المرأة قبل الإسلام
نحن الآن في تفسير سورة المجادِلة التي تُسمَّى في عرف الناس: سورة “قد سمع”، هذه التسمية لهذه السورة كانت بسبب انتصار الله عز وجل للمرأة المضَّطهدة في البلاد العربية بل وفي كل بلاد العالم، ولم يكن هناك مَن يناصرها ولا مَن يدافع عنها، فكانت تُباعُ وتُشتَرى وتورَث من جملة تَرِكَةِ الميِّت، فيرثها ويتصرف بها ابن زوجها -يعني بخالته لا بأمه- وكانت كسقط المتاع متل القماش الذي يمسَح به الأرض، وكانت بعض الأديان تسمّيها شيطانًا! وأممٌ أخرى تنعتها بصفاتٍ ناقصة ومحتقَرة ودنيئة! ولم تستطع المرأة أن تعترض ولا أن تطالب بحقها في جوٍّ كله ظلمات وتخلّف واستيلاء وعدوان القوي على الضعيف، وكان من شرائع وعقائد عرب الجاهلية أنَّ المرأة إذا حرّم زوجها على نفسه الاقتراب منها وأداء حقوق الزوجية كان هذا يُعتبرُ طلاقًا إلى أن حدثت الواقعة التالية
قصة خولة بنت ثعلبة
امرأة تُسمَّى خولة أو خويلة بنت ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت رجلًا متقدّماً في السن وضريرًا وبه شيءٌ من لممٍ أو حمق، يعني -سرعة الغضب وعدم التبصّر في الأمور وعواقبها حين الإقدام عليها- فطلبها يومًا من الأيام لفراشه فأبَت، فأغضبه ذلك، فحلف عليها أنها كأمِّه أو قال لها: “أنتِ عليَّ كظهر أمي”، وكان هذا يُسمّى ظِهارًا، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم تعرض قصّتها عليه، والحكاية كالآتي
كانت خويلة أو خولة حَسَنة البَدَن رآها زوجها أوسٌ وهي تصلي فأرادها على نفسها بعد صلاته فأبت وامتنعت، وكان به خِفّةٌ وطيش وحمق فغضب عليها وقال لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ثمَّ ندم على ما قال.
للطلاق شروط كما لسائر العبادات شروط
ومن الخطأ في مجتمعنا الإسلامي أن يُطلِّق الرجل بدافعٍ من الغضب، أو لأمرٍ لا يتعلق بالحياة بين الزوجين، كأن يستعمل الرَّجل الطلاق يمينًا يحلف به ((ومن حلف بغير الله فقد أشرك)) .. الطلاق عقد يثبت بالقبول وبالإيجاب وبالشهود كبقية العقود من بيعٍ وشراءٍ وغير ذلك، والإسلام يضع له قيودًا وشروطًا كشرائط الصلاة، متى تصح الصلاة؟ هل تصِح بلا وضوء؟ وهل تصح إذا جعل ظهره للقبلة؟ إذا أتى بالصلاة على غير شرائطها فهو آثم، وهو عاصٍ لله، وفاسقٌ على أمر الله، وليس فقط أنَّ صلاته غير صحيحة بل أتى بأمر محرَّم، فكذلك الطلاق، كم ذَكَرَ الإسلام له من شروط! والشروط دائمًا تُقدَّمُ على المشروط، فالطّهارة من شرائط الصلاة، وهل يجب أن تكون قبل الصلاة أم بعد الصلاة؟ ينبغي أن تكون قبل الصلاة، الشرط قبل الفعل الذي جُعِل الشرط أداةً لصحَّته.
ينبغي ألا يكون زواج إلا بعد التثقُّف بأحكام الزواج الإسلامية
والطلاق أولًا ينبغي ألا يتزوج الزوجان وذلك الرجل والمرأة على حد سواء- إلا بعد ثقافة الحياة الزوجيّة حسب التَّشريع والآداب الإسلامية، فهل تسمح الدولة لإنسان أن يقود سيارته إلا بعد أن يتعلَّم كيف تُقاد السيارة؟ هل يمكن أن يؤتى بطبيب لمعالجة المريض قبل أن يُتقِن فنَّ الطِّب؟ كذلك الزواج أمر كبير، أمر فيه بناء الأجيال، وبناء الأولاد وبناء الإنسان.. فالمهندس لأجل أن يبنيَ جداراً يحتاج لثماني عشرة سنة أو عشرين سنة ليؤذن له ببناء هذا الجدار أو السقف وما يُضاف إليه، فكيف بزوج وزوجة سيشتركان في بناء العقول، وفي بناء النفس وفي بناء الإنسان وفي بناء جيل، كيف لا تكون لهم مدرسة يتعلمون فيها كيف تُبنى الأجيال، وكيف تُربّى الأولاد، وما هي حقوق الرجل على زوجته، وما هي حقوق الزوجة على زوجها، وكيف تكون المعاشرة وكيف تكون الحياة الجنسية فيما بينهما؟ هذه كلها بيّنها الإسلام، وخاصة الحياة الجنسية: ((لا يأتي أحدكم زوجته كما يأتي الحمار أتانَه)) الأتان هي الحمارة، والحمار عندما يرى زوجته مباشرة بلا مقدّمات يباشر معها عملية التناسل.. ثم قال النبي ﷺ بعد أن حذَّر الرجل أن يتنزَّل إلى مرتبة الحمار: ((ليقدِّم بين يدي ذلك رسولًا)) فتكون هناك مُقدَّمة قبل التلاقي، قالوا: ما هو الرسول؟ قال: ((القُبلةُ والكلام الحَسَن)) يعني المداعبة والمباسطة، ومن السنة أن يَذكُرَ اسمَ الله قبل ذلك بأن يقول: ((بسم الله، اللهمّ جنّبني الشّيطان، وجنّب الشّيطان ما رزقتني)) إلى أمور كثيرة وكثيرة.
ينبغي على أحد المؤلفين أو المؤلفات أن يكتبوا كتابًا في التثقيف في الحياة الزوجية، لأن الكثير من البيوت تُهدَّم وكثير من البيوت تنقلب إلى جهنم بدل أن تكون جنّة، والسبب: جهل الزوجين أو أحدهما بفقه الحياة الزوجية حسب ما ورد في القرآن الكريم وفي تعاليم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بدءًا من الخِطبة: ((تخيّروا لِنُطَفِكُم فإنَّ العِرقَ دسّاس)) ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الـمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [البقرة: 221] فمعظم الناس وكثير منهم يخطبون ويتزوجون ويتوالدون ولا يعرفون من الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية القرآنية الـمُحمَّديّة شيئًا أبدًا إلا ما يعرفه الحمار من أتانه!
حقوق الابن على أبيه
ولذلك يقال: أتى رجلٌ إلى سيِّدنا عُمَر رضي الله عنه يشكو عقوق ولده، فاستدعى سيدنا عمر الولد وقال له: لماذا لا تبرُّ أباك، لماذا تعقَّه، لماذا لا تؤدي إليه حقّه؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّ والدي له عليَّ حق، لكن أليس لي عليه حق أيضًا؟ قال: بلى، قال: وما حقوقي عليه؟ قال: أولًا أن ينتقي لك أمًّا صالحة: ((تخيّروا لنطفكم)) ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ [البقرة: 221] قال: والثانية؟ قال: أن يُسمِّيَك بأحسن الأسماء، قال: وماذا أيضًا؟ قال: عندما تعقل وتميّز أن يُعَلـمُكَ كتاب الله ويعلِّمك ما أمر به رسول الله ﷺ من تربية الولد على الإسلام أخلاقًا وأحكامًا وسلوكًا، قال: والله يا أمير المؤمنين لم يؤدِّ إليّ ولا واحدة! أما أُمّي فلا أعرف مَن أبوها، وأمَّا اسمي فقد سماني جُعَل، كما يُسمّي بعض الناس اليوم ولدهم باسم “كتكوت”، ما معنى كتكوت؟ الآن كثيرٌ مِنَ النَّاس يسمون بناتهم بأسماء استعمارية وأجنبية غير إسلامية وكأنَّ اسم “فاطمة” اسمٌ ملوَّث! و”خديجة” اسم مُلوَّث! هذا يسمّيها طينة، وهذا يسميها لينا وآخر يُسميها سوسو والثاني يسميها حوحو وهذا يسميها فوفو، ويعني صار الإسلام كشيء مقذَّر، بالأسماء والأعمال والانتماء والفكر والدراسة ومعلم الإسلام، ولذلك مهما فعل الله بالمسلمين ومهما وصلت إليه حالهم فهذا من الاستحقاق الإلهي: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرَّعد: 11] قال: وأما العلم فلم يعلّمني شيئًا سوى أنه أعطاني بعض الغنم والبقر أرعاها فلا أعرف إلا البقرة والثور، فسيدنا عمر التفت إلى الوالد موبِّخًا وقال له: تشكو عقوق ولدك لك؟ لقد عقَقْتَه من قبل أن يَعُقّك؛ اشكر الله حيث لم يظنّك ثورًا فكسَّر رأسك .
