تاريخ الدرس: 1987/01/05

منبر الدعاة

مدة الدرس: 01:25:09

منبر الدعاة (13): الأجر على قدر المشقّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمّ التّسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مضاعفة الأجر على قدر المشقة

يقول النَّبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا تسارعتُم إلى الخير فامشوا حُفاةً فإنَّ الله يُضاعِف أجره على المنتعل)) 1 أي أنَّ الذي يمضي إلى عمل الخير وهو حافيَ القدمين وبلا نعلين فأجرُهُ مضاعف على من يذهب وهو لابسٌ نعليهِ، ومعنى ذلك أنَّه كلّما تحمّل المؤمنُ مشقّةً أكثر في العمل الصّالح وفي العمل الواجب والمفروض؛ فتكون الأجرة على قَدرِ المشقّة.. هذا من جهة، ومن جهة ثانية كان عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((وجعلت قرّة عيني في الصَّلاة)) 2 أي أنَّ الصَّلاة كانت تملأ قلبَهُ سروراً وتقرّ عينه بها، وقرّة العين هي كناية عن زيادة الفرح والغبطة والسّرور وانشراح الصّدر، يقول الله تعالى عن المؤمنين: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات: 17] أي لا ينامون إلَّا قليلاً من اللّيل وأنَّ أكثرَ ليلِهم كان سهراً: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 2-4] ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [المزَّمل: 20] يبقى قائماً نصف الليل أو قريبًا من الثّلث أو الثّلثين.

قام عليه الصَّلاة والسَّلام الليل حتَّى انتفخت أقدامه.. وانتفاخ الأقدام بالميكانيكيّة الصّحيّة يعني ضعف القلبِ عن الدّورة الدّمويّة فلا تبقى عنده قوة امتصاصٍ للدّم من القدمين، فتترسّب السّوائل في القدمين مِن عَجْزِ القلبِ بسبب كثرةِ القيام، والجسم بحاجة للنّوم ويحبّ الرّاحة.

وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يُرجَم بالأحجار، فعندما ذهب إلى الطّائف ظهر له أحد كبار الملائكة وقال له: إنْ شئت أطبقتُ على أهل الطّائف الجبلين، أي أهلكُهُم، قال: ((لا ولكن أستَأني بهم لعلّ الله يُخرجُ منهم ذُريةً مؤمنةً)) 3 .

ومرّةً اشتكى الصّحابة رضوان الله عليهم إلى النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام الجوعَ وكشَفوا عن بطونهم، وكلّ واحد منهم قد ربط حجراً على بطنه- ويبدو أنَّ الرّبط على البطن يساعد على تحمل الجوع- فكشف النَّبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فإذا هو رابطٌ حجرين! 4 .

وظاهر هذهِ الأمور كلّها مشقّات على الأبدان وعلى النّفوس، فقد كان الواحد منهم إذا مشى أبوه على خلاف مصلحةِ الإسلام فالابن المؤمن يستأذن النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنْ يقتُلَ أبَاهُ، كمثل ابن أُبّي بن سلول وابنه فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((بل نُحْسِنُ صحبته ونترفق به ما صحبنا، ولا يتحدث النّاس أن محمداً يقتل أصحابه، ولكن بَرّ أباك وأحسِنْ صُحْبته)) 5 فالإنسان يصل إلى مستوى أنْ يقتل أباه وأن يصبح النَّبي صلى الله عليه وسلم أقرب إليه من أبيه.

وبالهجرة كانوا يتركون أموالهم وبيوتهم وأغنامهم وديونهم ويهاجرون لاجئين، لا بيتٌ لهم ولا مالٌ ولا تجارةٌ ولا مأوى؛ ويهاجرون إلى الجوع وإلى قيام اللّيل وإلى جهاد النّهار وإلى دوام ذكر الله عزّ وجلّ، ولكن كيف أضحى حالهم بعد ذلك؟ فلو أتيت بالحليب الأصليّ ثمّ خضَضْتَه فماذا يخرج منه؟ تخرج الزّبدة، أمَّا الماء فمهما خضضْته فإنه يبقى ماءً.

العودة إلى المصطلحات القرآنيّة، وضرورة ذكر الله تعالى على كلّ حال

والإسلام لا يوجد فيه ظاهر وباطن، بل كلّه شرع، وهل ذكْر الله عزّ وجلّ من الشّرع أم هو من خارج الشّرع؟ وهل قيام اللّيل من الشّرع أم من خارج الشّرع؟ وهل الإخلاص من الشّرع أم من خارج الشّرع؟ وكذلك الإنابة والخشوع ومراقبة الله عزّ وجلّ ودوام الذّكْر، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاة [النِّساء: 103] وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرَّعد: 28] فهنا طمأنينة القلب بذكْر الله عزّ وجلّ صارت شرطاً من شروط الصَّلاة: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاة، فـلماذا نقول باطن وظاهر؟ ولماذا نقول تصوّف وشريعة؟ ولمَ لا نقول أنّه قرآن وإسلام؟ إذن فأنت لست مسلماً، بل أنت مسلمٌ كاذب! ولو كنت شيخاً ولو حصلت على خمسين شهادة دكتوراه، فهل تذكُرُ اللهَ عزّ وجلّ كالذاكرين قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم؟ وصف الله تعالى المنافقين بأنَّهم: ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النّساء: 142] ووصف الله المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب: 41] فلم يعد هناك حاجة لأن يكون نقشبنديّ وشاذليّ وقادريّ ورفاعيّ، وفي الأصل كانت العلويّة طريقةً صوفيّة وكذلك الدُّرزية والإسماعيليّة والبهائيّة أيضاً، والكثير من أهل التّصوّف لِـجهلهم بجوهر الإسلام من نقشبنديّة وقادريّة ورفاعيّة وغيرهم خرجوا من الإسلام أو أنّهم زاغوا، فالعالِـم الآن فاشل ولو أتى من الأزهر ومعه دكتوراه؛ لأنَّه لم يتعلم الإسلام ككُل، فأين هو من قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النِّساء: 103]؟ إنّه في قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6] يعُدُّهُ من العلم، أمَّا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النِّساء: 103] فلا يعُدُّهُ من العلم.. لماذا؟ هذا بسبب جهله! لِم يعدّ قولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] من العلم ويقول بأنَّ المصلي يجب أنْ يكون طاهر الثّياب من الحدث ومن الخبث، ولماذا لا يعدّ قولُه تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2] من الشّرع ومن شروط الصَّلاة؟ وفي مفهوم المخالفة نعلم بأنَّ غير الخاشعين هم الخاسرون، والله سبحانه ومن غير مفهوم المخالفة ذكَر ذلك في قوله: ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: 9] وفي قوله أيضاً: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النّور: 37]. فهل يحتاج طالب العلم إلى ظاهر وباطن؟ وما هو الباطن؟ لا يوجد ظاهر وباطن! قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا)) اللّيل فيه ظلام وتختفي فيه بعضُ الأشياء؛ لكنْ النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قال: لا؛ فليلها مضيءٌ كنهارِها المضيء فالأمر واضح، ((لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ)) 6 ومع عميق الأسف فإن هذه الأحكام الشّرعيّة الإسلاميّة القرآنيّة منسوخة من برنامج تثقيف طالب العلم نظريّاً وعمليّاً، كما لو أنّهم لم يضعوا الصَّلاة في البرنامج الحالي لا دراسةً ولا صلاةً وتطبيقاً، فعندما يدرس البرنامج يكون من دون الصلاة فيه، فلا يدرس الطالب فيه الصَّلاة! فهل نسمي هذا الطالب عالِـماً؟ أين آيات الذكر؟ إن الله لم يقل صلّوا في كلّ أوقاتكم، ولم يقل صلّوا في ليلكم وفي نهاركم، ولم يقل صلّوا في أثناء قتالكم وهجومكم وزحفكم على العدوّ، ولكنَّه قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال: 45] ولم يقل صلّوا كثيراً، إذاً فالذّكر في نصّ القرآن واجب عليك في جميع أوقاتِك وثوانيها، وأنْ تكون في أنفاسك ذاكراً لله عزّ وجلّ.

حقيقة ذكر الله تعالى

وذكْر الله تعالى ليس بأنْ ترقصَ أو أنْ تقفزَ أو تصيح، بل هو من التّذكُّر، فمشاعرُك الفكرية تمتلئ من الذي تذكُرُهُ، فإذا كان مخيفاً فمن الذّكْر سيغلبُ عليكَ الخوف، فإذا رأيت حريقاً والنّاس تحترق وتذكّرت الحريق ستجدُ وجهك قد اصفرَّ وقلبَك بدأ يخفق بقوّة، وإذا أردْتَ أنْ تأكل فتجدُ نفسَكَ قد فقدتَ شهيّتكَ من أثر الذّكر، وإذا لقيت من تحبّ أو لقِيت ما تحبّ أو أنَّ أحداً أعطاك مئة ألف ليرة أو أعطاك بيتاً وأراك ورقة الطابو (الملكيّة) وتذكّرت ذاك العطاء، ألا تجد وجهَك قد امتلأ بالدّمّ واحمرّ وصار حالُك كما قال تعالى: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: 24] أليس كذلك؟ وهذا من أثر الذّكْر، فالذّكْر هو مادّة الأديان كلّها، وهو روح الإسلام بكلّ فرائضه وبكلّ عباداته وفي أثناء العبادة وخارجها، فالطّهارة والوضوء مثلاً مطلوبةٌ منك في أثناء الصَّلاة أمَّا خارج الصَّلاة فليس مطلوبٌ منك الوضوء، وفي أثناء الصَّلاة مطلوب منك أنْ تكون ثيابك طاهرة، أمَّا خارج الصَّلاة ولو لم تكن طاهرةً فما عليك من إثم، أمَّا الذّكْر فهو مطلوبٌ منك في أثناء الأكل والشّرب وعند النّوم وعند الرُّكوب وحتَّى عندما تكون في فراش الزّوجيّة فلا تقرب زوجتك حتَّى تذكر الله تعالى، وكذلك عندما تركبُ الدّابّة أو حين تدخل إلى بيت الخلاء.

