تاريخ الدرس: 1986/12/29
منبر الدعاة
مدة الدرس: 01:22:25
منبر الدعاة (12): الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمّ التّسليم على سيِّدنا مُحمَّد وعلى وصحبه أجمعين، وبعد:
اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتي، وألتجأ إلى حولك وقوتك..
علاج تخلف العالم الثّالث
ورد في الأثر: ((الناس هلكى إلا العالمين، والعالمون هلكى إلا العاملين، والعاملون هلكى إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم)) 1 هذا الأثر يصلح لنهضة العالم الثّالث كلّه، ويصلح لإلحاق كلّ الشّعوب المتخلِّفة والجاهلة والفقيرة والتّعيسة بالأمم العالمِة والغنيّة والمتقدّمة، ويرقى بالشّعوب الضّعيفة المتخلِّفة في العالم الثّالث إلى أنْ يجعلها تتفوّق على العالَم الشّرقي والغربي، ولا يزال الإنسان في الشّرق والغرب يفكر بمبدأ القوّة، وأنْ الوحشُ القويُّ يأكل الوحشَ الضعيفَ، وأمَّا في ظلّ التّعاليم الإسلاميّة فالإنسان القوي مكلّف بأنْ يأخذ بيد أخيه الإنسان الضّعيف، فإنْ كان جائعاً أطعمه وإنْ كان جاهلاً علَّمه وإنْ كان فقيراً أغناه، وإنْ كان ضالّاً أرشده وهداه ثمّ واساه وآخاه، لا أنْ يتسيَّد عليه ويتباهى أو يتعالى عليه لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] ومع عميق الأسف فالمسلمون الآن في وادٍ والإسلام في وادٍ بعيد، فإنْ قرأوا أو سمعوا فلا فائدة مما يقرأون، وإذا كان العلم هو الغذاء؛ فالغذاء يُنتفَع به عند وُجود الجهاز الهضمي الصّحيح الجيد والَّذي يحوِّل الأطعمة إلى الدّم فتتغذّى به الخلايا فعندها توجد القوّة والحياة والعقل وغير ذلك؛ أمَّا إذا لم يكن هناك جهاز هضميّ فإنِّ الطّعام يدخل ويخرج على وضعه ولا يتغير شيء، فالجهاز الهضمي للعلوم هي النّفس الّتي تُسمَّى تارة بالقلب وتارة تُسمَّى بالرُّوح وتارة أخرى تُسمَّى بالعقل، وهذه كلّها ألفاظ ولكن في حقيقتها هي جوهر الإنسان العاقل الواعي.
ما العلم المطلوب؟
فمعنى “النَّاس هلكى إلَّا العالمين” أيْ لا حياة للشّعوب بدون العلم، فإذا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقْصِد بالعلم وما هو العلم الَّذي تقصده وتريده والَّذي ينقذ من الهلكة؟.. هو العلم الَّذي عَرَفه أصحاب النّبي ﷺ وتلامذته الأُوَل وعَرَفَه السّلف الصالح، ولـمّا عرفوه وتَغذَّوا به انتقلوا من الهلاك إلى النّجاة ومن الشّقاء إلى الهناء، ومن الذّلّ والفقر والجهل إلى أضدادها من الغنى والعلم والرّقيّ، حتّى قالوا بحسب زمانهم: الطّبّ علم والصّيدلة علم والفلك علم والكيمياء علم، وكلّ العلوم الَّتي تعود بالنّفع على الإنسان في جسده وفي حياته على الكوكب أو في آخرته، فعندما يقول النَّبي ﷺ: ((اطلبوا العلم ولو بالصين)) 2 فالمقصود به ليس علم الصَّلاة لأنَّ الصَّلاة فُرضت بمكة والمدينة، فلو كان النَّبي ﷺ حيّاً في وقتنا لقال: اطلبوا العلم ولو في موسكو أو في باريس أو في واشنطن أو في برلين أو في طوكيو أو في غيرها، مع أنَّ العلم كان في عهد النَّبي ﷺ ينصرف قبل كلّ شيء إلى العلم بالله عزّ وجلّ والعلم بشريعته، وليس العلم بالشرع فيما يخصُّ الجسد فقط وأن نعزل أحكام الشّرع التي تخصّ الرُّوح والقلب والأخلاق، فنكون بفعلنا هذا قد جعلنا القرآن عِضِين؛ أي بعَّضْناه وجزأنا وفرّقنا بعضه عن بعض، فآمنّا وعملنا بالبعض وتركنا وأهملنا البعض الآخر، فعندما يقول تعالى: “أقيموا الصَّلاة” قلنا هذا من الشّريعة، وقوله: “اذكروا الله ذكراً كثيراً” ما هذا؟ يقولون: هذه طريقة! ومن أين جاءت هذه التسمية!؟ فالتسمية صحيحة ولا شيء فيها، كأن تقول: “زيدٌ قائمٌ” من غير أنْ تسمّيه اصطلاحاً بالمبتدأ والخبر، وإنْ وُجِدَ هذا الاصطلاح فلا يتغيّر شيء من حيث النّطق بالقواعد الإعرابيّة.
معنى الإنابة إلى الله تعالى والتوجّه إليه
وقال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ﴾ [الزُّمر: 54] والإنابة هي الرّجوع بالقلب بكلّ المشاعر والحواس وبكلّ الفكر والتّوجه إلى الله عزّ وجلّ، فإنْ استقبل جسدك الكعبة وكانت الكعبة هي نيتك في العبادة فأنت وثنيّ ومن عبَّاد الحجر، فالكعبة إنّما جُعلت لتوحيد وجهة المسلمين ليكونوا موحَّدين حتّى في توجّههم الجسدي، أمَّا القِبلة التي يرتفع شأنك بتوجّهك إليها فهي توجُّه الرُّوح إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 79] وهذا التّوجّه يكون بالإنابة والذّكر الكثير وبالطّهارة القلبيّة.
والمدارس تعلّم الطهارة الجسديّة وطهارة اللباس والجلود والتّراب، ولا تَدرُس طهارة العقول بالحكمة ولا طهارة القلوب بمحبّة الله عزّ وجلّ وبالمعرفة وبالإنابة إليه، ولا تَدرُس طهارة النّفس بمكارم الأخلاق، وهذه ليست بشّريعة، بل كمثل أولئك الَّذين آمنوا بالبعض والأقل وكفروا بالقسم الأكبر فحقَّ عليهم قول الله تعالى: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِيْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: 85] وهل نحن الآن في خزيٍ أم في رفعة؟ نحن في خزي، ومتخلّفون في كلّ شيء؛ وهكذا كلّ العالم العربي والإسلامي يُسمّى الآن بالعالم الثّالث، أمَّا عندما كان العلم بمفهوم القرآن وبمفهوم النَّبي ﷺ وبمفهوم الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين، وعلى حسب زمانهم ومكانهم وإمكانهم فكانوا هم خير أمّة أُخرِجَت للنّاس.
العلم بالله عزّ وجلّ
“النَّاس هلكى إلَّا العالمين” فهذا حضّ ونداء ودعوة إلى التّعليم الإجباري؛ لأنَّ الرّضى بالهلاك محرّم والعمل على النّجاة من الهلكة ما حُكمه؟ هو فرض، إذاً فالعلم فرض وقبل كلّ شيء العلم بالله عزّ وجلّ، فهو يعطيك أبواب كلّ العلوم النّافعة؛ وهذا لا يعني أنه يجعلك قادراً أنْ تقود طائرة، لكنَّه يقول لك أن تتعلّم كلّ شيء.. والعلم بالله والعلم عن الله عزّ وجلّ هذا هو علوم الأنبياء وهو علوم الصّدِّيقين، وهو الَّذي يعطيك المعدة التي تهضم العلم ويتمثل بواسطتها الغذاء إلى أعمال وأخلاق وصفات وحِكَم.
طريق العلم بالله عزّ وجلّ
والعلم بالله عزّ وجلّ لا يُؤخَذ بالقراءة ولا بالسّماع بل بتوجيه القلب الطّاهر والحاضر والعاشق إلى حضرة الله تعالى مع المداومة على ذلك، ومن أسماء الله عزّ وجلّ العليم والحكيم والخبير والسّميع والبصير والقوي والعزيز، فينبغي أن تتطهّر منك الرُّوح والقلب والنّفس من نجاسات الأخلاق الظّاهرة والباطنة الخفية، ومن نجاسات اللّسان والعين والسّمع، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [الإسراء: 36] وما معنى قوله تعالى: ﴿يعلم السّر وأخفى﴾ [طه: 7] معنى ذلك أنْ تُطهِّر سرّك وما هو أخفى من السّرّ وما لا نعلمه مهما اطَّلعنا على سرائرك ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطَّارق: 9] أي تهتك السّتائر وتظهر السّرائر عندها: ﴿فَمَالَهُ مٍنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطَّارق: 10] أليس هذا شرعاً وعلماً؟ فعلوم الأنبياء كانت بالخلوة بالله، وبمرافقة الله، وبالصّحبة مع الله، وبمجالسة الله، وبالعشق لله، وبالفناء في الله، وبالإعراض عن كلّ المحبوبات في هذا الوجود حتّى لا يبقى لك إلَّا محبوب واحد.
قال ﷺ: ((وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ)) 3 فعليك أن تدخل على الله عزّ وجلّ وحدك وليس معك أيّ شيءٍ يشغل قلبك؛ لا مال ولا أهل ولا دنيا ولا صاحب ولا أيّ شيء، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ [الأنعام: 91]، ومن هنا أخذ النَّبي ﷺ علمه وهو سيد العلماء، ومن أين أخذ علمه؟ أخذ علمه من الله عزّ وجلّ، كيف؟ بالخلوة بالله عزّ وجلّ والإعراض عمَّا سواه والفناء بالله، حتّى قال الوثنيّون: إنَّ مُحمَّداً قد عشق ربّه.. 4 فالَّذين لا يفهمون شيئاً أدركوا ذلك.. فمن رائحة اللّحم المشويّ ستعرف أنَّ هناك لحماً وإن لم تره، ومن رائحة السّمن المقلي تعلم أن هناك سمناً وإن لم تشاهده.. وهكذا هو العلم بالله عزّ وجلّ فهو علم انعكاسيّ، كانعكاس المرآة النظيفة التي ليس عليها غبار ولا طين ولا هي مكسورة ولا مقلوعة والموجّهة إلى الشمس، فإنّك ترى الشّمس قد انعكست على صفحة المرآة، فلا تظهر صورة الشّمس في المرآة فقط، بل تظهر صفاتها أيضاً من الإنارة والإضاءة والحرارة وحتّى الإحراق.. ألّا توجد عدسات زجاجية إن عكست أشعة الشمس من خلالها على السّيجارة فإنها تشتعل؟ وكذلك الآن يولّدون الكهرباء بواسطة مرايا الطاقة الشمسية.. فمن المقابلة تأخذ بعض الصفات وذلك على حسب اتساع مرآتك وصفائها ونقائها.
خَلوة موسى عليه السّلام في جبل الطّور
عندما خرج سيِّدنا موسى عليه السَّلام من مصر، وكان قد وعد قومه بأنَّ الله عزّ وجلّ سينزّل عليهم كتاب التّوراة، فلما نجا طالبوه بذلك، فتركهم واعتكف في جبل الطّور شهراً كاملاً وهو شهر ذي القعدة، ولكن لم ينضج الأمر ولم يكتمل، فقال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]، ثمَّ أمره الله عزّ وجلّ أنْ يكملها بعشرٍ فصارت أربعين يوماً، وفي اليوم الأربعين نزلت التّوراة، ونزلت علوم السّماء إلى الأرض.. وطلب العلم لا يكون بالقراءة ولا عن طريق الأستاذ، بل يُطلب من الله عزّ وجلّ مباشرة عن طريق التّوجه القلبيّ والانفراد بالله عزّ وجلّ والانقطاع عمَّا سواه- فهل أربعون يوماً كثر؟ – فمن ذاق طعم هذا اللّقاء وهذه المعرفة فسيصبح عمره كلّه خَلوة وتصبح خلوته في جلوته، فلا يُحجَب عن الله عزّ وجلّ وهو مع الخلق ويُفَاضُ على قلبه، ولو قلنا إنَّ الشمس تظهر صورتها في المرآة، فهل تستطيع المرآة أنْ تقول أنا الشّمس؟ فإنْ قالت ذلك: فيكون قولها قولاً جاهلاً وكاذباً، إنَّما تظهر صورتها؛ فحرارة الشّمس عشرين مليون درجة أمَّا المرآة فما هي درجة حرارتها؟ ولكنْ تظهر فيها كلّ الصّفات والثّمرات والتّأثيرات، وبهذا التّوجه يصبح علمه ليس سماعيّاً، بل ذوقيّاً وشهودِيّاً وتَأَثُّرِيّاً وانفعاليّاً، وتظهر فيه العلوم الرّبانيّة الّلدنيَّة، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ [الكهف: 65]، وذلك بحسب اتساع المرآة وصفائها.
فوائد الإخلاص في عبادة الله تعالى
ومن أخلص لله عزّ وجلّ تظهر فيه الأخلاق الإلهيّة من الحكمة، فقد رُوِيَ حديثاً ورُوِيَ حكمةً: ((من أخلص لله أربعين صباحاً أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)) 5 وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، ولكن بكل حال معناه صحيح.
ماذا تعني “أخلص”؟ أخلص قلبه وشعوره وفكره من كلّ تعلقٍ بغير الله عزّ وجلّ، دخل مع الله عزّ وجلّ وحده خالصاً عمّا سواه ومتبرئاً من كلّ الأغيار، وصامداً ثابتاً متوجهاً عاكفاً معتكفاً، وهل أربعون يوماً بالقليل، فلو وضعت السّكة في كور الحداد فكم تحتاج حتّى تصبح كالنّار في حرارتها؟ بعد ساعة أو نصف ساعة فإنّها تخرج حمراء وقد كانت قبل ذلك سوداء، وكانت باردة فصارت مُحرقة ويخرج منها الشّرار.
وهذا الأمر يأتي من الصّحبة والمجالسة ومن القرب من الله عزّ وجلّ، فالله عزّ وجلّ معكم أينما كنتم، والمراد بهذا القُرب هو القُرب الحسّيّ والشّعوري وقرب الحب، فالحبيب دائماً مع محبّه وفي فكره وفي خياله وفي قلبه وفي منامه وعلى لسانه، فإنْ استطعت أن توجد حالةً مع الله عزّ وجلّ أربعين صباحاً فستظهر عليك آثار هذا العلم الَّذي من جملته الحكمة، وتصبح حكيماً ليس فقط في أمور الحياة، بل في كلّ الأمور؛ في أمور النّفس والأخلاق والعقل والفكر والسّلوك والإفادة والاستفادة.
وصيّة الشّيخ بتخصيص وقت لذكر الله تعالى
“النَّاس هلكى إلَّا العالمين” والعلم ليس هو علم النّحو والصّرف فقط، فهذا لابدّ منه ويجب أنْ تكونوا أيضاً متقنين فيه؛ قال ﷺ: ((إنَّ الله يحبّ من العبد إذا عمل عملاً أنْ يتقنه)) 6 وابقَ مع الله عزّ وجلّ بعد صلاة الفجر وفي الشّتاء قبل صلاة الفجر، فعندما كنت في سنكم كنت أجلس قبل الفجر بثلاث ساعات، والآن وعلى حسب صحّتي وسنّي أجلس قبل الفجر بساعة أو ساعتين.. فالعلم حياة للقلب وللفضائل الإنسانيّة وللمواهب الرّبانيّة، فإذاً أصبح هذا العلم علماً قلبياً فإنّه يُوجب العمل، يعني إنْ وضعت يدك على النّار فرغماً عنك ستصرخ من الألم، وإذا أكلت البقلاوة فرغماً عنك ستعجب بمذاقها.
العمل بالعلم
“والعالمون هلكى إلَّا العاملين” وهذا بالنّسبة للعلم غير القلبيّ وهو علم السّماع، وإن كان هذا العلم لوحده فصاحبه هالك؛ قال ﷺ: ((أول من تسعر النّار بهم ثلاثة)) 7 ومن جملتهم عالِم لم يعمل بعلمه
وَعَالِمٌ بِعِلْمِهِ لَمْ يَعْمَلَنْ مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّادِ الْوَثَنْ
فما الفائدة من أنْ نحفظ ونتلفظ؟ بينما وُجِد العلم للعمل به، فنُحضِر الكتاب لنقرأه والكهرباء لنستضيء بها في الظّلمات، ونحضر المدفأة لنستعملها في أوقات البرد، فإذا وُجد البرد ولم نستعملها فأول ما يقتلنا هو البرد وذلك مع اللّوم والتّوبيخ من النَّاس، فلو لم يوجد عند النَّاس ما يتدفؤون عليه وكانوا تحت الثّلوج وفي البراري فهم معذورون، ولكن إن كان لديهم كل أشكال التّدفئة ولم يستعملوها فمن سيعذرهم!؟
الإخلاص بالعمل
“والعاملون هلكى إلَّا المخلصون” فقد تعمل ولكن يكون دافعك للعمل والعلم هو حظّ النّفس؛ من مال أو جاه أو مدح أو أنْ يراك النَّاس أو أنْ يسمعوا بك، أو أنْ تتوصل به إلى غرض من أغراض الدّنيا، فيجب أنْ يكون هدفك كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وأيضاً: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزُّمر: 3]، وقال: ﴿إِلَّا الَّذينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا﴾ [البقرة: 160]، أي: أصلحوا، وليس أفسدوا، واعتصموا بالله عزّ وجلّ، وكيف يكون هذا الاعتصام؟ بأنْ تتوجّه بكلّ قلبك إلى الله تعالى، وهذا يسمونه طريقاً ويسمونه تصوفاً.. لا، إنه قرآن، ﴿وَأَخْلَصُوْا دِيْنَهُمْ لله فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِيْن﴾ [النِّساء: 146] فلم يصيروا المؤمنين الكاملين بعد، وذلك حتّى يستقروا وتَنْتُج عنهم ثمار الأعمال الصالحة، فبهذا المعنى من العلم وإذا وصلت فيه للإخلاص والصّدق مع الله عزّ وجلّ تحصل به على الإيمان، والَّذي قال عنه النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة)) 8 فعندما نشتري سيَّارة فمعنى ذلك أنّنا اشترينا العجلات و”الرّفاريف” [أغطية عجلات السيارة] والمصابيح والمقاعد والسقف والمحرك، أليس كلّ تلك الأجزاء هي السيَّارة، إذن ما معنى الإيمان وقطعه التبديلية؟ أي الصّبر والشّكر والذّكر ومخافة الله عزّ وجلّ ومحبّته وخشيته ومجالسة الصّالحين من عباد الله عزّ وجلّ والهجرة.. “لا إسلام لمن لا هجرة له” 9 أنت تحتاج إلى عارف بالله تعالى وتهاجر إليه بقلبك حبّاً، وبجسدك تعلماً وبروحك عشقاً، حتّى في نومك فإنّك تنام معه، ليس جسداً، بل روحك مع روحه وقلبك مع قلبه، والنّبي عليه السلام يقول: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 10 والخلّة هي أعظم الحبّ، فإذا اجتمعت هذه المعاني؛ العلم والعمل الصّالح، سواء ما ظهر منه للعيون أو ما خفي عنها من أعمال القلوب، كالإخلاص الَّذي لا تراه العيون ومحبّة الله وخشية الله والإنابة إلى الله ومراقبة الله والتّوجه الدّائم إلى الله، وشأن الإسلام في القرآن بأنْ تكون مع الله تعالى في كلّ أحوالك، لذلك يُذكِّرك عند الرّكوب أن تقول: “باسم الله”، وبسم الله عند الأكل وعند الذهاب إلى الخلاء وعندما تلبس نعلك وغير ذلك.
معنى ذكر الله تعالى
ولكن يلزم أنْ يكون الذّكر بمعناه اللّغوي الصّحيح؛ فالذّكر يعني التّذكّر بأن تقول: تذكَّرت الأمر الفلانيّ أي أنَّه مُلِئ عقلك وفكرك وشعورك به، أمَّا أنْ ينطق لسانك من غير شعور وإحساسٍ بالله عزّ وجلّ فهذه هي الغفلة، لذلك قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [الكهف: 28] وقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزُّمر: 22] فيجب أنْ تكون كلّ صلاتكم ذكراً، فعندما تقول “الله أكبر” تعرف ما معنى “الله”، فلو قلتَ “الثعبان” وقد وقع على رقبتك فيقشعر بدنك، ولو رأيت شخصاً مدهوساً بالقطار وقالوا لك: “المدهوس” فأيضاً يقشعر بدنك، أليس كذلك؟ وكذلك إذا ذُكر لك المحبوب وأنت محبّ له حقيقةً؛ فإنَّك ترى انشراح صدرك وكلّ أسارير وجهك.. هكذا يكون الذّكر، وهكذا يكون عند قولك في الصَّلاة: “الله أكبر” أو “وجَّهت وجهي” أو “سبحانك اللَّهم” أو “الحمد لله”.
ويقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [المزَّمل: 6]، ما معنى أشد وطئاً؟ أي أنْ يواطئ اللّسان القلب، فعندما ينطق اللّسان يتأثّر القلب، ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾– أي صلاة اللّيل هي- ﴿أشدّ وطئاً وأقوم قيلاً﴾ لماذا؟ لأنَّك تكون نائماً وأعصابك مرتاحة وذاكرتك متجمعة، فإذا ذكرت وصلّيت وركعت وسجدت وسبّحت وكبّرت وأردت أنْ تجمع قلبك مع لسانك فهذه هي أحسن الأوقات، وكذلك بعد صلاة الفجر تكون كلّ أعصابك وذاكرتك وكلّ تفكيرك يكون مُسْتجمَعاً لديك، فإذا كان توجهك كلّه إلى الله عزّ وجلّ فلعلك تنال حينها العلم الذي عناه في قوله: “النَّاس هلكى إلَّا العالمين” لأنَّه إذا أصبح لك علم بالله عزّ وجلّ فعندما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ وتدرس سنّة رسوله ﷺ عندها ستنشرح لك الأمور، ويتحقّق لك وبك، ولك ولغيرك سعادة الدّنيا والآخرة.
وكمثال بديهيّ كيف كان العرب؟ لم يكونوا أمَّة، ولو كان عندهم من الخيرات لذهب الاستعمار الروماني والفارسي إلى مكة والمدينة، بل لم يكن عندهم لا زرع ولا ماء للشّرب، قال تعالى: ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْع﴾ [إبراهيم: 37]، فليس للاستعمار حاجة بهم، ولكن عندما اتصل هذا الوادي بالله عزّ وجلّ وأخذ علمه عن الله عزّ وجلّ استطاع أنْ ينقذ العالَم ويحرّره لا أنْ يستعبده ولا أنْ يستغلّه، بل يغيثه، وليس أنْ يُجهّل العالَم كالاستعمار، بل أنْ يثقّفه.
مقارنة بين الفتوحات الإسلامية واكتشاف أمريكيا
وقد قال أعظم علماء أوروبا: “لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب” أمَّا عندما دخل الأوروبيون إلى أمريكا قاموا بذبح سكان أمريكا الأصليّين من الهنود الحُمْر وأفْنَوهم، وكذلك فعلوا في أستراليا أيضاً، والآن في فلسطين ينادي اليهود بوجوب إجلاء العرب، بقوّة مَنْ وبالتحالف مع مَنْ؟ مع الصّليبيين أي أمريكا، والعرب يتكلمون في الإذاعات، ولكنْ لا أحد منهم يتحرك.. فلمَّا أتى الإسلام وكانت العروبة بوادٍ غير ذي زرعٍ؛ امتدت العروبة بالإسلام حتّى وصلت إلى المحيط الأطلسي وإلى الخليج، ولكن أيّ عروبة هذه!؟ عروبة مكلّلة بالعلم والعمل والإخلاص فلا حظّ لنفسٍ ولا لهوى.
إخلاص الصحابة رضي الله عنهم وقصة عزل عمر لخالد رضي الله عنهما
فقد عزل سيدنا عمر بن الخطاب خالد بن الوليد رضي الله عنهما عقب انتصاره على أعظم إمبراطورية في العالَم، فلم يغضب ولم يَثُر ولم ينطق بكلمة واحدة ولم يتأثر؛ لأنَّهم طلبوا الله عزّ وجلّ ولم يطلبوا الجاه ولا الرّئاسة ولا المال، وتمثلوا قول: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي” فلو كان في تربيته نقص لذهب الإسلام ولذهب العرب ولحصلت انقلابات واقتتال فيما بينهم.. فما هذه التّربية وما هذه الهندسة لبناء الشّخصيّة؟
الإسلام الحقيقيّ هو الَّذي حفظ اللغة العربية والعالَم مستعد للدخول فيه
من حفظ اللّغة العربية؟ بينما غيرها من اللغات كاللّاتينيّة أصبحت عشرين لغة، فاللّغة العربيّة حُفِظَت ببركة القرآن وبلغة القرآن، والعرب الآن مساكين.. فيا ليت استُعْمِرَ منهم الأرض فقط، بل استُعْمِرَ منهم القلب والفكر، والمـُحرِّر هو الإسلام المتمثل بالشّيخ، ولكنْ الشّيخ بدل أنْ يداوي من أصابه الرمد فإنَّه يعميْه، فلو أبقيناه على مرضه لرأى قليلاً وبعد فترة من الزمن سيشفى عن طريق مناعته؛ أمَّا هذا الشّيخ فاستعمل البنزين لعلاجه ثمَّ أعطاه شرارة حتّى يضيء أمامه فأذهب له عينيه وبصره، فلم يعد هناك إمكانيّة لا للدواء ولا للشّفاء، أمَّا لو عُرِض الإسلام على حقيقته، فوالله لن يستطيع أيّ إنسان على وجه الأرض أنْ يرفضه.. فمن يرفض ملكة الجمال وهو شاب، ومن يرفض الطّعام الطازج والشّهي وهو جائع، ومن يرفض الماء المحلّى المثّلج وهو في الصّحراء وقد تقطعت به السُبل ويكاد أنْ يقتله العطش!؟ ولكن أحضر لهذا العطشان ماءً ممزوجاً ببول الحمير، فمن الممكن أنْ يشرب منه لأنه مضطر، ولكنَّه مع ذلك لن يرتوي وسوف يزيد عطشه كالَّذي يشرب من ماء البحر المالح.
فوالله ما رأيت إنساناً قد رفض الإسلام، وأنا التقيت بكلّ الأصناف من أمم العالَم وعلى اختلاف مراتبها العلميّة والعقائديّة والسّياسيّة وغيرها من المسلمين ومن غير المسلمين.. لذلك فالأمّة العربيّة مسؤولة عن العالَم، ولكنَّها لا تستطيع تحمل مسؤولياتها الشخصية، فهي لم تستطع تحمل مسؤوليّة تحرير فلسطين، ولكن كم استغرق الأمر بالإسلام لتحرير فلسطين من إمبراطورية عمرها أكثر من ألف سنة؟ لم تتحمل أكثر من سنة واحدة، حرَّروا فلسطين مع الأردنَّ ولبنان وسوريا بالرُّغم من عدم المساواة بين القوّتين؛ لا اقتصاداً ولا مالاً ولا سلاحاً ولا عدداً ولا حضارةً.
الجهل يؤدي إلى الخراب والدّمار
فما هذا العلم الَّذي يقول: “النَّاس هلكى”؟ من الَّذي هلك هل هم العرب بالإسلام، أم الرّومان عندما أرادوا معاداة الإسلام؟ تهدّم سدُّ سبأ باليمن قبل مجيء الاستعمار الحبشي، فقد استعمر الحبشيون المسيحيون اليمن ثمَّ جاء بعدهم الفرس وفي الفترة ما بين الاستعمارين تهدّم السّد، أي في فترة الجهل والتّمزّق وفترة انعدام الأخلاق والوعي؛ ونتيجة لذلك أدّى لطمع العدوّ وانتشار الخراب والموت.
درجات العلم
والعلم الإسلامي لا تظنوه “ضرب زيدٌ عمراً” وأركان الوضوء؛ هذه من العلم الصّوري والَّذي لا بدّ منه، ولكن للعلم درجة ثانيّة وهي علم القلب ودرجة ثالثة هي علم الحكمة، وقبل كل شيء يجب وجود القلب، فإذا لم يكن لك وجود وليست بك حياة فهل يعقل دماغك وتنظر عينك وتسمع أذنك؟ وكذلك العلم الَّذي عناه النّبي ﷺ ليس هو العلم الَّذي يُؤخَذ من اللّسان إلى الأذن فقط، ّبل هناك العلم الَّذي يُؤخَذ من القلب عن الله عزّ وجلّ ومن القلب عن القلب.. فلو أحضرت علبة قمامة وذهبت إلى العطّار الَّذي يبيع غرام العطر بأكثر من وزنه ذهباً إذا كان عطراً أصليّاً، وقلت له ضع لي خمس أو عشر غرامات من العطر وضعه في هذه العلبة فلن يرضى ولو دفعت له الثمن، لأنَّه يعلم بأنْك بهذا العمل تُحَقِّر عطره.. وكذلك حال القلوب عندما تكون كالقمامة، “فالدّنيا جيفة وطلابها كلابها” 11 ، والدُّنيا هي كلّ ما أشغلك عن الله؛ فصاحبك الَّذي يشغلك عن الله عزّ وجلّ هو دنيا، وأهلك الَّذين يشغلونك عن الله عزّ وجلّ هم دنيا.
اطلب الله عزّ وجلّ قبل أنْ تطلب أمّك وأباك وقبل أنْ تطلب نفسك وقبل كلّ شيء.. اِفْنَ في الله وذُبْ به.. فنواة التّمر عندما تذوب في تربة الأرض هل تكون خاسرة أم رابحة؟ فبذوبانها هذا تتحوّل إلى نخلة، ولن تكون وحدها، بل تصبح آلاف النّوى الملبّسة بالّطعم الحلو الَّذي هو التّمر، مع الظّلال التي تكون موضع نزهة وحياة وغذاء للنّاس.
يجب أن يفنى وجودك أي الشعور بوجودك، وتفنى نفسك الأمّارة بالسّوء أي شهواتها، حتى لا يبقَى لك إلَّا مشتهىً واحد ولا يبقَى لك إلَّا محبوب واحد ولا يبقَى لك إلَّا مطلوب واحد ولا يبقَى لك إلَّا هدف واحد.. وهذا هو “ألف باء” الإيمان والإسلام والعلم الحقيقي، فإذا حفظت حروف الهجاء وصرت تستطيع تجميع الكلمات عندها تدخل إلى مدرسة القرآن فيُفاض عليك من العلوم الوهبيّة الإلهاميّة، عندها يجعل الله عزّ وجلّ من كلامك حياةً للعقول والقلوب، ويجعله أجمل من ملكات الجمال ويتلذذ بكلامك كلّ من يتلذذ بالجمال الصّوري، وتكون أنت مزيلاً لكل ما يشعر به الناس من تعاسة أو حزن أو كآبة أو شقاء أو أيّ شيء في نفوسهم أو حياتهم، قال تعالى: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الأحزاب: 43] وقال أيضاً:﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] وقال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النَّحل: 30] ولا توجد قضية إلا ويكون الله عزّ وجلّ معك فيها بعلمه وبحكمته وبألطافه وبمعونته وبتأييده، وإلّا ستنجح بها، ولكنَّ ذلك لا يتحصل إلّا بعد الذّكر والطّهارة والصّدق وبعد الإنابة والإخلاص الكامل والفناء عن كلّ شيء في هذا الوجود، وبعض العارفين بالله يخاطب الله عزّ وجلّ قائلاً: “يا رب ماذا خسر من وجدك وماذا ربح من فقدك؟!”
طالب العالم ليس لديه وقت ليقضيه دون فائدة
ومع طلب العلم يجب الانشغال بالذّكر مع التّقوى ومراقبة الأنفاس والأفكار والكلمات والوقت، قال تعالى: ﴿وَالَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3] وقال: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾ [الفرقان: 72] فلا ننظر نظرةً ليس لها فائدة ولا نسمع كلمةً ليس لها فائدة ولا نتكلم بكلمةً ليس لها فائدة ولا نخطو بخطوةً ليس لها فائدة ولا نصرف وقتاً بلا فائدةٍ أبداً، فأوقات المؤمن كلّها مُعمَّرة وحتّى أنفاسه كلّها مثمرة وأيّامه كلّها رابحة، ويجب أن يتقوَّم علمكم بالمعنى الصّحيح أي بالإسلام- لأنَّ الإسلام علم وحكمة وتزكية- والبدء بالخلوة مع الله عزّ وجلّ، لذلك يجب أن تتعلّموا الخلوة مع الله عزّ وجلّ ولو ساعةً واحدةً في كلّ يوم فهذا فرض.. فما حكم ترك صلاة الظّهر أو العصر؟ والذّكر هو أهم من الصَّلاة؛ لأنَّ الصَّلاة هي وعاء للذّكر أمَّا الذكر فهو روحها، فلا تكون الصَّلاة بلا ذكر، ولكي يصبح في قلبك مَلَكة الذّكر فعليك أن تدخل إلى الصّف وأنت ذاكر وتأوي للنوم وأنت ذاكر.. وتطلب العلم لأجل أنْ تخدم مخلوقات الله عزَّ وجلَّ وتُنفّذ وصاياه، فإذا صرت بهذه الهمّة وهذا الهدف وهذا الصّدق وهذا الإخلاص ستحصل على مَلَكة الذكر.
معنى المخلصون على خطر عظيم
“والعاملون هلكى إلَّا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم” فَسَّر أكثر العلماء “الخطر” بالخطر المضرِّ والـمُهلك، يعني أنه يُخشى على المخلص ولو وصل للعلم والعمل والإخلاص الحقيقيّ فلا يُعجَب بنفسه ولا يقول أنا العالِم الكبير بل يجب أنْ يزداد تواضعاً فلا يزكّي نفسه، فالنَّبي ﷺ كان يقول: ((لو يؤاخذُني الله وعيسى ابن مريم بما جنته هاتان- ويشير إلى إصبعيه- لعذَّبَنا ثم لم يظلِمنا شَيئاً)) 12 ولـمَّا قالت إحدى الصحابيات حين اسْتُشْهِد زوجها في إحدى الغزوات: “هنيئاً له الجنة” قال لها النّبي ﷺ: ((وما يدريك.. أمَّا أنا فلا أدري ما يفعل الله بي)) 13 هذا هو الإخلاص وهذا هو التّواضع والتّذلل لله عزّ وجلّ والأدب معه، فبعض الناس فسروا “على خطر عظيم” بهذا المعنى أي هو في خطر، ولكن آدم عليه السَّلام في الجنّة هل كان على خطر؟ فعندما أكل تفّاحة أخرجه الله عزّ وجلّ من الجنّة، وبعضهم الآخر قال: الخطر بمعنى المقام العظيم والرّفيع والعالي، أي أنَّ المخلصين في مقام عظيم راقٍ عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك مأخوذاً من قول النَّبي ﷺ: ((ألا هل مشمّرٍ للجنّة! فإنَّ الجنّة لا خطر لها)) 14 أي لا شبيه لها في الجمال والعظمة والنّعيم وسعادة من يسكن فيها.
“والمخلصون على خطر عظيم” أي على مقام عظيم من السّعادة والنّجاح والتّوفيق والنّصر والتّأييد الإلهي، فعندهم العلم والعمل والإخلاص، وهذا العلم ليس العلم الوارد في مصطلحات كليّة الأزهر وكليّة الشّريعة وكليّة الدّعوة؛ بل هو علم على المفهوم النّبويّ الَّذي يشمل علم اللّسان وعلم القلب وعلم الأخلاق وعلوم القرآن والعلم بالله تعالى، الَّذي يورِّث خشيته ومحبّته ومعرفته والتَّوَلّه به، والَّذي به تتفجر ينابيع الحكمة من قلب صاحبه على لسانه وأعماله وأفكاره وأخلاقه وكلّ حركاته وكلّ سكناته.. هذا الإنسان هو روحٌ أينما حلّ، فحينما يخاطب العقول فإنَّ العقول تشعر بنشوة من كلامه، وتشعر الأرواح بسعادة وحياة بمشاهدته، فيكون كلامه دواءً وحكمةً والنّظر إليه شفاءً وتوجيهه سعادة، وهذا هو الشيء الَّذي ينقص عالَمنا الإسلامي في وقتنا، وهذا هو الَّذي يجمع ولا يفرق، وينشر الحبّ ويطفئ نيران العداوة والبغضاء، ويُوقِظ العقول من سباتها وجمودها ونومها.. ومن كانوا يُسَمَّوْن بالعلماء من المسلمين قبل خمسين سنّة أصبحوا قلّة هذه الأيام، وسينتهون إذا استمروا على هذا الحال؛ لأنّه لا بقاء إلَّا للأصلح، فهمّهم هي الشّكليات والألفاظ والكلمات، أمَّا الأهداف والـمُـثل العليا ودراسة هديِ النَّبي ﷺ وفقهه وعبادته وذكره وأخلاقه وسياسته وصبره وحلمه فهذا نادر الوجود.
معاملة النبي ﷺ لأعدائه
يقول تعالى: ﴿يَدْرَءُوْنَ بِالْحَسَنَةْ السَّيِّئَةَ﴾ [الرَّعد: 22] هذه هي صفة المؤمنين، والنَّبي ﷺ وهو سيّد المؤمنين كيف عامل أعدى أعدائه؟ أبي سفيان وابن أُبيّ ابن سلول؟ والَّذي أراد أنْ يقتل النَّبي ﷺ وهو مضطجع ووضع السيف فوق عنق النَّبي عليه الصّلاة والسّلام وقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي يا محمد، قَالَ: ((اللَّهُ)) فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ وقَالَ له: ((من يمنعك منّي))، فقال: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ، فعفا عنه النَّبي ﷺ. 15 فالعالِم يجب أنْ يأخذ أخلاقه من أخلاق النّبوة، فلو كنت جائعاً فمهما قرأت عن أنواع الخبز من الأسمر والمتوسط والإفرنجي إلى الكعك والأرز والبرغل ولحم الغنم وشتّى أنواع المأكولات والحلويات، وقرأت عنها وحفظتها غيباً وأنت جائع فهل تستفيد شيئاً؟ بينما إن أحضروا لك سندويشة فيها القليل من الجبن والزّيتون ومن دون قراءة ولا حفظ.. فأيّهما يفيدك أكثر؟ فالمطلوب العلم والعمل، والعمل مع الإخلاص “والمخلصون على خطر عظيم” أي لهم مركز خطير، ما معنى خطير؟ أي شأن عظيم، كأن تقول: فلان له مكانة خطيرة عند الدّولة أي مكانة عظيمة.
عدم تعلّق قلب المؤمن إلّا بالله تعالى
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الحديث القدسي: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) 16 وصلاة الظّهر أليست فرضاً؟ فليس المقصود منها حركة الجسم فقط ولا حركة اللّسان بالقراءة؛ بل هي حركة الفكر بالفهم وحركة القلب بالحضور، لكن هل يجوز لك أن تصّلي إن كنت بلا وضوء؟ فإذا صليت فإن صلاتك باطلة، ويلزم أيضاً كي يصلي قلبك أنْ يكون قلبك طاهراً.. طاهراً من الغفلة ومن التّعلق بغير الله عزّ وجلّ، ولا تخف واربط قلبك بالله عزّ وجلّ الربط العقلانيّ، لا أن تربطه بعقل حيوانيّ أحمق، ككثير ممّن ينتسبون إلى الدّين بلا عقل وبتعصب مذهبيّ أو أنانيّ وإلى آخره.. فعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهَان، والذّهب أينما أخذته لا ينخفض سعره ويُحافِظ على قيمته.
فرضيّة ذكر الله تعالى
((ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) فالذّكر فَرْض والله تعالى أمر بالذّكر أكثر ممَّا أمر بصّوم رمضان وأكثر ممّا أمر بالحجّ وأكثر ممّا أمر بالصَّلاة، وأمر بكلّ هذه الأشياء كغرس شجر ليثمر الذّكر، فقال تعالى في الحجّ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ [الحج: 28] والنَّبي ﷺ كان يعتكف بشكل كامل في رمضان ويترك كلّ شيءٍ ليخلو بربّه عز وجل، وعن الصَّلاة قال تعالى:﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي﴾ [طه: 14] وإذا انتهيتم من الصَّلاة قال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النِّساء: 103] وهذا فرض إنْ تركتموه تأثموا وتُعذَّبوا، وتارك الصَّلاة مذنب أما مَن يترك الذّكر فذنبه أبلغ، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2] فما هو مفهوم المخالفة للَّذين يُصَّلون وهم غير ذاكرين لله؟ أي الَّذين لا يخشعون هم الخاسرون، وهناك آية قال الله عزَّ وجلَّ فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: 9]، والكبيرة هي ما أوعد الله عزّ وجلّ عليها في القرآن، أليس “الخاسرون” وعيداً؟ أليس وعيداً قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزُّمر: 22]، فيجب عليكم أنْ تقدموا الذّكر على طعامكم وشرابكم وأن تجعلوا حياتكم كلّها ذكراً، فمن صحّ في الله تلفه كان على الله خلفه.
التّقرب إلى الله عزّ وجلّ بما يحبّه
((ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) أليس المتقرّب محبّاً؟ يتقرّب إليه بماذا؟ بما يحبّه الله عزّ وجلّ، فالله عزّ وجلّ يحب الذّكر فاذكره ويحب التّقوى فاتقِه ظاهراً وباطناً.. تقوى الظّاهر وتقوى القلب، فإذا دُمْت على حبّك فلا بد للمُحِبّ أنْ يُحَبّ، قال رجل لسيِّدنا علي رضي الله عنه: أنا أحبّك، فقال علي رضي الله عنه له: أنت كاذب. قال: لماذا؟ قال علي رضي الله عنه: لأنِّي لا أحبّك؛ فلو كنت صادقاً في محبّتي لأحببتك، فمن النادر أنْ تجد أحدهم يحبُّ والطرف الآخر لا يحبّه، أمّا في محبِّة الله يجب أنْ تكون محبّاً صادقاً، فحينها لا يمكن ألّا يحبّك الله عزّ وجلّ؛ لأنَّ الله تعالى أكرم منك، وقد قال رَسُولَ اللهِ ﷺ: ((قَالَ رَبُّكُمْ: إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) 17 فتقرّب إلى الله بذكره وبتقواه وبالأخلاق وبالأعمال وبالسّلوك وبالمعاملة وكلّ ذلك لله تعالى.
ثمرات محبّة الله عزّ وجلّ للعبد
((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ)) فما ثمرة ذلك حين تصبح محبوباً لله؟ ((كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ)) لأي مسافة تستطيع أن تسمع أذناك؟ فالكلام العادي بهذا المستوى تستطيع الأذن سماعه من مسافة عشرين أو ثلاثين أو خمسين متراً ثم بعد ذلك تعجز عن السماع، أمّا الله عزّ وجلّ فإنّه ((يسمع دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الملساء في اللّيلة الظّلماء)) 18 ، فكيف يكون سمعُك إذا صار من سمع الله عزّ وجلّ؟!
((وبصره الَّذي يبصر به)) كان النَّبي صلَّى الله عيه وسلَّم يقول: ((ستُفتَح لكم القسطنطينية)) 19 لقد رأى الفتح في المستقبل كشريط أمامه، ورأى الآخرة ورأى الجنّة والنّار ومن سيدخلهما، فكان يتكلم الرّجل بمكة ببيته مع زوجته سرّاً ثم يأتي إلى النَّبي ﷺ فيجده يعلم ما دار بينهما.. فقبل أن يخرج العبَّاس إلى غزوة بدر ويقع في الأسر، أخذ أمواله الذهبية ودفنها بالتراب وقال لزوجته: دعي هذا المال في حال لم أرجع حتى لا تحتاجوا لأحدٍ بعدي.. وعندما طلب النّبي ﷺ منه الفداء اشتكى من الفقر وقال: إذا دفعت الفداء فسأصبح أفقر النّاس في قريش، فقال النّبي ﷺ: وأين كلامك لأم الفضل قبل خروجك؟ عندها قال العبَّاس: والَّذي بَعَثَكَ بالْحقِّ ما عَلِمَ هذا أحدٌ غيْرِي وغيْرَهَا وَإنّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّه. 20 هذا معنى كنت سمعه وبصره!
((ويده التي يبطش بها)): أخذ النَّبي ﷺ كفّاً من تراب يوم حُنَين ورماه على الكفار وقال: ((شاهت الوجوه)) 21 فقال المنهزمون: “فو الله ما رجعنا إلى رسول الله ﷺ إلَّا ووجدنا الكفار أسرى بين يديه”.
الإيمان الحقيقي بالله عزّ وجل يهون المصاعب
((وَبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)) 22 فالإيمان الحقيقيّ والعلم الحقيقيّ بالله عزّ وجلّ يرفع عنك مشقّة الأعمال، فإنّك بها تقوم اللّيل فلا تجد مشقّة وتسهر اللّيل كلّه وتجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ وتبذل الرُّوح والمال والنّفس ولا تشعر بالجهد، فقد كان أحبّ شيء للصّحابة رضي الله عنهم أنْ يستشهدوا في سبيل الله تعالى، لأنَّ محبّة المال خرجت من قلوبهم وخرجت محبَّة الزّوجة من قلوبهم وخرج حبّ الولد من قلوبهم، ولم يبقَ إلَّا: “إلهي أنت مقصودي”، وهدفهم في الحياة الـمُثُل العليا، وهم عند الذي يحبّه الله تعالى.. فالله يحبّ مكارم الأخلاق ويكره سفاسفها ويحبّ معالي الأمور ويكره دنيئها، فصارت محبّتهم من محبّة الله وحكمتهم من حكمة الله وقوّتهم من قوّة الله وعلمهم من علم الله، فهم كانوا كلّهم أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون فكيف وصلوا إلى السِّند والهند وكيف ساسوا هذه الأمم ووحدوها؟ وكيف انتصروا في هذه الحروب مع أنّهم لمْ يدرسوا ولا يدخلوا إلى الأكاديميّات؟ ومع أنَّ الرّوم والفرس كانوا أُمماً ذات حضارات عريقة، هذا معنى: ((كنت سمعه وبصره ويده ومؤيده)) بحيث تصبح لدى الواحد منهم القوة العظيمة.
النبي صلى الله عليه وسلم صارع رُكَانَة 23 ، فمن أين أتته هذه القوة؟ هذه أتت من: “لا حول ولا قوة إلَّا بالله” فقد كان فانياً عن نفسه فصار يوجد بالله عزّ وجلّ وصارت تظهر في قوته قوّة الله عزَّ وجلَّ، وعندما أحاط الكفّار بالنَّبي ﷺ في الغار، وبال أحدهم فأصاب رشاش بوله قدم سيدنا أبي بكر.. وصار سيدنا أبي بكر رضي الله عنه يبكي، وقال: “لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه” وقد ذكر بعض أهل السّيَر أنَّ أبا بكر رضي الله عنه لـمّا قال ذلك؛ قال النَّبي ﷺ له: ((لو جاءونا من ههنا لَذَهَبْنَا من هُنا)) 24 فنظر الصّديق رضي الله عنه إلى صدر الغار قد انفرج، فرأى بحراً ومركباً.. ماذا يحتاج الأمر عند الله عزَّ وجلَّ وما التكلفة؟ هل يحتاج إلى تخطيط وهندسة وخرائط وغيرها؟ بل بأمره: “كن فيكون” وتنتهي المسألة، قال تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوبة: 40]، وما حظّ العالِم من هذه العلوم؟ وما حظّه من خشية الله؟ وما حظّه من محبّة الله؟ وما حظّه من الحِكَم الإلهيّة؟ وما حظّه من العلوم اللّدنيّة؟ وما حظّه من الأخلاق الرّبّانيّة؟ وما حظّه من العناية الإلهيّة؟
تأثير الشّيخ رحمه الله تعالى بالنّصارى وتغيير نظرهم للإسلام
فالشّاهد بأنَّ المسلمين وكلّ النَّاس الآن بخير.. فأنا ألتقي بالنّصارى عادة، وأحد بطاركتهم يقول لي: “نحن لنا الشّرف إذا رضيت أن نكون تلامذةً أو مريدين عندك”، وقد سمعتُ هذا الكلام مرّات عديدة، ومرّة قال لي سلف هذا البطْرك حين كنت عنده: أنا لست إنساناً، قلت له: إذاً ماذا أنت؟ أخْبِرْني.. وأنا أعلم بأنَّه يعتبر نفسه وكيل الله عزَّ وجلَّ أو نصف إله! ومع ذلك قال لي هو والمطارنة والجميع بأننا تلامذتك.. إذاً فكلّ العالَم الآن بقاؤه موقوف على عودة الإسلام، وعزّة العرب موقوفة على الإسلام، فأنت إذا ما أصبحت شيخاً أو عالِماً يجب أنْ تكون بنَّاءً لا مُخرِّباً، ويجب أنْ تكون لديك طاقات البناء لتبني القلوب والعقول والأخلاق والوحدة وترفع التّعصب والتّمزق في المجتمع.
التقيتُ في أوروبا بشيوعيّين ونصارى، كان الواحد منهم يقول: “أنا كافر” فبعد عشر دقائق إلى ربع ساعة يقول: “أنا مؤمن” وهذا من خلال كلمتين لطيفتين.. وحتى في الكرملين وفي قلب موسكو وفي عواصم العالَم يتحوَّل من الكفر للإيمان، ولا أقول لكم هذا الكلام على سبيل التَّباهي فأنا أضع نفسي بين نعالكم وأتبارك بنعالكم، ولكنْ مقصودي بأنَّ الإسلام ناجح، ونحن لو قلنا إن الإسلام كطائرة نفاثة فنحن لا نعرف كيف نستخدمها، ونعود لنركب الحمير الجربة وعربات القمامة “الطنابر”.. ولا نعرف كيف نستخدم السيارات المصنوعة حديثاً في سنة 1986 أو سنة 1987.. لذلك توفيق الله عزَّ وجلَّ يحتاج إلى الهمّة، والإسلام الحقيقي يتطلَّب نفوساً شريفة ونبيلةً وعقولاً كبيرةً وأخلاقاً عاليةً ومجاهدةً للنّفس
فَنَافِسْ بِبَذْلِ النَّفْسِ فِيهَا أَخَا الهوَى الْهَوَى فَإِنْ قَبِلَتْ مِنْكَ فَيَا حَبَّذَا الْبَذْلُ
عليك المنافسة والمسابقة في بذل روحك، وبذل الرُّوح هذا لا يعني أنْ تشنق نفسك أو أنْ تقتلها، بل اجعل أهواءك وطلباتك الجسديّة الحيوانيّة فداءً لطلباتك الرُّوحانيّة الرّبّانيّة وأن يكون مطلبك عالٍ.. أخا الهوى: يعني يا أخا الحب.. فإن قبلتْ منك نفسَك- أن تضحي بها وبأهوائك- فيا حبذا البذل.
فَمَنْ لَمْ يَفُزْ فِي حُبِّ نُعْمٍ بنفسه بِنَفْسِهِ وَلَوْ بَذَلَ الدُّنْيَا إِلَيْهِ انْتَهَى الْبُخْلُ
(نُعْم) هذه اسم المحبوبة، ويقصد بها الحضرة الإلهيّة.. وإذا بذلت نفسك لله عزَّ وجلَّ وذابت فيه فالفضل في ذلك لله تعالى، فالأرض هي صاحبة الفضل على نواة التمر حين تقبل أن تذوب فيها، فبهذا الفناء تنقلب إلى نخلة، وهل بقاء النّطفة على حالها أفضل أم فناؤها وتحوُّلها عن كونها نطفة في السَّائل المنويّ؟ فبفنائها هذا تنقلب من نطفةٍ إلى إنسانٍ؛ إلى وزيرٍ أو أميرٍ أو حاكمٍ أو نبيٍّ أو غير ذلك.. وعليك أن تصدق في هذا الطلب فالأمر يسير ولا يحتاج إلّا إلى إرادة وطهارة فقط، وأنْ تكون طاهر القلب والنّفس والفكر والإرادة، واجعل في كلّ يوم ساعة ذكر مع الله، فإذا قلت “الله” بقلبك، وإذا تلفظت بكلمة “الله” أنْ تستحضر عظمة الله عزَّ وجلَّ وتملأ بها كلّ وجودك حتّى ينعدم الشعور بوجودك، فبدوام الذِّكر سوف ترون النّتائج من مسرّات ومن سّعادات ومن فيوضات ومن عطاءات.
من مراحل طلب العلم المحبّة والودّ
وهذا ليس كلّ شيءٍ، بل هو من جملة المراحل في طلب العلم، وذلك حتّى نصل لمرتبة العلماء ورثة الأنبياء، ويصبح حالك كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾ [مريم: 96]، حينها تحصل على مودَّة أهل الأرض وأهل السّماء.
((المؤمن يألف ويُؤلف)) 25 كان النَّبي ﷺ يألف ويُؤلف، وكان يألَفُ أعداءه والنَّاس الغلظاء والوحوش والبقر والجواميس، “ويُؤلَف” فأحبّوه أيضاً وكان مُحبّاً ومحبوباً.. أمَّا الشّيخ أصبح لا محبّاً ولا محبوباً وهو معذورٌ في ذلك لأنَّه لم يجد المعلَّم.. وهذه المائدة العلمية التي بين أيديكم لا تحصلونها لا في الأزهر ولا في أي بلد، وأرجو من الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلها خالصة لوجهه ويتقبلها منّا بقبول حسن.
مكافئة من صنع لكم معروفاً
وهذه المائدة في صحيفة من ساعدنا من أولي الأمر، وعلينا أن نشكرهم، لأنه لولاهم لما صارت لكم هذه الكلية، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقول: ((مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ)) 26 فيجب عليكم أن تكونوا شاكرين لمن أسدى إليكم معروفاً.. رأى عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما ذات مرة أعرابيّاً فذكر له بأنَّه في يوم من الأيام لقي أباه- عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وأعطاه شربة ماء، فأعطاه سيدنا ابن عمر جَمَلَه.. ولا أذكر تفاصيل القصة، ولكنَّها بهذا المعنى، فعبد الله بن عُمر شعر بأنَّ عليه واجب الشّكر أداءً عن أبيه بشربة ماء بعد عشرين سنة! أليس الشّكر من شعب الإيمان؟ قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14] وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ)) 27 وقال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرَّحمن: 60] والشّكر الحقيقيّ هو لله عزَّ وجلَّ لأنَّه هو المهيِّئ وهو الميسِّر، وقال عليه الصَّلاة والسلام: ((لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ النَّاس)) 28 فإذا داومتم على ما أقوله لكم “علم وعمل وإخلاص” فأنتم على خطر، والمقصود بالخطر هو المقام العظيم والعالي والكبير والَّذي لا يصل إليه إلَّا العظماء.
العلم رفع من مكانة العبيد
وكنت قد ذكرت لكم بأنَّ الفضيل بن عياض كان مملوكاً إفريقيّاً، وهارون الرشيد بسبب العلم قبَّل يده، ورابعة العدويّة كانت تُبَاع في الأسواق؛ وإلى الآن ذكرها مخلَّدٌ في التّاريخ، فمن الَّذي خلّدها؟ إنَّه العلم، وأي علم هو؟ ليس علم القال فقط، بل هو علم القال وعلم الحال والحكمة والتّزكية، والعلم بالمعنى الَّذي أراده الله تعالى ورسوله ﷺ وبحسب قاموس القرآن وبحسب قاموس النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وليس بالمعنى الاصطلاحي الّذي يُؤخذ في المدارس.
معنى الدّعاء للحاكم
وهناك أناس لا يدركون ما معنى الدّعاء للحاكم؛ فقد كان بعض الأولياء يقولون: “لو أنَّ الله أعطاني دعوةً مستجابةً لما أعطيتها إلَّا للحاكم” 29 لأنَّ صلاح الأمّة بصلاحه وفساد الأمّة بفساده، فإذا دعونا للحاكم بأنْ يوفِّقه الله لما يحبّه ويرضاه، وأنْ يُجرِيَ على يديه خير هذه الأمّة في دينها وفي دنياها، فهل هذا الفعل شرعيٌّ وعقليُّ وأخلاقيُّ وواجب؟ وهناك أناس لا يستعملون العقل ولا الفكر ولا الشّرع ولا القرآن ولا السّنّة، وإنْ كنتم تنقادون لهم فأنتم لستم بالعلماء بل أصبحتم دون العامّة؛ لأنَّ العامّة والجُهلاء هم الَّذين يعلمونكم.
[تكلم الشيخ رحمه الله عن ضرورة تسجيل هذه المحاضرات لإرسالها للمسافرين ومن يحب سماعها في الخارج].
العلاقة المطلوبة بين العالم والحاكم
وأرجو من الله عزَّ وجلَّ أنْ يمدَّ في عمري حتّى أراكم في بلادكم علماء حقيقيين، وأبشّركم من الآن بأنَّكم إن سِرْتُم على ما أتمنّاه وأرجوه لكم؛ فإنَّكم ستكونون شموس بلادكم وغيثها وربيعها، وربيع كلّ من تلقونه، وربيع القلوب والعقول والنَّاس والحكومات.. والَّذي جرى بأنْ يبتعد المشايخ والعلماء عن الحاكم ويعادونه وهذا من أكبر الأخطاء.. معاداة الحاكم من أكبر الأخطاء.. لأنَّ الحاكم بيده كلّ مقدّرات الأمّة، فإذا كنت أنت العالِم قريباً منه حينها يكون الإسلام قريباً منه ويكون الله عزَّ وجلَّ قريباً منه، ولكنْ يجب عليك أن تكون حكيماً مع الحاكم إن لقيته وأنْ تكون عليماً وصادقاً ومخلصاً وناصحاً برفق وبصدق وبإخلاص.. وهو يضعك في عينيه، أمَّا إنْ كنت فظّاً أو غليظاً أو بغلاً أو جاموساً أو ثوراً تنطح ولا تحرث ولا تنفع في الركوب ولا بأي شيء؛ فليس لك إلَّا المسْلَخ!
العالَم مهيّأ للدخول في الإسلام
والعالَم بخير.. والله العظيم لو تهيَّأ لأمريكا ألف شخصٍ ممن أعرفهم فستدخل كلّها في الإسلام، لذلك يجب على كلّ واحدٍ منكم أنْ يتقن لغةً من اللّغات الحيّة كالإنكليزيّة أو الفرنسيّة أو الألمانيّة، وهذا من الفروض، وقبل كلّ شيء أن تتقنوا لغة الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، فمن هم الَّذين يفهمون القرآن ويهتدون به؟ هم المتّقون، والنَّبي ﷺ يقول: ((إنَّما التّقوى ها هنا)) 30 أين ها هنا؟ هي في القلب، وهذا القلب الَّذي يضخ الدّم هو قالب القلب الرُّوحاني، فإذا شَغَّلْتَ ذلك القلب الداخليّ والَّذي يتوَسَّط قلبك بذكر الله عزَّ وجلَّ وصار حيّاً، عندها سيكون القرآن هدىً لك وتكون من المهتدين، وتنقلب من مهتدٍ إلى هادٍ ومن متعلّمٍ إلى عالِم؛ متعلّم عن الله ومعلِّم بالله وبهدي الله.
الغنى فريضة إسلاميّة
فأَسْأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلكم هاديِن مهديِّين، وحكماء وعلماء وأولياء وسعداء وأغنياء.. والغنى من أركان الإسلام يا بنيّ، والمشايخ والعلماء كانوا يدعون إلى الفقر، مع أنَّ النَّبي ﷺ قال: “كاد الفقر أنْ يكون”.. إيماناً أم إسلاماً؟ بل قال: ((كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً)) 31 وكم عدد أركان الإسلام؟ عددها خمسة، أليس أحدها الزّكاة؟ وهل ركن الزكاة أن تأخذ الزكاة أو تعطي الزكاة؟ فلو كنت فقيراً ولم تأخذ من أموال الزّكاة فهل تكون قد هدمت ركناً من أركان الإسلام؟ لا؛ بل تُعطَى لغيرك، أمَّا إنْ كنت غنيّاً ولم تعطِ الزكاة حينها تكون قد هدمت ركناً من الأركان، وإذا كنت غنيّاً وأعطيت الزّكاة فقد أقمت ركناً من أركان الإسلام، قال النَّبي ﷺ: ((فأعلِمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخَذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) 32 ومعنى الزّكاة هو الغنى.. الغنى السّخيّ والكريم وليس البخيل، إذاً فهل الغنى من أركان الإسلام أم الفقر؟ وهل العمل من الإسلام أمْ البطالة والكسل؟ والذّكاء أم الغباء؟ والهمّة أم ضعف الهمّة؟ واليقظة أم الغباء؟ فالإسلام كلّه معانٍ رفيعة.
فبالصِّدق مع الله عزَّ وجلَّ والتّوجّه إليه وبالصّحبة وبالهجرة وبالإخلاص تصل، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: 48]، وإن شاء الله تعالى تتبدل فيكم كلّ الصّفات النّاقصة إلى الصّفات الكاملة.
والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
Amiri Font
الحواشي
- شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (6455)، (9/181). وهو قول لذي النّون المصريّ رحمه الله تعالى، حيث يقول: "النَّاس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلُّهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلُّهم يغترون إلَّا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم". والخطيب البغدادي عن سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «الدُّنْيَا جَهْلٌ وَمَوَاتٌ إِلَّا الْعِلْمَ، وَالْعِلْمُ كُلُّهُ حُجَّةٌ إِلَّا الْعَمَلَ بِهِ، وَالْعَمَلُ كُلُّهُ هَبَاءٌ إِلَّا الْإِخْلَاصَ، وَالْإِخْلَاصُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى يُخْتَمَ بِهِ» اقتضاء العلم العمل. 1/29
- شعب الإيمان، عن أنس، رقم: (1543)، (3/193)، جامع بيان العلم وفضله، رقم: (20)، (1/28).
- صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الدعوات، باب لله مئة اسم غير واحد، رقم: (6410)، صحيح مسلَّم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، رقم: (2677).
- إحياء علوم الدين، الغزالي، (2/280).
- الحلية، أبو نعيم، (5/189) و(10/70)، ومصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34344)، (7/80)، ومسند الشهاب للقضاعي، رقم: (466)، (1/285). وقال العجلوني: "رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن أبي أيوب". كشف الخفاء، (2661) (2/264).
- المعجم الكبير للطبراني، عن سيرين، رقم: (776)، (1/275)، شعب الإيمان للبيهقي، عن عاصم بن كُليب الجَرمي عن أبيه، رقم: (4932)، (4/334)، أبو يعلى، رقم: (4386)، (7/349).
- سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، باب ما جاء في الرياء والسمعة، رقم: (2382).
- صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان، رقم: (9)، صحيح مسلَّم، عن أبي هريرة، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، رقم: (35).
- السيرة الحلبية، (3/326).
- سنن أبي داود، عن أبي هريرة، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب/ رقم: (2378).
- العجلوني في كشف الخفاء من كلام سيدنا عليّ بلفظ: "الدنيا جيفة، والناس كلابها"، (1313).
- صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، رقم: (659)، (2/435)، أبو نعيم في الحلية: (8/132)، بلفظ: ((لو أنَّ الله يؤاخذُني وعيسى بذنوبنا- وفي رواية: بما جنت هاتان يعني: الإبهام والتي تليها- لُعذَّبَنا ولا- وفي الرواية الأخرى: ولم- يظلِمنا شَيئاً)).
- صحيح البخاري، عن خارجة بن زيد بن ثاتب، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، رقم: (3929)، والحديث بتمامه: رُوِيَ أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ وهي امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ رضي الله عنها بَايَعَتِ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم وَأَخْبَرَتْهُ: "أَنَّهُ اقْتُسِمَ المُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم: ((وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟)) فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: ((أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ، مَا يُفْعَلُ بِي)) قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً".
- سنن ابن ماجه، عن أسامة بن زيد، كتاب الزهد، باب صفة الجنة، رقم: (4332).
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن جابر بن عبد الله رقم: (14929).
- صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6502).
- صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب التفسير باب قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) [آل عمران: 28]، رقم: (7405).
- تخريج الإحياء للعراقي عن شداد بن أوس (3/338) بلفظ: "أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية التي هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء"، وقال: أخرجه ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء عن أبي بكر بلفظ: "من دبيب النمل على الصفا"، وقال: إسناده ضعيف.
- مسند أحمد، عن بشر الخثعمي رقم: (18957)، (31/ 287). بلفظ: "لتفتحن القسطنطينية".
- السنن الكبرى للبيهقي عن عائشة (12849). الطبقات الكبرى، ابن سعد، (4/10).
- صحيح مسلَّم، عن إياس بن سلمة عن أبيه، كتاب الجهاد والسّير، باب في غزوة حنين، رقم: (1777).
- سبق تخريجه.
- ذكر القصة أبو داود في المراسيل (308) عن سعيد جُبير. وذكره مختصراً بسند ضعيف عن علي بن ركانة أبو داود (4078) والترمذي (1784) في سننهما.
- البداية والنهاية، لابن كثير، عن أبي بكر: (3/224).
- المعجم الأوسط، الطبراني، عن جابر، رقم: (5787)، (6/58). شعب الإيمان، رقم: (7252)، (10/115)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (9187)، (2/400).
- سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، رقم: (4813).
- سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله، رقم: (1672)، سنن النسائي، كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل، رقم: (2567).
- سنن الترمذي، عن أبي سعيد، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، (1955).
- هذا القول للفضيل بن عياض، حلية الأولياء، أبو نعيم، (8/91).
- رواه مسلَّم برقم (2564)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسلم، كُلُّ الْمُسلم عَلَى الْمُسلم حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»
- حلية الأولياء، أبو نعيم، (3/53)، شعب الإيمان، البيهقي، عن أنس، رقم: (6188)، (9/12)، والطبراني بمعناه في المعجم الأوسط، رقم: (4044)، (4/225).
- صحيح البخاري، عن ابن عباس، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم، رقم: (1458)، صحيح مسلَّم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشّهادتين وشرائع الإسلام، رقم: (19).