الطلاق له شروطه
وبالعودة إلى موضوع المجادِلة، فقد ظاهَر من زوجته وحرَّمها على نفسه كأمه، وهل يمكن أن يُستعمل الطلاق بدافع الهوى والغضب؟ من دون شروطه وآدابه التي ذكرها القرآن وفصَّلها النبي عليه الصلاة والسلام؟ في زمن النبي ﷺ كان المسلم إذا أراد أن يُطلِّق يستأذن النَّبيَّ ﷺ بالطلاق، كالذي يريد أن يثبِّت الطلاق في المحكمة الشرعية في زماننا، ثم قال القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ قبل الطلاق.. الطلاق لا يحدث إلَّا لاختلاف بين الزوجين ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النِّساء: 35] قد لا يوجد حَكَم من أهله ولا من أهلها ولا من غيرهم، فيكون الطلاق من أجل أمر بسيط: كأن تكون الكوسا أو الكبة مالحة [ألوان من الطعام] أو من أجل يمين يقول: “عليه الطلاق بالثلاثة إلا أن تأكل هذه، أو: عليه الطلاق بالثلاثة إلا فعلت هذا، أو: عليه الطلاق بالثلاثة ألا يذهب.. [يُستخدم لفظ “عليّ الطلاق” للطلاق، وصيغة هذه الجملة يجب أن تكون “هل يصح أن تقول عليّ الطلاق بالثلاثة في أي علاقة؟” لكن أدب اللفظ عند سماحة الشيخ أنه قال “عليه” ولم يقل: “علي” وذلك حرصاً منه وتعليماً لغيره بأن لا يأتي بلفظ يشير إلى طلاقه، فيبقي اللفظ بعيداً عن شخصه، ويستخدم ضمير الغائب “عليه”. وهذا أدب يستخدمه العلماء حرصاً منهم بأن لا تأتي على ألسنتهم ألفاظ الطلاق].. هل يصح أن تقول عليه الطلاق بالثلاثة في أيّ علاقة؟ هل تقول: عليك الطلاق بالثلاثة أنك إذا لم تذهب سأعطيك البيت! المسلمون يتسمّون بالإسلام وهم في جاهلية جَهْلاء بالأكثر أو الكثير، وأفظع من ذلك أنهم يسمون جاهليتهم بالإسلام، فيسيئون إلى أنفسهم ويسيئون إلى الإسلام!
طلب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه من النبي ﷺ أن يطلق زوجته
جاء أبو أيوب الأنصاري إلى النَّبيِّ ﷺ يستأذنه في طلاق زوجته ويأخذ موافقة الدولة الممثلة في شخص النبي ﷺ، أو أقل الدرجات تسأل الوارث النبوي المحمدي نيابة عن رسول الله ﷺ، فبماذا أجاب النبي ﷺ أبا أيوب؟ قال: ((إنَّ طلاقَ أُمِّ أيّوب لهو الحوب)) ﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النِّساء: 2] يعني إثمًا كبيرًا ومعصيةً فظيعة، يعني لم يأذن له بالقانون ولم يسمح له أن يُطَلِّق، ويقول النبي ﷺ: ((أبغض الحلالِ إلى الله: الطّلاق)) ، و((تزوَّجوا ولا تُطَلِّقوا فإنَّ الطلاقَ يهتزُّ منه عرشُ الرحمن)) هل رأيت حمارًا يطلّق أتانه؟ يعني إذا صار عضٌّ بين أتان وحمار وغضب الحمار من الأتان لا يتفارقون، والكلاب إذا عضّ أحدهم الآخر لا يتفرّقون.. غضبتَ لأجل أمرٍ بسيط؛ لأنها لم تطبخ لك الطبخة الفلانية، أو تريد أن تذهب إلى بيت أهلها فتحلف عليها بالطلاق! ما الدَّاعي إلى الطَّلاق؟ يعني أنت رجل ضعيف لا تستحق أن تكون قيّماً على المرأة، والرجل الفاضل لا يجعل الطلاق سلاحه، بل أخلاقه وعقله وسلوكه هي التي تجعلها تذهب أو لا تذهب، ويكون ذلك برضاها وبقناعتها وذلك في كل الأمور في الحياة الزوجية.
طلاق عبد الله بن عمر رضي الله عنه لزوجته
ذات مرّةٍ طلّق عبد الله بن عمر زوجته في أثناء العادة الشهرية -يعني وهي حائض- وقد نهى النبي ﷺ عن الطلاق في حالة الحيض، والفقهاء يسمُّونه الطلاق البدعي، فَبَلَغَ النبي ﷺ أنَّ ابن عمر طلّق زوجته وهي حائض وقد نهى عن طلاق المرأة في حال الحيض، وبعد الحيض إذا طَهُرَت وقد وَطَأها بعد الحيض أيضًا الطلاق منهي عنه، لا في أثناء الحيض سمح الإسلام بالطلاق ولا في الطّهر بعد الحيض إذا وطئها وحصل التلاقي بينهما، فسيدنا عبد الله بن عمر طلق في أثناء الحيض فبلَغ النبيَّ ﷺ فغضبَ، ما معنى غضب النَّبيِّ ﷺ؟ يعني أنَّ هذا مخالف للقانون.. هل يعرف الزوج الآن قبل أن يتزوج أحكام الطلاق وأحكام المعاشرة والصحبة وحقوق المرأة على الرجل وحقوق الرجل على المرأة والرضى والسَّخط وما يجب وما يجوز وما يُستحب؟ كلاهما لا يعرفان عنها شيئًا؛ مثل الدواب، ومع ذلك فإن الدواب في بعض الحالات قد تكون خيراً من كثير من الناس في الحياة الزوجية، فنرى طائر الحمام عندما يريد أن يأتيَ بالأولاد هل يفعل مثل الحمار والأتان؟ يُمضون مدة من الوقت يتوادَدون ويتحاببون، كذا.. الخ.. وهذا كله علّمه النبي ﷺ للمسلمين، وهذا ما يُعَلَّم الآن في أوروبا وفي أمريكا في المدارس.
الإسلام أعزَّ المرأةَ ورفعَ شأنها
روى لي أحد إخواننا -وكان طبيبًا ودرس الطب في السويد- أنَّه كان يقول لأستاذه حول آداب الحياة الزوجية في إنجاب الأولاد فكاد ألا يصدّق!، قال له: قَولُ مَن هذا؟ قال: قول مُحَمَّد ﷺ قال له: مُحَمَّد ﷺ قبل أربع عشر قرناً يقول هذا؟ والعالم لم يعرف هذا وما قام بتعليمه إلا في القرن العشرين، فأنا أشهد بأن مُحَمَّداً رسول الله ﷺ.. القرآن حرم الخنزير، طَبَعنا الآن كتابًا مترجماً عن اللغة الألمانية -ترجمه الدكتور عدنان الحلبي الله يرضى عليه- عن طبيب ألماني كبير حول تحريم الخنزير، يذكر في هذا الكتاب بأنَّ ما ينشأ عن أكل لحم الخنزير أكثر من ستين مرضًا، وهذا لم يُكتشَف إلَّا في الحرب العالمية الثَّانية، ولذلك يقول في الكتاب: أنَّ ألمانيا بعد هذا الاكتشاف بدأت تستبدل تربية الخنازير بتربية الأغنام، وكما بدأت أمريكا الآن أيضًا تستبدل الخنازير بالأغنام.. مَن علَّم سيدنا محمد ﷺ؟ من حلّل له الدماء في المخبر؟ ومَن درس الصحة مِن الأطباء؟ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ﴾ [النَّجم: 4-7] ذو مِرَّة: ذو قوة.
فقال النبي ﷺ –لأبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو غاضب: ((مُر ولدك -عبدالله- فليراجع زوجته)) فما أقرَّه النبي ﷺ على هذا الطلاق المخالف لأحكام الإسلام ((مُر ولدك فليراجع زوجته حتى تطهُر)) فإذا طهرت ولم يقترب منها يجوز له الطلاق، ولكن لأنَّه خالف عمل النبي ﷺ فعليه الجزاء مضاعف، قال له: ((ثُمَّ تحيض ثمَّ تطهُر، ثمَّ إذا شاء طلَّق وإذا شاء أمسَك)) . قال له: ((مُره فليراجعها حتى تطهر)) فالطُّهر مع أنه لو لم يقترب لم يسمح له بأن يطلّقها، قال له: ((ثمَّ تحيض، ثم تطهُر؛ ثمَّ إذا شاء طلَّق وإذا شاء أَمسَك)) لماذا التأخير؟ في طُهرٍ لم يطَأها فيه، وفي الحائض انتظر: إذا وطأتها انتظر، لأنَّه قد يحدث كما حدث بين أَوسٍ وخويلة غَضَبُ ساعة ثم يهدأ! فإذا قال له الإسلام انتظر شهرًا، ففي هذا الشهر قد يأتي خمسون حلّاً للمشكلة، أمَّا أنَّه غضِب من أجل أكلة أو من أجل شربة أو ذهبت إلى بيت أهلها أو لم تذهب!.. هذا ليس كلامًا يا بني! هذا جهل بالإسلام!
