّه لا يحسن النّطق فهو لم يتعلّم الحكمة، فيجب أنْ يتعلَّم الحكمة في أقواله وفي أعماله وفي قلبه وأن يكون عنده إخلاص وصدق، وألّا يكون له هدف لا من مال ولا جاه ولا رياسة ولا وظيفة ولا زعامة إلَّا كما قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعام: 90] فيوطّن نفسه بأن يبذل الرّوح والنّفس والنّفيس في خدمة الخلق كلِّهم.. وعندما أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن النّاس مسلمين وكانوا كلُّهم وثنيون، فكيف عامل النبيّ صلى الله عليه وسلم هؤلاء الوثنيين؟ عاملهم كما قال تعالى: ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [الرّعد: 22] وعاملهم بقوله أيضاً: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً﴾ [المعارج: 5] وعاملهم: ﴿فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ [يس: 76] وعاملهم: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 48] وعاملهم: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ﴾ [النحل: 127] وقوله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 14] بأن يغفروا لهم إساءاتهم معهم، لقد حرّقوا الصّحابة تحريقاً بالنّار حتّى أنَّ النّار كانت تشتعل بشحم أبدان الصّحابة رضي الله عنهم وهم مقيّدون والنّار على ظهورهم، ولـمّا صارت القوّة للمسلمين فلم ينتقموا ولم يحقدوا عليهم بل بالعكس، قال لهم النّبيّ صلى الله عليهم وسلم: ((لا أقول إلّا كما قال أخي يوسف: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ﴾ [يوسف: 92] فاذهبوا فأنتم الطلقاء)) 5 هكذا تكون قراءة القرآن، وهذه معنى ((خيركم من تعلّم القرآن)) 6 فالنّبيّ صلى الله عليه وسلم تعلّم القرآن وعلّمه، يقول تعالى: ﴿يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾ [يوسف: 92] فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهل اكتفى بذلك؟ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النّحل: 90] وهذا الفعل ليس عدلاً بل هو إحسان، فأحسن إليهم بالعفو عن جرائمهم، ولم يكتفِ بذلك بل عندما جاءت غنائم حُنَيْن فأحسن إليهم وجعل غنائم حُنَيْن- والّتي هي أعظم غنائم غنمها النّبيّ ﷺ- جعلها للطُّلقاء من أهل مكّة.
وهذا هو الفقه الإسلاميّ، فتعلُّم الوضوء لا يحتاج إلى كلّ هذه التّعقيدات من الشّروح والحواشي والمذاهب، ونختلف وقتها فهذا يمسح على رجليه وهذا يغسل رجليه، فجعلنا من الإسلام إسلامَين ومن العرب عربين، فعلينا أن نبحث في الأخلاق فإن كانت أخلاق المسلمين مع الكفّار هكذا، فكيف يجب أن تكون أخلاق المسلمين مع المسلمين؟ وكيف يجب أن تكون أخلاق العلماء مع العلماء؟ وكيف يجب أن تكون أخلاق العلماء مع الجهلاء؟ فهل تعدّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أحد؟ مع العلم بأنَّهم كلّهم كانوا له ظالمين، فكيف كانت معاملة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأولئك البُغاة الجائرين والظّالمين؟ ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران: 159] ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 48] ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً *إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: 5-7].
الصّبر قبل الدّعوة
هذا الصّبر في الدّعوة وهناك صبر قبل الدّعوة، والصّبر في الإسلام على ثلاث مراحل؛ الصّبر في بنائك الإسلامي بأنْ تبني إسلامك، هنا يجب أن يكون هناك جهاد مع النّفس والأهواء، وأن تعلن حرباً على كلِّ نقائصك ورذائلك وعيوبك الأخلاقيّة والنّفسيّة، وهذا ما عناه القرآن بقوله تعالى في سورة العنكبوت في أول السّورة: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت: 6] وهذه السّورة مكّيّة فلم يكن في وقتها جهاد الحرب، وفي آخر سورة العنكبوت ختم الله عز وجل بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾ [العنكبوت: 69].
والجهاد الذي ذكر في أول السورة هو غير الجهاد الذي ذكر في آخرها، مع أنّه لم يكن هناك جهاد مع العدو، فالجهاد الأوّل جهاد مع النّفس باقتلاع رذائلها والقضاء والإفناء لرذائلها، أمَّا الجهاد الثّاني والذي ذكر في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ [العنكبوت: 69] هنا مع الله عز وجل لتدخل في حضرته لتكون جليسه ولتكون حليفه ولتكون عاشقه وحبيبه ومحبَّه، فهذا الحال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ ليست طريقاً واحدة بل طرُق، فنهديهم إلى الطّريق الّتي توصلهم إلينا، فالوصول إلى الله عز وجل ليس بالمسافات: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: 4] بل هو الوصول الحسّيّ والشّعوريّ والحبّيّ والعشقيّ والفنائيّ، فهذا يأتي أوّلاً بطريق الفكر، لذلك القرآن دعا كثيراً إلى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [آل عمران:191] وفي قوله: ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [يونس:101] انظروا تعني: ادرسوا وقال أيضاً:﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت*وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَت﴾ [الغاشية: 17-18] في هذا الموضع يدلّك على عظمته، وفي مواضع أخرى يدلّك على نعمه كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْن﴾ [البلد: 8] فمن الّذي جعل لك العينين؟ ﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْن﴾ [البلد: 9] فلو لم يكن لك شفتان فكيف ستضع الكأس في فمك؟ يجب أن تستلقي ويضعون لك قمعاً، أمّا مع وجود الشّفتين والأعصاب فيها فإنك تشفط الماء كالمضخة ولا تقع قطرة واحدة.. ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن﴾ [البلد: 10] النجدين الثديين للرضاعة، فلمّا خرجت من بطن أمّك من الذي علّمك الرّضاعة؟ فهل تعرفون كيف ترضعون الآن؟ فلو أردتم الرضاعة من أمهاتكم الآن لما عرفتم لأنكم نسيتم، وإذا رضعتم يكون أمركم تقليداً وليس أصليّاً.
وتنتقل من التّفكير إلى الذّكر.. وإذا صار لك العارف بالله والعلوق الحبّي به تصير لك المعرفة، فأنت تحبّ الأشياء عندما تعرفها، فحين تعرف الذّهب فإنّك تحبُّه، والطفل بعمر ثلاث سنوات لا يحبّ الذّهب لأنّه لا يعرف قيمته ولا فائدته، والفلاح [المقصود الجاهل الذي لا يعرف، ويُضرَب المثل عادة بالفلاح لبساطته وبعده عن المدنية ووسائل التطور] إن رأى “شيكاً” بقيمة مليون دولار ورأى ليرة سورية فإنَّه يأخذ اللّيرة ولا يأخذ الشيك؛ لأنّه لا يعرفه.
الحبّ يعين الإنسان على عدم الشعور بالمشاقّ
فإن وُجد لك الشّيخ العارف بالله عز وجل، وأصبح لك التّعلّق القلبيّ معه فهذا يعينك كثيراً؛ لأنّ الحبّ لا يحوجك إلى الصّبر، فهو يقلب لك الآلام والأوجاع إلى لذائذ، ويقلب المشقّات إلى راحات ويقلب لك البعيد إلى قريب.. جُرِحَ سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه في بعض المعارك واستشهد، والجريحُ الذي ينزف دمهُ يعطش بسبب قلّة السّوائل، فعرضوا عليه الماء، فقال: إنّي صائم، فقالوا له أنت جريح وبحاجة للماء، قال: إنّي صائم، ولكن ضعوه في التُّرس فإن غابت الشّمس وأنا حيّ أفطرت، وإلّا ألقى الله عز وجل وأنا صائم.
فمِن قوّة الحبّ مع الله عز وجل فإنك لا تشعر بالآلام في العمل الذي يحبّه الله عز وجل ويرضاه ولا تشعر بالأعباء ولا بالأثقال ولا بالجوع ولا بالعطش، فإن كنت ترى في حبيبك عيباً فأنت لست محبّاً؛ لأنّ من شأن المحبِّ ألّا يرى عيباً في محبوبه.. عاتبوا شخصاً لأنّه أحب امرأة سوداء أفريقية، وقالوا له: هلّا أحببت امرأة بيضاء؟ فقال لهم: لا تلوموني
حببتُ لحبّها السّودان حتّى حَبَبْتُ لحبّها سود الكلاب
فأصبح يحبُّ اللّون الأسود وإن كان على الكلب أو على الطّير أو على الفرس أو على الإنسان، فإن حضر الحبّ فلن تشعر الألم ولا بالمشقّات ولا بالإحراجات ولا بأيّ شيء من الأشياء، ولا تشعر بحب المال كذلك. فالصّحابة رضي الله عنهم بذلوا أموالهم، وهاجروا وتركوا أوطانهم وتركوا أهليهم، كلّ هذا وما وجدوا أيّ حرج، وكانوا من أبناء الأغنياء وأبناء العظماء، وكانوا من أبناء المترَفين.
نَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مُقْبِلًا، وَعَلَيْهِ إِهَابُ كَبْشٍ قَدْ تَنَطَّقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يُغذوَانهُ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَدَعَاهُ حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ)) 7 فصار معطفه جلد كبش مربوط بحبل ولم تعد تهمّه المظاهر.
مراحل الصبر
فالصّبر والصّمود لكم كطلاب علم- وأرجو من الله عز وجل أن يجعلكم من العلماء الذين أرادهم الله عز وجل والرّسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشّريفة- ثلاث مراحل، أوّلاً: في مجاهدة النّفس وفي تزكيتها، فعليك أن تجاهد نفسك فلا تكذب ولو على طفل ولو كنت مازحاً، وألَّا تخلف الوعد، وأنْ تتعلّم الأمانة في أموال الغير وفي أسرار الغير، فالأمانة من الله عز وجل فقد أعطاك هذه العين واستودعك إياها لتستعملها بشكل معيّن وبحسب الشّرع، فإذا استعرتُ سيّارة لأركبها إلى حمص، فلو ذهبت بها إلى حماه فهذه خيانة؛ لأنّي استعملتها في شيء لم يأذن لي مالكها فيه، فالله عز وجل أعطاك العين لتستعملها في الأمور المشروعة فإذا استعملتها في الأمور غير المشروعة فأنت خائنٌ للأمانة، وهكذا حال اللّسان والجوارح والمال والقوّة والطّاقة والشّباب والعلم وكل ذلك.
مجاهدة النفس لتزكيتها
فالمرحلة الأولى لكم: تجاهدون أنفسكم لتزكيتها، وثانياً: أنْ تجاهدوا الغفلة وحبَّ ما سوى الله عز وجل، فيجب أن تكون قبلتك الله عز وجل، قبلتك في الحياة وفي الشّباب، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الأنعام: 162] فكلّ عباداتي وكلّ أيام حياتي تكون لله عزّ وجلّ ولا يكون لك هدف من الوجود إلّا الله عز وجل عندها ستكون أنت الرابح.
وهذا مغزى أهل التّصوّف، ولكنّهم لم يكملوا الطّريق لذلك فشلوا، فانقلب الصّوفي إلى راهب فلا يعرف شيئاً من الحياة ومن العقل ومن الواجبات، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم كان شيخ الصّوفيّة، والتَّصوّف موجود في كلّ الأديان، وهو يعني الصّفاء القلبي والرّوحي مع الله عزّ وجلّ حتّى لا يكون لك محبوب إلّا هو، وألَّا يكون لك محبوبان، بل محبوب واحد، لابن الفارض كلام في هذا الشأن يقول فيه
هو الحبُّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل فمـــا اختـــاره مضنـــــىً بـــه ولـــــه عقــــــــــــل
فالحبُّ أمره خطير فلا تقترب منه لأن أحشاءك ستذوب، فابتعد وابق أحشاءك سليمة، وإذا أراد أحد أن يحبّ فهذا ليس له عقل، والعقل المراد هنا هو عقل أهل الدّنيا، لكنْ أصبح له عقل أهل الحكمة، ولم يعد مجنوناً أو كالدّواب.
وعش خالياً فالحبّ راحتُه عنا وأولـــه سقـــمٌ وآخــــــــــره قتــــــــــل
وعش خالياً أيْ لا تملأ قلبك من الحبّ، وخلِّ قلبك من الحبِّ فالحبُّ راحتُه عَنا، ففي الوقت الذي تطلب فيه الراحة ستكون متعباً، لأنَّ النَّبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا راحة لمؤمن دون لقاء وجه ربه)) 8 والمؤمن هو الإنسان العظيم الذي يعمل في عمله وفي راحته، ويعمل في عمله وعلى فراشه، ويعمل في يقظته وفي نومه، وهو في النّوم يرى نفسه يعمل ويفكّر.
“وأوله سقم” يعني المرض أيْ أن تمرض وتضعف أنانيَّتُك وتضعف شهواتك الحيوانيّة، ولكن في آخره تنقتل بك كل الرذائل، لكن تحيا فضائلك وعقلانيّتك وحكمتك وتحيا روحانيّتك، وبعد ذلك يقول: “نصحتُك علماً بالهوى” يعني نصحتك وأنا قد ذقتُ الهوى وجرّبته، “والذي أرى مخالفتي” فأقول لك لا تعشق حتَّى لا يحدث معك هكذا، ولكن من النّاحية الثّانيّة فقد ذقته فأنصحك أن تعشق، حتى لو سَقِمْتِ وقُتِلْت
نصحتك علماً بالهوى والّذي أرى مخالفتــي فاختـــــر لنفسك ما يحلــو
فالنّفوس الضّعيفة والسّخيفة والتّافهة تختار الأمور التّافهة، فالذّباب ماذا يختار؟ توافه الأمور، أمِّا النّحل فإنَّه يختار الزُّهور والورود، وبعض الشّعراء يقول
صيد الملوك أرانبٌ وثعالبُ وإذا ركبتُ فصيديَ الأبطالُ
فهناك أناس يصطادون العقول والقلوب، أفلا يجب عليك أن تتعلّم الصّيد أولاً؟ أحدهم أخذ البندقية يريد أن يقاتل الفرنسيّين ثم وجّه البارودة نحو الفرنسي وأدار وجهه بالاتجاه الآخر [فلا يرى إلى أين يطلق النار] وقال: يا شيخ محيي الدين! يا سيّدي عبد القادر! وأطلق النّار.. ما علاقة الشيخ محي الدين أو عبد القادر بذلك؟ فهل هذا الأمر يصلح؟
وقبل كلّ شيء عليكم أن تهذّبوا النّفوس، وإذا لم تهذّبوها فستفشلون في المعركة، وتهذيب النّفس يحتاج إلى صبر وإلى صمود وإلى همّة عالية “إمّا هلكٌ وإمّا ملك” فلمـَّا دخلنا في الميدان إذاً علينا المتابعة، وهذا واجب على كلّ مسلم ليس لكم خاصّة بل لكلّ مسلم؛ لأنّ الإسلام يطلب من كل مسلم أن يكون عالماً ومعلِّماً وأن يكون مهذَّباً ومهذِّباً، لذلك العرب لـمّا دخلوا المدرسة وتعلَّموا كلّ ما في المدرسة من واجبات قادوا العالم كلّه بمئة سنة فتحوا ووحّدوا نصف العالم فتحاً حضاريّاً وإخائيّاً وتعليميّاً وإرشاديّاً وتحريريّاً، فحرّروا العبيد وحرّروا الشّعوب وأعطوا للإنسان كرامته ونشروا العلم ونشروا الحضارة، أمّا الأوروبيون ففتحُهم فتحٌ استعماري وإذلاليّ هدفه إفقار الشّعوب وتمزيقها وتجهيلها، أمّا الإسلام فلم يمزّق الشّعوب بل جعلها دولةً وعَلَمَاً وحقوقاً واحدة من الصّين إلى فرنسا.
ثمرات مجالسة الله عز وجل
إذاً المعركة الأولى هي مع النّفس في مقام التّخلية، فالعروس أولاً ينظّفونها من أوساخها ثمّ يلبسونها لباس العرس، وبما أنَّ النَّظافة من الإيمان فعلينا أن ننظِّفَ أنفسنا من كلّ رذائل الأخلاق الجسديّة والفكريّة والقلبيّة، بعد ذلك نجالس الله عز وجل على هذه الطّهارة، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا جليس من ذكرني)) 9 فمن يُجالِس الثّلج لا بدّ له أن يتأثر بالثّلج، وجليس النّار لا بدّ أن تجد فيه أثر النّار، وجليس الورد لا بدّ أن يصل إليه شيء من آثاره.. إلى عينه فيرى الجمال، وإلى أعصاب أنفه فيشم الطّيب والعطر، وهذا هو الحال إذا جالس الإنسان اللهَ عز وجل، وجالس الحقَّ جل جلاله، فإذا جالس أحدكم الماء بملابسه فكيف يخرج؟ مبلَّلاً والماء معه وحتّى لو فارقها لكنْ يعلق به الكثير منها، وكذلك إن جالست الله عز وجل المجالسة الّتي تليق بالمجالسة الإلهيّة سيعلق بك من صفاته ومن أخلاقه ومن حكمته ومن أنواره ومن رحمته ومن قدرته.
أخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كفّاً من تراب وضرب به جيش هوازن في معركة حُنَيْن فانهزمت الجيوش بحفنة من تراب، فأنزل الله عز وجل قوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17].
