تاريخ الدرس: 1992/11/06

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:17:21

سورة الحشر، الآيات: 22-23 / الدرس 7

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالِمين، وأفضلُ الصّلاة وأتمّ التّسليمِ على سيِّدنا محمَّد، سيّد الأوّلين والآخرين، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن تَبعهِم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وعلى سيِّدنا إبراهيم وأخويهِ سيِّدنا موسى وعيسى وجميعِ المؤمنين في الأوّلين والآخرين، وبعد:

فضل أواخر سورة الحشر:

نحنُ الآن في تفسيرِ بعضِ آياتٍ مِن سورة الحشر، هذه الآيات الثلاث ورَدَ حديثٌ في شأنِها، يَقولُ عليه الصَّلاة والسَّلام: ((‏مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثم َقَرَأَ الآيَات الثَلاَثَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا مساءً كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ)) 1 ، كما أنَّ هذه الآيات الثلاث تَحتوي على كثير مِن أسماء الله الحُسنَى، وورَدَ في أسماء الله الحُسنَى قول النبيِّ عليهِ الصّلاة والسّلام: ((إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْـجَنَّةَ)) 2 .

فهذِهِ الأسماءُ أكثرُها موجود في القرآن، وباقيها موجودٌ في السُّنّة النبويّة، وليس المقصودُ من ذكرِ أسماء الله التي في الآيات الثلاث وحفظ التّسعَة والتسعين اسمًا مجرَّد حفظِ الألفاظِ، فحفظُ الألفاظ: قد يَحفَظ الإنسان القرآن باللفظِ، ولكن بَدَلَ أن يَكونَ حجَّةً له قد يَكونُ حجَّة عليه، وكذلك أسماء الله الحُسنَى أو أسماء الله في آخِرِ سُورَة الحشر.. والمقصود أن نَستوعِبَ معنى هذه الأسماء وأن نصِلَ إلى روح معناها، فتُخالِطَ عقولَنا وأفكارَنا ومزاجَنا وعواطِفَنا ليترشَّحَ ويَنتُجَ مِن ذلك الإيمان والأخلاق والفضائل وتَقوَى الله حقَّ تقواهُ، أمَّا أن نحفَظَ أحرُفَ القرآن أو ألفاظ القرآنِ أو أحرُف العِلْمِ وألفاظه مِن غير أن نتأثَّرَ وتنفعلَ نفوسُنا وتنعكس أخلاقًا وأعمالاً وشعوراً وتأثُّرًا، فهذا بعيدٌ عن هدَف أحاديثِ رسول الله ﷺ، وبعيدٌ عن الحقيقة، لذلك يَفرحُ الناس بحفظِ القرآن؛ يَحفظونَ الأحرف والألفاظ، وهم في كثيرٍ من الأحيان بَعيدونَ عن حفظِ المعاني وحَفظِ الأعمال وتَطبيقِها التي دعا إليها القرآن.

الله خالق كل شيء ومدبّر كل أمر:

فنبدَأ بالتفسيرِ؛ يَقولُ الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ [الحشر:22] مَن هو الله الذي تَعبدُهُ وتكونُ له عَبداً؟ والعبدُ مملوكٌ لسيِّدِهِ، ودائمًا في خدمةِ سيدِهِ وبالأعمال التي يَطلبُها منه سيّدُهُ، هو مُلكٌ لسيِّدِهِ، وكلُّ ما يَملكُهُ أيضًا ملكٌ لسيّده، فكيف إذا كان ذلك السِّيدُ هو مَن وهبَكَ كلّ ما تملك ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [يونس:31] مَن؟ مَن يُنزِّلُ الأمطار؟ ومَن يُخرِجُ الشّمسَ والقمرَ والليلَ والنّهار؟ مَن خلَقَ الهواء وركَّبَهُ مِن غازاتٍ في مُنتهَى الدِّقّة، لو زاد بعضُها أو نقَصَ بعضها عن الميزان الحقيقيّ لعُدِمَت الحياة في دقائق أو في ثوانٍ، ومَن وهَبَ لنا السمعَ والأبصار ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [يونس:31] مَن؟ مَن المالك؟ ومَنِ الواهب؟ ومن المشرِفُ الحافِظُ؟ ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ من؟ البذرة والبيضة تُعتبَر ميّتَة لأنّهُ لا نماء لها، فمَن الذي يُخرِجُ مِن البذرة شجرةً تَنمُو وتُعطِي وتُثمِرُ، ومِن البيضة مخلوقًا حيًا يَتوالَدُ؟ إلى آخرِهِ.. ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس:31] مَن مدَّدَ لك الأعصاب؟ من مدّد لك الشرايين والأوردة؟ مَن ركَّبَ العظام بعضها على بعضٍ؟ مَن الذي جَعَلَ بين المفاصِلِ كالشَّحمِ للآلات؟ حتى تكون دائمًا مُزيَّتة لا يأكُلُ بعضُها بعضًا، مع أنّ الفولاذ مع الوقتِ والتّزييتِ والتشحيم يَأكُلُ بعضها البعض، والسّيارة تُلقَى في القمامة بعد عشر سنين، أما عظامكَ أنتَ تبقى سبعينَ أو ثمانين أو تسعين سنة، وإذا صار فيها خللٌ فبأخطائِكَ لا بالتّصميمِ الإلهيّ والرّعاية الإلهية، مَن الذي يُحرِّكُ جفنَكَ بمليارات المرات على عينِكَ؟ ولو كان فولاذًا لأذابَ ومحا أحدُهما الآخر، ومع ذلك يبقى الجفن جفناً وتبقى العين عيناً دون اهتراء.

الله عز وجل بيده ملكوت كلّ شيء وهو الذي يُدبِّر الأمر:

﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، يوجَد بين العينِ والمركزِ البصريّ في الدّماغ ثلاثون مليون خلية، مَن الذي ركَّبَها وصنعَها فأتقَنَ صَنعتَها، وأتقَنَ ارتباط بعضِها ببعض؟.. خلايا المخّ أربع عشرة مليار خلية كلُّها تعمل، وكلُّ خلية لها عَمَل خاصّ مرتبطٌ بعضُها ببعضٍ، أما سكَّان العالم خمسة أو ستة مليارات وترى خلافات ومشاكل بينهم حتى في البلد أو في الأمّة أو في العائلة الواحدة، فالخلايا أربعة عشر ملياراً! فهم وحدة مِليارية، وبلا أيِّ خلافٍ! ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ بشمسِها وقَمرها وهوائِها وأمطارِها ﴿وَالْأَرْضِ [يونس:31]، بزروعِها ونباتِها وورودِها وثمارها؟ ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ مَن المالك الذي وَهَبَ؟ ومَن المشرفُ المهندسُ للعنايَة والصّيانة؟ ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس:31]، إذا كان الإله يحمِلُ هذه الصّفات ألا يَجِبُ أن يُتقّى؟ فيُمتَثَل أمرهُ، ولا يُرتَكب نهيُهُ، ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ [يونس:31-32] هذا هو الإله.. أما المسيحُ فيَأكُلُ ويَشرَبُ ويَبولُ ويَتغوَّط، والذين اعتقَدُوا بألوهيتِهِ اعتقَدُوا أيضاً أنه يُضرَبُ ويبصَق في وجهِهِ ويُذَلُّ ويُهان، ولا يَرضَى إنسان أن يَكون عاملٌ عندَه بهذا الضَّعفِ وبهذه المواصفاتِ! فكيف بالإله خالق الكون أن يَكون بهذه الصّفاتِ! وهذه العقيدة في أوروبا وأمريكا! أهذا تقدُّم أم تخلُّف أم رجعية؟ ولذلك ألحَدُوا وصاروا علمانيّينَ، ولهم كلّ الحقّ فيما ألحدُوا فيه، وقد اختارُوا العِلم على ما يُسمَّى دينًا وإيمانًا.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هل يُوجَدُ شيء آخر يحمِلُ هذه المواصفات؟ ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [الشورى:11] جعَلَ زوجتَكَ كنفسِكَ، النوعيّة نفسها، لو جَعَلَها حمارة أو بغلة أو بقرة أو فِيلة ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا يكون السَّكنُ النفسيّ لكلا الزَّوجين مع بعضِهما البعض، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا [فاطر:27]، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97] هل سيّدنا عيسى عليه السّلام هو من خلَقَ النُّجومَ أو خَلَقَ المجراتِ أو خَلَقَ الحميرِ أو خلَقَ الجمال؟ ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11].