الإسلام يكاد يكون غائبًا في المجتمع الإسلامي
يوجد سورة في القرآن الكريم اسمها سورة الطلاق وهناك سورة اسمها سورة التَّحريم -تحريم النساء- وسورة اسمها سورة النساء، ليست المرأة كزوجة فقط! بل كزوجة وبنت ويتيمة.. وفي سورة البقرة آداب الطلاق.. وإذا قرأنا هذه السور من القرآن على الأموات ماذا يستفيد الميّت؟! هل سيرجع إلى الحياة أو يتزوج امرأة مدفونة في القبر ويقومون بحفلة وعرس وهم رفاة؟! يا بني إنّ الإسلام يكاد يكون غائبًا في المجتمع الإسلامي! أين إسلام علوم القرآن وفقه القرآن؟ تقرأ القرآن ألف مرة من غير أن تقصد أن تفهمه، وهذا حال الرجال والنساء.. والقرآن ليس للتلاوة فقط، بل هو للعلم فتفهم كل آية، وهذا للنساء والرجال والحَدَّاد والخَيّاط والموظف والطبيب.. هذا هو الإسلام، فالمرأة ينبغي أن تقرأ القرآن للعلم وللعمل وللتطبيق ولِتُرَبّي أولادها في مدرسة القرآن ثُمَّ تُعَلِّم جيرانها.
تعليم الجار والتعلم منه
صعد النَّبيِّ ﷺ المنبر وكان من خطبته: ((ما بالُ أقوامٍ لا يُعلِّمون جيرانهم ولا يفقِّهونهم ولا يَعِظونهم ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونَهم عن المنكر)) لماذا؟ أنت تعلَّمت لماذا لا تُعلم جارك؟ أنتِ تعلَّمتِ شيئًا من الإسلام لماذا لا تُعلمين جيرانك وأخواتِك وأُمَّكِ وبناتكِ وزوجة ابنك، يقول النبي ﷺ: ((نضَّر اللهُ امرأً)) يعني: أدعو الله أن يجعل وجهه حلوًا وجميلًا ونَضِرًا ((سَمِعَ مقالتي فوعاها)) فهمها، ما الفائدة إذا سمعنا كلام الله ولم نفهمه؟ ((سَمِعَ مقالتي فوعاها فبلَّغها كما سَمِعها؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى مِن سامِع، ورُبَّ حامل فقهٍ لا فِقهَ له)) قد يكون حافظًا القرآن لكن لا يفهم منه شيئًا.
ثُمَّ قال النبي ﷺ: ((وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانهم)) إذا جارك المتعلم لم يعلِّمك اذهب أنت إليه واطلب منه أن يُعلّمكَ مما تعلَّم؛ ماذا قال الشيخ اليوم؟ فيقول له: كذا وكذا ((وما بال أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانهم ولا يتفقَّهون ولا يتَّعِظون ولا يأتمرون ولا ينتهون))؛ ثم قال: ((لَيُعَلـمُنَّ قومٌ جيرانهم وليفقهُنَّهم ولَيَعِظُنَّهُم ولَيَأمُرُنَّهم ولَيَنهَوُنَّهم، ولَيَتَعلَّمَنَّ قومٌ من جيرانهم ويتفقَّهون أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا)).
أين المسلم والمسلمة؟ أين ﴿وَيُعَلـمُهُمُ الكِتَابَ﴾؟ وإذا قال “يعلِّمهم” فأين المتعلِّم؟ المرأة والرَّجُل والصغير والكبير.. ولذلك فإن وَضْعَ المجتمع الإسلامي بشكلٍ عام مسلمٌ بالاسم كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: “يأتي على الناس زمانٌ لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه” .
أمر الإسلام بتأخير الطلاق
أين تطبيق أمر الله تعالى ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾؟ [النِّساء: 35] لماذا أمره الإسلام بتأخير الطلاق؟ وسيُشْهِدُ أيضًا على الطلاق، يحضر شاهدان فربما يقولان له: اهدأ يا أخي الله يرضى عليك، وأنتِ اسمعي كلامه [أطيعيه]، ومع الحَكَمين هناك مراحل عديدة لتفادي إيقاع الطَّلاق، وهناك مشكلة إضاعة الأولاد وهناك ظلم للضعيف منهما، فلماذا اشترط الإسلام هذه الشروط؟ أولًا: في حال الحيض؛ قد يَرخُص في نظر الإنسان الشيء الذي لا مصلحة له فيه، فيقول في نفسه لا فائدة منها في هذا الأسبوع، فيرمي عليها يمين الطلاق! وبعد ذلك: إذا كانت في حالة الطهر ووطأها فلعلها حملت منه والطلاق يصبح مَضيَعة للولد، أيضًا قال له: تمهل! وبعد التمهل: إذا كان الموضوع غضب ساعة، فبعدها يهدأ وفي المساء يتصالحان.. وإذا طلقتها فلا يصحُّ أن تُطلِّقها بالثلاثة والثلاثمئة والسبعة آلاف من دون توقف مثل السلاح الرشّاش، هذا ليس مسلمًا يا بني، هذا ليس إسلامًا؛ لأنَّ المسلم هو الذي تفقَّه بالإسلام وصار سلوكه السلوك الإسلامي، وأخلاقه أخلاقاً إسلامية، وواقعه الحياتيُّ واقعاً إسلامياً.
كم يُعسِّر الله الطَّلاق وكم ييسّر المراجعة!
وأيضاً قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطَّلاق: 1] إذا طلَّقتم النِّساء لا تُخرِجوهنَّ.. طلَّقتها طلقة واحدة وفي غير الحيض وفي طُهرٍ لم تقترب فيه منها، وإذا كان هناك اقتراب أو في حال الحيض عليك أن تنتظر شهرًا، وخلال هذا الشهر تحدث خمسمئة قصة فلا يبقى أيُّ أثر للطلاق أو لمشكلات، هل كلامي صحيح ؟ ثمَّ إذا حدث الطلاق فيكون طلقة واحدة مع الشروط ومع ملاحظة أن ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)) ومرورًا بقوله تعالى: ﴿حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النِّساء: 35] فإذا وقع الطلاق ولا بُدَّ؛ عليها أن تُمضي عِدّتها في بيت زوجها قُرابةَ ثلاثة أشهر! أخونا في الله بعد العشاء بماذا يفكر؟ وخاصة إذا كانت هي أيضًا افتعلت المشكلات وقامت ببعض الحركات!.. ثم هل قضية المراجعة تحتاج لمحكمة أو لكاتب عدل أو أي شيء؟ لا لا أبدًا، ما إن يقول لها: “راجعتك إلى عصمتي وعقد نكاحي” حُكْم الطلاق الأول ينتهي، حتى في بعض المذاهب: من غير أن يقول لها راجعتك بالأقوال، إذا راجعها بالأعمال فالأعمال تسدُّ مسدَّ الأقوال. هذا مذهب من؟ مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فكم يُعسِّر الله الطَّلاق وكم يُيسّر المراجعة!
ينبغي أن نفهم القرآن آية تلو آية
هل فقهنا دين الله في هذا الموضوع؟ ((مَن يُرِدِ اللهٌ به خيرًا يفقهه في الدِّين)) وإنّما العلم والفقه بالتَّعلُّم وبالتَّفقُّه، المشكلة أنَّ المسلم غير مُدركٍ وعلى مذهب الجاهلين، فلا مُعلِّم ولا مُرشِد ولا مُرَبٍّ للنفس بتزكيتها وبأخلاقها وفضائلها، ولا للعقل بالحكمةِ والمنطق ومعرفة أبعاد الأمور مستقبلًا، ((إذا أردتَّ أمرًا فتدبَّر عاقبته)) ، هذه هيَ الحكمة.. وبعد ذلك يوجد فقه القرآن؛ ينبغي أن تفهم القرآن آية تلو آية، فاقرأ آية واحدة وافهمها، وفي اليوم الثاني آية ثانية، وفي ثالث يوم آية ثالثة، وهذا أفضل من أن تقرأ كل يوم ختمة بلا فهمٍ وبِلا فِقهٍ، وقبل أن تقرأ القرآن ينبغي أن يكون لك قلب حيٌّ بذكر الله، وأن تدخل مدرسة القلوب وأن يكون لك أستاذ القلوب حتى ينقلك من النّفس الأمّارة بالسّوء إلى النّفس المطمئنّة بذكر الله، وحتى ينقلك من عبد الهوى إلى العبد المزكّى، ومن العبد الذي اتّخذ إلهه هواه إلى العبد الذي يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما.
الاستعمار هو هواك
المهندس من أجل أن يحصل على ورقة الشهادة يدرس سنوات طوال “كل هذه الدّعكة من أجل هذه الكعكة” [مَثلٌ عاميّ يُقال للذي يبذل جهداً كبيراً من أجل شيء لا قيمة له، والمعنى الحرفي أن من يعجن الكعك يدعكها بيديه كثيراً، لتصير جاهزة للخَبْز، فيبذل جهداً كبيراً ويتصبب عرقاً، والنتيجة أنه يحصل على كعكة أو قطعة من الكعك]، والطبيب كذلك، والمحامي كذلك! أمّا الإسلام بمعناه الحي لا يقدم لك كعكة، بل يقدم لك أكثر من ذلك بكثير ويعطيك من الحياة أفضلها وأنضرها وأجملها وأغلاها، وفي الآخرة يجعلك مَلِكًا من ملوك السّماء، والآن عندما ترك المسلمون الإسلام علمًا ومُعلِّمًا، مُربِّيًا ومُزَكِّيًا، حكيمًا يُعلِّم الحكمة، في أيِّ مستنقع نرسب فيه نحن؟ دائمًا نقول الاستعمار، ما هو الاستعمار؟ الاستعمار هو هواك “لعلّه أعدى عدوٍّ لك نفسُك التي بَين جنبيك” تقول بلسانك: “لا إله إلا الله”؟ ولكن بعملك تقول: لا إله إلا أنا! ولا إله إلا مصلحتي! ولا إله إلا هواي! دون النظر إلى الحلال والحرام، يجوز أو لا يجوز! هل هذا لا إله إلا الله يا بني! النبي ﷺ يقول: ((ليس على أهلِ “لا إله إلا الله” وحشةٌ عند موتهم ولا في قبورهم ولا عند بعثهم، كأنّي أنظر إليهم يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم قائلين: الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن)) .