لماذا هذا الذّكْر؟ علينا أنْ نعرف، فالأمر ليس كما كان أهل التّصوّف في الماضي يقولون هو من الأسرار، هذا خطأ فلا يصح أنْ تكون في الدّين أسرار، فلماذا الذّكْر؟ الذّكْر هو استحضار القوّة الـمُخيِّلة والـمُفكِّرة لمن تذكُرُهُ أو لِـمَا تذكُرُه، وعلماء الرّوح الأوروبيون الآن في العلم الحديث– وقد قرأت لهم عدة كتب حديثة ألفها أمريكان وأوروبيون- قالوا: حين تذكر فلاناً حيّاً أو ميتاً ينبعثُ من روح ذلك المذكور ما يتّصل بروحك، فأيُّ شيءٍ تذكُرهُ ينبعث من روحه ما يتصل بروحك، وكلّما قَوِيَ الذّكر تنتقل إلى الذّاكر صفات المذكور، وبمقدارِ قوةِ ذكرك له يكون التأثير، فإذا أحبّ أحدُنا إنساناً فمن لوازم الحبّ الذّكر، وإذا أحببتَ إنساناً فستذكُرُهُ دائماً، يُقَال: من أحبّ شيئاً أكثَرَ من ذكرِهِ، وإذا كان لك رفيق أو صديق فمن حُبّك فيه ستسري فيك صفاتُهُ الخيّرة أو الشّرّيرة، فلو كان يدخِّن التّبغ فإنَّك بعد مدّة ستدخنه، وإذا كان يتعاطى الحشيش فإنّك ستتعاطى الحشيش، وإذا كان يشرب الخمر فأنت ستشربه، وإذا كان يذهب إلى السّينما فستذهب أنت إلى السّينما، وإذا كان يرقص فأنت سترقص، قال صلى الله عليه وسلم: ((المرءُ على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 7 فالذّكر عندما يكون ذكر الحبّ والشّوق يكون أقوى وأبلغ.

التّفكّر في آيات الله تعالى في الكون

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [البقرة: 164]، فإن درستَ خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار في الزّيادة والنّقصان وفي الإضاءة والظّلام وفي دوران الأرض وما إلى ذلك: ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران: 190] فستجد بأنها دلائل مُنادِيَة تدل على وجود الله عزّ وجلّ بصفاته من العلم والحكمة وحسن التّدبير والعظمة والقدرة والجمال والرّحمة وغيرها، قال: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191] فتنتقل من الفكر إلى الذّكْر، فلو فكّرت في خَلْقِ عينك سترى بأنَّ كلّ قوى الأرض العلميّة والماليّة والصّناعيّة والتّكنولوجيّة تعجز أنْ تصنع لك عيناً، أو أنْ تصنع لك خليّة من خلايا أي عضو من أعضائك! فمن خليّة واحدة تركّبت كلّ خلايا الجسم، فخلايا المخ غير خلايا القلب وخلايا الرّئتين غير خلايا الأمعاء وغير خلايا الكبد، فكلّ واحدة منها لها وظيفة غير وظيفة الأخرى، فهل هذا وُجِدَ لوحده؟ إذاً فهنالك صانعٌ عليمٌ قديرٌ حكيم، وبهذا الإتقان أعطاك هذا العطاء.. وإن فكَّرت في تركيب الهواء وكيف أنَّه مركب من عدّة غازات، فالأكسجين فيه موجود بنسبة معيّنة وكذلك الهيدروجين والآزوت وغيرها، فإن زادت نسب الغازات على خلاف التّركيب الإلهي لاخْتَنَقَ كلُّ ذِي حياة، والكرة الأرضيّة مدرّعةٌ بدرعٍ يسمّى الأوزون وهو على بعد ثلاثين إلى أربعين كيلومتراً عن سطحها، وهو درعٌ غازيّ مكوّن من الغازات، هذا الدّرع الغازي يسمّونه درع الأرض؛ لماذا؟ فالإنسان يلبس الدّرع كي لا تنفذ فيه سهام وسلاح الأعداء، وقالوا بأنَّ النّجوم تفرز إشعاعات قاتلة فلو أنَّ هذه الإشعاعات وصلت بطبيعتها إلى سكّان الأرض لماتوا في لحظةٍ واحدة، فأحاط الله عزّ وجلّ الكرة الأرضيّة بغاز الأوزون على بعد ثلاثين إلى أربعين كيلومتراً؛ فعندما تأتي هذه الإشعاعات يأخذ الأوزون من هذه الإشعاعات بمقدار ما تتحقق فيه حياةُ أهلِ الأرض؛ إنساناً وحيواناً ونباتاً والباقي يردُّهُ ويصدُّه ويمنعُه من اختراق هذا الدّرع، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [آل عمران: 190] فمن الذي فسَّر هذه الآيات الآن؟ هو العلم الحديث، فإن قرأت ستجد ذلك، أمَّا مشايخنا الأوائل فسروها بالإيمان وبشكل بدائي جداً.. وفي لقاء في الكرملين مع الشّخصيّة الثّانية في الدّولة عَجزَ عن الجواب، والإيمان سيطر- وكان ذلك بحضور الشَّيخ بشير- والرجل ألقى السلاح! [يشير سماحة الشيخ كفتارو رحمه الله إلى لقاء في الكرملين في الاتحاد السوفيتي كان بينه وبين هذه الشخصية، وحينها كلمه الشيخ عن الخالق وعن الإيمان به، فسكت ولم يجب بشيء، وبعد مدة أرسل للمفتي “كفتارو” رسالة يقول فيها إنه مؤمن]

فائدة ذكر الله تعالى

وبالعودة لموضوعنا وسؤالنا عن الذّكر نقول بأن أوله الفكر، لكن إذا وُجِد الشَّيخ وتعلّقتَ به فسيختصرُ لك طريقَ الفكر وتنتقل إلى الذكر، ويعلِّمك ما هي الغاية من الانتقال إلى الذّكر، ففي الذّكر يجب أن تعرف من تذكر وتعرف عظمتَهُ وجمالَهُ وعلمَهُ وحكمتَهُ وعطاءَهُ وثوابَهُ، وفائدة الذّكر هي عندما تعرفه بالمعرفة الحقيقيّة فستذكره بكلّ وجودك، وعندما تذكره فإنّك ستتخيّل نوره في قلبك، وتتخيل كأنَّك ترى الله عزّ وجلّ، قال صلى الله عليه وسلم: ((اعبد الله كأنَّك تراه)) 8 وإذا أردت أنْ تراه فأين ستراه؟ لا يوجد هنالك أشرف من القلب، فأنت تقول لحبيبك وضعتك في قلبي! فإذا تخيّلت جلال الله عزّ وجلّ وقدسيّته كنور إلهي في قلبك وأشغلت قلبك بكلمة “الله” بما في هذه الكلمة من عظمة وقدسيّة وجمال وحبّ وعطف وإحسان وعِلْم وحكمة، وكرّرتَ ثم كررت ذلك وبحسب منطوق القرآن، وهذا من غير ظاهر وباطن ومن غير طريقة وتصوّف ومذاهب وغيرها، بل هو القرآن فقط.

حرص عبد الملك بن مروان على ذكر الله تعالى

كان عبد الملك بن مروان إمبراطوراً، وعندما كان يسافر يقول لحاشيته: اذكروا الله حتَّى نصل إلى تلك التّلّة، وحينما يصلون يقول لهم أيضاً: اذكروا الله حتَّى نصل إلى ذلك الجبل ثمّ إلى تلك الشّجرة وإلى ذلك الوادي، هكذا كان حال الإمبراطور؛ فكيف كان حال الجنود والعساكر والعامّة والعلماء والمشايخ والتّلاميذ إذاً؟ لذلك وصلت فتوحات ابنه الوليد بن عبد الملك إلى قلب الصين وقلب فرنسا، ألا يشكوا المسلمون والعرب الآن من الضّعف ويريدون القوّة؟ فمن أين أتت قوّة العرب وقد كانوا من قبل قبائل لا يشكّلون حوالي خمس مئة ألف إلى المليون في ذاك الوقت؟ لكنَّهم سيطروا على نصف العالم! وعندما دعا القرآن والإسلام إلى تعدّد الزّوجات لم يكن الغرض منه لأجل الشّهوة البهيميّة والحيوانيّة، بل لتكثير الأمّة العربيّة؛ لأنَّ العربيّ حين يولد كان يساوي أكثر من وزنه من الألماس، أمَّا الآن فخمسون ألف عربي لا يساوون فِجْلَة! ولا يخرُجُ منهم الخير، فالآن هو لا يحتاج إلى أربع زوجات فربع زوجة تكفيه، أو نصف الرّبع، يعني كلّ سبع أو ثماني سنوات نزوّجه حوالي الشهرين وبعدها نُخصيه من أجل ألّا يتناسل! [يقول ذلك الشيخ رحمه الله مازحاً وهو يضحك، ولا يُؤخذ هذا الكلام بشكل جدي] فالتّيس إذا تناسل ينتج منه اللحم، والماعز كذلك يأتي منها الحليب والّلبن، أمَّا الذين يولدون الآن من العرب فما الفائدة منهم؟ من المشايخ وغيرهم، إلَّا إذا رجعنا إلى القرآن.

وأعود إلى الذكر.. فإذا ذكرتَ وداومت على الذّكر فهذا هو الواجب حسب منطوق القرآن.

