تاريخ الدرس: 1994/02/18
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 1:33:38
سورة القلم (4): الآيات 44-52
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطر التحيات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد سيِّد الأولين والآخرين، والمبعوث للسعادة والرّحمة لشعوب العالم أجمعين، والداعي إلى شريعة إخوانه الذين سبقوه في تربية الإنسان ليكون الإنسان الفاضل، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
تخرج من مدرسة القرآن عظماء العالم
فنحن لا نزال في سورة نون.. كان القرآن مدرسة المسلمين، وتخرَّج من هذه المدرسة عظماء العالَم، ليس عظماء العرب فقط.. تخرّج من هذا القرآن عظماء رجال الدّولة والسّياسة والحرب والعلم والفلسفة والحكمة، وأنتجوا حضارة لا يزال يخضع ويركع لها عظماء العالَم من غير المسلمين، ولا يزال هذا الإسلام ينتشر وبصورة خاصة في العالَم الغربي بالرغم من ضعف المسلمين فهمًا وعملًا ودعوةً للقرآن ولا يتجاوز ذلك ربع واحد بالمئة من حقيقة الإسلام، فكيف لو رجع المسلمون إلى مدرسة القرآن وإلى رسالة الله عزَّ وجلَّ للإنسان؟
قدِّرْ أنّ القرآن مكتوب أتى من صديق لك، فعندما تأتيك رسالة صديقك كيف تقرؤها؟ أو أتتك رسالة من ابنك الذي يدرس في أوروبا أو أمريكا، كيف تقرؤها بشغف، وتفهّم، وإذا طلب منك حاجة: مالًا أو دواءً أو لباسًا فكيف تسارع إلى تلبية طلباته على أسرع وجه وعلى أكمل أداء؟ ولو أتتك رسالة شفهية أو كتابية من وزير أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية بأن أرسلها لك عن طريق شرطي أو مستخدَم، ولك مكانتك التّجاريّة أو العلميّة أو الحكوميّة، فكيف تهتم بقراءة رسالته؟ وكيف تفكر بالمسارعة إلى تلبية طلباته وتنفيذ رغباته؟
القرآن رسالة خالق هذا الكون
فالقرآن رسالة خالق هذا الكون؛ بمجرّاته وشموسه وأقماره وأراضيه التي لا يحصي عددُ رمال الدّنيا عدَّها.. والذي خلقك من ذرّة؛ من حيوان منوي لا يرى إلّا بالمكبرات والمجاهر الإلكترونية، فجعل منك إنسانًا سميعًا بصيرًا، وعندما خرجت من بطن أمك لا تملك عقلًا ولا فكرًا، وعلَّمك في بطن أمك كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ [البلد: 8] لو لم يجعل لك عينين فمن القادر على أن يعطيك نعمة البصر؟ ﴿وَلِسَانًا﴾ ولو لم يعطِك عضو الكلام فكيف تفصح وتوضّح رغباتك وطلباتك من الآخرين؟ ثمّ قال: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 9-10] فالنّجد: الشّيء المرتفع، وثدي الأم مرتفع في صدرها، فبمجرد ما يخرج من بطن أمه فمن الذي هداه وعلَّمه أن يلتقم ثدي أمه فيرضع؟
فهذا الإله العظيم الصانع الحكيم أرسل لك رسالة، عن طريق رسول من السّماء هو أشرف ملائكته، ورسول من الأرض هو أشرف أهل الأرض، فهل قرأت هذه الرّسالة لتفهمها، وهل قرأت أوامرها لتنفِّذها، وهل قرأت محاذيرها ومحرماتها لتحذر منها؟
الهدف والغاية من هذه الرسالة: أن يجعلك الإنسان السّعيد العزيز العالِم المعلّم سيِّد زمانك وعصرك.
