تاريخ الدرس: 1986/03/14
منبر الدعاة
مدة الدرس: 01:01:48
منبر الدعاة (8): يوم ينفع الصادقين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الصدق في طاعة الله عز وجل سبيل النّجاة
يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: 119]، ويقول في آية أخرى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: 4]، ويقول: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: 23]، وآية تقول: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 24].. فالإيمان بالقرآن يقتضي من المؤمن الجزم القاطع بصحَّة مدلولات القرآن إيماناً غيبيّاً يتحول إلى حقائق بواسطة مُحوِّل الصّدق: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7] فلتحويل وعد الله عزّ وجلّ إلى واقع تحتاج إلى محوّل، والــمُحوّل هو الصّدق في ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾..﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4] فالطّريق لتصل إلى هذا اليُسر أنْ تصدُق في تقوى الله تعالى.. فهذا الإيمان بمدلولات القرآن بما يحول العقيدة إلى عمل هو المطلوب، وإذا كانت العقيدة ضعيفة أو مفقودة فلن تتحول إلى عمل، فإذا هجم السُّوس [الدود] على البذار فلن ينمو البذار إلى سنابل، وإذا كان ضعيفاً للغاية فلن ينبت، فالبذرة التي ستنمو لتصير سنبلة يجب أنْ تكون حبّة جيدة وتستوفي كلّ الوسائل والأسباب إلى طريق السنبلة؛ مِن وضعِها في التّربة الجيّدة وسقايتها وإبعاد الحشائش المنازعة لها على الغذاء وحراستها من المتلفات، فهذه كلّها طريق الحبّة لتتحول إلى سنبلة، كذلك: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]؛ فتقوى الله عزّ وجلّ هو الطّريق الذي يوصل الإنسان إلى اليسر في الحياة، وتتحول حياته العَسِرَة إلى حياة يُسرٍ وسعادة ونجاح.. والطّريق لتنال نصرة الله عزّ وجلّ والوسيلةُ إلى الوصول إلى هذه الأمنية الغالية يكون بأنْ تنصر دين الله تعالى على نفسك وعلى أهوائك.
حاجة الإنسان إلى المربّي:
لا يوجد شيء في الوجود يُصنَعُ بلا صانع؛ فحتَّى تصل إلى الصّدق تحتاج إلى أستاذ الصّدق، وحتَّى تصل إلى النّصر تحتاج إلى أستاذ يُعلِّمُك النّصر على نفسك وهواك، وذلك بأنْ تنصر جانب الله عزّ وجلّ ومراده بعد حسن الفهم أيضاً، فقد تفهم فهماً سيئاً؛ وتظن أنّك تنصر دين الله تعالى.. فمهما أحسنت الظّنّ واعتقدت في نفسك أنك تزرع قمحًا، ولكن كان البذار شعيرًا.. فمهما كان اعتقادك أن هذا قمحًا، ومهما أخبرك أحدهم أنه قمحًا، ومهما امتلأ خيالك بأن الذي في وعاء البذار قمحًا، وكانت هذه الأمور كلها مغايرة للحقيقة، فالشعير لن ينبت قمحًا.. والمشايخ- عبر العصور الماضية- أخطأوا كثيرًا في فهم الإسلام الفهمَ المجرد، ولم يفهموه الفهم الـمُصفَّى، لذلك ظنّوا أنّهم ينصرون دين الله.. ظنّوا بذر الشّعير قمحًا؛ لكن عند الحصاد تبيَّن أنَّه شعير!
المسلمون الآن في عصور التّخلف ومنذ أكثر من ثلاث مئة سنة.. ثلاث مئة سنة ونحن في تراجع في العلم والعقل والأخلاق والقوّة والاقتصاد ووحدة المسلمين.. سيِّدنا الحسن رضي الله عنه تنازل لمعاوية عن الخلافة التي هي حقّه الشّرعي والعقلي ومن كلّ النّواحي، فلماذا؟ لأنَّه رأى وحدة المسلمين أعظم من حقه المقدّس، وهذا هو العلم.. وسيِّدنا عليّ رضي الله عنه لـمّا طلب الخلافة في عهد أبي بكر رضي الله عنه لم يطلبها إلّا وهو يظنّ أنَّه أهل لها؛ لكنَّه حين رأى وحدة المسلمين على أبي بكر بايع أبا بكر وبايع عمر رضي الله عنهما، ولتأكيد حرصه على المسلمين زوجَّ عمر ابنته أم كلثوم، وبايع عثمان رضي الله عنهم، ولـمّا تولى الخلافة بذل الجهد، وحين رأى أنَّ قتلى المسلمين في وقعة الجمل وصفِّين بلغوا ثمانين ألفًا- وكان يمكن لهؤلاء أنْ يفتحوا البلاد حتى اليابان- حينها قال: يا ليتني متُّ قبل ذلك بعشرين سنة!