الرّابطة والمحبّة

والرّابطة هي معنى من معاني الحبّ، ونحن لا نريد اسم “رابطة” ولنحذفها، وماذا كانوا يقولون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؟ فالنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا إيمان لمن لا محبّة له)) 9 وكان يقولها ثلاثاً.. والأمر لا يحتاج إلى كلام، فالمسلمون في سبيل محبّتهم للنّبي عليه الصلاة والسلام كانوا يتركون أموالهم وأولادهم وأوطانهم وهاجروا إلى إفريقيا مرّتين، وحُرِّقوا بالنّار ورُجِموا بالأحجار وعُلِّقوا من أيديهم ووضِعتْ الصّخور على صدورهم تحت الشّمس المحرقة والتي تصل درجة حرارتها إلى السّبعين في حرّ الحجاز، مع ذلك كلّه كانوا يقولون: أحدٌ أحد فردٌ صَمَد! فهذا هو الحبّ الذي نشأ عن الذّكْر، فالذّكر أعطاهم قوةً وتحمّلاً فوق ما تتحمّله طاقة البشر، وكان أحدهم يذهب إلى الجهاد ويُقاتل لمدة أربع وعشرين ساعة، وكان الجندي يتغذّى بتمرةٍ واحدة! فهل ينتصر جيش طعامه تمرة واحدة في هذا الوقت؟ فالواحد منهم لا يستطيع أن يتحرك إذا لم يكن هنالك مطابخ وطعام مطبوخ وملأنا له بطنه، أمَّا ذكر الله عزّ وجلّ فإنَّه يقوّيه ويكون حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) 10 وخمسة من جرحى المسلمين كانوا على وشك الموت وكلّ واحد منهم ينزف دماً واشتدّ عطشهم من حرارة الجو، فيقول أعطوني ماءً، فلمَّا يُعطَى الماء ويسمع رفيقه ينادي أنّه عطشان وهو جريح فلا يستطيع أنْ يشرب ويقول أعطوه لرفيقي، فيعطوا الماء للثّاني ويسمع الثّالث، فالثّاني لا يشرب ويعطي الماء لرفيقه الثّالث، وهكذا إلى الخامس، والخامس سمع الأول وهو عطشان، فقال أعطوه، فعادوا للأول فوجدوه ميّتاً ومات الثّاني أيضاً ومات الخمسة ولم يشرب أيّ منهم!

أمثلة عمليّة على المحبّة

عندما هاجر المسلمون إلى المدينة قاسمهم الأنصار أموالهم، فمن غير إسلام ومن غير حبّ إيماني هل كان أحدهم ليقاسم الآخر أمواله؟ فوالله لولا ذلك إن أخذ أحدهم مِقَشَّة (مكنسة) الآخَر القديمة لقطع له رأسه، أو يضربه بالمجرفة [المجرفة: أداة يجرف أو يجر أو يسوي الفلاح بها التراب] على رأسه فيكسر له رأسه، فقد كانوا يسرقون بعضهم البعض ويذبحون بعضهم البعض لأبسط الأسباب، فحرب داحس والغبراء دامت أربعين سنة من أجل بهيمة، فكيف رَضُوا أنْ يشاطروهم وقتها؟ والآن ينادون بالاشتراكيّة.. يا حسرتاه! والاشتراكية أنه من لم يعطِ فسيعاقَب! فهل أمرهم النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك؟ هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] فبالإسلام الحقيقيّ وبمدة عشر سنوات بعدما أقام الدّولة؛ أجلى النَّبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ والصّهيونية من جزيرة العرب ولم يتبقَّ لا صهيونيّة ولا إسرائيل ولا يهوديّة، وعندما أراد توزيع أراضي اليهود قال النَّبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنْ شئتم فالأراضي التي أعطيتموها للمهاجرين يعيدونها لكم فتسترجعون أراضيكم، وأراضي اليهود نعطيها للمهاجرين، وإذا شئتم تبقى الأموال مثلما قسمتموها فيما بينكم، وهذه الأموال أقسمها عليكم جميعاً من المهاجرين والأنصار؛ فإذا فرضنا أنَّ الأنصار إقطاعيون ورأسماليون في ذلك الوقت فماذا سيكون جوابهم؟ لكنّهم قالوا: “لا يا رسول الله لا نرضى لا بهذا ولا بذاك”، إذًا ماذا تريدون؟ قالوا: “ما قدّمناه للمهاجرين من نصف أموالنا يبقى لهم، وهذه الأراضي الجديدة التي كانت لليهود تعطيها لهم أيضاً، وما تبقى من أراضينا فخذ منها ما شئت فأعطِها لمن شئت منهم! 11

فهل يستطيع ماركس أو موسكو أن يفعلوا ذلك؟ أو أنْ يفعلها أيّ أحدٌ في الدّنيا كلّها؟ وعلى فرض أنّهم سمحوا في موسكو بالحرّية لثلاثة أيام فماذا يحصل؟ والاشتراكيّة في مثل هذه الدّول تسير بسيف الدّولة، أمَّا هناك بسيف العقيدة والإيمان، فما هذا الإيمان الذي جعل المرء يضحّي بأغلى ما لديه؟ أيُّ شيء أعظم من أنْ تكون لأحدهم زوجتان ثمّ يقول لأخيه المهاجر: اختر من شئت منهما حتَّى أطلّقها لك! فقتلوا أبناءهم وإخوانهم الذين من أمّهاتهم وآباءهم! فكيف جاء ذلك.. جاء من الإيمان الذي نشأ عن التّربية القرآنيّة، ففي الصَّلاة كانوا كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 2] وكما قال أيضاً: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي [طه: 14] وإذا انتهى من الصَّلاة: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء: 103].

هذه هي صحبة النَّبي صلى الله عليه وسلم، ومحبّة النَّبي صلى الله عليه وسلم.. وبقوّة نورانيّة النَّبي صلى الله عليه وسلم وإيمانه العظيم اخترق القلوب لدرجة أنّه كان يهز الرَّجل هزّة واحدة، كما حدث عندما جاء عمر رضي الله عنه ليقتل النَّبي صلى الله عليه وسلم فهَزَّهُ هزّة واحدة فسقط مثل ورق الخريف، وصار بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعصفور بيد الباشق ولا يملك من أمره شيئاً، وبعضهم كان يأتي يريد قتل النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخرج من مجلسه يريد أنْ يقتلّ كل من في الدّنيا من أجل النَّبي صلى الله عليه وسلم!

وعندما احتلّ التّتار آسيا كلّها من الشرق الأقصى إلى سوريا ووصلوا إلى فلسطين، كان الشَّيخ نجم الدين الكُبْري أحد كبار العلماء بالله عزّ وجلّ وبشريعته- العلم بالله عزّ وجلّ بالفعل لا بالقول- فالعلم بالعقرب.. ماذا يقتضي إذا كنت عالماً به؟ هل يعني ذلك بأن تضعه بين قميصك وصدرك؟ هل هذا من العلم؟ والعلم بالذّهب.. إذا أعطاك أحدهم مئة ليرة من الذّهب وأنت تعرف قيمة هذا الذّهب فهل تلقيه أو تبصق عليه؟

فالشَّيخ نجم الدين كان من خلفائه الشَّيخ سيف الدّين الباخرسي، وكان هولاكو- حفيد جنكيز خان- هو الذي قضى على الدّولة العباسيّة والتي كانت وقتها الإمبراطوريّة الإسلاميّة من الهند إلى سوريا، وجنكيز خان قبل أنْ يموت قَسمَ آسيا بين أحفاده الأربعة ومن بينهم هولاكو، وكان بركة خان أعظم من هولاكو، فالشَّيخ سيف الدين الباخرسي قال لأحد مريديه: “اذهب إلى بركة خان فإمَّا أنْ تأتيني به مسلماً أو لا تعد إليَّ أبداً”، أيعقل هذا الكلام؟ الذي حتى أصحاب المخدرات لا يتكلمون به! فكيف إذا كان عالماً حكيماً ومربياً وعظيماً، وهل هذا الكلام حقيقة أم أنَّه كلام مجنون خَرِفْ؟ فقال له: أنا تحت أمرك يا سيدي.. وأيضاً قبول الـُمريد وقولُهُ أنا تحت أمرك.. فهو على أساس ماذا؟ ويذهب الـُمريد لمدّة من الزّمن ثم يأتي بعدها ببركة خان إلى زاوية الشَّيخ سيف الدّين مؤمناً مسلماً! فالشَّيخ يحتجب عنه ليوم وفي رواية أخرى لثلاثة أيّام، فلما أذنَ له في الدخول أكبَّ على قدميّ الشَّيخ وغسلهما بدموعهِ، وأَمَرَهُ أنْ يُكاتِبَ الملك الظّاهر بيبرس الذي كان قد وحّد سوريا ومصر ليتحالفَ ضد الصّليبيين، فاتفقوا على أنْ يتولَّى الملك الظّاهر الجبهة الغربيّة، ويتولَّى بركة خان الجهة الشّرقيّة ضد التّتار وضد هولاكو الذي يكون ابن عمه، فآباؤهم إخوة.. وفي سنة واحدة قام ضدّه بثلاثة هجمات حربيّة وهزمه بالمعارك الثّلاث، وهرب هولاكو إلى جزيرة من جزر بحر قزوين ومات فيها بداء الصّرع.. فمن كان بطل هذه المعركة؟ كان الشَّيخ، وبماذا؟ بالمسبحة! كلّ هذا أتى بذكر الله عزّ وجلّ.

وسيِّدنا عمر رضي الله عنه كان راعياً للجمال، فكيف قاد الفتوح والتحرير والانتصارات على أكبر جيوش العالم؟ فقد كانت أعظم دولتين وقتها هما الفرس في الشّرق والرّوم في الغرب، والرّوم كانت تصل إمبراطورتيها حتَّى البحر الأطلسي، فكيف لرّاعي الجمال وتاجر الجمال أنْ يفعل ذلك؟ وأبو بكر رضي الله عنه أيضاً كان صاحب دكّان، فكيف وصلوا لذلك؟ لأنّهم ذكروا الله عزّ وجلّ ذكراً كثيراً واتصلوا بقلب وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا تتصل الرّوح بالرّوح ولـمّا يوضع الشّاي في الماء الحار فيتحول الماء إلى شاي؛ فهل قلوبكم حارَّة بذكر الله عزّ وجلّ أم باردة؟ فالحبّ حرارة والبرودة ليست حبّاً، والعاشق دائماً حارٌّ ويفور فوراناً كأنّه نارٌ مشتعلة.

سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر- والمعركة في نهاوند- يُخاطِب قائد الجيش ويقول: “يا سارية الجبل الجبل” 12 ، هذه بأيّ قوّة؟ بقوة الذّكر، وذلك عندما أدمن الذّكر وامتزجت روحُهُ بحبّ ربّها وخالقها إقبالاً وتوجُّهاً وتولّهاً ودواماً في الليل والنهار، ومن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.. فماذا تكون صُحبة النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ كانت كلّها تذكيراً بالله عزّ وجلّ وكلّها دعوة إلى الله عزّ وجلّ وكلّها عملاً بما يُقرِّب من الله تعالى، وماذا كانت النتيجة؟ فعندما دخل الإيمان في القلب وُجِد النور؛ فالإيمان هو نور كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر: 22] وقال أيضاً: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور: 35]، “مثل نوره”: أي في قلب المؤمن “كمشكاة فيها مصباح”.. ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ لكن طالب العلم الآن لا يعرف شيئاً، ويُسمِّي هذا باطناً! لماذا هو باطن؟ هل من الممكن أنْ يتكلم القرآن بالباطن؟ ثم يقول طالب العلم هذا سرّ، لماذا هو سرّ؟ لا توجد أسرار في الإسلام، ولكنَّ طالب العلم لا يفهم شيئاً مطلقاً ومثلُهُ كمَثَل الحائط، ويقول بأنّه يريد أنْ يصبح شيخاً وأنْ يبني الإسلام! وهذا كلّه جزء من الإسلام وليس كلَّه؛ ففي الإسلام هناك الحكمة، وعلم الأسباب والمسبَّبات، وهنالك الأخلاق والتّربية، قال تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44]، وهنالك الإخلاص: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [هود: 51] ليس له هدف شخصي، فهل طلب النَّبي صلى الله عليه وسلم أجراً؟ وهل طلب راتباً؟ مع أنَّه مَلكَ مُلكاً حقيقيّاً لكنَّه تبرّأ من الـمُلك وقال: ((إنما أنا ابن امرأةٍ كانت تأكل القديد في مكة)) 13 لكنّهم هابوه من هيبته وجلالة قدرهِ عليه الصَّلاة والسَّلام.

ماهيّة العلم الحقيقي

فهذه الآيات ليست لفئة من النّاس دون فئة أخرى وليست لطلّاب العلم فقط، بل هي لعموم المسلمين، والقرآن نزل لعموم المسلمين، فإذا عملنا بالقرآن فإنَّنا نصبح علماء كعلماء الصّحابة؛ ولـمّا مات سيِّدنا عمر قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: “إِنِّي لَأَحْسِبُ عُمَرَ قَدْ رُفِعَ مَعَهُ يَوْمَ مَاتَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ” 14 فهل الذي مات هو علم الوضوء؟ لا؛ فالوضوء لا يزال على حاله، وهل مات استقبال القبلة أو ستر العورة؟ فالعلم الحقيقيِّ والّذي هو لبّ العلم وهو حياة القلب والرّوح بالله عزّ وجلّ، فجسدك يحيا بروحك الحيوانيّة التي تحيا بها أرواح الدّوابّ، فالحمير والخيل والجرذان والطّيور والسّمك وغيرها تحيا بالرّوح الحيوانيّة، أمَّا الحياة الحقيقية: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70]، ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر: 22] وهل كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يذهب ويقوم بدعوة أهل المقابر؟ كانوا أمواتاً مقبورين في تربة أجسادهم، من الذين ما زالوا بأرواحهم الحيوانيّة ولم تتشكل فيهم الأرواح النّورانيّة والإيمانيّة.

وهذه الرّوح الإيمانيّة بذرة تغرس بتوجه الشيخ العارف بالله في القلب كما النّطفة التي توضع في الرّحم، وبذرة الإيمان توضع في القلب وتُوضع في الرّوح، فإذا علِقَت النّطفة في جدار الرّحم وغُذّيت بالدّم صارت جنيناً؛ فعندما تحمل المرأة لا تحيض بعد ذلك، والدّم الذي كان يخرج يبقى غذاءً للجنين.. وإذا لم تعلق بجدار الرّحم تخرج تلك النّطفة مع دم الحيض.

ونحن نريد الإيمان الحقيقيّ الذي يُعطِي نتاجه في الأخلاق ثمّ في الحكمة، والحكمة هي موهبة إلهيّة، قال تعالى: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] والإيمان يوجب الحبّ.. أنْ تحبَّ الخلق ويحبَّك الخلق، فهل يحبُّ أحد منكم لحم الجِيَف المنتن الذي يخرج منه الدود؟ لا طبعاً، ولكننا نحبُّ اللّحم الطّازج ذو الطبقات فوق بعضه البعض والذي يُشوى وتكون رائحته زكيّة وفوّاحة وتُشمُّ من مسافة بعيدة كالشاورما، كذلك الإيمان الحقيقيّ محبَّب لكلّ الخلق؛ لأنّه جمال في العمل وفي المعاملة وفي الخُلُق وفي النّطق وفي الفكر وفي النّيّة وفي القصد وفي الإخلاص وفي الصّدق وفي الأمانة، فما السبب الذي يجعل الواحد منّا يحبّ النّاس؟ بسبب هذه الصّفات، ويكرههم على عكسها، فعندما تصبح مؤمناً فإنَّ عدوُّك يحبك؛ فكيف يأمرك الإيمان أنْ تُعامِل عدوك؟ كما قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34]، فهو يسيء إليك ويعطيك شوكاً وأنت تعطيه ورداً، وهو يسبّك وأنت تدعو له، وهو يؤذيك وأنت تنفعه، وهو يقاطعك وأنت تَصِله، هذا هو الإيمان، فهل أنتم مستعدون لتحمل ذلك؟ فإذا قاطعك أحدهم وسبّك وشتمك وتعدّى عليك وضربك: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96] ودفع السّيئة ليس بالحسنة فقط؛ بل إذا وُجِدَت الحسنة والأحسن منها فادفعها بالأحسن لا بالحسنة، وهذه أخلاق الخواص، وأما أخلاق العوام فتدرأ السيئة بالحسنة، كما قال تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد: 22].

العبرة بالحقيقة وليس بمجرّد اللّفظ

وهذا هو الذي كانوا يسمّونه تصوّفاً، أمّا الآن فأصبح في التّصوّف الجاهل وغيره، فلا نريد ذلك ولْننزع هذا الاسم ولْنعد للقرآن، ألا نرضى بالقرآن؟ هذا كذب! فنحن نأخذ من القرآن التّجويد فقط والنّطق بأحرف القرآن، فأيُّ شريط يمكنه أنْ ينطق بأحكام التّجويد وبالنَّغَم أفضل منك بمئة مرّة، وهو في الأصل جماد لا فيه روح ولا هو متخرّج من الأزهر ولا يحمل شهادة، بل هو مجرد شريط بلاستيكيّ أو شريط معدنيّ، وأيضاً يُظهر لك صورة عالِم (فيديو)، فالشّريط صار كالشيخ بعيونه وأنفه ويديه ورجليه! فإذا كانت المسألة فقط بالألفاظ فهل نحن تزوّجنا بالألفاظ وذهبنا إلى الحجّ بالألفاظ وأصبحنا وزراء بالألفاظ؟! فمن يفكر هكذا فهو مجنون.

وإذا أردتَ أنْ تصبح عالماً بالألفاظ فهذا أيضاً من الجنون، ولذلك هذا العالِم أو الشَّيخ بدلاً من أنْ يُعطِيَ الحياة فإنَّه يُعطِي الموت، وبدلاً من أنْ يعطي التّقدم يعطي التّخلف، وبدلاً من أنْ يُعطِيَ الحبّ يعطي التّمزُّق، وبدلاً من أنْ يُعطِيَ الوحدة فإنَّه يفرّق الأمّة، لكنّ الأمّة كشفته ولذلك انهزم ويعرف في نفسه بأنّه فاشل، والأمّة كذلك تهرب منه وتعلم بأنَّ لا شيء عنده؛ فكلّ شخص يعرف زبونه، أمَّا إذا كان العالِـم حقيقيّاً فعندها يكون العطاء والنجاح؛ ألا تشتهي اللّحم من غير أنْ تراه؟ فإذا شوى الجيران لحماً فإنّك تعلم من دون أنْ تراه وذلك مع وجود حائط بينك وبين الجيران بارتفاع حوالي ثلاثة إلى أربعة أمتار، وفي المطبخ أيضاً وليس هنالك إلّا شبّاك صغير مفتوح، حتى القطط الموجودة في بيتك تراهم يشتمون تلك الرّوائح، وهل يشتهي الواحد منكم العجوز العاجزة التي عمرها تسعون سنة أنْ تكون عروساً له؟ بالطبع لا، أمَّا إذا كانت في غاية الجمال وغنيّة وعالمة وفاضلة فأيّ شخص لا يوافق؟ فأين الإسلام يا بنيَّ ومن الذي يصنع الإسلام؟

والشَّيخ يريد أنْ يعّلم النّاس الوضوء.. فهل يوجد طفل لا يعرف كيف يتوضأ؟ ويريد أنْ يُعلّم النَّاس المدود، فهل مشكلتنا الحقيقيّة متوقفة على المدّ المتصل والمدّ المنفصل؟ ولا أقول لكم ألّا تتعلّموا هذه العلوم، بل هي واجبة أيضاً، لكنّهم يتركون اللّباب ويتركون الرّوح، فإذا كانت العروس من أجمل الجميلات في الكون وهذه السّنة أخذت الميداليّة بفوزها بلقب جمال الكون فهل تتزوّجونها؟ فإنْ كانت بلا روح وليس فيها نَفَس ولم ينقص من وزنها شيء- ويُقَال أنَّه عند الموت يَنْقُص من وزن الجسم عشرون غراماً فقط، فإذا كان وزن الجسم سبعين كيلو غراماً ونقص منه عشرون غراماً فماذا يؤثر ذلك؟- وتخيّل لو أدخلوها إليك في الشّتاء وهي متيبّسةً فإنَّك سترتعد خوفاً! فعندها سيهرب العريس ويسبّ الذي خطبها له والذي عقد النّكاح والشهود والذي أخذ المهر.. كذلك عالِم بلا روح مثل العروس بلا روح.

