تاريخ الدرس: 1992/04/10

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:02:00

سورة الرحمن، الآيات: 6-23 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِن النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

مِن خصائص القرآن المكي:

فنحن الآن في تفسير سورة الرحمن، وسورة الرحمن نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مكة قَبل هجرته إلى المدينة، وكل القرآن الذي نزل على النبي ﷺ قَبل الهجرة كان لإصلاح القلب والعقل والأخلاق، والصِّلة بالله عزَّ وجلَّ لتحيى الروحُ بروحِ الله، وكان قائمًا على الدعوة إلى هذه المعاني، ولبناء شخصية المسلم، إيمانًا وتفكيرًا وأخلاقًا ودعوةً وصبرًا على تحمُّلِ المكاره والشدائد، ومحاربةً للخرافات والأوهام والأباطيل التي شلَّت العقل عن الإنتاج، وشلَّت النفسَ عن العلوِّ إلى معالي المجد والعز والسؤدد في هذه الحياة وفي عالم السماء.

سبب تسمية السورة بالرحمن:

ومما نزل قبل الهجرة سورة الرحمن، وقد سمِّيت بهذا الاسم لأن الله عزَّ وجلَّ ذكر فيها كثيرًا مِن نعمائه على عباده، وذَكَر فيها ما يُعرِّفهم بذاته مِن نافذة رحمته الواسعة، وعظمته في هذا الكون، ليعرِف الإنسان ربه، ويعرِف عطاءه وكرمه وجَماله وإحسانه، وليُحبَّه ويعشقه، وليعرف عظمته وقدرته وجلاله ليهابه ويَعظُمَ في قلبه، حتى يفنى في قلبه كلُّ عظيم، فلا يبقى إلا الواحد الأحد.

عِلمُ القرآن يخرج خريج مدرسة القرآن:

وباسمه تعالى الرحمن وبتجلِّي رحمته على عالَم الأرض والإنسان ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] علَّمه لنبيه ﷺ علمًا يوجب العمل، والعِلم بالقرآن قَبل العمل، والعلم الذي يوجب العمل ليس سماع الأُذن فقط مِن غير أن يَتَّصِل العقل والفكر والفهم بمعاني القرآن.. ثم ينتقل القرآن بهذه المعاني إلى القلب نورًا وهدًى وحبًّا وقربًا إلى الله عزَّ وجلَّ.

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] الرحمن علمَ القرآنَ لنبيه ﷺ فصار خرِّيج مدرسة القرآن، ولكن كما قال القرآن الكريم عن رسول الله ﷺ: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] هو المسلم الأول، فكان بالحكمة إمام الحكماء وإمام الأنبياء، وكان بالعلم سيد العلماء مِن آدم إلى قيام الساعة، وبُعث بمكارم الأخلاق ليغرسها في النفوس، وليغرسها في المجتمع حتى جعل مِن “الأمة العربية” بهذه المواصفات ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] لا بمجرَّد النطق باللغة، بل بهذه المعاني صارت خير أُمَّة علمًا، وخير أُمَّة حكمة، وخير أُمَّة أخلاقًا، وخير أُمَّة وحدةً، وخير أُمَّة قوةً وعظمةً، وخير أُمَّة عدالةً ومساواةً، وخير أُمَّةٍ قامت بنشر هذه المعاني في العالَم كله لتضم تحت جناحيها أمم العالَم، فتجعل مِن شعوب الدنيا شعبًا واحدًا، تُظلِّلُه أُخوُّة الإسلام، وصارت شعوب العالَم كالجسد الواحد ((إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ)) وتنادى له ((سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) 1 . [يجدر التنويه إلى أن كلمة “الأمة العربية” هنا ليست مقصودة بحدِّ ذاتها، ومن البدهي أنّ الآية خطاب للمسلمين جميعاً لمن آمن منهم بالله تعالى وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، سواء كان عربياً أو رومياً أو فارسياً أو حبشياً أو غير ذلك، ولكن سماحة الشيخ كثيراً ما يؤكد على هذه الكلمة لأنه يخاطب العرب، وخاصة السياسيين وأبناء المجتمع الذين يرفعون شعار العروبة والأمة العربية، ليقول لهم بشكل غير مباشر: كان مجدكم وعظمتكم بالإسلام لا بانتمائكم للعرب والعروبة].

وهذا كان في نصف قرنٍ وبوسائل بدائية، ولم يكونوا يريدون غنيمةً ولا للشعوب قهرًا، ولا للمستضعَفين ظلمًا، ولكن كما كانوا يقولون: “بَعثنا اللهُ عزَّ وجلَّ لنُخرج الناس مِن عبادة العباد -يعني تأليه الإنسان- إلى عبادة الله، ومِن فقر الدنيا وجورِها إلى سَعَتها وسعادتها”، قالوها قولًا، ونفَّذوها عملًا، وحقَّقوها واقعًا، فتحضَّرت الشعوب وتآخت وارتقت عِلمًا وحكمةً ووحدةً، وصاروا غُرَّةً في جبين الزمان وفي جبين التاريخ.

لقد علَّم النبي ﷺ أهل زمانه وجيلِه، ثم إنَّ صحابته علَّموا مَن بَعدَهم، علَّموهم بالأقوال وبالأعمال وبالسلوك، وبالقلب والحال والصدق والإخلاص.. فهذه الرحمة وهذه العظمة وهذه السِّعَة العالمية أليست أعظم نعمةٍ مِن نِعَم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان؟

نعمة البيان والهدى:

﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:4] وكذلك أعطى الله عزَّ وجلَّ للإنسان نعمة أُخرى بعد مدرسة القرآن، فأعطاه النطق، وأعطاه اللغة أيضًا ليبيِّن بها ما في نفسه وحاجاته، وعلَّمه الكتابة أيضًا ليبيِّن مقصوده لِمَن بَعُدَ عنه، أو لِمَن يأتي بعدَه.. وقد كتبوا القرآن، والكتابة مِن البيان، والنطق مِن البيان، فمَن الذي علَّم بالقلم؟

ومَن الذي جَعَلَ: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10]؟ النجد الشيء المرتفع، فالثدي في صدر الأم مرتفع، فهما ثديان ونجدان ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] فعندما خرج الإنسان مِن بطن أمه مَن علَّمه الرضاع؟ والابن إذا كَبرَ وصار عمره عشرين سنة هل يعرف كيفية الرضاع كالرضيع عندما يخرج مِن بطن أمه؟ فمَن الذي علَّمه؟ إنه الرحمن، وذلك برحمته وبعطفه وبحنانه وبعنايته بك أيها الإنسان، أفلا يجب أن تحبَّ هذا الرحمن؟ ألا يجب أن تعطيه كُلَّك؛ كلَّ روحك وكلَّ قلبك وكلَّ جهدك وكلَّ طاقاتك؟ لا تعطيه لينتفع بها، بل تعطيه نفسك وكلَّ ما تملك ليضع لك برنامجًا لِتستعمله فتَسْعَد به أنتَ، لا ليسعد به الرحمن، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:4] هذا القرآن هدية السماء، وخَلْق الإنسان والإيجاد [نعمة من الله تعالى]، فكم يركض الإنسان إلى الأطباء والدواء حِرصًا على بقائه واستمرار وجوده؟ فالذي أعطاك هذا الوجود وما في وجودك مِن نعمٍ وأعضاء وأنسجة تتحيَّر في معرفتها وفي وظائفها عقولُ الأطباء.. ألا يجب لِمَن كان مصدر هذه العطاءات أن تحبه، وأن تطيعه وأن تقف عند حدوده فلا تتجاوزها إلى محرَّماته؟

دِقَّة خلق السماء:

ثم قال إنه أنعم عليك أيضًا بالشمس والقمر، فقال: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [الرحمن:5] وجعل حياتك قائمةً على أدائهما لوظيفتهما، فلولا حرارة الشمس على الأرض ولولا تقدير المسافة بين الشمس والأرض وتحديدها بمئة وخمسين مليون كيلو متر لَمَا كانت الحياة لإنسان ولا لحيوان ولا لنبات، ولو كانت المسافة أقرب مِن ذلك لاحترقت الأرض ومَن عليها، ولو كانت أبعد لتجمَّد كلُّ شيء عليها.. فمَن الذي هَندَس هذه المساحات وهذه المسافات التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؟ وهي في عالَم الفضاء تسير بسرعات خيالية.. ثم جعل القمر أيضًا يجري ﴿بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5] كما أن الشمس تجري بحسبان، فمِن الشمس تتولد السنون والفصول الأربعة، فهذه الشمس نعمة، وكذلك القمر وجريانهما وأبعادهما وأحجامهما وحرارتهما، وكذلك أَخْذُ القمر للنور مِن الشمس وإعطاؤه للأرض، وبالمقابل فإنّ الأرض أيضًا تُعطي انعكاس نور الشمس منها إلى القمر.

فهل وُجِد كل هذا بالفوضى أو بصُنع مهندسين مِن أوروبا أو أميركا أو اليابان أم بصُنع خالق هذه الأكوان؟ فهل عرفتَ عظمته؟ وهل عرفتَ أنه مصدر كلِّ نعمةٍ عليك؟ سواءٌ في الأرض أو في السماء.. وهو الذي رفع السماء فوق رأسك سحابًا وأُوْزُوْنًا وكواكبَ ورياحًا وأمطارًا، منها للحياة ومنها درعًا مثل “الأوزون” الذي يَقيكَ مِن الإشعاعات القاتلة التي تأتي مِن النجوم.

﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا [الرحمن:7]، ليس ذلك فقط، بل زيَّنها: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات:6] هل زيَّنها لنفسه؟ لا، بل زيَّنها لك، لتعشق جمالَها وصورتها لتتفكَّر بمصوِّرها ومزيِّنها، ﴿زَيَّنَّا كم يُدلِّلُنا الله سبحانه؟ فيا ترى هل ذَكرتَ عطاءه؟ وهل ذكرتَ كيف أنه ما أعطاك الضروريات فقط، بل أعطاك الجَمال أيضًا؛ أعطاك جَمالًا في الأرض والسماء.

الله يعلمنا الميزان والنظام ويأمرنا به:

﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:7] وضع في الكون الميزان، يعني النظام، وضع الميزان في عالَم السماء، وفي عالَم الأرض، وفي عالَم بذرة القمح، وفي عالَم بذرة الشعير، وفي المشمش، فكل واحدة مِن هذه الثمرات تأخذ غذاءها مِن الطين، فتقوم بالتركيب الكيماوي وتصنع السكريات فيها بميزان، فالسكريات في العنب بميزان وفي التين بميزان مختلف، والقثاء والخيار واليقطين لم يضع فيها سكريات، وكل هذا بميزان، والنشويات والبروتينات كلها بميزان، ولِمَ يقول لك: بميزان؟ كي يعلِّمك أنْ تكون أعمالك كلُّها بميزان.

وضع الميزان في الكون مِن الذرَّة إلى المجرَّة، ليُعلِّمنا أنْ تكون أعمالنا بميزان ونظام في كلِّ شيء

• في العبادة بميزان، النبي ﷺ قال: ((الْمُنْبَتُّ)) الذي يُجهِدُ جَمَلَه في السفر بلا استراحةٍ في الطريق فيموت جَمَلُه، ((لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى)) 2 .

ذُكر للنبي ﷺ عن أحد الصحابة أنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار فلا يفطر، فقال له: ((إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ نَقَهَتْ نَفْسُكَ، وَغارَتْ عَيْنُكَ)) 3 ، ((الْقَصْدَ الْقَصْدَ)) 4 فإن الاقتصاد والاعتدال هو النظام.

• في المال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
• في الحب: قال رسول الله ﷺ: ((أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا)) بحدود معقولة ((عَسَى أَنْ يَكُونَ عدوَّكَ يَوْمًا مَا، وعادِ عَدُوَّكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)) 5 يعني أبقِ مكانًا للصلح.
• في الأكل بالميزان: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] الإسلام يعني النظام، والإسلام يعني الوسط في كل شيء.
• قال الحكماء والفلاسفة: “الفضيلة في الأخلاق والأعمال ما كانت بين رذيلتَين”، فهناك السخاء والكرم وهذه فضيلة، فالسخاء فضيلة بين رذيلتَين: الأولى: البخل، والثانية: التبذير والإسراف، فالسخاء لا بخلَ ولا إسرافَ، ((ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ)) 6 ، والشجاعة بين رذيلتين، بين الجبن والخَوَر وبين التهور والإقدام بلا تفكُّر.

الرَّأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُّجعانِ

لقد جعل الله عزَّ وجلَّ الكون بميزان، فعليك أن تتعلَّم مِن الله تعالى، لأن الله يعمل [ويخلق] بميزان، فهل أنت أعظم مِن الله وتريد أن تنجح بلا ميزان؟ اجعل كلامك بميزان وحبك بميزان وعطاءك بميزان ومنعك بميزان وسهرك بميزان وأكلك وشربك كل شيء في حياتك بميزان.

القدرة على تحمُّل المسؤولية أحد جناحي النجاح:

وقيل: إن النجاح في الحياة يقوم على شيئين: على النظام وعلى الشعور بالمسؤولية، فيجب أن تشعر بأنك مسؤولٌ عن نفسك وعن أهلك وحياتك وعن أولادك، فهناك شخص قد يُعطيه الله سبحانه وتعالى في سنة واحدة كفاية العمر، فإنْ صَرَفها في سنة فسيبقى طول عمره فقيرًا محتاجًا، يقول لك: “أَنفق ما في الجيْب يأتيك ما في الغيب”، [مَثَلٌ شامِيّ يقوله العوام، فيه دعوة لتنفق ما تملك الآن تواكلاً ومن غير تخطيط وشعور بالمسؤولية]، والله عزَّ وجلَّ قال: ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:7]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27].

• في العبادة أيضًا: فقيام الليل والصيام يجب أن يكون كله بميزان، حتى إنَّ الصائم قد يضرُّه الصوم فلا يُكلَّف به، ففرائض الله عزَّ وجلَّ ميزانٌ لسعادتك، فإذا عرض عليك أمرٌ عارضٌ فصار الصيام لا يلائمك فالإفطار فريضة، هذا هو الميزان، فإذا قال لك الطبيب المؤمن: يجب أنْ تفطر لوضع في القلب أو المعدة أو كذا.. فهذا نظام، وطاعة الله تعالى أن تفطر.

كان النبي ﷺ في فتح مكة، وكانوا صيامًا في رمضان وفي حرارة الحجاز، وعندما صار الوقت بعد العصر، ذكروا للنبي ﷺ أنَّ بعض الصحابة يَكاد يُغمى عليهم مِن العطش، والوقت بعد العصر، [فأفطر النبي ﷺ أمام الناس]، وذكروا للنبي ﷺ إصرار بعضهم على مواصلة الصيام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ)) 7 ، فانقلبت الفريضة وركنُ الإسلام من فريضةٍ لا بدَّ مِن أدائها، إلى معصيةٍ يجب اجتنابها، لأنَّ الله سبحانه وتعالى ما فرض عليك شيئًا إلا لأن سعادتك لا تتحقَّق إلا بأداء ذلك الفرض، وما حرَّم عليك شيئًا إلا لأن تلَفَك أو تلف مالِك أو ما شابه ذلك يكون بفعل ذلك الشيء، فما أوجب الله شيئًا لمصلحته هو، وما حرَّم شيئًا لأنَّ فيه مضرَّته هو سبحانه.

عدمية الميزان تُساوي الفوضى في كل تفاصيل الحياة:

لقد أنزل الله عزَّ وجلَّ الميزان، لماذا؟ قال: لئلا تطغوا في الميزان: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ [الرحمن:8] لئلا تتجاوزوا حدود النظام إلى الفوضى، وحدود الجماعة إلى الانفراد: ((يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ)) 8 ، ((وإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ الْقَاصِيَةِ)) 9 ، ومن الميزان كان النبي ﷺ يقول: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي)) 10 .

هذا نظام وميزان، فالأمم نجحت بالميزان ونجحت بالنظام، والعدل ميزانٌ، ولذلك يضع القضاة رمز العدل كفَّتي ميزان، أي إنهم لا يميلون مع أحد الخصمين على الآخر.

علَّمكم الله عزَّ وجلَّ بأنه وضع الميزان لتتعلموا أنْ تكون حياتكم كلها موزونة، فإذا تكلمت تعرف كيف تتكلَّم، وإذا سكتَّ تعرف كيف تسكت، كان بعضهم يقول: “تعلَّمتُ السكوت كما تعلمتُ الكلام”، فتعلُّم متى تسكت ومتى تتكلَّم يحتاج إلى نظامٍ وميزانٍ، وإذا تكلَّمت بلا ميزان وبلا نظام تصير مَضحَكة للناس وتفشل.. وكم مِن كلمة قالها صاحبها بلا نظام فكانت سبب هلاكه أو سبب فشله أو سبب مَقت الناس له! رُبَّ كلمة تَدخل بها الجنة، ورُبَّ كلمة تَسعد بها في الدنيا والآخرة، فهل تتكلَّم بميزان؟ وهل تأكل بميزان؟ وهل تنظر بميزان؟ يجب عليك أن تنظر لِمَا ينفعك، فإذا عرض لك شيءٌ يضرُّك فقد أعطاك الله حِجابًا وأبوابًا أوتوماتيكية، وبمجرد الإرادة تُرْخَى الستائرُ ويُمنَع النظر عن الوصول إلى ما يؤذيك.. والسماع يجب أن يكون بميزان، فعليك أن لا تستمع إلى كلِّ متكلِّم، فهناك متكلِّم يجب أنْ تُصِمَّ أذنيك عن سماعه، وآخر يجب أن تُغمض عينيك عن النظر إليه.

وكذلك يجب أن يكون عملك بميزان، ومعاملتك مع أهلك بميزان، ومع جارك بميزان، ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:7] والقرآن هو الميزان الذي وضعه الله عزَّ وجلَّ لنا، فهل نزِن به أعمالنا وأقوالنا وحياتنا وعواطفنا ومعاملاتنا؟ فإنْ مشيتَ على ميزان الله عزَّ وجلَّ فإن ميزانَه سبحانه ونظامَه يَسعَد به كلُّ مَن تشرَّف باستعماله، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طه:124-126]، نسيتها حتى لو أنك تلوتها لفظًا وسمعتها أُذُنًا: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21] فما سمعتها امتثالًا ولا طاعةً ولا تَخَلُّقًا ولا سلوكًا.

إن سماع الصوت [سماع القرآن] ليس المراد مِنه السماع، بل المراد مِن الاستماع أنْ يَتَحَوَّل ويُهْضَم ويَتَمَثَّل فيك عملًا، سواء عمل الجسد أو عمل الفكر أو عمل القلب، وأنْ تحب مَن يحبه الله، وأن تحب ما يحبه الله، وأن تبغض مَن يبغضه الله، وأن تبغض ما يبغضه الله مِن قولٍ أو عملٍ أو صحبة أو غير ذلك.

النظام الإلهي هو من رحمة الله تعالى وحنانه على خلقه:

إن الله تعالى رحيمٌ بنا، وكما يحرص الأب والأم على إسعاد ولدهما فإن الله تعالى أحرص وأرحم وأشفق، لنكون سعداء، فأين رحمة الأبوين مِن رحمة الله! مَن أودع في الضَّبْعَة الأم واللبوة الأم والذئبة الأم التي لا تعيش إلا على اللحوم أنْ تكون رحيمةً حنونةً على ولدها؟ مَن أودع فيها هذه الرحمة؟

مرة في زمن النبي ﷺ رأى أَحد الصحابة عش طائر وفيه فراخ صغار، فأخذ الفراخ مع العش ووضعهم في ذيل ثوبه، فجاءت أمهم وصارت تطير حوله وتزقزق، ثم ألقت بنفسها محبةً وحنانًا على فراخها في ثوبه، فقال النبي ﷺ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ رَحمَةِ هَذه الطَّائِرةِ بِأَفراخِها)) 11 .

لكن الأم مع رحمتها قد تَشُدّ أُذُن ابنها في بعض الأوقات [شَدّ الأذن كناية عن العقوبة للتأديب]، وفي بعض الأوقات لا تعطيه المال أو تحبسه في المطبخ أو في الغرفة، والأب حياته كلها مِن أجل إسعاد أبنائه، لكنه في بعض الأوقات قد يقاصص ابنه.. وهل يوجد أرحم مِن النبي ﷺ بعد الله عز وجل؟ فقد كان يؤدِّب مَن يستحق التأديب، ويقاصص مَن يستحق القصاص، كالطبيب يقطع الأصبع إذا رأى فيه مرض الغرغرينا حتى لا يسري المرض إلى بقية العضو، ومنه إلى بقية الجسم، ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ رَحمَةَ هَذه الطَّائِرة بِأفراخِها)) فهذا مِن النظام الإلهي.

﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ العدل هو فضيلة تكون بين رذيلتين، ﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:9] إنْ زدت السخاء يصير تبذيرًا، وإن أقللته يصير بُخلًا، فإذا وُجِدت الزيادة صار الطغيان، ﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:9] هذا في النظام الإلهي ليعلِّمنا النظامَ في كل شؤون الحياة، فقد قال النبي ﷺ: ((مِنْ عَلامَةِ الإيمانِ الْقَصْدُ في الْغِنَى والْفَقْرِ)) 12 ، القصد هو الاقتصاد، فإذا صرت غنيًّا فلا تبذر، فالتبذير يفقرك، وكذلك إذا كنت فقيرًا فاقتصد.

﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9]، أليست هذه نعمة أنَّه يُعلِّمنا النظام؟ أَلَا يجب أن نشكره عليها؟ أَلَا يجب أن نتعرَّف على مُعطيها لنُحبَّه مِن كل ذرَّات وجودنا؟ عندما قرأ الصحابة الآيات قراءة العلم والعمل نجحوا وانتصروا، وانتقلوا مِن فقرٍ إلى غنى، ومِن عداوةٍ إلى محبة، ومِن تمزُّقٍ إلى وحدة.

مخالفة الميزان سبب الهزيمة في أُحُد:

وكما حدث في أُحدٍ لَمَّا كان الرماة يحمون ظهر الجيش النبوي، وقد قال لهم النبي ﷺ: ((الزَمُوا مَكانَكم، وَلو رَأيتُمونا انتصرنا حتى رَكِبْنا أَكتافَهم)) هل يوجد نصر أكثر من هذا؟ ((لا تَبرَحُوا وَلا تَتركُوا مَكانَكُم، وإذا رَأيتُمونا يَذبَحونَنا وَتَأكُل الطَّيرُ مِن أَجسامِنا لا تَبرَحُوا مَكانَكُم)) 13 ، وانتصر الصحابة، وانهزم المشركون، وبدؤوا يجمعون الغنائم، فقال الرماة الذين أوصاهم النبي ﷺ هذه الوصية عندما رأوا النصر: “انتهى الأمر فلننزل حتى نجمع الغنائم معهم”، يُريدون أنْ يخرجوا عن الميزان وعن النظام، فقال لهم قائدهم: “أَمَا أوصاكم النبي ﷺ كذا وكذا؟” كانوا خمسين رجلًا فنزل منهم أربعون وثبت عشرة، ولَمَّا رأى المشركون أنَّ جيش النبي ﷺ ليس له رماة تحميه التفُّوا حول الجيش وجعلوا النبي ﷺ والصحابة بين قوَّتين، وكانت هزيمة المسلمين بعد انتصارهم، وجُرح النبي ﷺ جراحات ونزف دمه حتى لم يستطع أن يقف على قدمَيه.. لقد عرَّضوا النبي ﷺ للخطر بسبب عدم التزام النظام الذي سماه القرآن الميزان.

ونحن هل نفهم هذا الشيء عندما نقرأ سورة الرحمن؟ وإنْ فهمنا المراد فهل نفهمه فكريًّا، أو نفهمه قلبيًّا؟ وذلك حتى ينعكس فينا عمليًّا وخُلُقِيًّا وسلوكيًّا؟

قالوا: يا رسول الله أَلَم يقل الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] لقد وعدنا سبحانه النصر فأين النصر؟ فردَّ الله تعالى عليهم قال: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ كنتم تقطعون رقابهم مِثل الذين يَقُصّ “الفصَّة” [البَرْسِيْم]، ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ سمى مخالَفتهم فشلًا لأنها أدت إلى الفشل، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ بين الثابتين على الجبل وطالبي الغنائم، ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] فكانت هزيمتكم ولم يُخلِف الله عزَّ وجلَّ وعده، ولكن أنتم أَخلفتم ونقضتم ميثاق الله تعالى الذي واثقكم عليه.

نعمة الأرض وما عليها:

بعد أنْ ذكر الله عزَّ وجلَّ السماء والشمس والقمر والنظام الكوني ليشمل كل شيء في هذا الوجود، أتى إلى ذكر نعمة أُخرى وهي نعمة الأرض، فقال: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ [الرحمن:10] جَعَلها [مُهَيَّأَة] مثل الذي يبني “بِنَايَة”، وبعد ذلك “يَكْسُوْها”، وبعد الكِسْوَة “يَفْرِش”، ويوصل الكهرباء ويحضر كلَّ شيءٍ لهذا البيت، ثم يقول لك: تفضل اسكن، ها أنا قد وضعت لك هذا المسكن وهذه الفيلا الجميلة. [بِنَايَة: بناء كبير، وغالباً ما يكون فيه عدد من البيوت للسكن.. وطريقة البناء المعتادة في زماننا أنه يشيد الأعمدة ويبني الجدران والسقوف لكامل البناء، ثم بعد ذلك يَكْسوا البناء، أي يضع فيه الأبواب والنوافذ ويضع فيه الأسلاك الكهربائية وأنابيب المياه وما شابه، ثم يفرِش البيت أو البناء، أي يضع فيه السجاد والستائر والأَسِرَّة والخزائن وأدوات المطبخ وبقية لوازم المعيشة.. وهذا الشرح للآية الكريمة هو ما يقوله سماحة الشيخ هنا مستخدماً بعض الكلمات العامِّيَّة المعروفة لدى الحضور في مجلسه.]

﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ [الرحمن:10] هل يوجد فيها “بَيْتُ المَؤُوْنَة”؟ [غرفة في البيوت القديمة يُخزَّن فيها الطعام والشراب] وهل يوجد طعامٌ وشرابٌ؟ نعم يوجد، وكذلك يوجد كلُّ ما تحتاج إليه في الحياة مِن كماليات وضروريات، حتى أن الله تعالى خلق لك الورود والأزهار والعطور وكلَّ ما يُرفِّهك وكلَّ ما أنتَ بحاجة إليه.. وقد وضع الله الأرض مائدةً ووَضَعَها منزلًا ووضعها موطنًا، فهل شكرتَ الله عزَّ وجلَّ على هذا الوَضْع وهذا التصميم الإلهي؟ هل عرفت هذه النعمة في سَعَتِها وأبعادها وكلِّيَّاتها وجزئيَّاتها لتحبَّ هذا المعطي وهذا المحسن الكريم؟

﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ الفاكهة تشمل كل أنواع الفواكه في العالم، ﴿وَالنَّخْلُ وبشكل خاص العرب عندهم النخل، ﴿ذَاتُ الْأَكْمَامِ [الرحمن:11] قَبل أن يظهر التمر يكون في غلاف مستطيل، ثُم يَنْفَتِح عن الزهر حتى يُلقَّح، وهذا اسمه الكُمّ، والجمع أكمام: ﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ.

إكرام الله للبشر ودوابهم:

قالوا: إن النخل حلو، ونحن نريد أيضًا الخضرة والخبز والكعك والبسكوت والرُّز والفول والعدس.. قال لهم: أبشروا، ﴿وَالْحَبُّ أيضًا وضعنا لكم الحَبّ إضافة إلى الفاكهة والنخل، قالوا: ولحميرنا وبقرنا وبِغالنا؟ قال: أبشروا، فلهم التِّبن، وهذا التبن ليس لكم، ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرحمن:12] فهذا غِذاء الأجسام، أما غذاء الأرواح فبأيّ شيء تغذي الأرواح؟ هل بالتبن أم بالحَبِّ؟ فإذا غذَّيت عقلك بالتبن فسيصير عقلك عقل الحمار، وإذا غذيت قلبك بالخبائث فسيصير عقلك عقل الشيطان.. الحَبُّ لك، وهو اللُّب [قلب الثمرة وجَوْهَر الشيء]، فإذا غذَّيته باللُّب تصير مِن أُولي الألباب، فتأخذ العلم الحقيقي والحكمة الإلهية، تأخذ العلم مِن العالم والمعلم، والحكمة مِن الحكيم ومعلِّمها، والتزكية مِن المزكِّي، وهذا هو غذاء الروح وغذاء النفس وغذاء العقل.

قال: ﴿وَالرَّيْحَانُ [سورة الرحمن:12] كل المروج ذات الروائح وذات الجَمال، فهل نستحقُّ كلَّ هذا؟ واللهِ لا نستحقُّ.. لم يخلق لك نوعاً واحداً مِن الورد بل أنواعًا كثيرةً، والعنب مئات الأنواع، والتين أيضًا، ثم يظهر منك “ضَرْب جْوَازْ” وعَملُ الحمير! [ضَرْب جْوَازْ: عبارة شعبية معناها رفس الحمار بقدميه الخلفيتين، ويقصد بها مقابلة المعروف بالإساءة وبطريقة وحشية حمقاء].. إذا كان لك خادمٌ صغير وقال لك كلامًا فإنك تُصغي إليه وتفهم منه كلَّ ما يقوله، وإذا قرأت جريدة فإنك تفهم كلَّ ما فيها مِن أخبار، وإذا جاءتك رسالة مِن شخص، سواء كان محبّاً أو صديقاً مؤمناً أو كافراً فإنك تقرؤها بكلِّ تفهُّمٍ، وهذا الخالق وهذا المنعم يعدِّد لك نِعَمه، فهل عندما تقرأ كتابه وقرآنه ورسالته تقرؤه للفهم والعلم والتطبيق والتنفيذ؟ وهذا التنفيذ هو لسعادتك ولحمايتك مِن كل ما يُتلِفك ويُهلِكك، فلا يجوز أنْ تُضيِّع منه كلمةً واحدةً بلا عمل.

إن عقل الإنسان وقلبه لهضم الألفاظ والكلام وتحويلها إلى أعمالٍ وأخلاق، سواء الأعمال الظاهرة أو الأعمال الباطنة، فالإخلاص مِن عمل القلب، والإنابة مِن عمل القلب، وخشية الله مِن عمل القلب، والحقد والكبر والحسد والغل مِن المعاصي الداخلية: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33].

وقال ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرحمن:12] فالله حسب حساب حميرنا، فهل حسبنا حسابه؟ وحسب حساب قططنا، فهل نحسب حسابه؟ إذا بعث لك أحدهم قليلًا من الورد تكافئه: ((مَنْ أَسدَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ)) 14 ، ولو أشعل لك سراجك فقد صرت مديونًا له، وأعظم محسِنٍ هو المعلِّم، فبماذا تكافئون المعلم؟ هناك أناس ربما يعيشون عشرين سنة ولا يفقهون كلمة: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، مع أنهم يقرؤونها، ولا يفقهون: ((مَنْ أَسدَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ)).

قصة الشيخ أمين كفتارو مع قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾:

﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرحمن:12] فكم مِن نعمةٍ أَنعمَ الله عزَّ وجلَّ علينا! أوَّلًا تجلَّى علينا باسمه الرحمن، ولم يتجلَّ باسمه المنتقم الجبَّار.. كنتُ أسمع مِن شيخنا هذه القصة الحياتية، كان له صديقٌ في أول طلبه للعلم يدير كُتَّابًا [كُتَّاب جمعها كتاتيب، وهو دار صغيرة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة والقرآن الكريم والحساب، والكتاتيب كانت واسعة الانتشار في سوريا]، فانشغل لأمرٍ ما، ووكَّل شيخنا في شبابه ليُشرِفَ على الأطفال، وكما تعرفون فإن الذي لم يتعوَّد على مجالَسة الأطفال لا يتحمَّل مثل هذا العمل، فلم يأت آخر النهار إلا وقد نال كلُّ واحدٍ منهم عقابًا، وعندما أتى شيخ الكُتَّاب ورأى هذا المنظر، قال له: يا شيخ أمين، الله تعالى قال: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] ولم يقل: “المنتقم علم القرآن”، المعلم يجب أنْ يكون رحمانيًّا لا انتقاميًّا.. فالرحمن برحمته جعل شريعته كلها رحمة، وحتى القصاص، فهل قال: “ولكم في القصاص هلاك”؟ قال: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] فلو لم يُقَاصِص القاتل لقُتِلَ بَدَلَ القاتل مئاتُ الأحياء.

العلم الحقيقي والعلم القِرائي:

بعد أن ذَكر الله هذه النِّعم سيسألنا، فهل فهمتم؟ نعم فهمنا، قال: فبأَيِّ نعمةٍ مِن هذه النعم، ومِن هذه الآلاء والإفضال الإلهي والعطاءات اللامحدودة تكذِّبون! ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18].. ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13]؟ القرآن مكلَّف به الإنس والجن، وهذا الخطاب موجَّه لكليهما ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ لَمَّا تمَّت تلاوة النبي ﷺ ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29]، بجلسةٍ واحدةٍ صاروا مِن الدعاة، وهم عفاريت وشياطين وأباليس، لأنهم جلسوا مع النبي ﷺ بقلوبهم، وفتحوا مغاليق أبوابها، فدخلها النور والهداية والحكمة.

وإذا حَلَّتِ الهِدايَةُ قَلْبًا
نَشَطَتْ في العِبادَةِ الأَعضَاءُ

فالعلم هداية، أمَّا العلم الصُّوريُّ اللَّفظي الكلامي فهو “هواء بهواء” [فارغ ولا قيمة له]، والعلم القرائي هو تسويد الصحائف البيضاء بالحبر الأسود، والعلم الحقيقي هل أخذه النبي ﷺ مِن كتابٍ أم مِن الأفواه؟ أَخَذه مِن الربِّ إلى القلب: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].. ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ لا يوجد فيه شيء باطل، ولا يوجد فيه شيء خرافي، ولا يوجد فيه شيء لا حقيقةَ له، فالأمر فيه والنهي والوصايا وترجمةُ الكون وغيرها تهدي إلى الحق، والقرآن كلُّه ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ وهو طريقٌ لا يوجد فيه عِوَجٌ، ولا يوجد فيه ضَياع، بل هو وصول إلى السعادة ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ يسامحكم بها ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ [الأحقاف:30-32] مهما كان للإنسان من عضلات وقوة للمصارعة وأسلحة فلا يستطيع أَحد أن يصارع الله تعالى، ولا يستطيع أحد أنْ يحارب الله تعالى، ولكن لعلَّ الله عز وجل يُمهله: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالم ولا يُهمِلُه، إِذَا أَخَذَهُ لا يُفْلِتُهُ)) 15 .

ثم بعدما ذَكَر الله عزَّ وجلَّ بعض هذه النعم، قال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ ونِعَم وعطاءات ﴿رَبِّكُمَا أيها الجن والإنس ﴿تُكَذِّبَانِ[الرحمن:13]؟ فتقولون: إن هذه ليست مِن الله، وليست عند الله عزَّ وجلَّ، وليست مِن أجل إسعادكم، وليست مِن أجل أن تَرفع مِن شأنكم في جَسَدكم وروحكم، في أرضكم وسمائكم، في دِينكم ودنياكم.

الإسلام المطلوب هو إسلام القلوب لا القشور:

إنّ العلم العصري هو ما قام على نجاح التجربة، وهل جُرِّب الإسلام فنجح أم لم يُجَرَّب؟ لقد جُرِّب على مستوى الفرد والأسرة والجماعة والأمة وعلى مستوى العالَم فنجح، ولا يمكن ولن يمكن أنْ يكون سلامٌ إلا بالدستور الإلهي والقانون الرباني، لكن هذا يحتاج إلى عقولٍ مِن الألباب، يحتاج إلى العقول اللُّبِّ لا العقول القِشْر.. بقي مِن الإسلام عند مَن يدعيه قشرٌ، فالصوفية أخذت منه الرهبانية، والفقهاء أخذوا منه الأمر والنهي، أمَّا الإسلام فهو فوق ذلك، الإسلام المكي [القرآن الذي نزل في مكة] لم يكن فيه قاتلوا ولا جاهدوا ولا حُجُّوا ولا صُوموا، لم يكن فيه إلا بناء النفس وبناء الروح وبناء العقل وبناء الأخلاق، ولم يكن فيه عباداتٌ إلا ضمن حدود محدودة، أمَّا التفصيل كأُمَّةٍ وكدولة وكنظام عام [فقد جاء بعد ذلك في المدينة المنورة]، حتى صارت تأتي المرأة مِن العراق إلى مكة لا تخشى في طريقها أحدًا إلا الله والذئب، أما الإنسان الذئب فقد صار الإنسان الإنسان.. والعرب كانوا يأكلون الميتة والفطائس فأنزل عليهم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ كانوا يجفِّفون الدم ويأكلونه، قال: ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة:3] وقد ثبتت أضراره أنه يحوي على أكثر من ستين مرضًا.

خَلْق الإنس والجنِّ:

ثم ذكر الله تعالى نعمةً أُخرى فقال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن:14] خلقه مِن تراب ثم طينٍ ثم جفَّ الطينُ فصار يابسًا، ثم اشتدَّ وصَلُبَ حتى صار مثل الفخَّار، فعندما يُحرَق بالنار يكتسب القوة، وهذا بالنسبة للجسد، فمن ركَّب لك هذا الجسد الترابي الذي إلى التراب سيعود؟ ومَن نفخ فيه الروح حتى جعل الأذن تسمع والعين تبصر والرِّجل تمشي؟ وإذا قُطع هذا التيار [وغادرت الروح الجسد] فإنه أتى مِن التراب وإلى التراب يعود.

﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] مِن نارٍ خالصة.. فهذا الخَلْق والإيجاد أليس نعمةً مِن نِعَم الله عزَّ وجلَّ عليك؟ وهذا الخَلْق وكلُّ ما أعطاك الله تعالى مِن جوارح لتعيش وتبقى وتصل إلى كل ما تريده في حدود مشيئة الله عزَّ وجلَّ وحكمته، أليس هذا مِن نِعم الله تعالى عليك؟ فهل شكرت المنعِم؟ وهل عرفت المحسِن؟ وهل أدَّيت حقه الذي يعود مردوده وفائدته عليك؟ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ليس المرزوق، ﴿ذُو الْقُوَّةِ وإذا لم يعاقبنا فليس عن ضعف، ﴿ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].. فنسأل الله عز وجل أن يُوقِظَ النائمين، وأن يُذكِّر الغافلين، وأن يردَّ الآبقين، وأن يهدينا جميعًا إلى صراطه المستقيم.

خالق المشرق والمغرب:

﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17] الشمس لها مشرق في الشتاء ومشرق في الصيف، وكذلك المغرب [غروب الشمس]، فبتغيُّر المشرق والمغرب تتغيَّر الفصول لتنشأ الفصُول الأربعة: الشتاء لتنزل الأمطار، والربيع لتخرج الأزهار، والصيف لتُحصَد الزروع وتُؤكَل الثمار، والخريف لتنتهي مراحل الثمار.. فبسبب اختلاف الشروق والغروب تصير الفصول الأربعة، فهل شكرتم الله تعالى على تغيُّر المشارق والمغارب؟ وكل يوم هناك تغيُّر، وهو سبحانه وتعالى رب المشارق والمغارب: ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ [المعارج:40] وبالفصول هناك تغيُّر؛ تغيُّر الصيف وتغيُّر الشتاء.. هناك بلادٌ فيها الفصول الأربعة، وهناك بلاد ليس فيها إلا الصيف والشتاء.

الفواصل بين المياه في الأرض:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ ونعم ﴿رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:18] ثم قال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19] البحر المالح والأنهار العظيمة، فالنيل يسمونه بحرًا، وهو ينبع مِن الحبشة ويَصُبُّ في البحر الأبيض، حيث هناك يلتقيان، ﴿مَرَجَ اختلط البحران ﴿الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ [الرحمن:19-20] هل يُمكن أن يطغى البحر الأبيض على نهر النيل ويصل إلى الحبشة فيصير كله مالحًا؟ وهل يمكن لنهر النيل الذي يصبُّ في البحر أنْ يجعل البحر حلوًا؟ ولو فَقَد البحر الملح لأنتن وصار مليئًا بالمكروبات والجراثيم؛ مِثل البركة الراكدة بعد مدة ماذا تصير؟ [يتغير لونها ورائحتها] فهل هذا بميزان أم لا؟

﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ [الرحمن:20] حاجز إلهي.. وفيهما الارتفاع والانخفاض، ولو جعلهما مستويان لغرقت الأرض، هل وُجد هذا وحده؟ جعل الجبال تحبس الثلوج فوقها، فتأتي الحرارة بالتدرُّج فتجري المياه في خزَّاناتها في باطن الأرض، فتنبع أنهارًا وينابيع: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا [القمر:12] هل وُجد هذا وحده مِن غير هندسة؟ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13]؟ هذا طعام وهذا شراب وهذه فاكهة وهذا نخل وكذا وكذا، قال: هذا لا يكفي، قال: ﴿زَيَّنَّا السَّمَاءَ [الصافات:6] وزَيَّنا لكم السماء أيضاً، ثم قال: ألا نُزَيِّن لكم نساءكم؟

زينة المرأة من نعم الله تعالى:

قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] ما معنى هذا؟ يعني هذه عطيَّة الله عزَّ وجلَّ وهديَّته.

إحدى قريبات النبي ﷺ صافحت النبيَّ ﷺ، فقال لها: ((مَا لِي أَرَى يَدَكِ كَيَدِ السَّبُعِ)) 16 ، يعني لِمَ لَم تُحنِّي يدكِ؟ ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].. خلق اللؤلؤ والمرجان، وخلق الذهب والفضة، وعلينا أن نستعملها حسب النظام والميزان الإلهي، بلا إفراط ولا تفريط.. ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] هل هذا لنسائكم أم لرجالكم؟ لنسائكم، فإذا تزينت المرأة لزوجها فقد جعل النبي ﷺ مِن موجبات الجنة، ومما يساوي عمل الجهاد: ((حُسْن تَبَعُّلِ المرأةِ لِزَوْجِهَا)) 17 والتحبُّب إلى زوجها بكلِّ ما يُحبُّ مما شَرَعه الله عز وجل بغير إفراطٍ ولا تفريط.

جواب الجن لسؤال الله تعالى:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فإذا لبستْ زوجتك لؤلؤًا أو عقدًا أو خاتمًا أو سوارًا قل لها: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:23] لَمَّا نزلت السورة قال النبي ﷺ لأصحابه: ((كَانَ إخوَانُكُمْ مِنَ الجِنِّ أَكثَرَ فِقهًا مِنكُم))، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((لَمَّا أَبلغتُهم هَذهِ السُّورة)) يعني عند قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، هذا سؤال، فأجابوه وأجابوا الله عزَّ وجلَّ على سؤاله قائلين: ((ولَا بِشَيْءٍ مِنْ آلائِكَ رَبّنا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ)) 18 يعني على ما أنعمتَ، وعلى ما أعطيتَ وأسديتَ.

أسأل الله عز وجل أنْ يجعل عقولنا واعية، وقلوبنا بنور الله وبكلامه حَيةً، تهضم كلامه فتُحيله أعمالًا وأخلاقًا وحبًّا وقربةً إلى الله عز وجل بكلِّ ما نَحْمِل وبكل ما نُطِيق.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

وَهنُ الأُمَّة:

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مِن المتعاونين على البِرِّ والتقوى، ونسأله سبحانه الفرج عن إخواننا في ليبيا وفي كل العالم الإسلامي، ((تَجتَمِعُ عَليكُمُ الأُمَمُ وتَداعَى)) أمريكا نادت بريطانيا، وبريطانيا نادت فرنسا، وفرنسا نادت مجلس الأمن ((كَمَا تَتَداعَى)) تتنادى ((الأَكَلَةُ عَلى قَصعَتِها)) عندما يوضع الطعام للعمَّال يتنادون: هيا إلى الطعام، قالوا: أعن قِلَّةٍ نكون يا رسول الله أم عن كثرة؟ قال: ((بَل عَن كَثرَةٍ، وَلَكنَّكُم غُثاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ))، مثل رغوة السيل تذهب من “نَفْخَة” [نفخة من الهواء الخارج من الفم]، ((يُصِيبُكُمُ الوَهَنُ)) قالوا: “ما الوهن؟” قال: ((حُبُّ الدُّنْيَا))، فهذا الشخص يُريد أن يصير ملكًا، والثاني يريد أن يصير رئيسًا، والثالث يريد أن يصير وزيرًا، والآخر يريد أن يصير غنيًّا، وهكذا.. ((حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) 19 .

الإسلام ينشأ في المسجد، والمسجد هو بشيخه وإمامه وخطيبه، ومسجد النبي هو النبي ﷺ، وهو خطيبه وإمامه وعالِمه ومعلِّمه، والعالِم الذي هو من ورثة الأنبياء يحقِّق ما حقَّقه المورِّث، كما أن الوكيل يحقِّق ما يحقِّقه الموكِّل.

فنرجو الله يا بني، ولكن جُدُّوا واجتهدوا ولا تيأسوا، وإذا لم يتحقق [المأمولُ] اليومَ فسيكون غدًا، وأنا متفائلٌ، وبمشيئة الله لا يمضي هذا القرن إلا وقد جعل الله عز وجل للإسلام والمسلمين فَرَجًا عظيمًا، وينتصر الإسلام رغم أنف الكارهين، لكن علينا أن لا نعتمد على الوعود، فإذا قال النبي ﷺ هذا فيجب علينا أنْ نُهيِّئ أنفسنا لنكون جنود التنفيذ، وأولًا بالعلم وبالحكمة وبالتزكية.. اللهم وَلِّ أمور المسلمين خِيارهم، ووَلِّ علينا خِيارنا، واهدِ شرارَنا، واهدِنا إلى صراطك المستقيم.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/ 2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، (12/468)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، (18/ 137)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
  2. السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (4743)، (1/387)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، بلفظ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى».
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، أبواب التهجد، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، رقم: (1102)، (5/392)، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، رقم: (1159)، (2/812)، بلفظ: «عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، واللفظ للبخاري.
  4. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، رقم: (6098)، (5/2373)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10688)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا)).
  5. سنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في الاقتصاد في الحب والبغض، رقم: (1997)، (4/360)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» وفي الأدب المفرد للبخاري، رقم: (1321)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6593)، عَزاه لعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، رقم: (1360)، (2/518)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَأبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»، وفي صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، رقم: (997)، (2/ 692)، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، بلفظ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ».
  7. صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، رقم: (1114)، (2/ 785)، سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر، رقم: (710)، بلفظ: ((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ)).
  8. سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم: (2167)، (4/466)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ».
  9. سنن أبي داود، كتاب الصّلاة، باب في التّشديد في ترك الجماعة، رقم: (547)، (1/ 205)، سنن النّسائي، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة، رقم: (920)، (1/ 296)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (21758)، (5/196)، عن أَبُي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: «مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ».
  10. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، رقم: (6718)، (6/2611)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: (1835)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي».
  11. سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب الأمراض المكفرة للذنوب، رقم: (3089)، (2/199)، دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (1273)، (3/379)، عن عامر الرام، بلفظ: ((فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ كِسَاءٌ وَفِى يَدِهِ شَيءٌ قَدِ الْتَفَّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكَ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَمَرَرْتُ بِغَيْضَةِ شَجَرٍ فَسَمِعْتُ فِيهَا أَصْوَاتَ فِرَاخِ طَائِرٍ فَأَخَذْتُهُنَّ فَوَضَعْتُهُنَّ فِي كِسَائِي فَجَاءَتْ أُمُّهُنَّ فَاسْتَدَارَتْ عَلَى رَأْسِي فَكَشَفْتُ لَهَا عَنْهُنَّ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِنَّ مَعَهُنَّ فَلَفَفْتُهُنَّ بِكِسَائِي فَهُنَّ أُولاَءِ مَعِي قَالَ «ضَعْهُنَّ عَنْكَ»، فَوَضَعْتُهُنَّ وَأَبَتْ أُمُّهُنَّ إِلاَّ لُزُومَهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ «أَتَعْجَبُونَ لِرُحْمِ أُمِّ الأَفْرَاخِ فِرَاخَهَا»، قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أُمِّ الأَفْرَاخِ بِفِرَاخِهَا ارْجِعْ بِهِنَّ حَتَّى تَضَعَهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُنَّ وَأُمُّهُنَّ مَعَهُنَّ»، فَرَجَعَ بِهِنَّ.
  12. مسند البزار، رقم: (2946)، (7/349)، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: «مَا أَحْسَنَ الْقَصْدَ فِي الْغِنَى، وَأَحْسَنَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ، وَأَحْسَنَ الْقَصْدَ فِي الْعِبَادَةِ».
  13. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يُكرَه من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، رقم: (2874)، (3/ 1105)، عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ...)).
  14. سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله، رقم: (1672)، (1/524)، بلفظ: ((من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه))، وفي رواية أخرى للترمذي، رقم: (5109)، (2/750)، وفي سنن النسائي، كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل، رقم: (2348)، (2/43)، بلفظ: ((وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ))، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: ﴿وكذلك أخذ ربك﴾، رقم: (4686)، (6/74)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، (4/1997)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، عن أبي موسى رضي الله عنه، صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، (11/ 578)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَنْفَلِتْ)) ثم تلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾)).
  16. سنن أبي داود، كتاب الترجل، باب في الخضاب للنساء، رقم: (4165)، (2/475)، عن عائشة رضي الله عنها: ((أن هند بنت عتبة قالت: يا نبيَّ الله، بايِعْني، قال: ((لا أُبايِعُكِ حتى تُغَيِّري كفَّيكِ، كأنهما كفَّا سَبُعٍ)).
  17. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8743)، (6/420)، تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 66)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ، بلفظ: ((انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا، وَطَلَبَهَا مَرْضَاتِهِ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ)).
  18. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب سورة الرحمن، رقم: (3291)، (5/399)، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ))، وفي دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (528)، (2/ 232)، بلفظ: ((لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب)).
  19. سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: (4297)، (2/514)، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
WhatsApp