لا يخلف الله وعده
الصّدق لا يزال الآن وفي كلّ وقت يُعطي تأثيره نفسَه؛ فكما أنّ الملح لم يفقد خاصيّته فما زال يُعطي الملوحة، والسّكر يُعطي الحلاوة، والشّمس تُعطي الضّياء والحرارة، فكذلك: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم: 6]، ولكن هل أصبحت أنت فقيهاً في كلام الله سبحانه؟ هل أنت فقيه في الإسلام؟ أنت فقيه في أنواع المياه التي يصح التّطهير بها، وهذه تُشَكِّل أقلَّ من جزء من مئة ألف جزء من الإسلام، وهذه من المسائل والأمور التي لم يكن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يصرف فيها الوقت الطّويل ويكتب المجلدات عنها مثل الجبال ويُقيم عليها خمس مئة مذهب.. المسح على الجبيرة مثلاً قال فيه بضعة أحاديث ولم ترد المسألة كلّها في القرآن الكريم ولا بأية آية، أمَّا آيات الذّكر وآيات اليقين وآيات جهاد النّفس وآيات الدَّعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فهي التي تحدَّث الله تعالى عنها كثيرًا.. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33]، ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].. وهذا الذي اهتم الله عزّ وجلّ به كلّ الاهتمام أهملناه نحن، والذي وضعه الله تعالى على الهامش جعلنا كلّ اهتمامنا ينصرف إليه، ومعنى هذا أنّنا نحن شعوب وأجيال هامشيّون وعلماء هامشيّون.. الصّحابة رضي الله عنهم كانوا علماء، ودليل علمهم أنَّهم لم ينشغلوا بالوضوء ويؤلِّفوا عليه المؤلفات ويعملوا عليه المذاهب، وينشغلوا فقط بالاستنجاء ومسح الجبيرة؛ بل بذلوا جهودهم في الدَّعوة إلى الله تعالى وفي نشر الإسلام وتحقيق آية: ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ وهل يكون هذا في الوضوء والاستنجاء والاستبراء والتّيمم والحيض والاستحاضة؟ بل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]؛ فخيرية هذه الأمّة ليس لأنّهم عرب أو عجم أو أفغان؛ بل لأنّهم يدعون إلى الله تعالى ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ليزيلوا الأشواك من طريق البشريّة، ويزرعوا الورود مكانَها.. فإذا كان طريقك إلى بيتك مليئاً بالأشواك وأتى من أزال الأشواك وزرع لك الورود على الجانبين؛ ألّا تحبّه وتقبل عمله؟
ضرورة طلب العلم
﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 24].. فيجب أن تكون صادقًا في إسلامك.. والعلم من أجزاء الإسلام، فإذا كنت مسلماً أو مسلمة، فكما يجب أنْ تكون مُصلِّياً أو مصلّية وصائماً أو صائمة؛ فيجب أنْ تكون أيضاً عالِمًا وعالمة، والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قال: ((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلم)) 1 ؛ وأشرف العلوم وأولها هو العلم بالله عزّ وجلّ وبصفاته وأخلاقه وأسمائه، فهذه تملأ وجدانك وشعورك وخيالك ونفسك بعلم الله تعالى.. بعلمه بما تكنُّه في نفسك وما تخفيه عن النّاس، وتعلم عظمة الله وقدرته وسمعه.. ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284] تخفوا في أنفسكم، وليس بين الجدران، فأفكارك السّيئة من حقد أو مكر أو قصد لبغي وعدوان والذي إذا حدَّثتَ بها نفسك بتصميم وعزم فسيحاسبك بها الله، فالعلم بالله يوصلك إلى أعلى المراتب وهي أن تصبح لك صلة بالله تعالى، فتتصل روحك بنور الله عزّ وجلّ.. ولا تظنّ أنَّ يدك ستمسك يد رئيس الجمهوريّة أو رئيس العظماء وهي ملوثة بالنّجاسة أو القذارة؛ هذا مستحيل يا بنيَّ، وحتى لو كانت يدك طاهرة ولم تصر لك المكانة التي توجب قربك من ذلك العظيم فلن يُسمَح لك بالتّقرب منه.
العلم جزء من الإسلام، والأخلاق جزء من الإسلام، والصّدق في إسلامك هذا أعظم الأمور، فإذا كنت كاذباً في ادعائك الطب سيسخر منك النّاس، وكذلك إذا كان إسلامك مكذوباً كحال المسلمين الآن.. فإسلام المسلمين الآن كاذب وعِلْم العالِم غير صحيح.. فالعلم كشّاف للأمور الـمُبهَمة حتى تتبيّن؛ كما لو ترى أمامك بئرًا فيكشفه لك العلم بضوئه فلا تمرّ فوقه، فالعلم الحقيقي يُجنِّبك السّقوط في مهاوي التهلكة ويكشف لك الطّرق الموصلة إلى حقيقة السّعادة.. العالَم الإسلامي مليء بالمشايخ والعمائم، ولكن المسلمين في تراجع.. كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أول العلماء وأوَّل المسلمين- وكما قلنا العلم جزء من الإسلام- وقد أُرسِلَ في أسقط وأجهل أمّة والأكثر خرافة وسلباً ونهباً، وكانوا يقتلون أولادهم من الجوع وخشية الفقر، ويعبدون الأحجار والخشب والتّراب والكدر والجنّ وإلى آخر ذلك، ففي عشرين سنة ماذا فعل بهم؟ من النّاحية السّياسيّة وحدها فقط.. عجزت كلّ الشّعوب العربيّة أنْ يعملوا ما عمله النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام بمفرده.. وكذلك في الميدان التّربويّ والأخلاقيّ وفي الميدان العقليّ والعلميّ وفي ميدان قيادة العالَم.. هذا الإسلام الصّادق الصّحيح.. وعلى كلّ مسلم ومسلمة أنْ يصير هذا الإنسان، ويبذل الجهد بحسب الطّاقة.
من صدق مع الله تعالى فإن الله يعطيه مراده
ومَن صدق فالله تعالى قال: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 24]؛ فإذا صدقتَ في الزّرع وبذرتَ كيس قمح فيمكن أن تحصده مئة كيس، وهذا من معاني الآية: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 24]، وإذا صدقتَ في طلب الولد بالزّواج وحسب الأصول فسيأتيك الولد، أمَّا إذا طلبتَ الزواج أمنية ومقالات؛ وتقول: ما أحسن الزّواج وهو ضروري وَواجب، وأقمتَ خمسين محاضرة، وكلّ فعلك كلام بكلام فلن تُرزق بشيء.. حتى ولا بجرذ ولا بفأرة!