المعرفة والإيمان بعضها يكون بالعقل والفكر وبعضها يكون بالذكر والذوق:

هذه معرفة الله من طريق الفكر والعقل والنظر والرؤية.. أمّا معرفةُ الله التي هي أَعلَى مِن هذه المرتبَةِ فأن تَعرِف الله عز وجل بِذوقِكَ وأن تعرِفَ الله بانطباع نوره في مرآة قلبكَ حتّى تَسرِي في روحِك كهربائيةُ أنوارهُ فتحيا بروحِهِ روحُكَ، وتحيا بصفاتِهِ صفاتُكَ، وبأخلاقِهِ أخلاقك، وبعلمِهِ وحكمتِهِ علمُكَ وحكمتُكَ، وترى مِن الجمالِ والسّعادة واللذّة ما يجعَل كلَّ السّعاداتِ على هذا الكوكبِ كنقطة في البحر المحيط، فإذا اجتمَعَ إيمان العقلِ والفكر والعلم والفهْمِ معَ إيمانِ الذِّكْرِ والذّوقِ والعِشقِ و((وأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 3 حتى تَنتقِلَ مِن الإيمان إلى اليقين، ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4] تَرَى الدّار الآخرة في مرآة تلفزيون قلبكَ، وترى الجنّة والنار، وترى عَالَم الغيب والملائكة بمقدار سِعَةِ الشّاشَة التلفزيونيّة الرُّوحيّة والقلبيّة، فهذه قِمَّةُ الإيمان المسمَّاة باليقين.. والنبيّ ﷺ قال: ((أقلُّ ما أوتِيت هذهِ الأمَّة اليقين)) 4 ، ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فإذا وُصِفَت لك النارُ بدخانِها وبِلونِها وبلهبِها فهذا علمٌ ومعرفة، أمّا إذا وضعتَ إصبعَكَ فيها وأحرقَتْ جلدكَ فهل هذه المعرفة أبلَغُ أم الأولى أبلَغُ؟ وإذا جمعتَ الاثنتينِ فهذا هو الإيمان الكامل، فإيمانُ اليقين طريقتُهُ التوبة الصّادقة وتنظيفُ النفسِ مِن كلّ رذائلِها الجسديّة والنفسيّة الظاهرة والباطنة، فكلّما تهذَّبَت النفسُ وتزكَّت وتنقَّت تَدخُلُ في مَيدان ذكْرِ الله وصحبتِهِ ومجالستِهِ، ومَن جالَسَ النّارَ أحسَّ بحرارتها ودفئها، ومن جالسَ الزهور والورود سَعِدَ بجمالها وأريجها وعِطْرها، أمّا إذا جالس ألفاظ الورود والزهور ونظَرَ إلى أحرُفِ كلماتها أو قَرَأَ ألفاظ كلماتها هل يستوي مع مَن هو جالسٌ في حدائقِها ومساكنِها؟ فنسأل الله أن يَرزُقنا مِن الإيمان أكمَله روحياً وعلميًّا وعقائديًّا وأخلاقيًّا وذَوْقِيّاً.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَن معبودُكَ؟ مَن إلهكَ؟ ولا تكونُ عابدًا للإله إلا إذا تولَّهتَ في محبّتِهِ، لماذا تحبّ المال؟ لأنه يُساعِدُكَ على ما تُريدُ في شؤونك الحياتية، وتحبُّ صاحبَكَ وصديقَكَ ليُحقِّقَ لك بعض أغراضكَ الحياتيّة، وأمّا الله عز وجل فهو مصدرُ الوجود، وهو مصدرُ كلِّ النِّعِم، وهو مصدرُ كلِّ العطاء وكلّ السّعادة، وأعطانا مِن الدنيا ما لو ملكَتْها كلّها فما هي إلا ذرةٌ مِن بحر عطائِهِ لك في عالم الدّار الآخرة، هذا بعضُ صفاتِ الله عزّ وجلّ.

﴿هُوَ اللَّهُ فهل هناك شيءٌ آخر يَحمِلُ هذه الصفات؟ وهل سيّدُنا المسيح عليه السلام هو الذي خلق السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَالْأَفئِدة؟ أهو الذي خلَقَ النجوم والمجرّات؟ أهو الذي فتَّحَ الزُّهورَ والورود؟ أهو الذي خلَقَ الشَّمسَ والقمر؟ هل هو الذي سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ؟ لكن سيّدَنا المسيح عليه السلام ظهَرَ عليه بعض المعجزات لانعكاسِ نورِ الله في مرآة قلبه، فالمرآةُ إذا واجهت الشمسَ تنعكِس فيها صورة الشمس، وينعكِسُ مِن المرآة شعاعُ الشمس وشيءٌ مِن الحرارة، لكنْ هل شعاع المرآة مثل شعاعِ الشمس؟ وهل هذا الشعاع ذاتيّ مِن المرآة، أم هو تابع للشمس ما دامَت المرآة متوجِّهَة إلى الشمس ﴿وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ [الأنعام:79] فهنا اختلَطَ الأمر على المؤمنين بسيدنا المسيح عليه السّلام، ولكنّ علماء الكنيسة بدَأوا الآن يُصحِّحُون هذا المفهوم وهذه العقيدة وصارُوا متلاقين مع مفهوم الألوهية في الإسلام تلاقِيَ الكفّ بالكفّ، ولكن ما زلنا في أوَّلِ الطّريقِ، وأرجو اللهَ أن نجتازَهُ بالسُّرعَةِ المطلوبة حتى تتوحَّدُ الأديان، وسعادة الإنسان لا تتحقّقُ إلا بالإيمان الحقيقيّ العِلْمِيّ العقلاني الربّاني.

كل شيء في الوجود مشهود لله سبحانه:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَةِ، نحن لا نَعلَمُ ما في كوكب الزُّهرة أو عطارد أو نِبتون أو هذه الكواكب والنجوم التي في السماء؛ هذه غائبةٌ عنّا، أمّا الله عز وجلّ ﴿عَالِمُ الْغَيْب، أنت لا تَعلَمُ ماذا يَعمَلُ أجيرُكَ في محلِّهِ وابنُكَ في غيابِهِ عنك، ورجلُ الدولة لا يَعرِفُ ماذا يَعمَلُ الموظّفون، فهو غائب عن ذلك، ولا نعلَمُ غداً هل ستنزلُ الأمطار؟ أمّا الله فعالم كلّ غيب يَغيبُ عن الإنسان، فلا غيبَ أمام الله عز وجل، فكلُّهُ مشهودٌ له، سواء في عالم السماء أو الأرض أو في عالم النفس أو القلب أو في عالم الظاهر أو الباطن ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ [الملك:14]، مِن لُطفِ الهواء أنكَ تجدُهُ في كلّ مكان، أمّا الأثير فألطَفُ مِن الهواء، والأثيرُ له مئات الأنواع، كل أثير أرقى من الآخر، والله ألطَفُ مِن كلّ لطيف، لذلك هو موجودٌ بنوره وعلْمه في كل مكان، ولكن الوطواط [الخفّاش] لا يستطيعُ أن يَرى في نور الشّمسِ، [وكذلك الإنسان لا يرى الأشياء الغائبة عنه] إلا إذا استضاء قلبُ المؤمنِ من نورِ الله بعد تزكيتِهِ وبعد إدمانِهِ على ذِكْرِ الله وبعد ارتباطِهِ بعارفٍ بالله برابطةِ الحبِّ التي هي أعلى صفاتِ الإيمان؛ ((الحبّ في الله والبغض في الله)) 5 ، فمن الممكن أن يتعرَّفَ على ربِّهِ معرفة يَرى فيها سعادة لا يُمكِنُ أن تُرَى في أيِّ شيء سوى معرفةِ الله عزَّ وجلّ.