تغير حال العرب بسبب القرآن
لمّا وصلت هذه الرّسالة إلى العرب وهم وثنيّون خرافيون، كانوا يصنعون الصّنم من العجوة يسجدون له في الصّباح حتَّى إذا جاعوا أكلوه في المساء، وكانوا يشاورونه في مهماتهم وفي حروبهم وفي شؤونهم، فأيّ انحطاط في العقل هذا؟
وكانوا أميّين في العلم وفي الحضارة، يتقاتلون بلا سبب، وكانوا فقراء يأكلون الجيف، ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: 3]، فهل هناك حاجة الآن لأن يقول لكم أحدهم: حُرِّم عليكم أكل الكلاب؟ لا، لأنّ هذا غير واقع وغير مستعمل، أمّا قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ فلأنّهم كانوا يأكلون الميتات ويأكلون الفطائس ويأكلون الدم من فقرهم ومجاعاتهم، ولما تحوّلوا إلى مدرسة القرآن، كان يخبرهم وهم في هذه الحالة من البؤس والفقر، ويقول لهم: ((ستُفتَح لكم كنوز كسرى وقيصر)) 1 ، يعني أعظم دولتين عالميّتين استعماريّتين ((ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)) 2 . ما سبيل الله؟ هو بذل الجهد والرّوح والدّماء في سبيل إنقاذ الشّعوب ونقلهم من الظّلمات إلى النّور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الخرافة إلى الحقيقة والحكمة؛ لتجعلوا من العالَم وشعوبه عائلة واحدة متآخيًا أفرادها بعضهم مع بعض.
قصة الرجل الصيني المسلم في الصين مع الشيخ
وكما قلت لكم مرة وأنا في زيارة للصّين، ففي أحد شوارعها اتجه نحوي رجل صيني، فلمّا صار وجهه مقابل وجهي خاطبني بلغة المستفهم قائلًا: “الله أكبر الله أكبر؟” ماذا يعني بهاتين الكلمتين الاستفهامية؟ يعني هل أنت مسلم؟ قلت له: “الله أكبر” أنا أيضًا مسلم، فلمّا قلت له: “الله أكبر” عانقني وصار يبكي ويقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، فعند ذلك لامس شعوري وذاكرتي.. النّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد خمسة عشر قرنًا.. أين الصّين وأين مكة؟ إلى الآن ورغم الشّيوعية والإلحاد ومحاربة الإسلام في خمسة عشر قرنًا بكلّ أنواع الحروب الجسديّة والثّقافيّة والفكريّة، وفي قلب البلد الشّيوعي: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
لا يمكن أن ننجح إلا بالعودة إلى المدرسة التي أعطتنا النصر
فلا يمكن أن ننجح ولا نسعد ولا ننتصر ولا نتقدّم إلّا بالعودة إلى المدرسة التي أعطتنا النّصر والوحدة والثّروة والعزّ والمجد والتّاريخ، واستطاعت هذه الرّسالة أن توحِّد نصف العالم القديم، وبعد خمسة عشر قرنًا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
فالعرب استعملوا القوميّة والوطنيّة والدّيموقراطيّة وألقابًا متعدّدة ومذاهب متباينة، وإلى الآن وبعد جلاء الاستعمار بخمسين سنة عجزوا عن أن يوحّدوا بين بلدين؛ فاليمن أصبح يمنين، وسورية أربعة بلاد: فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، فهي أصلها بلاد الشّام.. فكيف الإسلام والقرآن في خمسين سنة وحّد نصف العالم القديم؟
فالآن القرآن لا يزال موجودًا، ولكن لا نفهم ولا نحسن قراءته، فنقرؤه لا للفهم، ولا لأنه أوامر الله عزَّ وجلَّ لنمتثلها وننفِّذها، ولا لتحذيرات الله عزَّ وجلَّ وإنذاراته ومحارمه التي فيها هلاكنا لنجتنبها، ولا نقرؤها وصايا أرحم الرّاحمين لنتخلق بها وننفّذها، ولسان حال القرآن كما نطق القرآن: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
نفرح بجلد المصحف وتذهيبه وورقه المصقول.. ولمّا توفي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يوجد مصحف بين أيدي المسلمين، كان مصحفهم مكتوبًا على العظام، قد كُتب آيتان على كتف الغنم، وعلى الكتف الثاني ثلاث آيات، وكذلك على الحجر وعلى ورق النّخيل، وكانوا يحفظونه سورة أو سورتين، وبعضهم يحفظ ما تيسر له.