فضل العالم على العابد
نرجع لقصة خويلة أو خولة وزوجها أَوس بن الصَّامت: فظاهَرَ منها وكان الظِّهارُ في الجاهلية يُعَدّ طلاقًا، أما في الإسلام فلا يُعَدّ طلاقًا، لكن يَحرُم عليه الاقتراب منها ولا تُعَدّ طلْقةً، فلمَّا ظاهَر منها نَدِم.. الرَّجلُ هو الذي لا يفعل فعلًا يندم عليه، والرَّجُل والمرأة؛ المسلم والمسلمة هو مَن يفكِّر في عاقبة أي عمل قبل أن يعمله: ((إذا أردتَّ أمرًا فتدبّر عاقبته)) هذا من الإسلام يا بني، إذن لماذا: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾؟ [البقرة:201] ولماذا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾؟ [الزُّمَر:10] هل تصير هذه هكذا بالأماني والكلام؟ عليك أن تمشي في طريق الإسلام علمًا وعملًا ومُعلِّمًا ومُرَبِّيًا، وتتعلَّق [وتشتبك] بالمعلم المربي أبلغ من اشتباك الروح بالجسد والجسد بالروح ((أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما)) ، وإذا قال النبي ﷺ: ((العلماء وَرَثَةُ الأنبياء)) ، و((فَضلُ العالِمِ على العابد)) ليس على العامي، والعالـمُ الحقيقي هو الذي يعمل بعلمه ويعلم ما يجب أن يتعَلَّمه ((فَضلُ العالِمِ على العابد كفضلي على أدناكم)) فكيف يكون فضل العالِم على الفاسق أو على السَّفيه أو على الرَّذيل أو على الأُمّي أو الجاهل الذي لا يفهم دينه؟ هذا لا يدخل في موضوع التفاضل، فلا نقول ملكة الجمال أفضل من الجرذ، ففي التفاضل ينبغي أن يوجَد تناسب بين المتفاضلين، يعني: مَلكة جمال فرنسا أجمل من ملكة جمال بريطانيا، فلا نقول الحصان أفضل من الحمار، بل أفضل من الحصان الثاني الخاص بالسباق، فالتفاضل يكون بين متجانسين ((فضل العالم على العابد)) إذن فكيف فضله على الفاسق وعلى الجاهل وعلى الأُمّي؟ الأُمّي فِكرًا.. وهناك الأمي أعمالاً، عالم بالفكر ولكن أعماله أعمال الجاهلين الذين ذَكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في سورة هود عندما قال لنوح عليه السلام سأُغرق قومك فاصنع الفلك ونحن ننجيك أنت وأهلك، فركب أهله بالسفينة إلا ابنه وغرق مع الغارقين ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ وَعدْتَ أن تنجّيني أنا وأهلي ﴿وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ النسب الذي ينفع عند الهَلَكَةِ وَيُحَوِّل الهَلَكَةِ إلى نجاة ليس النسب الجسدي، بل النسب الإيماني ونسب الأخلاق والتقوى: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ فسؤالك هذا سؤال الجاهلين: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: 46،45] فيوجد هناك أُمّي بالأعمال، وهو الذي أعماله أعمال الجاهل، ويوجد أُمّي بالفكر، وهو الذي لم يدرس ولم يتعلَّم، فهذا لا عملًا ولا علمًا، والنبي ﷺ يقول: (( كُن عالِمًا أو مُتَعَلِّمًا أو مُستَمِعًا أو مُحِبًّا ولا تكُن الخامسةَ فتَهلِك)) كن واحداً من الأربعة، يعني: ((من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) إذا لم يكن أحد هذه الأصناف الأربعة يكون عدوًّا مجافيًا مؤذيًا.. إلى آخره.
كفارة الظهار ككفارة قتل النفس
نرجع لخولة قالت: فاقترب مني فدافَعْتُه وأبَيتُ وكان به خِفّةٌ فغَضِب وقال: أنتِ عليَّ كظَهرِ أُمّي -وكان أول ظِهارٍ وقع في الإسلام- ثُمَّ نَدِم على ما قال، وقال لها: ما أظُنُّكِ إلا قد حَرُمتِ عليَّ؛ فشقَّ ذلك عليها.. أصعب شيء في حياة المرأة هو الطَّلاق، فهو هدمٌ لشخصيتها! لماذا؟ وما الذنب الذي أذنبته؟ أين العفو الذي دعانا الله إليه ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134] أين عفوُك الإسلاميّ؟ أساءت؟ نعم أساءت. أخطأت؟ نعم أخطأت، وأنتَ أيضًا هل تُعالج الخطأ بالخطأ وتُطفِئ النَّار بالنَّار؟ أين الخُلُق الإسلامي؟ ((أفضلُ الإيمان أن تُعطيَ من حرَمَك، وتَعفُوَ عمَّن ظلمك، وتَصِلَ من قَطَعَك)) ) .
هل المهم أن نستمع للكَلِام ثم لا نفكّر بالعمل مُطلَقًا؟ ولو وصلتَ من قطعك ماذا تخسر؟ ليقولوا عنك ما يقولون.. أنا في حياتي -بفضل الله وكرم الله- لم أندم على شيء ولم أنتظر المقابل من أحد أبدًا إلا من فضل الله وكرمه، يعني ألا نصير مؤمنين؟ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: 107] هل الطِّبُّ بالكلام؟ وهل تلقِّنُ نفسك أنَّك طبيب فتصبح طبيبًا؟ وهل تلقّن نفسك مسلمًا فتصبح مسلمًا؟ وهل تلقنين نفسكِ مسلمة ومؤمنة فتصيرين بذلك مسلمة ومؤمنة؟ ((ليس الإيمان بالتَّمنّي ولا بالتّحلّي لكن الإيمان ما وَقَرَ في القَلب وصدّقه العمل)) .
فشقَّ ذلك على خولة، فأتت رسول الله ﷺ وعائشةُ تغسل شِقَّ رأسه؛ تنظف نصف رأسه ثم تنظف النصف الثاني، وقالت: يا رسول الله ﷺ: إنَّ زوجي أبو ولدي وابن عمي وأَحبُّ النَّاسِ إليِّ ظاهَر منّي وقد نَدِمَ على فِعلِه، فهل من شيءٍ يجمعني وإياه وتُنعِشُني به؟ هذا الطلاق ذبح للمرأة وقتل للنَّفس، ولذلك فكفّارة الظّهار وهي عتق رقبة مثل كفارة قتل النفس، والظّهار تحريم مؤقّت تجوز فيه الكفّارة، أما الطّلاق فتحريم دائم، ممّا يدلّ على أنَّ الطَّلاق قتل لروح المرأة، فكيف إذا كان الأمر طلاقاً وبلا مُبَرِّر شرعي؟ والذي ينقلب به الطَّلاق إلى أبغض الحلال إلى الله.
ضرورة تثقيف المقبلين على الزَّواج
وبالمقابل، فإن النبي ﷺ يقول للمرأة: ((من أَمسَت وزوجها غير راضٍ عنها باتت والملائكةُ تلعَنُها)) و((إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها دخلت جنّةَ ربِّها)) . يلزم أن نُعرّف المرأة قبل الزواج بحقوق الزّوج وبحسن طاعته وبعظيم حقِّه كما أمر القرآن وكما فعل النبي ﷺ وبالشرح الإقناعي التفصيلي، والزوج يتعلم.. ويجب ألَّا يَحدُثَ زواجٌ إلا بعد فحَص الزوجين، فمن أجل قيادة درّاجة نارية هناك امتحان، ومن أجل قيادة السيَّارة هناك امتحان، والشرطي بحاجة إلى امتحان، ومن أجل حياة العمر كله وبناء الأسرة والجيل الصاعد ألا نحتاج إلى امتحان؟ فتُسأل عن كُل الواجبات الزوجية والأخلاق الزوجية والآداب الزوجية ويكون في كتاب مفصَّل من كل هذه النواحي، وتُسأل بمقتضاه، فإذا كانت نتيجتها فوق الخمسين بالمئة يقال لها يمكن زواجها ولكن الأفضل أن لا يخطبها أحد لأنَّ نجاحها بنسبة خمسين بالمئة، وإذا قصرت خمسين بالمئة فخطأ واحد بالمئة قد يخرب البيت، فلا يتزوجها الرجل لأن علامتها خمسين بالمئة، وأيضًا يجب على الشاب أن يُفحَص فإذا لم ينجح لا يُزَوَّج، يقولون له أعطنا شهادة الزواج من الدائرة الاختصاصية، وإذا لم يكن ناجحًا لا يُزَوَّج، ثمَّ إنَّ إدارة قيادة السيارة لا تَفحَص شفهيًّا فقط، بل شفهيًّا وعمليًّا، نفحص أخلاقه كأن يصفعه أحدهم على رقبته أمام الناس في حفلة مثلاً، وينظر هل يغضب ويتحامق ويشتم الدين؟ أم يكون حليمًا وواسع الصّدر، هذا كمثال نموذجي، يُستغضَب لنرى هل يغضب بسرعة؟ وإذا غضب هل يتجاوز إلى ما يسخط الله؟ إذن هذا لا يصلح والمحكمة الشرعية لا تعطيه إذن الزواج، وإذا تزوج يُحكم عليه بغرامة كذا ويحبس لعدّة أشهر.. واللهِ! إنّ الزواج ليس أقل من قيادة السيارة، واللهِ! إنّ شهادة الطبيب والصيدلي ليست أقل من الزواج، ولا يصير الإنسان موظفاً من دون فحص ومسابقات.. أنا أفكر أن أقل الدرجات أن يقوم أحد الإخوة أو الأخوات بتقديم كتاب يتحدث عن الثقافة الزوجية، وفوق ذلك ينبغي أن يكون بعد الثقافة امتحان، وهذه أذكرها مباسطة، لكن الحقيقة أنه يجبُ التعرف على أخلاق الزوج وعلى أخلاق الزوجة، وكلاهما قد يفحص بعضهم البعض، ويسأل عن بعضهم البعض.. وهذا موضوع آخر.