أمَّا إذا أصبحتم علماء بالمعنى الحقيقيّ والمعنى القرآنيّ، ذكراً وتقوىً وأخلاقاً وحكمةً؛ فأرواحكم عند ذلك تتغير؛ وهذه البذرة التي هي “الله” الكلمة المكوَّنة من حروف فإنّها ستزول، كما تفنى النّواة بالحوض وتنقلب إلى نخلة فإنَّ هذه الألفاظ والحروف تفنى وتنقلب إلى نور، ثمَّ يتسع هذا النّور ويزداد توسعاً حتَّى ترى نفسك بلا جسم، ولا تعد تشعر بوجودك ولا تشعر إلّا بوجود الله عزّ وجلّ، فأنت موجود.. بطنك ويداك ورجلاك موجودة، لكن بشعورك لم تعد تشعر بجسمك.. والحبّ الحقيقي هو ألّا يشعر المحبّ برغباته أمام رغبات محبوبه، ولا بوجوده تجاه وجود محبوبه، فهذا يُسمَّى الفناء في الله عزّ وجلّ.

يُروَيَ عن أبي يزيد أنَّه قال: “ما في الجبّة إلّا الله”! فإنْ صحّت العبارة عنه فليس معنى ذلك بأنّه عمل نفسه إلهاً، لكنّها تعني أنّه لم يعد يشعر بوجود نفسه ولم يعد يشعر إلّا بوجود الله عزّ وجلّ، فإنْ قلتُ بأنَّ قلبي ليست فيه إلّا محبّة فلان، فهل هذا يعني بأنّي أدخلته إلى داخلي بقدميه ورجليه عن طريق فمّي أو أنفي؟ وهذا كلام يُقصَد به المعنى المعنوي ولا يُقصَد به المعنى الحرفي، فإذا أصبح عندك هذا الذّكر وهذا الحبّ فستسري فيك أخلاق المحبوب بمقدار فنائك في المحبوب، وفناؤك يكون بمقدار الذّكر، والذّكر يتعلّق في القلب بمقدار طهارة القلب، وبمقدار إعداد تربة القلب، فالبذار لا توضع مباشرةً على الأرض، بل تُحرث الأرض أولاً ثمّ تُنظّف من جذور الشّجر ومن الأحجار ومن كلّ الشّوائب، ثمّ تُتْرَك لترتاح ثمّ تُسمَّد وتوضع البذار وهذه البذار لا تُترك على ظاهر الأرض بل تُطمَر في بطنها، وإذا لم تُطمَر وتبقى في الظّلام وتكون تحت الأقدام والنّعال لا تصير نباتاً ولا تصبح فيها حياة، فالنّواة تكون تحت الأقدام والنّعال لكن بتواضعها فإنَّها تصبح فوق الرّؤوس وفوق تيجان الملوك.

معنى التواضع لله عز وجل

فمن تواضَعَ للهِ عزّ وجلّ رفعَهُ الله، 15 والتواضع لله سبحانه هو أنْ تنقَادَ لأمرِه تعالى، والذّكر أليس من أمرِ الله عزّ وجلّ؟ فإنْ لم تذكر فأنت غير منقاد لأمر الله عزّ وجلّ بل تتعالى عليه وأنت من الغافلين، وممّن قال عنهم الله عزّ وجلّ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22] فالعاميّ إذا ذكر الله عزّ وجلّ ساعة فعلى العالِم أنْ يذكر الله عزّ وجلّ في كلّ ساعة، فإذا دخل إلى الصّف فإنَّه يدخل ذاكراً، ويطلب العلم ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ، ولو توجَّه للعلم أن يكون هدفُهُ رضاء الله عزّ وجلّ، فينقلب حاله، وعند دخوله مجلس العلم يدخل ذاكراً وبعد أنْ ينتهي الدّرس فلا يُرَى إلّا وقلبه لازال ذاكراً، وعند نومه يكون ذاكراً وحين يستيقظ تراه ذاكراً، فإذا داوم على الذّكر واستمر عندها ينقلب حاله، وهل الماء أصلب أم الصّخر؟ الصّخر بالطّبع، لكنَّ بدوام سقوط الماء على الصّخر نقطة بعد نقطة ماذا يفعل؟ فإنَّه يثقبه، وهذا حال الدّوام على الذّكر.

المداومة على ذكر الله في كافّة الأحوال

قال تعالى: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب: 41] وقد شرح القرآن معنى الذّكر الكثير في قوله تعالى: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء: 103] وفي قوله أيضاً: ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال: 45] هناك قطع للرؤوس وهناك سيوف ورماح ودبّابات وصواريخ، فهل هذا هو وقت الذكر؟ نعم هنا وقته وكلّ وقت هو وقته، هذه هي عظمة الإيمان.. فإذا كان في وقت اقتطاف الأرواح والأجساد نسي حياته ولمْ ينس ربه عزّ وجلّ؛ فعند ذلك يُفيضُ الله عزّ وجلّ عليه من العلم ليس بالصّوت والحرف وليس بالقيل والقال، فأنت هل من أحد علّمك أنْ تحبّ الرّائحة الطّيبة؟ ولكنَّ خالقك فَطَركَ على أنْ تحبّها، وهل من أحد علَّمكُم ما هو الجمال؟ بل إنَّك تعرف الجمال بمجرد النّظرة، من علّمك ذلك؟ هو الذي خلق ذلك الجمال وخلق القُبح كذلك.

وكذلك العلم الإلهيّ؛ قال تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى [الأعلى: 6] “اقرأ” يعني اِعلم، “اقرأ” يعني خُذ علومَنا الإلهيّة وعلومَنا اللّدُنّيّة، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65] والعلم اللّدنّي هذا يُؤخَذ من توجّه قلبك إلى قبلة القلوب وهو ربّ العالمين، مع الطّهارة الكاملة في الأخلاق وفي الأعمال وفي الأفكار وفي كلّ الأوقات، فليس لك شاغلٌ إلا الله عزّ وجلّ من أول الحياة إلى آخرها

فَلَيْتَــــــكَ تَحْلُـــــــــو وَالْحَيَــــاةُ مَــرِيـــرَةٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَابُ وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنــــِي وَبَيْنَكَ عَامِـــــــرٌ وَبَيْنِي وَبَــــينَ العَالَمِــــينَ خَــــرَابُ إِذَا صَحَّ مِنْكَ الْوَصْلُ فَالْكُلُّ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ

وفي هوازن 16 ألم ينهزم جيش المسلمين ويفروا مدبرين عن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وهم عشرة آلاف؟ والطّلقاء كانوا ألفين فأصبح عددهم اثنا عشر ألفاً، ولم يبق مع النَّبي صلى الله عليه وسلم إلَّا ثلاثمئة فهل يستطيعون الصمود؟ فأخذ النَّبي صلى الله عليه وسلم حفنة من التّراب وضرب بها وجوهَ الأعداء وقال: شاهت الوجوه، فعكس الله عزّ وجلّ الهزيمة إلى نصر للمسلمين والنّصر إلى هزيمة للكافرين.

بكى سيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه في الغار من خوفه، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: ما تقول في اثنين الله ثالثهما؟ قال تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] فلولا وجود الله عزّ وجلّ كيف سيكون حالهما؟ وفي بيته كان صلى الله عليه وسلم مُحاطاً بسبعين رجلاً، فكيف استطاع أنْ يخرجَ من بينهم من غير أنْ يروه؟ وهل يستطيع أحدكم أنْ يرى الصّور التّلفزيونيّة من غير جهاز لاقط؟ وسيِّدنا عيسى عليه السَّلام أُلقِيَ شبهُهُ على من وشى بِهِ وهو يهوذا الإسخريوطي، وبعض الأناجيل الآن ظهرت مصدِّقة للقرآن وليس فقط إنجيل برنابا، صاروا ثمانية أناجيل تقول بالتّشبيه، ﴿وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157] ومذكور ذلك عندهم في تاريخ الكنيسة القانوني والرسمي، وحتَّى الآن تمّ اكتشاف عشرين إنجيلاً؛ ثمانيةٌ منها مُوحِّدة وثمانية تقول إنَّ الذي صُلِبَ هو شبهُهُ وليس المسيح عليه السَّلام.. وإذا أصبحتم أصحاب قلوب فإن القلب أغلى من الجواهر وأغلى من الألماس وأغلى من الحياة، لأن هذه الحياة هي حياة لكل الدوابّ فتأكل وتشرب وتتناسل ثم للعمل عليها، فمنها ما تجرّ الطنبر أو العربة والثّانية تشدّ سكّة الحراثة ويوجّهونها بالسّوط، ثمَّ تسْرح بالبرّيّة وفي نهاية المطاف يؤول مصيرها إلى التراب، أمَّا الحياة التي لا تموت فهي الحياة بالله عزّ وجلّ، ومع هذه الحياة هناك نعيم بالله عزّ وجلّ وهناك سعادة بالله، ومع هذا النّعيم وهذه السّعادة فلو قُطِّعت في ذات الله سبحانه فإنَّك ستجد السّعادة في ذلك، ولو مشيت ألف كيلومتر فلا تشعر بالتّعب، ولو سهرت اللّيل كلّه فلا تشعر بالنّعاس، ولو أنفقت مالك كلّه فلا تشعر بالبُخُل ولا بالإمساك، ولو أنَّ النّاس كلّهم آذوك في ذات الله عزّ وجلّ فإنَّك ستجد في نفسك اللّذة وستشعر بالتّلذذ من الإيذاء بالله سبحانه، فإن أصابك مكروه فإنّك لا تتحمله فحسب؛ لا، بل تتحمل وتتذوّق اللّذائذ فيما يصيبُكَ في ذات الله عزّ وجلّ.