والنَّبي صلى الله عليه وسلم ومع انتقال بعض الصّفات الإلهيّة في مرآة قلبه لم يقل: أنا “الله” بل قال أنا عبد الله ورسوله، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم فإنّما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله)) 10 وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ [المائدة: 77] أي لا تحبُّوني محبَّة تتجاوزوا فيها الحدود البشريّة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ [الكهف: 110] فالعالِم وليس فقط العالِم بل كلّ مسلم مدعوٌّ لأن يكون عالماً وكل مسلمة مدعوة لأن تكون عالمة، فما معنى طيّار؟ يعني يصعد بطائرته فوق السّحاب، وما معنى مسلم؟ معناه العالِم، لأنِّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلِّم)) 11 وهل تظنّون بأنّ هذا البرنامج الّذي تقرؤونه هو العلم؛ هذا فقط العلبة التي يوضع فيها الألماس، وهو الوعاء للسَّمن، فهذا العلم للطّقوس الجسديّة، أمّا العلم الّذي هو نور وفضائل وأخلاق ومناقب وصفات عالية تنقلك من الحضيض الأسفل إلى الرّفرف الأعلى، فهذا هو العلم، ويجب علينا أن نجمع القلب مع القالب، فلو تزوّجت روح ملكة الجمال بعد موتها فهل تستطيع أن تنجب أولاداً؟ وكذلك إذا تزوجتها بلا روح لا تنجب لك الأولاد، إذاً عليك أن تتزوجها روحاً وجسداً.
الحرص على ما ينفع
فالمرحلة الأولى لكم هي أن تبنوا إسلامكم الحقيقيَّ، إسلام الأخلاق الّذي هو تزكية النّفس وإسلام القلب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14] وقال أيضاً: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 22] وكما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة﴾ [الهمزة: 1]، ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين﴾ [فصلت: 6]، و﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين﴾ [المطففين: 1] قال: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 22] فالقلوب تلين بماذا؟ تلين بالتّوبة وبدوام الذّكر والحِمْية عن الغفلة وبالبعد عن لغو الأعمال وعن لغو الأصحاب وعن لغو الجلسات، “فلا تصحب من لا يُنْهَضُك حاله أو يدلُّك على الله مقاله” 12 ولا تدخل في حديث لغو ولا في كلام لغو.
والمؤمن دائماً يتمثَّل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء)) إذا وقعت أو فشلت ((فقل قدّر الله وما شاء فعل)) 13 حتّى لا تنهزم نفسيّاً، فنقول بأنَّ القدر بعد وقوع الكارثة ليس قبلها، فلا نترك الواجب باسم القدر، والمسلمون أساؤوا استعمال القدر فتركوا الواجبات وقالوا إنْ قدّر الله فسننتصر على اليهود، ومعنى كلامهم هذا بأنَّه ليس علينا أن نستعدّ، فيقولون إن أراد الله أن ينصرنا ننتصر وإلّا فلا ننتصر، لكنْ القدر يُستعمَل بعد إعداد كلّ العدد وكلّ الوسائل الّتي تضمن النّصر، وبعد تهيئة كلّ الوسائل نطلب العون من الله تعالى وهذا هو معنى التّوكُّل، ((فإن أصابك شيء، فقل قدر الله وما شاء فعل)) حتّى لا تنهزم نفسياً، وإيّاك أن تقول “لو” ((فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان))، ثم ننشغل في المهاترات وهل الحقّ عليك أمْ الحقُّ عليَّ؟ فنتشاجر أنا وأنت وننشغل عن العدوّ؟ بل الأولى أن نعمل ونستدرك لخوض المعركة الثّانية.. فهذه مرحلة من مراحل المسلم، وأنتم في طور الدخول إلى إسلام العلم، و((طلب العلم فريضة على كلّ مسلم)) 14 ، والمسلمون الآن لا يطلبون العلم، وليس العلم فقط بل المطلوب العلم مع الحكمة، فأنتم حتّى تصيروا مسلمين فعليكم أن تتعلَّموا، فالمسلم مصلٍّ وصائم وأيضاً لا بد أن يكون عالماً، فلا يمكن أن يكون مسلماً وجاهلاً، والنّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلِّم)) 15 وقال علماؤنا قبل ألف سنة لو كانت البلد تحتاج إلى مئة طبيب ووُجد فيها تسعون طبيباً فأهل البلد كلّهم آثمون حتّى يؤمّنوا مئة طبيب، فكيف يكون الحال إذا لم يكن هناك سوى طبيب واحد وهم بحاجة إلى مئة طبيب؟ وكذلك الحال في الهندسة والإلكترون والتّكنولوجيا وغيرها من العلوم، لكنْ الشّيخ يسارع لتعليمهم الوضوء وتعليمهم الاستنجاء ويعلّمهم ما يعلمون ويجهل ما يجب أن يَعْلَموا، ولذلك فإنَّه يفشل.. فيفشل الشّيخ وينتهي الإسلام؛ لأنّ المهندس لا يُحسن البناء ولا يُحسن التّخطيط ولا يُحسن الحكمة.
العالَم الآن مهيأ للدخول في الإسلام
والأوروبّيّون في وقتنا مهيّؤون للإسلام كتهيُّؤ البنزين للاشتعال، قرأت في كتاب لكاتب أمريكي عنوانه “مصير الإنسان” ومؤلفه رجل كنيسة، لكنّه كما يظهر متحرّر فيصف الإسلام وهو يريد النّصرانيّة أن تكون إسلاماً وهو لا يعرف أنّ هناك ديناً اسمه الإسلام.. أليس من الواجب علينا تجاه هذه الأمّة والّتي هي أقوى أمّة في العالَم وأغناها وهي متهيِّئة وبكلّ سهولة أن نفتحها، وذلك عن طريق قلوبها لا عن طريق المدافع والصّواريخ والجيوش فنحن لا نملك هذه الطّاقة.
وسيبيريا التي حجمها كحجم قارّتين، وأغلبيّة سكّانها كما أخبرني مفتيها بأنَّهم من المسلمين، من فتح هذه الدّولة ومن فتح الشّرق الأقصى؟ فُتحت بالدّعاة وليس بالجيوش والحروب، أصبح عدد المسلمين من عشرين سنة حتّى الآن في أمريكا ستة ملايين ويزيد، وهؤلاء فُتحت قلوبهم؛ الفتح القلبيّ والفتح العقليّ، والفتح العقليّ يحتاج إلى حكمة أمَّا الفتح القلبيّ فإنَّه يحتاج إلى نور ويلزمه تزكية النّفس، فمعركتك مع نفسك بتزكيتها ودوام الذّكر، وأقلّ مراتب الغذاء التي لا يعيش الجسد بدونها أن تأكل رغيفين من الخبز فقط من دون إدام ولكن بنخالته؛ لأنّ الإنسان لا يعيش بشكل صحي إن كان الخبز دون نخالة، فلو أطعمت دجاجك خبزاً أبيضاً فإنّها ستموت كلها بعد سبع وعشرين يوماً، لماذا؟ لأنّه فقد فوائده أمّا إن بقي الخبز بنخالته فستبقى حيّة.
أهميّة ذكر الله تعالى
وأنتم كحال من يأكل الخبز فقط بنخالته، فعليكم أن تذكروا الله عز وجلّ في كلّ يوم على الأقل ساعة أو ساعتين وهذا أقل الأمور.. والشيخ بشير مستعِدٌّ أن يجعل لكم جلسة فتذكرون الله معه، [الشيخ بشير الباني رحمه الله تعالى، كان من العلماء وأهل الذكر، وكان من الجيل الأول عند سماحة الشيخ، وكذلك تتلمذ على يد أبيه الشيخ أمين كفتارو، وكان معروفاً بقوته الروحية وحبه لله ولرسوله وصلته الخاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم] واتفقوا معه على الوقت الذي تريدون، وستنتفعون كثيراً وسيكون لكم مساعداً قلبيّاً في مجلس الذّكر.
والذّكر مذكور في القرآن في أكثر من مئة موضع، ولا تجد في القرآن “اصبر صبراً كثيراً” بل يوجد: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41] ولا يوجد صلّوا قياما وقعوداً وعلى جنوبكم بل يوجد: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103] ويوجد أيضاً: ﴿لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: 9]، وقوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: 37] فأين نحن من هذه الآيات؟ نحن نتوضأ في اليوم خمس مرّات لكن هناك في القرآن آية فقط واحدة متعلقة به، أليس كذلك؟ ولو كان الذِّكر مذكورًا في مئة آية، والوضوء مذكور مرة واحدة ونكرّره خمس مرات في اليوم، فكم مرّة يجب أن نذكر بناءً على ذلك؟ إذًا هل يجب أن تذكروا كلّ يوم خمس مئة ساعة؟ والقرآن يقول عليكم أن تذكروا الله دائماً.