صبر الزوجين على سوء خُلق بعضهما له ثواب كبير
فـنعود لقصة خولة، قالت: “هل من شيءٍ تجمعني به وتُنعشني؟” فقال ﷺ: ((ما أراكِ إلا قد حَرُمتِ عليه)) قالت: يا رسول الله ﷺ: لا تقل ذلك! ماذا حصل هل من أجل كلمة نخرب البيت! لا تقل ذلك! وذكرتْ فاقَتها -يعني فقرها- ووحدتها بتفاني أهلها -مات أبوها وأمها ولم يبقَ لها أحد- هل يرميها في الشارع؟ هل هذه أخلاق أو إيمان أو إسلام أو ذوق أو إنسانية؟ هل رأيتم طائر القاق [الغراب] يطلّق زوجته؟ أو بوماً يطلق بومة؟ أو ذكر الحمام يطلق حمامة؟ لا نقول إن الطلاق محرّم، ولكن له شرائط متعددة، ويجب ألا يكون الطّلاق إلا إذا استكمل كل الشرائط الإسلامية وضِمْن القوانينَ القرآنية والمحمَّدية، عند ذلك إن شاء طلّق.. وبعد ذلك ولو استوفى كل شروط الطلاق فالنبي ﷺ يقول: ((مَنْ صَبَر عَلى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ الله مِنَ الأجْرِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى بَلائِهِ، وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِها أَعْطَاهَا الله ثَوَابَ آسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)) حَسَنُ الخلُقُ هذا حاز على خيري الدنيا والآخرة، يقول النبي ﷺ في حقوق الزوج على زوجته: ((لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه)) فهكذا النَّبيُّ ﷺ أوصى المرأة بزوجها، كما أوصى الرجل بزوجته، قال: ((لا يغلبُهُنَّ إلّا لئيم؛ ولا يغْلِبْنَ إلا الكريم)) .
مجادلة خولة ونزول الوحي استجابة لشكايتها
قالت: فلا تقل ذلك، وذكرت فقرها وفاقتها وقالت يا رسول الله: إنَّه أفنى شبابي، ونثرتُ له بطني حتّى إذا كَبرت سِنّي وانقطع ولدي ظاهَر مني! فهل مِن شيءٍ تجمعني وإياه وتُنعشني به؟ قال لها: ((حَرُمتِ عليه)) قالت: يا رسول الله ﷺ إنَّ لي صِبيةً صغارًا إن ضممتُهم إليّ جاعوا -أنا لا أملك ما أتحمَّلهم- وإن ضممتُهم إليه ضاعوا -لا يوجد من يطبخ لهم- فأعاد النبي ﷺ قوله عليها: ((حَرُمتِ عليه)) لم ترتدع لا بالجواب الأول ولا بالثاني ولا بالثَّالث وتجادل عن حقها: ((وإنَّ لصاحب الحق مقالًا)) فقالت هاتفة: أشكو إلى الله مما لقيت من زوجي، أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، طالت معه صحبتي ونفضت له بطني -يعني صرت عقيمًا- وكانت في كل ذلك ترفع رأسها إلى السماء مشتكيةً إلى اللهِ عزَّ وجل قائلةً: “اللهم أنزل على لسان نبيِّك فَرَجِي” فأنهت عائشة رضي الله عنها شِقَّ رأس رسول الله ﷺ تنظيفًا وتسريحًا وتحَوَّلت إلى الجانب الآخر، وخولة أيضًا تحوَّلِت معهم وهي تقول: يا رسول الله ويا رسول الله ويا رسول الله تهدّم بيتي ويا رسول الله أنا صرت في الشارع والأولاد ضاعوا.. وإذا بالنبي ﷺ يَنزِلُ عليه الوحي -وكان إذا نزل عليه الوحي تحصل له غيبوبةٌ عن نفسه وتتجه روحه كلها إلى استقبال الملَك- وهي تقول له يا رسول الله ﷺ، فعائشة رضي الله عنها قالت: ابتعدي! إليكِ عن رسول الله ﷺ، لا تقتربي، ألا تَرَينه وقد نزل عليه الوحي! فلمَّا انقضى الوحي وفتحَ النبيُّ ﷺ عينيه قال لها: أبشري يا خولة قد أنزل الله فيكِ قرآنًا، وتلا قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ ألم تجادل النبي ﷺ؟ يعني هل اكتفت بجواب أول وثانٍ وثالثٍ ورابع؟ ثمَّ رفعت رأسها واشتكت إلى الله ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: 1].
انتصار الإسلام للمرأة
فمن الذي انتصر للمرأة؟ ومن الذي حَفِظَ لها حقَّها وكرامتها وأنقذها مِن ضَيعتِها وأنقذ أولادها بسرعة! أيُّ محكمة في الدنيا تعطي الحكم خلال عشر دقائق أو ربع ساعة! ويُتَّخذُ من القصَّةِ قانون إلى قيام الساعة، وانتصر الله وانتصرت السَماء للمرأة وسُمّيت السورة بسورة المجادِلة والمدافعة والمنافحة عن حقوق المرأة، هل كان هذا النَّصر من طريق الاتِّحاد النِّسائي؟ هل وُجِدَ الاتحاد النِّسائي في ذلك الوقت؟ هل كان النصر من الثورة النسائية للمطالبة بحقوق المرأة؟ هل كان من الاتحِّاد النِّساء العالمي؟ هل كان من حقوق الإنسان؟
مناصرة الإسلام بلغت الأعداء والحيوانات
فهذا هو الإسلام الذي ناصر الإنسان؛ امرأةً وعبدًا ويتيمًا وغريبًا وعدوًّا، وحتى الحيوان: ((إذا قتلتُم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة)) ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8] الأسير: العدوّ المقاتِل، أمرنا الله تعالى بالرَّحمةِ به كالرَّحمة بيتامانا ومساكيننا، هذا الدِّين ألا يجب أن يكون شِرعة هيئة الأمم، لكن هيئة الأمم تضع القوانين أشبه ما يكون؛ لا نقول نفاقًا لكن حبرًا على ورق! لا تُنَفَّذ قوانينها إلا إذا كانت تُحقِّقُ أهداف الأعضاء الكِبار أصحاب الفيتو! أما الله سبحانه فهل هناك من يستطيع أن يَحُولَ دون تنفيذ وإحقاق الحق وإيصال المظلوم إلى حقّه باسم الفيتو؟ هل لدى الله عز وجل فرق بين غنيٍّ وفقير، وبين قويٍّ وضعيف، وبين قريبٍ وبعيد؟ ((الخَلْقُ كلُّهُم عيالُ الله)) .
سمع الله جل وعلا محيط بالكون
ثُمَّ ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ فكانت سيدتنا عائشة رضي الله عنها تقول: “الحمدُ للهِ الذي وسِع سمعُه الأصواتَ كُلَّها” لا نريد محاميًا ولا طوابع ولا خمسمئة جلسة وفي عشر سنين إمّا أن تنتهي أو لا، أما في المحكمة الإلهية ففي جلسة وحدة، وفي ربع ساعة أو نصف ساعة أُنهِيَت قضيَّةُ المرأة وإلى قيامِ الساعة، فهذا دين يا بني! وهذا دستور وهذا قانون السماء، قانون الذي خلق المجرّات والسُّدم والكواكب ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40] الفَلَك: طريق النّجم مثل السّكّة طريقٌ للقطار، لا يوجد نجم إلا وله طريق محدّد لو غيَّر مساره مقدار شعرة يمينًا أو يسارًا تصطدم الكواكب ببعضها البعض.. واكتشفوا مؤخرًا مجرَّتين تبعدان عن الأرض سبعة عشر مليار سنة ضوئية، وسرعة الضوء في الثانية: ثلاثمئة ألف كيلو متر، فسرعة الضوء في السنة كم تكون؟ سبع عشر مليار سنة ضوئية! فماذا نمثل نحن والكرة الأرضية من أميركا وروسيا وأوروبا واليابان والفلبين؟ أنت ماذا تمثل؟ أنت ماذا تُمثِّل أمام عَظَمة هذا الخالق؟ هذا الصانع الذي سَمِعَ قول التي تجادل في زوجها وأنزل الحُكم حالًا، فلا يحتاج لمحاكم الاستئناف ولا التمييز ولا المحامين، الله سبحانه وتعالى هو المحامي والنبي ﷺ الـمُبَلِّغ.