أحد الصّحابة رضوان الله عليهم عندما كانوا في مكة ولـمّا اشتد عليه الأذى؛ أدخله أحد أقاربه من الزّعماء في حمايته، وعندما رأى رفاقه من الصّحابة رضي الله عنهم يُــؤذَون وهو لا يُؤذى ردَّ على خالِهِ جوارَهُ، وقال له: أرضى بجوار الله عزّ وجلّ، قال له: سيؤذونك، فلم يقبل، وعندما علموا بأنَّ الحماية رُفِعَت عنه هجم عليه الكفار وانهالوا عليه ضرباً، فأصابت الضّربة عينَه وانتفخت وتورّمت وصار ما حولها مصبوغاً بالأزرق، فرآه خاله وقال له: أمَا كانت عينُكَ في غِنَىً عمَّا أصابَها؟ قال له: والله يا خالي إنَّ عيني الثّانية لمشتاقةٌ لأنْ يصيبها ما أصاب أُختَها!

والمرأة التي فقدت زوجها وابنَها وأخَاها وأباها في أحُد، فكانت كلَّما يذكرون لها أن أحدهم قد استُشِهد فتقول: ورسول الله؟ فيقولون: هو حيٌّ، فتقول: كلُّ مصيبةٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم جلل. 17 فهل أعطاها النَّبي عليه الصلاة والسلام مالاً؟ وهل بنى لها بيتاً؟ وهل زوّجها بعريس؟ لا، إذاً ماذا فعل معها من أمور الدّنيا حتى تقول ذلك؟ لا شيء؛ ولكنَّ ذلك كان سببه الإيمان، وهل هو إيمان بالقول أو المكتوب على البطاقة الشخصية؟ بالطبع لا، وعندما سأل هرقل أبا سفيان عن صفات النَّبي صلى الله عليه وسلم قال له: هل يرتدّ أحدٌ من أصحاب مُحمَّد عن دينه؟ قال: لا، فقال له هرقل: وهكذا إذا دخلت بشاشةُ الإيمان في القُلوب فلن يرتدَّ أحدٌ عن دينهِ. 18

يقول تعالى في القرآن: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا فقد كانوا يصلّون ويصومون ويحجّون ويقومون بكل شيء، لكنّه قال لهم: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14] هذا اسمه الطريق والتّصوّف، فإذا كانوا لا يريدون الطريق ولا التّصوّف فلْنكتفِ بلفظ القرآن، فعندها يصبح المسلمون كلّهم أمّة واحدة، ولا نريد خمسين ألف طريقة ولا خمسين ألف مذهب؛ من شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي فهؤلاء من أجل ماذا؟ مع احترامنا لهم كلّهم لكنَّ مرادي لماذا التّعصُّب؟ كأنّك ترى نفسك على دين والآخر على دين مغاير! وإلَّا فإنَّنا نحترم الشّافعي والحنفي وسيِّدنا جعفر الصّادق وغيرهم وهم على عيننا، وقد كان الإمام جعفر الصّادق أستاذ الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك كان أستاذ الشّافعي، والإمام أحمد بن حنبل كان تلميذ الإمام الشّافعي، ولم يكن بينهم أيّ شيء من هذه الخلافات، ولم يقولوا للنّاس تعصبوا لأقوالنا، بل كانوا يقولون: إذا عارضَ كلامُنا كلامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بكلامنا عرض الحائط، فكيف يكون الحال إذا خالفَ القرآن؟ والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء: 92] أمَّا أتباع هذه المذاهب فأصبح كلّ واحدٍ منهم أمَّة.

وبالعودة إلى القرآن نعلم بأن الذّكر هو جزء من القرآن وليس القرآن كلّه، والخشوع والاخبات والإنابة كلّها أجزاء؛ والإنابة هي عمل القلب وتعني أنْ يكون قلبك كلّه في حضرة الله عزّ وجلّ، وأنْ يكون كلّ تعلّق قلبك بالله عزّ وجلّ، وكلّ خوفه من الله، وكلّ حبّه لله، وكلّ إجلاله لله، وكلّ شوقِهِ إلى الله، وكلّ تفكّره وكلّ تذكّره وكلّ توجّهُه إلى الله عزّ وجلّ، فهذا اسمه الاخبات والإنابة، قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 54] وقال أيضاً: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى: 47] فالإنابة هي عمل القلب وليست من عمل الجسد، أمَّا التّوبة فهي عمل الجسد وهي أنْ تتوب من المعاصي البدنيّة، أمَّا الإنابة فهي رجوع القلب بكُلّيَّتِهِ إلى الله عزّ وجلّ، وهذا معنىً من معاني الذّكر، ولكنَّها تكون مع الاستقامة ومع التّخلُّق بالأخلاق الفاضلة والكريمة ومع التّفقّه بعلوم القرآن، قال تعالى: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: 1-2] والنَّبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 129] والحكمة هي “معرفة الأمور بحقائقها ومعرفة ارتباط المسبَّبَات بأسبابها قَدَراً وشرعاً”، فعليك أن تعرف حكمة الأقدار، ففي عصرنا هذا صار من الممكن أنْ نعلم متى سيهطل المطر، وهذا من الحكمة، ومعرفة إنْ كان سيحدث الصّقيع غداً أم لا هو من باب معرفة الأسباب؛ ومتى سيأتي المنخفض، فنأخذ بالاحتياط وبالأسباب والمسبَّبات فيسلم الزّرع، والمرض الذي سببه جرثومة معيَّنة؛ إذا اتقينا هذه الجرثومة وأخذنا الدّواء المخصّص لقتلها فإنّنا سننجو ونسلم من المرض.

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

لكنَّ المشايخ وباسم القضاء والقدر تركوا الأسباب، فلا هم فهموا القدر ولا فهموا الحكمة، والحكمة هي الأسباب والمسبَّبات، والقدر: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49] أي بموازين دقيقة، فأصبحنا نفهم الدَّين بالمقلوب، فإنْ وضعت ناقل السّرعة الخاص بالسّيارة على وضعية المسير للخلف وفي نيتك أن تسير للأمام ثمَّ تقول: “على بركة الله” فهل تقبل السّيارة إيمانك المغلوط؟ لا، بل ستمشي إلى الوراء.

والقدر هو من قانون الله عزّ وجلّ، وإذا وقعت في شيء يسوؤك لخطأ منك أو لتقصير أو لشيء خارج عن إرادتك فتقول هذا عَلِم اللهُ به من قبل أنْ يَخلُق الكون، وهذا لا بدَّ من وقوعه.. خطأً أو صواباً.. فترضى بما علِم اللهُ عزّ وجلّ وقوعَهُ من قبل أنْ يخلقك، وذلك حتَّى يخف وقع المصيبة على قلبك وشرايين قلبك وأعصابك.. فبعض النّاس يُصابُون بمرض السّكريّ بسبب صدمة المصيبة، والبعض يصيبهم الفالج، والبعض تصيبهم نوبة قلبيّة، فإذا عرفنا القضاء والقدر بالمعنى الصّحيح فسيكون ذلك درعاً ضد هذه الصّدمات التي تقتل الإنسان أو تجعله من المعوّقين أو العاجزين أو المرضى.

الحكمة ومعرفة ارتباط الأسباب بالمسبّبات

فالحكمة هي معرفة الأسباب والمسبَّبات، وهذه لا تُنافي فعل الله عزّ وجلّ؛ لأنَّ الأسباب والمسبّبات هي قانون الله عزّ وجلّ، فالأوروبيون يمشون على الحكمة فينجحون، “قدراً وشرعاً”، فتعرف حكمة التّشريع؛ لماذا حُرِّمَ هذا ولماذا أوجَبَ اللهُ عزّ وجلّ هذا ولماذا فَرَضَ هذا؟ ولماذا يحرُم الزّواج من الأمّ وكذلك من الأخت والبنت؟ فالعلم الحديث الآن كشف هذا كلّه، فسابقاً كانت معرفة الحكمة من التحريم مقتصرة على الإيمان؛ أمَّا الآن فهنالك العلم، والإسلام أشار ونهى عن الزّواج بذات القرابة القريبة، فكلّما كانت زوجتك ممن هي أبعد في القرابة فهو أفضل؛ لأنّ الزواج من القريبة يؤدي إلى أنْ خَلْق الولد يأتي ضعيفاً، وإذا كانت ابنتك فإنها ستأتي أضعف.. لدينا في البيت قط وقطة إخوة تزاوجا وجاءهما ثلاثة أولاد وكانوا صغار الحجم بحجم الفأر ثمّ مات ثلاثتهم.. [يأتي سماحة الشيخ بهذا المثال وهو يضحك من باب الدعابة، ولا يقصد أبداً أن هذا الزواج خطأ أو غير طبيعي عند الحيوانات، ولكنها ملاحظة تستحق الدراسة والوقوف عليها] والآن في روسيا محرّم قانوناً أنْ يتزوج الشّخص بابنة عمه أو ابنة خالهِ.

وعند الفلاحين المزارعين يُقَال: “غَيِّرْ بذارك ولو من أرض جارك”؛ وذلك يعني بأنَّ القمح الذي يخرج من أرضك لا تُعِدهُ لأرضك، بل اجلب بذاراً من أرض جارك حتَّى يحصل اختلافٌ في نوعيّة الأرض ونوعيّة الإنتاج.

“قدراً وشرعاً وخلْقاً وأمراً” هل يأتي على بال أحدكم- وأنتم تريدون أن تصبحوا مشايخ- أنْ يدرس في يوم من الأيام لماذا خلق الله عزّ وجلّ الذّباب؟ ولماذا خلق الخنفساء؟ وبعضكم يشاهد في التّلفاز حين تُعرَضُ الأفلام عن الحيوانات بأنَّهم يدرسون الخنافس والجراثيم وغيرها ولماذا خُلِقَتْ؟ وما هي وظائفها وأعمالها؟ ومنذ عدة سنوات رأيت في مجلة أنَّ أمريكا اكتشفت أعظم اكتشاف في تلك السّنة، فماذا كان ذلك الاكتشاف؟ كان عن الخنفساء، اكتشفوا بأنَّ هذه الخنفساء تأكل بعض الحشرات التي تأكل الزّروع وتفسدها، فمعنى ذلك أن هذه الخنفساء تُعتَبَر شريكة الفلاح في عمله، فجمعوها بعد أنْ اكتشفوها وعرفوا لماذا خُلقتْ؟ قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17-20] ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس: 101] أي ادرسوا هذه الآيات.

