تاريخ الدرس: 1986/04/04

منبر الدعاة

مدة الدرس: 00:24:09

منبر الدعاة (10): وصايا مهمة لطلاب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كان عندي عذر صحي منذ أسبوع إلى اليوم، فصحتي لم تكن جيدة، فادعوا ليَ الله عزّ وجلّ أنْ يشفيني ويعافيني ويعافيكم حتّى نستطيع أن نخدم دين الله سبحانه، ونسأل الله عزّ وجلّ أنْ يجعل هذه الخدمة خالصة له، وفي موضع القبول والفائدة للمسلمين.

أحببت أنْ أراكم ولو لمدة قليلة على اعتبار أنّكم الآن في آخر السّنة الدّراسيّة، وخصوصاً الصّف الرّابع في الكليّة.. وأرجو الله عزّ وجلّ أنْ يتخرج الكل، وإنْ كان هذا بعيداً، لكن هكذا نأمل من الله تعالى، وإذا لم يتمكن الجميع من النجاح أن يتمكن الأكثر.

العالِم نسخة مصغرة عن النبي ﷺ

اعلموا يا أبنائي أنَّ العلم الَّذي يُوصَف صاحبه بأنّه عالِم لا يوجد له برنامج موضوع في وقتنا الحالي في العالم الإسلامي تُبنَى على مُقتضاه شخصيّة طالب العلِم؛ لأنَّ العالِم بمعناه الحقيقيّ هو نسخة مصغَّرة عن رسول الله ﷺ في قلبه وروحانيته قبل كلّ شيء، وفي عقله وحكمته وإدارته لأمور الإسلام والمسلمين.

عدم وعي المسلمين بالخطر الواقع بهم

أين نحن الآن؟ العالم الإسلامي الآن كلّه مُستَعمَر، فلمّا فرح النّاس بخروج عساكر الصّليبيين من الأرض دخلت عساكر الشّياطين إلى العقل والقلب والفكر، فأفسدت العقول والأخلاق والأرواح، فانقلب المسلم إلى حيوان لا يعرف من الحياة إلّا ما يعرفه الحيوان كأنْ يأكل ويشرب، [يقصد الشيخ رحمه الله هنا كثيراً من المسلمين في الوقت المعاصر الذين فسدت عقولهم وأرواحهم، وأصبحت حياتهم كحياة البهائم من أكل وشرب وتكاثر] وإذا كان صغيراً أنْ يلعب فإذا كبر هدأ.. ومَن كان مسلماً بالاسم فقط، فيبقى صغيراً ولو صار عمره سبعين سنة؛ فيمضي حياته في الألعاب التي تقتل الوقت ولا تعطي للشخص ولا للمجتمع أيّ ثمرة ولا فائدة، كالورق والقمار والشّطرنج وغيرها.. وإذا وُجِد بعض العلماء الَّذين يحملون هذه الصّفات فهم قلة ونادرون، وبالمقابل فهناك بحرٌ من أعداء الإسلام بقدر المحيط الأطلسي، سواء من أعدائه الأصليين أو من أبناء المسلمين الَّذين رضعوا من ثدي الاستعمار الفكري والثّقافي، وكما قالوا ((الرَّضَاعُ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ)) 1 ويثبت ما يثبته النّسب، و((يحرم من الرضاع ما يحرم من النّسب)) 2 فيكون مسلماً ابن مسلم ابن رسول الله ﷺ وتراه أشدّ النّاس عداوة للإسلام! أحدهم باسم العروبة وآخر باسم القوميّة وآخر باسم الوطنيّة وآخر باسم الحزبيّة.. وقد كان العرب في صحراء الجزيرة العربية، فمن أوصلهم إلى المحيط وإلى الخليج؟ هل هي القوميّة العربيّة أو العروبة أو الوطنيّة أو الحزبيّة؟ كلا، بل الإسلام.. وأين هذا الإسلام؟ نحن المشايخ قد أضعناه.

الوصية لطلاب العلم بالاجتهاد في فهم الحكمة

لذلك أنتم الطّلاب وخصوصاً طلاب السّنة الأخيرة، عليكم أنْ تجتهدوا خاصة في هذه المرحلة من طريقكم إلى أنْ تحملوا صفة العلم، لا أن تكونوا علماء فقط؛ وذلك لتدخلوا مدرسة القلب والرُّوح والأخلاق وتهذيب النّفس وتزكيّتها، ولتجتازوا مدرسة الحكمة والعقل والفهم للأمور، فلو قال لك عقلك عن هذا المذياع الَّذي لون رأسه أحمر بأنَّه قصب سّكر ولونه أخضر؛ فهل هذه حكمة؟ وحتى لو كنت تحمل شهادة الدكتوراه وتكلمت بهذا الكلام ولو كان في هذا الأمر البسيط.. فهذا يدل على الجهل وفَقْدِ الحكمة.