أهل البيت والصّحابة رضي الله عنهم كانوا أصحاب قلوب
هذا الذي سمّوّه تصوّفاً وطريقاً أنت عليك ألَّا تُسمّه بذلك بل سمّهِ قرآناً وسمّهِ إسلاماً، فمن النّاس منْ يظنُّ أنّ الطريق شيء كماليٌّ وترَفٌ في الإسلام، وبعضهم قد يعتقد أنّه بدعة، فتخلصاً من كلّ هذه المشاكل لنرجع إلى إسلام القرآن، والإمام جعفر الصادق كان من كبار الصوفيّين وهو أحد مشايخنا في الطّريقة النّقشبنديّة، وهو أحد رجال سّلسلة مشايخنا الّتي تصل إلى نبيّنا صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت كلّهم كانوا أصحاب قلوب والصّحابة رضي الله عنهم كانوا كلّهم أصحاب قلوب، ومع أمَيَّتهم وبداوتهم وأعرابيّتهم كانوا حكماء وعلماء وفقهاء، وكانت الأمم المتحضرة ترسل لهم أعظم سفرائها، فكانوا يتفوَّقون عليهم بالحكمة وبالمنطق وبالحجّة وبالبرهان وبالإقناع، ولذلك دخلت كلّ الشّعوب في الإسلام؛ الذي هو إسلام المنطق وإسلام العمل وإسلام السّلوك، والله تعالى قال في القرآن عن بني إسرائيل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون﴾ [السّجدة: 24] أئمَّة أي قدوة، فصاروا مناراً في اللّيالي الظَّلماء.. فهل يوضع النّور في الخلف أم في الأمام؟ النّور يكون في الأمام والنّاس تمشي خلف النّور.
﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ فعلينا أن نصبر على مخالفة النّفس ونصبر على ذكر الله عز وجل، ونصبر على تغيير طبائعنا وأخلاقيّاتنا وسلوكنا حتّى نكون قدوة للنّاس وهذا جزء من الإسلام، والذّكر هو جزء من الإسلام، ولا تظنوا أن هذا هو الكل، أمَّا الإسلام ككُلّ فهو ليس مادة إنقاذ العالَم فقط بل هو مادة إسعاد العالَم، وهو مادة لرفع الحواجز بين الألوان وبين الشّعوب وبين الغني وبين الفقير وبين الحاكم وبين المحكوم، وبين القويّ وبين الضّعيف حتّى يكونوا جسداً واحداً؛ فاليد تساعد الرِّجل والرجل تساعد العين والعين تساعد الكتف، وكلُّ ذلك لمصلحة الجسد الواحد.
الدّاعي ينقل الإنسان من حيوانيّته إلى إنسانيّته
فبعد معركة انتصاركم على نفوسكم، وانتصار روحانيَّتكم على حيوانيَّتكم.. فالإنسان حيوان لكن يعتبر أذكى الحيوانات، ما هو تفكير الحيوان في الحياة؟ تفكيره أن يغذّي جسده، وأن يؤمّن شهوات ومتطلّبات جسده من طعام وشراب وحرّ وبرد وزواج ونكاح ومأوى وإلخ، فكلّ حيوان له متطلبات؛ فالطّير له شيء والسّمك له شيء والغزال له شيء وكلّ واحد منها له شيء، أمّا الإنسان فله شيء آخر.. والإنسان حتى يصير إنساناً لابد أن يكون إنساناً بعقله وعلمه وحكمته، فأنتم عليكم أن تجعلوا من الحيوان إنساناً، الحيوان الّذي هو بصورة بني آدم، وعندما لا يعرف نفسه بأنّه حيوان فهذه مصيبة، والله تعالى يقول: ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44].
هل يوجد عند الحيوانات مرض الإفرنجي والزّهري والسّفلس والإيدز المنتشر الآن في أمريكا؟ وهل هو موجود بين الحمير أو بين البغال أو بين التّيوس؟ إذاً الحيوانات أرقى ولا تحتاج إلى طبيب، فطعامها صحيّ أكثر من طعام الإنسان، وعلماء الأغذية الأوربيون يقولون: “الإنسان أذكى الحيوانات إلّا في غذائه فإنه أغباها”، فهو يقلي ويقشّر ويغلي ويسلق، ويضربون مثالاً على ذلك أن حبّة القمح إذا سلقتها ثمّ زرعتها فإنَّها لا تَنْبُت لأنّها ماتت، أمَّا الحيوان فإنَّه يأكلها من دون سلق، وإذا قليت بالسمن فتتهدرج، والسّمن المـُهدرج أكثره سموم، والأوروبيون يسلقون الأرز لوحده ويضعون الزّبدة بجانبه، فلا يقلونها، وإلى الآن حالنا كقوله: “أنت أكل الخبزِ لا تعرفه”، فنحن نأكل الخبز الأبيض أمَّا في أوروبا فهناك الخبز الأبيض والخبز مع النِّخالة، والثَّاني أغلى بضعفين، ونحن إلى الآن مازلنا لا نعرف كيف نصنع الرغيف ومع ذلك نعجب بأنفسنا ونراها كما ورد في قصة: “ما فعل أبوك بحمارِهِ” حيث أراد شخص أن يتحدى سيبويه عندما سأله: ما فعل أبوك بحمارِهِ؟ فقال له: باعِهِ، فقال له سيبويه: يا بنيَّ لقد أخطأتَ كان عليك أن تقول باعَهُ، فقال له: ولماذا أنت قلت: بحمارِهِ؟ أنا مثلك أريد أن أقول باعِهِ. فقال له: يا بنيَّ بحماره، الباء حرف جرٍّ، قال: باؤك “بِ” أما بائي “با”، فبائي أكبر من بائِك. فقال له: يا ولدي باؤك هذه من أصل الكلمة أمّا بائي فحرف جرّ، فقال: ولماذا باؤك تجرُّ وبائي لا تجرُّ؟ فإيّاك أن تجادل الجاهل، فكلّما ناظرته أكثر كلّما ابتعد عن الحقيقة أكثر؛ غروراً منه وجهلاً بجهله، فالّذي يعلم جهله فهذا نصف عالِم، أمّا الكارثة الكبرى إن كان يجهل جهلَه.
الصمود والصبر في الدّعوة
ومرحلة الصّمود والصّبر حتّى تُسعدوا أمَّتكم، وتكون إذا انتصرتم على أنفسكم وانتصر ذكركم على غفلتكم، وحكمتكم على شهواتكم، ونزلتم إلى ميدان التّعليم والإرشاد للأمّة بكلّ طبقاتها وبالحكمة والموعظة الحسنة.
فعلينا دراسة أدب الدّعوة في القرآن ومن الأنبياء، فنوح عليه السّلام بقي صابراً على قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، ولم ييأس ولم يكلّ ولم يملّ ولم يطلب معاشاً، بل كان يُضرب حتّى يغمى عليه، وكان الآباء يوصون الأولاد والأولاد يوصون الأحفاد بأنّ هذا الرَّجل خَرِف فلا تصدّقوه، فهل ترك دعوتهم؟ وهل لدى الشّيخ الاستعداد لأنْ يفعل مثل هذا؟ كلا.. بل الشّيخ يقول: أرجوكم أحتاج وظيفة وراتباً.
فالأنبياء وورثتهم من أهل العلم والذكر جاعوا وضُربوا وشُتموا واتُّهِموا وأُخرِجوا من ديارهم وقوتِلوا لكنّهم ظلوا صامدين وحُرِّقوا في النّار، قال تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود* النَّارِ ذَاتِ الْوَقُود﴾ [البروج: 4-5] أمّا نحن فحالنا كحال العروس التي يُرفَع لها ثوبها عن الأرض وتُجلَس في مكان مرتفع أمام النَّاس ليتفرجوا عليها.. هم يرسلون المبشرين إلى أفريقيا ويكون أحدهم من أبناء باريس أو لندن أو واشنطن، وعندما يرسلونه يضعونه في غابة ويسقونه من ماءٍ آسنٍ ووسخ، ويضعونه في درجة حرارة البلد التي يريد العيش فيها، ويتعرض للذباب والحشرات ولمدة شهور حتّى يتأقلم وتتعود نفسه على ما هو مُقبل عليه، أمَّا عندنا فكيف هو الشّيخ؟ هل هو مثل هؤلاء؟ لا.. لأنَّه لا شيء في الدّاخل ولم يتربَّ، لكنْ عندهم الكنيسة تربّي أحدهم روحيّاً وأخلاقيّاً وتزكيةً وحكمةً، وطالب العلم عندنا محروم من هذه الأشياء كلّها، فقط نعلّمه بعض الأحكام البسيطة للطّقوس.