فبهذا القرآن المكتوب المفرَّق المجزَّأ وحَّدوا العرب وجزيرتها في عشر سنين، ونصف العالم في خمسين سنة.. وإذا أردنا أن نكون جادّين عالِمِين بالتّاريخ ونقرأ القرآن قراءة جدّية إيمانيّة إسلاميّة فعلينا أن نقرؤه للعلم، فنعلِّمه أبناءنا، لا تلاوة ألفاظه، ولا التّنغم بموسيقاه التّجويدية، بل نقرؤه ككتاب علم، وكتاب تربية، وكتاب أخلاق، ورسالة من جبار السَّماوات والأرض، من فاطر السَّماوات والأرض، ليس من رئيس الجمهورية، ولا من كلينتون، ولا من غورباتشوف، بل من خالق الكون والوجود، فمن هو المرسِل؟ ومن هو المرسَل إليه؟
ربى القرآن العرب فوقفوا عند أوامره ونواهيه
فلمّا عرف العرب القرآن بواسطة المعلّم الأول سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والمؤدّب الأول، والمربّي الأول، والمزكّي الأول، والحكيم الأول، علَّمهم ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ [البقرة: 129] ليس تلاوته بل علومه وأخلاقه، وربّاهم ودرَّبهم على تنفيذ أوامره، والوقوف عند حدوده، والتّحرُّز من محرّماته بكلّ جوارحهم وبكلّ أعضائهم: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30] فغضّوا أبصارهم، وقرؤوها ليغضّوا فغضّوا، وليحفظوا فروجهم فحفظوا، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2]. فالخشوع من صنع القلب، والقلب متى يخشع؟ لا يخشع إلّا إذا جُرِّد من كلّ محبوب فيه وملأت ساحاتِه محبّةُ الله عزَّ وجلَّ وذكره من وارث مُحمَّدي نبوي؛ لأنّ الطّيران لا يُتعلَّم من قراءة الكتب بل على يد طيّار، ولا تصير سبّاحًا بقراءة الكتب فلا بدّ من تدريب على يد سبّاح، وكذلك الحدادة، والنّجارة، فلا بدّ من الصّحبة، ولا بدّ من التّعليم العملي والنّظري البصري.. فالمسلم ما دخل هذه المدرسة، ولا فتّش عن معلّم ولا عن مدّرب، ففي أمور الدنيا في النجارة يركض إلى معلّمه ومدربه، وفي الحدادة كذلك، وفي الطب كذلك، وفي الهندسة كذلك، فيتخرّج طبيبًا أو مهندسًا أو نجارًا أو حدادًا.