الوصية لطلاب العلم بالتّربية القلبيّة

يجب عليكم أنْ تعلموا يا أبنائي أنه لا يزال أمامكم الكثير ولو بقيت سنة لتخرجكم.. وإن أحياني الله عزّ وجلّ وأبقاني فأكون معكم، أمَّا إذا انتقلت إلى رحمة الله تعالى فيوجد- والحمد لله- من أبناء المسجد من يستطيع أنْ يربيكم التّربية القلبيّة والرُّوحيّة، فالزموهم أشدّ الملازمة، واعلموا أنَّ كلّ الَّذي درستموه ليس له قيمة إن لم تفعلوا ذلك، وهو [العلم الذي تدرسونه في المدارس والجامعات الإسلامية] مثل أوراق الملكية (الطّابو) التي لا يوجد عليها إمضاء مديريّة (الطابو)؛ فما الفائدة منها؟ ومثل جواز السّفر الَّذي لم يوقَّع من دائرة الهجرة والجوزات، فلو أخذت منه مئة ألف جواز فلن تستطيع أنْ تخرج من المطار ولا من الحدود.

الوصية لطلاب العلِم بتعلم الحكمة

ويجب عليكم تعلم الحكمة.. وفي حياتكم العلميّة والإرشاديّة؛ ليس أن تفعلوا ما تحبّون، بل أن تفعلوا ما يُمكِن، فلو زرع الرجل الّليرة الذّهبيّة في الأرض تخرج مئة ليرة ذهب، ألا تزرع حينها بدلاً من الشّعير والقمح ليرات ذهبية؟ لكن هل يمكن ذلك؟ إذن ما الأمر الَّذي يمكن؟ الذي يمكن أنْ تزرع القمح والشّعير، فلو زرعت الذّهب وحرثته وطمرته ونيَّتك طيّبة وبمنتهى الإخلاص.. فبدلاً من أنْ تنفع صاحب الأرض أضعت له نقوده وهدمت حياته! هكذا يفعل المشايخ الآن.

الوصية لطلاب العلم بالاشتغال بالمهمّ

والأمر الآخر يجب ألَّا تنشغلوا بتوافه الأمور من العلِم والتي لا يكون منها فائدة، فالوضوء مثلاً يوجد عنه في كلّ مذهبٍ كتباً كالجبال، لكنّ النَّبي ﷺ لم يضيّع وقته في تعليم الصّحابة رضي الله عنهم كيفية الوضوء؛ إلّا أنّه توضأ أمامهم فرأَوا بأعينهم، ولم يُعلِّمهم أكثر من ذلك، ولكي يعلِّمَهُم الصَّلاة الجسديّة صلّى أمامهم فتعلموا الصَّلاة بصلاته، ولشروط الصَّلاة الجسديّة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6] أمَّا لشروطها الأخلاقيّة والرُّوحيّة ففيها عشرات الآيات، منها قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي [طه: 14]، وقوله: ﴿إِنَّ الصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].

الكهرباء هي التي تزيل الظّلمات، فإذا أحضرنا ضَوءًا [مصباحاً] وثُريّا ولم تزل الظّلمات فهذه لا تُعتبر كهرباء، والمغنيّة مثل “أم كلثوم” هي التي تُغني وتُطرب الجمهور، فلو أخرجناها من قبرها ولم تغنِّ فهل هي مغنية؟ كلا.. بل هي رفات، فلا تكونوا رفات العِلم، بل يجب أنْ تنظروا إلى كلّ النّاس- من الشّيوعيّ والملحد والكافر واليهودي والنّصراني والمجوسي- نظرة الـمُنقِذ للغريق، والنَّبي ﷺ كيف نظر للوثنيين وقد كانوا عُبّاد أصنام؟ فقال الله تعالى له: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف: 6]، أيْ ستقتل نفسك حناناً وحرصاً على إسعادهم ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر: 35]، فإن لم يستجيبوا لك فلا تقتل نفسك من الحسرة، والرجل يتحسّر على ابنه إذا أضاع شيئاً ثميناً وغالياً.

وفي وقتنا فإن المشايخ هم من ينشر العداوة والبغضاء بين المسلمين باسم المذاهب، فالمسلم الَّذي يصلي ويصوم.. حتى ولو كان لا يصلي ولا يصوم، لكنَّه يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو كذباً.. فهل تقول عنه بأنَّه غير مسلم؟ وفي زمن النَّبي ﷺ؛ كيف كان يعامل النَّبي ﷺ الَّذين كانوا ينطقون بالشّهادتين وهم كاذبون؟ فأين هو العِلم؟ هذا جهل وهوى نفس.. ونصف الطّيّار يزهق الأرواح، أما الجاهل الَّذي لا يعلم شيئاً فيجلس على الكرسي مع الرّكاب، والطّيّار الجيد يوصلك إلى وجهتك، أمَّا نصف الطّيّار فيوصلك إلى الآخرة في رحلة ذهاب بلا عودة!

الوصية لطلاب العلم بوجوب شكر من ساعدهم

هناك نصيحة أخرى للذين سيتخرجون؛ اعلموا أنّه يجب عليكم شكر كلّ من ساعدكم لتدرسوا، ومن لا وفاء له لا إيمان له، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله عزّ وجلّ، والأصل هو وجُودُ الله سبحانه، ولكنه مع وجود الله يجب أنْ نشكر من كان سبباً في ظهور النّعمة، ومن كان سبباً في تهيئة الكلية لكم لتتعلموا، والشكر واجب وليس فيه خيار، فكونوا أوفياء مع من ساعدكم من أولي الأمر وأنشأ لكم مدارس العلم.

الوصية لطلاب العلم بعدم التدخل في السياسة

ولا تتدخلوا في السّياسة.. وما معنى السّياسة في هذا الزّمان؟ أي التّنازع على الحكم، فهذا يريد الكرسي وأنت تريد الكرسي، ونحن لا نريد كرسي.. ويجب علينا أنْ نبذل كلّ الجهد لصاحب كرسيِّ الحكم ليكون عمله ناجحاً وموفقاً ويرضي الله عزّ وجلّ، وهذا ليس على اعتبار أنه كسيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، لأنك لست كأبي ذرٍ ولا كأبي الدرداء رضي الله عنهما.. فهم منّا ونحن منهم، ويجب أنْ نساعده لأنَّ لديه مسؤوليات، فنحن في حرب صليبية، وإسرائيل ومن ورائها أمريكا والحلف الأطلسي بشكل فاضح.

الوصية لطلاب العِلم بنبذ التعصّب المذهبي

واجعلوا التّعصّب المذهبيّ تحت نعالكم، ودائماً انظروا إلى الحديث، “فإذا صحّ الحديث فهو مذهبي” 3 ، مع احترامنا لكلّ الأئمة رضوان الله عليهم ولكلّ المجتهدين، ولا تقبلوا كلّ شيء تجدونه في الكتب، فالكتاب ألَّفه إنسان عاش قبل مئتين أو ثلاث مئة سنة؛ ولم تكن هنالك مطبوعات، وكانوا مع صفاء قلوبهم يقبلون كلّ شيء، فكان يوجد من الأمور الخرافية والكاذبة والباطلة فوضعوها بهذه الكتب.. كالَّذي يحشو الكوسا [أكلة الكوسا المحشوّ باللحم والرز معروفة ومشهورة] فأحضروا له اللّحم و”كوشوك” عجلات السيارة والمسامير، فقطَّع ما يمكن تقطيعه، وحشاه بالكوسا.. لكن ليس كلّ شيء يُحشَى بالكوسا، ولا يوضع كل شيء في المعدة، فهل الكوسا أغلى أم عقلك؟ فلا تضع في عقلك كلّ شيء، والآن يوجد كتب كثيرة وأصحابها من كبار العلماء والأولياء يقولون إنَّ الأرض على قرن الثّور!

يقولون إنه في قرن من القرون حفروا طريقاً من تركيا إلى الصين في داخل الأرض! مع أنّهم لم يكونوا يستطيعون أنْ يجتازوا طّريقاً كالمسافة من هنا إلى دوما والَّذي يساوي عشرة كيلومترات، فكيف بهذا الادعاء من تركيا إلى الصّين وفي داخل الأرض! كانوا يصدِّقون.. وقال بعضهم: وُلِد المهدي سنة ألف ومئة وكذا، فأين هو؟ ومولانا خالد النقشبندي كان من كبار العلماء والأولياء، أخبر بظهور المهديّ بيوم كذا وبمكان كذا، فخرجوا لاستقباله فلم يجدوا أحداً، وقال: ما ظننت أنَّ الكشف يخطئ ويصيب حتّى رأيت ذلك بعيني! هل تبحثون عن المهديّ المنتظر؟ ابحثوا عن المهديّ غير المنتظر.. ألا تريد من الله عزّ وجلّ أنْ يهديك، وما المقصود من المهديّ؟ أليس أنْ تهتدي إلى الله تعالى؟ ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: 11]، ابحث عمن يعطيك إيماناً يهدي به قلبك إلى الله عزّ وجلّ، فإذا جاء المهديّ نضعه فوق رؤوسنا، ولكن لا نجعله كلّ شيء ونؤخر أعمالنا وأشغالنا إلى أن يخرج المهديّ.

الوصية لطلاب العلم بالتواضع مع بعضهم البعض

وتعلموا التّواضع مع بعضكم البعض؛ سيدنا عيسى عليه السلام جمع الحواريين قبل أن يُرفع إلى السَّماء، وقال لهم: هاتوا لي إبريقاً من الماء، فلمّا أحضروه سألوه: ما أنت فاعل به؟ قال لهم: أريد أن أغسل أرجلكم، فاستنكروا ذلك، وقالوا يا روح الله أتفعل ذلك أنت؟ فقال لهم: من يأبى أن يعطيني رجليه لأغسلهما فأنا بريء منه، وأقطع كل صلة بيني وبينه، فعندها استسلموا لمراده، فغسل سيدنا عيسى عليه السلام أرجلهم، ثم قال لهم: “هكذا تواضعوا مع بعضكم البعض” 4 .. ضعوا الأنانية وحب الذات تحت نعالكم.

الوصية لطلاب العلم بالإخلاص لله عزّ وجلّ واحترام الناس

اُطلبِ الله تبارك وتعالى ولا تطلب هواك، وهذا وعد مني، فإذا كسبت الله عزّ وجلّ تكسب أكثر من هواك، وإذا تركت الله عزّ وجلّ وبحثت عن هواك تخسر الله سبحانه وقد لا تصل إلى هواك، ولو وصلت إلى هواك فيصل إليك وهو ملوث بِسُمٍّ أو بقذر.. وكلّموا النّاس بحسب عقولهم.. وادرسوا النّصرانيّة دراسة جيدة.. التّوراة والإنجيل، وهذا الأمر سهل وقد يؤخذ بالمجان، واحترموا كلَّ النّاس، فالنَّبي ﷺ حين جاءه وفد نجران وكانوا نصارى أنزلهم في منزله، وأقاموا صلاتهم في مسجده.. فأين التّعصب؟ ولـمَّا أتى عَديُّ بن حاتم إلى رسول الله ﷺ وقد كان مسيحيّاً، خلع النَّبي ﷺ رداءه وأجلسه عليه وجلس النَّبي ﷺ على التّراب، فلو فعل ذلك شيخ وخلع جُبَّتَه ووضعها لخوري، ورآه أحد من أولئك المشايخ الَّذين يزرعون اللّيرات الذهبية بدلاً من القمح والشّعير فماذا يقولون؟ سيقولون هذا الشّيخ كافر؛ لأنه يُعِزُّ الكفر.. هو لا يعز الكفر، بل يؤدِّي للضّيف حقّه، فالضّيف يُكرَم بغض النّظر عن عقيدته ودينه.. أعطى النَّبي ﷺ لأبي سفيان وهو كافر ثلاث مئة ناقة، ولم يعط لعظماء المؤمنين شيئاً، فهل هذا اسمه تكريماً للكفر؟ هؤلاء المؤلفة قلوبهم.. لا تشتغلوا بالخلافات التّافهة التي لا ينتج منها شيء، بل اشتغلوا في الأمور التي لها نتاج.

الوصية بالنصح للحاكم

آزروا حكوماتكم الوطنية بالحق، وإذا وقعوا في الخطأ فلا يكون إصلاح الخطأ على المنابر، هذا لا يسمى نصحاً، هذا اسمه تشهير وإشاعة الفاحشة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: 19] وبهذه الأفعال تُعَرِّض مسيرتك العلميّة للفشل.. وادعُوا الله عزّ وجلّ أنْ يلهمهم الخير والرشد، وأن يكون الدعاء فيه أدب؛ بأنْ يهيئ الله عزّ وجلّ الأعوان الصالحين ويجعل الله على يديه الخير لهذه الأمّة في دينها وفي دنياها.

والنّبي ﷺ أما كان يقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) 5 هل كان يقول: “فإنهم متقون”؟ “فإنهم لا يعلمون” يعني أنّهم كفار، وإن قلت للشيخ: “ادعُ للرئيس” فإنَّ منخاره ينتفخ مثل بالون الأطفال الصغار! وهو يظن أنَّ دعاءه مقبول؛ فلو دعا لنزول المطر هل تمطر في الحال! بل هذا أدب، والنَّبي صلّى الله عيه وسلّم دعا لتأليف قلوب غير المسلمين بكلّ شيء، فقد بعث خبراً لخالد بن الوليد وكان لا يزال كافراً قال له: أسلم أعطك أعنّة الخيل 6 .. فتألّفه بالعطاء.. وهل السّنة أنْ تُطيلَ لحيتك فقط؟ فلو حلقت سبعة آلاف لحية ووضعتها في المزاد العلنيّ كم يبلغ ثمنها؟ لا شيء.. أين سُنّة أنْ تكسب قلوب الخلق؟ فخالد بن الوليد رضي الله عنه أحبّ النَّبي ﷺ وهو لا يزال كافراً مُشركاً في مكة، وهذا العمل من حسنِ حكمة النَّبي ﷺ.

الوصية لطلاب العلم بالتعاون على البر والتقوى والإخلاص لله عز وجل

وتعاونوا على الخير والتقوى، ولا تتكلموا وأنتم في حالة غضب حتى يهدأ غضبكم، ولا تتكلموا في أمور الدّين لغرض نفسيٍّ أو دنيويٍّ أو أناني، وليكن دائماً هدفكم هو رضا الله عزّ وجلّ وألا يكون هذا الهدف بلا عقل، فإنْ أردنا زرع الذّهب لتخرج اللّيرة ألف ليرة فهنا النّية طيبة لكن العقل مُعطَّل، ولا تُمدَح النّية الطّيبة إلّا إذا رافقها العقل والفكر الطّيب.

نكتفي إلى هنا، وأنا لست فقط مأموراً بالرّاحة من الطّبيب، بل وأشعر أنني لا أستطيع أنْ أُكمِل.. فوصيتي لكم أنْ تكونوا ناصحين لمن ولاه الله أمر المسلمين، ولوجه الله عزّ وجلّ ولا تريدون مالاً ولا جاهاً، وألّا تسمعوا للأقوال والإذاعات.. ومع الأسف فالأمّة العربيّة في منتهى التّمزق والتّعادي، والإسلام العقليّ والعلميّ والأخلاقيّ والتاريخيّ كلّ هذا ليس له وجود، فعدنا كعرب الجاهليّة نتخاصم ونتعادى ونتقاتل.. فنسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين والعرب، وأن يوفّق ولاتهم لما يحبّه ويرضاه، وأن يوفّقنا ويوفّق المسلمين والعاملين لما فيه خير الأمّة، وليس فقط لمسلميها، بل لكلّ العالم.

وصلّى الله على سيدنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد لله ربِّ العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. مسند الشهاب القضاعي، الجزء: (1) الصفحة: (56) الراوي: ابن عباس. كنز العمال للهندي (15654).
  2. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم:(1447)، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاع. ولفظه: عن ابن عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد على ابنة حمزة أن يتزوجها [ص:241] فقال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة، فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
  3. روي ذلك عن الإِمامين أبي حنيفة والشافعي– رضي الله عنهما- انظر: مجموع رسائل ابن عابدين: 1/ 24، إيقاظ الهمم للفلاني: 62.
  4. الكامل في التاريخ، لابن الأثير، (1/318). تاريخ دمشق ابن عساكر، (47/471). والحديث بتمامه: قال ابن جرير: وحدثنا المثنى، حدثنا إسحاق بن الحجاج، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني عبد الصمد بن معقل أنّه سمع وهباً يقول: "إنَّ عيسى بن مريم لمـَّا أعلمه الله عزّ وجلّ أنّه خارج من الدّنيا جزع من الموت، وشقَّ عليه، فدعا الحواريين وصنع لهم طعاماً فقال: احضروا إليَّ الليلة فإنَّ بي إليكم حاجة. فلما اجتمعوا إليه من اللّيل عشَّاهم وقام يخدمهم، فلمّا فرغوا من الطّعام، أخذ يغسل أيديهم ويوضِّئهم بيده، ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه، فقال: ألا من رد عليّ شيئاً اللّيلة مما أصنع فليس منّي ولا أنا منه. فأقرُّوه حتّى إذا فرغ من ذلك قال: أمَا ما صنعت بكم اللّيلة ممّا خدمتكم على الطّعام، وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة، فإنّكم ترون أنّي خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم".
  5. صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، رقم: (3477)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، رقم: (1792).
  6. انظر: حياة الصحابة للكاندهلوي، قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه.
WhatsApp