تاريخ الدرس: 1986/12/22

منبر الدعاة

مدة الدرس: 01:25:39

منبر الدعاة (11): فضيلة العلم ومكانته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمّ التّسليم على معلم المعلمين وأستاذ المرشدين، سيِّدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍ وصحب كلٍ أجمعين، وبعد:

فضيلة العلم ومكانته

موضوعنا عن فضيلة العلم ومكانته إذ يقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11] ويقول أيضاً: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ [الزمر: 9] أي في رفعة الدّرجات وفي العزّة والكرامة ﴿وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9] فنتيجة العلم الذي عناه وأراده القرآن هي العزّة والرّفعة والسّعادة والمكانة الرّفيعة في الدّنيا والآخرة، ومقابله الجهل، فإنّ ثمرته الذّلّ والفقر والتّعاسة والضّعف واستيلاء العدو وإلى آخره، فمن هذا المنطلق كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يحثُّ على العلم، فتارةً يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: ((العلماء ورثة الأنبياء)) 1 وتارةً يقول: ((من يرد الله به خيراً)) – أي سعادةً وعزّةً ومجداً ورفعةً– ((يفقهه في الدين ويلهمه رشده)) 2 فالعقل الناضج هو الذي يُرشد صاحبه إلى كلّ خير ويُباعده عن كلّ شر، وكان ﷺ يقول: ((أقرب النَّاس من درجة النُّبوَّة أهل العلم والجهاد)) 3 أمَّا أهل العلم فدلّوا- من الدِّلالة- النَّاس على ما جاءت به الرّسل، ودلّوهم على الصّراط المستقيم وهَدَوْهم إليه، وأمَّا أهل الجهاد فجاهدوا على ما جاءت به الرّسل، وفي حديث آخر يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: ((يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشّهداء)) 4 وهكذا يقول القرآن والأحاديث النبوية بأنَّ العلم يرفع صاحبه والإيمان أيضاً يرفع المؤمن.

واقع العلماء اليوم

ولكننا في زماننا نرى العلماء على غير العزّة، والمسلمون بإيمانهم وإسلامهم ليسوا في كرامةٍ، وهل العالِم الإسلامي الآن كما قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]؟ هل العالِم الإسلامي درجاته مرفوعة بين الأمم والشّعوب أم منخفضة إلى أخفض وأسفل الدّرجات؟ فيا تُرى أيّهما الصّحيح؟ هل كلام الله عزّ وجلّ وكلام النَّبي صلى الله عليه وسلم غير صحيحان، أم إيماننا وعلمنا هما غير صحيحان؟

فلو أردنا أنْ نقول إنّ كلام الله عزّ وجلّ وكلام النَّبي ﷺ غير صحيحين؛ فقد كذَّبَنَا التّاريخ والواقع، لأنَّ العرب والمسلمون لمـَّا حازوا على العلم الذي أراده القرآن وأراده النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وصلوا إلى أعلى مراتب العزّة. فما الّذي يقتضيه طلب العلم حين يعلم الإنسان الذّهب وقيمته؟ هل يقتضي حرصه على الذّهب أم تضييعه للذّهب؟ وإذا عرف قيمة الذّهب وأنّه يُتَوصل به إلى قضاء الحوائج، فهل يحرص عليه ويستمسك به أم يضيعه ولا يهتم به؟ وإذا عرف ما هي الأفعى وما هو الثّعبان الذي يلدغ ويقتل الإنسان، فهذا العلم ماذا يقتضي؟ هل يضع الثّعبان مثل ربطة العنق ويلفّها على رقبته، أم يقتلها بعصاً أو غيرها إذا رآها؟ فالعلم الحقيقي هو الذي يُورِث العمل، أمَّا إذا قرأ عن الذّهب ووطئ الذّهب بقدمه ومشى، وأخذ الأفعى والحيّة ووضع يده بين أنيابها حتَّى لدغته فقتلته بسمّها فمات، فهل هذا جهل أم علم؟ بالرغم من أنّه قرأ؛ ولكنّه قرأ وحفظ دون أنْ يفقه أو يعلَم، وإذا رأى كومةً من ذّهب وتركها وراء ظهره ولم يستفد منها، وقرأ وشرح له الأساتذة فوائد الذّهب؛ فهذا سمع وقرأ، ولكنّه لم يفقه ولم يعلم، أمَّا إذا أخذ الذّهب وحرص عليه ووضعه في البنوك ووضعه في المكان الآمن واستفاد منه في أمور الحياة، واجتنب الأفعى وقتلها فهذا يصبح اسمه العالِم؛ لأنّه عمل بمقتضى العلم.

العلم النّافع

ويوجد هناك علم السّماع وعلم القراءة، وإذا لم يكن للقارئ قلب فالعلم لا يفيد صاحبه، وإنِّ القراءة والتّلاوة والسّماع وحدها لا تفيد، والله تعالى يقول: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] ليس للقارئين ولا للمفسرين، بل هدىً للمتّقين، وقال أيضاً: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ- يعني في القرآن- لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] وكان بعض السّلف الصّالح يقول في تعريف العلم: “هو عبادة القلب وصلاة السّر، وقربة الباطن إلى الله عزو وجل” -النّفس التي في دّاخلك- فداخلك يصلي مع جسدك، “وقربة الباطن”؛ أي يتقرب باطنك وروحك ونفسك وقلبك من الله عزّ وجلّ شعوراً وإحساساً وشوقاً وحبّاً وتَذَكُّراً، “وقربة الباطن إلى الله عزّ وجلّ”.. كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: “ليس العلم بكثرة الرّواية” -حدثنا فلان وروى فلان وقال فلان وقال الله وقال رسول الله- قال: هذا ليس بعلم “إنّما العلم نورٌ يُقذَف في القلب” 5 فلو أطفأتُ الأضواء الآن فلا أستطيع معرفتكم ولا أقول هذا فلان وهذا فلان لأنَّ الظّلمة جهل، والنّور يعطي العلم.. ولو كان الإنسان يسير بسيارةٍ وكان هناك بئرٌ وانطفأت الأنوار؛ عندها يحدث الجهل، وهذا الجهل أين يجعل مصير السّيارة؟ عندها تسقط في البئر أو في الوادي فتهلك ويهلك من فيها، أمَّا إذا وُجِدَ النور فإنَّ هذا النّور يعطي العلم، لذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ليس العلم بكثرة الرّواية، إنّما العلم نورٌ يُقذَف في القلب”، وبعضهم كان يقول: “إنّما العلم خشية الله” 6 والخشية هي الخوف من الله عزّ وجلّ ويصاحب هذا الخوف ويرافقه تعظيم الله سبحانه، فإذا خفت من الثعبان فهذا ليس من خوف التّعظيم إنّما هو خوف من الأذى، وقد يكون أحدهم محبّاً لله عزّ وجلّ ويخافه؛ فهذا اسمه خوف الإجلال والحبّ والتّعظيم، هذا الخوف بهذا المعنى ما اسمه؟ اسمه الخشية، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: 28]، إذاً فالعالِم هو الذي يخاف الله عزّ وجلّ خوفاً ممزوجاً بحبّه وتعظيمه وإجلاله، وفي مفهوم الحبّ لا يجوز أنْ تحب محبوباً وأنت تجهله، لأنَّ المجهول لا يُحَب، فلا يُحَبّ إلّا المعروف والمعلوم، والذي لا يعرف الذّهب لا يحبّه، فالطّفل لا يحبّ الذّهب لأنَّه لا يعرف قيمته، لكنَّه يعرف اللّعبة لذلك يحبّها، ولا يعرف الزّواج لذلك لا يحبّه بسبب جهله به.

قصة الإمام الشافعي مع شيخه وكيع

الإمام الشّافعي يقول

شكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سوءَ حِفْظِي فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المعَاصِي وَأَخْبَــــــــرَنِي بِأَنَّ الْعِلْـــــــمَ نُـــــــــــــــــــورٌ وَنُورُ اللهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي

“وكيع” كان شيخه.. وليس المقصود من الحفظ حفظ الألفاظ العلميّة؛ بل حفظ تنفيذ الأوامر الإلهيّة وحفظ الاستقامة على صراط الله عزّ وجلّ، فهذا هو المقصود؛ ولو كان الأمر يتعلق بالحفظ فقط.. فقد كان مشهوراً عن الإمام الشّافعي أنه يحفظ إذا سمع من أول مرة.