مما يُحكى أن أحد الشيوخ كان يقول لإخوانه: إنَّ الإنسان إذا صدق مع الله تعالى في طلب شيء وأدَّى لذلك الشيء متطلباته من الصّدق والإخلاص فالله عزّ وجلّ سيعطيه مراده مهما كان عظيماً؛ فقط يجب أنْ يكون صادقاً في الطّلب، فأراد أحد المريدين أنْ يبرهن صدق كلام شيخِه.. والمريد الصّادق الموفَّق لا يمتحن شيخه ولا يُحاول اختبارَه، بل يحترمه ويرفعه، لكنَّه أراد أنْ يُظهِرَ للنّاس صدق الكلام والتّوجيه، ففكر وأراد طلب شيء يكون عظيمًا للغاية ويصدُق في الطّلب ليُحقِّق الله عزّ وجلّ له طلبه حتَّى يُبيِّن للنّاس أنَّ الذي يَصدُق يصل.. وكما قيل “من دقَّ الباب وَلَـجَّ وَلـَجَ”، ففكر وفكر، فقال: أنا إنسان مسكين صعلوك فقير، وسأخطب بنت الملك! فهل يوجد أحقر منه وأعظم من بنت الملك؟ فأحقر إنسان يريد أنْ يصل إلى الزّواج بأعظم إنسانة! لكنّه لم يفعل مثل ذاك النَّوَري الذي خطب بنت الملك، [النَّوَرِي واحد من النَّوَر، والنور هم الغجر: قوم دائمو الترحال يسكنون الخيم موجودون في سوريا وبعض البلاد الأخرى، ولهم سيط شائع بالفقر والأمّيّة] فقالوا له: هل أنت مجنون؟ أنت نوري وهذه بنت الملك فكيف سيُزوِّجونك إياها؟ فلا يمكن للملوك أنْ يُزوِّجوا بناتهم لصعلوك مثلك، قال لهم: لماذا تعتبرون الأمر تعجيزيّاً؟ أنا قبل أنْ أفعل أيَّ شيء قد اجتزت نصف الطّريق وأدَّيت نصف العمل للوصول إلى المطلوب، قالوا: كيف؟ فإذا بقيَ عليك النّصف الثّاني فهذا سهل؛ لأنَّ الذي يستطيع اجتياز النّصف الأول لن يعجز عن اجتياز النّصف الثّاني. قال لهم: أليس شرطاً لتحقق الزّواج أنْ يَرضى العريس وأبوه وأمّه؟ قالوا: بلى. قال: هذا النّصف الأول؛ وقد رضيتُ أنا ورضي أبي ورضيت أمي، وبقي رضا العروس وأبيها وأمّها، والذي يجتاز النّصف الأول سيجتاز النّصف الثّاني.
فإذا مشَينا على عقل هذا النَّوَرِي سنضيع في الوعر وبين الكدر؛ أمَّا هذا الصّادق فلمَّا عزم ذهب إلى العاصمة ليلتقي بالملك، وكيف سيلتقي به؟ صبر سنة وسنتين وثلاث.. في مذهب الصّادق “إما هَلْكٌ وإما مُلْكٌ”، فإمَّا أنْ يصل أو يموت في الطّريق، فتصير حياته رخيصة ووجوده رخيصاً في مقابل الوصول إلى ما يريد، فلمَّا فقد هذا المريد كلّ الوسائل قال في نفسه: حين يخرج الملك في الاحتفال الفلاني سأرمي بنفسي أمام خيل عربته، فإمَّا أنْ يقع نظره عليَّ ويوقف العربة ويسأل عنّي ويكون ذلك سببًا للقائي به، أو أنْ أموت بين أقدام الخيل، ففعل ذلك وتوقَّف سائق العربة بشكل مفاجئ، فانزعج الملك وقال للسّائق: ماذا حدث؟ قال له: شخص ألقى نفسه أمام خيل العربة، فجاءت الشّرطة واعتقلته، وسألهم الملك: لماذا ألقى نفسه هكذا؟ قالوا: لا نعرف، قال: حين أرجع من الاحتفال أحضروه إليَّ لأعرف ما قصّته.. هل يريد أنْ يغتالني أو أنَّ عنده أمراً هامًّا؟ ولمـّا أدخلوه على الملك قال له: لماذا فعلت ذلك؟ قال له: يا ملك الزّمان أنا خاطب وراغب في ابنتك وكريمتك المصونة العظيمة الجميلة فلا ترجعني خائبًا.. وهو يرتدي ثياباً مرقّعة ممزّقة متَّسخة.. فنظر الملك إليه طولًا وعرضًا وفكَّر فوجد كلامه كلام المجانين، لكنَّهم كانوا من التّقوى والرّحمة وعدم التكبُّر يتواضعون مع الخلق فلا يتعالون على النّاس، فرآه خفيف العقل فلم يحبَّ أنْ يكسر خاطره، من باب: ((إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ)) 2 ، فقال الملك: يا درويش؛ الذي يريد أنْ يخطب بنات الملوك ألا يُهيِّئ المهر؟ قال: اطلب منّي الذي تريده وأنا سأحضره لك، ففتح الخزانة وأخرج لؤلؤة أضاءت المكان، وقال له: مهر ابنتي مثل هذه اللّؤلؤة.. أحضر واحدة أخرى فتصبح عندي اثنتان منها، قال: أين أجد مثل هذه؟ قال له: في بحر الظّلمات؛ وهو المحيط الأطلسي لأنَّه يُغطَّى بالضَّباب فسمَّوه بحر الظّلمات، قال له: حسناً.. فسافر عدّة أشهر حتَّى وصل إلى بحر الظّلمات، واللّؤلؤ لا يكون على السّطح، بل في قلب البحر، ففكر كيف يجلب اللّؤلؤ من قاع البحر وهو لا يجيد الغوص، واللّآلئ لا تخرج من تلقاء نفسها، فقال: أنا عليَّ أنْ أعمل واجبي وأقوم بحدود إمكانياتي، وإذا صدقتُ فيما أملك سيصدقني الله عزّ وجلّ فيما يملك.. ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7] فلا تنظر إلى ضعف وسائلك، بل انظر إلى صدق يقينك، فإذا صدقت سيُعينك الله.. فبصدق إبراهيم عليه السّلام حوَّل الله النّار له إلى برد وسلام، وبصِدق موسى عليه السّلام جعل الله العصا تفتح له اثني عشر طريقاً في لحظة واحدة.. ففكَّر هذا المريد وقال: ليس معي من الوسائل غير هذا الكشكول، [الكشكول: وعاء يجمع به المتسول الصدقات] وسأفعل ما أملكه.. سآخذ بهذا الكشكول من ماء البحر وأرميه على البرّ حتَّى ينشف البحر، ومتى ما فرغ من الماء وجف أنزل إلى القاع وأحضر اللّؤلؤ للملك! والكشكول يسع لتري ماء أو ثلاثة؛ فيأخذها من البحر ويُفرغها على البرّ، يفعل هذا ليلاً نهاراً.. أسبوعاً.. وشهراً، ولم يقع في قلبه شك في كون هذا معقولاً أو غير منطقي بسبب صِدقه وإيمانه بكلام شيخه، فلم يجعل للشّيطان عليه سبيلاً بالتّردد أو الشّك أو الشّكوى، فهنا إذا كنتَ صادقاً صدقاً ذاتيّاً سيتدخل الله عزّ وجلّ في العمليّة، وإذا تدخل الله عزّ وجلّ فيها وصار إلى جانبك فلن يبقى فرق بين بحر وبرّ، فالأرض كلِّها كذّرة، وتكفي منه سبحانَه كلمة: “كُنْ”، فالله تعالى بكلمة “كُنْ” ألقى الرّعب في قلوب السّمك، وصاروا يتصايحون: تعالوا وانظروا إلى هذا الذي يعمل ليلاً نهاراً لا يكلُّ ولا يملُّ ليُنَشِّف عليكم البحر، وإذا نشف البحر ستموتون أنتم، فماذا يحتاج؟ وما قصّته وما ذنبه وما حالته وما طلبه؟ لنحل المشكلة قبل أنْ تكبر.