حال العالم الحقيقي

يا شيخي أليس هذا من الإسلام؟ وهل هذا من الظاهر أم من الباطن؟ وهل هو شريعة أم طريقة أم حقيقة؟ مُسِخَ الإسلام في أمورٍ بسيطة، فالصّوفي صار راهباً والفقيه صار جامداً ومتعصّباً ومتزمّتاً وفرّقَ الأمّة وصدّهَا عن سبيل الله عزّ وجلّ، فتأخرتْ الأمّة وسيطر العدو وسلّط علينا الجهل والفقر والتّفرقة والفتن، أمّا الشَّيخ والعالم الحقيقيَّ فإنَّه يأتي كالطبيب، فعند وجود التّفرقة يجمع الأمّة، وعند وجود البغضاء يبذل الجهد ويحوّلها إلى محبّة، وعند وجود الفسق يُحوّله إلى تقوى، وعند وجود الجهل يحوّله إلى علم، وعند وجود التّعصب يُحوِّله إلى سماحة، فيحبّه الحاكم ومدير المخابرات والمحافظ والشّرطة ويحبّه المجرمون والأخيار، وحتَّى الحمير والقطط والكلاب ستحبّه، فأنا عندما أذهب للمزرعة ويسمع الكلب صوت السّيارة قادمة من مسافة خمسمئة متر يأتي فوراً كالصّاروخ؛ لأنّه أحبَّ فيَّ الإسلام؛ فالإسلام يأمرني أنْ أُحسِن معاملته وألّا أضيّعه، وأنا أهتم به وأقلق عليه في أيام الصّقيع والبرد، فأنا أفكر فيه لأنَّه ليس لديه لسان ليقول أنا أَبْرُد، ولكنَّ الشرع أمَرَنا بذلك، قال صلى اله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) 19 وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] للنّاس جميعاً وليس للذين آمنوا فقط، ولكنَّنا نحن حتَّى مع الذين آمنوا لا نقول الحسنى! بل نقول هذا كافر وهذا أبوه ملعون وهذا فاسق وهذا زنديق وهذا يجبُ قتْلُه وهذا يجبُ ذبحُه، ومن الذي يقول ذلك؟ هل هم النّجّارون أمْ الحدّادون أم المشايخ؟ ليس كلّهم طبعاً.. فمنهم الفُضلاء والأتقياء والصّلحاء والحكماء، وأريد منكم أنْ لا تكونوا مثل هذه النّماذج؛ حينها ستضعكم الدّولة على رأسها، وستكونون أنتم أكبر أعوانٍ للدّولة وللأمّة وللدّين وللدّنيا.

والإسلام يتميَّز عن كلّ الأديان بأنَّه دين الحياة وكلّ الحياة، فإذا كنت قائد طائرة وتحسن القيادة فلا أحد ينزعج منك لا في صعودك ولا في هبوطك، ولا في علوّك ولا في انخفاضك.. وإذا وُجِدَ هذا الذّكر مع تقوى الله عزّ وجلّ فيُفتَح على القلب من الفتح الإلهيّ ومن الإلهام الإلهيّ ومن العلوم الإلهيّة ومن الحكمة الإلهيّة ومن الطاقة الرّبانيّة، ومن المهابة في قلب العدو ومن المحبّة في قلوب الخلق، فالنَّبي صلى الله عليه وسلم أُلقِيَتْ مهابته في قلوب أعدائه ومحبّتُهُ في قلوبِ المؤمنين ثمّ آمن به كلّ الناس، فإذا كنتم كذلك ستصبحون أنتم روح الأمّة.

قال صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون من الأجود؟ اللهُ الأَجْوَدُ الأَجْوَدُ، وأَنَا أَجْوَدُ بَنِي آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ بَعْدِي رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَنَشَرَهُ، يُحشَر يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ)) 20 ما معنى “علماً”؟ هل هو البرنامج الذي يُعطى في المعهد أو الكلّية؟ أهذا الذي كان يدرّسه النَّبي صلى الله عليه وسلم في زمانه؟ بل إنَّ دروس النَّبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في القرآن وفي قوله تعالى: ﴿وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 45-46]، فهل أنت سراج منير؟ أم أنت كالسراج المثقوب أسفله، وزجاجته مكسورة وفتيله فَالِتٌ بداخلهِ ومفتاح الفتيل مُعطَّل؟ ودروسه مذكورة أيضاً في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: 1-2] وأيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 1-5] فعليك أنْ تهجر كلّ ما يسبّب عذابك عند الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر: 6] أي ألَّا تعطي عطاءً على نية أنْ يعطوك أكثر وتنتظر المقابل، بل ليكن عطاؤك لله عزّ وجلّ.. وبالذّكر مع طهارة القلب ومجاهدة النّفس وتوطين النّفس بأنْ نقرأ القرآن عِلماً وعَملاً وتطبيقاً وتخلُّقاً، ونذكر الله عزّ وجلّ ذكراً كثيراً: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191] ﴿فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 2] إلى آخر الآيات.. يرزقكم الله حلاوة الإيمان.

والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((ثلاثٌ من كنَّ فيه ذاق طعم الإيمان: أنْ يكون اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأنْ يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله)) فلا تحبّه لقرابته ولا لمنفعته أو لما ترجوه من فائدة، بل ليقرّبك إلى الله عزّ وجلّ أو قد تقربه أنت من الله عزّ وجلّ أو تتعاونان في مرضاة الله عزّ وجلّ فهكذا تكون الرّابطة بينك وبين المخلوقات، ((وأنْ يكره أنْ يعود إلى الكفر كما يكره أنْ يُقذَفَ في النَّار)) 21 لا تظنّوا أنَّ الكفر يعني عبادة الصّنم فقط، بل إذا تركت الذّكر فأنت كافر بالذّكر، وإذا كنت تحبّ اللّغو فأنت كافر بالآية في قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3] وإذا كنت مغتاباً فأنت كافر بالآية: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات: 12].

قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، ما تفسير “من كفر”؟ أي لمْ يحجّ وهو مستطيعٌ له، فبماذا سُميّ؟ سمّيَ كافراً، وبماذا كفر؟ كفرَ بالحج، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((من ترك الصَّلاة فقد كفر)) 22 كفَرَ بماذا؟ أي كفرَ بفَرَضيّة الصَّلاة وبأدائها، فهل أنت الآن كافرٌ بأكثر القرآن أم مؤمن بأكثره؟ إذاً عليك أنْ تحاسب نفسك!

حال القلب إذا دخلت المحبّة فيه

لذلك إذا أعطاكم الله سبحانه وتعالى القلب فاعلموا بأنّه شيءٌ غالٍ، والقلب تقريباً بحجم الكف، ولا توجد في الدّنيا ألماسةٌ بحجم القلب، فلو وُجِدَت فسيكون سعرها أكثر من مئة مليار دولار، أمَّا القلب إذا دخل فيه نور الله عزّ وجلّ فستصبح كلّك قلباً

وَصِرْتُ مُوسَى زَمَانِي مُــذْ صَارَ بَعْضِــيَ كُلِّي

كان القلب بعضاً، فأصبح كُلّاً.

يَا كُلَّ الْكُلِّ فكن لي إنْ لَمْ تَكُنْ لِي فَمَنْ لِي؟

فتجدُ الله عزّ وجلّ معكَ دائماً.. والثّلاثة الذين كانوا في الغار لـمَّا توسلوا إلى الله عزّ وجلّ بصالح أعمالهم، فالصّخرة التي كان وزنها خمسين طنّاً أزاحها ربّ العالمين لهم، 23 والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام بحفنة تراب هزم الله عزّ وجلّ له الأعداء، وهو وحده وحَّدَ العرب وحضّرَ العرب ورقّى العرب وجعل منهم نواة لدولة عالميّة.. وإلى اليوم وطوال خمسة عشر قرناً بأي شيء كان عزُّ العرب؟ بسيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم الذي أعزَّهُم بالقرآن، فمن الذي حَفظ اللّغة العربيّة؟ ومن الذي نشر العروبة إلى البحر الأطلسي؟ فهؤلاء هل كانوا يتكلمون العربيّة؟ بل هم بربر وقُبط وسريان وآشوريون وغيرهم من الأقوام، فالذي عرَّبهم هو القرآن، بينما الإنسان العربي الآن هو محروم من الإسلام؛ لأنَّه لا يوجد أستاذ الإسلام الحقيقي، فيجب أن يكون الجامع هو المدرسة ويكون الشَّيخ هو الأستاذ، لكنَّ الإمام ليس بمستوى الأستاذ، فلو صار كذلك.. فوالله إنَّ العالَم الآن كلّه مُهيّأ وبكلّ أديانه ونِحَلِهِ ومذاهبهِ وطوائفهِ.. والذي اسمه الملحد مُهيَّأ للإيمان أكثر من غيره؛ أنا أقول لكم، وكل هذا رأيتُهُ بالتّجارب، فالملحد أَلحدَ بالخرافة لأنَّ الدّين عُرِضَ عليه بشكل خرافي، والنّصراني قد ألحدَ والمسلم قد ألحدَ واليهودي والبوذي كلّهم ألحدوا؛ لأنَّ كلّ ما يصِل إليهم هو من الخرافات، وأنا اجتمعتُ بالشّيوعيين وبكلّ الطّوائف والمذاهب والأديان وكلُّهم على مستوى عالٍ؛ من رجال دولة وأساتذة جامعات وفي أوروبا وأمريكا وموسكو وفي كلّ مكان، وكانوا بين يديِ الإسلام كالأطفال الصّغار.