﴿عَالِمُ الْغَيْب الغيب الذي يَغيبُ عنكَ، وعالَمُ الشهادة الذي تَشهَدُهُ أنتَ، أمَّا عند الله عز وجل فكلُّهُ شهادة، ولا يَغيبُ عن علمِهِ ﴿مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، فإذا كان علم الله بك هكذا، فكيف ينبغي أن يكون حالك؟ وهل سيراك الله عند عمل يُحبّه أم يُبغضُه؟ يرضيه أم يُسخطُهُ؟ بل يلزم ألا يقع نظَرُ الله عليك إلا وأنتَ في أكمَلِ الصّفات والأخلاق والأعمال، وإذا عملتَ أعمال السوء ولو غيَّبتَها عن نظَرِ النّاسِ حياءً منهم وحتى لا تُفتضَح أمامَهُم، لكنك قد فُضِحتَ أمام ربِّ العالمين، فاستحيَيْتَ من الناس ولم تستحِ من الله، عظُم في نفسِك نظرُ الناس وصَغُرَ في عينكَ نظرُ الله إليكَ! هل هذا معنى الإيمان بالله؟ وهل أنت مؤمن بالله؟ الإيمان بالثُّعبان يَقتضِي الاحتراز والابتعاد عنهُ، والإيمانُ بالورد يَقتَضي أن تضعَه عند أنفِكَ، فإذا وضعتَهُ تحت قدمِكَ فهل هذا دليلُ الإيمان؟

المعصية تدلّ على ضعف الإيمان بصفات الله عز وجل:

فإذا آمنت أنه ﴿عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَةِ، لا تَستطيعُ أن تعصيَه لا في ضميرك ولا في خفايا نفسِكَ؛ ولا أن تَنوي الغُش في نفسِكَ، فهذا غائبٌ عن النّاس لكن الله سبحانه هو ﴿عَالِمُ الْغَيْب، ولا أن تَنوي الغدر، وهذا مُغيَّبٌ عن الناس، لكنه ليس غائباً عن الله سبحانه فهو ﴿عَالِمُ الْغَيْب، فإذا كان الله عز وجل بهذا المعنى، فهل تعبُدُ الله الذي يَحمِلُ هذه الصّفة؟ فإذا آمنتَ بالله بهذه الصّفة فهل تَستطيعُ أن تعصيَهُ؟ وإذا عصيتهُ فهذا دليلٌ على ضَعف إيمانك بـ ﴿عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَةِ.

قصة: فأين الله؟:

يَذكرون عن عبد الله بن عمر رضِي الله عنهما أنه كان في طريقِهِ بين مكّة والمدينة، فأدركَهُ العطش، فرأى راعيًا يَرعَى الغنمَ فمالَ إليه وقال له: هل عندكَ مِن شراب؟ فسقاهُ حليبًا [لَبناً]، فزادت فضلة عنه، فقال للراعي: اشربها أنت، قال: إنّي صائم، وهذا في الصحراء! وحرارة الحجاز معروفة، قال له: أتصومُ في مثل حرارة هذا اليوم؟ قال له: “أَصومُ في حَرِّ هذا اليوم لأتّقي به حرارة يوم القيامة”.

هل هذا مثقّف أم أمّيّ؟ ليتك لا تعرفُ الكتابة والقراءة وتكونُ عندَكَ هذه الثقافة! وإذا كانت عندَكَ خمسون شهادة ونسيتَ الله سبحانه وأنتَ تجهلُ كلّ الجهل بالله فماذا استفدت؟ في آخر أمرِكَ يَضعونكَ أنت وثقافتُكَ في الكفنِ ويأكلك الدود، والشّهادات يحرقونها حتى يُسخّنوا لك ماءً من أجل غسل الميت.

فأراد ابن عمر رضي الله عنه أن يَفحصه؛ هل صيامه صيامٌ شكلي أم صيام حقيقيّ! قال له: نحن جياع، فهل يمكن أن تذبح لنا غنمة؟ قال له: أنا لستُ ربّ الغنم ومالكَ الغنم؛ أنا عبدٌ، مملوك أنا والغنم، قال له: نُعطيكَ ثمنَ الشّاة، وتقول لسيّدكَ: أكلَها الذّئب.. يعني هل سيدك حاضرٌ يرى؟ بل هو غائبٌ، فلمَّا قال له: تقول لسيّدك أكلَها الذئب، صاح صيحةً ملأتِ الوادي صدًى ورنينًا، وهجم عليه يقول له: فأين الله؟ فأين الله؟.. إذا كنتُ غائبًا عن سيّدي، لكن الله ألا يَعلمُ الغيب؟ فعبدُ الله بن عمر رضي الله عنه تأثَّرَ بهذا المنظر، وصار يَصيحُ معَهُ: فأين الله؟ فأين الله؟

ثم رجَعَ إلى المدينة واشترى العبدَ من سيده، فأعتقَهُ ووهَبَ له قطيعَ الغنم تكريماً لإيمانه.. هذا الإيمان الذي جَعَل مِن العبيد ملوكًا، وجعل من الذِّلَّة عِزَّةً ومجدًا، ومِن الضعف قوّة وعظمة.

مظاهر صفات الله الرّحمن الرّحيم في حياة الإنسان:

قال تعالى: ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رحمنُ الدّنيا والآخرة، أنتَ كنتَ حيوانًا منويًا فجعَلَ منك طبيبًا ومهندسًا ومزارعًا وتاجرًا وحاكماً وإنساناً.. فبأيّ شيء صرتَ بهذا الوجود؟ برحمته عزّ وجلّ، وجعَلَ لك السّمع والبصر والفؤاد والأولاد والأملاك وغيرها، بأيِّ شيء؟ بصفته ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

كنت في بطن أمّك وأنت ذرّة، مَن حوَّلَكَ مِن طَور إلى طور إلى طور؟ ومن جعلك بهذا التركيب عظامًا وعضلات ودماغاً وأعصاباً وشرايين وأوردة وقدمين متساويتين، وعينين لا تُخالِفُ إحداهُما الأخرى، وإلى آخره؟ باسمِهِ ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيم، فهل عرفتَ عظيم رحمتِهِ عليك؟

مَن الّذي يُخرِجُ مياه البحر مِن محيطاتها فيَرفَعُها في الفضاء ويُصفِّيها مِن أملاحها؟ -تحليةُ مياه البحر- فالأمطار هذه مِن المصنع الإلهيّ لتحليةِ البحر، ثم يُرسِلُ الرياح لِيَسوقَ السَّحاب مِن البحر إلى البَرّ، ثم يُنزِلُها، ليسَ كالنهر مثل نهر الفرات تُصبُّ مِن فوق فتنزِلُ إلى تحت فتغرقُ المدن وكلّ ساكنيها، يُنزلهُ قطراتٍ قطرات، أليس هذا من رحمة ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيم؟

جعَلَ في فمِكَ اللعاب؛ لو لم يكن في فمِكَ لُعابٌ فهل تستطيعُ أن تتكلّم؟ هل تستطيعُ أن تأكلَ الكعك والأشياء الجافّة؟ واللّعاب بمقدار محدَّد، لو زاد لسالَ على صدرِكَ، ولو نقَصَ لجفَّ حلقُكَ، فمَن جَعَلَ هذه الموازين وهذه الغُدَد وهذا النّظام؟ وإلى آخره.

وبين عينك وجفنك توجد عملية تزييت وتشحيم بشكل دائم، ولو زاد الدَّمعُ في العين عن المقدار المحدَّد لسال دمعُكَ دائماً على وجهك، ولو نقَصَ لأكَلَ الجفنُ عينَكَ، وأكلَت عينُكَ جفنَها، فمَن وضع هذا الميزان الدّقيق وصمَّمَه وراقبه؟ ومَن جعَلَ المشرفين على العناية به؟ ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

مَن الّذي جعَلَ الأمّ تَسهَرُ على ولدِها طيلةَ الليل بأقذارِهِ وصُراخِهِ وآلامِهِ وهي في غاية الشّوق واللّذة؟ مَن أودعَ في قلبها هذه الرّحمة؟ ((والفرسُ ترفعُ حافرَها عن مُهرِها)) 6 فلا تطؤهُ فتقتله، والطائر يحنو على أفراخِهِ ويُطيرُ شرقًا وغربًا ليُقدِّمَ لهم غذاءهم، مَن أودَعَ فيه هذه الرحمة؟ هُوَ اللَّهُ عز وجل، فهل عرفتَ هذا الإله لتؤمِنَ بِهِ حبًا وخشية وإجلالاً وطاعةً ومراقبةً واستجابةً لأوامره والوقوف عند حدوده؟ الإيمان هو هذا!