في الكنيسة والمدارس الكهنوتية هناك قيام ليل فيوقظونهم في منتصف اللّيل ليكون مع الله- وذلك حسب عقيدتهم مع أنَّها شركية- وطالب العلم عندهم يُمنع من أن يلتقي بأهله إلّا ساعة في الأسبوع وفي وجود الإدارة، وبعد ذلك يترهبن فلا يتزوّج ولا يملك شيئاً، أي يبيع نفسه لله.. والرّاهبات والرّهبان تجدهم في مجاهل أفريقيا بين الأفاعي والسّباع والأسود، هذه هي الأمم الّتي تريد أنْ ترقى، وتبشيرهم هذا يكون لخدمة الاستعمار أمّا الإسلام فليس هدفه الاستعمار، إنّما هو لإسعاد الإنسان، والإسلام لا يريد من دعوته وتزكية النّفس وتعليمها وإرشادها بأن يستغلّ هذا الإنسان، بل يريد أن يحرّره ويعزَّه ويغنيَه وأنْ يعطيه الصِّحة والفكر ويؤاخيه مع الغير، فأين هؤلاء المسلمون الآن؟ وأين الدّعاة في أفريقيا؟ وأين الدّعاة في أمريكا؟ وأين الدّعاة في أوروبا؟ لا يوجد.
والشيخ ليس عنده استعداد أولاً لأنّه في الأصل لم يدعُ نفسَهُ، ونفسُه لم تستجبْ، ولم يذهب إلى الأطباء حتّى يعالجوه، فعندما تُعالج عينك تُسلّم عينك لطبيب العيون، وعندما تريد أنْ تُعالج رئتيك فعليك تسليمها لطبيب الصّدريّة، وقلبك عليك تسليمه لطبيب القلوب، وروحك عليك تسليمها لطبيب الأرواح، فأنت إنْ أردت أنْ تتبع هواك كالحيوانات في الصّحراء فآخرتك إلى هلاك، ولنْ تكون معلِّماً ولا مُرشِداً ولا مُسعِداً في المكان الّذي أنت فيه.. ثم أنت لم تُخلق للمصلّين في الجامع فقط.
يُحكى أن أحد البدو قُدّم له طعام من برغل أو أرز وفوقه لحم وفوق اللّحم يوجد خنافس- هل تعرفون ما هي الخنافس؟ الخنفس هو حشرة سوداء تمشي على الأرض وتجتمع على الفضلات ومنها ما يطير، لها ستة أرجل- فيوجد على الطّعام لحم وخنافس، فبدل أن يبدأ البدوي باللّحم بدأ بأكل الخنافس، وهي لا تؤكل، قالوا له: لمَ لا تأكل من اللّحم، فقال: لا يا أخي هذه اللّحوم لا تهرب، أمّا الخنافس فستهرب لذلك دعوني أبدأ بها ثمّ أُثنِّي باللّحم.. فالذين في المسجد موجودون ولن يهربوا، لذلك عليك أن تذهب إلى خارج المسجد وتشتغل على الخنافس خارجه.. [يقول ذلك الشيخ وهو يضحك بملء فيه، ويضحك معه الحضور] اذهب واسهر مع أهل البلد، [“اسهر” كلمة تُستخدم كثيراً في سوريا وكثير من البلاد العربية، وهي عن وقت السَّهَر، وهي الفترة المسائية بعد المغرب وربما تطول إلى منتصف الليل، حيث اعتاد الناس أن يتسامروا ويتزاوروا في هذا الوقت، فهو وقت اللقاءات الحميمة واجتماع الأصدقاء والأهل واللقاءات الاجتماعية] واسهر مع أعضاء الحزب، [يحث سماحة الشيخ رحمه الله تلامذته من أهل العلم أن يختلطوا بكل الناس ولا ينعزلوا عنهم، ومن أهم فئات الناس أعضاء الحكومة والمسؤولين فيها، وكان جُلُّ هؤلاء المسؤولون في الحكومة في ذاك الوقت من أعضاء الحزب الحاكم.. وهذه النصيحة لأن المشايخ اعتادوا أن لا يقتربوا من الحكام، وأن ينعزلوا عنهم ويبتعدوا مما زاد الجفوة والخوف بين المشايخ والحكومات] والشّيخ إن ذهب الآن وجلس مع أهل الحزب ماذا سيقولون عنه؟ سيقولون عنه: كافر، أليس كذلك؟ والنّبي صلى الله عليه وسلم مع من كان يجلس؟ ألم يكن يجلس مع الكفار؟ أمَّا الموجودون في الحزب فمنهم من اسمه محمّد بن محمود بن خالد وقد يكون أبوه شيخاً.. ومنهم من يصلي ومنهم مؤمنون ومنهم دون ذلك كبقيّة الناس، كالحدّادين والنّجّارين، فموجود فيهم كل الأصناف وفيهم من هو أطيب مني.
اذهب واشتغل على الخنافس، وهذا التشبيه لا أريد به تحقير أحد من النّاس، اذهب إلى الحانة (مكان شرب الخمر)، هل تستطيع أن تذهب إلى هناك؟ فإن لم تستطع وكانت جبتك وعمامتك تمنعانك فاخلعهما واذهب بدونها، واذهب إلى السّينما واشترِ تذكرة وقبل الفيلم قل لهم سألقي عليكم كلمة لخمس دقائق، ثمّ مازحهم ولاطفهم وقل لهم فكاهة وقل لهم ما يتناسب مع عقولهم.. فالشخص الكبير يشرب زيت الخروع كمسهِّل أمّا الطّفل الصغير فيضعون لهم المسهّل في الحلوى، وأنت إنْ كنت حكيماً ضع لهم الحلوى مع المسهّل، فهل تعلمت الحكمة والتي هي ثلث الإسلام؟ بعض إخوانكم من أساتذة الجامعة قال لي: أنا تعلمت أسلوب التدريس النَّاجح في الجامعة هنا في الجامع، تعلم أسلوب التّدريس الجيّد من جامع أبي النور وهو أستاذ في الجامعة، فالجامع هو الأصل.. أمّا الشيخ المسكين فلا يصلُح لا للجامع ولا للجامعة، ولا يعرف كيف يبدأ كقصة البدوي.. ومعركة الدّعوة تحتاج إلى صبر وصمود وتحمّل، وعندما أتى شيخنا رحمه الله تعالى وكان قد أمره شيخه بالدعوة وأرسله إلى مسجد أبي النّور، وكان حجم الجامع صغيراً كحجم هذا الصّالون وفيه حصر سوداء، ولم يكن له راتب ولا وظيفة ولا أيّ شيء حتّى توفاه الله تعالى، وكان يدفع ثمن كهرباء الجامع من جيبه.. وبصبره وإخلاصه وبقلبه وبحكمته وبتزكية نفسه صارت هذه المائدة التي نحن عليها، فقد كان مزكِّياً وكان حكيماً وكان فقيهاً، وليس الفقه كما هو الحال في مصطلح المشايخ فقط في الوضوء وأحكام البيع والشّراء والسَّلَم، بل فقه الإسلام كلّه من فقه القرآن وفقه السّنّة وفقه الأخلاق وفقه الحكمة وفقه الحياة وفقه الزّمان وفقه المكان، ونحن الآن على مائدة شيخنا رضي الله تعالى عنه، والمشايخ الذين قرأت عليهم يقاربون العشرين شيخاً، ولو بقيت على عقليّتهم لكنت صفراً على الشِّمال، بل ليتني أكون صفراً فقط، فالصفر على الشِّمال لا ينفع ولا يضرّ، ولكنَّه يصبح كالحصاة في العين يضر ولا ينفع.
لذلك فأنتم حين تقومون بالواجب؛ اعلموا بأنَّ أمّتنا العربيّة والإسلاميّة تتعرض لأشرس حرب مرّت على العرب والمسلمين من بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وأنتم تسمعون في الإذاعات والصّحف بأن أمريكا مع إسرائيل، وأمريكا هي من يتآمر على العرب ومن ورائها حلف الأطلسي، والإسلام ليس داخلاً في هذه المعركة، فالشّيخ إذا ذهب إلى الحاكم ماذا يقول له شيخ آخر؟ يقول له: “بئس العلماء على أبواب الأمراء”، فهل أنت ذاهب لأجل دنياك؟ فلو كان ذهابك لأجل دنياك فبئست وقفتك ولو ذهبت إلى أبواب الأولياء، ولو ذهبت إلى باب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنت تطلب الدنيا فبئس ذهابك.. والذي هاجرَت معشوقتُه وكان اسمها “أم قيس” فهاجرَ من أجلها، فكان الصّحابة رضي الله عنهم يسمّونه “مهاجرُ أمِّ قيس” 16 فبئس المهاجر وبئست الهجرة، فإن كنت على باب النّبي صلى الله عليه وسلم ونيّتك لغير الله عز وجل فبئس الذّهاب، وإذا ذهبت إلى إبليس ولك نيّة أن تصلحه وتنصحه فانصحه، فأنا لو أجتمع بإبليس فسأنصحه، ولو أجتمع بماركس فإنَّ لي ثقة بالله عز وجل بأنّي سأغير فكره وذلك بفضل الله عز وجل، لأن مراد ماركس بالاشتراكية أليس هو تعميم الرّفاه على النّاس؟ أليست هذه المادة موجودة في الإسلام أم لا؟ موجودة وبشكل أوسع وأرقى بكثير ممّا دعا إليه ماركس، ولكن الإسلام محجوب بالوضوء والاستنجاء وبمسح الجبيرة والتّيمُّم.
