تاريخ الدرس: 1981/05/17

في رحاب الآداب والأخلاق

مدة الدرس: 01:24:15

في رحاب الآداب والأخلاق (120): الصدق والكذب

كلمة الشيخ في مقدمة الدرس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معنى كَتَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ علينا

يقول: “هكذا كتب الله علينا”، ويُفهم من هذه العبارة أن الله قد أجبرنا، وليس لنا خيار في أفعالنا، ولكن هذه العبارة لا تعني أن الله قد أجبرنا، ومعنى: كتب الله، أي عَلِمَ الله علماً أزلياً بأنك ستفعل الفعل الفلاني بإرادتك واختيارك لا بإجبار الله وإكراهك، كما يقال: “كاسات محدودة بأماكن معدودة” ليس المعنى أن الله تعالى قد فرض عليك وأجبرك، وإنما أن الله تعالى يعلم إنك ستفعل كذا بإرادتك، وإلا إذا كان هو من أجبرك، فكيف بعد ذلك يعاقبك؟! فمن يقبل ذلك؟ فأنت لا تقبلها حتى من البدوي، كما لو قلت لفلان: “انتبه إياك أن تنزل في النهر، وإن نزلت فيه سأضربك عشرين عصاً، وبعد ذلك دفعته إلى النهر، ثم قلت له: “لماذا نزلت في النهر؟ “سيقول لك: “أنت الذي دفعتني”، تقول له: “أنت الذي نزلت في النهر”، فيقول لك: “لا بل أنت الذي دفعتني”.. أهكذا نفهم معنى: كتب الله؟ فهل “كتب الله” بمعنى أجبر الله؟ لا، فنحن لا نقبل هذا حتى لو صدرت من بدويّ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ [سورة هود: 101]، هل هذا ظلم من البدوي أم ليس بظلم؟ لقد تنشأت أجيال على خطأ عقائدي؛ لذلك تجد فاسقاً ليس عنده هذه العقيدة فتراه يشتغل وينجح بالعلم والثقافة والمال والاقتصاد، وترى المتدين لا علم ولا اقتصاد ولا مال ولا ثروة ولا عقل ولا فكر وهو يحمل مسؤولية الدين؛ فالنتيجة أنه فَشَل الدين.. هناك غلطات قاتلة وماحقة ومهلِكة، كما لو وقف أحدهم في أعلى البناء في الطابق العاشر ودفع رجلاً من فوق فنزل إلى الأسفل وقد تحطَّم، تقول له: لماذا فعلت هذا؟ يقول: كنت أمزح معه وقد غلطت، فما المشكلة في أن يغلط أحد وهو يمزح؟ فأنا أمزح.. بعد أن قتل الرجل يقول إنه يمزح، فليس كل غلطة تكون عذراً للإنسان أن يُعفى من مسؤوليتها، وإنما يجب أن يتحمل كامل المسؤولية.

علة المسلمين فقد الشَّيخ

لذلك فإن عِلّة المسلمين كلّها هي فقد الشَّيخ، والشَّيخ ليس بعمامة وجُبّة ولحية.. لماذا يأتي الشباب الآن إليّ من بيروت؟ ما الذي أتى بهم؟ وقد تركوا بيوتهم، فمثل هؤلاء تجدهم عادة في الحانات والشوارع وأماكن الخمر والزنا، ويُمكن أن يكون منهم من كان هكذا سابقاً، ولكنه لمّا ذاق حلاوة الإيمان، هل ذاق حلاوة الإيمان فقط؟ بل وجهه الشَّيخ في الحياة أيضاً، فقد كان جيب أحدهم مثقوباً لا يبقى فيه مال، يضع المال اليوم وفي اليوم الثاني لا يُبقي منه شيئاً، فقام الشَّيخ بترقيع جيبُه، فصار يضع المال فلا يفقده، أليس كذلك؟ كان مريضاً فأصلح الشَّيخ له صحته وكان له أفضل من الطبيب، وكان أحدهم يشرب الخمر ويسكر ويُفسُق، ولا يثقُ به أحد ولا يُشغلّه، ولا يأمن له أحد ولا يُعامله، فأرجع له الشَّيخ قيمته الاعتبارية، وأرجع له قيمة شخصيته، كان رخيصاً بين الناس فصار موضع الثقة والطمأنينة، ليس هذه الأمور فقط، فهذه مسائل شخصية، والإسلام فوق المسائل الشخصية.. أسأل الله أن يُهيئ للمسلمين المُعلّم المهندس المُربي.. فالشَّيخ هو الذي يربّي قلب المريد وإيمانه وروحه وعقله وفكره وحكمته، وهو الذي يبني له اقتصاده فلا يتركه فقيراً، يُربيه ليكون نظيفاً فلا يكون قذراً ولا وسخاً، ويجعل كل النَّاس يحبونه، لأن: ((الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ)) 1 فكيف تجعل النَّاس يحبونك؟ وعلى ماذا يحبونك؟ هل سيحبونك على الفظاظة والكذب وضياع الحقوق والجَفاء والمنطق القبيح؟ هذا لا يصلح أبداً.

فإذا قلت لك بأن الشَّيخ هو الذي أوجدك، فهل كلُّ وُجُوْد هو وُجُوْد، وهل كل حياة هي حياة؟ فهل حياة صغير الضفدع هي حياة؟ وحياة الكلاب على المزابل حتى الجِيَف لا يجدون ما يأكلون، فهل هذا غذاء؟ حتى لو كان خروفاً محشواً بقيَّ سبعة أو ثمانية أيام على المزبلة، وقد انتفخ ورائحته الكريهة ظاهرة، مع أنّه خروف محشو، ولكن هل هذا غداء؟ وفي الجهة الأخرى يوجد في مطعم الأمراء من يتغدى خروفاً محشواً وعليه الفستق واللوز والصنوبر، وكذلك حلويات مُشَكَّلة أشكالاً وألواناً وفواكه، [أفخم الأطعمة]، فهذا غداء وذاك غداء، وهذه حياة وتلك حياة، وهذا وجود وذاك وجود، [ولكن شتّان بين هذا وذاك].

الشَّيخ هو الوارث عن النَّبي ﷺ

من هو الشَّيخ؟ هو الذي اقتبس أعماله وسلوكه وحكمته من أفعال وحياة وسلوكية النَّبي ﷺ، وهذا -يا بنيَّ- أندر أندر أندر من النادر، فإذا استطعتم أن تفعلوا هذا، فقد فعلتم شيئاً عظيماً من جهة، ومن جهة أخرى لم تفعلوا شيئاً، “لأنه إذا أراد إظهار فضله عليك، خلْقَ الفضْلَ ونسَبَهُ إليك”.. أنا في البيت كان بين يدي كتاب أحكام شرعية، وكتاب أخلاق، فسألت الإخوان، قُلت: “ما رأيكم أعطيكم درساً في الأخلاق أم في الأحكام الشرعية؟” قالوا: “في الأخلاق”، فأنتم الذين اخترتم ولست أنا الذي اخترت، وسأقرأ لكم اليوم في موضوع الصدق، هل هذا جيد؟ هذا كتاب (المحاسن والمساوئ)، يجب أن يتوفر لديكم هذا الكتاب، هل الأخ محمد شيخاني هنا؟.

الدرس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الصدق عزة

قال بعض الحكماء -يعني مِن الذين أُوتوا الحكمة- والحكمة: هي وضع الشيء في محلّه، وأداء الواجب على الشكل المناسب الذي يُحقق الفلاح والنجاح، فهذه هي الحكمة العملية، والحكمة العلمية أن تعرف كيف تتصرف في الأمور، وكيف تضع الأمور في نصابها.. قال بعضُ الحكماء: “عليْك بالصدق”.. ما إعرابُ عليك؟ اسم فعل أمر، يعني الزم والتزم الصدق.. “فما السيفُ القاطع في كفِّ الرجل الشجاع”، كما لو كان السلاح في يد رجلٍ شُجاع، وعدوه أمامه، بماذا يشعُر هذا الشجاع الذي يحمل هذا السلاح الفعّال؟ -أنت الأستاذ عبد الحليم، أليس كذلك؟ أنا مشتاق لك ومشغول البال عليك، أهلاً وسهلاً.

قالوا: “فما السيفُ القاطع في كفِ الرجل الشجاع بأعزَّ مِن الصدق” عندما يكون الإنسان أمام عدوهُ وهو شجاع ويكون بيده سلاح هل يُذل أمام عدوه؟ فهكذا الصدق، يُعزُّ صاحبه أكثر من عِزة الرجل الشجاع وبيده السلاح الماضي [الفعّال] أمام عدوّه.. “والصدقُ عزٌ وإن كان فيه ما تكره”، حتى لو لامك النَّاس على صدقك، أو فاتك بعض الفوائد والمنافع، ولكنك عندما تشتهر بينهم بالصدق ستأخذ أرباحاً أكثر مما خسرت.