كيفية حفظ أسماء الله الحسنى:

وحفظُ أسماء الله الحسنى يكون بأن يعطي كلّ اسمٍ أثرَه في نفسِكَ، فإذا حفظتَ اسمَ الله ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فيجب أن ينعكِسَ فيكَ، فإذا كانَت مرآةُ قلبِكَ صافية تنعكِسُ فيك رحمتُهُ على مخلوقاته، فكلَّما كان إيمانُكَ بالرَّحيم الرحمن أعمقَ وأوسَعَ تكونُ بعبادِ الله أرحَمَ وتكون رحمتك أعمَقَ وتستحقّ مِن رحمات الله الأكثر والأعظم، ولذلك كان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: ((إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)) 7 هذا اسمُ “الرحمن”، فإذا حفظتُم أسماءَ الله الحسنى: ((إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْـجَنَّةَ)) 8 ليس المراد بالإحصاء حفظ الحروف، بل المراد مِن الإحصاء حفظُ الصّفات، حتى تنعكِسَ في صفاتك، فكلَّما كنتَ أعمَقَ إيماناً باسم الرّحمن الرّحيم تكون أغزَرَ رحمةً على مخلوقات الله من قريبٍ أو بعيد أو إنسان أو حيوان أو عدوٍ أو صديق، عند ذلك تكون حفظتَ اسم الله ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

وكان عليه الصَّلاة والسّلام يقول: ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)) 9 لماذا لا يَرْحَم؟ لأنه لم ينعِكس في مرآة قلبه اسمُ الله الرّحمن الرّحيم، فإذا انعكسَت الشمسُ في سطح المرآة، ظهرَ في المرآة أثرُ هذا الانعكاس مِن صورة الشمس أو صورة ما يُقابلها، وتعكس إشعاعًا وحرارة، فإذا آمنت بالرّحمن الرّحيم يجبُ أن تنعكس فيكَ رحمةُ الله، وبمقدار صفاء المرآة واتساعها تكون رحمتك على مخلوقات الله عزّ وجلّ.

مِن مظاهِرِ رحمة النبيّ عليه الصّلاة والسّلام:

دسَّت امرأة يهوديّة السُّمَّ للنبيّ ﷺ في وقعة خيبر، ولَمّا مضغَ لقمةً مِن الشّاة قال: ((إنّ هذه الشاة تُخبرني بأنّ السّمّ مدسوسٌ فيها، ارفعُوها)) 10 ، وكان بعض الصحابة قد أكلُوا منها، واستدعَى اليهودية فأقرّت، فقالوا: ألا نقتلُها يا رسول الله؟ قال: ((لا))، سبحان الله! قال: لا، لا! أيُّ قانون في الدنيا يَصْدُر مِن القاضي أو الديكتاتور [الاستبدادي] أو الحاكم أو الملك أو الوزير يوُضَعُ له السّمُّ مِن عدوّ لدود، وتقوم البيّنة على غدرِهِ ومكرِهِ، ثم يُقابلُه بالصّفح والعفو؟! ﷺ.. لأنّ حظَّهُ مِن إيمانه بالرحمن الرحيم كان حظًّا كبيرًا غير محدود.

فكانت رحمتُهُ لَمّا دخل مكّة وقابل الذين آذوهُ وحاولُوا قتلَهُ، وخرجَ مهاجرًا فارًّا من المؤامرة التي طوّقت بيتَهُ ليقتلوهُ بعشرات السيوف، فبماذا قابلَهُم وقد آمَنَ بالرّحمنِ الرّحيم؟ أعطاهم كلّ غنائم حُنين، وقال: ((اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ)) 11 وأعطى زعيم أعدائه وساماً حيث قال: ((مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ)) 12 هذا جزءٌ مِن تسعةٍ وتسعينَ جزءًا من الإيمان بأسماء الله الحسنى.

من لا يرحم لا يُرحم:

فإذا لم ينعكس فيكَ الإيمانُ بالرَّحمنِ الرَّحيم تكونُ قاسيَ القلبِ ظالِماً للنّاس جائراً على مخلوقات الله، فمَن فَقَدَ الرّحمةَ في نفسِهِ فهذا دليلٌ على أنّ رحمة الله لم تصل إليه، وهذا مِصداقُ قول النبيّ ﷺ: ((مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ، وَمَنْ لاَ يَغْفِرْ لاَ يُغْفَرْ لَهُ، ومَن لا يَتب لا يتوبُ الله عليه)) 13 .. ووردَ في بعضِ أحاديثِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم بأن الله يوقِفُ عبدًا مِن عباده بين يديه يوم القيامة للمُحاكَمة، لكن لا يَستنطِقُهُ، ويَقف طويلاً ويَعرَقُ، ويرفعُ رجلاً ويضع أخرى ((حتى يُصيبَه من ذلك كرب شديد)) ويَصيرُ يَستغيثُ أن دَعنِي أذهبُ إمَّا إلى الجنة وإمّا إلى النار، فقط لأنتهي مِن هذا الكرب، فيقول: يا ربِّ حاكِمني! ومهما كانت النتيجة.. ((يا رب ارحمني! فيقول الله له؟ هل رحمتَ في حياتكَ أحدًا مِن خَلْقِي مِن أجلي حتّى أرحمَكَ؟ ولو عصفورًا رحمتَهُ مِن أجلي حتى أرحمَك)) 14 ترحمه ليس لمصلحة لك أو فائدة، بل مِن أجل الله سبحانه، وإيمانكَ باسم الرحمن الرحيم: ((هاتِ ولو عصفورًا)) لو رحمتَ عصفوراً في زمانكَ ابتغاءَ مرضاةِ الله، واتصافًا بصفةِ الرّحمن الرّحيم.. قال: ((هات ولو عصفورًا رحمتَهُ مِن أجلي حتى أرحمَك)).

الإيمان الحقيقي يحتاجُ إلى مُعلّم:

هذه تُسمَّى في عُرفِ الناس الإنسانية، هذه الإنسانية من أيِّ شيء تترشّح؟ ومِن أيِّ مصدرٍ تبزُغُ وتُشرِق؟ تُشرِقُ مِن الإيمان الحقيقيّ، ماذا تحتاج حتى تصيرَ مؤمنًا؟ إذا أردتَ أن تصيرَ طبيبًا تحتاجُ إلى عشرين سنة وخمس مئة معلِّم وأستاذ، وتَذهب مِن الشّرق إلى الغرب، وتبذُل المال والعُمرَ والشباب لتأخُذَ هذا اللقب، فهل لقبُ “الطبيب” أعظَمُ أم لقب “المؤمن” الذي اكتسبَهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه مَن رسولُ الله ﷺ أعظم؟ ولو كان أبو بكر طبيباً أحسن أم لو كان مؤمناً برسول الله ﷺ أحسن؟ أيّهما أعظم وأيّهما أعزّ وأيُّهما أسعَدُ وأيُّهما أعظَمُ عطاءً للمجتمع؟ فكلمة مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة تحتاج إلى المعلِّم؛ المعلّم على طريقة رسول الله ﷺ ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 15 ورثة الأخلاق والأصول وكيفية التعليم: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، التدرُّج: قالت سيّدتُنا عائشة رضي الله عنها: “لو أنَّ الله حرَّمَ الخمر مِن أوّل الإسلام لَمَا دخلَ في الإسلام أحدٌ” 16 ، كان الأعرابي يأتي إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام ويقول له: “اعدِل يا محمّد” فيقول له: ((ويحَكَ خِبْتَ وَخَسِرْتَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟)) 17 ، وكان النبيّ ﷺ يَستدينُ مِن اليهود ولا يَستدينُ مِن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فأبو بكرٍ وعمر [يُفديان النبي ﷺ بمالهما وحياتهما].