حكم الظِّهار في الإسلام
ثُمَّ قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ أولاً سُمِعَت الشَّكوى وماذا كان الحكم؟ أولًا هذا الكلام الذي اسمه: “ظهار” باطل وغير صحيح ومخالف لقانون الله، وصاحبه مؤاخَذ عليه، وقائله مذنب وخطّاء ومُتَعدٍّ وظلوم: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ يا كذّاب تقول عن زوجتك أمك! أمك لها معاملة، وزوجتك لها معاملة، هل تعامل زوجتك مثل أمك! وأمك مثل زوجتك؟ ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ كذابون ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ هل فهمت؟ يعني أنت لا تفهم! لأنك تقول قولًا لا ينطبق مع الواقع! إما أنَّه يدُلُّ على جهل وإما على كذب، ولكن الله سبحانه يُسمِّيه كَذِباً ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ﴾ يُنكره العقل وينكره الخُلُق وينكره الشَّرع وينكره الله ورسوله ﷺ والأرض والسماء ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وزورًا﴾ يعني كَذِبًا، ما معنى أنتِ مثل أمي؟ إذا كانت مثل أمك لماذا تزوجتها؟ ولماذا ولدتْ لك الأولاد؟
من أكبر الكبائر قول الزور
يقول النبي ﷺ: ((ألا أُنبِئكُم بأكبرِ الكبائر؟)) هناك خطيئة اسمها كبيرة وهناك ذنب وخطيئة اسمها صغيرة، فالذنب من الصغائر هو الذي يغفره الله بالصَّدَقات، ويغفره بصلاة الجماعات، وبفعل الخيرات، فتشمله المغفرة، أما الذَّنب الذي هو من الكبائر فلا يُغفَر إلا بالتَّوبةِ منه والإقلاع عنه والنَّدَمِ على ما صدر، والعزم على ألا يعود إليه، هذه هي الكبيرة، أمَّا أكبر الكبائر، قال: ((ألا أُنبِئُكم بأكبر الكبائر؟)) قالوا: بلى، قال: ((الشِّركُ بالله)) تُشرك مع الله إله آخر ثانٍ وثالث ورابع، الثاني: ((وعقوق الوالدين)) هذا في كل شرائع السماء من شرق الأرض إلى غربها، وفي كل الأديان؛ في المجوسية وفي البوذيّة وفي الكونفوشية وفي الإسلام وفي اليهودية وفي النصرانية، عقوق الوالدين من أكبر الكبائر! ثُمَّ كان النبي ﷺ مضطجعًا فجلس ثُمَّ قال: ((ألا وشهادةُ الزّور ألا وقولُ الزُّور)) شهادة الزور معروفة وهي أن يشهد بخلاف الواقع، أما قول الزور فهو الكذب؛ وصف شيء ليس له واقع، ثُمَّ أعادها: ((ألا وشهادةُ الزّور ألا وقولُ الزّور)) قال وما زال يُكرِّرُها حتى قلنا: لَيتَهُ سكت! وذلك لما ظهر على النبي ﷺ من التأثُّر بهذه الأعمال الثلاثة وبصورة خاصة قول الزور.. فتكذب على إنسان وتتّهم إنسانًا بباطل وتنسُبُهُ إلى غير الحقيقة، هذا ما اسمه؟ اسمه قول الزّور، يعني القول الكاذب، أيضًا عندما يقول لها أنتِ مثل أمي، يعني أنكِ صرتِ مُحَرَّمة عليَّ، هذا صدق أم كذب؟ حقيقة أم باطل؟ ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ لمن تاب وأناب، أما من أصَرَّ وعاند واستكبر لا يغفِرُ الله لهُ ولا يعفو عنه.. هذا التّوبيخ هو أول عقوبة، وهذه العقوبة في قرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة، وهل ذلك لأوسٍ وحده أم لكل من عَمِلَ عمله ومشى على طريقه وصار أوسيَّاً في الظِهار أو في الطَّلاق أو فيما يشابه ذلك؟
تكريم الإسلام للمرأة، وكذبة مساواة المرأة في أوروبا
ثُمَّ انتقل بعد العقوبة الأدبية إلى العقوبة العَمَليّة والبدنية والماليّة وصار هناك عقوبة ماليّة، ألا يوجد مخالفات للسيارة؟ العقوبة ماذا تكون؟ تارةً بالحبس عقوبة بدنيَّة، وتارةً عقوبة على المال، وتارةً توقيف، هنا بعد العقوبة التوبيخية انتقل إلى العقوبة الثانية: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ فيندمون ويريدون الرجعة، لكن لا يصِحُّ ما دام قد أساء إليها بكلمة -قال لها أنتِ كظهر أمي وهو كاذب- ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ ما هذا الانتصار للمرأة؟ تتكلم النساء اليوم عن حقوق المرأة والمساواة مع الرَّجل، أيتها التعيسة! إن المرأة في أوروبا تصرخ من كلمة المساواة، لأنَّها صارت تعمل مثل البغل في جميع الأعمال وفي المصانع وفي المناجم تحت مائتين وثلاثمئة متر في باطن الأرض، فتخرج ووجهها مثل وجه القطّة إذا مرَّت بالمحرق الخاص بالمطبخ، أسودٌ ومعتَّر وممتلئ بالشّحم والزيت، علاوة عن أنه يُهتَك عِرضها وعِلاوة عن أنَّها تُبتَلى بالأمراض، وعِلاوة عن أنَّ زوجها لا يبقى زوجاً ولا هي تبقى زوجة، فالمرأة المسلمة العربيَّة تريد هذه المساواة! المرأة في أوروبا مُكَلَّفة بشؤون حياتها؛ فيجب عليها أن تعمل وتكِدّ، أما الإسلام قال لها أنتِ ليس واجباً عليك أيُّ شيء، يكفيكِ حق الزَّوجية والأمومة وتنشِئة الأجيال، فهل هذا عمل بسيط؟ الأم التي تُحسِن تربية الولد وتُخرِج منه عالماً أو عظيمًا أو بطلًا أو مُضحّيًا أو رجل خير يبني المساجد والمدارس، هذا كله.. الأُمُّ مدرسةٌ، هل هذا أفضل أم أن تذهب وتعمل أجير نجَّار أو أجير بَنّاء أو أجير حدّاد أو حَفّار؟ أنا رأيت بعيني في موسكو وفي غير موسكو هذه المرأة التي تطلب مساواة المرأة بالرَّجُل، رأيتها وهي تحمل المجرفة التي تجرف الثلج في الساعة الثانية عشرة والساعة الواحدة والثانية ليلًا وهي تـجرف الثلج في الشوارع وتنظِّف الشوارع بالمكنسة الطويلة، هل هذه هي المساواة التي تطالب بها، وهل هذا ما تريده السَّيِّدات؟ إذا طلبتْ أن تكون عاملة نظافة فلا أحد يمنعها! وإذا أرادت أن تكون أجير لحام لا أحد يمنعها، لكن هل هذا لمصلحتها وكرامتها؟ الإسلام عظَّمها، فعندما تكون بنتاً في بيت والدها فنفقتها على أبيها، وعندما تصبح أمًّا فنفقتها على ابنها، وهي أخت نفقتها على أخيها، وإذا كانت وحيدة لا معيل لها فنفقتها على بيت المال؛ على الدولة، وفي الوقت نفسه لم يمنعها من العمل إذا اختارت أن تعمل، أعطاها الحرية الكاملة، فإذا اختارت العمل وضمن الأدب والأخلاق والمنهاج الإسلامي، فلها ذلك ولا يُحالُ بينها وبين ما تريد، لكن ضمن العفاف والتستّر والحشمة وحفظ الكرامة.
مراتب الكفارة الثلاثة
﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ جاء أوس فقال له النبي ﷺ: تحرير رقبة، فقال: والله يا رسول الله لا أملك غير هذه الرَّقَبة، قال له: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ ستين يومًا وإذا أفطر في اليوم التاسع والخمسين عليه أن يعيد من البداية، فما أعظم هذا الانتصار! أفظع عقوبة عوقِب بها المسيء للمرأة ولو كان زوجًا، فكيف إذا ضربها وإذا كسر رجلها وإذا فقأ عينها وإذا شتمها وشتم دينها! أيُّ إسلام هذا؟ أيُّ دين هذا؟ هل هذا دين؟ هل هذا إنسان؟ هل هذا بني آدم؟ كما أنَّ هناك من النساء -نسأل الله العافية- كما ذكروا عن الحجاج عندما أُهديَت له الفرس التي نجحت في سباق الخيل العالمي-تساوي حوالي مئة ألف دولار ومئة مليون دولار على حسب عملة زمانهم- صار يسأل حاشيته ووزراءه: لأي شيء تصلح هذه؟ قالوا: تصلح للملك في الاستقبال الرسمي! يقول لهم: لا، قالوا: تصلح هدية للعروس أو العريس إذا كان ابن الملك! قال لهم: لا، قالوا له: لأي شيءٍ تصلح؟ قال لهم: تصلح للركب عليها بأسرع قوة للفرار من امرأة السوء ومن المرأة شرسة الأخلاق والحمقاء، التي لا تعرف واجبها، والتي لا تحترم زوجها، والتي لا تؤدي إليه حقَّه الشَّرعي.. الإسلام وصَّى كلَّ واحدٍ منهما بالآخر وأنَّب كل واحدٍ إذا تعدّى على حق الآخر ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153].