أين جمال الإسلام؟
أين جمال الإسلام في الأخلاق؟ وأين جمال الإسلام في المعاملات؟ وأين جمال الإسلام الرّوحيّ؟ ولـمَّا أمسك المشركون أحد الصّحابة وأرادوا أن يصلبوه قال لهم
ولست أبالي حين أُقتَل مسلماً على أيِّ جنبٍ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإنْ يشأ يبــــــــــارك علـــــى أوصــــــــال شَلــوٍ ممــــزع
وعندما أراد أحدهم الذهاب إلى الجهاد قالوا له: ردّك الله إلينا سالماً غانماً، فقال لهم
لكنّني أسأل الرحمن مغفرةً وضربةً ذاتَ فرغٍ تقذِفُ الزَّبدَا
أو طعنــــــةً بيــــــدَيْ حـــرّانَ مجهــــزةً بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مرّوا على جدَثي أنعِم بهِ غازياً في الله قدْ رَشَدَا
“ذات فَرْغ” أي تُحدِث فراغاً في الجسم وتخرج الدّم والرّغوة منه:
أو طعنةً بيدَيْ حرّانَ مجهزةً: بيد شخص قويٍّ لتقضي عليَّ- على جدثي: على قبري.
الحكمة في الدعوة
فأنت إن صنعتَ الجنديَّ على هذا المستوى، فإنِّ الدّولة ستضعك على رأسها، وإذا وقفت بجانب رئيس دولتك في المعركة ضد الاستعمار وضد الصّهيونيّة وإسرائيل فسيضعك على رأسه، ولكنِّ المشايخ يرفضون ذلك لأنّهم لم يتعلّموا الحكمة، واقتصر تعليمهم على الوضوء، فهل نحن الآن في أزمة وضوء؟ وهل هناك أحد لا يعرف كيف يتوضأ؟ وهل هناك أحد لا يعرف الماء الطّاهر من غيره؟ أمّا الحكمة فلا يعرف منها شيئاً حتى ألف بائها.
كان عبيد الله بن حذافة رضي الله عنه من أبطال المسلمين، فأمر ملك الرّوم بأنْ يحضروه حيّاً وخصّصَ جوائزاً لمن يأتي به أسيراً، ليلقّح به نساء الرّومان حتّى يأتي منهن مثل هذه النّوعيّة البطوليّة، فهو يظنّ بأنّ هذا الأمر يكون بالتّلقيح الجسدي، فوقع عبيد الله بن حذافة رضي الله عنه أسيراً، فعرض عليه قبل كلّ شيء أن يصبح نصرانياً ويعطيه نصف مملكته، فقال له: لو أعطيتني ملكك كلّه على أن أخرج من إسلامي لحظة واحدة لا أفعل، ثمَّ طلب أن يأتوا بقِدر من الزّيت المغليِّ ووضعوا به أحد الأسرى مهدداً إيّاه وقال له: إما أن تتنصَّر وإمّا أن نضعك في الزّيت المغلي، ووضعوا أمام عينيه اثنين أو ثلاثة من الرّجال في الزّيت ليُرْهبوه، فصار يبكي، فاستبشر الملك لاعتقاده بأنّه استسلم، وقال له: هيا، قال: ماذا هيا؟ قال: لماذا بكيت إذاً؟ قال: بكيت لأنّي لا أملك إلّا روحاً واحدةً وحياةً واحدةً، فكنت أتمنّى لو أنّي أملك مئة روح لتقذفوا بي في هذه القدر التي تغلي بالزّيت مئة مرة حتّى أكسبَ الشّهادة مئةَ مرّة.
هكذا ربّى الإسلام الجنديّ، وهكذا يجب على الشّيخ أن يربيَّ الجنود ويدخل في الجيش.. اعرض نفسك على الجيش وعلى الحزب وقل لهم أنا مستعد لتربية الجنود.. لكن المشايخ حينها يُكَفِّرونك، أليس كذلك؟ فأنت مخلوق لمن؟ هل أنت مخلوق للأولياء أم مخلوق للعلماء أم للجهلاء أم للقريبين أم للبعيدين؟ فأنت طبيب وعليك أن تكون مداوّياً، وكلّما كان مرض أحدهم خطيراً فعليك أن تعتني به أكثر.
جاء عدي بن حاتم النّصرانيّ إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، فخلع النّبي صلى الله عليه وسلم له رداءه وأجلسه عليه وجلس هو على التّراب 17 .. لو جاءك واحد من “حزب البعث” وأجلسته على جُبَّتِك وجلست أنت على التّراب فماذا سيقول عنك المشايخ؟ إن البعثي ابن بلدك اسمه أحمد بن محمود بن خالد، أو عبد الرحمن بن محمد، والبعث بعث الأمّة العربيّة، والإسلام ألا يريد بعث الأمّة العربيّة؟ الإسلام يريد بعث العالم كلّه، قل لمن تلقى في الحكومة: أنتم ابدؤوا ونحن نساعدكم لعلنا نتابع الإصلاح معكم! خذ وأعطِ.
مرَّ أحدهم على حارس مزرعة بطيخ، فسلَّم على الحارس فلم يردّ الحارس السّلام، فعاتبه قائلاً: لماذا لم تردَّ السّلام مع أنَّ ردُّ السَّلام فرض؟ قال: لأنّ السّلام يجرُّ الكلام والكلام يجرُّ البطّيخ، فلذلك أنا لا أردُّ السّلام حتّى لا يكون الكلام ولا يكون قطف البطيخ لأقدِّمه لك.. سلّم واجعل بعد السّلام كلاماً، وبعد الكلام يرسل الله عز وجل البطّيخ، كما قال الشّاعر المصري أحمد شوقي
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاء
أهميّة الخلوة في حياة العالِم، وقصة الشيخ خالد النقشبندي رحمه الله تعالى
فصمودكم في ميدان الدّعوة يحتاج إلى صبر وأخلاق وحلم وتواضع وعطاء وإخلاص وصدق، وكلُّ هذا يبنى على الحجر الأساس الأوّل وهو حراء، فمن لا حراء له لا علم له.
ذهب مولانا خالد من العراق إلى الحجّ مشياً على الأقدام لعله يلقى الشّيخ المرشد المربّي، ولم يكن في زمانه سيارات ولا سككاً حديديّة، ذهب فقط ليفتّش عن الشّيخ الذي يدلّه على الله عز وجل، وكان حينها أكبر عالم في العراق وكان يحفظ القاموس المحيط الـمُؤلف من أربع مجلّدات، فاجتمع بشيخه في مكّة وبعد أنْ تّعارفا طلب منه أن يُدخِله في مدرسة التّربية، فقال له: هنا؟! وهل يكون الأمر بهذه البساطة؟ وقال له تأتي إليَّ في الهند، وهو من أكبر العلماء فتنازل عن رئاسة العلماء وأرجع نفسه طالباً صغيراً، وذهب إلى دلهي وبقي في حراء شيخه ثمانية أو تسعة أشهر، فخرج وهو مَلِك القلوب، مَلَك قلبه ومَلَك نفسه وتزكّت نفسه وآتاه الله عز وجل العلم والحكمة ونوّر الشّرق الأوسط كلّه من إسطنبول إلى البلاد العربيّة، فهذه الطّاقة لا يستطيع الأزهر أنْ يعطيها، وتوفي وعمره أربع ٌوخمسون سنة مخلّفاً مئات الخلفاء.
الصّبر والإخلاص سبب النّجاح
والعلم مع الحكمة ومع تزكية النّفس هذه تحتاج إلى صبر، فالكسول وقاصر الهمّة وقاصر النّظر وضعيف العزيمة لا يدخلون هذا السّبق، فمن تجاوز هذا السّبق عندها يصبح صاحب قلب ويُؤتىَ الحكمة ويستطيع أن يَغْلِب نفسه، لأنَّ كلّ شيء يحصل بالإرادة فإذا أردت يحصل مرادك.