النبيّ ﷺ لم يملك الأجساد والأرض والبلادَ، بل ملَكَ القلوب والعقول والأرواح والعواطف، ((هلّا كنتُم معَ صاحِبِ الحقّ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا)) 18 ، فأين الإيمانُ بمعناه الحق، والإسلام بمعناه الحيّ؟ أيُّ إنسان هذا الذي يَحملُ صفة الإسلام والإيمان؟ وأيّ إساءة للإيمان والإسلام من إنسان يَنتحلُ هذا الاسم ولا يَفهَمَ منه لا كُلَّاً ولا جزءًا؟ وأعمالُهُ وصفاتُهُ وأخلاقُهُ ومعاملاته كلّها عكسُ ما جاء به الإسلام، ثم يقول “أنا مسلم”! والناس يَفهمُون أنّ أعمالَهُ أعمالُ المسلمين، وعند ذلك يَكونُ حالُ الإسلام كما قال الشاعر

طلَعَ الدِّينُ مستغيًثا إلى الله
وقال: العبادُ قد ظلَمُونِي

يَتسمّون بي وحقِّكَ لا أَعرفُ
منهُمُ أحدًا ولا يَعرِفُونِي

المالك الحقيقيّ هو الله عز وجل:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر:22]، قد تذهَبُ إلى وزير أو مدير شرطة أو معاون وزير أو تاجر وتتودَّدُ له وتتقرّب منه لأنه يملِكُ شيئًا، وقد لا يكونُ بذهنك أنه ينفعُكَ بشيء، لكن لمظهر الملك أو القوة أو المال أو الجمال أو الصّوت الحلو كأمّ كلثوم، أو محمّد علي كلاي لأنه يملك قليلاً من العضلات ويضربُ بقوة [كما يضرب الحيوان]، لكن بيديه لا برجليه.. كثير من الناس يا بُني في ضياع وهذا حالهم، ومن أجل أيّ شيء [يركضون خلف تلك المظاهر]؟ لَما ماتَت أم كلثوم ظلّوا يرثونها بالصحف والجرائد والمجلات والإذاعات، ومَن هي؟ هل هي رسول الله؟ مع احترامنا لها رحمةُ الله عليها، وعبد الوهاب صاروا كأنهم يقولون عنه: رضي الله عنه وقدّس الله سرّه! جيدٌ أنهم لم يقولوا: “ﷺ”. [أم كلثوم وعبد الوهاب مغنيان مصريان لهما شهرة واسعة، ومحمد علي كلاي: ملاكم أمريكي مسلم كان بطل العالم في الملاكمة، رحمه الله تعالى.]

طرفة: ترويض ألسنة الوفد أمام معاوية:

يَذكُرون عن معاوية أنه أتاهُ وفدٌ من إفريقيا، وكان سليطَ اللسان على معاوية، فقال لنائبِهِ أو وكيله أو سكرتيره [أمين السر]: لا تدخِلْهُم عليَّ حتى تُروِّضَ ألسنتَهُم وكلامَهُم.. يعني أن يَتكلَّموا كلامًا يَكونُ فيه قليلٌ من الأدب.. وبعد شهر قال عاملُهُ: روَّضتُهُم، فقال: أدخِلْهُم، فكانوا من قبل إذا دخَلُوا لا يَقولون “يا أمير المؤمنين ” يقولون له: “السَّلام عليك يا معاوية”، وهذا ليس أدبًا.. فلمَّا روّضَهُم ووضَعَهُم في المدرسة التهذيبيّة ودخلوا عليه، قالوا: السّلام عليك “يا رسول الله” [سماحة الشيخ يضحك ويضحك الحضور كثيراً] فقال له: لم نقُلْ لك هكذا، اجعلْهم يُنادونني “أمير المؤمنين” لا أن يَتجاوزوا ذلك 19 .

فالشاهدُ أنّ الله هو المـَلِك، أيُّ مُلكٍ يملِكُ؟ يملك كلّ شيء ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [يونس:31] مَن يَملِكُ جهاز التنفّس ويُشغِّل رئتيكَ كلَّ لحظة؟ مَن يَملِكُ جهاز القلب ويُشغِّلُهُ لك كلَّ ثانية؟ مَن يَملِكُ الأعصاب التي تَسرِي في كلّ عضوِ من أعضاء الجسم؟ مَن الذي يَملِكُ إنزالَ المطر وجريان الشمس والقمر؟ مَن المشرِفُ على حركاتِ الأفلاكِ والنجوم والكواكب في عالم الفضاء؟ فهل يُوجَدُ مَلِكٌ أعظَمُ مِن هذا الملك؟

إن كان شرطي السير يشاهدك وأنت تركب سيارةً تَتَقَرَّب إليه ولا تخالف له أمراً، هل تَستطِيعُ أن تمشي في الجهة اليُسرى وشرطي السير يشاهدك؟ هل تَستطيعُ أن تتجاوَزَ الإشارة الحمراء وشرطيُّ السّير واقف وهو عليك رقيب؟ لأنّه يَملِكُ أن يُجازيكَ على مخالفتكَ، فكيف بمالك الملكِ الذي خَلَقَ الموت والحياة، وخلَقَ وجودَكَ وسمعَكَ وبصرَك؟ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ)) بعد الموت ((مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ)) من العظمة والجمال ((وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)) 20 .

عطاء الله ومنعه بحكمة:

هل عرفتَ الله؟ يَقولُ لكَ الله عز وجل: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ مَن يَملِكُ نفسَكَ؟ في لحظةٍ واحدة يتوقَّف النفَس كإطفاء زرِّ الكهرباء، “وبِكَبْسَةٍ على زِر القلب” يتوقَّف القلب، [“وبِكَبْسَة على زِر القلب”: كلام عامي وتشبيه بليغ، والكَبْسَة هنا هي الضغط الخفيف باليد أو الإصبع، والزُّر: هو مفتاح التشغيل أو الإطفاء.. يُقَرِّب سماحة الشيخ فجأة الموت إلى الأذهان بالضغط على مفتاح الكهرباء، فبمجرد إطفاء الآلة أو المصابيح بالضغط على المفتاح تتوقف الآلة وتنطفئ كل المصابيح] مَن يملِكُ الهواء ومن الذي ركَّبَهُ من هذه الغازات المختلفة والمقادير المحدَّدة: من أوكسجين وهيدروجين وآزوت؟ لو زاد أحدُها عن الآخر زيادة بسيطةً لاختنق الناس وانتهت الحياة.. فهذا الشرطي يملِكُ سلطةَ مراقبة السيارة فقط وأنت تطلبُ رضاهُ وتقول له: “شكراً وأعتذر منك” وأنت لم تخالف.. فكيف تُخالِفُ ربّ العالمين؟ مَن خَلَقَ لك الأسنان ينطبِقُ بعضها على بعض حتى أنك تستطيع أن تُمسِكَ الخيط بأسنانك؟ خلَقَ لك الأسنان مثل السكاكين من الأمام، والأضراس الطاحنةَ من الخلف، لو جعَلَ لك الطّاحنة من الأمام والقاطعة مِن الخلف، كيف ستمضغُ مِن الأمام ونصفُ اللقمةِ تخرجُ إلى الخارج؟

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الملِكُ.. يا هل تُرَى هل عرفتَ عظمةَ مُلكِهِ؟ وأنه يَمْلِكُكَ وما تملِكُ، يملِكُ السّمعَ والبصر وحياتك وسعادتكَ وغناكَ وفقرَكَ وعزّك وذُلَّكَ، ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ولكن يَنزعُ ويُعطِي بحكمة وبأسبابٍ ومسبَّبات مِنها ما يُعلَم، ومنها ما لا يُعلَم، ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] أيضًا بحكمة وبأسباب ومسبَّبات، وقد ضرَبَ الله عزّ وجلّ الذّلّ على اليهود، وهل كان ذلك صدفةً أم بحكمة؟ ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة:61]، الآن أليس الذلُّ مضروبًا على المسلمين؟ هذه فلسطين! وهذه البوسنة والهرسك! وهذه كشمير! وهؤلاء الأفغان!

العروبة بالإسلام أورثت العزّ:

يا ترى عندما كان العَرَبُ عَرَبًا، ثم صاروا عرباً أعزّة بالإسلام، هل أُخِذتْ منهم فلسطين؟ أم أنهم أخذوها مِن المستعمِرينَ وأخرجُوهُم منها أذلَّةً صاغرين؟.. جهَّزَ النبيُّ ﷺ قبل وفاتِهِ الجيوش لتحرير فلسطين؛ وفي حياته أرسل جيشًا إلى عسقلان، وهذه على سواحل فلسطين -حرب “كوماندوز” [المغوار: جندي يكون خفيف الحركة في المقدمة وفي الحالات الصعبة] وفي مرضه الأخير كان الجيش مهيّأً لتحرير بلاد الشام بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنه، فهجَمَ وانتصَرَ ورجَعَ بالظَّفَرِ والعِزِّ والفخار.. وتوفي عليه الصلاة والسلام والجيوش نُفِّذّت بتخطيط رسول الله ﷺ.. فيعزّ بأسباب ويذلّ بأسباب.

﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ وإذا حصل شرٌّ، فالشرُّ مِن أنفُسنا، والشرُّ مِن جهلنا، والذُّلُّ والخزيُ والهزائمُ مِن أعمالِنا، لَمّا قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا يعني واجبًا علينا وأوجبناهُ على أنفُسنا ﴿نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، ليس المقصود إيمان الألقاب والأسماء، بل إيمان الحقائق والأخلاق والصفات والروح والعقل والحكمة، فلَمّا عرَفَ العرب الأمّيون حقيقة الإيمانَ حقَّ المعرفة قضَوا على الاستعمارين العالميين الشرقيّ والغربي خلال عشر سنوات، أما نحن ففلسطين مكان صغير وقرية صغيرة، وقد بقيَ العربُ والعالم الإسلامي خمسين سنة وعددهم يقارب المليار ولم يستطيعوا أن يغيروا شيئاً، وإذا كان هناك مليار ذبابة فقليلٌ مِن بَخَّاخ المبِيد الحشريّ يُسقط مئات الألوف منها، فالأمم ليست بالعدد، قال

…. …. …. ….                كَثيرٌ إِذا شَدّوا قَليل إِذا عُدّوا

وفي معركة اليرموك لَمّا أحضَرَ الجواسيسُ مِن العرب المتَنَصِّرة أخبار الجيش الروماني لسيّدنا خالد رضي الله عنه، وذكروا له العددَ والسِّلاح والعتاد، وأنه شيءٌ يُقطِّعُ القلوب رعبًا وخوفًا، فقال لهم: أتُخوِّفُونَنِي بالرّوم؟ – فرغمَ أنّهم جواسيس، ولكنهم باطناً كفار ولم يكونوا مخلِصين- قال لهم: “وهل تُخيفُ اللحَّام كَثرةُ الأغنام؟”، يعني إذا كانَت السّكّين كبيرةً وحادَّة، وكانوا ألفَ غنمة، فهل يخاف؟ “ودِدْتُ لو أنّ فرسِي الأشقر مُعافًى”، لأنّ فرسَه لَمّا أتى على ظهرها مِن العراق صارَتْ تَعرُج، قال: “ودِدْتُ لو أنّ فرسي الأشقر مُعافًى وأنّ الروم أُضعِفوا في العدد” يعني قيمةُ هؤلاء عنده كقيمة كدِيْش.. [الكديش: خيل غير أصيل] ما هذه النفوس العظيمة أمامَ هذه الجيوش الكثيفة! ولكن لم يقولوها تبجُّحًا، نفذُّوها عمليًا وواقعًا؛ وأنهَوا هذه الجيوش في معركة اليرموك في ستة أيام، وكان عددُهم خمسة وثلاثين ألفَ عربيّ، ولكنّهم مُسلَّحُون بالإسلام الحقيقيّ، وكان الرومان ربع مليون -مئتين وخمسين ألفاً- ومعهم العرب الـمُتَنَصِّرة، والمعركة انتهت خلال ستة أيام.. هذه معركة الستة أيام! وهي عروبةٌ بإسلام! لكن لا إسلام الاسم.

الإسلام الحقيقيّ إسلام العلم والحكمة:

هذا الإسلام لم يكن إسلامَ الاسم واللقب، بل إسلام العِلْمِ والحكمة والأخلاق والرُّوحِ، وهل نالوا هذه ميراثًا ابنًا عن أب وأباً عن جدّ؟ نالُوها بالمعلّم المزكّي الحكيم، فإذا لم تأخذِ العِلْمَ مِن معلِّم القرآن المزكِّي الحكيم فستعيشُ مليون سنة وأنتَ لا تَزالُ في أمّيَّتِكَ الإيمانية وجهلِكَ الجاهليّ؛ وتدَّعي أنكَ مُسلِم كمن ادّعى أنّه رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو وزير وفي الحقيقة هو أجير عند اللحَّام، وإذا أصَرَّ فأين سيَضعونَهُ؟ في مستشفى المجانين، فنسألُ الله أن يرزقنا الإيمان.. ولا تصيرُ مؤمنًا بالدعاء، بل عليك أن تَرى الوسائل التي تُحقّقُ لك الإيمان، وما الذي يَجِبُ عليكَ أن تدفعَهُ ثمناً للإيمان، وما الأعمال التي إذا عمِلْتَها يتحقّقُ لك هذا الإيمان الذي يُوجِبُ النصر، فإذا أتيت بالأسباب فالمسبَّبات لا تتخلَّف، أمّا أن تنتظر المسبَّبات من دون أخذ الأسباب [فلا يتحقق شيء]، فولدٌ من دون زواج لا يكون، وحصادٌ من دون زرع لا يَكون، وقطافُ الثمر بلا غرس الشجر لا يكون، وأمانٍ وتمنٍّ في الإيمان والإسلام والنصر والغلبة بلا تحقُّقِ أسبابِها ومقدّماتها تَكونُ حالتُهُ كما قال الشاعر

تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها
‏… … … …

قالوا: إذا رأى الحمارُ الأسدَ تدبُّ فيه الشجاعة، فيَقومُ مِن شدة خوفه ورُعبِهِ بمهاجمته، حيث يختلُّ ميزان العقل والإدراك فيه.. وعندما تكون القوى غير متكافئة فإن أعظَم سلاح هو أن تهرُب، فتهرب مِن وجه القطار، لأنه هل عندك قوّة تُقارنُ اندفاع القطار حتى إذا نطحتَهُ يَنقَلِبُ خمسين قلبَةً إلى الوادي؟ إذا كانت عندك هذه القوّة فانطَح، وانزل في المعركة مع القطار، وإذا لم تَكن عندك قوّة فتجنَّبِ القطار، وهذا طريق النجاة! فالحمارُ عندما يَرى الأسَدَ تصيرُ شجاعتُهُ مقلوبة بالعكس؛ فبدَلَ أن يَبحثَ عن مأوى يَستر نفسَه فيه ويتحصَّن فيه يَقوم فيهجُمُ على الأسد، فأوّل شيء يَقوم به الأسد أنه يَتناوَلُهُ من رأسه.

“تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها” المسبَّبات مربوطة بالأسباب، والنتائج مربوطة بالمقدِّمات، وهذه اسمُها الحكمةُ وهي نصفُ النبوة وثلث الإسلام، فتحتاجُ حتى تصير مسلِمًا وتصيرين مسلمة إلى ثلاث صفات: العلم: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ [الجمعة:2]، والثاني: ﴿وَالْحِكْمَةَ العقل في قمته، وإلا فالجرذ لهُ عقلٌ، والجاهل له عقل، وهذا العقل هو الدماغ وخلايا المخّ وضمن حدود معينة.. ويتقوّى العقل ويَنمو بالعلم والتّعليم والتربية، وإلى آخره، والثالث: ﴿ويُزكّيهم.. أمّا شخصيّة الأنبياء وإيمان الأنبياء فيحتاج لشيئين: العِلم والحكمة، لأنّ نفوسَهُم في أصل خلقتِها مزَكّاة، ولذلك قال الله عز وجل عن داود وسليمان عليهما السلام: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79]

تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها
إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

إذا أردتَ أن تحرك السّفينة فيجبُ أن يَكون السبَبُ الذي يُحركها مُؤَمَّناً وهو وجود الماء، والماء من شروطه أن يكون عميقًا.

التقرّب إلى الله القدوس المنزّه عن كلّ نقص:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ تحبّ أن تتقرَّبَ إلى كلّ مَلك سواءٌ كان يَملك قوّة أو مالاً أو جمالاً أو صوتًا حسناً، إلى آخره، فإذا كانَ يَملِكُ كلَّ ما في هذا الكون أليس لزامًا أن تتقرّب إليه لِتحظى بقربِهِ وعطائه وحبِّهِ وحمايته وبالسعادة بعطائه؟

﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ القدّوس هو الذي كلّ صفاته مقدَّسَة لا نقص فيها، كلّها كمالٌ بلا نقصٍ، عِلمٌ بلا جهلٍ، وقوَّةٌ بلا ضَعف، فهل آمنتَ بالقدوس؟ فإذا كان يَحملُ هذه الصفات، صفة: ﴿الْمَلِكُ ألا تقتضي مُلكيّته منك أن تُطيعه وتلبّي أوامرَه وتقفَ عند حدوده فلا تتجاوزها؟ وإذا كان قدّوسًا يَحمِلُ كلَّ صفات الكمال والجمال والعِلْمِ والحكمة والعطاء ألا توجِبُ لك هذه الصفات أن تعشقَهُ وأن تُحِبَّهُ وأن تُلبِّي نداءَهُ وأن تمتثلَ أمرَهُ، وأن تُحِبُّ ما يُحبُّ، وأن تُحِبّ مَن يُحبُّ؟

سأل الله سبحانه وتعالى سيّدنا موسى عليه السلام: هل عملتَ لي عملاً قطّ؟ قال: إلهي صليتُ وزكّيتُ وفعلتُ وفعلتُ.. فقال له: “هل أحببتَ فيّ وليًا؟ أو عاديتَ فيّ عدّوًا؟ 21 “.