فخرجت سمكة وخاطبته وقالت له: لماذا تفعل فعلك هذا؟ ما ذنبنا عندك حتَّى تُنَشِّف البحر وتميتنا وتهلكنا؟ قال لها: أنا ليست لديَّ نية سوء تجاهكم ولست حاقداً عليكم ولا أريد ضرراً بكم، ولكن لي حاجة في البحر ولا أستطيع أنْ أصل إليها إلّا بتجفيفه، ولا أملك من الوسيلة إلّا هذا الكشكول، لذلك أعمل ليل نهار، قالت: وماذا تريد من البحر؟ قال: أنا أريد لؤلؤة تكون بحجم البيضة، قالت: ليتك أخبرتنا! فاللّؤلؤ عندنا مثل الأحجار عندكم، إذا أردت لؤلؤة فنحن نحضر لك ألف لؤلؤة، لكننا نترجّاك ألَّا تُنَشِّف البحر.. صار حالهم مثلما وصفت الآية حال غيرهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الحشر: 2].. في غزوة حنين لما رمى النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام التّراب هزم جيشًا فيه ثلاثون ألف مقاتل، [على بعض الأقوال] قالوا: ما بقي واحد منّا إلّا وهو يشعر بقلبه كأنَّه الحصى في الوعاء النّحاسي، فيخفق قلبه ويسمع خفقانه من شدة الرّعب.. يا بنيَّ إذا تدخل الله في الموضوع فقوَّته لا تُهزَم.. قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]، وقال: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق: 15-16]، وكذلك قال: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 249]، فبهذا كان انتصار النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وانتصار الصّحابة رضي الله عنهم على قلّة عددهم.. والله تعالى لم يتغير، وقانونه لا يتغير، ولكنّك أنت الـمُتَغَيِّر، وإذا أردت أنْ يصدق وعد الله عزّ وجلّ فغيِّر وضعك الشّاذ إلى الوضع الإلهيّ الصّحيح، فينطبقْ عملك على وعد الله وستجد النّتيجة مضمونة.
قال لهم: أريد لؤلؤة واحدة، قالوا له: سنحضر لك ما تريد، غطس السمك في الماء وبعد قليل خرجوا ومع كلّ واحدة لؤلؤة بحجم مختلف؛ منها بقدر البيضة ومنها بقدر البرتقالة ومنها أكبر ومنها أصغر، وجمعوها له أكوامًا، فصار ينتقي مثل ما ينتقي من الخضار والفواكه، فعبَّأ وعاءه وجيوبه وثيابه وانطلق راجعًا، وكان الملك قد قال للحرّاس: إذا جاء هذا المسكين فأحضروه لنتسلى ونمضي بعض الوقت، فحين أتى أخبروا الملك فأدخله عليه، وكان هذا الدرويش قد وضع اللؤلؤ في دلو قديم كما لو كان أحضر بعض الخضراوات الفاسدة؛ فقال له: يا درويش الزّمان هل أحضرت لنا المهر؟ قال له: طبعًا؛ فهل سآتي إليك ويداي فارغتان؟ قال: فأين اللّؤلؤة التي أخبرتك عنها؟ قال: خذ، وأخرج له الدّلو وسكبه كأنَّه يسكب دلو بصل، وإذْ بالمكان يُضيء، فصارت اللؤلؤة التي عند الملك كأنها لا تساوي شيئاً مقارنة بما أحضره، وأخرج له أيضاً ما خبَّأه في ثيابه وكأنّه يُخبِّئ جزرة أو فجلة أو بصلة! فانتشر الهرج والمرج والصّياح والذّهول في الحاضرين، فقال له الملك: أنت قد أحضرت لي شيئاً أكبر من مملكتي فأنت صهري الآن؛ أحضِروا القاضي والشّهود ولنقم الحفلات، فقال له: لا.. أنا لا أريد ابنتك، قال الملك: كيف لا تريد ابنتي؟ قال له: أنا لا أريد ابنتك ولا مملكتك، بل أنا أريد أنْ أُثبت كلام شيخي وأنَّه صادق؛ فقد سمعت كلمةً منه أنَّ من طلب شيئاً وصدَق مع الله عزّ وجلّ في الطلب فالله عزّ وجلّ سيُحَقِّق له طلبه مهما كان عظيمًا، وأنا أحببت أنْ أُثبت للنّاس صدق كلام شيخي بالشّيء الذي فعلتُه، ولذلك خذ اللآلئ وأبقِ ابنتك عندك وليبارك الله لك فيها.
قد تكون القصة رمزية أو خياليّة لكن الذين ألفوها من كبار الحكماء، وليس كلّ شخص يستطيع تأليف قصّة توصل إلى معنى قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 24]، وقوله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
الالتجاء عند الشدائد إلى مسبب الأسباب
أخبر النَّبي عليه الصلام والسَّلام عن ثلاثة كانوا في الغار وسُدَّ الغار عليهم بصخرة، فقال بعضهم لبعض: لا نجاة لكم اليوم إلّا أنْ تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم.. وكانت الصخرة- لعل وزنها أطنانًا- فيها الحصى والطّين حتَّى لا يرى أحدهم الآخر، فبصدقهم مع الله عزّ وجلّ في أعمالهم أزاح عنهم أطنان الأطيان والصّخر بقوّته الإلهيّة وأنجاهم من الهلاك، فهذا درس لنا أنَّه عند الشّدائد وانقطاع الأسباب والوسائل يوجد هناك سبب لا ينقطع وهو مُسبِّب الأسباب 3 .
أحد الشّيوخ من النّقشبنديّين وقد تُوُفِّي منذ مئة سنة- حين اشتدت الأزمات في زمانه ولم يعد يستطع أنْ يُغَيِّر المنكرات أو يخدم الإسلام بالشّكل الذي يريده- صار يذكر الشّدّة والفرج الإلهيّ ضمن هذه القصة فيقول: كان هناك ملك من الملوك قد أصابته علّة في رأسه وعجز الأطباء عنها، ثمّ أحضرَ الأطباء المشهورين من البلدان البعيدة، ولـمّا فحصوه وعاينوه قالوا له: نحن علمنا المرض، وكذلك الدّواء معروف، ولكن تحصيل الدّواء والوصول إليه غير ممكن، قال لهم: كيف يكون الدّواء معروفاً ولا يمكن استعماله؟ قالوا: لأنّه ليس موجودًا في المملكة، قال: كيف أحكم مملكة كاملة وأعجز عن إيجاد دواء! قولوا لي ما هو الدّواء وأنا سأحضره لكم، فقالوا: دواؤك مرارة إنسان تكون عيناه كذا وأنفه كذا وحاجباه كذا وفمه كذا ورقبته كذا وطوله كذا وعرضه كذا، وكلُّها صفات نادرة، هذا ماعدا أنّ شقّ بطنه وأخذ المرارة وفي ذاك الوقت.. فهي عمليّة موت، فقال لهم: حسناً نبحث، لكن أوَّلًا نستفتي العلماء في جواز هذا العمل من عدمه لأن فيه قتل إنسان، فالعلماء قالوا: باعتبار أنَّ هذا مَلِك ومسؤول عن حياة ووجود الأمّة وصلاحها فموته سيُشَكِّل ضررًا كبيرًا، أمَّا موت شخص من الرّعية يُعَدّ ضررًا صغيرًا ويُتَحمَّل الضّرر الصغير من أجل دفع الضّرر الكبير.. أليس الجهاد في سبيل الله قتلًا للنّفوس؟ ففيه ضرر، لكنَّه في سبيل ما هو أحسن وذلك لإحياء القلوب وإنقاذ المجتمع.. فالعلماء أفتوا بالجواز، فبحث رجال الملك حتّى وجدوا الأوصاف متوفرة في طفل عمره اثنتا عشرة إلى خمس عشرة سنة، وله عائلة في منتهى الفقر تعيش في كوخ من تنك ويفترشون الحصير المتقطع وحالتهم بائسة من الجوع والعري والبرد وغير ذلك، فعرضوا عليهم الأمر أنَّنا سندفع لكم ما تريدون من المال ولو خمسين مليونًا كسعر لابنكم، فبيعونا إياه لكي يصبح دواءً للملك، فأبواه من الفقر رضيا وباعا ابنهما، وأخذ الجنود الابن.. وهو قد عَلِمَ بالقصة وأنَّهم يريدون أنْ يشقوا بطنه ويأخذوا مرارته وأنَّه سيموت، فلما أحضروه للملك رأى الطّفل يضحك، فقال الملك: هل أنت مجنون؟ قال: لست مجنوناً، قال: ألا تعلم أين سيأخذونك؟ قال: بلى؛ تريدون أنْ تذبحوني وتخرجوا مرارتي وتُميتونني، فقال: فكيف تضحك إذًا؟ قال: أضحك لأنَّ شرَّ البليّة ما يضحك- فإذا كانت هناك بلية عظيمة والنّاس قد رضوا بها فهذه من شر البلايا- قال: كيف؟ قال: لأنَّ القضية ذبح مؤمن يقول: “ربّي الله”.. فالمشايخ أصدروا الفتوى بالجواز، والعادة أنَّ المشايخ هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإذا كانوا هم من أفتى- والأصل أنهم هم من يناصرون الحقّ على الباطل- فإذا يئس الإنسان من المشايخ فسيلتجئ لأبيه حتَّى يدافع عنه، فأبي أيضًا باعني، والتجأت لأمّي فباعتني هي أيضًا، وذهبت عند القاضي فقال: هذه فتوى من المفتي! فالآن رفعتُ أمري إلى ملك الملوك حتَّى يأخذ حقّ هذا الصّعلوك، لذلك أنا أضحك على أنّه لم يبقَ للحق مناصر حتَّى الأمّ والأب والمشايخ والقاضي؛ لكن يوجد مناصر وحيد سيبقى ناصرًا للحقّ لأنَّ من أسمائه: “الحقّ”، لذلك أنا رفعت أمري له وهو لن يُغَيِّر قوانينه وينصر الباطل.
فأثَّرَت كلمة الغلام في الملك فقال له: والله كلمتك ارتفعت للحقّ وقد حكم لك بالحقّ؛ وأنا لا أريد هذا الدّواء إذا كان فيه إزهاق لنفس مؤمنة، ولْأَمُتْ أنا راضيًا بقضاء الله تعالى وقدره ولا أتجاوز حدود الله إلى ما حرم، فاذهب يا بنيَّ مع سلامة الله وبارك الله لكم أيضاً بالملايين التي أخذتموها، ومِن صِدق الملك أيضًا شفاه اللهَ.. فالشَّيخ الذي يروي القصة كان يعلق عليها ويقول: وهكذا شأن الإسلام في زماننا- وهذا قبل مئة سنة- وقد التجأ للمشايخ فأصدروا الفتوى بذبحه، وحتّى الأمّ والأب قد باعاه، والقاضي صدَّق على الفتوى، فلم يبقَ سوى ملك الملوك.
الشّاهد يا بنيَّ.. أنَّ الإنسان إذا صدق مع الله تعالى فليس عزيزاً عليه أنْ ينصره.. فسيِّدنا إبراهيم عليه السّلام كان وحده والله لم يخذله، وسيِّدنا موسى عليه السّلام لم يكن معه على الأرض سوى أخيه هارون عليه السّلام والله عزّ وجلّ لم يخذله، وسيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم كان وحده أيضاً.. فتحتاج أنْ تنال الصّدق.. وكلمة الصّدق كلمة لذيذة على المسامع، ولكنك لا بد أن تجاهد لتصل إليها، فالصّدق فرع من فروع الإيمان الحقيقي، وإذا لم تكن الشّجرة موجودة ولم يكن جذرها وسقايتها وتغذيتها وحراستها وتشذيبها موجودين، ولم يتوفَّر لها المهندس الزّراعيّ من ورائها فلن تصير شجرة لها هذه الفروع، لذلك فكلّ مسلم مُطالَب بالصّدق وليس طالب العلم فقط، فكلّ مسلم مُطالَب بالإخلاص والصّدق، ويجب أنْ يوجد العلم مع الصّدق؛ فالصّدق والإخلاص مع الجهل قد يكون ضررهما أكبر من نفعهما، وقد يكون ضرر العمل أحيانًا أهون من ترك العمل.
لا تصاحب أحمقاً ولا تسمح لأحمق أن يصحبك
مثل ذلك الابن الذي كان أبوه يريد النوم؛ فقال له: ادفع عني الذّباب حتَّى أنام، فذبَّه وكلما زجره رجع، فقال: إلى متى؟ فهذا الذّباب لا يفهم ولا يستحيي ولا يخاف، وأنا طويل وعريض وهؤلاء كلّهم بقدر القمحة ومع ذلك أذبُّهم ويرجعون، فيجب أنْ أحكم عليهم بالإعدام لأُخَلِّص أبي من إزعاجهم فينام، وأخلِّص نفسي من التّعب، ففكر أنْ يقتل الذّباب، فكيف سيقتله؟ أحضر أحَد حجرَي الرَّحَى- ولم يكن يوجد عنده في البيت سوى الرّحى وهي طاحونة القمح والعدس- وانتظر الذّباب حتَّى تجمع على أنف والده وعلى عينيه وعلى وجهه، وضبط الموقف جيِّدًا حتَّى اجتمع كلّ الذّباب، ثمَّ رفع رحى الطّاحون الكبير وضرب الذّباب به بكلّ ما يملك من قوَّة وطاقة على عيني أبيه وعلى أنفه وفمه حتَّى يريح والده من الذّباب ويريح نفسه من التّعب والعناء.. فهذا صادق في قصده ومخلص، ولكنَّه تصرَّف على جهل؛ فقد أراد قتل الذّباب، ولكنه أسقط حجر الطّاحون على أنف وعَيني وَوجه والده، والذّباب هرب وطار؛ وهو قد قَتَلَ والده ولم يقتل أيَّة ذبابة.
على المسلم أن يتدبر عاقبة كل أمر يفعله
إن الحكمة من الإسلام ومن الفقه ومن العلم.. ((إذا أردت أمرًا فتدبر عاقبته)) 4 .. والغضب شعبة من الجنون ونفخةٌ من نفخات الشّيطان، وعند الغضب لا يصحُّ أنْ تتصرف، وتنتظر حتَّى يسكن غضبك.. ((إنّ الغضب ليُفسِدُ الإيمان- يعني الأخلاق الإيمانيّة- كما يُفسِدُ الصّبر العسل)) 5 .. يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]، ويقول: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7]، ويقول: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 6]؛ فهل الأمر هكذا فقط، وليس له شروحات أو تفصيلات أو شروط أو أركان أو آداب؟ هل الأمر هكذا فقط: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7]؟ هل يصحُّ أنْ تذهبوا الآن إلى فلسطين وتهجموا على اليهود وبالكتب التي معكم؟ ستكونون تمامًا مثل الخِراف التي مضَت إلى الذّبح! وتكونون قد فعلتم بأنفسكم مثل الذي فعله ذاك بوالده! هذا شيء صارت له أصول وترتيبات؛ فالدّولة تُقابَل بعمل دولة، والجيش يُقابَل بعمل جيش، والأخصائيون يُقابَلون بعمل أخصَّائيين، ربَّما لا ترى الدَّولة الآن وجود مناسبة للحرب ولا بعد سنة ولا بعد خمس ولا بعد عشر، الوقت مهم.. عرفات له وقته، فإذا ذهبت في غير ذي الحجة إلى عرفات فلن يُقبَل لك حجّ، الحجّ له شريعة في عرفات، ولو صعدتَ إلى جبل قاسيون في وقت الصّعود إلى عرفات فلن يُقبَل منك، فعليك مراعاة الزّمان والمكان والإمكان، ويجب أنْ تتبصَّر بالعواقب والنّتائج وما تملك من وسائل لتحقيق الهدف والمطلوب.
على طالب العلم العمل على إصلاح المجتمع
وعلى طالب العلم في هذا الوقت- وهذه وصيّتي لكم فلا تنسوها- أنْ يشتغل بإصلاح المجتمع بعد أنْ يُصلِحَ نفسه حتَّى يكون داعياً ومعلماً ومُرشداً، لا بأقواله فقط.. فاليهود كانوا يدعون إلى الله بأقوالهم لا بأعمالهم، فالله تعالى لامَهم ووبَّخهم فقال: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: 44]، وكان يوجد فيهم علماء كبار، ولكنَّ الله لم يُسَمِّهم علماءً، بل سمّاهم جهلاء أميّين؛ فقال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: 78]، فقد يعلَمون الكتاب لكنَّهم لا يعلمونه إلّا أماني.. اقرأْ آية واحدة من القرآن، لكن افهمها وتخلّق بها، ولا يمكن لك ذلك إلّا إنْ كان لك قلب: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]، فعليك أنْ تبدأ من القلب.
كان طالب العلم إذا جاء إلى شيخ التّربية والتّزكية يقول الشّيخ لبعضهم: بِعْ كتبك، وبعضهم يقول له: اذهب وادفن كتبك في التّراب.. وليس المقصود ما نهى عنه الفقهاء من إتلاف المال وأمثال هذا الكلام.. فهؤلاء مربُّون وحكماء، بل معنى ذلك أنْ اجعل هذا الذي قرأَتهُ مثل التّراب، فليس هو الذي يوصلك إلى الحقيقة والمطلوب والمراد، فهل الكتب هي التي أوصلت الصّحابة رضي الله عنهم؟ كم كتاباً كان في زمان الصّحابة رضي الله عنهم والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام؟ لم يوجد أي كتاب، حتَّى المصحف لم يُجمَع إلّا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان مكتوباً على الأحجار والعظام وأوراق النّخل، ثمَّ نُسِخَ بضعة نسخ في خلافة عثمان رضي الله عنه وبإجماع المسلمين وإجماع الصّحابة، فلم يكن في ذلك الوقت لا سنّة ولا شيعة، والمسلمون كلّهم لم تدخل فيهم المشكلات والأهواء والنّزعات.
الخلوة مع الله أساس العلم
والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام ترك كلّ شيء واعتكف في غار حراء، فكذلك يجب على طالب العلم.. فهذا البناء أول ما بنيناه لم نبدأ من الطّابق السَّابع، ولكننا أولاً حفرنا الأرض واشتغلنا بالأساس، وأساس إيمان النُّبوَّة كان في حراء.. المشايخ الذين تركوا الآثار وزرعوا أرض القلوب بإيمان اليقين وبالحكمة وإنقاذ المجتمع ونشر الإسلام هم العلماء الحقيقيُّون.. إسلام بلدان الشّرق الأقصى مثل إندونيسيا والفليبين- التي كانت مسلمة أيضاً- وبقية أجزاء الملايو؛ هذه كلّها كان إسلامها بواسطة الشيوخ عن طريق جهاد الدّعوة وليس جهاد الدّولة ولا جهاد الجيوش، بل بجهاد الدّعاة.. والدَّعوة خصلة من خصال الإيمان وصفة من صفات المسلم والمسلمة، فيجب أن نصدق في إسلامنا.. والعلم الذي تقرؤونه إذا انتهيتم من دراسته، فأقول لكم أنْ تطمروه في التّراب وتضعوا الكتب جانبًا.
دخل أحد الشّيوخ على مريده في غرفته فرأى عنده مصحفًا، فقال له: ما هذا؟ قال: مصحف، قال: هذا عمل البطّالين.. كيف يكون عمل البطّالين؟ هذا القول قد يفهمه البعض على نحو سيء.. إذا غنَّت أم كلثوم للحمير فماذا سيفهمون؟ ولو ألقينا القصيدة التي تمدح النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام والتي أولها
ريمٌ على القاع بين البان والعَلَمِ
لو ألقيناها على خمسين حماراً وسبعين بغلًا وخمس مئة بهيمة فماذا سيفهمون من كلامها؟ هل سيفهمون النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام ويفهمون أم كلثوم وكوكب الشرق؟ هل لأن القصيدة ليست في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المغنية ليست أم كلثوم؟ أم لأنهم بغال وحمير؟ بل لأنّ كلام الكُمَّل لا يفهمه إلّا الكُمّل.. فقال ذلك الشّيخ للمريد: هل سورة الفاتحة حقّ أو باطل؟ قال: حقّ، قال: فلو قرأتَها مكان التّحيّات هل صلاتك صحيحة أو غير صحيحة؟ ألاَ تكون هذه بَطَالة؟ إذا أراد شخص أميٌّ أنْ يدرس أوَّلَ شيء في كليّة الطّبّ أو يُقَدِّمَ على رسالة الدكتوراه ألا تكون هذه بطالة؟ قال: فأنت الآن مهمّتك الذّكر فقط.
ثلاث درجات لأهل الكمال
لذلك لم يكن على المسلمين في مكة صوم رمضان ولا الحج ولا غيرهما، كلّ هذه الفرائض فُرِضَتْ بعد خمس عشرة سنة، كان التّركيز كلّه على الذّكر وعلى مجاهدة النّفس وتزكيتها: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14-15]، وفي اصطلاح المزكِّين ومدرسة التّزكية أنَّ الذّكر وأحوال القلب كلّها من عمل المبتدئين، والمتوسطون يدخلون في مدرسة القرآن، والكاملون يشتغلون في نوافل الصّلوات، فلا يجوز أنْ يقلّد المبتدئ المنتهي أو أنْ يُقَلِّد المنتهي المتوسط.. لذلك ربّما يجلس شخص مع مبتدئ فيسكر بكلامه، ويجلس مع أهل الكمال فيرى كلامهم عاديًّا، لأنَّ الكامل يتكلم في مقامات الكمال وفي النّهايات.. إذا قرأت قصيدة من قصائد ابن الفارض تراها في الحبّ وفي العشق الإلهي وتُشعِلُك شوقًا لأنَّك مبتدئ، ولكن اقرأ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [المسد: 1-2]، وقول الله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون:1]: فهنا الكمال الذي لا يراه الجميع، وهناك روضة الأطفال.
الصدق في الذكر
فيجب أنْ تكونوا صادقين في إسلامكم وصادقين في ذكركم، وخاصة طلاب العلم منكم؛ فطالب العلم يجب أنْ تكون له ساعتا ذكر على الأقل في الصّباح والمساء، الذّكر مع التَّقوى ومع تزكية النّفس، وهذه كبداية وكتسديد قسط بسيط، أمَّا لتحصيل السّلوك الحقيقي فيجب أنْ ينقطع عن الخلق كليّاً، وإذا لم يمكنه فلينقطع ولو نصف النّهار.. فلا يهتم ولو جاء أبو بكر الصّديق رضي الله عنه فليقل له: إنّني مشغول مع الله عزّ وجلّ، وحين ينزل إلى ميدان الحياة فليكن مثلما قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاة فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103].
فكلّ أعمال الشّريعة مثل تمديدات الكهرباء؛ فهذه فيها مراوح وهذه فيها مذياع وتلك فيها “فيديو” وتلك فيها مصعد وتوجد معامل، وإذا لم يكن هناك تيار كهربائي فما الفائدة من كلّ تلك الأدوات؟ وهل التّيار ظاهر أم خفي؟ لا يُرَى وليس له جسم ولا طول ولا عرض، لكنَّه يُعرَف بآثاره.. وكذلك الرُّوح لا تُرى وليس لها طول ولا لون ولا عرض، وتُعرَف بإحيائها الجسد.. الهواء لا يُرى ولا يُعرَف له لون ولا طول ولا عرض، ولكن يُعرَف وجوده بالإحساس به، والعقل كذلك ليس له طول ولا عرض ولا لون، وهكذا.. فهناك من يسألك عن الله عزَّ وجلَّ ويقول: كيف أؤمن بشيء لا أراه؟ فهذا حمار؛ فهل كلُّ ما تُؤمن به يجب أنْ تراه؟ هل رأيت واشنطن وطوكيو وباريس؟ أفلم تؤمن بوجودها؟ لأنها رُويت بالتواتر.
كان هناك أستاذ ملحد يُدَرِّس الأطفال في المرحلة الابتدائيّة فقال لهم: إن الله ليس موجودًا، والدليل أننا لا نراه، ولو كان موجودًا لأظهر نفسه.. فرفع طفل في الصف الثّاني أو الثّالث إصبعه وقال: يا أستاذ، قال: ماذا؟ قال: أريد أنْ أسألك، فقال: تفضل، فقال: هل فيك عقل أم لا؟ قال: ألا تستحي من أستاذك؟ قال: هذا مجرَّد سؤال فإنْ لم يكن فيك عقل سيُضايقك أمَّا إنْ كان عقلك موجوداً فلن يضايقك سؤالي، فجاوبني: هل يوجد فيك عقل؟ قال: يوجد عندي عقل، قال: أرني إياه إذن! فبُهِتَ الذي جَهِل.. لا نقول “كفر” بل “جَهل”.. لطِّفوا عباراتكم مع النّاس، فالكفر جَهل.
الفوائد التي يجنيها الإنسان من الصّدق
بالصّدق سيُعطيكم الله الرَّوحانيّة ويعطيكم من صفاته الإلهيّة.. إن الله جميل، فسيُعطيكم جمالاً في النّطق وجمالاً في الحديث وجمالاً في المجالسة وجمالاً في المعاني وجمالاً في الحِكَم وجمالاً في الدّخول إلى القلوب من غير استئذان، إذا صدقتم مع الله فسيُهيِّئ لكم من الوسائل ومن الأسباب ويجعلكم مُحَبَّبين إلى الخلق تَألَفون وتُؤلَفون.. ومن الصّدق مع الله عزّ وجلّ أنْ تصبر.. كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يمرّ على الصّحابة رضي الله عنهم وهم يُحرَّقون بالنّار، فيقولون: إلى متى يا رسول الله؟ فيغضب النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام لأنَّ هذا شك في الإيمان وعدم استقامة على جادَّته، فيقول: ((كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ)) 6 .. قيل: الجواد الذي لا يكبو ولا يَعثُر بصاحبه هو جواد وحصان الصّبر.. وصبرك له طاقة، فَأَوْصِل طاقتك بطاقة الله تعالى، فإذا أوصلتَ روحك بروح الله سيأتيك من صفات الله عزّ وجلّ.. من الصّبر، فكم يصبر الله عزّ وجلّ على عباده وعلى كفرهم وعلى جحودهم وعلى استهتارهم وعلى سِبابِهم وعلى معاصيهم المختلفة؟ ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127] هذا من الصّدق في التَّقوى ومن الصّدق في الإيمان ومن الصّدق في نصرة الله تعالى.. ولو لم يصبر النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام فتصرَّف كسيِّدنا يونس عليه السلام حيث لم يُفِده هربه، كما أخبر الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم: 48]، فقد هرب من ضيق فوضعه الله عزّ وجلّ في الزّنزانة البحريّة أسفل البحر حتَّى قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].. أنت منزَّهٌ عن أنْ تأمر بأمر ليس له نتاج حسن.. ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87-88].
فاصدقوا الله عزّ وجلّ يا بنيَّ، واعرفوا أنَّكم الآن تقرؤون قشور العلم ولو أخذتم ما هو فوق مرتبة الدّكتوراه.. فالصّحابة لم يأخذوا العلم بهذا الأسلوب، بل أخذوه من الهجرة ومن الصّحبة ومن: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: 16]، ومن: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، ومن: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ [الأعراف: 205]، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ)) 7 .
فاصدقوا الله يا بنيَّ وكونوا على يقين من أنَّه لا يصدق إنسان مع الله، والله لا يصدق معه.. وإلّا فسيكون الإنسان أفضل وأعظم من الله وهذا مستحيل! فالنّقائص تُسجَّل عليك لا على الله.. فالله يكافئ على الحسنة الواحدة من عشرة إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف بلا عدد ولا حدّ.. فنسأل الله عزّ وجلّ أنْ يرزقنا الصّدق واليقين.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد، وعلى آل وصحبه، والحمد لله ربِّ العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- مسند الفردوس للديلمي، (3/419). الطبراني في الأوسطــ، عن ابن مسعود، بلفظ: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا عالم أو متعلم) (4072).
- المستدرك للحاكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، رقم: (427)، (1/212)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (10/25)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7695)، (10/401)، مكارم الأخلاق للطبراني، رقم: (18)، (318).
- يُشير الشيخ إلى القصة التي وردت في صحيح البخاري، عن ابن عمر، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيراً فترك الأجير أجرَه..، رقم: (2272)، صحيح مسلم، عن ابن عمر، كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، رقم: (2743)، ولفظ الشاهد منها عند البخاري: ((انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ...)).
- الزهد لابن المبارك، رقم: (41)، (1/14)، تخريج أحاديث الإحياء، (4/1831).
- شعب الإيمان للبيهقي، عن معاوية بن حيدة، رقم: (7941)، (6/2810).
- صحيح البخاري، عن خباب بن الأرت، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم: (3612).
- متفق عليه دون لفظة: ((ونفسه التي بين جنبيه))، صحيح البخاري، عن أنس، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم: (15)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين..، رقم: (44)، بزيادة: ((والنَّاسِ أجمَعينَ)). وفي مسند أحمد في قصة عمر عن زهرة بن معبد عن جده (18961). وهو عند المروزي في تعظيم قدر الصلاة، رقم: (469)، (1/452)، بلفظ: ((لَا يَطْعَمُ أَحَدُكُمْ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ)).