عندما أراد الإنسان أن يصل إلى القمر- وكان من يقول بهذا القول يعتبر مجنوناً، وخصوصاً بعد أن تبين أنّه لا يوجد هواء ولا أوكسجين على القمر- لكنّ الإنسان لما أراد وصل إلى القمر وأصبح يطوف حول الكواكب، ونحن الآن لا نعرف كيف نطوف حول القرآن ولا نعرف كيف نصلّي! ((لَيْسَ كلّ مصلٍّ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصرَّ على معصيتي، وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كلّ ذَلِك لي)) 18 يفعل كلّ ذلك من أجلي، لا لمدحٍ ولا لثناءٍ ولا لرياءٍ ولا لسمعةٍ بل بالإخلاص الكامل.
فلماذا تريد أنْ تصلي؟ تصلي لله عز وجل، وما معنى لله؟ هل يعني من أجل خاطر الله عز وجل؟ لا، إذاً أنت لا تفهم ما تنويه.. أنت تصلّي لله يعني لأجل لقاء قلبك بالله عز وجل، وتصلّي لله عز وجل لأجل أن تفقه دَرْسَك عن الله عزّ وجلّ فيكون هو أستاذك وسيعلّمك، فإن قال لك: ﴿وَالْعَصْر﴾ [العصر:1] فهو يقسم يميناً لك حتّى تصدّقَه.. يقول لك أنت خاسر في مالك وفي جاهك وفي سلطانك.. فعندما تُوضع في القبر ماذا ستأخذ معك؟ ولو ملكت الدّنيا وكانت جبالها ذهباً لك، وسكّانها عبيداً وخدماً عندك، ووضعوك في القبر فماذا سيبقى لك؟ كدنيا لم يبق لك شيء، قال تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سورة العصر: 2-3] الإيمان ليس قولاً، بل هو في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14] هذا هو الإيمان القلبيّ والروحي.
لما سأل النّبي صلى الله عليه وسلم حارثة رضي الله عنه قال له: ((يَا حَارِثُ، كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟)) قال: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قال: ((انْظُرْ مَا تَقُولُ، إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً)) قال: أَلَسْتُ قَدْ عزفتُ الدُّنْيَا عَنْ نَفْسِي، وأظمأتُ نَهَارِي وأسهرتُ لَيْلِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، يَعْنِي: يَصِيحُونَ؟ قَالَ: ((يَا حَارِثُ، عَرَفْتَ فالزم)) ثلاث مرات 19 ، فإذا شاهدنا رئيس الجمهوريّة في التّلفاز، هل هو رئيس الجمهوريّة حقيقة؟ كأنّه هو، وإذا رأينا صورته في الكتاب أو في الجريدة، نقول رأينا رئيس الجمهوريّة بالجريدة.
وبعد أن طهّروا النّفوس وزكَّوها وأداموا ذكر الله عز وجل أصبحوا: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون﴾ [الذاريات: 17] كان الصّحابة رضي الله عنهم مع النّبي صلى الله عليه وسلم ذاكرين الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فتركوا كلّ أعمالهم وتجاراتهم وكلّ شيء، ومرّت عليهم مراحل التّقشّف، فكلّ شيء في أوّله لا بدّ أن تخسر فيه، فالفلاح أولاً يعطي وبعدها يأخذ، ويتعب أولاً ويخسر ثمّ يرتاح ويكسب، ويعطي الأرض عشرين كيساً من القمح فتعطيه على الأقل مئتي كيس، وقد تعطيه بدل العشرين ألفي كيسٍ، فيتعب بالحرث والعمل والحصاد لكن بعد ذلك تأتيه الراحة عندما يحصل على النّقود ويتزوج ويمتلك بيتاً
نظرت في الرّاحة الكبرى فلم أرها تُنال إلّا على جسرٍ من التَّعبِ والجِــــــــــــــدُّ منها بعيــــــــــدٌ فــــــي تَطَلُّبِــه فكيـــف تــدركُ بالأهواء واللّعِبِ
والجِدُّ منها بعيدٌ في تطلُّبِه: إذا أردت الرّاحة بالجد فالطّريق بعيدة.
خطر المنتسبين إلى التّدين زوراً
فإن أصبحتم المسلم الذي قصده النّبي صلى الله عليه وسلم فستكونون أغلى شيء في نظر الدّولة وفي نظر الجيش وفي نظر المخابرات، وما هي وظيفة المخابرات؟ وظيفتها أن تعمل ضدّ كلّ من يريد أن يعاون عدوّ البلاد ضدّ مصلحة البلاد.. وبعض من يُنسب للتّديّن والذين انتسبوا إلى العلم بشكل فجٍّ، ولكنهم لم يأخذوا من العلم ولا حتّى قشره، فإذا أخذت قشرة التّين فستجد فيه رائحة التين على كل حال.. وهم تعلَّموا العلم بشكل عكسيّ، وصاروا يدلّلون على أنّ الدّين مُخرِّب وأنَّ الدّين غادِر وأن الدّين فتّاك وأن الدّين ظالم وأن الدّين متعدٍّ.. هكذا أعْطَوْا هذا المفهوم للمجتمع، فكم أساؤوا إلى الدّين وإلى الإسلام وإلى المجتمع وإلى الأمّة! لكنْ لو أعطى الدّينُ ولو قيراطاً واحداً من حقيقته سيكون كالمرآة التي تظهر فيها صورة ملكة الجمال، فصورة ملكة الجمال على الورقة هي حبر أو دهان، لكنّك أين تضع هذه الورقة؟ تجعل لها بروازاً وتضعها في صدر الغرفة، وهي مجرد دهان.. أمّا لو كانت ملكة الجمال حقيقّية فأين ستضعها؟ فإنَّك ستضعها في وسط قلبك.. فالدّين بمعناه الحيّ والحقيقي هو معشوق كلّ إنسان، بل معشوق الحيوان، كانت لي فرس تحبّني كحبّ ولدي لي، لماذا؟ كانت تحبّ فيَّ الإسلام، فقد كنت أشفق عليها وأرحمها وإذا كانت متعبة أو مُتَعَرِّقة فلا أحمّلها فوق طاقتها، والكلب كذلك عندما يسمع صوت بوق السّيّارة يركض بسرعة من مسافة بعيدة، لماذا؟ حبّاّ في الإسلام الذي رأى صورته منعكسةً في مرآة تصرفاتي معه.
الصّبر سبيل النّجاح والفلاح
كذلك الإسلام ناجح، ولكن هل نحن مسلمون؟ وإسلام العلم في ميدان الدّعوة هو ككلّ شيء في الحياة يجد التَّعب والمعاناة، فالمحامي يلقى عناءً وكذلك المهندس والسّياسي والفلاح والملك والرّئيس والطّبيب والنّحلة وكلّ ذي روح، فإن كان للإنسان لقاء قلبيّ مع الله عز وجل، عندها ينقلب التّعب إلى راحة والخوف إلى أمن، والبعد إلى قرب والمشقّات إلى راحات والذّلّ إلى عزّ والفقر إلى غنى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96] لذلك عليكم أن تصبروا على مرحلة إعدادكم النّفسي وأن تصمدوا فيها، فقد كان يُسألُ بعضهم كيف وصلت إلى هذا الحال؟ فيقول: بوقوفي تحت هذا الدَّرَج ثلاثين سنة.
فمولانا خالد نجح بثمانية أشهر، وشيخنا نجح بأربعين يوماً، وبعض النّاس بشهرين وبعضهم بسنين، فكم يمضي الطّالب من السنين في الدّراسة من المرحلة الابتدائيّة حتّى المرحلة الجامعيّة؟ ست عشرة سنة.. اعملوا سنةً واطلبوا فيها الله عز وجل فيها، ولكن إذا نزلت إلى نهر “قليط” وهو نهر وسخ نجس أسود وذهبت بهذه القذارة لتقابل رئيس الجمهوريّة فهل سيقبل لقاءك؟ وتريد أن تقابل الله عز وجل وأنت ملوّث بنجاسات الذّنوب وهذا لا يجوز، وتريد مقابلة الله عز وجل وأنت تدير له ظهرك، مقبلاً على الدّنيا معرضاً عنه سبحانه وتعالى وهو يقول في الحديث القدسي: ((إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) 20 .