الرَّقبة.. قالت: لا يملك إلَّا رقبته.. صيام شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله إذا لم يأكل في اليوم ثلاث مرات يَعشى بصره ولا يستطيع القيام من أرضه، فهو رجل عجوز، قال لها: إذن إطعام ستين مسكينًا، قالت: والله يا رسول الله لا نملك في البيت شيئًا.. مثل الوحوش، هل يوجد عند الوحش مؤونة؟ قال لها: إذن نحن نُعينه، والظاهر أنها تملك شيئًا فقال لها: وأنتِ تعينينه، فدفعت هي نصف الكفارة والنبي ﷺ دفع النصف الآخر.
حادثة ظهار ثانية، التائب الصادق لا يتهاون فيما أذنب
وظاهَر رجلٌ آخر في شهر رمضان في حياة النبي ﷺ، ولم يكن لخلاف بين الزوجين أو غضب الزوجين، وإنما لأنه كان صحابياً شابَّاً وقويَّاً فخشي على نفسه في رمضان أن يُفطِر في الاتصال بزوجته، فحرَّم بيمين الظّهار على نفسه ألا يقرب زوجته على أن تكون كأمه حتى ينتهي رمضان، ليس بسبب نزاع أو شجار أو غضب بين الزوج والزوجة، فرغم اليمين غلبه هواه وغلبته نفسه الأمَّارة بالسُّوء ووجبت في حقِّه أحكام الظّهار التي تجب فيها الكفّارة، فأخبر عشيرته وأهله أن يسألوا النبي ﷺ بماذا يجب عليه أن يفعل وما الكفّارة وما الحل؟ فقالوا له: عملت عملًا مُخزيًا وتريد منا أن نسأل لك النبي ﷺ حتى تلتصق القصَّة بنا؟ تريد أن تطهّر نفسك على حسابنا؟ اذهب أنت واسأله، فمقترف الذنب هو الذي يسأل.. وكان دينهم غاليًا عليهم يا بني! الواحد منهم إذا عمل الذنب لا يستطيع أن ينام حتى يفتّش على بابٍ للخلاصِ منه، هذا هو الإسلام الصحيح، أما أن يدعي الإسلام ويذنب مئة ذنب ومئتي ذنب وألف ذنب كما قال القائل
تَضَعُ الذُّنوبَ على الذُّنُوبِ وترتجي دَرَجَ الجِنانِ وطِيب عَيش العابد؟
ونسيتَ أنَّ اللهَ أخرجَ آدامًا منها إلى الدُّنيا بذنبٍ واحدٍ
منها: يعني من الجنّة.. إبليس صار ملعونًا إلى يومِ القيامة بكم ذنب؟ ترك سجدة واحدة، وتارك الصلاة كم سجدة يترك بالأربع والعشرين ساعة؟ عشرين؟ ثلاثين؟ أربعين؟ هذا أربعون إبليساً، وإذا كان شهرًا يصبح أربعة آلاف إبليس، وإذا كانت سنة فأربعون ألف إبليس، وإذا لم يسجد طول عمره فذنبه يوازي أربعين مليار إبليس.. إبليس بسجدة واحدة، وآدم خرج من الجنة بذنب واحد! وأنت قادم بمليون ومليار ذنب وتريد أن تدخل بهم الجنّة؟ لذلك كان المسلمون في زمن نبي الله ﷺ لا يعرف أحدهم الذنب، وإذا وقع في الذنب لا ينام! يبكي ليل نهار حتى يسأل النبي ﷺ عن مصيره، وحتى يُنزِّل الله حكمه من السّماء وحتى يَقِرَّ له القرار ويجِفَّ منه الدَّمع، فهذا هو الإيمان يا بني وهذا هو الإسلام.. وهذا لم يحدث إلَّا بالهجرة، فتركوا مكة إلى المدينة، والطريق خمس مئة كيلو متر، وكانت تسافر المرأة وحدها لأجل أن تتعلَّم دينها سماعًا ورؤيةً من رسول الله ﷺ، حتى صاروا المسلمين والمؤمنين حقًا.
التقليد الـمُبكي والمؤلم من المسلمين
ترى المسلم في هذا الزمان لا شيخ له ولا مُعَلِّم ولا مُرَبّ، والمرأة كذلك، يتعلَّمون من التلفاز ويتعلّمون من دور الأزياء والموضات.. ما الموضات؟ هي سُنَّة باريس! هكذا أنت تترك سُنّة النبي ﷺ وأنت تدّعي الامتثال إليه وتسير وراء سنّة المستعمرين! أكثر أصحاب الأزياء يهود، يعني تسير على سنّة اليهود وتترك سنة سيدنا مُحَمَّد ﷺ وتقول: أنا مسلم وأنا مسلمة، ما هي الموضة؟ يعني اليهودي يلعب بشوارِبنا؛ إن طَولُوهُم نُطيلُهم، وإن قصروهم نُقصِّرهم، وإن قصوا الشارب نقصه.. لو عملوا أذنابًا من الخلف يقولون: هذه موضة يا أخي! لو صمَّموا موديلات وفساتين نسائية أو ملابس رجالية فيها ذَنَب هزّاز من الخلف.. اشهدوا على كلامي: ترون في اليوم الثاني خمسمئة ذَنَب في طريق الصالحية! [طريق في دمشق فيه سوق حديث مشهور ومزدحم] وإذا قدّموا له الطقم من دون ذَنَب يقول: يا أخي انتهت هذه الموضة!.. والمرأة كذلك تسأل لماذا تركوا ذَنَبَها!
يا ولدي ماذا نقول عن مجتمعنا؟ هل نحن عربٌ! أين تقاليد العرب؟ سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ألم يكن عربيًّا؟ وسيدنا مُحَمَّد ﷺ ألم يكن عربيًّا؟ سيدنا خالد رضي الله عنه ألم يكن عربيًا؟ أين العروبة وأين القوميّة وأين الوطنية؟ فالمواطن والإنسان الوطني الحقيقي كما قال النبي ﷺ: ((مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ)) الوطنية أن تهتمَّ بكل أفراد أمتك وشعبك والمواطنين، والقومية أوسع فتصل إلى كل من نطق باللغة العربية، أما الإسلام فتهتم بوطنك، وتهتم بقوميتك، وتهتم بإنسانيتك وبالعالم كله: ((الخَلْقُ كلُّهم عيالُ الله وأحبُّ الخَلْقِ إلى الله أنفَعُهُم لِعيالِه))
الناس بخير لكننا فقدنا المعلِّم القلبيّ
ثُمَّ يا بني والله إن الناس بخير، لكن ما وُجِد الـمُعَلّم وما وُجِد الـمُرشِد وما وُجِد الـمُربّي! لا أحد على وجه الأرض يجرؤ على أن يقول عن هذه الطاقية [القبعة] أنَّها سوداء لأنَّها بيضاء، ولا أحد يجرؤ على أن يقول عن الليل نهارًا، ولا أحد يجرؤ على أن يقول عن الحق أنَّه باطل، وإذا قال وادّعى يُكذِّبه الناس ثُمَّ هو يُكَذِّبُ نفسه.. والمسؤولية في عنقِ كلِّ مَن طلب العلم.. وليس طلب العلم بالكتاب فقط، فهذا لا يصير عالماً، بل اسمه قارئًا! فعليك أن يطلب العلم بالقلب حتى يكشف الله عن بصيرتك ويُريك الحقائق؛ حقائق علم الغيب حتى كأنّك ترى الدّار الآخرة وكأنك ترى الله سبحانه في عرشه، وذلك في خَلَواتِك وجَلَوَاتِك ومصالحك وأهوائك وشهواتك، فمهما عَظُمَت لك مصلحة أو شهوة أو ربح تتركها إن كانت حرامًا، ولو كانت جبال الدنيا ذَهَبًا “أمّا الحرامُ فالمماتُ دونَهُ” وذلك في النَّظر والسّمع والبَصَر والسَّهرة والرَّفيق والجليس والصّاحِب، فلا يجوز أن تصحَب المنافقين أو الفاسقين وتدّعي الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النِّساء: 105] ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾ [النِّساء: 140] هل عرفت الإسلام في الصاحب، والإسلام في الطريق، والإسلام في السهرة، والإسلام في الأكل، وفي الشرب، وفي العمل وفي العلم وفي التعلُّم وفي المرشِد وفي المرَبّي؟ كان الواحد مِنَ السَّلِفِ الصالح يمشي أربعين يومًا ليسمعَ حديثًا واحدًا ويقول: “لم تَضِع سَفرتي!” هكذا كانوا يقدِّرون العِلم ويقدِّسون العلم والتعلُّم، وهذا كلُّه من رَشَحات تعليم النبي ﷺ ((أو لأعاجِّلَنَّكُمُ العُقُوبَةَ في الدُّنيا)) .