فمِن علامة الإيمان: الحبُّ في الله، وهو أعلى شُعَبِ الإيمان، فمن الحبّ في الله سبحانه أن تُحِبّ كلّ محبوبات الله مِن أعمال وأخلاق فيكَ وفي غيرك، وأن تُبغِضَ كلَّ مبغوضات الله أشخاصًا أو أعمالاً أو صفات، فإذا رأيتَ أخلاقًا أو أعمالاً أو صفات بغيضة في إنسان فتُبغِضُ عملَهُ وتُحاولُ أن تُخلِّصَهُ منها، فإن لم يَستجب فتهجرُهُ.. وهذا دليلٌ على أنك تُحِب الله وتحبّ ما يُحبُّه ومَن يُحبُّه، وتُبغِضُ ما يُبغضِهُ ومن يُبغضُهُ.

قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الخلود في الدنيا:

يَذكرونَ عن سيدنا سليمان عليه السّلام أنه سأل الله سبحانه طول العُمر [هنا سماحة الشيخ يسأل بعض الطلبة ويبدو أنهم من الأجانب ويقول: “هل تعرفون مَن هو سيدنا سُليمان؟ مَن هو يا بِشْر؟” فيجيب بقوله: نبيّ الله] فأنَزَلَ الله عليه ملكاً يحمِلُ كأسًا وقال له: تشرَبُ هذا الكأس، وما شئتَ مِن عُمرٍ طويل تطلبُهُ يَكونُ لك، فلم يُحبّ سيُّدُنا سليمان عليه السّلام أن يَنفرِدَ بالأمر، فدعا مُستشارِيه مِن الجنّ والإنس والحيوانات، فاجتمعُوا كلّهم، وإذا بأحد الكراسي فارغ مِن المستشار، لِمَن هذا الكرسي؟ مَن المستشارُ الغائب؟ “قالوا: القنفذ” -هل تعرفون القُنفذ؟ يعني: أمّ الإِبَر التي لها أشواك- قال: إذن استدعُوها لتحضُرَ، لأنه لا يصح أن نَقومَ بمشورةٍ إلا باجتماع كلّ المستشارين.. مَن يذهَبُ ليُبلِغها الحضور؟ فقالت الفرس “والبازي”: نحن نُبلِّغُها، [البازي: جنس من الطيور الجارحة] فلمّا بلَّغوها قالت: أما وجَدَ سليمان رسلاً يُرسِلُهُم إليّ غيركما؟ إذا كُنتما أنتُما الرسولين إليَّ فلن أَستجيب لدعوتِه.. لأنّه اختار سفراء لا يَصلُحُون لحمْلِ الرسالة، قولوا له: ليُرسِل إليّ غيرَكما، فبلَّغا سيدَنا سليمان عليه السّلام، فقال: مَن يَذهبُ ليُبلّغ القُنفذ؟ فقال الكلب: أنا، قال له سليمان: اذهب، فذهَبَ الكلبُ، فقال له: نبيُّ الله سُلَيمان يطلبك حيث يُوجَد أمرٌ مهمّ ومجلسٌ استشاريّ، ويَدعوك إلى المجلس، فقال له: حاضِر وسمعًا وطاعة.

فلمَّا أتى القُنفذ سألَهُ سيّدُنا سليمان: لماذا لم تستجِبْ للرَّسولَين الأوّلَين واستجبتَ للرسول الثالث؟ قال له: يا نبيَّ الله هذان الرسولان لا يَصلُحانِ أن يكونا سفيرين لكَ لتستدعي المستشارين، قال له: ولماذا؟ قال: لأنّ هذه الفرس لا وَفاءَ لها، ولا عهد لها، وليس لها وفاء لِمن تُحِبُ؛ إنّها كما تُركِبُ صاحبَها الذي ربّاها تُركِبُ عدوَّهُ الذي قتلَهُ، فإذا كانَت لا تَرعَى الذّمم ولا تُعادِي مَن يُعادِي مَن ربَّاها وأنشأها، فهذه لا تَصلُحُ أن تكونَ سفيرة لك، فأنتَ نبيَّ الله والملك، وهذه غدَّارة لا تحفظُ ذمَّةً ولا عهدًا، قال لها سليمان عليه السّلام: صدقتِ، وما ذنب البازي، قالت: البازِي أيضاً لا عهدَ له ولا ذمّة؛ يَنسَى المودَّة ويَنسَى الصُّحبَة، قال لها: كيف ذلك؟ قالَت: لأنه كما يَصيدُ لصاحبِهِ الذي أنشأه وربَّاهُ منذ أن كان بيضةً يَصيدُ لعدوّ صاحبه أيضاً، لذلك هؤلاء لئامٌ ليَسُوا أهلًا أن يَكونُوا سفراء لِأنْ تَدعُو مَن شئتَ مِن المستشارين، قال لها: والكلب لماذا استجبتِ له؟ قالت: الكلبُ صاحبُ وفاء، وإذا عاهد وفّى، ولا يَنسَى معروف مَن أسدى إليه معروفاً؛ فصاحِبُهُ يُربِّيه على أقلّ الأشياء “عظمٌ وخبز يابس” ويَضرِبُهُ ويطردُهُ ويَسبُّهُ ويَشتمُهُ، ولايَزال مرابطًا على بابِهِ وعلى عتبتِهِ، فهذا أهلٌ أن يكون سفيرًا، وأنا لِأجل ذلك استجبتُ له ولم أَستجبْ للسّفيرين الأوّلين.

قال لهم: الآن نحن أَتَينا مجتمعِين مِن أجل أمرٍ مهِم، قالوا ما الأمر؟ قال لهم: أنا دعوت الله أن يُطيلَ عُمرِي، فاستجاب لي، وما أحبَبْتُ أن أعطِي الجواب حتّى أشاوركم في الأمر، فما الرّأي عندك؟ قالت: يا نبيَّ الله أنا أَرَى ألا تطلُب زيادة ما حدَّدَهُ الله لكَ مِن عمرٍ، هو أعلَمُ وهو العليم الحكيم، وأنتَ علَّمْتَنا أنَّ ((الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ)) 22 ، فروحُ المؤمنِ مسجونةٌ في هذا الجسد.. هل تستطيعُ أن تصعَدَ إلى السَّطح مِن غير السُّلّم؟ أمّا إذا تركَتْ الجسد تستطيع أن تصعَدَ إلى السّطح مِن غير سلّم، وإذا أردَتَ أن تذهَبَ إلى بيروت تحتاجُ إلى سيّارة وساعات، أمّا الروحُ فبلحظةٍ واحدة تَصيرُ في السّماء، “أنا لا أرى إطالةَ العُمْرَ في السّجون، لأنّ الذّلّ في السّجون، أنا أرى ألا تُطيلَ عمرَكَ زائداً عمّا حدَّدَهُ الله لك، لأنه حدَّدَه بعلمٍ وحكمة، وهو أعلَمُ بما حدَّدَ، فالرأيُ أن تترُك َ الأمر حسبَ التخطيط الإلهيّ، قال لها: صدقت، فإذاً خذوا الكأس وألقُوهُ في البحر” 23 .

القدّوس السلام المؤمن:

فالشاهدُ أنّ “القدوس” ﴿الملِكُ الْقُدُّوسُ هو الكاملُ في علمِهِ وذاتِهِ وصفاتِهِ وتشريعِهِ وحلالِهِ وحرامِهِ، في أوامرِهِ وفي نواهيه، وفي أحبابِهِ إذا انتقى، فإذا أحب لا يُحبُّ إلا مَن يَستحِقُّ أن يُحَب، ولا يَنصرُ إلا مَن يَستحقُّ أن يُنصَر ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [الأعلى:3-4] ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] إلى آخره.