كالفلاّح عندما ينثر القمح في التراب هل يخسر أم يربح؟ يضع مئة كيس من القمح في التراب، فالذي لا يعرف قانون الزراعة يقول: انظر إلى هذا المجنون الأحمق رمى مئة كيس في التراب! وهو يقول أنه سوف يجمع عوضاً عنها ألف كيس، وهو لا يستطيع أن يعيد كيساً واحداً منها.. فهذا الذي يتكلم لا يعرف قانون الزراعة، قلّ له: اصبر وسترى، وبعد شهر سيرى ظهور بعض الحشائش الصغيرة، يقول لك: هذه حشائش صغيرة، قل له: اصبر، وبعد فترة سيرى الحشائش صارت أطول بِشِبْر، فهذا لن يُصدق حتى يرى الحصاد، وهكذا كل شيء يحتاج إلى وقت، فلا تظن أنك إذا تزوجت سترى بعد ليلة عرسك بأيام ولداً له شارب كقرون الجدي، فحتى يصير لك ولد يحتاج الحمل إلى تسعة أشهر، ويلزمُه عشرين أو ثلاثين سنة حتى يصير له شارب.

الصدق يمنح قوة الوقوف على الصواب

قال: “والصدقُ عزٌ وإن كان فيه ما تكره، والكذبُ ذُلٌ وإن كان فيه ما تُحب”، فلو أخطأت قل: “أنا أخطأت، أنا أذنبت” حتى لو لامك الناس، وحتى لو شعرت في نفسك بأنه يُنظر إليك بنقص، ولكن بعد مدة سيقول كل النَّاس عنك بأنك صادق، وكذلك التزامك بالصدق يجعلك لا تقع في الأخطاء والذنوب؛ لأنك تعرف أنك ستصدق وسيظهر أمرك للناس ولو بلسانك؛ فهذا سوف يُنقصك بين النَّاس، ولكنه سيعطيك قوة تمنعك وتلجُمك عن فعل القبيح، أما إذا عرفت أنك ستكذب فهذا يجعلك تُقدم على الأخطاء والخطيئات وعلى الأغلاط، وستشتهر بعد ذلك بالكذب، وستفقد ثقة الناس بك؛ فلن يُصدّقك أو يُعاملك أحد بعد ذلك، فعندئذ تُضر نفسك في دُنياك وآخرتك.

قال: “والصدق عزٌ وإن كان فيهِ ما تكره”، يجب أن يكون للشَّيخ في الأسبوع درس فقه، ولكن هذا بعد أن يكون للمريد درس قلب في الإيمان والذكر، فإذا صار عند الأحباب قلّب وذكر، عندها يُعمل لهم درس في تفسير القرآن، ودرس في الفقه ودرس في الحديث، ودرس في السيرة النبوية ودرس في الأخلاق، والذي يتعلم اللغة العربية يستطيع وحده أن يُطالع ويُراجع، ويصير بعد ذلك عالماً.

ومَن عُرف بالكذب أُتُهم بالصدق

“الصدقُ عزٌ وإن كان فيه ما تكره، والكذبُ ذُلٌ وإن كان فيه ما تُحب”، فانظر لنفسك وقل لها: “أنت في هذا العمل كاذبة”، فسترى نفسك قد صغرت بنظرك، فكيف لو عُرف عنك الكذب في نظر الآخرين؟ “فعليك بالصدق وإن كان فيه ما تكره، والكذبُ ذُلٌ وإن كان فيه ما تُحب، ومَن عُرف بالكذب” فاشْتُهِر بين الناس بالكذب، قال: “أُتُهم بالصدق” أي حتى لو صدقت لم يبقَ أحد يُصدّقك، تقول: “والله إني صادق” ولكن انتهى الأمر؛ لأنك كذبت أول وثاني وثالث وعاشر مرة.

يُروى في خبرِ جُحا أنه استيقظ في الليل وأصبح يصرخ: “حريق، حريق”، فهرع النَّاس على صوته فأتوا بالمساعدة وبأيديهم الماء؛ هذا بقُربة وهذا بالدلو، وإذا بهم لم يجدوا شيئاً، ووجدوا جحا على السطح يضحك على النَّاس، ويقول: “أنا أمزح معكم”.. لماذا لم يقل: كذبتُ عليكم؟ بعد أشهر أو سنة وقد نسي الناس عمله فَعَل الشيء نفسه، وصار يصرخ: “حريق، حريق”، فأتى النَّاس بالماء للمساعدة، وإذا بهم لم يجدوا حريقاً، وعاد يضحك على النَّاس، وبعد أسبوعين اندلع حريق في بيته، خرج يصرخ: “حريق، حريق” ولكن هذه المرة لم يأتِ أحد لكذِبه، وأصبح النَّاس في اليوم الثاني ورأوا بيته قد تحول إلى رماد.. “ومَن عُرف بالكذب أُتُهِم بالصدق” أي لا يقبله أحد حتى لو كان صادقاً.. يجب على الأم أن تُربي أولادها منذ الصغر على الصدق وعدم الكذب، فلا تكذب عليهم، فإذا قالت له: سوف أعطيك حلوى، فيجب أن يكون عندها حلوى، أو سأعطيك مُلَبَّساً [نوع من الحلوى عبارة عن لوز مغطىً بالسكر] يجب أن يكون عندها ملبّس، وكذلك يجب على الأب أيضاً أن يربي أولاده في البيت.. فقد نجح الأوربيون بهذه الأخلاق، وهذا هو الإسلام، وهم قد طبقوّا منه الإسلام الأخلاقي، بينما المسلم لا يعرف من الإسلام إلا أنه يُسمى مسلماً، ولكنه لا يعرف ما هو الإسلام.

الصدق ينفع حيث ظننت به الضرر

قال الشَّعْبِي: “عليك بالصدق حيثُ ترى أنه يضُرك” أي ولو اعتقدّت أنك سوف تتأذى وتتضرر من صدقك، فالزم الصدق، “عليك بالصدق حيثُ ترى أنه يضُرك؛ فإنه ينفعك” أنت تظن أنك سوف تتضرر، لا، فالصدق لا يضر.. وقد تتضرر الآن، فالقمح الذي بذرته ضاع الآن في التراب، ولكن بعد ذلك ستنتفع منه، “عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك؛ فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك”، إذا اعتقدت أنك بهذه الكذبة سوف تستفيد وتنتفع وتربح.. كما لو كنت بائع سمن، وقلت للزبون: إن هذا السّمن حمويّ؟ [نسبة إلى مدينة حماة في سورية تشتهر بالسمن الأصلي]، فسوف تبيع الكيلو غرام منه بثمانية وثلاثين ليرة أو بأربعين ليرة، وإذا قُلت له: إن هذا السمن مخلوط سوف يعطيك نصف السعر، “فعليك بالصدق حيث ترى أنه يضُرك؛ فإنه ينفعك”، فإذا قلت له: إن هذا السمن سمناً بلدياً وكنت تكذب، فسوف يصدقك الناس مرة أو مرتين أو ثلاث مرات، ولكن بعد ذلك ستنكشف أمامهم، وإذا انكشفت سوف تُشتهر بين النَّاس بالكذب، وسيترك النَّاس التعامل معك ويقاطعونك، عند ذلك ستغلق الدكان، ولن يقبل أحد بك [أن تعمل عنده] حتى ولو أجيراً بعد أن كنت صاحب محل.

“عليك بالصدق حيثُ ترى أنه يضُرك؛ فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك”، احذر الكذب ولو كُنت ستكسب الآن، اخسر ودْع بعض المنافع تذهب منك، ولكن اكسب شرف الصدق، وخذ رأس مال الصدق، وأما الكذب وإن رأيته ينفعك الآن، فاتركه وإن تضررت، ولكنك في المستقبل ستحصد النفع.. هذه الحكمة للإمام الشعبي قال: “عليكَ بالصدق حيث ترى أنه يضُرك؛ فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك”.

الصدق مروءة

وقال حكيمٌ آخر- أين هذا الحكيم الذي يُداوي النَّفس؟ فهناك طبيب يُداوي الجسم كالطبيب البيطري، فهو يداوي الحمار، فهذا يُداوي من الحمار جسمه، ولكن هل يوجد طبيب للنفس يُداوي الحمار فيجعله إنساناً؟ فالإنسان يحتاج إلى طبيبَين، طبيب للجسم وهذا هو طبيب الدّواب، وطبيب للنفس وللقلب وللروح وللعقل وللفكر، وهذا يسمى حكيماً- وقال حكيمٌ آخر: “ولو لم يترُك العاقل الكذب إلا مروءةً لقد كان حَقِيْقَاً بذلك”، أي لو أن العاقل لم يترك الكذب من أجل الدّين والإيمان لكان مروءة منه؛ ولأن الإيمان يتنافى مع الكذب، فلا يجتمع الإسلام والكذب معاً، ولا يكون المسلم كاذباً، وكذلك المسلمة لا تكذب لا على زوجها ولا على ابنها ولا على جارتها ولا على أي إنسان، والجزار المسلم لا يكذب، ولا القاضي المسلم، ولا يكذب العدو على عدوّه، قال: “لو لم يترك العاقل الكذب إلا مروءةً” أي كرامة وتكريماً لنفسه؛ لأن الكذب يُهين الإنسان ويحقرّه، إلا إذا مات شعورُه ووجدانه وإنسانيته فيصير الأمر عنده سِيان، كالذي يأكل البقلاوة ويأكل من المستعملة التي يبول بها الصغار؛ لأن هذا فقَدَ إنسانيته وصار مثله كمثل الكلب، ألا يأكل الكلب من وسخ الإنسان؟ فإذا صار الإنسان أيضاً يأكل من وسخ نفسه فما الفرق بينهما؟ فالنجاسة النفسية والخُلقية أبلغ [أخطر] من النجاسة الحسيّة، لأن النجاسة الحسّية تذهب بالصابون، أما النجاسة النفسية والخُلقية قد تُنجسك طوال حياتك، وتستمر معك من دنياك إلى آخرتك، وإن كنت لا تريد أن تترك الكذب من طريق الدّين والإيمان والإسلام فاتركه من باب المروءة.

من أخلاق الجاهليين الصدق مروءةً

لمّا استدّعى هرقل ملك الروم أبا سفيان وسأله عن النَّبي ﷺ وعن أوصافه، قال: “أردت أن أكذب”، أي أن يُشوه صفات النَّبي ﷺ، “ولكن خفْتُ على مُروءتي أن يُروى عني الكذب أو أُنسب إلى الكذب” 2 ، هذا وثني وعابد صنم! هكذا كانت أخلاق العرب قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام أبقى ما فيهم من مكارم وأكمل ما نقصهم.. تجد المسلم بهذا الزمان ليس فيه حتى أخلاق الجاهلية.. فأبو سفيان يقول: “لولا أن يُروى عني الكذب لكذبت”، فكان مما سأله: “هل أصحابه يزيدون أم ينقصون؟” فأراد أن يقول ينقصون ولكنه خاف من أن يُسجَل عليه الكذب، فقال: يزيدون، ولكننا لا نعرف ماذا سيحصل بعد ذلك.

فالحقيقة هي الصامدة، ولكنك يجب أن تعطي الحق حقه من النصرة، فالحق لا ينتصر وحده، وإنما يحتاج إلى الحكمة والوقت والانتظار والقابلية، “لا تُعْطُوا الحِكْمَةَ غَيْرَ أهلها فَتَظْلِمُوهَا، فمعطي الحكمة لغير أهلها كالذي يُقلّد الخَنَازِير الدُّرَّ والجواهر” 3 ، فإذا وضعت عقداً من الماس في رقبة الخنزير سيبقى خنزيراً، فماذا استفاد الخنزير وماذا استفدت أنت؟ بل أنت الذي تضررت، فإذا أعطيته لزوجتك كان ذلك أفضل، ولكن بشرط أن تكون من بني آدم لا أن تكون من الخنازير [الذين لا يُقَلَّدون الدُر والجواهر].

صدق أبي ذرّ رضي الله عنه

قال: “لو لم يترك العاقل الكذب إلا مروءةً لقد كان حقيقاً بذلك، فكيف وفيه المأثم والعار” أي في ذلك معصية لله وخسارة للديّن، ثم بعد ذلك ستعير أمام النَّاس وتُنتقص، وسيقولون عنّك بأنك كذاّب وستخسر ثقة الناس فيك ولن يعاملك أحد، حتى تصير رخيصاً وعديم القيمة.. قال النَّبي ﷺ: ((مَا أظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ -السماء- وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ -الأرض- عَلَى رَجُلٍ أصْدَقَ ذِي لَهْجَةٍ مِنْ أبِي ذرٍّ)) 4 فقد كان مشهوراً رضي الله عنه أنه لا يمكن أن ينطق بكلمة إلا وهي صدق فهو لا يعرف الكذب.

صدق العباس رضي الله عنه

ومن الصادقين أيضاً سيِّدنا العباس رضي الله عنه عمّ النَّبي ﷺ ((نزل جبريل مرةً إلى النَّبي ﷺ، وقال له: هذا عمك العباس؟ قال: نعم، قال: إن الله يأمرك أن تُقرِئ عليه السَّلام -إذا كان أَقْرَأَ فعلاً رباعياً فيكون تُقْرِئَ عليه السَّلام- وتُعلِمه أن اسمه عبد الله الصادق وأن له شفاعةً يوم القيامة))، أي أن اسمه في الأرض العباس، واسمه في السماء عبد الله الصادق، وأيضاً له الشفاعة يوم القيامة، فأخبره النَّبي ﷺ بذلك، فتَبسمَ العباس رضي الله عنه، فقال له النَّبي ﷺ: ((إن شئْتَ أخبرتُك مما تبسّمت، وإن شئْت أن تُخبرني لماذا تبسّمت))، فقال: ((بل أحبُّ أن أسمع منك يا رسول الله لماذا تبسّمت أنا حتَّى أزداد فيك إيماناً))، أي طالما أنت تعرض علّي ذلك فأنا أريد أن أعرف منّك، فأنا أعرف لم تبسّمت وأريدك أن تحكي لي، قال: ((لأنّك لم تحلف يميناً في جاهلية ولا إسلام بَرَّةً ولا فاجرةً))، لأنك لا تحلف يميناً لا لإثبات صِدقك ولا تحلف وأنت كاذب، هذه واحدة، والثانية: ((ولم تَقلُ لسائلٍ: لا)) أي إذا سألك أحدهم حاجة أو مساعدة أو سألك إسعافاً فلا تُخيِّبُه فتُلبيّ كلَّ داعٍ وتعطي كلُ سائل وتُعين كل مُستعين، قال العباس رضي الله عنه لرسول الله ﷺ: ((والذي بعثك بالحق ما تبسّمتُ إلا لذلك)) 5 .

صدق زياد بن أبيه

وَقدم زِيَاد على مُعَاوِيَة، هذا زياد ابْن أَبِيه؛ لأن أبا سفيان كان في الجاهلية قد وطئ امرأة بالزنا وأتى منها بزياد، فلم يعترف أبو سفيان بنسبه، وإنما اعترف به سيِّدنا معاوية وبأنه ابن أبي سفيان، لذلك فكانوا يقولون عنه زياد ابن أبيه، فلعلّهُ لم يكن ابن أبي سفيان لذلك كانوا يقولون: زياد ابْن أَبِيه، قال: وَقدم زِيَاد على مُعَاوِيَة، فَلَمَّا طَال بِهِم الْمجْلس حَدَّثهُ زياد بِحَدِيث فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: “كذبتَ”، فَقَالَ زِيَاد: “مهلاَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فوَاللَّه مَا حَلَلْتُ للْكَلَامِ حبْوَةً إِلَّا على بيعَة الصدْق وَلم أكذب”، والحبوة هي جلوس الرجل على مؤخرته، وضم رجليه بيديه، فهذه جلسة الحبوة، أي أني لمّا بايعتُك على الخلافة بايعتك على أن أكون صادقاً معك، فعَقَدُّت هذا العقد كالذي يربط رجليه بيديه في جلسة الاحتباء، فأنا لم أفك هذه العقدة التي عقدتها معك، “ولم أكذب، وحياة الْكَذِب عِنْدِي موت الْمُرُوءَة” أي أن الكذب عندي هو موت المروءة، فأكون قد قتلت مروءتي ولم يعد عندي لا مروءة ولا شرف؟

أخلاق المسلمين اليوم

فانظر -يا بنيَّ- كيف كان حال المسلمين في ذاكَ الزمان، وإلى أي منحدر وصلَوا اليوم، المسلم اليوم لا يعرف الأخلاق ولا شيئاً منها، فهو لا يعرف المروءة ولا العار ولا الإثم ولا الحرام ولا فضائل الصدق، ولا يعرف أستاذاً ولا مربياً، فقد جعل المقهى مدرسته، وماذا يوجد في المقهى وفي السينما وفي التلفاز وفي السهرات؟ ويا ليتها تكون مجالس لغو، مع أن اللهُ عزَّ وجلَّ وصَفَ المؤمنين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [سورة المؤمنون: 3]، وإنما هي مجالس الإثم والعار والجهل، مثل صغير الضفدع الذي يعيش في المستنقعات فماذا يخرُج منه؟ وهل تجد الشحرور [طائر غريد يُضرَب المثل بجماله] في المستنقعات؟ وهل تجد السمك الغالي في مياه المجاري؟ فهذا هو حال المسلمين الآن؛ لأنه لا يوجد شيخ، وإن وُجِد الشيخ فهو غير ذي كفاءة ليصير شيخاً حقيقياً.

وعندما يرى المسلمون الشَّيخ وقد صار بهذا المستوى من عدم الكفاءة لم يعُد له قيمة عندهم، والحال الآن صار ضد الدين، فلو أتى الشَّيخ الحقيقي فلن يصدّقوه كما حصل مع جُحا عندما احترق بيته ولم يصدّقوه، وكذلك إذا قلنا لهم هذا هو الشيخ الحقيقي لن يصدقوا؛ لأن الشَّيخ صار مفقوداً، كان الشَّيخ الفقيه منذ أربعين أو خمسين سنة يُعلم الفقه والوضوء والطهارة والنجاسة جزاه الله خيراً، وكان الشيخ الصوفي يُعلم الأخلاق والربانيات، ولكن لا يعلم الحياة والزمن والعصر والاقتصاد والقوة والثقافة ووحدة الكلمة وجمع المسلمين، فقد دخلت علينا سموماً من الأعداء منذ ألف سنة مزقّت المسلمين شرَّ مُمزق، كيف سنزيل هذه الجراثيم التي أوهنتنا وأفقدتنا قُوْانا وضيّعت علينا وحدتُنا؟ ونحن الآن نزيدُها تمزيقاً وتفريقاً بالبغضاء والشحناء والعداوات والتقاتل، وأين هو العدو؟ هو في سمائنا وأرضِنا، نحتاج إلى شيخ فأين هو هذا الشَّيخ؟ الشيخ الآن كما قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة يس: 78]، هل سيُحييها بالدنيا أم في الآخرة؟ نحن نريد ذلك الشيخ وذاك الإحياء في الدنيا قبل الآخرة- أسأل الله أن يحيي هذا الرميم- فَقَالَ زِيَاد: “مهلاَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فوَاللَّه مَا حللت للْكَلَام حبوة إِلَّا على بيعَة الصدْق وَلم أكذب”، أي أنا بايعتك على أن أكون صادقاً معك، “ولم أكذب، وحياة الْكَذِب عِنْدِي موت الْمُرُوءَة”، فاستحياه مُعَاوِيَة رضي الله عنه، وَقَالَ: “يغْفر الله لَك يَا أخي، فَكَأَنِّي أرى بك حَرْب بن أُميَّة -أبا سفيان- فِي جميل شِيَمِه وكرم أخلاقه” 6 .

أكمل الإسلام مكارم الأخلاق

هكذا كانوا في الجاهلية فيهم جميل الشيّم والطِباع وكريم الأخلاق، ولما أتى الإسلام أكمل ما نقصهم، وزاد ومَتّنَ ما هم فيه من المكارم، فبالأخلاق مع العلم ومع العقل الحكيم سادوا، في البداية حرروا أنفسهم وتوحدوا ثم بعد ذلك حرروا الشعوب، وكانت هذه البلاد والشعوب تحت الاستعمار وظلمه وغشمه وجوره، وكانت نصرانية، ولكن لمّا عُرف عن الإسلام عدالته وإنسانيته وفضائله كانت الشعوب تعمل ضد حكوماتها النصرانية، وتُعاوِن المسلمين على فتح البلاد، فأتى الإسلام والمسلمون في فتوحاتهم مُحررين للشعوب من الجهل والفقر والظلم والاستبداد والاستعمار؛ فلمّا رأوا الإسلام توحدوا عقيدةً، فمن ذا الذي يكره العدل والإنصاف والتواضع؟ فقد رأوا أن رجل الدولة والخادم في الإسلام سواء، فإذا كان هذا هو الدين، فمن الذي يرفضه؟ ومن ذا الذي يرفض الأخلاق والتقوى والإيثار والزكاة والصدقات والعدل والعلم والحكمة والحضارة؟ فهذا هو الدين! لذلك دخلت الشعوب كلها في الإسلام، ولمّا أساء العرب تصرُفهم ورجعوا عن إسلامهم أخرجتهُم الشعوب، ولكنها لم تترك الإسلام، وهذه هي عظمة العروبة المسلمة، فهل يوجد الآن أخلاق العروبة كأخلاق أبي سفيان في الجاهلية؟ وهل يوجد كأخلاق زياد؟

الاستثناءات تكون حال الضرورة

إن الإسلام مَرن لا جمود فيه، فقد حَرُم الكذب لأن فيه ضرراً للكاذب وضرراً للآخرين، ولكن هناك ظروفاً استثنائية، فالعسل كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [سورة النحل: 69]، وكلمة “شفاءٌ” هنا نكِرة، فليس فيه كل الشفاء في كل الأحوال.. فإذا كان الشخص مريضاً بالسكري، وأكل عسلاً، فهذه السكريات تحتاج إلى مادة الأنسولين لحرقها، والبنكرياس الذي ينتج هذه المادة لا يعمل؛ ففي هذه الحالة سيُهْلِكُه العسل، إذاً هناك استثناءات، فالقيام في الصَّلاة فرض، ولكن إذا كنت مريضاً فيصح أن تترك الفرض إلى القعود، فإن لم تستطيع القعود تضطجع على جنْبك وتستقبل القبلة بصدرك، فإن لم تستطع على جنبك فتستلقي على ظهرك وقدماك تكونان في اتجاه القبلة بحيث إذا قعدت أو وقفت يكون صدرك باتجاه القبلة، فهنا يصح لك أن تترك الواجب عندما يتعذر عليك فعله.

حالات جواز الكذب

كذلك في بعض الأوقات يصير الكذب مباحاً، فقد قال النَّبي ﷺ: ((لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا))، كالذي يقول لزوجته إذا سألته: “بكم اشتريت ذراع القماش؟ فإذا لم يكن الذراع بخمسين ليرة فلن ألبسها”، فيقول لها: “يا بنت الحلال لم يرضَ الرجل لا بخمسين ولا بستين حتَّى دفعنا له سبعاً وستين ونصفاً وفرنكين”، [مئة فرنك سوري تساوي ليرة واحدة] وهو قد اشتراه بعشرين ليرة، ولكنه فعل ذلك ليُرضيها، وإذا كان لا يُحبها يقول لها: “أنت وأنت..” [مادحاً لها] وهي إن كانت لا تُحبه تقول له: “أنت وأنت..” [مادحة له]، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [سورة الرعد: 39]، ((كَذِبُ الرَّجُل امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، أَوْ إِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاس)) كما لو تخاصم رجلان، فأحدهما قد سبّ الآخر ولعن أباه وسبّ عِرضه، فيأتي ويقول للرجل الثاني: لقد كنت عنده الآن، ووجدته يبكي وهو ندمان على فعلته، ويقول: “ماذا فعلتُ مع أخي، وأسأل الله أن يصلحني” وأنا أشفقتُ عليه لما رأيته يبكي كثيراً، بينما الحقيقة أن هذا الرجل يقول: “والله سوف أقتله”.

وجوب الحرص على تعلم مكارم الأخلاق

فأين هو الإسلام؟ فلو أن هذا الرجل صلّى وصام وكان قد سمع ذاك يسب ويشتم ثم أتى وبلّغ ونمَّ عن سبابه وشتمه، فقد قال ﷺ: ((النَمَّامُ لا يجدُ رائحةَ الْجَنَّةِ)) 7 .. فأين هم المسلمون اليوم؟ وأين إسلامهم؟ هل تُربي الأم أولادها على عدم النميمة، وهل يربي الأب أولاده على ذلك؟ وإذا كان لا يعلم كيف يربيهم، فهل يأتي بهم إلى مجالس العلم؟ فلو كان مجلس العلم برأس الجبل، وكان وقته في الساعة الثانية عشرة ليلاً، وتسلقت الجبل لتصل إليه وتعثرت خمسين مرة وجُرحت ركبتك، وقد حَصَّلت على مجلس علم تزكّي به نفسك وتُحيي مروءتك وتُنمي أخلاقك، فهذا أفضل من أكل البقلاوة [حلوى عربية فاخرة] وكذلك أفضل من أن تُدعى إلى خمسين وليمة فيها خمسين خروفاً؛ لأن طعام الوليمة والخروف سيصبح وسخاً بعد ساعة أو ساعتين، أما التربية فتبقى معك طوال الحياة، فتنتقل من شر إلى خير ومن خير إلى أخير ومن فضل إلى أفضل، فالأخلاق والسلوك هما اللذان سيجعلانك سعيداً في حياتك؛ فالأخلاق تجلب لك المال والعز والنجاح، وماهي الأخلاق؟ هي حُسن النطق وحُسن اللفظ وحُسن الكلام وأداء الواجب، فعليك أن تؤدي واجباتك وأن تؤدي التطوع والتبرع الذي هو فوق الواجبات، فالرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل، فإذا أرادت المرأة أن تكسب زوجها بالغضب والكلام غير اللائق، وكانت لا تؤدي واجبه الحياتي الزوجي، وهي تريد أن تملك زوجها، فهي عندئذ ستملكه بالكذب وعدم الحقيقة؛ فهذا حَمَق وجهل وغرور، وإنما عليها أن تمتلكه بالصدق وبالخدمة وبالتفاني وهذا هو السحر، فكما أن من الزوجات من تريد أن تمتلك زوجها بالكلام غير اللائق، كذلك من الرجال من يريد أن يملك زوجته بالعصا وبالضرب، وهذا ليس عملاً صحيحاً.

لأن مفهوم الإسلام عنده أن يأتي إلى الجامع، وهذا أمر هيِّن، إنما الإسلام في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [سورة النازعات: 40]، الإسلام عقل في أبعد أبعاده وفي أوسع مساحاته، الإسلام عقل، ومن أين ستتعلم العقل؟ ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة البقرة: 129]، إن كنت تريد الاقتصاد فيجب أن تشتغل حتى تصير غنياً، ليس بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش، وإنما بالحلال وبالتعب وبالعرق وبالوعي وبالأخلاق وبالسلوك، ((لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُل امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا)).

قصة سيدنا عبد الله بن روْاحة وزوجته

يقول عبد الله بن روْاحة: كان لي زوجة وجارية.. والظاهر أنه اغتسل هو وجاريتُه مرةً، فشعَرت بهما زوجته، فمن غيرتها أخذت السكين وهجمت عليه تُريدُ قتْله، فأنكر عبد الله بن رواحة ما تقول، فقالت له: “اقرأ القرآن إذاً”، هل يجوز للشخص أن يقرأ القرآن وهو جُنب؟ طبعاً لا يجوز، فأحرجته، وقد كان شاعراً فقال

علمتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الكَافِرِيْنَا وَأَنَّ العَرْشَ فَوْقَ المَاءِ طَافٍ وَفَوْقَ العَرْشِ رَبُّ العَالَمِيْنَا وَتَحْمِلُهُ مَلاَئِكَةٌ شدادٌ مَلاَئِكَةُ الإِلَهِ مُسوّمينا

فلما سمعت زوجتُه ما ذكر من العرش والكرسي والملائكة والجنة والنار صدقته، كما أنها تعلم أن المسلم عندما يدخل في الإسلام لا يكذب؛ لأن الإسلام والكذب لا يجتمعان، فقالت: “صدقَ الله وكذَبت عيني” 8 .. لقد كانت أخلاقهم في الجاهلية أفضل من أخلاقنا الآن، نحن الآن لا عرب ولا إسلام، إنما نحن نَوَر [أي الغجر الذين لا أصل لهم ولا مسكن]، وكثير من الشيوخ أيضاً نَوَر وشيوخ النَّور.. فإذا ألبسنا الحمار طاقية خضراء ووضعنا له عمامة فوق الطاقية، ماذا سيُصبح؟ شيخ حمار، هذا إذا لم يُعَلِّم المسلمين دينهم، ولكن إذا علّمهم فسيكون شيخ المؤمنين، وكذلك إذا كان يُربّي المسلمين، ولكن لا يصح له أن يُربّي قبل أن يتَربّى، ولا أن يُعلّم قبل أن يتعلّم، ولا يصير حكيماً قبل أن يَصحب الحكماء.

الكذب في الحرب

((لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُل امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، أَوْ إِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاس أَوْ كَذِبٌ فِي الْحَرْبِ)) 9 .

بمناسبة الكذب في الحرب: قال: لمّا فُتحت خيبر أسلَمَ الحجاج بن عِلاط، وقال لرسول الله ﷺ: إن لي عند امرأة من قريش وديعةً، فإن أذِنتَ لي يا رسول الله أن أكذب كِذبةً فلعلّي أن أستلّ وديعتي، وفي رواية: لي ديون عند قريش -فهل تأذن لي أن أكذب حتى أسترد مالي- فرخّص له النَّبي ﷺ في ذلك، فَقَدِمَ مكة وكان تاجراً فأسرعوا إليه، وقالوا له: من أين أتيت؟ قال لهم: من خيبر.. وكانت معركة خيبر بين النبي ﷺ وبين اليهود، وكان أهل مكة أعداءه، وقد ملئت قلوبهم غيظاً منه.. فقالوا له: ما الخبر؟ قال لهم: أبشروا بخبر يملؤكم سروراً، قال: ما تركتُ خيبر إلا ومُحمَّد أسيرٌ بين يدي اليهود ومُوْثَقٌ بالحبال والحديد، وأصحابُهُ بين قتيل وأسير وشريد، وقد هُزم هزيمةً لا تقوم له قائمةٌ بعدها، واختلف اليهود فيما يفعلون به، فمنهم من قال: “يُقتل”، ومنهم من قال: “لا، نبعثه إلى قومه ليقتُلوه بأيديهم؛ ليأخذوا ثأرهم منه ويُطفِئوا حقدهم فيه”، وزاد في كلامه ما زاد، فرحبّوا به أشد ترحيب فمنهم من جعل يصفق ومنهم من جعل يرقص، ومنهم من ركض ليبشر، وجعلوا يتباشرون في ذلك، فقال لهم: أنا أتيتُ إليكم حتَّى آخذ ديوني لأن أموال مُحمَّد وأموال جيشه تُباع في المزاد في خيبر، فأعطوني ديني قبل أن يسبِقُني التجار، وأنا قد بشرتُكم بهذه البِشارة العظيمة، أفلا تُكافئوني وتَردوا لي ديوني؟ فجعل كلهم يركضون كالحمير والبغال الرهوانة [الهائجة] ليجمعوا له أمواله وديونه، حتى أخذها كلها، فبلْغ سيِّدنا العباس الخبر فكاد أن يقع على الأرض مما سمع، فقد كان عم النبي ﷺ ومدير استخباراته، فبعث في الليل خبراً للحجاج بالقدوم إليه، وقال له: ويحك! ما هذا الخبر؟ فهذا رسول الله، وقد وعدَه الله بالنصر والتأييد والتمكين، كيف تتكلم بهذا الكلام؟ اصدُقني، قال: لقد أسلمت وأخفيتُ عنهم إسلامي؛ لأنني خِفتُ أن يأكلوا أموالي، فاستأذنتُ رسول الله ﷺ أن أكذب، وهنا الشاهد.

فهل نعلن إسلامنا ونترك الكفار يأخذوا أموالنا منا؟ لا لن ندعهم يأخذوا منا ولو قطعة واحدة من الفجل ورقها أصفر؛ لأنهم يزدادون قوة علينا بهذا المال، لذلك قال له: خالف الإسلام وأنقذ المال؛ لأن المال قوة للمسلم وبقاءه عند الكافر ضعف للإسلام.. هذا هو الفقه الذي لا يعرفه كثير من المشايخ والمتدينين؛ فهم لا يعرفون متى يستعملون الحكمة، فهل نصدق باسم الديّن في مثل هذه الحالة؛ لأن الله يُحب الصادقين؟ ونترك الكذب لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [سورة النحل: 105] فيذهب مال المسلمين وقد قوينا به الأعداء وأضعفنا بذلك الإسلام؟ فهذا الفقه من الحكمة، قالوا: الحكمة هي السُّنة، فما هي السُّنة؟ يعني تصرفات النَّبي ﷺ التي كلها قائمةٌ على الحكمة.. وقال الحجاج للعباس رضي الله عنه: لا تخبر أحداً بما قلته لك إلا بعد سفري بيومين، فقال له: “لك ما قلت، ولكني كدت أن أقع من هذا الخبر” فذهب مع أمواله، وبعد مرور يومين لَبِسَ سيِّدنا العباس لباساً أنيقاً وتَجمّلَ وتكحل وتعطّر ومشط شعره، وذهبَ ليطوف حول الكعبة، ورأوه المشركين وقالوا له: “لا يسوؤك يا أبا الفضل خبرك الذي بلَغك عن ابن أخيك وأنت تتجلد وتتصبر وكأنّك لم تسمع الخبر”، قال لهم: لا يسوؤني هذا الخبر ولكنه يسوؤكُم أنتم! قالوا له: ما هذا الخبر؟ قال لهم: لقد نصَرَ الله نبيّه على اليهود، وصارت أرض خيبر كلها غنائم للنبي وللمسلمين، قالوا له: لقد أخبرنا الحجاج بن علاط بذلك، قال لهم: قد أخبرني الحجاج بأنه ترك النَّبي عريساً على صفية بنت حُيي بن أخطب وقد قتَلَ اليهود وفعلَ وفعلَ.. وأرادوا اللحاق به، لكن أنّى لهم أن يلحقوا به!هذا الحذق في الإسلام، أما المسلم الذي لا يعرف شيئاً، ويقول: “يجب أن أكون صادقاً”، فبئس هذا الإنسان وبئس من عَلَّمَه الصدق! فهل نُعطي أموالنا لأعدائنا كبعض حمير [حمقى] أمة محمد الذين يضعون أموالهم في البنوك الأوربية، ويقولون: لا نريد أن نأخذ الفائدة، ويقولون: هذا ورع! بئست أفعالهم! والمشايخ هم الذين يفتون لهم بذلك، ماذا تفعل البنوك بأموالهم؟ فهذه الأموال لا تأخذها البنوك، بل تُوزعها على الجمعيات التبشيرية التي تُنصّر أبناء المسلمين بأموال المُتَّقِين الحمير! هناك قول في المذهب الحنفي، ونحن بدار الإفتاء نفتي به: إنه يجوز أخذ الفائدة في بلاد الغرب؛ لأنها تؤخذ من غير المسلم ويُعتبر مستأمناً، وأما الحربي مثل الإسرائيلي فيجوز أن نأخذ ماله بأي وجه كان إلا من طريق الخيانة والغدر.. فانظر إلى الإسلام، فلا يجوز فيه أخذ مال الحربي غدراً، أمّا أن تأخذه نهباً أو سلباً أو قوةً أو رضاءً أي بقعد رضائي ولو كان فاسداً فيجوز ذلك، هذا القول عند المذهب الحنفي أمّا باقي المذاهب الشافعي المالكي الحنبلي فلا يجوز.. والمُستأمن ليس هو الذمي أي المواطن الذي هو تحت الحكم الإسلامي، والذي بيننا وبينهم عهود إذا دخلوا بلادنا يأمنون، وإذا ذهبنا إليهم نأمن على أنفسنا وأموالنا، فيقول: “يجوز أن تتعاقد مع هذا المستأمن بعقد ولو كان حراماً في الإسلام مثل القمار لكن بشرط أن تكون واثقاً بغلبته”، أي أنك تستطيع أن تغلبه وكانت النتيجة مضمونة، قال: “ولو بعقد الربا”.

دليل أبو حنيفة في جواز أخذ الربا من الكافر

وهذا الحكم له دليل: لمّا نزل على النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قوله تعالى: ﴿الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [سورة الروم: 4]، أي الحرب بين الروم والفرس، فوقع جدل بين سيِّدنا أبي بكر رضي الله عنه وبين أحد كبار المشركين أن الخبر سيحدث أو لا، فتشارطوا فيما بينهم أنه إذا كان هذا الشيء سيتم، فيدفع الرجل لسيِّدنا أبي بكر رضي الله عنه عشرين ناقة، وإذا لم يتم يدفع أبو بكر رضي الله عنه للرجل عشرين ناقة، فأتى إلى النَّبي ﷺ وأخبره بما حدث فسأله النَّبي ﷺ: كم المدة المُتفق عليها؟ قال: ثلاث سنين، قال له النَّبي ﷺ: “لا، لإن الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ وليس ثلاث سنوات، والبضع من ثلاث إلى تسع، فقال له: ارجع واجعل المدة إلى حدود التسع سنوات، وزد في الرهن من عشرين إلى مئة ناقة، ذهب أبو بكر رضي الله عنه وأخبره أننا نريد أن نزيد في الرهن ونطيل المدة فاتفقوا، وقد حقق الله ما نزل في القرآ 10 . فيجوز أن يكون هذا هو الدليل الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، ولكن مع وجود الخلاف مع الأئمة الثلاث، يجوز أن يأخذ الفائدة ولا يصرفها على نفسه وإنما يصرفها في أبواب الخير.. من مُدة أحد الإخوان أتى لي بعشرة آلاف ليرة [أي من مال الفائدة] فقلتُ له: لن أضعها في الجامع وإنما سأصرفها في الجامع على مازوت المدافئ حرقاً.. وأما أن نُعَمِّر بها جداراً للمسجد فلا، ويمكن أن نُعمر بها المراحيض مثلاً أو إلخ، فلكل قاعدة شواذ.

والآن تذهب المليارات للبنوك، نستطيع أن نؤسس بها خمس مئة ألف معمل ومصنع ومدرسة ونعمر بها كل شيء، نريد علماً وعقلاً، أعطينا الآن أربع فتاوى رسمية خطية لبعض المستفتين من كندا ومن أمريكا من المسلمين.

كما أنه في المذهب الجعفري أيضاً قال بجواز أخذ الفائدة بشكل قاطع، ولكن من يريد سلامة إيمانه لا يستعملها، وإنما يصرفها للفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية.. هناك من الأصدقاء من سُرَّ كثيراً بهذه الفتوى وقال لي: لقد أنقذتني، قلت له: لست أنا من أنقذك، إنما هو الشرع والإمام أبو حنيفة، وقلت له: ولكن الورع ألا تأخذهم، بل أن تتصدق بهم، فقال لي: ولكنني بحاجة لهذا المال، فقلت له: أنا لا دخل لي بهذه الفتوى، إنما هي فتوى الإمام أبي حنيفة.

فاستقبل العباس الحجاج، وقال: “ويحك ما الذي أخبرت به”، فأعلمه السبب، ثم أخبره بأن رسول الله ﷺ قد فتح خيبر، واستنكح صفية بنت حُيي، وقتلَ أباها وزوجها، وقال له: “اكتم عليَّ اليوم وغداً حتى أمضيَ”، ففعل ذلك، فلما مضى أخبرهم العباس بالذي أخبره الحجاج فكبتوا 11 . وانقلب فرحهم عزاءً، ولو أن هذا الرجل التزم الصدق لقتلوه وضاع المال وخسرنا ولم نستفيد من ذلك شيئاً.

الكذب باب الرذائل

ورويّ أن رجلاً أتى النَّبي ﷺ فقال يا رسول الله: “إني أَسْتَسِرُّ بخِلال أربع”- أي أفعل أربع خصال سراً لا جهراً ولا أمام الناس- قال له: “وما هي؟” قال: “الزنا والسرقة والخمر والكذب، فأيهنَّ أحببتَ أن أتركه تركتُه لك سراً” أي اختر لي يا رسول الله إحداها لأتركها، فقال له: ((دَعْ الكذبَ))..كم يكذب النَّاس وهم لا يشعرون أنه معصية، ولا أنه إثم ولا أنه مُخالف للإسلام، فالبائع يكذب والشاري يكذب، والأب يكذب والابن يكذب، والجار يكذب والقاضي يكذب، أما المحامي فلا يكذب، هكذا يقول “صبحي بيك” [يقول سماحته ذلك وهو يضحك، وهو من باب الملاطفة والمداعبة، وهو أسلوب كلامي بمعنى أن كثيراً من المحامين من أكثر الناس كذباً].. قال: فمضى الرجل فهمّ بالزنا- على حسب عادته- فقال في نفسه: “يسألني رسول الله ﷺ فإن جحدتُ نقضتُ ما جعلتُه له”- أي عاهدته ونقضت عهدي معه، وأكون حَدَّثْتُه وكذبتُه- وإن أقررتُ حُددت” أي إن أقررت سيُقيم عليَّ الحدّ بمئة جلدة وتغريب سنة أو الرجم إن كان متزوجاً- فلم يزنِ، ثم همّ بالسرقة، فقال في نفسه: “يسألني رسول الله فإن جَحدُت نقضتُ ما جعلتُه له، وإن أقررتُ حُددتُ وقُطعت يدي” فلم يسرق، ثم همّ بشرب الخمر، فقال في نفسه: “يسألني رسول الله فإن جحدتُ نقضتُ ما جعلتُه له، وإن أقررت حُددتُ”، فلم يشرب الخمر، ففَكَّر في مثل ذلك، فرجع إلى النَّبي ﷺ فقال للنَّبي ﷺ: “تركتُهنّ أجمع” 12 .

قصة يحيى البرمكي وعبد الله الخزاعي

ومن مُلَحِ الكذب: قيل إن هناك بعض الكذب له ملاحة، كما قيل إنه كان بين يحيى البرمكي- وكان رئيس الوزراء لهارون الرشيد- وبين عبد الله الخُزاعي عداوةٌ وتحاسُد- كان الاثنان في مستوى واحد في الدولة العباسية- وكان كل واحد ينتظر من صاحبِه الدوائر، أي ينتظر منه الخطأ ليقضي عليه، فوَلِيَ عبدُ الله بن مالك الخزاعي أذربيجان وأرمينيا، أي صار هو الحاكم هناك، وهذه البلاد الآن هي في الاتحاد السوفيتي، هل نستطيع أن نحكم في الاتحاد السوفيتي الآن؟ رجلٌ من الدَّهَّاقِين في العراق-والدهاقون يعني الفلاحين، أصحاب الأراضي- وقع في ضائقة وتعذّرت عليه الوسائل ليقضي ديونه، فافتعل على لسان يحيى البرمكي مكتوباً إلى عبد الله الخزاعي يوصيه به ويؤكد عليه معاونته كل التأكيد، أي زوّر مكتوباً على رئيس الوزراء بأنه سوف يأتي فلان مِن قبلي فتُصلح أمره وتعتني به وتبره وتُعطيه ما يُريد، ولم يعلم ما بينهما من العداوة والتباعد، أي هو لا يعلم ما الذي يحدث، واعتقد أنهما رجال دولة وأصدقاء، وكانت المسافة بعيدة، ولا يوجد هاتف ولا بريد ولا تلغراف، فذهب الرجل من بغداد إلى أذربيجان وأعطى الكتاب لعبد الله الخُزاعي، فقال له عبد الله: “إن كتابك هذا مُفتَعل، ولكنّك حيث قد تجّشمت هذه المشقّة البعيدة فلسنا نُخَيِّبك”، فانظروا كيف كانت أخلاقهم، وهؤلاء كانوا في الدولة العباسية، فكيف كانوا في الدولة الأموية؟ وكيف كانوا في زمن الخلفاء الراشدين؟ فقال الرجل: “أمّا كتابي هذا فليسَ بمُفتعل، وإن كنتَ إنمّا تقصد بهذه التُهمة لتصرفَني فالله عزَّ وجلَّ حسبي ونِعمَ الوكيل”، هل ترون كم هو بريء؟ [يقولها سماحة الشيخ قاصداً خلاف ذلك] فقال عبد الله: “أفتوافق أن تُحبس في داري، وأقضي حاجتك وأُكرمك إلى أن أكتب وأستطلع الرأي وأعرف نبأ هذا الكتاب، فإن كان مُزوَّراً عاقبتُكَ، وإن كان صحيحاً خيّرتُكَ بين الصِّداد -أي أعطيك ما تريد- والولاة -أي أوليك الوظيفة التي تريدها- فأيّهما اخترتَ سوّغتُه لك؟”

أي ترضى إن كان مزوّراً أن أعاقبك وإن كان صحيحاً أعطيتك ما تريد، مادام أنه أتى من رئيس الوزراء على ما بينهُما من مشاكل، قال: “نعم”، فأمرَ بحبسه وقضاءِ حاجته، وكتب إلى وكيلُه في العراق: “إن رجلاً يُسمى فلان بن فلان أتاني بكتاب من يحيى البرمكي- رئيس الوزراء- فتَعَرَّف لي أمر هذا الكتاب واكتب إليَّ في الحال فيه”، فذهب الوكيل إلى يحيى البرمكي، وقرأ الكتاب عليه، فلمّا انتهى من قراءتِه أي يحيى البرمكي، أخذ الدواة والقلم وكتبَ بخطّه: “فُلان مِن أخصِّ من يَلِيْنِي، أي من أقرب النَّاس إلي، وأوجبهم حقاً عليّ -أي له عليّ حقوق كثيرة وواجبة يجب عليَّ أداؤها- وقد أخبرني صاحبُك بشكِّك في أمرهِ، فأزل شكك فيه، جُعِلتُ فِداك، وليكُن صرفُه إليَّ مُعَجَّلاً بما يليقُ بكرمكَ ومروءتكَ”، أي ابعثه إليَ واجبُر خاطره بحسب ما أعرف من أخلاقك وكرمك وسخائك ومروءتك وشهامتك، قال: فخرجَ الوكيل، فقال يحيى لأصحابه -رئيس وزراء دولة حدودُها من الصين إلى الجزائر وتونس- فقال يحيى لأصحابه: “ما تقولون في رجلٍ افتعلَ عليَّ كِتاباً إلى عبد الله الخُزاعي، وصَل به من مدينة بغداد إلى أذربيجان؟” فقالوا جميعاً: “نرى أن تفضحهُ وتهتك سِتْره وتعلن أمره ليرتدع به غيرُه، ويصير نكالاً وأحدوثةً للعالمين”، قال: “لا والله! وهذا رأيكم؟” قالوا: “نعم”، قال: “قبّح الله هذا من رأيٍ فما أقلَّه وأنذله”، أي هذا رأي النذل، “ويحكم، هذا رجلٌ ضاقَ به الرزقُ” أي واقع في نكبة وكارثة، “فأَّملَّ فيَّ خيراً ووثق بي، وشَخَصَ إلى أذربيجان على بعد مشقَّتها وصعوبة طريقها، أتُشيرون عليَّ أن أحرمه ما تأمله ورجاهُ فيَّ حتَّى يسيء ظنهُ بي؟! وقد عرفتم قدرَ عبد الله الخزاعي” أي مرتبته عند الخليفة مرتبة كبيرة وعظيمة، “وحاله عند أمير المؤمنين كما تعرفون، وإني لم أكن أحتال لهذه المنزلة إلا بالخطيرِ من المال، أفتُريدون أن أرُدَّ الأمر بيني وبينه بعد الأُلفة الواقعة إلى الحشمة؟” هذا الرجل سيصير واسطة الصلح بيني وبينه ونصير بذلك أحباباً وأصحاباً بعد أن كُنا أعداء ومتحاقدين، كل منا ينتظر الآخر على الخطأ، “فيجب عليَّ أن أتغافل”

وتغافلْ عن أمورٍ إنه لم يَفُز بالحمدِ إلا مَن غَفَلَ

أي إذا أكرمتُه وصدّقته الآن معنى ذلك أنني تنازلت وصالحتُ مَن؟ عبد الله الخزاعي، وهو كذلك يتمنى أن يُصالحُني ويكسَبني، وأنا كذلك يجب أن أكسبه، وهذا الرجل المسكين الدرويش عرّض نفسه للموت حتَّى يتخلص من ضائقته ونكبته وأزمته، فدعنا نجبر خاطره ونكسب.. هذا العقل-يا بنيَّ- وهذه الحكمة.

ذم الغضب السريع

الحُمق والنزق وسرعة الغضب.. من هو الأحمق والحمقاء؟ الذي يكون سريع الغضب، يغضب من أصغر مشكلة، ويوجد من هو سريع الغضب، ولكنه ليس بأحمق، فهو يكظم غيظه ويربط لسانه ويربط يده ورجله.. الإسلام دين التقوى والحلم والعقل والاتزان وطيب الأفعال والأقوال، وهذا الذي يجعل الإنسان ينجح في الحياة، هكذا ينجح التاجر، وكذلك الحاكم ينجح هكذا، والمرأة في بيت زوجها، أمّا الحمقاء الطائشة التي لا تؤدي واجباً ولا تقول قولاً طيباً، والرجل الزوج أيضاً لا يُطالب زوجته بأداء الواجب وهو لا يؤديه.

في القصة الآنفة الذكر لا يوجد تقصير، وإنما يوجد جناية وتزوير واستغلال، ولكن انظر إلى أخلاقهم وفضائلهم، وهذا بعد النَّبي ﷺ بمئتي سنة أو ثلاث مئة، فكيف كانوا في زمن النَّبي ﷺ؟ فهذا كله من النبع الأول.

الأخلاق الحسنة تصنع الصديق

قال: “وقد عرفتم قدرَ عبد الله الخُزاعي وحاله عند أمير المؤمنين وإني لم أكن أحتال لهذه المنزلة” أي إذا أردت أن أكسبه فسأصرف أموالاً كثيرة، وهذه الحادثة لا تُكلفني إلا ورقة ومكتوب، “أفتريدون أن أرُد الأمر بيني وبينه بعد الأُلفة الواقعة إلى الحِشمة والبُعد والجفوة؟ هذا والله النَّكَد طول الأبد، ومنتهى الضعف في الفهم ونهاية أسباب الانتكاس”.. هذه ليست أخلاق فقط، بل عقل وحُسن تصرف وكسب، فالرجولة أن تكسب أعداءك لا أن تخسر أصدقاءك، الرجولة والبطولة كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [سورة فصلت: 34]، فأنت تستطيع أن تصنع ألف عدو في ساعة، فإذا قلت لهم: يا كاف ولام ألف وباء [يا كلاب] أو يا خنازير، بهذه الكلمة الواحدة تستطيع أن تصنع ألف عدو، لكن إذا أردت أن تكسب صديقاً وحبيباً وفياً ومساعداً، فهل تستطيع أن تصنع ألف صديق وألف حبيب بكلمة واحدة؟ لا، فأنت الآن تَفْنى حياتُك ولا تستطيع أن تصنع لك صديقاً واحداً؛ لأنه لم يعد هناك أخلاق لا في هذا الجانب ولا في الجانب الآخر.. فالزوجان لا يعرفان كيف يتعايشان، وكذلك العائلة والجيران والمعلّم والأجير والحاكم والمحكوم؛ وذلك لعدم وجود التربية.. والتربية من طريق الإيمان أقصر، تقطع مسافة ألف كيلومتر بساعة، أما عن طريق الفلسفة والحكمة ففيه تعب أكثر، فإذا كان عن طريق الفلسفة والحكمة والإيمان فهذا هو الإسلام.

ثم أخبرهم بما كتب به إلى عبد الله فتعجّبوا من كرمه واحتماله الكذب، ووَرَد كِتابُه بخطّه على عبد الله- رجع البريد- فدعا بالرجل وقد أُسقط في يده وامتلأ قلبه بسوء الظن لأنه انكشف أمره وظهرت خديعتُه، فلمّا دخل عليه قال: “هذا كتابُ أخي قد ورد عليَّ بصحةِ أمرك، وسألني تعجيل إكرامك، فها مئتي ألف درهم بما يتبعها من الدواب والبغال والجواري والغِلمان والخِلَع وسائر وسائل السفر”.. لم يعطه مئتي درهم فقط وإنما خيل وبغال، ألا يريد كذلك جوارٍ للسرور والطرب؟ [يقول الشيخ ذلك ممازحاً] فهل يستطيع أحد أن يُعطي كهذا العطاء؟ فلو أعطاه بغلاً فقط فلا يستطيع أن يشتري له الشعير ليعلفه.

عندما اشترت حَلَقَةُ [تلاميذ] الأستاذ أسامة وأَهْدَتها له وكذلك حلقة الشيخ رجب -رضي الله عنهما- سيارة لكل منهما، رفضوا قبولها، وقالا: لقد أتينا إلى الشيخ لا نستحق شيئاً، وقالا: سوف نقدم السيارة للشيخ، ثم أحضراها لي، كانت سيارة الشيخ رجب -رضي الله عنه- مرسيدس وهي جديدة، وكذلك الأستاذ أسامة فأتيا وأحضرا لي الدفتر والمفتاح، سألتهما ما القصة، قالا لي: “كيت وكيت” قلت لهما جزاكما الله خيراً، عندنا سيارة وإذا صارت اثنتان وثلاثة لا مانع.. فهل أعطاه بغلاً أم بغالاً؟ وفرساً أم أفراساً؟- أنا أردت أن يسجِّل الله لهما عطاءهما براً بالشيخ؛ لأنه ماذا يُخرِج بذار البُر؟ يخرج سَبَلَ البر، أما بذار الشوك فإنه يخرج أكياساً مليئة بالشوك- وبعد ما جلسوا وانتهَوا قلت لهما: “وأنا أردت أن يكتب الله لي أنني بررتكم”، ثم بعد مدة سألت الأستاذ أسامة: “كم خصصوا لك؟” قال: “مئة وخمسين ليرة” فقلت له: “ابعثهم لي” [أرسل لي إخوانك]، فقلت لهم: “ماذا فعلتم بالشيخ أسامة؟ فراتبه لا يكفي سعر الوقود للسيارة، فماذا خصصتم له؟” قالوا: “مئة وخمسين ليرة”، قلت لهم: “هذا لا يكفي، فخصصوا له المزيد”.. [الأستاذ أسامة الخاني والشيخ رجب ديب من الجيل الأول الذين رباهم سماحة الشيخ أحمد كفتارو، وكان طلابهم الذين ربوهم بالآلاف] ماذا يهدون أم كلثوم [مطربة مصرية] الآن؟ لا يهدونها سيارة بل سيارات مع الوقود، وهذه الأردنية ما اسمها؟ سميرة توفيق [مطربة بدوية] سهرت ليلة فأعطوها مئتي ألف درهم فرمتهم، وقالت لهم: “أنا لم آتي إليكم لأتسول” فلو أتت أم كلثوم كم يعطونها؟ وكم يعطوا الإمام الشافعي أو الحنفي لو أتيا؟ فمن الممكن ألا يستقبلهم أحدٌ.. ثم سلط الله اليهود فيما بعد على العرب وفرقهم ومزقهم شر ممزق؛ لأنه لا يوجد شيخ، كما أن الشيخ لو أراد أن يأتي فيجب أن يصبر، فالأمور لن تأتيه بسرعة، فالنبي ﷺ صبر، وسيدنا نوح كذلك صبر، وسيدنا إبراهيم، فهل تريد أن تكون أفضل من الأنبياء؟ فاعمل، وسيدنا أبو بكر كذلك صبر، فالأمور لا تصير دفعة واحدة، فالتاجر هل يملك فوراً الملايين؟ لا بد له أن يعمل أولاً بالمكنسة فيكنس أمام الدكان ويحمل الأغراض، ويقوم معلمه بسبه وشتمه، وتارة يعطيه أجرته، وتارة لا يعطيه، فعندما يصبر ويتعلم يصير تاجراً، فلا يظن أنه سيصير تاجراً هكذا مباشرة.. فلما رأى أن يحيى البرمكي صَدَّق له الأمر، فذهب مباشرةً إلى دار يحيى البرمكي، وأدخل عليه جميع ما أعطاهُ إياه عبد الله الخُزاعي وقال: “أنت ستَرتني وأنقذتني، وأنا لا أريد شيئاً، خذها لأنك أنقذتني”، فأمر له يحيى بمثل ذلك، وأثبتُه في خاصَّته 13 ، أي جعلُه من رجالِه المقربين وهو كذّاب.. [يقولها الشيخ وهو يضحك] قال النبي ﷺ ((إنّما بُعثتُ مُعلّماً، إنّما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق)) 14 .. إذا عرضت هذه القصة على التلفاز أفضل أم الأفلام التي تُعرض أفضل؟ أليست هذه بعروبة؟ أليست من كتب العرب؟ هل هي من كتب العرب أم من أمريكا؟ وكذلك الأفلام المصرية؟ مثل النهر النتن، فلو عرضت مثل هذه القصص على التلفاز ألا تُفيد الدولة؟ عندها يصير الموظف صادقاً، والجندي صادقاً والعامل صادقاً والقاضي صادقاً، ألا ينفع الصدق أم الكذب أفضل منه؟

يكفيكُم اليوم هذا القدر؟ بقي لكم دقيقة لكنني بدأت الدرس قبل خمس عشرة دقيقة، فسامحونا سامحكم الله.

سأحدثكم في هذه الدقيقة عن قصة قصيرة، لا بل هي قصة طويلة، قال [المؤلف]: “كان أحدهم إذا طلب مساعدة من دولة أو من وزير أو من حاكم يقول له: ماذا عندك من العلم والأدب حتَّى نُعطيك ونُكرمك، فإن الكرامة والإكرام على قدر العلم والأخلاق والإيمان”؛ لذلك كانت حدود الدولة العربية في الصين شرقاً وفي باريس غرباً، أين حدودنا الآن؟ هذه دمشق!

إن النَّاس بخير -يا بنيَّ- لكن هذا الأمر لا يصير مباشرة، إذا أردنا أن نرجع حدودنا من باريس للصين، فيجب أن نموت سبعة آلاف مرة وتطحن عظامنا وفقراتنا حتى لا نستطيع أن نمشي على أرجلنا، ثم بعد جيل أو جيلين أو ثلاثة أجيال حتَّى نكون كما كانوا، فالأمر لن يصير مباشرة، وهو ليس كن فيكون.. هل فوراً [من البداية] قُلِعت عينُ أبي سفيان في معركة هوازن وعينه الثانية في معركة اليرموك؟ لقد أتعب النَّبي ﷺ كثيراً قبلها وحاربه خمس مئة مرة [كناية عن الكثرة]، وكاد أن يقضي على الإسلام كله، ورغم ذلك كيف عامله النَّبي ﷺ؟ أسأل الله أن يُهيئ للمسلمين البَنّائين والمهندسين، وأن يبعث المشايخ الحقيقيين؛ ليس أصحاب العمائم واللحى والجُبَب والشهادات والجامعات، بل مشايخ الذكر والعلم والتربية والحكمة، ولكن من الذي يعرف كيف يركِّب المواد الأساسية، ويربطها مع بعضها البعض؟ فإذا فككنا ساعة هل تعرفون كيف تركبونها؟ تحتاج إلى ساعاتي.. والساعاتي مفقود.

إن النَّاس كلها بخير، فالذي يعرفني وألتقي معه من كل فئات الأمة لا ينتهي اللقاء إلا بارتباط ومحبة بمقدار ما يُسعفني الوقت، سواءً أكان إنكليزياً أم إيطالياً أم روسياً أم تشيكوسلوفاكياً أم شيوعياً أم ألمانياً أم أميركياً أم فرنسياً كلهم.. من لا يُحب الجمال؟ ومن لا يُحبُ الطعام الشهي؟ ومن لا يُحبُ الشراب المُثلج المُحلى في العطش الشديد وفي الصحراء؟ لكن املأ له كأساً من حنفية الحمار [حنفية: صنبور، المقصود بول الحمار] ويراها ملونةً كالشراب، وقل له: هذا شراب، وقد رأى الحنفية وما نزل منها، وقل له: اشرب هذا شراب الليمون، فمن الممكن أن يضربها برأس الشَّيخ.. ولكن الأفضل من ذلك أن يفعل كما فعل يحيى البرمكي، لكن ليس كل النَّاس يحيى البرمكي، أسأل الله أن يرحمهم ويرضى عنهم، قالوا: “بذكر الصالحين تنزلُ الرحمات” ما هي الرحمة؟ الرحمة بأن تغدو فيك الأخلاق والعلم والسلوك والنجاح والتفوق.

إلى ركعتي الضحى، إلى حجة وعمرة مقبولتين مقبولتين مقبولتين. 15

وصلّى الله على سيدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه، والحمد لله ربّ العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. ) المستدرك للحاكم، كتاب الإيمان، رقم: (59)، (1/73). بلفظ: ((إن الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ)).
  2. صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (7)، (1/8)، ورد فيه: ((وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ.)).
  3. المستدرك للحاكم، رقم: (7707)، (4/ 301)، بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قُلْتُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ))، سنن ابن ماجه، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224)، (1/ 81 )، بلفظ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ)).
  4. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (21772)، (5/ 197)، سنن الترمذي، باب مناقب أبي ذر رضي الله عنه، رقم: (3801)، (5/ 669).
  5. المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص: (169)، المحاسن والأضداد للجاحظ، رقم: (59).
  6. المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص: (169)، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي للعصامي، (3/ 134).
  7. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، رقم: (105)، (1/ 101)، بلفظ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ)).
  8. ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي، (1/ 199).
  9. سنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في إصلاح ذات البين، رقم: (1939).
  10. سنن الترمذي، باب سورة الروم، رقم: (3193)، (5/ 343)، ومسند الإمام أحمد، رقم: (2495 )، (1/ 276 )، بلفظ: ((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ}، قَالَ: غُلِبَتْ وَغَلَبَتْ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ، لأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، لأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَذَكَرُوهُ لأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ)) قَالَ: فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلاً ، فَإِنْ ظَهَرْنَا ، كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا ، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ ، كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ، فَجَعَلَ أَجَلاً خَمْسَ سِنِينَ ، فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((أَلا جَعَلْتَهَا إِلَى دُونَ))، قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: ((الْعَشْرِ؟)) - قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْبِضْعُ: مَا دُونَ الْعَشْرِ - ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: يَفْرَحُونَ {بِنَصْرِ اللَّهِ})). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة.
  11. ينظر السيرة النبوية لابن هشام، (2/345)، وينظر البداية والنهاية لابن كثير، (4/245).
  12. المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص: (170)، ربيع الأبرار للزمخشري، ص: (376)، نثر الدر للآبي، (6/ 343).
  13. ينظر نوادر الكرام لإبراهيم زيدان، ص: (27).
  14. سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (229). بلفظ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّماً))، وفي السنن الكبرى للبيهقي، باب بيان مكارم الأخلاق ومعاليها، رقم: (20571)، (10/191)، بلفظ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ))، ومسند القضاعي، رقم: (1165)، (2/192)، وموطأ مالك باب ما جاء في حسن الخلق: (5/1330)،
  15. سنن الترمذي، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، رقم: (589)، (3/3)، بلفظ ((مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ». قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ».
WhatsApp