تفاصيل قصة الظهار الثانية
فالثَّاني من الأنصار ذهب إلى النبي ﷺ قال له: يا رسول الله أنا من خوفي أن أفطر من الاتصال الجنسي مع زوجتي حرّمتها على نفسي! ومع ذلك غلبتني نفسي ووقعت فما الحل؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: وأنتَ الذي فعلتها؟ –بهذا المعنى- قال له: نعم فعلتها، قال له: فعلتَها؟ قال له: فعلتُها، مرة ثالثة قال له: فعلتَها؟ قال: نعم فعلتُها، قال له: أعتِق رَقَبة، قال له: والذي بَعَثَك بالحق لا أملِكُ غيرَ هذه، قال له: صُم شهرينِ مُتتابِعَين، قال له: يا رسول الله شهر رمضان لم أستطِع تحمّله! كيف سأتحمَّل ستين يومًا ومتتابعين! حلفت يمين الظهار وحرَّمتها على نفسي ولم أستطع! لم يوبّخه النبي ﷺ، لم يقل له يا قليل الأدب يا قليل الدّين -صلى الله وسلم على مُعَلِّمِ الناس الخير- قال له: فأطعِم سِتّينَ مِسكينًا، قال له: والله أنا وزوجتي مثلنا مثل الوحوش في المغارة، بيت المغارة هل يوجد فيه شيء يبيت عندهم؟ قال له: اذهب إلى بني زريق -عشيرته.. كانت كل عشيرة وكل قبيلة لها مفاوض عن النبي ﷺ كبيت مال يجمعون الزكاة والصدقات حتى تُرَدَّ على فقرائهم وأصحاب الحاجات، قال: ((فليعطوك صَدَقاتِهِم فَتُكَفِّرُ منها وما زاد عنها فكُلْه أنت وعيالُكَ)) -صلّى الله عليك يا سيّدي يا رسول الله- أذنبَ؟ نعم أذنب، أخطأ نعم أخطأ، لكن أيضاً ينال مساعدة حتى تُؤدّى الكفّارة، مهما كانت الظروف حتى ولو أنَّ المجتمع اجتمع وساعده لِيُكفِّر عن خطيئته، ولو من مال الدولة حتى يبقى القانونُ حيًّا لا يموت، فأخَذَ الزكاة وبقدر الكفّارةِ على خمس مرات وذلك على حسب ما وجد، ورجع لقومه مؤنِّباً قال لهم: طلبتُ إليكم أن تسألوا لي رسول الله ﷺ فوجدتُ عندكم الشِّدَّة والغِلظةَ والجفوةَ وسوء الرأي، ووجدّتُ عند رسول الله ﷺ السَّعةَ والرَّحمةَ والحنان والبركة! أمرَ لي بصدقاتكم كلِّها ، ودفعت الكفّارة وزاد عندي وكما يُقال: “موتوا بغيظكم” -صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله- ما أحلى أن نَتَخَلَّقَ بأخلاقه كدعاةٍ ومعلمين في الأخلاق وفي المعاملات وفي الحلم على المسيء وعلى المذنب، وفي سِعة الصدر.
أحكام الظهار من أجل أن تصيروا مؤمنين
﴿ذَٰلِكَ﴾ يعني هذا البيان في القرآن عن أحكام الـمُظاهِر من تأنيب وتوبيخ وجزاء نقدي ﴿ذَٰلِكَ﴾ هذه الأعمال ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ كي تصيروا المؤمنين الحقيقيِّين وحتَّى لا تقوموا بمثل هذه الأعمال الشائنة الظالمة الجائرة على المرأة فتظلموها وتظلموا أنفسكم، فالمؤمن الحقيقي هو الذي لا يظلم ولا يجور ولا يتعدّى ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الدولة إذا وضعت حاجزًا في ثَكَنة عسكرية أو في دائرة رسمية هل يستطيع أحد أن يتجاوز الحاجز ويدخل دون إذن ودون موافقة؟ وإذا دخل يُعتَبَر مخالفًا ويُعاقَب على حسب ما يقتضيه الحال، ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مع أنَّ سياق الآيات ليس فيه كفر ولم يذكر الكفَّار، ولكن كما ورد في غير هذه المناسبة قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تَرك الصلاة فقد كفر)) ، يعني كفر بوجوب وفرضية الصلاة، يعني لو آمن إيمانًا جازمًا بأنَّ الصلاة فرض من الله، والله هو الله الملك القدوس ما كان يجرؤ على ترك الصلاة، فما دام قد تركها فقد كفر بفرضيّتها، ثمَّ قال الله أيضًا: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ يعني بما ورد بهذه الآيات بأن لا يُظاهِر، لأن الظِّهار سماه الله “منكرًا من القول وزورًا” ومن ارتكب هذا المنكر وهذا الزُّور فقد كفر بهذه الآيات التي تنهى عن الظِّهار وعن إيذاء الزَّوجة بهذا العمل المؤذي والظّالم ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
من حارب الله ورسوله خسر
ثمَّ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الذي يجعل نفسه في جانب، والله جل وعلا والنبي ﷺ في جانب ويريد أن يحارب ويقاتل الله ورسوله، يعني بمعصيته لله ورسوله، كأنه صار هو أحد الفريقين والله جل وعلا والنبي ﷺ هم الفريق الثاني، ﴿كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ إذا أراد شخص أن يحارب الله، وذلك بمعصيته لله وبمجاهرته للمعصية سواءٌ فيما بينه وبين الله أو فيما بينه وبين زوجته، أو بينها وبين زوجها، ومع جاره وفي بيعه وشرائه، أو يَكفُر جُملةً وتفصيلًا بما أوحى الله سبحانه وتعالى وبما سنَّهُ رسول الله ﷺ وكل شيء، فالآية الثانية تشمل الكفر العمومي، فالمشركون والوثنيون الكفار ومشركوا العرب سيخزيهم الله ويكبِتُهم ويُذلهم وسيرجعون من المعركة مقهورين مغلوبين مهزومين ﴿كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ لا يستطيع أحد أن يعادي الله سبحانه والنبي ﷺ، وكما ورد في الحديث القدسي: ((من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب)) .
﴿وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ تُوضِّح للإنسان الطريق المستقيم وطريق السعادة، واللافتات تدلُّ على أنه من هنا إلى النَّعيم ومن هنا إلى السَّعادة ومن هنا إلى النجاح ومن هنا إلى رضاء الله، وآيات ثانية من هنا إلى جهنَّم ومن هنا إلى الشَّقاء ومن هنا إلى التَّعاسة ومن هنا إلى اللعنة ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ﴾ فللكافرين الذين لا يؤمنون عذاب في الدُّنيا أليم، وفي الآخرة ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أو في الدنيا والآخرة أليمٌ ومهين.
أسماء السور وآيات القرآن تدلُّ على إكرام الإسلام للمرأة
هذه السورة من جملة السُّور التي أعلنت الثورة والانتصار لحقوق المرأة، ففي سورة البقرة أشياء كثيرة لحقوق المرأة والانتصار لها، وفي سورة النساء، والسورة كلها سُمِّيَت بالنساء، وهي من السور الطوال دفاعًا عن حقوقها والبيان لآدابها وما لها وما عليها، وسورة المجادلة، والسورة كلها سمِّيَت بالمجادِلة دفاعًا عن حقها، هذا شيءٌ مُشَرِّفٌ.. هل قال لها النبي ﷺ اسكتي ألا تخجلين من نفسك؟ لا، بل قال النبي ﷺ: ((إنَّ لِصاحب الحقِّ مقالًا)) ما أعظم هذا الإسلام قانوناً وعدالةً وإنصافًا للمرأة وللعبد وللضعيف ولمن لا ناصرَ له، وللمسكين وللغريب ولغير المواطن ((الخَلْقُ كُلُّهُم عيالُ الله)) فهل من حاجة لنقلِّد أميركا أو روسيا ونأتي بالتَّشريع من عندهم، فهذا يصير شيوعيًّا، وهذا يصير ملحدًا وهذا يصير إباحيًّا وهذا يُحضر لنا مرض الإيدز!
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.. نسأل الله أن يجعلنا مسلمين يا بني! والمسلم الذي يريد أن يتعلم الإسلام.. هل يمكن لمن يريد أن يتعلَّم قيادة السَّيَّارة أن يتعلمها من غير سائق معلِّم؟ وهل من الممكن تعلُّم السباحة من غير معلِّم؟ والنِّجارة من غير معلّم؟ ومع وجود المعلِّم هل تكون بالطاعة أم بالنشوز؟ وبالصُّحبة أم بعدم الصُّحبة؟ وبالملازمة أم بالمفارقة؟ فهنيئًا مئة ألف مليار مرة لمن يكون له بهذا الزمان مُعَلِّمًا مرَبّيًا مزَكّيًّا حكيمًا.. ونسأل الله أن يرزقنا شكر هذه النّعمة ولا يجعلنا من الكافرين بها أو الجاحدين لها “قَيِّدوا نِعَمَ الله بالشُّكر” ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه.