تاريخ الدرس: 1992/01/24

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:30:08

سورة النجم، الآيات: 29-37 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلِين، وآلهم المؤمنين وأصحابهم المجاهدين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سورة النجم والمدرسة التي تبني الإنسان الفاضل:

نحن الآن في تفسير سورةٍ مِن سور القرآن، وهي سورة النجم، هذه السورة وكلُّ سُوَر القرآن تصلح أن تكون كلُّ واحدةٍ منها مدرسةً يتخرَّج فيها الإنسانُ الفاضل، الإنسان العالِم الحكيم المزكَّى، وإذا استغرق [وتعمّق] في مدرسة القرآن ينقلب إلى معلِّم الكتاب والحكمة وتزكية الخَلْق نيابةً ووِراثةً عن سيدنا رسول الله ﷺ سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، فهذه السورة ومَدرَستها وشبيهاتها هي التي حوَّلت الأحجار إلى أحجارٍ كريمة، وحوَّلت التراب إلى التبر الذهبي، وحوَّلت الأموات إلى أحياء يعيشون بروح القُدُس الإلهية، وحوَّلت الشياطين؛ شياطين الإنس إلى الملائكة والأخلاق الملائكية، وحوَّلت الأُمِّيِّين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون إلى: ((حُكَماء عُلَمَاء فُقَهَاء أُدَبَاء، كَادُوا مِن فِقهِهِم أن يَكُونُوا أَنبِياءَ)) 1 .

والأنبياء هم مهندِسو السماء لبناء الإنسان الفاضل والمجتمع الفاضل، وسيدنا محمدٌ ﷺ أُوكِل إليه وطُلب منه أن يصنع العالَم الفاضل، كما يقول الله عزَّ وجلَّ مخاطِبًا نبيَّه محمدًا ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] الرحمة تكون بين الأمِّ وولدها، وتكون بين المؤمنين الذين أَخذوا هذا اللَّقب مِن طريق العِلم والحكمة وطهارة النفوس ومكارم الأخلاق، ومِن هؤلاء الرجال يُبنى الإنسانُ الفاضل، والمجتمع الفاضل، والعالَم الفاضل، لذلك كان هذا الإنسان خريج مدرسة سيدنا محمدٍ ﷺ، وكانت خريطته هي خريطة الأنبياء قَبله، كما قال: ((مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ قَوْمٍ بَنَوا دَارًا فَأَكمَلُوهُ، فَدَخَلَ النَّاسُ يَنظُرُونَ رَوعَةَ بِنائِهِ وَجَمالَ هَندَسَتِهِ، وَصَارَ بَعضُهُم يَقُولُ لِبَعضٍ: مَا أَرْوَعَ هَذَا البِناءَ لَولَا هَذا الفَرَاغُ في بَعضِ جُدرانِهِ الَّذِي تَملَؤُهُ لَبِنَةٌ)) أو “بْلُوْكة” باللهجة العامية [الدمشقية]، ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((فَأَنا كُنتُ تِلكَ اللَّبِنَةَ)) 2 .

فلم يأتِ سيدنا محمدٌ ﷺ بالإسلام لِيهدم رسالة موسى عليه السلام وتوراته، وما أتى سيدنا محمد ﷺ بالقرآن والإسلام ليهدم الإنجيل وما بناه سيدنا المسيح عليه السلام، إنما أتى مُنقِّيًا وممحِّصًا ومغربِلًا لِمَا دخل على توراة موسى وإنجيل عيسى عليهما السَّلام وأبنائهما مِن مرور الزمن ومن أخطاء الترجمات والشروح، ثم أتى بتلك اللَّبِنة لِيجعل مِن العالَم كلِّه أمَّةً واحدةً وأسرةً واحدةً، بل جسدًا واحدًا في ظلال الرسالة السماوية التي هي الإيمان الحي القائم على العلم والعقل الحكيم والأخلاق الفاضلة، ثم قام تلامذته من بعده لِيُكملوا ما بدأ به، فاستطاعوا بأقلَّ مِن نصف قرنٍ أنْ يوسِّعوا حدود هذه المدرسة؛ مدرسةِ وحدة العالَم في ظل ثقافة السماء وأُخوَّة السماء، وأنْ يُوْصِلوا هذه الرسالة وهذه التعاليم إلى حدود الصين وإلى حدود فرنسا.. وبعد ذلك خَلَف مِن بعدهم خَلْفٌ لم يَسيروا مَسيرهم، ولم يترسَّموا منهاجهم وطريقتهم، ومِن هناك بدأ الضعف والتخلُّف والشقاء بدل السعادة والإخاء.

تحويل الإنسان من وثني إلى مؤمن بالرسالة السماوية:

نرجع إلى مدرسة سورة النجم التي تصف المجتمع العربي.. وكانت مجتمعات العالَم كلُّها قريبٌ بعضُها مِن بعض، فقويٌّ وضعيفٌ؛ قويٌّ ظالمٌ وضعيفٌ مظلوم، وعالِمٌ مستكبِرٌ وجاهلٌ موطوءٌ بالنعال متخلِّفٌ، غنيٌّ طاغٍ وجائعٌ عارٍ، مريضٌ لا يجد الدواء وأغنياء متخَمون بالطعام والغذاء والأمراض.. فوصف الله ما كان عليه مجتمع النبي ﷺ الذي يُشبه الكثير مِن المجتمعات بالنسبة للأخلاق وبالنسبة لتعاليم السماء.

ووصف أوَّلًا مدرسته، حيث كانت مدرسته بالأقوال وبالمشاهدات، وبالروح الإلهية -روح القُدُس- التي سَرَت في كلِّ أحاسيسه ومشاعره ونفسه، حتى ظهرت فيه أخلاقًا وحكمةً وأعمالًا لكلِّ الإنسانية.

لقد ذَكَرت سورة النجم لقاء النبي ﷺ بجبريل عليه السَّلام سفير السماء إلى الأرض وأستاذ الأنبياء، وحامل رسالات الله عزَّ وجلَّ إلى عِباده، وذَكَرت ما رأى مِن الوطن الذي سينتقل إليه الإنسان في عالَم السماء، وما رأى مِن الجَمال والعَظَمة والسعادة الأبدية الخالدة، ثم قارنها بما عليه إنسان ذلك العصر الذي كان عقله يستمدُّ عِلمه وحكمته ومستقبله مِن الأصنام والأوثان، مِن الأحجار والتراب والشجر، فقد كان بعضهم يعبد الشجر مِثل العُزَّى، وبعضهم كان يعبد الصخر مِثل صنم اللات، ومثل مناة التي كانت أيضاً صخرة، فأين الإنسان الذي هو تلميذٌ وأستاذه الحجر والشجر مِن الإنسان الذي يستمدُّ عِلمه وحِكمته وأخلاقه مِن خالق هذا الوجود؟ قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:19، 20].

محاربة سورة النجم للعادات الجاهلية:

ثم إنهم كانوا يعتقدون أنَّ الله عزَّ وجلَّ له أولادٌ، لكنه مسكين، فأولاده كلهم إناث، فقال لهم: إنكم تحتقرون البنات وتفضِّلون الذكر على الأُنثى، ولقد اخترتم لله عزَّ وجلَّ مِن الأولاد -بحسب عقيدتكم- أضعفها والمزهود بها في نَظَركم، هل هذا عقل؟ وهل هذا فكر؟ أين أنتم؟

ثم إنهم كانوا يعتقدون أنه كان لهم دِينٌ مِن بقايا دين إبراهيم عليه السَّلام.. لكن هذا الدين حُرِّف وبُدِّل وغُيِّر حتى صاروا وثنيِّين جاهليِّين وحوشًا يقتل بعضهم بعضًا.. مع أن الذئاب لا يقتل بعضها بعضًا، والضباع لا يقتل بعضها بعضًا، والأسود لا يقتل بعضها بعضًا، والقويُّ من هذه الحيوانات يقتل الضعيف مِن غير جنسه، بينما الإنسان القويُّ يقتل الإنسان الضعيف.. الآن يقولون: الدول الراقية، أين كلمة “رقي” مِن الأمم! الأمم التي تسمَّى بالراقية هي الأمم المتوحشة، لأنها لا تستعمل قوَّتها استعمالًا إنسانيًّا أخلاقيًّا، بل تستعمل قوَّتها استعمالًا وحشيًّا همجيًّا، مثل إلقاء قنبلتين في اليابان، هل تفعل الذئاب ذلك ببعضها؟ هل فعلت الضباع والوحوش والأسود ذلك ببعضها؟ هل هذا تقدُّمٌ؟ وهل هذا رُقيٌّ؟

حكم المصارعة ورحمة الإسلام بالمخلوقات:

المصارعات الآن “مُوْضَة” [رائجة كثيرًا]، وقد صارت معبَدًا للناس، [كانت هذه المصارعة حديث كثير من الناس في وقت هذا الدرس، حيث كانت تُعرَض كثيراً في التلفزيون، وكانت كلها لمصارعين أجانب وبخاصة من أمريكا] فهذا يكسر حنك الآخر، أو يكسر أنفه، أو يكسر أضلاعه، وهذا بالتشريع الإسلامي حرامٌ ومحرَّمٌ، وليس للإنسان أن يُؤذي الإنسان، فقد كانوا في عهد رسول الله ﷺ يُهارشون بين الدِّيَكة ((فنَهى النبيُّ ﷺ عن تهارُش وتقاتل الدِّيَكة)) 3 ، ديك ثمنه خمسون ليرة نهى النبي ﷺ عن إيذائه، بل كان يقول في قتل المؤذي مِن الحيوان مثل الأفعى أو العقرب أو أيِّ شيءٍ مؤذٍ مما يُقتَل: ((إذا قَتَلتُمْ فَأَحسِنُوا القِتلَة)) لا تقتله بعذابٍ، بل اقتله بأيسر وسائل الموت: ((وَإذا ذَبَحتُمْ فَأَحسِنُوا الذِّبْحَةَ، ولْيُسِنَّ أَحَدُكُم شَفرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) 4 ، فالحيوان الذي يُذبَح للأكل يجب أنْ يُحسَن ذبحه، يعني هيأة الذبح، “ولْيُسِنَّ أحدُكم شَفرَتَه”: حتى لا يتعذَّب الحيوان بالإطالة.. فكم مِن إنسان يعذِّب إنسانًا بشتى أنواع العذاب، ويخترع الآلات التعذيبيَّة لأجل أنْ يعذِّب أخاه الإنسان! سواءٌ كان أجنبيًّا أو مواطِنًا أو قريبًا ذا رَحِمٍ أو بعيدًا بلا رَحِمٍ.. هل هذا إنسان؟ وهل هذه إنسانية؟ وهل هذا مجتمعٌ راقٍ؟

الإسلام أعلى من الديمقراطية وكل المبادئ:

فأتى أستاذ السماء وخريج جامعة السماء وبكتابٍ واحدٍ ولكن بروحٍ ربانية، فاستطاع أنْ يصنع نصف عالَمٍ مُتآخٍ مُتراحِمٍ: ((المؤمِنُونَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم مِثْلُ الجَسَدِ الواحِدِ، إذا اشتَكَى مِنهُ عُضْوٌ تَداعَى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى)) 5 .

لقد ذَكر الله عزَّ وجلَّ في السورة حال المجتمع العربي وتخلُّفه وخرافاته وجهله وعدوان بعضه على بعض، وذَكَر ما بذله سيدنا محمد ﷺ، وذلك كما بذل إخوانه مِن قَبله مِن الأنبياء في الرُّقيِّ بالمجتمع.. وقد بعث الأنبياء قبله كل واحد إلى قومه خاصة.

فكان سيدنا موسى عليه السَّلام على مستوى بني إسرائيل، وكانت نبوَّته قوميَّةً إلى قومه فقط، وهود عليه السَّلام إلى قومه: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف:65]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف:73]، حتى سيدنا عيسى عليه السَّلام ذكر النَّصُّ في الإنجيل أنه “أُرسِل إلى خِراف بني إسرائيل” 6 ، أُرسل إلى اليهود، وهو يهودي الأصل “إسرائيلي”.. وقد أتى النبي عليه الصلاة والسلام بشرائع عيسى وموسى عليهما السَّلام وشرائع مَن قَبلهما، وزاد الله عليها أنْ يكون موحِّدًا للعالَم سياسيًّا وحياتيًّا وعلميًّا وتقدُّميَّا، ليس ديمقراطيًّا، فالإسلام دونه كلُّ المبادئ، والإسلام يرفض الديمقراطية، وهي دون ما أتى به الإسلام، فالإسلام مبدؤه الحق والحقيقة، ومبدؤه العدل والمساواة، ومبدؤه الإسعاد للمجتمع بكل وسائل الإسعاد.

وقد ذكرتُ لكم سابقًا أنه لَمَّا أجمعتِ الدولة العُمَرية في خلافة عمر رضي الله عنه، وبرئاسة قاهر الاستعمارَين كسرى وقيصر، سيدنا عمر رضي الله عنه.. ومع كل إجماع مجلس الكونغرس ومجلس الشيوخ وإجماع كل النواب، حيث اتفقوا بالإجماع على تحديد مهر المرأة بخمس مئة درهمٍ.. والديمقراطية تحكم بالأكثرية، أمَّا إذا حدث إجماعٌ فهل يستطيع أَحدٌ أنْ يُبطل قرار الإجماع؟ حتى وإن كان الإجماع على خطأ لا يستطيع أحد أنْ يبطله، وإن كانت الأكثرية على خطأ لا أحد يستطيع أنْ يبطله، أمَّا الإسلام فهو ليس مع الأكثرية ولا مع الإجماع، إنما هو مع الحق والحقيقة والعدل.. فقامت امرأةٌ وعارضت الإجماع.. لو كان هناك امرأةٌ في الكونغرس عارضتْ الأكثرية هل يُصغى إلى معارضتها؟ ولو كان هناك مئتان وافقوا ومئة وتسعةٌ وتسعون خالفوا أيُّهما يَنْفُذ كلامُه؟ الأكثرية، وهم بأكثرية واحد.

[يجدر التنويه أن كلمة “الإجماع” التي يذكرها هنا سماحة الشيخ لا يُقصَد منها الإجماع الشرعي المعروف، بل ما يكون في البرلمانات والمجالس الحكومية المعاصرة].

أمَّا في الإسلام فلا يوجد أكثرية، بل يوجد الحق والحقيقة والمصلحة والعدل والمساواة، فقامت امرأةٌ.. اليوم يقولون: “الإسلام حقَّر المرأة”، وهؤلاء يُنادُون [بحقوق المرأة، وهم بهذا أيضاً] يَدُلُّون على جهلهم.. فقامت امرأة ٌ في آخر الصفوف.. وهذا يعني أنّ المرأة كانت في البرلمان، وأين كان البرلمان؟ كان في أقدس بقعة؛ في المسجد حيث النقاء والطهارة والصفاء، وحيث دستور السماء الذي وُضع لمصلحة الجميع، وبلا أيِّ مصلحة لواضعه، ولم يُوضَع إلا لسعادة الإنسان، فقالت لعمر رضي الله عنه: “ليس لك ذلك يا ابن الخطَّاب” يعني ليس لك تحديد المهور بخمس مئة درهمٍ، فأنت لستَ على حق.

في الديمقراطية يوجد حرية، وها هو الإسلام قد أعطى الحرية، وهم يقولون: إنَّ المرأة في الإسلام بنصف حقِّ.. لم يقل لها عمر رضي الله عنه: كل الرجال وافقوا، وأنت ماذا تمثِّلين مِن ألف؟ هل تمثِّلين نصف شخص مِن ألف؟ قالت له: “هل سمعتَ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20]“، القرآن يقول: الزوج يُعطي المهر للمرأة ولو قنطارًا مِن ذهب، وهذا كوماً من ذهب.. “فهل تدري يا عمر كم هو القنطار؟” كيف تحدِّد مهر المرأة بخمس مئة درهمٍ؟

في الديمقراطية هل يُقبل قولها؟ هل يُستجاب إلى رأيها؟ هل كلامها يَنقض إجماع كل المجلس؟ فأيُّهما أعظم: العمل بالأكثرية أم العمل بالحقيقة والحق والعدل والإنصاف؟ الحق أنَّ الإنسان مخيَّرٌ، فإنْ أراد أن يقدم لامرأته قنطارًا أو أقل أو أكثر فهذا عائد إليه، وهذا يتوقَّف على رضاء الطرفَين.. يقولون: الديمقراطية! عيبٌ علينا نحن العرب والمسلمون أنْ نقول: ديمقراطية، هذا عيب! فلو كنا عربًا أو كنا قوميِّين أو كنا علماء بالإسلام أو علماء بالتاريخ، لَكُنَّا نقول: “الإسلام”.. لكنْ ليس على حسب رأي المتعصِّبِين المتحزِّبِين للإسلام الذين يتحزَّبون للجزء وينسون الكل.

فقال عمر رضي الله عنه: “أصابتِ امرأةٌ، وكَذَب عمر”، وكانوا يستعملون “كذب” بمعنى “أخطأ”.. نسأل الله أنْ يُرجِعنا إلى مدرسة القرآن لنتفقَّه به، ولنجعله دستورَ حياتنا، ولتكون حكمتُه غذاءَ عقولنا، وروحُه ونورُه غذاءَ قلوبنا وأرواحنا.

الإسلام نقل العرب مِن الحضيض إلى القمة:

ذكر الله عزَّ وجلَّ أحوال ما كان عليه العرب مِن خُرافات وتأخُّر وجهلٍ وتمزُّق، حيث إنهم ما كانوا يُذكَرون بين الأمم إلَّا كبدو في الصحراء يعيشون مع البهائم، يقتل بعضهم بعضًا، ويقتل الأب ابنته وأدًا تحت التراب، لأنهم كانوا يكرهون البنت، وكانوا لا يورِّثونها مِن والدَيها، وكانت لا تتزوَّج إلا برأي والدَيها، فجاء الإسلام وأعطاها حقَّها؛ حق الحياة وحق الحرية، وإلخ.

وإنّ نَقْلَ الإنسان مِن حالٍ إلى حالٍ، ومِن فكرٍ إلى فكرٍ، ومِن أخلاقٍ إلى أخلاقٍ مِثل زراعة الأراضي، فهناك أراضٍ صخرية لا تُخرِج الأشجار المثمرة والزروع المغذِّية والورود والأزهار بمجرَّد أن تُلقي البذار، بل تحتاج إلى ألغام ومدافع وجرارات وجرافات، وهناك أراضٍ وسط، ويوجد أراضٍ خصبة جاهزة للزراعة غنية تُعطي بالواحد عشرة أو خمسين أو مئة: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف:58].

الإعراض عمَّن لا تنفع الدعوة معه:

أما هؤلاء الذين قلوبهم قاسيةٌ كالحجارة أو أشد قسوةً قال: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:63]، ولا تضيِّع وقتك معهم، لأنهم “فَالِجْ لا تعالج” [مثل شعبي معناه أنه لا فائدة من هذا الأمر ولا يرجى منه خير، فهو داء الفالج الذي لا طريق للشفاء منه]، ومِن الناس مَن رأوا النبوة وأنوراها وحكمتها في الأعمال والأخلاق والروحانية، إلا أنهم عميٌ لا يُبصرون، وصمٌّ لا يسمعون، وخرسٌ فبالحقِّ والصدق والحقيقة لا يتكلَّمون، فما فائدة المجالسة معهم؟ هل هناك فائدة مِن أنْ نُحْضِر أم كلثوم لتُقيم حفلة للصم؟ وإذا أحضرنا لهم أم كلثوم وعبد الوهاب وكل المطربين والمطربات وأقمنا لهم حفلة، فلا أَحد منهم سيطرب، [أم كلثوم وعبد الوهاب مغنيان مصريان مشهوران في الوطن العربي] بل بالعكس سينزعجون ويغضبون ويقولون: هذه تمدُّ لنا لسانها، وتحتقرنا بحنكها، فمرة تميله يمينًا ومرةً تميله يسارًا.. وكذلك لا يوجد فائدة مِن أن تُزوِّج ملكة جمال العالَم مِن رجلٍ أعمى وتُظهِر له جَمالها، مِثل ذلك الرجل الأعمى الذي تزوَّج امرأةً كاسدةً لم يتزوَّجها أحدٌ، حيث أراد أن يتزوج لأجل أن يقوم أحد بخدمته، وبعد أن تزوج بها كانت دائمًا تتباهى بجمالها وتقول له: آه لو كنتَ مبصِرًا لترى عيوني الخضراء التي تسبي العقول والقلوب! آه لو كنتَ تُبصر عُنقي الذي مِثل الرخام! آه لو كنتَ ترى خدودي التي هي أحلى مِن تفاح الزبداني! فقال لها: كفى! لو كان فيكِ خيرٌ لَمَا تركك المبصرون ورموك إليَّ.

قال الله تعالى عن هؤلاء: لا تضيِّع وقتك معهم لأنهم لا خيرَ فيهم، فإذا مات القلب فإنه يرفض الموعظة، وإذا مات القلب والضمير والوجدان فلا تنفعه الذكرى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا [التوبة:124]، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ [يونس:42].

فإذا لم يُسلم أبو جهل فهل العيب منه أو مِن النبي ﷺ؟ وهل عدم الكفاءة منه أم مِن النبي ﷺ؟ ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:124-125] جاؤوا إلى النبي ﷺ، وكانوا يجلسون في مجلس رسول الله ﷺ، ويَخرجون منه أشد كفرًا وأشد نفاقًا وأشد إلحادًا وعداءً، فإذا كانت الأرض صخرية ورَميتَ فيها بذور الورد والنبات وما أنبتتْ شيئًا فهل العيب مِن البذار والفلاح أم منها لعدم قابليَّتها؟ فنسأل الله تعالى أنْ يحمينا مِن موت القلوب، ومِن صَمَم آذان القلوب، ومِن عمى عيون القلوب.

قال: هؤلاء أَعرِضْ عنهم، ولا تعلِّق قلبك بهم، لأنه لا فائدةَ منهم.. كما إذا عملتَ درساً بالإنجليزية أو بالإيطالية أو بالفيزياء أو بالكيماء للأموات فهل يستفيدون شيئًا؟ أو إنْ قدَّمت لهم “البَقْلاوَة أو النَّمُّوْرَة” على القبور فهل يأكلون شيئًا منها؟ [البَقْلاوَة والنَّمُّوْرَة: نوعان من الحلوى الفاخرة المشهورة في سوريا]، أو إن أحضرتَ لهم أجمل النساء فهل ينجبون الأولاد؟

لا تضع وقتك مع من تولى عن الله تعالى:

لقد أَمَره الله تعالى أنْ لا يضيع وقته مع هؤلاء.

لا تبذر الثمرَ في أرض عُمْيَانِ

﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا [النجم:29] يعني عن القرآن وعن هدي القرآن وهدي النبي ﷺ وعن وحي السماء، لأنه ليس مراده حياة الروح، وليس مراده التربية الربانية والأخلاق الإنسانية وتعشُّق الحق والخضوع للحقيقة، ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29] يريد حياة الجسد لكن بأنانية الإنسان، وحياة الجسد عند الحيوان ضيقة ومحدودة، فمتى ما امتلأت معدته زالت أطماعه، امشِ إلى جانب السبع عند شبعه فلا يؤذيك، أمَّا الإنسان فمعدته ليست هذه التي يوضع بها الخبز واللحم، بل معدته نفسية، والمعدة النفسية لا يَملؤها ولا يُشبِعها إلا الإيمانُ الحقيقي بالله عزَّ وجلَّ، ولا تُملَأ إلا مِن روح الله ومِن نور الله مِن عالِمٍ ربانيٍّ حكيمٍ مزكٍّ، يرتبط قلبه بقلبه برابطة الحب وبرابطة الصحبة الصادقة، وبرابطة المعرفة الحقيقية.. ومِن هُنا يبدأ نمُّوه ويبدأ عِلمه وشخصيَّته الرَّبانية، وهذا إذا ضيَّعتَ معه الوقت والجهد فأرضٌ خصبةٌ تُنْبِت مِن كلِّ زوجٍ بهيجٍ.

﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [النجم:29-30] عقولهم قاصرةٌ، ولا يَرَون إلا حياة الجسد مِثل الحيوانات والدَّوابِّ، فماذا يعرف الحمار مِن الحياة؟ لا يعرف إلا حياة الجسد، لذلك لا يعمل إلا لجسده، ويبحث عن قليل من التِّبْن والفصَّة والنخالة. [طعام الدَّوابِّ، والفصَّة هي نبات البرسيم].

قال: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [النجم:30] ليس عنده استعداد لأكثر من هذا، فالذئب مهما روضته لتهذِّبه هل تستطيع تهذيبه؟ قالوا: “مِن التعذيب تهذيب الذيب”، فهل تستطيع أن تجعل مِن الذئب بشرًا؟ أو تجعل منه طبيبًا أو صيدليًّا؟ إنك ستعذِّب نفسك، وتَخرج بلا فائدة.

إذا كَانَ الطِّبَاعُ طِبَاعَ سُوءٍ

فَلا أَدَبٌ يُفِيدُ وَلا أَدِيبُ

نسأل الله تعالى أنْ لا يجعلنا مِن هؤلاء، ممن ﴿فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44]، مهما كَلَّمتَه كأنك تكلِّمه مِن بيروت وهو هنا، فهل يسمع؟ ﴿فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت:44] ليس عنده طاقةٌ [أو قدرة] للفهم.

قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] يَعلم الله عزَّ وجلَّ ضلالهم وإضلالهم وجحودهم وتخريبهم، وسيعاقبهم ويحاسبهم، ولا يخفى على الله تعالى مِن أمرهم خافية، وسواءٌ في ذلك ما يُسرِّون وما يُعلنون، ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].

حساب الله تعالى للظالمين:

المعاملة مع الله.. فإذا تعدَّيت على ضعيفٍ فإنك لم تتعدَّ على ضعيفٍ فقط، بل تعدَّيت على قانون الله تعالى، وإذا ظلمتَ مظلومًا لا يستطيع الدفاع عن نفسه فإنك ما تعدَّيتَ على المظلوم فقط، بل تعدَّيت على قدسية الله تعالى، ورد في الحديث القدسي: ((إنَّ اللهَ يَرفَعُ دَعوةَ المظلُومِ إذَا رُفِعَتْ إلَيهِ، وَيَقُولُ لَهَا: لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ)) 7 ، ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس:11] لو أنَّ الإنسانٍ كلما أساء أتاه العقاب الإلهي لَمَا بقي على وجه الأرض إنسان، ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [النحل:61].. ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ظلموا وتجاوزوا الحدود ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر:11-13] سَوط يعني “الكُرْبَاج” أو الخَيْزَرَانَة، [الكُرباج: الكلمة العامية للسوط، والخَيْزَرَانَة: قضيب من شجر الخيزران، وهما يُستخدَمان في التأديب والعقوبة]، وخيزرانة الله ليست مِن العود ولا مِن الجلد، وخيزرانات الله تعالى أشكال كثيرة، وأول خيزرانة بأنْ يُميت الله تعالى قلبه، فيُصير لا يفهم الحق ولا الحقيقة، ويرى الأبيض أسود، ويرى الأسود أبيض، كمَن يضع على عينيه نظارة سوداء، فيرى العمامة البيضاء سوداء والمرأة البيضاء سوداء، وإذا وضع نظارة صفراء يرى كلَّ شيء أصفراً.. فأسأل الله أن يرفع الغشاوة عن عيون بصائرنا وعقولنا وقلوبنا.

الله أعلم بالمهتدي المستقيم:

﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] المهتدي المستقيم المتَّقي الذي دخل مدرسة الله بالصدق وبالهمة وبمجاهدة النفس والتغلُّب على الهوى وتغذية الروح بالعِلم والتقوى فإنَّ الله تعالى يعلمه وسيعدُّ له ما يُكافئ ويُقابل عمله وصلاحه وتقواه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8] فإن تزرع في أرض الله بذرةً صالحة يُنبتها الله لك الواحدة بعشرة إلى سبع مئة ضعف ثم بغير حسابٍ، وهذا على حسب إخلاصك وصدقك وصحة نيَّتك فيما تعمل وتقصد مِن رضوانِ الله تعالى.

والله تعالى ليس فقط يعلم، بل قال: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النجم:31] فهو الملِك والحاكم، وله العلم والحكمة والغنى بلا حدود، وله القدرة بلا حدود.. ثم كل شيء مسجَّلٌ عنده مِن مثقال الذرة إلى ما فوق ذلك، ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا [يونس:61] ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] رقيبٌ حاضرٌ يُراقب، وعتيدٌ حاضر يَكتب عملك، سواءٌ بعينك أو بلسانك أو بأذنك، أما سرائر نفسك فقال الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] فأنتَ أمام أيِّ قاضٍ؟ وأمام أيِّ حاكمٍ؟ وأمام أيِّ رجل دولة؟ أمام خالق الكون.

قرأتُ في هذا الأسبوع أنهم اكتشفوا مُؤَخَّراً نقطةً سوداء في الفضاء، لو وُضع فيها أكثر مِن مليارَي شمسٍ لَوَسِعها ذلك الثقب ولا يبقى لها أثر، ولا يبقى منها أثر، فهل عند الله جهنم واحدةٌ؟ والشمس أكبر مِن الأرض بمليون وثلاث مئة ألف مرة، قال: لو وُضع في هذه النقطة السوداء أكثر مِن مليارَي شمسٍ فإنها تذوب في هذا الثقب ولا يبقى لها وجود.

لا يُجنى الشوك مِن العنب:

نحن أمام مَن؟ هذا المغرور بشبابه، وهذا المغرور بماله، وهذا المغرور بوظيفته، وهذا المغرور بشهادته، لكن ماذا يوجد أمامه مِن العمر الذي لا نهايةَ له؟ عُمْر الخلود، وسعادة الخلود، وغنى الخلود، وشباب الخلود، إلى جانب شقاء الخلود، وعذاب الخلود، وتعاسة الخلود.. وسعادة الآخرة لا تَتَنافى مع سعادة الدنيا، بل الإسلام أتى لتكون سعيدًا في الأرض وفي السماء، فالله عليمٌ وهو المالك القدير، وفي النهاية والعاقبة: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا [النجم:31]، ولو بمثقال ذرة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

فذَكَر عِلمه وذَكر مُلكه وقدرته وعَظَمته في الكون، وقال: العاقبة بالنسبة لك أمام خالق الكون ومبدع الكون ومهندس الكون [نتيجة لأعمالك]، فمَن يزرع الشوك ماذا سيُخرِج الله له؟ هل سيخرج موزًا أو عنبًا؟ قال: ((كما لا يُجنَى مِن الشوك العنب كذلك لا يَنزِل الأشرار في منازل الأبرار)) 8 ،

فهل تستطيع أن تقطف عِنبًا بَلَدِيًّا أو حُلْوَانيًّا من الشَّوك؟ [العنب البلدي والحُلْوَاني: نوعان يُزرَعان بكثرة في سوريا، وخاصة دمشق] وكذلك أعمالك السيئة لا تستطيع أن تقطف منها سعادة الدنيا ولا سعادة الآخرة.. والسعادة ليست بالغنى.

عندما كنتُ في اليابان حدثني كبراؤهم قالوا لي: نحن أصبحنا أغنى أغنياء العالَم، ولكننا لسنا سعداء، لأن السعادة ليست في الجسد، بل هي في النَّفْس، والنَّفْس مِن عالَم الروح ومِن عالَم السماء، والروح لا يُسعِدها إلا الغذاء السماوي.. فنسأل الله تعالى أنْ يُسعدنا جسدًا وروحًا: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] أليس هذا أفضل مِن أنْ لا تكون دنياه حسنة ولا آخرته حسنةً، ثم يكون حطبة في جهنم؟ أيُّهما أفضل الأولى أم الثانية؟ وأنتم ماذا تريدون؟ بالتمني تريدون الأولى، ولكن الأمر بالعمل، والكلام للعمل وليس للتمنِّي، فكل شخصٍ يتمنَّى أنْ يصير أغنى الأغنياء وأعظم العظماء، أليس كذلك؟ ويتمنَّى مِن كلِّ شيءٍ أجمل الأشياء، لكن ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى [النجم:24]، هل المسائل بالتمني؟ ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ [النساء:123] المسألة بالعمل والعلم والحكمة وبالتربية وبالمربِّي.

جزاء الله للذين أحسنوا بالحسنى:

قال: ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، ليس فقط “أحسنوا”، وليس فقط أعمالهم حسنة، فقد يكون لك أعمالٌ حسنة، ولكن إلى جانبها أعمالٌ سيئة ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة:102]، مثل مَن طبخ “رزًّا بالحليب”، لكنه عوضًا عن السُّكر وضع ملحًا إنكليزيًّا، [الرُّز بالحليب: حلوى شعبية في سوريا، وموجودة في كثير من الثقافات والبلاد].. الحليب شيء حسنٌ، والرز شيءٌ حسن، لكنْ معه ملحٌ إنكليزي! فهذا شيء سيئ، ولو لم يكن ملحًا إنكليزيًّا بل كان ملحًا بحريًّا، وهذا أحسن أنواع الملح.. هذا مَن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا.. لكن عليك إن عملت عملًا سيِّئًا أن تتوب منه وتنيت ولا ترجع إلى ما كنت عليه، وهذه هي التوبة النصوحة، فالتوبة النصوحة أنْ تتوب مِن الذنب ولا تعود إليه، فسيدنا أبو بكرٍ رضي الله عنه لم يسجَّل عليه ذنبٌ، وسيدنا عمر رضي الله عنه لم تُسجَّل عليه خطيئة، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون الإسلام.

ونحن الآن لا نفهم الخطيئة ولا نفهم الحسنة ولا نفهم التوبة، لأننا لا نفهم المعلم ولا المزكي ولا المربي، وتُرَبِّيْنا أهواؤنا وأنانيَّتنا وجهلنا وجاهليَّتنا ومدرسةُ الجهلاء والجاهلين، وهذا ما عليه الكثير مِن الناس في سهراتهم وأصحابهم ورفاقهم ونزهاتهم ومجالسهم.. ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ أي من أحاديثهم ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[النساء:114]، هذا هو المجتمع القرآني والإسلامي ﴿مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ فإذا رأوا أيّ إنسانٍ تاركًا لواجبٍ رباني أو أخلاقي جلسوا معه يأمرونه بأداء الواجب، ﴿أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ إذا اجتمعوا وسمعوا باثنين متخاصِمَين أو متباغِضَين فإنهم يجتمعون على تقريب المتباعدَين وتبديل المتعاديَين إلى متحابَّين، واليوم مجتمعنا بالعكس، فإذا رأوا المتحابَّين يفرِّقون بينهما، وإذا رأوا المتخاصِمَين يزيدون النار اشتعالًا، وهذا ليس إسلامًا.

قالوا: “ما أشد مِن الجهل؟ قالوا: أشدُّ مِن الجهلِ الجهلُ بالجهل، وما أشد مِن المرض؟ قالوا: الجهل بالمرض”، فالجهل بالمرض يُوصِلك إلى أن يفتك بك المرض فيفنيك ويهلكك، لكن إذا عرفتَ مرضك فإنك تركض إلى الطبيب، ومَن الذي يرغِّبك بالذهاب إلى الطبيب؟ الألم، فهو رحمة مِن الله تعالى، فإذا آلمك ضرسك، فهذا منذرٌ بأنه يوجد هنا خللٌ، فاركض إلى الطبيب ليصلحه، فهناك عدوٌّ والطبيب ينقذك منه، أمَّا إذا بطل الإحساس وفُقِد الشعور فقد قال النبي ﷺ: ((إذا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنتَ مُؤمِنٌ)) 9 ، إذا كنتَ تفرِّق بين البَقْلاوة والتِّبْن فأنتَ مِن بني آدم، وإذا فرَّقت بين التِّبْن والبقلاوة فأكلتَ التبن وتركت البقلاوة فأنتَ حمار، وإذا كنتَ لا تفرِّق فأنت ميت، والميت لا يفرِّق.. نسأل الله أن يُعرِّفنا طعم أفواهنا.

قال: ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] فكل أعمالهم حسنةٌ، وأخلاقهم حسنةٌ، وتفكيرهم حسنٌ، وهم مع هذه الحسنى ﴿يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ، فإذا كان ثوبك جميلًا وبنطالك جميلًا وربطة العنق جميلة وغَطَسْتَ في “بئرٍ مالح” [ماء نجس قذر] فهل تستفيد مِن الثياب الجميلة والوجه الجميل؟

اجتناب كبائر الإثم والفواحش:

﴿يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ [النجم:32]، والكبائر: هي ما ورد بحقِّها عقوبةٌ في القرآن أو في الحديث أو لعنٌ أو عذابٌ أو غضبٌ: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6] والأعمال المغضوب عليها تُعدُّ مِن الكبائر، ((شَارِبُ الخَمرِ مَلعُونٌ)) 10 ، فإذًا شرب الخمر مِن الكبائر، وإذا كانت عليه عقوبةٌ مثل قطع يد السارق فهذه مِن الكبائر.. النبي ﷺ سمع مِن عائشة رضي الله عنها قالت بحقِّ ضَرَّتها: “إنَّها قصيرةٌ”، تُعيِّرها بقصر قامتها، فغضب رسول الله ﷺ، وقال: ((يا عَائِشَةُ، لَقَدْ قُلتِ كَلَمِةً لَو أُلقَتْ في بَحْرٍ لَأَنتَنَتْهُ))، قالت: يا رسول الله ما قلتُ إلا ما فيها، قال: ((لَو قُلتِ غَيرَ مَا فِيهَا لبَهَّتِّيها)) 11 ، فهذا بهتانٌ.

أين إسلام المسلم في الجلسات وفي السهرات مع الأصحاب والأصدقاء والعائلة؟ أين الإسلام؟ لَيتَهم كانوا كالجاهلية! فقد كانت في الجاهلية أخلاقٌ أكثر بكثير مِن أخلاق الناس اليوم، ليتهم كانوا غير مسلمين! تجد الإنسان الآن في أوربا ومع أنه شيوعي وملحد إلا أنه لا يغتاب أحدًا، ولا يتدخَّل في شؤون غيره، ولا يتدخَّل فيما لا يخصُّه، وكلُّ واحدٍ يشتغل بما يعنيه.. قال

عُمدَةُ الدِّينِ في الوَرَى كَلِمَاتٌ
أَربَعٌ مِن كَلامِ خَيرِ البَرِيَّةْ

اتَّقِ الشُّبُهَاتِ، وَاقْنَعْ وَدَعْ ما
لَيسَ يَعنِيكَ وَاعْمَلَنَّ بِنِيَّةْ

“في الورى”: في الحياة، هؤلاء عمدة دِينك وإسلامك، قال: “اتِّق الشبهات”: إذا شككتَ هل هذا الماء فيه كوليرا أم لا؟ فيجب عليك أنْ تتَّقيه ولا تشربه حتى تتيقَّن من نظافة الماء ونقائه.

“واقنع”: إذا جعل الله تعالى رزقك محدَّدًا فاقنع ولا تطمع في مال غيرك، ولا تحسد الآخرين، لأن طمعك لا يُفيدك، وهل رأيتم حاسدًا نال بحسده نعمة المحسود؟ أوَّلًا هو يعذِّب نفسه، فالحسود دائمًا معذَّب، ويُضاف إلى ذلك أنه كسولٌ لا يعمل، ويُريد النعمة بلا عمل، ويريدها مِن طريق الحسد ومِن طريق النوم وطريق البطالة والمَسَبَّات والشتائم، وبهذا لا يصل إلى ما يشتهي.

“ودع ما ليس يعنيك”: شيءٌ لستَ مسؤولًا عنه، ولا من شأنك أنْ تتدخَّل فيه، وهو مِن اختصاص الآخرين فلا تتدخل فيه.. وهذا يسمونه “كثير غَلَبَة”. [كثير غلبة: الكلمة العامية لمن يتدخل في شؤون الآخرين ويتكلم بما لا يعنيه].