﴿السَّلَامُ [الحشر:23] الذي سلمَتْ ذاتُهُ وصفاتُهُ وتشريعُهُ مِن كلّ نقص، ﴿الْقُدُّوسُ الذي اتّصَف بكلّ الكمالات المقدّسة، “فالقدّوس” صفات إيجابية كمالية وفضائليّة، و ﴿السَّلَاْم صفات سلبيّة، فهو مُنزَّهٌ عن الجهل ومنزَّهٌ عن الضَّعفِ ومُنزَّهٌ عن الظّلم، وإلى آخره، ﴿الْمُؤْمِنُ [الحشر:23] الذي أمِنَ عبادُهُ من أن يَظلمَهُم، وأمِنَ عبادهُ من ألا يُعطيهم حقَّهُم، فيُعطيك الحقّ وفوق الحق عشرة أمثال ما تستحقّ ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40]، ﴿السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الذي أمِنَ الناسُ ظلمَه وجورَهُ، ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4]، “الـمُؤْمِن.. وآمنَهُم” كما يقول أحدهم للآخر: يا أخي أنتَ مُؤَمَّنٌ! وكذلك فإنّ الله عز وجل أَمَّنَ عبادَهُ وآمنَهُم مِن أن يَقعُوا في ظُلْمِهِ، أو أن يَبخسَهم حقَّهم في أعمالهم الصالحة ﴿الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر:23].

نقف هنا، إلى الأسبوع التالي، إذا أحيانا الله عزّ وجلّ.. اللهُمَّ اجعلْنا مِنَ الذين يَستمِعُون القولَ فيَتَّبِعونَ أحسنَهُ، اللهمّ اجعَلْنا هادينَ مَهْدِيِّينَ، ولا تجعلْنا ضالَّينَ ولا مُضِلّين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب فضل آخر الحشر، رقم (2922)، (5/182)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20321)، (5/ 26)، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه.
  2. صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب إن لله مئة اسم إلا واحداً، رقم: (6957)، (6/2691)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، رقم: (2677)، (4/2062)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50)، (1/27)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (8)، (1/ 36)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
  4. المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج الإحياء للعراقي، رقم: (4)، (1/17)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 290)، اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له للقاوقجي، رقم: (115)، ص: (57)، بلفظ: ((من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر)).
  5. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18547)، (4/286)، مسند الطيالسي، رقم: (783)، (2/110)، بلفظ: ((عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قُلْنَا: الصَّلاَةُ قَالَ: الصَّلاَةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ.)).
  6. هذا الكلام يذكر بالحديث المتفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب: باب جعل الله الرحمة مئة جزء، رقم: (5654)، (5/ 2236)، صحيح مسلم، كتاب التوبة: باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2752)، (4/ 2108)، بلفظ: ((إنَّ الله خلق مئة رحمة أودع منها في هذه الأرض جزءاً واحداً، بهذه الرحمة ترفع الفرس حافرها عن مهرها، وادخر تسعةً وتسعين رحمةً ليرحم بها عباده في يوم القيامة))، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  7. صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى {إن رحمة الله قريب من المحسنين}، رقم: (7010)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9737)، (7/ 129)، بلفظ: ((عَنْ أُسَامَةَ قَالَ كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا فَأَرْسَلَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ مَعَهُ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيَّ وَنَفْسُهُ تَقَلْقَلُ فِي صَدْرِهِ حَسِبْتُهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنَّةٌ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ أَتَبْكِي فَقَالَ: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)).
  8. سبق تخريجه.
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم: (5651)، (5/ 2235)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، رقم: (2318)، (4/1808)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)).
  10. دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (1608)، (4/260)، البداية والنهاية لابن كثير (4/ 209)، بلفظ: ((عن أبي هريرة، أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فقال لأصحابه: "أمسكوا فإنها مسمومة" فقال: " ما حملك على ما صنعت؟ " قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك، قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
  11. السنن الكبرى للبيهقي، كتاب السَّير، باب فتح مكَّة، رقم: (18739)، (9/ 118)، السيرة النبوية لابن هشام (5/74)، البداية والنهاية لابن كثير (4/301)، بلفظ: ((ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: «ما تقولون وما تظنون». قالوا: نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال وقالوا ذلك ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقول كما قال يوسف (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)». قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: « مَا تُرَوْنَ أَنِّي صانع بكم؟». قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ»، وهذا اللفظ للبيهقي.
  12. صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم: (1780)، (3/ 1405)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وفي سنن أبي داود، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة، رقم: (3021)، (2/ 177)، عن ابن عباس رضي الله عنه، بلفظ: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئا قال: ((نعم مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عليه بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ)).
  13. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (2477)، (2/351)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (19264)، (4/ 365)، عَنْ جَرِيرٍ بن عَبْدِ اللَّهِ، بلفظ: ((مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ، وَمَنْ لا يَغْفِرْ لا يُغْفَرْ لَهُ، وَمَنْ لا يَتُبْ لا يُتَبْ عَلَيْهِ)).
  14. تاريخ دمشق لابن عساكر (25/ 26)، وتذكرة الموضوعات للفتني (1851)، بلفظ: ((عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن العبد ليقف بين يدي الله فيطول الله وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد، فيقول: "يا رب ارحمني اليوم" فيقول: وهل رحمت شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك، هات ولو عصفوراً))، عن ابن عمر رضي الله عنه.
  15. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/ 341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/ 48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/ 81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  16. انظر البخاري، (3/1050) باب تأليف القرآن: وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقَالَ: " أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ، وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنِ الْمُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ والنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرَةِ"
  17. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه، (3414)، (3/1321)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم: (1064)، (2/ 741)، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ».
  18. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون، رقم: (2183)، (2/809)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة: باب من استسلف شيئا فقضى خيراً منه، وخيركم أحسنكم قضاء، رقم: (1601)، (3/1225)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((نَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ثُمَّ قَالَ أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً)).
  19. ابن كثير في «البداية والنهاية» ص:514: «ذكر ابن جرير أن عمرو بن العاص قدم في وفد من أهل مصر إلي معاوية، فقال لهم في الطريق: إذا دخلتم علي معاوية فلا تسلموا عليه بالخلافة، فإنه لا يحب ذلك، فلما دخل عليه عمرو قبلهم، قال معاوية لحاجبه: أدخلهم، وأوعز إليه أن يخوفهم في الدخول ويرعبهم، وقال: إني لأظن عمرواً قد تقدم إليهم في شيء، فلما أدخلوهم عليه، وقد أهانوهم، قالوا: السلام عليك يا رسول الله، فلما نهض عمرو من عنده قال: قبحكم الله.. نهيتكم أن تسلموا عليه بالخلافة.. فسلمتم عليه بالنبوة».
  20. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: (3072)، (3/ 1185)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2824)، (4/ 2174)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. واللفظ: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)).
  21. تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي، رقم: (752)، ص: (482)، بلفظ: ((وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَا مُوسَى هَلْ عَمِلْتَ لِي عَمَلًا قَطُّ؟ قَالَ: إِلَهِي صَلَّيْتُ لَكَ، وَصُمْتُ لَكَ، وَتَصَدَّقْتُ لَكَ، وَذَكَرْتُكَ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَمَّا الصَّلَاةُ فَلَكَ بُرْهَانٌ، يَعْنِي حُجَّةٌ لَكَ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ، وَالذِّكْرُ نُورٌ، فَأَيُّ عَمَلٍ لِي؟ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِلَهِي دُلَّنِي عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ لَكَ. قَالَ: يَا مُوسَى هَلْ وَالَيْتَ لِي وَلِيًّا، أَوْ عَادَيْتَ لِي عَدُوًّا؟ فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ تَعَالَى)).
  22. صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ في مقدمته، رقم (2956)، (4/ 2272)، سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر رقم: (2324)، (4/ 562)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ)).
  23. تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (1/376)، بلفظ: (حكي أن سليمان عليه السلام أتي بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه إلا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي إلى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل إليه الكلب فأجابه فقال له سليمان: لم لم تجب الفرس والبازي قال: إنهما جافيان لأن الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه وأما الكلب فإنه ذو وفاء حتى أنه لو طرده صاحبه من الدار يرجع ثانياً فقال له: أشرب هذا الشراب؟ قال: لا تشرب لأنه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن)).
WhatsApp