قصة الفضيل بن عياض مع هارون الرشيد

كان الفضيل بن عياض إفريقيّاً ومملوكاً، فأُعتِق وطلب العلم فصار عالماً، وكان وقتها مُلْكُ هارون الرشيد من البحر الأطلسي إلى الهند، وفي ليلة شعر بقسوةٍ في قلبه فقال لوزيره: خذني إلى أحد العلماء لعل هذه القسوة تُبدَّل باللّين، فذهب إلى عالِمين أو ثلاثة فلم يجد مراده عندهم؛ فقال له هناك الفضيل بن عياض- وهذا الفضيل منذ سنوات قليلة كان إفريقيا وكان مملوكاً يُباع ويُشرَى بالأسواق، وكان آنذاك يُبَاع الأبيض والأسود لأنَّ الرّق كان بسبب الحرب والأسر بين كلّ الشّعوب والأمم، فقد كان الكفَّار يسترقُّون المسلمين ويجعلونهم عبيداً، والمسلمون كانوا يسترقّون الكفَّار ويجعلونهم عبيداً إذا أسروهم- فلمَّا طرق الوزير على الفضيل بن عياض قال: مَن؟ فقال: أمير المؤمنين- الإمبراطور الأعظم على باب رجل إفريقي كان يُبَاع ويُشرَى في الأسواق قبل سنتين أو ثلاث!- فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ لأي شيءٍ يأتي إليّ؟ فلا حاجة لي به، وما هذا الإزعاج الذي يريد أنْ يزعجني به؟ فلم يفتح الباب له، فأُعيد طَرْق الباب ولم يرضَ أنْ يفتح له، فقال له: أليس لأمير المؤمنين عليك حقّ الطّاعة؟ يريد أنْ يدخل فواجبٌ عليك أنْ تفتح له الباب، ففتح له الباب ولـمَّا دخل إلى غرفته كانت هناك شمعة فأطفأها، وبدل أنْ يحضر عشرين شمعة احتفالاً بزيارة هارون الرّشيد أطفأ تلك الشمعة، فهل هذا عزٍ أم ذلّ؟ هل هذه رفعة أم خفض؟ وهل هذه كرامة أم هوان؟ الإمبراطور الأعظم يترامى على إنسان من إفريقيا كان منذ مدّة قليلة يُباع كما يُباع العبيد البيض والسّود! [يجدر الانتباه أنه كان من بين طلاب العلم الحاضرين مجموعة من إفريقيا من أصحاب البشرة السوداء، لذلك يؤكد سماحته ويكرر أن العبيد كانوا من البيض والسود مراعاة لشعورهم، وحرصاً منه أن لا ينظر أحد الحضور إليهم نظرة عنصرية] والآن يرفض أنْ يقابل الإمبراطور الأعظم ويفرُّ منه، ففي شدّة الظّلام صاروا يفتّشون بالغرفة عنه، فأخذ هارون الرّشيد يتلمَّس حتَّى وقعت يده على يد الفضيل، فقال الفضيل: ما ألينها من يد- يد لينة طرية- لو أنّها سلمت من عذاب الله عزّ وجلّ، فأجهش هارون الرّشيد بالبكاء حتَّى كاد أن يُغشَى عليه، أي يسقط فاقداً الوعي من تأثره بكلام وعِظة الفضيل بن عياض، فمن صار الأقوى والأعظم والمؤثِّر؟ وفي قصة طويلة أخرى يسأله ما عليك من ديون؟ فقال له: الأموال الّتي أخذتموها من النَّاس ردّوها إليهم فهم أحق بها، وأنا لا أريد شيئاً.. وإلى آخر القصة.

العبد بالعلم صار أعز من الأمير

شخص آخر يقول: كنت عبداً مملوكاً فأعتقني سيدي، ففكرت في أيّ حرفة أحترف، فأُلهِمت بأنَّ أحسن الحرف حرف الأنبياء، وهي العلم والتّعليم والإرشاد، قال: فما مضت عليّ سنة في صحبة العلماء حتَّى أتاني أمير المدينة يستأذنُني لزيارتي فأبَيْت أنْ أستقبله، فهذا وصل من مرتبة العبد إلى هذا المستوى بسنة واحدة فقط! وكان أمير المدينة وكانت المدينة حينها لها شأنها المقدّس، فكان يُنتقى لها أعظم الأمراء وأعظم الحكام فأبى أنْ يستقبله، فهذا هو التّاريخ وهذا هو الواقع وهذا يدل على أنَّ القرآن والحديث صادقان.

أثر العلم على العلماء والواقع

وما السبب بأنَّ علماءنا ليسوا بمعزَّزين ومكرّمين وليسوا مرفوعي الدّرجة؟ إذن هم ليسوا بنافعين! الشَّيخ سيف الدّين الباخرسي 7 أسلم على يديه أكبر أباطرة التّتر، وأسلم بقية ملوك التّتر على يدي شيخَين آخرين، فالتّتر اكتسحوا آسيا كلّها، وكانوا يريدون أنْ يكتسحوا إفريقيا وأوروبا، فثلاثة علماء فقط استطاعوا أنْ يغيروا خريطة العالَم والتّاريخ والاستعمار، ويهزموا أعظم موجة استعمارية كاسحة متوحشة همجية.. ثلاثة رجالٍ فقط بالعلم؟ فأي علم هذا؟ هل هو العلم الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: “كثرة الرّواية”، كلا، بل الذي قال عنه: “إنّه نور يُقذَف في القلب”، هذا العلم- ومع عميق الأسف- ليس له أثر في المدارس والمعاهد والكليّات والجامعات، ولا في كتاب ولا في درس ولا في مرحلة من مراحل إعداد العالِم الإسلامي.. ولذلك ضُرِبت على العلماء الذّلّة والمسكنة، والمفسرون فسّروا المسكنة بالفقر، وفسّروا الذّل بتسلط العدو، أمَّا الآن فقد سيطر الاستعمار على العالَم الإسلاميّ، إنْ لم يكن عسكريّاً فقد سيطر عليه اقتصاديّاً وثقافيّاً وفكريّاً.

كان في البداية الاستعمار عسكريّاً فقط، فرأوا بأنَّ الاستعمار العسكري يحتاج إلى نفقات كثيرة، فاختصروها واكتفوا بالاستعمار الاقتصادي، وهذا ما يسمّونه بالإمبرياليّة، وأيضاً بالاستعمار الثّقافي، فأصبحوا يحوِّلون الأفكار ويمسخونها ويباعدونها عن الإسلام، ويضعون برامجاً منهم أو مِمَّن لا أهلية لهم لبناء العالِم الإسلامي، فيخرج العالِم ميّتاً ليس له نور، مع أنَه كان يقرأ ويروي، لكنَّ الصَّحابي الجليل رضي الله عنه يقول: “ليس العلم بكثرة الرّواية”.

سبب عدم نصر الله عزّ وجلّ للمسلمين

القرآن الكريم يقول عن علماء اليهود: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة: 78]، والخطيب الآن يصعد إلى المنبر ويقول: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: 7]، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين [الروم: 47]، معنى ذلك بأنّنا مؤمنون ويجب على الله تعالى أنْ ينصرنا! ولكنْ إن نزلنا إلى المعركة فإنّنا ننهزم.. هذه أمانيّ وهذه مما نتمنّى، والله تعالى يقول: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء: 123] وهناك من فسّر “الأمانيّ” بالقراءة، أيْ لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ أي قراءةً، أمَّا عملاً أو عملاً قلبيّاً فلا، فلذلك لا يُعتَبَرون علماء بالمعنى الحقيقي، كما أنّه ورد في بعض الكتب الإلهيّة يقول الله عز وجل: “لا تقولوا العلم في السَّماء من ينزل به إلى الأرض، ولا في بطون الأرض من يصعد به إلى سطحها، ولا في أعماق البحار من يعبرها ليأتي به، العلم مغروس في قلوبكم ومجعول في صدوركم، تأدبوا بين يديَّ بآداب الرُّوحانيين، وتخلقوا بأخلاق الصّديقين، واذكروني كثيراً في الذّاكرين، أُظهر العلم من قلوبكم حتَّى يغطيكم ويغمركم” 8 .

علوم الأنبياء والعلم الحقيقي

هل كانت علوم الأنبياء من كتب قرؤوها أم من كتب نزلت عليهم من السَّماء فسجّلوها!؟ هل هم اشتروا الكتب وطلبوها أم الكتب هي التي طلبتهم وهبطت عليهم؟ نحن نطلب العلم أمّا هم أُوتوا العلم أي أُعطُوا العلم، والعلم الحقيقيّ هو الّذي يأتيك ولا تأتيه ويطلبك ولا تطلبه، ولكن إذا جلست في مدرسته، فإنَّك تجلس مع الله عزّ وجلّ متوجهاً إليه، وتكون طاهر القلب والنّفس والعمل والجوارح والفكر، وتحمي نفسك من أنْ تتلوث بنجاسة الرّذائل أو النّقائص، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28] قال أهل السّنة- أقولها تجاوزاً- المقصود من النّجس بالمعنى المجازيّ أي النّجس المعنويّ، أمَّا المسلمون في إيران فيقولون بأنّه النّجس الجسديّ، نحن نعتمد المعنى المعنويّ؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] فلو أنَّك صافحت مسيحيّاً فهل تغسل يدك؟ هذا غير معقول.. والسّيدة عائشة رضي الله عنها لمـَّا ظهر منها تنْقيص لضرّتها صفية وقالت للنّبي صلى الله عليه وسلم: “حسبُك من صفية أنّها قصيرة”، أي إذا لم يكن فيها من العيوب إلّا قصرها فيكفيها، فعلى ماذا تحبّها؟ فقال ﷺ: ((لقد قلت كلمةً لو أُلقت في بحر لأنتنته)) 9 ، هذه النجاسة المعنويّة.