و”اعمَلَنْ بِنِيَّة”: إذا كنت تريد أنْ تعمل أيَّ عمل فاعمله بنية صالحة، فإذا أردتَ أن تزور خالتك فلا تجعل نيتك لأجل أنْ تتسلَّى، بل قل: نويتُ أن أزورها أداءً لحقِّ صِلة الرَّحِم، وإذا استقبلتَ ضيفًا فليس لأجل أن تتسلَّى معه، بل قل: نويتُ قِرى الضيف وتكريمه، لأن الإسلام أمرني بذلك، واسألِ الله الثواب على ذلك.. إلخ.

ولإحسانهم في الحياة وإحسانهم في أعمالهم وأخلاقهم سيجزيهم الله تعالى بالحسنى، والحسنى هي الجنة، والحسنى هي الحياة الحسنى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] يعني حياةً حسنة، لكن لِمَن؟ ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] “زيادة” فتُعطيه ما يستحقُّ وزيادةً على ما يستحقُّ، وهل صدق الله وعده مع الصادقين؟ كان الأعراب والبدو عبَّاد أحجار، ولَمَّا صدقوا مع رسول الله ﷺ وصدقوا في إسلامهم وأخلاقهم وسلوكهم، هل: ((صَدَقَ اللهُ وَعدَهُ، وَنَصَرَ عَبدَهُ، وَأَعَزَّ جُندَهُ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ)) 12 ؟ ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب:24].

لَمَّا قُسمت الغنائم في إحدى المعارك رفض أحد الصحابة رضي الله عنهم أن يأخذ غنيمته وحصته مِن الغنيمة، فسأله النبي ﷺ: ((لِمَ))، قال له: أنا ما جاهدتُ معك لأجل الغنائم، قال له، ((لِماذا جاهَدْتَ؟)) قال له: جاهدتُ معك ليأتيني سهمٌ في حلقي فأُستشهد فأدخل الجنة، أنا لا أريد غنمًا وبقرًا وجِمالًا وغنائمَ، أُريد الشهادة، ما هذا الإيمان! يريد أن يتخلَّص مِن حبس الجسد لينعم بحرية الروح في العالَم اللامحدود.. هذا كان إيمانًا صادقًا ويقينًا، وفي معركة أخرى وزَّعوا الغنائم فسأل عنه النبي ﷺ فما وجده في الأحياء، فبحثوا عنه فوجدوه في الشهداء، وأتى النبي ﷺ ليراه فإذا به قد حقَّق الله له ما طلب، لأنه كان صادقًا مخلِصًا فيما طلب، وإذا بالسهم قد أصابه في حلقه واستشهد بسببه، فقال النبي ﷺ في شأنه: ((صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ اللهُ)) 13 .

هل يُعقَل أنْ نَصدُق مع الله تعالى ولا يَصدُق الله معنا؟ لكن نحن سكارى بالأماني وبالغفلات وبالجهل، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]، الران مكدَّسٌ بعضه فوق بعض، فلا بالذكرى نتذكَّر، ولا بالحكمة ننتفع، ولا بالعلم نتعلَّم، ولا بالأخلاق نتزَّين، وهذا مِثل الشيطان: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ واستخدم الحُجَّة أيضًا فقال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، يعني كأنه يقول لله تعالى: إنَّك يا الله لا تفهم، ولو كنتَ تفهم لكنتَ أمرته هو أن يسجد لي، لأنني أفضل منه.. فالعبد يُريد أن يقيم الحُجَّة على الله تعالى، والجاهل يريد أنْ يُقيم الحُجَّة على العالِم، وأبو جهل يُريد أنْ يُقيم الحُجَّة على النبي ﷺ، فهل ربحت المسألة مع إبليس؟ هل صار خيرًا مِن آدم؟ هل انتفع بشيء؟ لا، بل صار ملعونًا إلى يوم يبعثون، وهل سجد الملائكة له؟ لم يستفد مِن هذا شيئًا، يعني ما صار مثل آدم، ولا بقي مَلَكًا، فخسر الصفقَتَيْن؛ الدنيا والآخرة.

أعمالنا معروضة على الله تعالى:

قال: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ يعني المعصية، فهم لا يضيِّعون فرائض الله، ولا يُهملون محبوبات الله، ﴿وَالْفَوَاحِشَ [النجم:37] كلُّ شيء مستقبَح مِن الأعمال والأخلاق يجب أنْ يبتعد عنه، ليس “لا يفعلها”، بل لا يفعلها ولا يقترب مِن أصحابها، فالذي يمشي مع الحشّاش يقترب مِن الحشيش، والذي يمشي مع السِّكِّير يقترب مِن الخمر، والذي يمشي مع العدو يقترب مِن العداوة، والذي يمشي مع الملحِد يقترب مِن الإلحاد، والذي يقترب مِن الأجرب ويمشي معه ويسهر معه في مجلس واحد سيصير أجرب مثله.. فنسأل الله أن يرزقنا الصاحب السعيد لنسعد بصحبته، وأن يحمينا مِن صحبة الأشقياء حتى لا تسري فينا شقاوتهم ولو بعد حين.

قال: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] هم محسنون، ويجتنبوا الكبائر والفواحش إلا اللمم، يعني ربما مرَّةً وقع في غلطةٍ، وبسبب حياة إيمانه ويقظة إسلامه تذكَّر أنه ألمَّ بخطيئةٍ، فتاب منها وأناب ورجع إلى الله عزَّ وجلَّ تائبًا مستغفِرًا، ﴿إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ولا تظنُّوا أنَّ أعمالكم مجهولةٌ عند الله تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ مِن وقت أن خلق الله آدم عليه السلام مِن الطين والتراب هو يعلم آدم وما هو آدم، وأيضًا يَعلمكم: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32]، عندما كنتَ ذرةً؛ حيواناً مَنَويّاً وبويضةً، وعندما كوَّنك الله تعالى وجعل لك السمع والبصر والشرايين والأمعاء والمخ والعظام والعيون والأنف في بطن أمك، وهل هذا عن عِلمٍ أم صار صدفةً؟ فإذا كنتَ في بطن أمك ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ [الزمر:6] هو عليمٌ بتطوُّرك في كلِّ لحظةٍ وكل ثانية، أَلَا يعلم أعمالك وأنتَ على وجه الأرض، وتراك عيونُ كلِّ الخلق؟ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الملك:14] إذًا أنتَ تحت عِلم الله تعالى، وتحت مراقبة الله تعالى بسمعك وبصرك ولسانك وفكرك ومشيك وجلستك وسهرتك وأصحابك ومحبوباتك وأعدائك، فيجب عليك أنْ تعرف كيف تُرضي الله عزَّ وجلَّ فيها.

كما إذا رأيتَ رجلًا مِن “المُخَابَرَات” يُلاحقك فهل تستطيع أن تفعل شيئًا مخالِفًا للقانون؟ [المُخَابَرَات: السلطة الأمنية في الدولة]، فكيف إذا كان الله يقول لك: أنا أعلم بك في أخفى مراحل حياتك؛ عندما كنت جنينًا في أحشاء أمك، فإذا صرتَ على وجه الأرض، أَلَا أعلم ما تفعل!

فهل آمنتَ بهذه الآية إيمانًا يقودك إلى الغاية مِن هذا الإيمان حتى لا تعمل إلا الصالحات وتجتنب كل القبائح وكل السيئات؟

لا ينبت بذار القرآن إلا في القلوب الذاكرة المتفانية في الحب:

هذا القرآن نورٌ وهدى، وهو لا يَنْبُت بِذْرُه إلا في القلوب الذاكرة، ولا يَنْبُت بذرُه إلا فيمَن هاجر إلى الله ورسوله ﷺ وأحبابه بهجرة القلوب وهجرة الحب وهجرة الفناء، حتى يصير كما قال الشاعر

أَنا مَنْ أَهوَى وَمَنْ أَهوَى أَنَا
……………………….

[الشطر الثاني: “نحن رُوْحان حَلَلْنا بَدَنا” وهذا البيت منسوب إلى الحلاج، الزاهد المشهور].

عندما كان أصحاب رسول الله ﷺ مع رسول الله كانوا يفدونه بأرواحهم وأموالهم، وهذه هي الرابطة، ما هي الرابطة؟ هل الرابطة حَبْل أو جَنْزِيْر؟ [الجَنْزِيْر: مثل الحبل ويُستخدَم للربط، لكنه أقوى من الحبل، وهو مصنوع من حلقات معدنية متصلة ببعضها]، إن الرابطة معنوية، كما أنَّ العِجل يلحق البقرة، والخاروف يلحق الأم، والأم تبحث عن ابنها.. كنتُ أرى الغنم عندما تأتي مِن المرعى وقد تركتْ أولادها، وهي حوالي مئة غنمة، فتصوِّت الأمُّ لابنها، ويركض الولد بين الغنم يبحث عن أمه، هذه هي الرابطة.