الذكر في حياة المسلم
إنه فَرْض عين أن تكون صلاتكم ذكراً، وتسبيحكم ذكراً وتكبيركم ذكراً، وحين تقول “وجهت وجهي” تكون ذكراً، وحين تقرأ: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الفاتحة: 2] هي ذكر، وأيضاً: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر﴾ [الكوثر: 1] ذكر، فتسمع الكلام من الله عز وجل، وحين تقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين﴾ [الفاتحة: 5] يكون قلبك مواجهاً لمن تخاطبه، فهل هذا الخطاب للمخاطب الحاضر أم للغائب غير الموجود؟ هو موجود فهل أنت معه موجود؟- اتفقوا مع الشّيخ “بشير” على جلسة أو جلستين في الأسبوع.. اتفق معهم يا شيخ بشير، وقد فوضت الأمر لك، وعليكم أن تداوموا على الوظيفة- ومتى ما ذقتم طعم الإيمان ولذة لقائكم مع الله عز وجل وحضوركم بالله عز وجل، فلن تستبدلوا ساعة واحدة منها ولو أُعطِيتم جبالاً من ذهب، وكان بعض أولياء الله تعالى يقولون: لو يعلم الملوك ما نحن فيه من السّعادة والنعيم لقاتلونا عليه بالسّيوف.
التضحيّة للدّين
فهل دفع الصّحابة رضي الله عنهم أرواحهم وأموالهم وتركوا أوطانهم وهاجروا ثلاث مرات وقاتلوا آباءهم وأولادهم وإخوتهم مقابل لا شيء!؟ فهل هم مجانين؟ منهم من دُفِنَ في سمرقند، والآخر في طشقند والآخر في الاتحاد السّوفييتي وفي أفغانستان والهند، وهم صحابة!
أمَّا الآن فلا حاجة للقتال فالعالَم الآن كلّه يفتّش عن الحقيقة، والعالَم الرّاقي كلّه يحارب التّعصب إلَّا للحقيقة، فيخرج عن دينه وعن عقيدته بساعة واحدة إذا تبين بأنّه مُخطئ في فكرته العلمية أو عقيدته السّياسيّة أو الدّينيّة ويتراجع عنها، فأنت إذا كنت تدّعي الحقّ عليك أن تعرف الحق بلسانك وبعقلك وبقلبك، فلو ذهبت إلى أمريكا وإلى أفريقيا وإلى الهند وإلى أي مكان ستجد جميع النّاس في العالَم كلّهم مهيَّؤون، والمسلمون وصلوا إلى البحر المتجمد الشّمالي، وإلى سيبيريا التي درجة الحرارة فيها خمسون تحت الصّفر، هؤلاء لماذا ذهبوا إلى هناك؟.. لما اكتسح التتار آسيا كلّها وكانوا يريدون أن يكتسحوا العالم، فثلاثة أو أربعة مسلمين وباسم شيوخ، ومعنى مسلم أي مسلم عالِم مُعَلِّم.. هؤلاء الشيوخ هم الذين اكتسحوا التتار بملوكهم وأباطرتهم وجيوشهم وأدخلوهم في الإسلام، فأحدهم أسلم على يده الملك والوزراء، ولكن استعصى عليه قائد الجيش، فقال قائد الجيش للملك: أنا لن أسلم حتّى أصارع الشّيخ فإن غلبني فهو على حقّ وإن غلبته فهو على باطل، وكان هذا القائد يستطيع أن يحمل البغل بيدٍ واحدةٍ، وكان الشّيخ نحيفاً ورقيقاً، فكيف سيصارعه؟ والنّبي صلى الله عليه وسلم ألم يصارع رُكانَة في سبيل الدّعوة؟ 21 فهذه هي السّنّة- فصارعْ أحدَهم وأرنا قوتك، لكنَّك لا تستطيع أن تصارع لا بدنيّاً ولا عقليّاً ولا قلبيّاً- فقَبِل الشّيخ التّحدي فأشفق عليه الملك وفق ميزانه ولكن الشّيخ له ميزان آخر، فقال الشّيخ: أصارعه ولكنْ بشرط أن يكون ذلك النزال أمام الجيش كلّه وكان عدد الجيش مئة وخمسون ألف جندي، ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: 59] ثم بدأ الصّراع أمام الجيش فوكز الشّيخ ذلك القائدَ في صدره وكزةً واحدة فوقع وانقلب وتدحرج على الأرض وأُغمي عليه، فأسلم الجيشُ كلّه في ساعةٍ واحدةٍ.
فهكذا نريد الشّيخ أن يصارع، وإذا اقتضت الدعوة أن تكون مصارعاً فاجعل من نفسك محمد علي كلاي، لكن هذا ليس بقوّته، بل بقوّة الذّكر، وبقوّة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17] فيجعل من كلامك حياةً تدخل من الأسماع إلى القلوب فتحيا بها القلوب والعقول والمشاعر والوجدان، ويصبح قلبك وصحبتك ومجالستك أجمل من ملكة الجمال، وكلّ ذلك تناله من رشحات مجالستك مع الله عز وجل المجالسة الحقيقية، فالذِّكر هو مجالسة الله تعالى.
فعليكم بالصمود والثّبات والصَّبر، والله تعالى يقول: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28] فهل أنت ممن أغفلنا قلبه عن ذكرنا؟ أو ممن اتبع هواك؟ أو أنك مفروط؟ والله تعالى قال لنبيه لا تقترب من هؤلاء.. وإن كان هناك شيخ مثل هؤلاء فإنه يبعد النّاس عن الله عز وجل وعن الحكمة وعن السّعادة.
الجهاد النّفسي
لذلك عليكم أن تدخلوا معركة الجهاد النّفسيّ: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النّفس والهوى)) 22 فإذا انتصر في قلوبكم وشعوركم ذكر الله عز وجل والحضور معه والتّعلُّق بالله عز وجل والحبّ فيه، فسيكون الله عزّ وجلّ معكم: ((إذا تقرب عبدي مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)) 23 وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله عز وجل يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار)) 24 إذاً فالله عز وجل ينتظرنا فلا تجعلوا فترة الانتظار تطول.
فالخلاصة إذاً بأنَّ علينا أن نَثْبُت ونصمد حتّى نحقق الهدف، وما الهدف؟ أن نعمل على إسعاد أمتنا ووطننا وأن نعالج أمراض مجتمعنا حتّى نراه ناجحاً ومتحاباًّ ومتآخياً عالماً حكيماً خلوقاً، ونعمل لخير الأمّة ولخير العالَم أجمع.. فهذا هو الدّين وهذا هو الإسلام.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه، والحمد لله ربِّ العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- صحيح مسلم، عن أبي هريرة، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم: (1780).
- أسد الغابة، (3/302). دلائل النّبوة للبيهقي، (4/62).
- المعجم الكبير، الطبري، رقم: (8544)، (9/104). شعب الإيمان، البيهقي، عن ابن مسعود، رقم: (47)، (1/150)، مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (158)، (1/126).
- رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (1/177) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ بلفظ: لَوِ اسْتَخْلَفْتُ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَسَأَلَنِي عَنْهُ رَبِّي: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ لَقُلْتُ: رَبِّ سَمِعْتُ نَبِيَّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ تَعَالَى حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ».
- السنن الكبرى، للبيهقي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رقم: (18275) و(18276)، (9/199).
- صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تعليم القرآن، رقم: (2907).
- حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/108). شعب الإيمان، البيهقي، عن عمر، رقم: (5779)، (8/255).
- رواه ابن المبارك في "الزهد" (17)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/136) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ رَاحَةٌ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ." والحديث روي مرفوعًا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وحكم عليه أهل الحديث بالصحة.
- حلية الأولياء، أبو نعيم، (8/217)، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (697)، (2/182)، عن محمد بن النضر.
- صحيح البخاري، عن عمر، كتاب الأنبياء، باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16]، رقم: (3261).
- الفردوس بمأثور الخطاب، الديلمي، عن ابن عمر، رقم: (5279)، (3/419).
- من حكم ابن عطاء السكندري رحمه الله تعالى.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشّيطان)) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم: (2664).
- سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
- الفردوس بمأثور الخطاب، الديلمي، رقم: (5279)، (3/419).
- المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله بن مسعود: (8540).
- السيرة الحلبية، (3/317). ولفظه: " ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفًا فقدمها إليّ وقال: اجلس على هذه. فقلت: بل أنت فاجلس عليها، قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض".
- الفردوس بمأثور الخطاب، الدّيلمي، رقم: (4485)، (3/179)، مسند البزار، رقم: (4855)، (11/129).
- المنتخب من مسند عبد بن حميد، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ، رقم: (445)، (1/360).
- حلية الأولياء، أبو نعيم، (7/124)، وأخرجه مسلم بلفظ: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) صحيح مسلم، عن أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم: (2564).
- الروض الأنف، السهيلي، (3/390).
- أخرجه البيهقي في الزهد، رقم: (165)، (373)، ولفظه: قدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ. قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟
- صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، رقم: (7405)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، رقم: (2687).
- صحيح مسلم، عن أبي موسى، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم: (2759).