فالمقصود من العلم الحقيقي هو العلم الإلهيّ؛ فلمَّا مات سيِّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لقد مات بموت عمر تسعة أعشار العلم” 10 فطالب العلم المسكين لا يعرف اسم هذا العلم، ولو سمع به لحاربه، ويحاول جاهداً مكافحته ويبقى على القيل والقال، وحتَّى القيل والقال إذا لم يكن هناك دافع داخلي أيضاً فلا يُعلِّم بالأقوال ولا بالأعمال ولا بهذا النّور الإلهيّ.

فالسّيارة إذا كانت لا تؤدي الغاية التي صُنِعت من أجلها فستُلقَى إلى النّفايات، والتّلفاز إذا لم يؤدِ الهدف الذي صُنِع من أجله والرّاديو ومصباح الكهرباء فسَيُلقون جميعاً في النّفايات والمزابل، وكذلك شأن المتَسَمِّين بعلماء الدّين إلّا من رحم الله تعالى؛ ولكنَّ العلم نور في القلب، وقال تعالى: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] ليس فقط العلم؛ فالعلم يهذب النّفس ويكشف للإنسان عالم الغيب، فيرى الجنّة والنّار والقيامة والمعذَّبين والمنعّمين والملائكة ويرى أرواح المعذَّبين والمؤمنين، فينتقل إيمانه بالغيب إلى الإيمان الشّهودي، والمؤمنون بالإيمان الشّهودي هؤلاء هم المتّقون، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون [البقرة: 2-3] هذه كلّها مغيّبات نحن لم نرها ولكن نؤمن بها غيباً، ويقيمون الصَّلاة أي يصلون صلاة مقوَّمة كالخط المستقيم إلى الله عزّ وجلّ ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام: 79] والمقصود من الصَّلاة أنْ تذكر الله وأنْ تملأ قلبك من عظمته وجلاله وحبّه ومن استحضاره في مرآة قلبك؛ في التّسبيح والتّكبير والتّلاوة والحمد والخطاب والتّحيات، ففي التحيات أنت عندما تلقي التّحيات على الله عزّ وجلّ فإنّك تُسَلِّم عليه وتقول له: “التّحيات المباركات الطّيبات لله” يعني أُسلِّم عليك يا الله، بعدها تُسَلِّم على النَّبي ﷺ، فتقول: “السَّلام عليك”، أنت تقول “عليك” ألا يكون المخاطب أمامك؟ من الذي أمامك؟ قد ترى حمارك.. فبلفظك تقول “السلام عليك أيّها النّبي” لكنِّك في الواقع تخاطب حمارك أو سيارتك أو زوجتك! فهل هذا سلام!؟

فرضيّة الذّكر

فالصَّلاة كلّها ذكر، والله تعالى يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي [طه: 14] وإذا انتهت الصَّلاة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء: 103] فهذا أمر، والأمر للوجوب إذا أُطلِق، وقال أيضاً: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور: 37] والذكر يكون عند الأكل والشّرب والنّوم والركوب، هذا هو إسلام القلب والرُّوح والنّفس والشّعور، ومن هنا يُطلَب العلم الذي قال تعالى فيه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11].

أهل التّصوف الحقيقي

من يسمّى بأهل التّصوف هم الصّادقون المستقيمون، والفضلاء والعلماء منهم أُوتُوا هذا العلم، لذلك نراهم معزَّزين في هذه الدّنيا، ومهما اختلف زمانهم ومكانهم تجد فيهم العمل بعِلمهم، فلمّا عَلِمَ الذّهب فهو حريص عليه ومحافظ عليه، ولـمّا عرف الثّعبان عندها عرف كيف يحترز منه وكيف يقاتله، لكنَّ الكثير منهم حُرِموا الحكمة، فالإسلام علم وتزكية للنّفس.. والتزكية هي الطهارة، والحكمة هي أنْ تضع الأشياء في مواضعها، فالمصباح الكهربائي تشعله في اللّيل وتطفئه في النّهار، أمَّا إذا أشعلته في النّهار وأطفأته في اللّيل فهل أنت حكيم أم مُعاكس للحكمة؟ ومن الحكمة أنْ تركب الحمار، أمّا إن جعلت الحمار يركب على ظهرك فهل هذه حكمة أم هي عكس الحكمة؟ والحكمة أنْ تضع الملعقة في فمك، أمَّا إذا وضعتها في عينك!؟ فالحكيم هو الذي يضع الأشياء والأقوال والكلمات والتّصرفات والغضب والرّضا والعطاء والمنع والكلام والسّكوت كلّه في أوقاته.

والإسلام هو علم إلهيٌ وقرآنيٌ وتزكية للنّفس وحكمة، فبهذه الأشياء تتنزَّل العلوم الإلهيّة والحكمة الإلهيّة، فإذا كان العلم قرآناً والنّفس مُزكاة والحكمة قائمة، ودائم التّوجه إلى الله عزّ وجلّ، فأيّ إنسان يكون هذا؟ ولو ذهب هذا الإنسان إلى أمريكا أو أوروبا فهل يُذَل أم يُعَز؟ ولا يعاديه إلّا إنسان شرير أو حاسد أو جهول أو حقود.. والألماس والذّهب معزوزان في أمريكا وموسكو والصّين والهند وفي كلّ مكان إلّا عند الجاهلين والأطفال، فلو أعطيت طّفلاً طنّاً من الذّهب وقطعة حلوى فأيّهما يأخذ؟ سوف يأخذ الأدنى ويترك الأعزّ الأعلى بسبب جهله.

علم القلب وعلم اللسان

فالعلم علمان: علم صوريٌّ وهو ما تتعلمونه في كلّ الكليّات وهو وعاء لفظيّ، وكَعُلْبَة السّمن الفارغة من السمن أو كيس الرّز الذي ليس فيه رز، وكالإنسان الذي ليس فيه الرُّوح، فصاحب الأكياس أو التّنك هل يُعَز أم يُذَل؟ ولو بعت عُلَبَ السّمن على أنّه مليئة ووجدها النَّاس فارغةً فماذا تكون النّتيجة؟ سيقولون بأنَّك غشّاش وكذّاب ويضربونك ويبصقون في وجهك، أليس كذلك؟ وإذا أخذ أحدهم ثمن مئة كيس رز مملوءة وأرسلها فارغة؟ وإذا زوَّج رجل ابنته وأخذ مهرها وكانت ابنته ميتة وأرسلها جنازة إلى بيت العريس وقلب العرس مأتماً، فماذا يستحق أبو العروس؟ هل يستحق التّعظيم والإجلال من الصّهر أم البصق في الوجه؟

كذلك العلم إذا كان ميّتاً ولا روح ولا حكمة فيه وكان العالِم ليس مُزكَّىً، ولا يكفي أنْ تكون مزكَّىً فقط، بل يجب أنْ تكون مُزكِّياً وعندك القوة لتزكية النّفس، وعليك ألَّا تكذب، وأن تستطيع انتزاع رذيلة الكذب من الآخرين، وأن تحبّ الله عزّ وجلّ، وأن يكون الله أحبّ إليك من كلّ شيء في الوجود، وأن تُعلِّم محبّة الله تعالى للآخرين عن طريق الفكر والذّكر.

الإمام الغزالي وطلبه للعلم

أوصى والد الإمام الغزالي قبل أن يموت بالإمام الغزالي وأخيه إلى أحد أصدقائه، وترك لهما مالاً، وقال له هذا المال تُنفقه عليهما، وعندما ينتهي المال تجعلهما في مدرسة من مدارس العلم يأكلان ويشربان، فلما انتهت النّفقة والمال وضعهما في المدرسة، قال: فدخلنا المدرسة لنأكل ونشرب ونؤمّن حوائجنا، فطلبنا العلم لغير الله عزّ وجلّ فأبى العلم أنْ يكون إلّا لله تعالى؛ لأنَّ العلماء في ذلك الوقت كانوا من العامِلين، فالعلم الحقيقيّ لم يأتِ للإمام الغزالي عن طريق القال والقيل، بل أتاه العلم اللّدنيّ.