فهل الرابطة بينك وبين الوارث المحمدي مثل هذا الخاروف والغنمة؟ الشيخ يبحث عنك، فهل تبحث عنه أنتَ؟ هو يبحث عنك ليس لأجل أنْ يرضع منك، بل لأجل أن ترضع منه أنتَ، وليس حتى ينتفع منك، بل حتى تنتفع منه أنتَ، ويغذِّيك حتى يُبقيك، وحتى تبلغ أَشُدَّك، وإذا بلغت أَشُدَّك هل تكون بارًّا أم عاقًّا؟ بعض أناس تربِّيهم وتُحسن إليهم وتُغذِّيهم، وتَعمل لهم وجودًا، [فيكبرون وتصير لهم مكانة]، ثم يصير مَثَلهم مِثلما قال الشاعر

غَذَوتُ الجَرْوَ حَتَّى صَارَ كَلْبًا
فَلَمَّا صَارَ كَلْبًا عَضَّ رِجْلِي

هذا كلب مُصابٌ بالكَلَب، لأن هذه ليستْ أخلاق الكلاب، فالكلاب مشهورة بالوفاء، فإذا قلتَ لشخصٍ: “يا كلب” فهل أنتَ تُحَقِّره أم تعظِّمه؟ ليته يصير مِثل الكلب! فإنك تنام والكلب يحرسك ولا ينام، ويرضى منك بقطعة خبز وبكسرة عظمٍ، ولا ينسى معروفك طيلة الحياة، وإذا قلتَ لشخص: “أنتَ حمارٌ” فإنك تُشَرِّفه، فالحمار حَسَن الأخلاق، هل رأيتم حمارًا يسبُّ الدِّين؟ وهل رأيتم حمارًا يتعدَّى على امرأته؟ وهل رأيتم حمارةً ناشزة مِن زوجها؟ هل رأيتم حمارًا إنْ سَبَبتَه يَسبّكَ؟ إنك إنِ استعملته بالوظيفة الذي وظَّفه الله تعالى بها، فحملت عليه حَطبًا أو ترابًا أو زِبْلًا، [الزِّبْل: روث الحيوانات المستخدمة للزراعة] أو ركبت عليه هل يخالفك؟ لا، بل إنه يطيع ما خُلِق مِن أجله، وأنتَ هل تطيع الله تعالى فيما خُلقتَ مِن أجله؟ إذا ما أطعتَ الله فإياك أنْ يكون الحمار أفضل منك وأنت تظن نفسك أفهم مِن الحمار؟ هذا يقولون عنه حمار.. ومن هو الحمار؟ إنّ الحمار من له أذناه قصيرتان، ويمشي على اثنتين، [كناية عن الإنسان الضّال]، هذا هو الحمار الذي يستحقُّ الذم والاحتقار، ولذلك قال الله تعالى عنهم: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] يعني جاهلون بالله وبشريعة الله.

الله يعلمك فلا تزكِّ نفسك:

بما أن الله قادر، ويعلم الضالَّ مِن المهتدي، ويَعلَمُكم ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فما دام يعلم إنْ كنتَ صالحًا أم طالحًا فلا تزكِّي نفسك وتمدحها، فالممدوح مَن يمدحه الله، والمحمود مَن يحمده الله، فلا تزكُّوا أنفسكم، ولا تقل: أنا جيد، فالجيد الذي يقول الله عنه: إنه جيد، ومتى زكَّيت نفسك تسقط، قال الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32].

في سفرتي هذه كان معنا مفتي درعا الشيخ عبد العزيز بايزيد حفظه الله، حدثنا عن الشيخ بدر الدين الحسني، فقال: دعوناه مرة إلى درعا لأمر مِن مصالح المسلمين، فقال لي: يا ولدي أخاف إذا جئتُ إلى حوران أن تُخسَف الأرض فيكم مِن أجلي، لأنني مذنبٌ كثيرًا فكيف آتي إليكم، ولو يؤاخذني الله بذنوبي لخسف الأرض بكم مِن أجلي.. وهو ربما كان أعبد أهل زمانه، وأعلم أهل زمانه، وأعظمهم أخلاقًا، رضي الله عنه وأرضاه.

والنبي ﷺ مع ما أعطاه الله كان يقول: ((أَمَّا أَنا فَلَا أَدرِي مَا يَفعَلُ اللهُ بِي)) 14 .

﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32] الحمار إذا قال عن نفسه: غزال، فهل هذا يشرِّفه؟ والغبي الأحمق إذا قال: أنا الفهيم الذي لا يوجد أفهم منه، فهل يصير مقبولًا عند الناس؟ والجاهل إذا قال عن نفسه: “عالِماً” هل يصير عالِمًا؟ لذلك زكِّ نفسك بأعمالك وسلوكك وإنتاجك، لا بلسانك وبادعائك وبأمانيك، ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].

فأسأل الله تعالى أن يجعلنا في نظر الله أتقياء وأنقياء وأصفياء ومؤمنين الإيمان الذي ذَكَره الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:1-3] اللغو كلُّ عملٍ لا نفعَ منه ولا ضررَ، وكلُّ قولٍ لا نفعَ منه ولا ضررَ، وكلُّ رفيقٍ وجليسٍ ومجلسٍ لا نفعَ منه ولا ضررَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] أمَّا إذا كان قولًا أو جليسًا أو سهرةً أو اجتماعًا في معصيةٍ، أو يوجد فيه غِيبة أو غضب الله تعالى فهذا غير وارد مطلَقًا في تفكير الإنسان المسلم والإنسانة المسلمة، فأين نحن مِن القرآن؟ وإذا متنا ولقينا الله تعالى، فبماذا سنلقاه؟ بأيِّ إيمانٍ وبأيِّ إسلامٍ؟ هل سنبقى هكذا بسَكْرتنا! ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

قصة الوليد بن المغيرة:

ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [النجم:33] الوليد بن المغيرة والد سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، جالَس النبي ﷺ جلستَين أو ثلاثًا أو أربعًا فَلَان قَلبه، وتفتَّحت روحه لقَبول الإسلام.. وإذا كان المريض في المشفى، وكان مقعَدًا وبدأ يمشي على رِجليه بعكازته وبالسنَّادات هل سيبقى بالمشفى ويكمل العلاج أم يغادر مسرعاً وربما ينزل مِن النافذة مِن الطابق السابع إلى الأسفل؟ وإذا كان المريض أجرب، وبدأ الجرب يَشفى فهل سيرجع لصحبة الجُرُب؟ هذا لا يصح، وإذا كان مشلولًا فلا يصحُّ أنْ يرجع إلى صحبة المشلولين.

والوليد بعد جلستَين أو ثلاثٍ أو أربعٍ بدأ الإيمان في قلبه، وبدأ قلبه يشعر بالإيمان، ولَمَّا شعر أصحابه مِن المشركين الجاهليين أنَّه سيدخل بأرض السعادة، وينتقل مِن مرض الروح والقلب إلى صحة الإيمان والإسلام قالوا له: كيف ستترك دِين آبائك وأجدادك؟ هل ستترك العمى وتُصبح مبصرًا؟ الويل لك، هل ستترك الصَّمم وتمشي مع الذين يسمعون حتى تصبح مثلهم؟ وأنت مشلول هل ستتركنا وتمشي؟ وأنت مجنون فهل ستخرج مِن “المَرْسْتَان” [مشفى المجانين] وتمشي مع العقلاء؟ وهكذا: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8] إذا أراد الله تعالى أنْ يُوقِف قلبه انتهى أمره، فيسدُّ أذنَيه ويغمض عينَيه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس:9]، هذا بالنسبة للضلال وأهله.

أما بالنسبة للهدى وأهله، فإذا أقبل المرء على الهدى انتهى الأمر، [لأنه يزداد هدى وهداية مع مرور الزمن]، وكلَّما أكل لقمة مِن البَقْلاوة يتناول الثانية، [البَقْلاوة: حلوى لذيذة ذائعة الشهرة].. يقال: إن رجلًا دعا رجلًا آخر إلى الطعام، ولكنه بعد ذلك توقف عن دعوته، فقال له: أخي، ما الذنب الذي فعلته معك حتى توقفت عن دعوتي للطعام؟ فأنت لم تدعُني إلا مرةً واحدةً في هذه الحياة، فأين الصحبة؟ ولماذا لم تكرر دعوتي مرة ثانية وثالثة؟ فقال له: أعوذ بالله! كيف أدعوك مرة ثانية؟ قال: لماذا؟ قال له: لأنك عندما دعوتُكَ في المرة الماضية كنتَ تضع لقمةً بفمك، والثانية بيدك، والثالثة بعينك تنظر إليها، وكنت وحدك، ولم تترك شيئًا في “المَنْسَف”، وهل أدعوك “فأَخْرُب بَيْتي” بدعوتك؟ [المَنْسَف: طَبَق كبير يوضع فيه الرزّ واللحم للضيوف، وعادة يكفي عدة أشخاص.. وقوله: “أَخْرُبْ بيتي” تستخدَم باللهجة العامية السورية، وهي بمعنى: أفتقر وأُدَمِّر نفسي وأخسر خسارة فظيعة].

أجهل الجهلاء مَن لا يعرف جهله:

قال المشركون للوليد بن المغيرة: “أتترك عبادة آلهتك ودِين آبائك وأجدادك؟ وهذا محمد يُسَفِّهُها، ويعتبر أباءك وأجدادك سفهاء جهلاء”.

إن الإنسان -يا بني- يسعد بكلمة ويشقى بكلمة، ويسعد بنظرة ويشقى بنظرة، ويسعد بجلسة ويشقى بجلسة، ويسعد برفيقٍ ويشقى برفيق، فاعرفوا أين تضعون قلوبكم، فإن كنتم مع الأشقياء فستشقون، وإن كنتم مع المخذولين فستُخذَلون، وإن كنتم مع الخاسرين فستخسرون، وإن كنتم مع السعداء فستسعدون، وإن كنتم مع الموفَّقين فستُوفَّقون، وإن كنتم مع العقلاء فسوف تنجحون، وإن كنتم مع المجانين فالنتيجة معروفة.