معنى العلماء ورثة الأنبياء

فأرجو من الله عزّ وجلّ أنْ يجعلَكم من العلماء الذين أرادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلماء بحسب المفهوم النّبوي هم ورثةُ الأنبياء، فإذا أصبح أحدنا وارثاً لسيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم.. فهل يوجد أحد لا يحبّ سيِّدنا مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم ممّن يعرفه؟ وإذا كنت وارثاً مُحمَّديّاً فإنّك ترث أخلاقه وحكمته ونورانيّته وربّانيّته وجهده وجهاده، فبحكمته بنى الدّولة والدّين والأمّة ولم يبلغ عدد القتلى من مشركين ومسلمين خمس مئة إنسان! امَّا في لبنان فكم قُتِل في الحرب؟ وبفلسطين؟ والعرب كم عددهم؟ وكم أهدروا من مئات المليارات؟ لأنّه لا يوجد شيخ! ولو وُجِد الشيخ لانحلَّت كلُّ المشكلات، لكنْ حاليّاً الشَّيخ أصبح ذو سمعة سيئة- نحن نتكلم بصراحة- أمَّا إنْ وُجِد الشَّيخ الأصلي الصادق فيقول لك: يا أخي تذوق الطّعم، ولا تدفع مالاً حتَّى تذوق.. وليس كالبطيخة تأخذها وتقطَعُها بالبيت فإذا هي بيضاء، بل نقْطَعُها لك هنا، فإنْ أعجبتك أخذتها وإلا فألقها.. والعالَم كلّه ينتظر العالِم الحقيقيّ أن يخرج، لأن العالِم يبني الدّين والدّنيا، ولا يريد شيئاً، فهل أراد النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام الـمُلك؟ فميراثه قال عنه صلى الله عليه وسلم: ((ما تركناه صدقة)) 24 وهل جعل الحكم لأهل بيته؟ بل تركه للأمّة ولم يستأثر به لخواصِّه، مع أنَّ بعض المذاهب الإسلاميّة يقولون إنَّ الحكم لسيِّدنا علي رضي الله عنه، أمَّا في حقيقة الأمر فإنًّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُعيِّن خليفة من بعده.. فكن على سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخلاق وفي السّلوك وفي الذّكر وفي قيام اللّيل وفي العبادة.

رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم تمرةً في يد الحسن رضي الله عنه، فقال له: ((كخ كخ، أخشى أنْ تكون من تمر الصّدقة)) 25 والصّدقة محرّمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيتِهِ، وهذا طفل ولا يُؤاخَذ، لكن هذا هو الورع، وورثة الأنبياء يجب أنْ يكون عندهم هذا الورع، وعائشة رضي الله عنها قالت عن ضرّتها صفيّة إنّها قصيرة فقال لها النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو أُلقِيَتْ في بحرٍ لأنْــتَــنَــتْـهُ)) 26 .. مرة دخل على سفيان الثوري طبيبان وعايناه وعالجاه وذهبا، ثمّ قال: “لولا أنْ تكون غيبة لقلتُ إنَّ أحدَهُما أعلمُ بالطب من الآخر” 27 فأنْ تقول أنَّ أحدهما أعلَم وفيه انتقاص من الآخر أصبح ذلك من الغيبة.. فهل أنتم ورثة الأنبياء؟ نعم نريد أن نكون كذلك؛ فبالإرادة يتحقق لكم ذلك، فهل أنتم الآن تريدون ذلك أم لا؟ فإن أردتم تحقَّق، وإن لم تريدوا فلن يتحقق ذلك، وأسأل الله أنْ يفتح عليكم وأنْ يجعلكم ممّن ينفع الله عزّ وجلّ بهم الأمّة والدّولة، وينفع بكم الخلق أجمعين.

وجزى الله خيراً ولاة الأمر وكل من له يد ومساعدة في فتح هذه الكليات فهي في صحيفتهم.

ضرورة تعلم الطالب في المسجد على يد الشيخ

وأنتم حصلتم على الدراسة في الكلية والزيادة فوقها؛ فقد جمع الله عزّ وجلّ لكم الجامع مع الجامعة، وهناك مَثَل شعبيّ يُقَال في الشام: “المرأة ربَّت ثوراً فما حَرَثَ”، وسيِّدنا عمر رضي الله عنه هل تخرَّج من الجامع أم من الجامعة؟ تخرّج من الجامع والجامعة؛ فالجامعة تعلّم أمور الدّنيا والجامع يُعلّم أمور الآخرة، وجامع النَّبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يُعلِّم؟ كان يُعلِّم الدّنيا والآخرة، إذاً كان جامعاً وجامعةً، ففي بيت الزّوجيّة مثلاً يجب أنْ يكون الزّوجان في البيت نفسه ليأتيهم المولود؛ أمَّا اليوم فإن المرأة في الشرق والرجل في الغرب فكيف يمكن لهما أنْ ينجبا الأولاد؟

فوائد ذكر الله تعالى والتخلّق بالأخلاق والعمل على تزكية النّفس

فخلاصة حديثنا أنّكم إذا ذكرتم الله عزّ وجلّ ذكراً كثيراً وتخلّقتُم بالأخلاق التي يجب على طالب العلم أنْ يتخلّق بها واشتغلتم على تزكية النّفس، وأنا كشيخ أكون خادماً لكم وخادماً لنعالكم، وأرجو من الله عزّ وجلّ أنْ تكونوا حياة ليس لوطنكم وليس لأمّتكم العربيّة فقط بل أنْ تكونوا إنْ شاء الله عزّ وجلّ حياة وسعادة لكلّ العالم؛ لأنَّ الإسلام جعلهُ اللهُ عزّ وجلّ رحمةً للعالمين، مجسّداً في سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجسّداً في الوارث الـُمحمَّدي الحقيقيّ الصّادق.. فاللّهمّ اجعلنا من الورثة الصّادقين، حتَّى نكون رحمةً للعالمين وسلاماً للعالَم وإخاءً للعالَم، وإذا كنّا بِحارَتِنا بلاءً على الحارة وأهلها وعلى القرية وعلى أهلها وعلى البلد وعلى أهله وعلى دولتنا وعلى جيشنا فهل نكون بهذا الشّكل رحمةً للعالمين أم نحساً؟ وأسأل الله عزّ وجلّ أنْ يجعلكم رحمةً، وألّا يجعلكم محنةً ولا نقمةً، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

وصلى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. المعجم الأوسط للطبراني، عن ابن عباس، رقم: (4183)، (4/275).
  2. سنن النّسائي، عن أنس، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، رقم: (3940).
  3. ورد معنى هذا الحديث في: صحيح البخاري عن عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ". وأخرجه مسلم في الجهاد، باب ما لقي النبي من أذى المشركين والمنافقين رقم 1795.
  4. أخرجه الترمذي، عن أب طلحة، كتاب الزهد، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (2371) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".
  5. أسد الغابة، ابن الأثير، (3/302). البداية والنهاية لابن كثير (4/181).
  6. سنن ابن ماجه، عن الْعِرْبَاض بْن سَارِيَةَ، كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم: (43)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17182)، (4/126). جامع بيان العلم وفضله، رقم: (2303)، (2/1163).
  7. مسند أحمد، عن أبي هريرة، رقم: (8028)، (13/398)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7319)، (4/188).
  8. صحيح البخاري عن أبي هريرة: (50)، وصحيح مسلم: (8)، والسنن الكبرى للنسائي واللفظ له، كتاب الرقائق، رقم: (11803).
  9. حاشية الصاوي على تفسير الجلالين، (1/452). وهناك أحاديث كثير صحيحة بهذا المعنى كما في البخاري عَنْ أَنَسٍ، «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ... ( 15) وعَنْ أَنَسٍ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».(13).
  10. رواه الإمام أحمد في مسنده، باب مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (7162) (12/79).
  11. انظر تفسير القرطبي (18/23) في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ [سورة الحشر: 9] وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا غَنِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، دَعَا الْأَنْصَارَ وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ فِي إِنْزَالِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: (إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ). فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: بَلْ نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا. وَنَادَتِ الْأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ). وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ.
  12. البيهقي في الاعتقاد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، باب كرامات الأولياء: (1/314).
  13. سنن ابن ماجه، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، كتاب الأطعمة، باب القديد، رقم: (3312) (2/1101).
  14. المعجم الكبير، الطبراني، رقم: (8810)، (9/163).
  15. كأن الشيخ أراد أن يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "من تواضع لله درجة رفعه الله درجة، حتى يجعله في عليين، ومن تكبر على الله درجة، وضعه الله درجة، حتى يجعله في أسفل السافلين" أخرجه أحمد في مسنده برقم (18/250). وأبو نعيم في الحلية عن عمر: (7/145)، والطبراني في الأوسط: (7711).
  16. هوازن: قبيلة كانت تسكن في وادٍ بين مكة والطائف، وسميت غزوة حُنين بغزوة هوزان أيضاً، البداية والنهاية لابن كثير، المجلد الرابع مطولاً. صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع (1777) مختصراً.
  17. السِّيرةِ النبوية لابنِ هِشامٍ والبداية والنهاية لابن كثير: عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقت أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أُحُد، فلما نُعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير لها حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جَلل (صغيرة).
  18. القصة في صحيح البخاري عن أبي سفيان (4553).
  19. صحيح البخاري، عن ابن عمر، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى، رقم: (893)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، رقم: (1829).
  20. شعب الإيمان، البيهقي، عن أنس بن مالك، رقم: (1632)، (3/266)، مسند أبي يعلى الموصلي، رقم: (2790)، (5/176).
  21. صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43).
  22. سنن ابن ماجه، عن عَبْد اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، رقم: (1079)، سنن الترمذي، أبواب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم: (2621)، سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم: (463)، جميعهم بلفظ: ((إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).
  23. جزء من الحديث في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيراً فترك الأجير أجره، رقم: (2272).
  24. صحيح مسلم، عن مالك بن أوس، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، رقم: (1757).
  25. صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الجنائز، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (1491)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، رقم: (1069)، مسند أحمد، رقم: (9308)، (15/177)، بلفظ: ((أَنَّ الْحَسَنَ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَة))، سنن الدارمي، رقم: (1682)، (2/1023).
  26. سنن أبي داود، عَنْ عَائِشَةَ، أول كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4875)، بلفظ: ((لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)).
  27. الأخلاق المتبولية، للإمام الشعراني ص243.
WhatsApp