العلم اللدنيّ وقصة سيدنا موسى والخضر

والعلم اللّدنيّ هو هذا الذي قصَّه الله في قصة موسى والخضر عليهما السَّلام؛ كان موسى كليم الله عزّ وجلّ ورسوله يُدرِّس وحوله بنو إسرائيل، فسأله سائل: هل يوجد من هو أعلم منك يا موسى؟ فقال: لا، فعاتبه الله عزّ وجلّ لماذا قلت ذلك؟ هلَّا قلت: الله أعلم؟ قال: يا ربّ وهل يوجد أعلم منّي؟ قال: رجلٌ بمجمع البحرين هو أعلم منك يا موسى 11 ، فقال: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [الكهف:60] والحقبة ثمانون سنة، والحقبتان مئة وستون، والثّلاث مئتان وأربعون، فهذا أقل الجمع أنْ تكون ثلاث حُقَب، وقد يكون مئة حقبة! فسأظل أمشي ولو مئات السّنين حتَّى أصل إلى من هو أعلم منّي، هكذا يعلّم القرآن الهمّة في طلب العلم الحقيقيّ وللأنبياء والرّسل أيضاً، فطالب العلم المسكين يتعلّم ما يُذلّه لا ما يُعزّه، وما يفشِّله لا ما ينجِّحه، وما يضرّه ويضرّ المسلمين لا ما ينفعه وينفعهم، وأقل درجات الضّرر أنْ يكون عضواً عقيماً، والأعظم أنْ يكون عضواً مؤذياً، فإذا رأى مصلحاً فيحسده ويُخرِّب عمله.. فما هي مهمّة العالِم الحقيقي الحكيم الـمُزكَّى تجاه حكومته إذا كانت مؤمنة أو نصف مؤمنة أو ربع مؤمنة؟ مهمّته أنْ يقوم بمعركة الإيجاب لا معركة السّلب، معركة البناء لا معركة الهدم، معركة الحبّ لا معركة البغض، معركة الحكمة لا معركة الحَمَقَ، وكيف كان فِعْل النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ فقد تعاون مع المشركين وتعاون مع أبي طالب على رأي أهل السّنة، وعند المسلمين في إيران أنَّ أبا طالب مسلم قطعاً، وإنْ شاء الله يكون قولهم هو الأصح، فهل هذا الأمر يحزنكم؟ والبحث في هذه الأمور فضولٌ لا داعي له، هذا الأمر لله عزّ وجلّ، فلو كان مؤمناً وقال عنه أهل الدّنيا جميعهم “لس بمؤمن” فلا يهمُّه قولهم.

النّتائج على الدولة إن أصلح العالِم أخلاق الشّعب

كان النَّبي ﷺ يعرض نفسه على القبائل ويقول لهم: ((من يؤويني وينصرني حتى أبلَّغ رسالة ربي)) 12 ، فإذا اشتغل العالِم بأخلاق الشّعب- ولو كانت الحكومة كافرة أو ملحدة أو علمانيّة- لصار العامِل في المصنع مستقيماً فلا يسرق ولا يهمل ويعتني بالآلة ويتضاعف إنتاجه، والدّولة تُقَدِّر عمل هذا العالِم من خلال عمله، وبالتالي فإنّ الدّين يكون له شأن آخر؛ وتقول [الدولة] إن الدّين يعطينا إنتاجاً حسناً، والقاضي يصير عادلاً، والشّرطي لا يقف في الطّريق ليسرق النَّاس، بل ليطبق النّظام والقانون حتَّى تصبح حركة المرور منتظمةً، وهكذا تصلح حال الأُسر والعوائل، فتخف المحاكم والعداوات، والمجاهد يضحي ويطلب الشّهادة، فهل عَمِلَ المشايخ عندنا على هذه المرحلة؟ فإن كان هناك خلافات مذهبيّة فلماذا نبحث فيما يفرقنا؟ والأمور التي تفرقنا تُشَكِّل واحداً أو اثنين أو خمسة بالمئة، بينما يوجد خمس وتسعون بالمئة في المقابل يجمعنا، فالشَّيخ الذي يشتغل على المفرّقات لا على الجامعات، فهل هذه حكمة أم ضد الحكمة؟ مصطفى كمال ألبس النّاس برنيطة “قبعة غربية” فإذا وضعت البرنيطة على رأسي فهل ذهب ديني!؟

العلاقة المطلوبة بين العالم وبين الدّولة

لذلك واجب على العالِم أنْ يقوم بمعركة الحبّ مع الحاكِم، معركة اللّقاء لا معركة الجفاء، معركة التّعارف لا معركة التّناكر، معركة التّعاون لا معركة التّعادي.. فالحيوان إن أحسنت إليه وعاملته بالحسنى فإنَّه يعاملك بالحسنى، والقطّ إن تحسن إليه فإنه يغني لك بالهرهرة، أليس كذلك؟ وكذلك الفَرَس.. كان لدي فرس وكنتُ أُحسِنُ إليها بسبب الدّافع الإسلامي فكانت تحبّني وتلحقني مثلما يلحق الولد أباه، وبعض الأوقات أختبئ عنها وراء الجدار فتحمحم باحثة عني.. والعالِم بسبب عدم نضجه في الحكمة والعلم يدخل في السّلبيات؛ أي يدخل بقطع الصّلات وبالجفاء وبالعداء، ليس مع الحاكم فقط، بل مع كلّ النَّاس؛ مع الفاسق وتارك الصَّلاة وشارب الخمر والملحد واليهودي ومع كلّ الأمم.

سماحة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفّار

استقبل النَّبي صلى الله عليه وسلم عَدي بن حاتم رضي الله عنه وكان دينه نصرانيّاً، فبسط له رداءه وأجْلسه عليه؛ والرّداء مثل الجبّة، والنَّبي ﷺ جلس على التّراب 13 ، وأبو سفيان كان أعدى أعداء النَّبي ﷺ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما مات زوجها في إفريقيا في الحبشة، فأرسل النَّبي صلى الله عليه وسلم للنّجاشي ليخطبها له 14 ، وهي أرملة وزوجها قد مات، ألا توجد مُطْلَقَاً نساء في المدينة وعند العرب كي يخطب من إفريقيا؟ ولكنْ هذه هي الحكمة وعظمة الرّجال، يتزوج ابنة أعدى أعدائه، ولـمَّا فتح مكة وكانوا قد حاربوه وحاولوا اغتياله، وحاكوا له كلّ أنواع القضاء والتّدمير، لكنَّه ﷺ قال: ((ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا أقول لكم إلّا كما قال أخي يوسف لإخوته: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء)) 15 بعد أنْ قال صلى الله عليه وسلم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن)) 16 جعل بيت أبي سفيان كالمسجد الحرام، وكان يستطيع قتله دون أن يمنعه أحد، لكنه لو فعل لَثار بنو أمية كلّهم.. وهل يريد النَّبي ﷺ أنْ يقوم بمعركة البناء أم الهدم؟ معركة التّخريب أم التّعمير؟ وهل يريد السّير غير المنقطع أم المتقطّع؟ خاصّة أنَّ الاستعمار وإسرائيل والصّليبيّة وكلّ العالَم الآن يعادون العرب والمسلمين، والعالِم كذلك يكون عدوّاً للعرب والمسلمين وعدوَّ نفسه، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11]، وإذا وضعنا هذه الآية على المحكّ إمّا أن نَكْفُر بأنفسنا أو أن نَكْفُر بالقرآن، لا، بل إذا كفرنا بأنفسنا أفضل من أنْ نكفر بالقرآن، عندها نقول نحن لسنا بعلماء، بل جهلاء.

كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: “من طلب العلم ولم يغنه الله فليسبني في قبري” لكن أيّ علمٍ الّذي ستطلبه؟ ليس علم القيل والقال ولا العلم المكتوب في الورق، ولا علم الحِبر الأسود على الورق، بل العلم الذي يَنْزِل على القلب الأسود فيبيِّضه بذكر الله عزّ وجلّ ويُخَطُّ فيه العلم بنور الله تعالى، ويسري في أعصابك وقواك وعقلك وفي كلّ خليّة من خلاياك، حتَّى أنّك لا تشعر بنفسك ولا تشعر إلّا بالله سبحانه وتعالى.