وهناك من المجانين مجنون لا يعرف نفسه أنه مجنون، كما يقال: إن شخصًا سمع أن الذي يأكل سمكًا يوم الأربعاء ويشرب لبنًا ويدخل الحمَّام يُصاب بالجنون، فقال: ما هذا الكلام؟ وما هذه الخرافات؟ سأُثبت للناس أنَّ هذا كذب، وليس له أصلٌ.. فجاء يوم الأربعاء، وكان قد اشترى السمك، فأكل السمك وشرب نصف كيلو من اللبن، وذهب إلى الحمَّام، وكان الوقت شتاءً بارداً.. والحمَّام في سوق الحميدية قريب من البزُوْرِيَّة [سوق الحميدية وحَيّ البزورية في دمشق القديمة]، ولَمَّا انتهى خرج مِن دون ثياب، كما خلقه الله، وأخذ يمشي مِن دكانٍ إلى دكان، وهو يقول لهم: انظروا حتى تعرفوا أنَّ هذا الكلام كذبٌ، وكلامي هو الصحيح، وأنا الذي أفهم، لقد قالوا: إن مَن يأكل السمك يوم الأربعاء ويشرب اللبن ويدخل إلى الحمام يُجنُّ.. وكان قد خرج عارًيا، لكنه كان يَضع “كرافة” في رقبته و”طَرْبُوْش” على رأسه، [الكرافة: ربطة عنق، والطَرْبُوْش: القبعة الحمراء التي كانت تُلبَس زمن الخلافة العثمانية، حيث كان يَدُلّ لُبْسُه على الرفعة والرقي].. وقال لهم: الحمد لله على نعمة العقل والإيمان! ها قد فعلت تماماً ما قالوا! فهذا يوم الأربعاء وقد أكلتُ السمك وشربتُ اللبن، ودخلتُ الحمام، فأين الجنون؟

إنَّ أَجَنَّ الجنون الذي لا يعرف جنونه؟ وأجهل الجهل مَن لا يعرف جهله، وأشقى الشقاوة مَن لا يعرف شقاءه، وأَضلّ الضلال مَن يمشي في الصحراء ويظن نفسه يمشي في الطريق المعبَّد وأن سيارة ستَمُرّ به قريباً، هذا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس:9] فإذا كان يوجد سدٌّ مِن أمامه وسدّ مِن ورائه والظلمات على قلبه فكيف يرى طريقه؟ وهذا الوليد بن المغيرة أيضًا ضَلَّ مِن كلام هؤلاء.. قال لهم: سمعتُ محمدًا يقول: إنه غداً يوجد آخرة وعذابٌ وغضب الله وشقاء.. فقال أحدهم له: ابقَ على دِين آبائك، وضع في رقبتي كل شيء يقوله محمد، وأنا أتحمَّله عنك، لكن عليك أن تعطيني أجرةً على ذلك.. عشرة آلاف أو عشرين ألف -على حسب “عُمْلَتِهم” [نقودهم]– قال له: هل تحمل عني؟ قال: أحمل، قال له: هل تعطيني؟ قال له: أعطيك.

خسارة الوليد بن المغيرة لأنه تولى عن الإيمان:

فكفر الوليد بن المغيرة بعدما صار إيمانه بذرة، وانفلقت البذرة عن ورقة.. وهذه يا بني تحتاج إلى عناية أكثر، فقد يأتي بغلٌ يدوس عليها ويحطِّمها، ولو صارت أطول قد يأتي بغلٌ يقضمها فتذهب أيضاً، كذلك عندما تصير شجرة هي تحتاج دائمًا إلى عناية وسقاية وتَسْمِيد.. لا تغترُّوا، فما دام فينا نفسٌ واحد فعلينا خطر، وها هو النبي ﷺ يقول: ((أَمَّا أَنا فَلَا أَدرِي مَا يَفعَلُ اللهُ بِي)) 15 ، مع أنَّ الله تعالى قال له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

وهذا المضِلُّ أعطاه الوليد ألفاً أو ألفَين مِن عشرة آلاف ثم قطع.. يعني أن المضِلّ لم يصل إلى هدفه، وكذلك الضالُّ ضيَّع مستقبله الدنيوي والأخرَوي، ولو بقي مؤمنًا فماذا سيكون بالوليد؟ لقد كان خالد ابناً للوليد، فسيكون الشبل مِن ذلك الأسد.. فبدل أنْ يصير فاتحًا وقاهر كسرى وقيصر صار عدوّ الله وعدو رسوله، فماذا أفاده كفره؟ وماذا أفادته صحبته للشقيِّ ولشيطان الإنس الضالِّ المضِلِّ؟ وهل ربح في الدنيا أو ربح في الآخرة؟ لقد صار يُذكَر بالذكر المذموم إلى يوم القيامة.

نسب الإيمان لا ينقطع:

﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [النجم:33]، مَن “الذي تولَّى” وأعرض عن الإيمان؟ هو الوليد بن المغيرة، ومن ابنه؟ خالد بن الوليد رضي الله عنه: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] مِثل ابن نوح عليه السلام، كان مِن بيت النبوة ومِن صلب النبوة، وكذلك “آزر”: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، الأب كان يصنع الأصنام والابن أبو الأنبياء.. أسأل الله أن يحميَنا وأنْ يوفِّقَنا، فالمسألة ليست بالنسب الجسدي، الحقيقة في النسب الروحي والنسب العلمي ونسب الحب الإلهي.. ويوم القيامة أنساب الأجساد تنقطع فائدتها والانتفاع بها، ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ [المؤمنون:101] أمَّا نسب الإيمان فلا ينقطع، ونفعه لا ينقص، بل يزيد في الدنيا وفي الآخرة

نَسَبٌ أَقرَبُ في شَرْعِ الهَوَى
بَينَنَا مِنْ نَسَبٍ مِنْ أَبَوَي

لقد أنزل الله تعالى بشأن الوليد: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [النجم:33] فبعدما أقبل على الإسلام أعرض عنه، وكان النبي ﷺ يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الحَوَرِ بَعدَ الكَوَرِ)) 16 ، عندما تكوِّر العمامة هذا اسمه “كَوَر”، وإذا فككتها أو بَسطتها اسمه “حَوَر”، يعني أعوذ بك مِن النقص بعد الزيادة، ومِن الفساد بعد الصلاح، ومِن الجهل بعد العِلم، ومِن الفِسق بعد التوبة والإنابة، فهذا ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [النجم:33].

الآخرة ليست حسب الهوى:

﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا [النجم:34] للذي أضلَّه؛ لشيطانه، فالمضِلُّ ما كان فيه خيرٌ ولا المضلَّل، ﴿وَأَكْدَى [النجم:34] مِن “الكُدْيَة”: أي الصخرة، فعندما يحفر الإنسان وتخرج له صخرة لا يستطيع أنْ يُكْمِل، أيضًا هذا أعطى عطاءً قليلًا، ولم يُكمل، فأكدى.. قال: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى [النجم:35] لأنهم كان عندهم بقايا مِن دِين إبراهيم عليه السلام، مِثل المسلمين الآن حيث يوجد أناس يؤمنون بالآخرة، ويوجد أناس لا يؤمنون، فهم كانوا كذلك، وكانت فيهم أشياء كثيرةٌ من بقايا دين إبراهيم عليه السلام، مثل الحج، لكنْ كان محرَّفًا، فجاء النبي ﷺ وصحَّحه.. إلخ.

قال: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى [النجم:35]، فهل هو ضامن إذا ذهب إلى الآخرة أن تكون المسألة على هواه، فيحمل عن هذا ذنوبه وعن هذا ذنوبه؟ هل هناك وحيٌ نزل عليه مِن السماء، أو علمٌ إلهي أعلمه الله تعالى به؟

كل الإنسان يجزى بعمله:

﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى [النجم:36] أَمَا قرأ في توراة موسى وصحف إبراهيم عليهما السلام؟ لأنه في المجتمع العربي كانت اليهودية سائدة، وكذلك بقايا من دِين إبراهيم عليه السلام، ولذلك ذَكر الله تعالى صحف موسى وصحف إبراهيم ﴿الَّذِي وَفَّى [النجم:37]، وماذا في صحفهم؟ قال: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38] الذي يفعل الوزر هو الذي يحمله، وليس غيره مَن يحمله عنه: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18].

بعض الناس يقول: “يا أخي افعلها وضعها في رقبتي”، [هذه مقولة منتشرة بشكل واسع في المجتمع في عصرنا الحالي، وتعني: افعل المعصية وأنا أحمل وزرها عنك]، لا، هذا لا يكون.. ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38] مَن يعمل الوزر ويقوم بالمعصية هو الذي يحملها ويعذَّب بها، وكذلك مَن دَلَّه أو شجَّعه أو أعانه أو زيَّن له، فكلُّهم في الإثم سواءٌ، وكان النبي ﷺ يقول: ((لا حَسَدَ إلَّا في اثنَتَينِ)) الحسد أنْ تتمنَّى ما عند الآخرين، قال: ((رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الخَيرِ)) أغناه الله تعالى ووفَّقه وأصبح لديه ثروة، وصار يُنفقها في عمل الخير والمساجد والعِلم وبناء الإسلام وهداية الخَلْق ومساعدة الفقراء.. إلخ.

((فَقَالَ آخَرُ: يا لَيتَ لي مِثلُ ما لِفُلَانٍ لِأَصنَعَ كَما صَنَعَ، فَهُمَا في الأَجرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ يَهدِي النَّاسَ إلَى الخَيرِ؛ أُوتِي العِلْمَ وَالحِكمَةَ، فَيَقُولُ آخَرُ: يا لَيتَنِي أُوتِيتُ العِلمَ وَالحِكمَةَ، فَأَهدِي النَّاسَ إلَى صِراطِ اللهِ المستَقِيم، فَهُو مِثلُهُ بِالأَجرِ والثَّوابِ)) 17 هذا الحديث أرويه لكم بالمعنى تقريبًا.

هذا مِن حيث تحمُّل وزر الآخرين، فكلُّ واحد وزره وذنبه برقبته: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ كتاب أعماله في عنقه، ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ [الإسراء:13-14] انظر ما هي أعمالك؟ ماذا زرعتَ؟ هل زرعتَ شعيرًا؟ انظر ماذا يوجد في مزرعتك؟ وإذا زرعتَ بطيخًا ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ، ماذا سترى في المزرعة؟ وإذا كان قد أحضر سبعة أو ثمانية جرذان، ووضعها في البيت، فما يكون بعد سنة؟ ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ، كيف سيكون حال البيت؟ سيصير مليئًا بالجرذان، وكذلك إذا ربَّى الأفاعي والعقارب.

سَيَحصُدُ عَبدُ اللهِ ما كَانَ زارِعًا
فَطُوبَى لِعَبدٍ كَانَ للهِ يَزرَعُ

“الدنيا مزرعة الآخرة” 18 .

لن ينال الإنسان إلا جهده، ولن ينتفع من الحسد:

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] لا تستطيع أن تأخذ إلا جَنْيَ عملك، وأمَّا عمل الآخرين فهو للآخرين، أمَّا أن تحسد الآخرين لِتنال جهدهم فهذا لا يحدث لا في الدنيا ولا في الآخرة، فعندما قام إخوة يوسف عليه السلام بحسده لأنه في يومٍ مِن الأيام سيصير له شأن، وقالوا: دعونا نتخلَّص منه مِن الآن.. فإذا أصدر الله عز وجل مرسومًا أنه سيعطيه هل هناك من يستطيع أن يمحو مرسوم الله؟ هل هناك مَن يقدر أن يغيِّر قانون الله تعالى؟ ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54].

وهكذا أرادوا أنْ يفعلوا مع النبي ﷺ، ولم يكتفوا بالكلام، بل انتقلوا إلى الأعمال وأرادوا قتله، وفكَّروا أنه لو قتله شخص فستقوم عشيرة النبي ﷺ بقتل القاتل، وبعد التفكير والبرلمان ومجلس الكونغرس الشيطاني اتَّفقوا على أنْ يكون هناك مئة سيفٍ ومئة رجلٍ وبضربةٍ واحدةٍ حتى لا يُعرَف القاتل، وتَرضى عشيرته بالدِّيَة، وتنتهي القضية.. فهل نجحوا؟ لم ينجحوا، لَحِقوه إلى الغار، ولَمَّا أرادوا أنْ يَدخلوه حماه الله بخيط العنكبوت.. لقد خرج مِن مكة مطارَدًا وهم يريدون قتله وإفناءه.. وعند الله: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] خرج مِن مكة هكذا، فاستقبله أهل المدينة بـ

طَلَعَ البَدرُ عَلَينا
مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع

وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَينا
ما دَعا للهِ داع

فإذا زهد فيك القريب أتاح الله لك البعيد.

هذا هو الإسلام الضائع بين أبنائه، هذا هو الإسلام الذي تحوَّل أبناؤه إلى أعدائه، ليس كلُّهم، وسببه الجهل وعدم وجود المعلم الكفء وعدم التمثيل الحقيقي للإسلام، وكثيرٌ ممَّن ينتسبون إلى الإسلام يمثِّلون الإسلام بشكلٍ غير حقيقي، ويجعلونه مكروهًا مِن أبناء وطنهم، وهذا خطأ، هذا فقدٌ للحكمة.. برأيي أنَّ الإسلاميين يجب أن لا يعملوا بالسياسة، ولْيتركوا النِّجارة للنَّجَّارِين، والحِدادة للحدَّادِين، والسياسة لأهل السياسة، وليَعملوا هم بإصلاح النفوس وإصلاح الأخلاق وبناء العقول التي ترى الأمور بحقائقها، ثم إنَّ القُوَّتَين تتعاونان، وبذلك يَسعَدون ويُسعِدون.

وفاء إبراهيم عليه السلام:

﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37] بماذا وفَّى؟ عَهِد الله تعالى إليه بأمورٍ، فأدَّاها أحسن الأداء، ووفَّاها أحسن الوفاء، ولَمَّا أَمره الله تعالى بتبليغ الرسالة، وهدَّده النمرود، وألقاه في النار لم ينهزم ولم يتردَّد ولم يضعف، ولم يَهِن، وبصدق يقينه غلب بردُ يقينه لهبَ النار، فجعلها الله تعالى عليه بردًا وسلامًا بقوة روحانيته ويقينه، وأمره الله تعالى أن يذبح ولده وحيًا في المنام فلم يتلجلج ولم يتردد ولم يشك، وأمره الله تعالى بالهجرة مِن وطنه العراق إلى بلاد الشام -فلسطين- فهاجر.. ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ فوفَّى ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124] فجعل الله تعالى الأنبياء كلَّهم مِن ذرِّيَّته، فمن ذريته موسى وعيسى وأنبياء التوراة عليهم السلام، وآخرهم سيدنا محمد ﷺ.. هل الذي يعمل مع الله بشكل صحيح يضيع أو يخسر أو يندم؟ والذي يشتغل للشيطان.. هل رأيتم أحدًا اشتغل مع الشيطان وربح؟

﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37] بوفائه مع الله صار أبا الأنبياء، وصار محمودًا في الأرض والسماء، وهذه أوروبا وأمريكا وآسيا كلُّها تقول: ((وَصَلِّ عَلَى إبراهِيمَ وَعَلى آلِ إبراهِيمَ في العالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)) 19 ، هذا مقابل الوفاء، وهكذا كل من وفى مع الله، وهل يُخلف الله مع أوفيائه؟ ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]، هل يوجد؟ ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40]، ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل:91]، ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد:20].

والقرآن الكريم هو الميثاق بيننا وبين الله تعالى، والإسلام هو القرآن المشروح بما أتى به النبي ﷺ، وهذا هو الميثاق بين الإنسان وربه، وهذا الميثاق في كلِّ جملة، وفي كل كلمة، لذلك علينا أنْ نقرأ القرآن جملةً جملةً، ونقرأه للعلم لا للثواب ولا للقراءة، فإذا كنتَ تريد أنْ تقرأه لا للعلم ولا للعمل فالأفضل لك أن لا تقرأه.. لأنه إذا جاءك بلاغٌ مِن المحكمة أنه يجب عليك أن تأتي غداً إلى المحكمة، وإذا لم تأتِ سيصير كذا وكذا، فهل الأفضل لك أنْ تتسلَّم الورقة أم أن لا تتسلَّمها؟ إذا كنتَ لا تريد أن تذهب فالأفضل أن لا يكون عندك عِلمٌ بها، وإذا علمتَها ولم تعمل بها فأنتَ مسؤولٌ، أما إذا لم تعلم بها فتكون المسؤولية أخفُّ.

فأنْ تقرأ القرآن وتحضر الدروس وتستمع ثم تعمل بخلاف ما تعلم، فهذا: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنفَعُ)) 20 ، و((أَشَدُّ النَّاسِ عَذابًا يَومَ القِيامَةِ عاَلِمٌ لَم يَنْفَعْهُ اللهُ بِعِلْمِهِ)) 21 .

اللهم اجعلنا مِن الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كادوا من صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كادوا من الفقه))، عن سويد بن الحارث الأزدي.
  2. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، رقم: (3342)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، رقم: (2286)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنةٍ من زاويةٍ فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
  3. سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في التحريش بين البهائم، رقم: (2562)، (2/31)، سنن الترمذي، رقم: (1708)، (4/210)، كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم، بلفظ: ((عن ابن عباسٍ، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم)).
  4. صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح: باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، رقم: (1955)، (3/ 1548)، سنن أبي داود، كتاب الضحايا، باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة، رقم: (2815)، (2/ 109)، عن شداد بن أوسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته)).
  5. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
  6. إنجيل متى (15: 23-24).
  7. سنن الترمذي، أبواب الدعوات، باب في العفو والعافية، رقم: (3598)، (5/ 578)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (9741)، (2/ 445)، عن أبي هريرة بلفظ: ((ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حينٍ)).
  8. حلية الأولياء للأصبهاني، (10/31)، بلفظ: عن يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكما لا يجنى من الشوك العنب، لذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله»، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (67/260)، عن أبي ذر الغفاري قال سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم كما لا تجتنى من الشوك العنب لا ننزل الفجار منازل الأبرار وهما طريقان فأيهما أخذتم أدتكم إليه)).
  9. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22253)، (22/ 76)، المستدرك للحاكم، رقم: (33)، (1/14)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7540)، (8/117)، عن أبي أمامة رضي الله عنه.
  10. سنن أبي داود، كتاب الأشربة: باب العنب يعصر للخمر، رقم: (3674)، (2/ 350)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (5716)، (2/ 97)، عن عبد الله بن عمر، بلفظ: ((لعن الله الخمر، ولعن شاربها، وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها.
  11. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4875)، (2/685)، بلفظ: ((عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت وحكيت له إنسانا قال "ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا")).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، رقم: (3888)، (4/ 1509)، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم: (2724)، (4/ 2089)، بلفظ: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده))، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  13. سنن النسائي، كتاب الجنائز وتمني الموت، باب الصلاة على الشهداء، رقم: (2080)، (1/ 634)، المستدرك للحاكم، رقم: (6527)، (3/ 688)، عن شداد بن الهاد، بلفظ: ((أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوةٌ غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟، قالوا: قسمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: «قسمته لك»، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا، وأشار إلى حلقه بسهمٍ، فأموت فأدخل الجنة فقال: «إن تصدق الله يصدقك»، فلبثوا قليلًا ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهو هو؟» قالوا: نعم، قال: «صدق الله فصدقه».
  14. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، رقم: (1186)، رقم: (1/419)، عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه. بلفظ: قالت أم العلاء الأنصارية: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله قد أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا)).
  15. سبق تخريجه.
  16. سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافرا، رقم: (3439)، (5/497)، سنن النسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الحور بعد الكور، رقم: (5498)، (8/ 272)، عن عبد الله بن سرجس بلفظ: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال)).
  17. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن، رقم: (4738)، (4/1919)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10218)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جارٌ له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلانٌ فعملت مثل ما يعمل ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو يهلكه في الحق فقال رجلٌ ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلانٌ فعملت مثل ما يعمل)).
  18. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (497)، ص: (497)، قال: لم أقف عليه مع إيراد الغزالي له في الإحياء، وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (3102)، (2/ 228)، عن ابْن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((الدُّنْيَا قنطرة الْآخِرَة فاعبروها وَلَا تعمروها، وإن الله عز وَجل خلق الدُّنْيَا للْعَمَل والخراب وَالْآخِرَة للبقاء وَالْجَزَاء وَالْعِقَاب)).
  19. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب{ يزفون }/ الصافات 94 / النسلان في المشي، رقم: (3190)، (3/1233)، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، رقم: (406)، (1/ 305)، كعب بن عجرة رضي الله عنه، بلفظ: ((سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم قال قولوا اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)). وفي مسلم عن أبي مسعودٍ الأنصاري، رقم: (405)، بلفظ: ((في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ)).
  20. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم: (2722)، (4/ 2088)، والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، رقم: (5470)، (5/ 44)، بلفظ: عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات «اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع وقلبٍ لا يخشع ودعاءٍ لا يسمع ونفسٍ لا تشبع»)
  21. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1778) و (2/ 284)، المعجم الصغير للطبراني رقم: (507)، (1/305) عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه)).
WhatsApp