ذكر الله عزّ وجلّ

من المأمورات الإسلاميّة أنْ نصلي الصّبح في جماعة، وبعد الصّبح لا ننشغل بشيء إلّا بذكر الله عزّ وجلّ إلى أنْ تَطْلُعَ الشَّمس، وهذا لعموم المسلمين، أمَّا بالنسبة للعالِم؛ فالله عزّ وجلّ خاطب العالِم الأول وهو النَّبي ﷺ فقال له: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل: 8] فيجب عليك أن تنقطع كلّ الانقطاع، فالنَّبي صلى الله عليه وسلم مكث في غار حراء سنين، ومن كلّ سنة شهراً أو شهرين أو ثلاثة، وكان يأخذ معه من الزّاد الخبز والكعك والزيت، وكان يترك كلّ شيءٍ من أصحابٍ ورفاق وزوجة وأعمال وأشغال حتَّى أتاه العلم.. هل قرأ في كتاب؟ لا بل هو أمي، هل هذا الأمي- ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري- هو بعزّ أم بذلّ، برفعة أم بخفض؟ يأتي أحد أكبر العلماء الأمريكان “مايكل هارت” يكتب كتابه المئة، [مايكل هارت: فيزيائي وفلكي أمريكي صاحب كتاب (المئة: أكثر مئة شخصية تأثيراً في التاريخ)] فينتخب عشرة آلاف من عظماء العالم عبر التّاريخ كلّه، وينتقي منهم مئة شخصية، ويسمي هذا الكتاب المئة الأوائل، ويجعل محمّد بن عبد الله ﷺ أول وأفضل هؤلاء المئة، والمسيح الذي يجعله إلهه؛ جعله في الدرجة الثّالثة، والثّاني هو إسحاق نيوتن صاحب الاختراعات الشّهيرة.. هذا هو الأُمِّيّ!

والذّكر يحتاج إلى مؤهلات.. فالذي يريد تحصيل الدكتوراه والماجستير ينبغي عليه أولاً الدخول إلى الجامعة، وقبلها أن يكون معه بكلوريا [ثانوية] وليسانس، أليس كذلك؟ ومع ذلك إذا أخذ الدّكتوراه فلا يصير مثل محمد بن عبد الله ﷺ، ولا مثل أبي بكر ولا مثل عمر ولا مثل خالد ولا مثل سعد رضي الله عنهم أجمعين، ليس فقط في الإيمان ولا في العلم ولا في الحكمة، بل في كلّ شيء؛ في السّياسة والحرب والدّولة والإدارة والحكمة، هؤلاء أخذوا من علم الله عزّ وجلّ، لذلك يا أبنائي وأنتم كطلاب علم ثقوا وتأكدوا بأنكم إذا عرفتم ما هو العلم وصدقتم في طلبه، وبصدق البذل فستنالون الخير كلّه، يقول ابن الفارض

مَا لِي سِوَى رُوحِي وَبَاذِلُ رُوحِهِ فِي حُبِّ مَنْ يَهْوَاهُ لَيْسَ بِمُسْرِفِ فَلَئِنْ قَبِلْــتَ بِهَـــا فَقَــــدْ أَسْعَفْتَـــــــنِي يَا خَيْبَــــــةَ المسْعَـــــى إِذَا لَمْ تُسْعِفِ

فببذل روحك لله عزّ وجلّ يكون عقلك وفكرك وشعورك ورغباتك وطلبك وأمنيتك في الحياة “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”، فاطلب الله تطلبك الأشياء، وإذا تركت الله عزّ وجلّ وطلبت الأشياء فإنَّك ستخسر الله وقد تصل إلى الأشياء وقد لا تصل.. هل أراد النَّبي ﷺ الدّنيا؟ وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والصَّحابة رضوان الله عنهم أجمعين هل أرادوا المال والدّنيا؟ لا، بل أتتهم الدّنيا على نعالهم فرفضوها ورفضوا عزّ الدنيا، فرأوا العزّة عند الله عزّ وجلّ أعزّ من كلّ شيء.. لذلك وباعتبار لديكم الآن دراسات فهذا أصبح على أحدكم فرض الفروض، كمثل الذي يصلي من الصَّلاة الفرائض بلا سّنن، فيركع من غير أنْ يسبح الله عزّ وجلّ، ويسجد من غير تسبيح، ويقرأ بالفاتحة من غير دعاء الاستفتاح ومن غير سورة بعد الفاتحة كما هو الأمر في مذهب الإمام الشّافعي، ومن غير تكبير إلّا تكبيرة الإحرام فهي فرض، وباقي التّكبيرات تُعتبَر سنّة وتسمى هيئة على مذهب الإمام الشّافعي، وهذه الأعمال لا تصح الصَّلاة بأقل منها، وفرائض الوضوء هي أنْ تغسل وجهك ويديك ورأسك ورجليك، أمّا المضمضة والاستنشاق وغير ذلك من الأعمال فهي من السُّنن، فينبغي أنْ يكون ذكركم ساعة على أقلّ الدّرجات في كلّ يوم، لعلَّه ومع طلب العلم أن تُفْتَح لكم نافذة على المدرسة الإلهيّة، فالعلم بوجود الدّرس يكون بالرّواية؛ كأن يقول لأحدهم خارج المجلس بأنَّه يوجد درس في الجامع، وهو يعلم بأنَّ هذا الرجل صادق؛ فهذا صار عنده علم وصار عالِماً بوجود الدّرس، والعلم الّذي أعلى من هذا أنْ يأتي إلى الدّرس ويشهده، فيصير عنده علم؛ فأيّهما أقوى؟ الثّاني أقوى، فالأول قد يشككه مشكك، كأن يقول: نعم كان المقرر أن يكون هناك درس، ولكن الشَّيخ أجّله لليوم التالي، أو أن يقول كان هناك درس قبل ساعة والآن انتهى، أمَّا الرؤية والمشاهدة فلا تحتمل التّشكيك.

العلم اللّدني وأهل التّصوف

والعلم اللّدني وعلوم الأنبياء وعلوم الأولياء وعلوم العلماء الذين ذكرهم القرآن بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، والمقصود بالعلماء هنا ليس الذين يتخرجون من كليّة الشّريعة ولا من الأزهر ولا من كليّة الدَّعوة، فالعلماء في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يقرؤون ولا يكتبون؛ والرّجل الذي يخلقه الله عزّ وجلّ جميلاً هل يحتاج لأدوات الزّينة؟ وذو الصوت الجميل هل يحتاج لمن يعلّمه الموسيقى؟ وإذا أعطاك الله عزّ وجلّ الحياة فهل تحتاج لمن يضع لك الأوكسجين حتَّى تعمل الرئتان؟ لا لن تحتاج، كذلك إن أعطاك الله عزّ وجلّ حقيقة العلم.

فأهل التّصوف، ولأنَّ لديهم العلم اللّدني عُزُّوا ورُفِع شأنهم وصارت على يدهم هداية النَّاس، لكنْ ضمن العبادات والأخلاقيّات، وأيضاً هم على مراتب، هؤلاء الكاملون منهم، ولكن هذا ليس الإسلام كلّه ولا هو العلم كلّه، وخاصة إذا كان مذهبياً [متعصباً] لأحد المذاهب كالحنفي أو الشّافعي أو السّني أو الشّيعي، فالعلم الحقيقي هو الّذي يكون مذهب صاحبه القرآن، فالقرآن لا يوجد فيه لا شافعي ولا حنفي، وليس معنى ذلك بأنَّ الشّافعي والحنفي ليس لهم شأن، فهل أخذنا العلم من النَّبي صلى الله عليه وسلم أمْ بواسطة العلماء مثل الشّافعي والحنفي وَمنْ بعدهم؟ لكن نأخذ العلم بتحفُّظ وحذر.

كن واعياً دائماً لما تقرأ ولو كان المؤلف عظيماً

وقد رأيت في كتاب إحياء علوم الدّين للغزالي في موضعين لم أقبلهما منه، ووضعت عليهما تعليقاً بأنّهما مرفوضان؛ لأنّه يقول فيهما بترك الأسباب والتّوكل على الله عزّ وجلّ وهذا ليس من القرآن، ولا من فعل النَّبي ﷺ، والإمام الغزالي يُعتبَر من أكبر الفلاسفة، هل يوجد أعظم من بستان الملك؟ ولكن من الممكن أن تجد فيه حشائش وجرذان وطواويس وطيور وديك حبش وبقر هولندي وذباب ودود، إلّا كتاب الله عزّ وجلّ، وحتى أحاديث النَّبي ﷺ فقد دخل عليها الكثير من الأحاديث الموضوعة، وقد يكون هذا الكلام من المؤلف، وهو ليس بمعصوم، وقد يكون مدسوساً عليه، وسواءٌ كان هذا أو هذا أو هذا فالأصل عندنا كتاب الله عزّ وجلّ، ونقبل من الحديث ما تلاقى واتفق مع القرآن العظيم.. فلو مشى العالم على هذا المنوال وكان عنده الحكمة والعقل، ووضعته في ألاسكا في البحر المتجمد الشّمالي أو في مجاهل الغابات في أمريكا الجنوبيّة أو في إفريقيا فإنَّه سينجح.

تغير حال العرب بواسطة الإسلام

ماذا كان العرب قبل الإسلام؟ كانوا وحوشاً، فماذا جعل منهم النَّبي ﷺ؟ جعل منهم ملوكاً في القوة وملائكة في الأخلاق، وجعل منهم حكماء في الحكمة وجعلهم رحمةً للعالَم، فكلمة العالِم الحقيقيّ والعلم، أولاً القرآن يقول عنهما: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]، ويقول أيضاً: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9]، والنَّبي ﷺ يقول: ((العلماء ورثة الأنبياء)) 17 فكيف عمل النَّبي ﷺ وكيف أنتج؟ هكذا يجب عليك أنْ تعمل وهكذا يجب أنْ تنتج، وبعملك هذا تقطف الثّمر، والنَّاس لا زالوا بخير والعالَم بخير، لقد طفتُ العالَم تقريباً والتقيت بكبار عظماء العالَم في السّياسة وفي العلم وفي الدّين، ومن قبل جلاء المستعمرين عن بلادنا لم أزر أي رئيس جمهورية، والرّئيس الأول لم أزره إلّا بخمسين واسطة وبطلب منه، وكنت أفكر بالعقليّة القديمة بأنَّ الشَّيخ يجب أنْ لا يذهب إلى الحاكم، وهذا الأمر خاطئ، ولكن بعد ذلك ألهمني الله عزّ وجلّ بأنَّ هذا خطأ، فقلت في نفسي: لماذا لا أذهب؟ فذهبت وكان الخير في هذا اللقاء، وبعد ذلك تعددت اللقاءات، وبفضل الله علي.. والله لم تكنْ ولا مرَّة من المرَّات بفضل الله عزّ وجلّ وكرمه على حساب ديني أو أخلاقي، بل كانت من أجل دين الله سبحانه ومن أجل الأمّة ولمصلحة الدّولة؛ لأن هذه الدّولة هي دولتنا والوطن هو وطننا، والعدوّ على حدودنا يريد أنْ يقضي على ديننا وعلى حضارتنا وعلى وجودنا، فأين هو عقل العالِم؟ عقله في توافه الأمور أو في الأشياء الخاطئة والمغلوطة وغير الصّحيحة، فلو لم يلهمني الله الحكمة لكنت مثل كثير من النَّاس إمَّا عقيماً وغير منتج أو مضرّاً ومخرّباً ومفسِداً، كما فعل الكثير ممن يُنسَب إلى العلم، وكانوا سبباً لمنع الخير ولإزهاق النّفوس.. ولا توجد حاجة لكلّ هذه الأمور.

حكمة الشيخ رحمه الله تعالى مع المترجم في بلغاريا ومع غيره

من فضل الله عليّ أنني لا أجلس مع إنسان ولو لربع ساعة إلا ويكون القبول والنفع.. كان يرافقني في بلغاريا مترجم وكان شيوعيّاً، ما معنى شيوعي؟ هل هو شافعيٌ أمْ حنفي؟ سألته ونحن في السّيارة قلت له: ما هي عقيدتك؟ بلغة عربية فصحى، قال لي: أنا كافر! أجاب باعتزاز وبعظمة، فابتسمت له وكلمته، وأشهد الله عزّ وجلّ ولمدة عشر دقائق إلى ربع ساعة قال لي بعدها: إذا كان الإسلام هكذا فأنا مؤمن! وأيضاً نوّاب رؤساء الجمهوريّات والشّخصيات الكبرى في الاتحاد السّوفييتي وفي تشيكوسلوفاكيا وفي ألمانيا الدّيمقراطية وفي بلغاريا وفي موسكو، ودُعِيت من قبل الحكومات لإلقاء المحاضرات عن الإسلام، فألقيت محاضرةً في برلين الشّيوعية وفي جامعة برلين عن الإسلام، وفي أكاديميّة العلوم في بلغاريا، وفي معهد الاستشراق في موسكو، وكان مدعوٌ لها أكبر العلماء، ولمـَّا ذكرت ذلك للرّئيس قال: بلغني ذلك وقد رفعت رأسنا عالياً.. هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].

ممن يتعلم الإنسان

فأنتم يا أبنائي الآن تأخذون من العلم وعاءه.. هل تعرفون الوعاء؟ الماء والسّمن والرّز لها أوعية توضع فيها، وأنتم الآن تأخذون ألفاظ العلم وليس كلّ العلم، بل ألفاظ بعض العلم فقط؛ أمَّا روح العلم الحقيقي والذي يُوضع في هذا الوعاء فإنّه لا يأتي إلّا من طهارة القلب وطهارة النّفس وطهارة الفكر وطهارة العمل وطهارة الأخلاق وطهارة الرُّفقاء، فلا تجالِس ولا تُصاحِب رفيقاً سيئاً؛ لأنَّ الرّفيق يُعتبَرُ أحد الأساتذة الأربعة للإنسان، وقيل الأساتذة أربعة: الكتاب أستاذ والمعلم أستاذ والرّفيق والصّديق أستاذ والزّمن والدّهر أستاذ، فمن لا يتعلم من أساتذته الثّلاثة فإنَّ الدّهر يعلمه ما يجب أنْ يفعل، ولكن بعد فوات الفرص وبعد فوات الأوان، لذلك ما أرجوه من الله عزّ وجلّ أنْ تتفهَّموا العلم بحقيقته، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنَّ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده”.

الإمام الشافعي وشيبان الرّاعي

يذكرون قصة عن العلم القلبيّ أنّه كان في زمان الإمام الشافعي بدوي اسمه شيبان الرّاعي، وكان الإمام الشّافعي يعظِّم هذا البدويّ الأعرابيّ، تعظيم التلميذ لأستاذه أو تعظيم الـمُريد لشيخه، مع الفارق العلمي الهائل بين الرّجلين، فالإمام الشّافعي في السَّماء وهذا في أسفل الأرض، وكان الإمام الشّافعي يجلس بين يدي شيبان الراعي كما يقعد الصّبي في المكتب! ويسأله كيف يفعل في كذا وكذا، فيقال للشّافعي: أمثلك يسأل هذا البدويّ؟ فيقول: إنَّ هذا وُفِّقَ لما أغفلناه 18 .. وهذا الإمام الشّافعي على تقواه وورعه وذكره!

تحسر والد الشيخ رحمهما الله تعالى عند وفاته على العلوم التي عنده

وأنا أتكلم عن نفسي- عند وفاة شيخي الوالد وفي آخر ساعات حياته قال: “أموت في هذه السّاعات وفي صدري علوم ستموت معي”- فهل هذا علم اللّسان أم علم القلب؟ هل هو علم الذّوق وعلم الصّدور أم علم السّطور؟ وحين يُطلق اسم هذا العلم كان يُقصَد به علم القرآن مع علم القلب، فالجسد هو علم اللّسان والرُّوح هي علم القلب، والعلم يحتاج إلى التّزكية والّتي هي مُقدمةٌ للعلم، فالتّوبة والاستقامة ومحاسبة النّفس من التزكية، والتّرفع عن الخطايا وعن الذّنوب وعن لغو الكلام والأعمال أيضاً من التزكية، والكلام فيه من اللغو، لذلك قال الله تعالى عن المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3] والمؤمن يتكلم بما فيه الفائدة، فإن لم تكن فيه فائدة فيذكر الله عزّ وجلّ ويطلب العلم، لذلك المؤمن لا يضيّع ماله في لغوٍ، ولا يضيّع وقته في لغوٍ، ولا يضيّع كلامه في لغو، وأيضاً نظره وسمعه وكلّ ما يعطيه الله عزّ وجلّ من طاقة فإنّه لا يصرفها إلّا في عمل منتج ونافع.. لهذا السبب فإنَّ الصّليبيين يخافون من الإسلام، ولكن المسلمين اليوم صاروا أحد شخصين: إمَّا شخص عالم جامد ميّت يقيم حجة أعداء الإسلام على الإسلام، أو إنسان ربّاه المستعمر وشوَّه الإسلام في عقله، وأعان على هذا التّشويه وتقَبُّله مِنَ المستعمر جمود المشايخ وتزمتهم وخرافاتهم وتعصبهم وحسدهم وعدم كفاءتهم؛ كما أنه لا يزال هناك مشايخ جيدون- فالدنيا لا تخلوا من الخير- ولكن تختلف نسبهم؛ فتجد منهم من لديه من العلم الحقيقيّ خمسون بالمئة، وآخر عشرون وآخر ثلاثون وآخر معه سبعون، أمّا من لديه درجة الكمال مئة في المئة، فهذا من أندر ما يكون في عالمنا الحاليّ.

وأنا أعرف بعضاً من كبار الأولياء، لم تكن لديهم الحكمة، وكانوا من المتعصبين لمذهبهم بشكل هائل، مع أن مستواهم كان عالياً من الناحية القلبيّة والروحيّة، لكنَّ هذا ليس كلّ الإسلام.

طريقة قراءة القرآن الكريم قراءة علميّة عمليّة

لذلك أسأل الله عزّ وجلّ أنْ يجمع لكم ما ذكره الله عزّ وجلّ من مهمة النَّبي ﷺ في أداء رسالته، حيث قال: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ [البقرة: 129] فعليكم حين تقرأون القرآن؛ أن تقرأوا كلّ صفحة منه للعلم والفهم والعمل؛ فإذا قرأتم سورة نوح فعليكم تعلُّم صبر نوح عليه السلام، وإذا قرأتم قصة أيوب عليه السلام أن تتعلّموا كيف صبر على بلائه، وإذا قرأتم عن داود وسليمان عليهما السلام أن تتعلّموا كيف لم يمنعهما الملك من أنْ يكونا متواضعين وأنْ يأكلا من كسب ومن عمل أيديهما، وإذا قرأتم قصة سبأ أن تتعلموا كيف تُبنى السّدود.. وفي الأمس رأيت في التلفاز أنّهم في اليمن الجنوبي يدرسون إقامة سد سبأ بكلفة مئة مليون دولار، ومن الّذي سيقوم بالتنفيذ؟ تركيا، فجزى الله تركيا كلّ خير، بينما سد سبأ بُنِيَ قبل ميلاد المسيح بسبعمائة سنة، وكان العرب قد بَنَوْا مئات السّدود، فالعرب كانوا قبل ميلاد المسيح بسبع مئة سنة أرقى من العرب في وقتنا، ولا زالوا الآن يقولون عرب وعروبة! وأيضاً المشايخ لم يفهموا الإسلام؛ فالإسلام يقول لنا يجب أنْ نبني نحن السّدود؛ نبنيها لأنفسنا ونبنيها لكلّ الشعوب، فلا يوجد إسلام ولا يوجد علم، وكلَّه كما قيل: “ما فعل أبوك بحماره؟ فقال: باعِه” 19 فلا هذا يقتنع ولا ذاك، وإن حاججته وأقمت عليه الحُجة فيجاوبك بالجهل، وإن زدته زادك على الجهل جهلاً، وكذلك على الجهل جهلاً آخر، فتوقف عند بعض الجهل خيرٌ لك منْ أنْ تصل معه لدرجات بعيدة في الجهل!

التحريف بالعمل أبلغ من تحريف الكتابة

وأدعو ربي أن يجعل فيكم الخير لأمّتكم ولشعوبكم، وذلك بالتّواضع وبالإخلاص وبالصّدق، فلا تتعالَوا حتَّى ولو على طفل صغير، ولا تقصدوا إلّا وجه الله تعالى، ولا تمشوا في قضية إلّا بعقل وحكمة والنظر في العواقب والنّتائج والثّمرات، وأنْ تمشوا في طريق القرآن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] ولكنّنا جعلنا باسم الدّين الولي الحميم عدوّاً عظيماً، أليس هذا تحريفاً للقرآن؟ فلو حرّفنا الآية بالكتابة فقط ولم نحرفها بالعمل لكان ذلك أهون! أمَّا إذا كان التّحريف بالعمل فهو أبلغ من التّحريف بالكتابة.

ولقد أخبرتكم سابقاً أنّي أعرف عالماً كبيراً وما يزال حيّاً، وقد درَّس في معظم كليّات الشّريعة في العالَم العربي، وقال لي من لسانه إلى أُذني: نحن المشايخ نملك سلاحاً عظيماً! فسألته ما هو هذا السّلاح؟ قال لي: من لا يسمع كلامنا نُكَفِّره! وهو يتباهى بذلك! فهذا حقَّ عليه قوله: “ما فعل أبوك بحماره؟” فهل هذا عالِم؟ والله إنّي لا أضعه خادماً لجامع، ولو كان يحمل سبع مئة شهادة دكتوراه، فهل مهمّتك أنْ تجعل المؤمن كافراً أمْ الكافر مؤمناً؟ وهل تقرّب البعيد أم تبعّد القريب؟ وهل تجعل من الفاسق متّقياً أم من المتّقي فاسقاً؟ وأن تجعل المحبّ مبغضاً أم المبغض محبّاً؟

قصة حكيم مع بعض العُصاة في مجلس لهوهم

فالعالَم بخير والنَّاس أيضاً كذلك، والدّولة وقائد الجيش والوزير والرّئيس والبائع وشارب الخمر والزاني كلّهم بخير، ولكنْ عليك أنْ تَعْلَم كيف تدخل إلى قلبه.. أحد الحكماء رأى في نزهة له مع مرِيْديه جماعة في لهو وخمر وكأس وطاس، فغضب الـمُريدون وأرادوا أن يثوروا عليهم، فقال لهم الشَّيخ: احْلموا، قالوا: أمَا تراهم يا سيدي ماذا يفعلون؟ قال: أراهم، قالوا: فادعُ الله عليهم، قال: اللّهمّ كما فرَّحتهم في الدّنيا ففرِّحهم في الدّار الآخرة! قالوا: يا شيخ كيف تقول ذلك؟ قال لهم: يا ولدي إذا فرحوا في الآخرة فهذا يعني أن الله تعالى قد يتوب عليهم ويصيرون من المتَّقين، وقال لأحد الـمُريدين من أصحاب الرُّوحانيات الصادقة: اِذهب أنت إليهم، فذهب إليهم ولم يتكلم معهم بأيِّ كلمة، وأغمض عينيه وتوجه بقلبه إلى قلوبهم، فلم تمض إلّا دقائق حتَّى وقع الخصام والشّقاق بينهم، فتخاصموا وتكسرت زجاجات الخمر والطّنابير والأعواد وآلات الطّرب، وتصارعوا فيما بينهم، فقال الشَّيخ للمُريدين: قوموا وأصلحوا فيما بينهم، وقال للمُريد الذي أرسله: يكفي إلى هنا حتّى لا يقتل بعضهم البعض.. فقط بتّوجهه القلبيّ والرُّوحي، مع أنّه لم يتكلم، وقيل: “من لم ينفعك حاله لا ينفعك قاله”، يجب أن يكون عندك حال ربّانيّ داخلي، ((كنت سمعه فبي يسمع، وبصره فبي يبصر)) 20 ، فذهب إليهم الإخوة وطلبوا منهم أنْ يهدؤوا، وأحضروهم إلى الشَّيخ، فتكلم الشَّيخ معهم كلمتين فتابوا وأنابوا وأصبحوا كلّهم مريدين.

جعلني الله عزّ وجلّ وإياكم من العلماء الحقيقيين ومن الهداة المهديّين ومن الحكماء والحلماء، وأسأل الله أن يوفق من ساعدنا في إنشاء هذه الكلية من المسؤولين، والذين لولا مساعدتهم ما كنت لأرى وجوهكم وما كنتم لتروني، وكذلك ما كان كثير منكم يستطيع تحصيل القبول في الكليات الأخرى.. أليس هذا عملاً إسلامياً؟ وهل هو لتقوية الدّين أم لهدمه؟ والإسلام يأمرنا تجاه الّذي يساعدنا في أمورنا العامّة والخاصّة بالشّكر وردّ المعروف والدّعاء له، كما قال النّبي عليه الصّلاة والسّلام: ((وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوه)) 21 ، وقال أيضاً: ((من أُعطي عطاءً فوجد فلْيجز به، فإنْ لم يجد فلْيثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره)) 22 وإذا عامَلَت الدّولة من يثور عليها بالمعاملة القاسية فهذا شأن كلّ الدّول من خلق آدم إلى قيام السّاعة، فلو ثُرتُ أنا على الدّولة ماذا تفعل معي؟ ونسأل الله تعالى أن يوفَّق كلّ حكّام المسلمين إلى ما فيه الخير وأيضاً المشايخ قبل غيرهم، فالحاكم قد يوفقه الله، وهو حقيقةً يُوَفَّق ويصير رجل دولة وبيده مقاليد الأمور، أمَّا الشَّيخ فإنّه لا يُوَفَّق وليس بيده شيء وهو لا يزال يتراجع إلى الخلف، والله تبارك وتعالى لم يقل يرفع الملوك والرؤساء، بل قال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11] ولكنَّ الشَّيخ لا يفهم عن الله عزّ وجلّ، فيجب أن نفهم عن الله عزّ وجلّ ونتعلم علوم القرآن.

وعلوم القرآن تحتاج إلى معلِّم القرآن، والحكمة تحتاج إلى الأستاذ الحكيم، والتّزكية تحتاج إلى الأستاذ المزكِّيّ.. ومن أندر النوادر أن تجتمع هذه الصّفات في شخصٍ واحد، وأنا رأيت كثيراً من كبار الأولياء وليست عندهم الحكمة.

قصَّة الشَّيخ رحمه الله تعالى مع شخص في المدينة المنوّرة

سأذكر لكم نكتة عن أحدهم وقد كان صديقي وهو من كبار كبار الأولياء، وكان مجاورًا بالمدينة المنوّرة- وكان حينها مدير الصّحة في المدينة المنوّرة من دمشق- فطلب مني ذلك الصّديق ورجاني وقال: بأنَّ عنده مجاورون ويمرضون، فأراد مني أنَّ أستوصي مدير الصحة حتَّى يعتني بالمرضى، فقلت له: حسناً على عيني، فاتصلت بمدير الصّحة وقلت له أريد المجيء لزيارتك، فلمَّا علم بأنّي في المدينة قال لي: والله لا ينبغي ذلك؛ بل أنا آتي لزيارتك، فلمّا زارني قمت بتعريف الشَّيخ عليه وبفضل الشيخ وجلالة قدره ومكانته، إلى أنْ جعلته يزور الشَّيخ ويأخذ الطّريقة عنه، هل تريد أفضل من هذا؟ أن يصبح من مريديه، وأتيت به إليه، وقلت له بأنّه سيأخذ عنك الطّريقة ويصبح إنْ شاء الله تعالى من الـمُريدين، فدخل عليه وكان بلا لحية كحال معظم الأطباء فقال له: أنا لا أعطيك الطّريقة إلَّا بشرطين: أنت لست ملتحياً فيجب عليك أولاً أن يكون لديك لحية.. وهو لن يلتحي.. ثم سأله: هل تدخن؟ قال له: نعم، فقال له: كذلك عليك ترك السجائر.. وإذا كان الرّجل يدخّن السجائر فهل سيتركها بهذه السهولة؟ فقلت في نفسي: لا حول ولا قوة إلّا بالله، ذهب كلّ ذلك التّعب سُدىً، ولمـَّا رجعنا استغرب مدير الصحة وقال: شيخي ما هذا الذي حصل؟ قلت له: على كلّ حال، يرضى الله عنك وانتبه إليه، فقال: مثلما تريد، وسأعتني بجماعته.. فالمفروض من هذا الرجل إن أصبح مُريداً أن يسأله أن يترك التدخين بعد سنة، وذلك بعد أن تدخل المحبَّة إلى قلبه.

قصة الشّيخ رحمه الله تعالى مع الحُجّاج المدخنين في السفينة

ومرة كنت في الحجّ وركبنا السّفينة، وكان برفقتي ما يقارب الستين أخاً، ومنهم من يدخن السجائر ومنهم من لا يدخن، فسألتهم كم عدد الّذين يدخنون السجائر؟ فكان العدد ستة عشر شخصاً، فقلت لهم ما رأيكم أنْ تتركوا التدخين؟ ولم أقل أكثر من ذلك، قالوا: هل ترغب بذلك أنت يا سيدي؟ فقلت لهم: نعم والله أرغب في ذلك من أجل الحفاظ على صحّتكم، قالوا: إذا كانت هذه رغبتك إذن.. فأَخرج كلّ واحد منهم علبة السجائر ورماها في البحر.. ولكنّ ذلك لم يَتَأَتَّ إلّا بعد أنْ دخل في قلبهم الحبّ والرّابطة القلبيّة.

فالله عزّ وجلّ لم يحرِّم الخمر والميسر على المسلمين إلّا بعد أربع عشرة سنة، فقد قاتلوا في غزوة بدرٍ وفي غزوة أحد وكانوا لا يزالون يشربون الخمر ويلعبون الميسر، ثمّ حرّم الله عزّ وجلّ الخمر بعد غزوة أحد بأسبوعين، والله سبحانه وتعالى القادر على كلّ شيء؛ وهو يقدر أنْ يقطع رقابهم، فهل نحن قادرون على ذلك!؟ وهو الذي يرزقهم، وهو الذي يرسل إليهم الهواء والأوكسجين والشَّمس والقمر وكلّ شيء، وهو القادر على أن يفعل بهم ما يشاء، ومع ذلك عاملهم بهذا الرّفق وبهذه الحكمة، فنسأل الله عزّ وجلّ أنْ يجعلنا وإياكم ممن يفهمون كتاب الله عزّ وجلّ ويطبّقون قوله: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: 121].

وصلّى الله على سيِّدنا محمد، وآل سيِّدنا محمد وأحبابه، والحمد لله ربّ العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، عن أبي الدرداء رقم (2683) الجزء: (4)، صفحة: (346).
  2. صحيح البخاري، عن معاوية، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً، رقم: (71)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: (1037) بدون قوله: ((ورشده)) وهذه الزيادة عند الطبراني في المعجم الكبير، رقم: (786)، (19/3409).
  3. قال العراقي: "أخرجه أَبُو نعيم فِي فضل الْعَالم الْعَفِيف من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد ضَعِيف". تخريج أحاديث الإحياء، للخطيب العراقي، تخريج أحاديث الإحياء، (1/12)، المقاصد الحسنة، السّخاوي، ص: (459).
  4. جامع بيان العلم وفضله، رقم: (153)، (1/150). كنز العمال للهندي (28715) الخطيب عن ابن عمر.
  5. إحياء علوم الدين، الغزالي، (1/49). نسب هذا القول لابن مسعود رضي الله عنه ولمالك رحمه الله، ينظر أيضاً: فيض القدير (4/388) رقم (5711)..
  6. عن عبد الله قال: قال ابن مسعود، «ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم خشية الله» جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر القرطبي، باب معرفة أصول العلم وحقيقته، (751/1)
  7. سَيْفُ الدِّيْنِ أَبُو المعالي سعيد بن المطهر بن سعيد بن عَلِيٍّ القَائِدِي البَاخَرْسِيّ، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن السابع الهجري، قال عنه الذهبي :الإِمَامُ القُدْوَةُ شَيْخُ خُرَاسَان، كَانَ إِمَاماً مُحَدِّثاً، وَرِعاً زَاهِداً تَقيّاً أَثرِيّاً مُنْقَطِع القَرِيْنِ بعيد الصِّيت، لَهُ وَقْعٌ فِي القُلُوبِ وَمَهَابَةٌ فِي النُّفُوْسِ« ووصفه صلاح الدين الصفدي بأنّه: «إمام في السنة والتصوف« اهتم بالحديث النبوي وسمعه وكتب الأجزاء. توفي سنة 659 هـ.
  8. إحياء علوم الدين للغزالي، الباب السادس في آفات العلم، الجزء (1)، الصفحة (71).
  9. أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الأدب، باب: في الغيبة، رقم (4875)، بلفظ: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ".
  10. المعجم الكبير، الطبراني، رقم: (8810)، (9/163)، ولفظه: "إِنِّي لَأَحْسِبُ عُمَرَ قَدْ رُفِعَ مَعَهُ يَوْمَ مَاتَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَإِنِّي لَأَحْسِبُ عَلْمَ عُمَرَ لَوْ وُضِعَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَعَلْمُ مَنْ بَعْدَهُ لَرَجَحَ عَلَيْهِ عَلْمُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ".
  11. صحيح البخاري، عن أبي بن كعب، كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله، رقم: (122)، صحيح مسلم كتاب الفضائل، باب في فضائل الخضر عليه السلام، رقم: (2380).
  12. مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن جابر رقم: (14456)، (3/347).
  13. السيرة الحلبية، (3/317). ولفظه: "ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفاً فقدمها إليّ وقال: اجلس على هذه. فقلت: بل أنت فاجلس عليها، قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض." زاد المعاد لابن القيم 1/163. وفيه زيادة قال عدي: فعرفت أنه ليس بملك.
  14. المستدرك على الصحيحين، للحاكم، رقم: (6771)، (4/23)،
  15. سنن البيهقيِّ الكبرى، الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُف كتاب السَّير، باب فتح مكَّة، (9/199)، (18276).
  16. صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكَّة، رقم: (1780).
  17. سبق تخريجه.
  18. القصة في إحياء علوم الدين للغزالي 1/21.
  19. من طرائف النحويين؛ قال نحوي لرجلٍ: ما فعل فلانٌ بِحمارهِ؟ قال: باعِهِ، قال النحوي: قل باعَهُ: قال: فلماذا قلتَ بِحمارهِ؟ قال: الباء تُجرّ، قال: لماذا باؤك تجرّ وبائي لا تجرّ؟
  20. يشير الشيخ هنا إلى الحديث القدسي الذي يقول فيه تعالى: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته. صحيح البخاري، عن أبي هريرة: باب التواضع، الجزء: (8)، الصفحة: (105) (6502).
  21. سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، كتاب الزّكاة، باب عطية من سأل بالله، رقم: (1672).
  22. سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، رقم: (4813).
WhatsApp