أمّا ليصير مسلمًا.. وكلمة مسلم تعني كلّ إنسان من رجل الدّولة إلى أصغر إنسان؛ لتجعل منه الإنسان الفاضل، والعالم المتعلِّم، والحكيم، والحكيم: الذي يفعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشّكل الذي ينبغي، وأن يُصيب في قوله وعمله فلا يخطئ، فهذا معنى الحكمة.. فهل نقرأ كتاب الله عزَّ وجلَّ على هذه الأسس وعلى هذه القواعد ومن أجل هذا الهدف؟ فقط نقرؤه على الأموات، فما فهموه في حياتهم فهل سيفقهونه في قبورهم؟
لو أنّ شخصًا حُرِم أكل البقلاوة [نوع فاخر من الحلوى] في حياته، فبعد أن وضعوه في الكفن دهنوا بدنه بالعسل فهل يستفيد؟ ولو ملؤوا المغطس عسلًا وغطَّسوه فيه فهل يستفيد منه بعد الموت؟ فإذا كان في حياته ما انتفع من القرآن فمن باب أولى ألَّا ينتفع به بعد موته، ولذلك في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُقرَأ القرآن على الأموات؛ لأنّ القرآن للأحياء لا للأموات، ونحن في حال الحياة لا نقرؤه القراءة المفروضة، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ فهل تقرؤه بالتّفكر والتّفهم والتّدبّر ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [مُحمَّد: 24] أم أنّ القلب مقفل عن فهم معاني القرآن وغاياته وأهدافه؟ فتقرأ الأوامر فلا تشعر أنّ الله عزَّ وجلَّ يأمرك، وتقرأ النّواهي فلا تشعر أن الله عزَّ وجلَّ ينهاك، وتقرأ المرغِّبات فلا تشعر أنّ الله عزَّ وجلَّ يرغِّبك، فأنت ما قرأت ولا سمعت، سواء في الصَّلاة أو خارج الصَّلاة.
المسلمون اليوم إلى الوراء بسبب هجرهم للقرآن
فإلى متى والمسلمون بكلّ أنواع ما يتفنّنون من ثقافات ومن مجالس وجامعات لا يزالون إلى وراء وإلى وراء، فخلال خمسين سنة هل استطعنا أن نحرّر من فلسطين شبرًا واحدًا؟ على العكس، تجاوز الاحتلال فلسطين إلى لبنان وسوريا ومصر.. ولن نتقدم ما لم نرجع إلى القرآن؛ قرآن العلم والعمل، والمعلّم الحكيم المربّي المزكّي، ونرتبط به كما يرتبط تلامذة ومريدو أم كلثوم [مغنية معروفة] بأم كلثوم، فإذا جاءت أم كلثوم إلى دمشق ومشت في الشّوارع ترى كلّ الذين في الشّوارع مريدين، وكلّهم يسرعون إليها يلتمسون البركات ويلثمون الأيدي، وأيضًا هناك منهم من يلثمون الأرجل، هل ينتقدهم أحد؟ أليس كذلك؟
ولو جاء المغني عبد الوهاب، أو مُحمَّد علي كلاي [ملاكم أمريكي]، ماذا يعني مُحمَّد علي كلاي؟ ملاكم، ما الملاكمة؟ فالحيوانات تلاكم أفظع من الإنسان، فتجد البغل ملاكمًا، ويلاكم من الخلف أيضًا، ولا يستعمل عيونه.. مُحمَّد علي كلاي إذا أراد أن يلاكم من ظهره فهل ينجح؟ لكن الحمار ينجح، ولو أجرى الملاكمة من الخلف هل يصيب أم لا يصيب؟ وكذلك البغال. [يذكر ذلك الشيخ على سبيل الفكاهة وهو يضحك، مشيراً إلى أن المسلمين عظَّموا توافه الأمور وحقَّروا الأمور العظيمة]
فإلى أي حال صار واقع المسلمين؟ تغيرت التسميات، فالذي يدعو إلى المنكر يسمونه فنّانًا، وبطل الإسلام صار لاعب كرة القدم بدلًا من سعد وخالد، مع أنّ العلماء نجوم الأرض، فصار النّجوم الذين يصنعون الأفلام الماجنة والخليعة.. هذا مسخ لشخصيّة الإنسان العربي والمسلم، صارت الأفلام أفلام الجرائم، وأفلام تعليم الأولاد عقوق الوالدين، ونشوز الزوجة على زوجها، وهذا واقع في أمريكا وفي أوروبا، ويقلّدهم من يقلدهم في هذه الأمور الرّخيصة المخرِّبة المفسدة، وليتنا قلدناهم في الأمور الرّاقية الاقتصادية والزراعية والصحية والعلمية، فكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((الحكمة)) والحقيقة ((ضالة المؤمن، أينما وجدها التقطها)) 3 .
لا نفرح بكثرة التلاوة وإنما بالفهم والتطبيق
فيجب عندما نقرأ القرآن ألّا نفرح بكثرة التّلاوة، بأن قرأنا جزأين أو ثلاثة؛ بل كم فهمت ممّا قرأت؟ وكم عزمت على أن تنفِّذ ما قرأت من رسالة الله عزَّ وجلَّ؟
فنحن الآن في سورة نون، فذكر الله عزَّ وجلَّ فيما قبل الدّرس قصّة أصحاب البستان الذين كان أبوهم يُخرج الزّكاة وأكثر من الزكاة فكان يقسّم إنتاج مزرعته ثلاثة أقسام: ثلث يرده مصارف على المزرعة، وثلث يدّخر به قوت عياله، وثلث كان ينفقه على الفقراء والمساكين، فلعدم وجود هذا التّشريع عند الأجانب اخترعوا الشّيوعية والاشتراكيّة، بينما في الإسلام: وصل المسلمون بتطبيق الإسلام في الدّولة الأمويّة إلى أنه كان ينادي المنادي في زمن عمر بن عبد العزيز: “هل من أعزب فنزوجه؟ وهل من فقير فنعطيه؟” فينادي المنادي وإذ بعموم الشّعب في غنى وبحبوحة وفي رفاه وقد جعلوا الأوقاف من رعاية حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان، فأوقفوا “مرجة الحشيش” [منطقة في وسط مدينة دمشق كان يقام عليها معرض دمشق الدولي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين الماضي] جعلوها وقفًا للدّواب التي بلغت سن العجز عن العمل فكانوا يرسلونها إلى مرجة الحشيش، فترعى من مرجها وتشرب من مائها وتأوي إلى إصطبلها في المساء، ووقفوا وقفًا للقطط وللكلاب التي لا صاحب لها حتَّى لا تجوع، هذه حقوق الحيوان.. والآن لا يوجد حقوق لإنسان ولا حيوان ولا أولاد، حتَّى لا حقوق للوالدين ولا حقوق للأرحام، وممّا ورد في الأثر: ((إن الله يسأل العبد عن صحبة ساعة)) 4 .
قصة مع الحجاج
أمر الحَجاج بإعدام أحد الثّائرين على الدّولة، وكانوا يُعرضون عليه كما يُعرَض اليوم على المعدَم: “ماذا تشتهي قبل قتلك؟” فقال لهم: “أنا أشتهي أن أمشي مع الحجاج عشر خطوات”، فبلَّغوا الحجاج فمشى معه، فقال له: “ما الذي استفدت من هذه الخطوات؟” قال له: “استفدت فائدة كبيرة”، قال له: “ما هي؟ ” قال له: “ورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ((إن الله يسأل العبد عن صحبة ساعة)) -لم يكن هناك ستون دقيقة في ذلك الوقت مثل الآن- المقصود من السّاعة في اللغة: “الوقت مهما كان قليلًا”، فقال له: “صار بيني وبينك صحبة في هذه الخطوات العشر، فسيسألك الله عزَّ وجلَّ ماذا فعلت بصاحبك، هل أديت حق الصحبة، فبماذا ستجيبه، هل تقول له: إنّك قطعت رأسه؟” ففكّر الحجّاج ثمّ قال له: “واللهِ لقد أحكمت العملية، فإذا قتلتك أكون قد خالفت أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم” فأصدر عفوًا وعفا عنه.
هكذا كانوا يفهمون الإسلام.. وعندما ضرب عمر بيده صدر أبي عبيدة رضي الله عنهما وقال له: “نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام” ليس إسلام اللقب، ولا إسلام الانتماء والانتساب، بأن تقول: “أنا مسلم”، فتستطيع أن تقول: “أنا رئيس الجمهورية”، “أنا كلينتون”، فإذا ادعيت غير ما أنت فيه يضعونك في مستشفى المجانين.. فجِدُّوا واجتهدوا لنعود إلى مدرسة القرآن تعلُّمًا وعملًا، وفي صحبة المعلّم المدرّب المربّي الحكيم، فمن لا معلّم له ولا شيخ له فشيخه الشّيطان.
قصة أصحاب البستان
فنعود إلى التّفسير، بعد هذه المقدمة.. فبعد أن ذكر الله عزَّ وجلَّ قصّة أصحاب البستان، وأنّ الأولاد خرجوا ونشؤوا بعكس سيرة أبيهم، وعزموا على ألَّا يساعدوا الفقراء؛ فبنيّة السّوء سلبهم الله عزَّ وجلَّ النّعمة، وأنزل على بستانهم وزروعهم الصّقيع، قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ [القلم: 20] كاللّيل المظلم، بمجرد النّيّة، ولم يكونوا قد قطفوا بعد، ولم يمنعوا بل نووا ألَّا يؤدوا زكاة مالهم، فهذا درس لنا معشر المسلمين وهو: “إيّاكم أيّها المسلمون أن تعصوا الله بأفكاركم وبنواياكم وبإرادتكم، فكيف إذا كان يعصي المسلم ربّه في كلّ أوامره في صلاته وفي زكاته وفي أخلاقه وفي سمعه وفي بصره وفي حبّه وفي عداوته وفي بيعه وفي شرائه، وبعدها يريد الجنّة خالدًا فيها أبدًا!
دخول الجنة لا يكون بالأماني
هذا كما قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ أي دخول الجنة ﴿وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: 123-124] هل أنتَ مؤمن أنّ هذه أفعى؟ فإذا آمنت أنّ هذه أفعى وحيّة فهل يكون أثر إيمانك أن تضعها عند فمك وتدعها تمص شفتيك؟ فالإيمان الحقيقي هو الذي يقتضي العمل.. وإذا وهبك أحدهم مئة ألف ليرة، وقال لك: هذه هدية منّي، وصار عندك علم بهذه الهدية، فما مقتضى العلم؟ أن تقول له: عفوًا لا آخذ؟ فالعلم الحقيقي هو الذي يثمر العمل، وإذا لم يثمر العمل فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((أشدّ النَّاس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه)) 5 .
التّقوى هي تنفيذ أوامر الله عزَّ وجلَّ واجتناب محارمه
وهذه هي السّورة الثّانية من نزول القرآن، فأوّل كلمة من الوحي من السّماء إلى الإنسان: ﴿اقْرَأْ﴾، وتعد سورة “اقْرَأْ” مكافحة الأمية، سواء في الكتابة والقراءة أو في الفهم والعلم، وفي إحدى أوائل السّور نزولًا، وهي سورة الليل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل:5-6]، فمكافحة الفقر ومكافحة الجهل من أول ما نزل من القرآن. وفي سورة نون ذكر مكافحة الفقر عن طريق القصة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القلم: 34] التّقوى: هي تنفيذ أوامر الله عزَّ وجلَّ واجتناب محارمه.. فإذا تركت الحرام في القول والعمل وفي الأعضاء والجوارح، حتَّى في الفكر وفي النّيّة.. ما الحسد؟ فالحسد شيء نفسي، وكذلك الحقد والغش والكبر.
فالتّقوى: أن تعمل ما أمرك الله عزَّ وجلَّ به، وأن تترك ما نهاك الله عنه.. فمن جملة ما أمرك به العلم، ومن جملة ما نهاك عنه الجهل، يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من لم يدع قول الزور والجهل)) بأي شيء نترك الجهل؟ بالتّعلم، وكيف يكون التّعلّم؟ بالمعلّم.. كان السّلف الصّالح يمشي أحدهم أربعين يومًا ليسمع حديثًا واحدًا من عالم الحديث، أربعين يومًا لأجل حديث.. فتجد المسلم اليوم لعلّه في سنة لا يحضر مجلس علم، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: من لم يدع مجالس الجهل؛ اللغو والبطالة وتضييع الأوقات فيما لا نفع منه وما أكثرها، ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) 6 .
جهاد الدعوة
بعد أن ذكر الله عزَّ وجلَّ في هذه السّورة جهاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جهاد الدعوة، وما لاقى من معارضات بكلّ طاقات المشركين وعبدة الأصنام، كما ذكر الله عزَّ وجلَّ قولهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: 5] فلنا خمسين إلهًا فقال: “يجب أن نلقيها كلها ونترك إلهًا واحدًا”، فأيّهما أفضل الخمسين أم الواحد حسب عقلهم؟ ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ على ملّة، فنحن على ملّة آبائنا ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23]
ماذا لقي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وماذا خاض من معارك؟ وماذا لاقى من إيذاء بالأقوال وبالأعمال، وبكل أنواع الإيذاء ومن مؤامرات، ومن تدبير اغتيالات، ومن حروب وقتالات؟ كل ذلك من أجل إنتاج الإنسان العربي الذي حرّر شعوب نصف العالم، والذي لم يحرّرها من الاستعمار فقط، بل من الجهل ومن التّخلّف ومن الفقر ومن التّناحر، حتَّى جعلها كالجسد الواحد.. هذا هو الجهاد في سبيل الله، وهذا هو سبيل الله عزَّ وجلَّ؛ أمّا قتال الغرب ففي سبيل الاستعمار ليأخذوا ثروات الشّعوب وخيراتها، وينشروا فيها الأمراض الجسديّة والفكريّة والأخلاقيّة، لتبقى ضعيفة متفكّكة وليمتصّوا خيراتها إلى ما يشاؤون.
فبعد أن كان القرآن يناقش الإنسان العربي بالمنطق والحكمة والبرهان والإقناع، لكن إصرارهم على ما هم عليه فلم يستجب بعضهم له، فالتّقاليد ليس من السّهل أن يتخلى عنها الإنسان، فالطّبيب يقول لك: “إنّ الدّخان مضرّ، والدّخان قاتل، والتّنباك والتّبغ سموم”، وتجد الطّبيب نفسه يدخِّن! فهذا عالم لم ينفعه الله عزَّ وجلَّ بعلمه.. ولكنّ المسلم الآن عندما يقرأ القرآن لا يقصد أن يفهمه، فعندما تفتح القرآن الآن اسأل نفسك: هل تقرأ القرآن لتقرأه أم لتفهمه؟ ولتفهمه لتعمل به وتنفذه أو لمجرد القراءة فقط؟ وإذ يأتي الجواب: “لا لا، أنا لا أقرؤه لأعْلمه، ولا أقرؤه لأفهم أوامره فأنفّذها، ولا أقرؤه لأفهم نواهيه ومحارمه لأتركها؛ إنّما أقرؤه للقراءة كما يقرأ شريط المسجِّل، فإذا سألنا الشّريط: “هل فهمت شيئًا؟” لأجاب: “لا”، وإن سألته: “هل تريد أن تطبِّق وتنفِّذ شيئًا؟” لأجاب: “لا”، فربّ تال يتلو القرآن والقرآن يلعنه 7 ، وكما قال الشّاعر
رُبَّ تالٍ يتلو القُرَانَ بفيهِ وهْو يُفضي به إلى الحرمانِ
تقوية قلب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
فبعد أن ذكر الله عزَّ وجلَّ الجدل والمعركة بينه وبين قريش، وكيف حاربوا رسالة الله عزَّ وجلَّ، بسبب الحفاظ على زعاماتهم، أو حرصًا على تقاليد آبائهم، أو دفاعًا عن شيء تعوّدوه أبًا عن جدٍّ عن جدِّ جدٍّ، فترك المألوف أشد من ضرب السّيوف، فأراد الله عزَّ وجلَّ أن يقوّي معنوية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ لا تشغل بالك بهم، وابقَ صامدًا في المعركة، وجزاؤهم ومحاسبتهم عليّ، ثمّ قال تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: 44].
فهذا مغرور بقوّته، وهذا بثروته، وهذا بزعامته؛ ولكن إذا صار الإنسان في حرب مع الله عزَّ وجلَّ، فإنّ الله يمهل ولا يهمل، ((وإنّ الله لا يعجل لعجلة أحدكم)) 8 ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاس بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ [فاطر: 45] متى جاء الموعد في الدّقيقة المحدّدة فإنّهم ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً﴾ عن العقوبة ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34].
كيد الله عزَّ وجلَّ متين
﴿فَذَرْنِي﴾ وأنا أكفيك أمرهم، فأنت نفّذ الرّسالة ولا تهتم.
﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يعني إلى العذاب، وإلى الانتقام، درجة فدرجة، وهم مغرورون بمالهم وقوّتهم وجاههم فهذا استدراج، ولو عرفوا ما هي الحقيقة لمّا غرّتهم مظاهر دنياهم.
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ [القلم: 45] الإملاء تأخير عقوبة المذنب والمجرم، فيظنّ المجرم والمذنب كأنّه لا يوجد إله ولا عقوبة، ولمّا دعا موسى وهارون عليهما السَّلام على فرعون قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: 89] قال: فكان بين إجابة الدّعوة وبين تنفيذها أربعين سنة.
فلا تغتر بحلم الله ولا بشبابك ولا بقوّتك ولا بجاهك ولا بسلطانك ولا بثروتك.. كن مع الله عزَّ وجلَّ في مدرسته.. وأعطِ كلّ عقلك وسمعك للقرآن ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: 204] بالتّدبّر والتّفهم، فماذا يريد الله عزَّ وجلَّ من كلامه معنا؟
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ سأؤخرهم ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [القلم: 45] عندما يريد أحدهم أن يكيد للآخر يستقبله ويضحك له ويقول له: “أهلًا وسهلًا”، وبعد ذلك يفعل ما خطّط له من مكيدة، فهل هذا التّعظيم والتّرحيب والتّأهيل يسمّى تكريمًا أم كيدًا؟
فإذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يكيدك فكيد الله عزَّ وجلَّ متين قوّي لا يفشل، أمّا كيد البشر فقد ينكشف أمره من أول لحظة فينتبه، أمّا كيد الله عزَّ وجلَّ إذا أراد أن يكيدك أو يكيد أُمَّةً أو يكيد أي إنسان فكيده متين لا يفشل.. فاحذر يا أخي، واحذر يا بني، واحذري يا أختي! فلا تغتروا بالشّباب ولا بالجمال ولا بالمال ولا بالقوّة ولا بالسّلطان، فإذا أتت ساعة الحساب، وانتهى وقت الكيد، وظهرت العقوبة، فلا أحد يستطيع أن يتخلّص من تنفيذ عقوبة الله فيمن يريد الله عزَّ وجلَّ معاقبته.
لا يعلم الغيب إلا الله عزَّ وجلَّ
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [القلم: 46] لماذا يعرضون عنك ولا يتقبّلون رسالتك؟ فهل تطلب منهم أجرة، والأجرة كثيرة ويرونها ثقيلة عليهم مثل الغرامة؟ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعام: 90] فهو معلّم بالمجّان ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ [القلم: 47] كانوا يقولون: بما أنّ الله أعطانا في الدّنيا فهذا دليل على أن لنا كرامة عنده، فالذي يعطيه الله في الدّنيا سيعطيه في الآخرة، فردّ الله عزَّ وجلَّ عليهم فقال: هذا شيء مغيَّب، فهل اطلعوا على اللّوح المحفوظ وعلى غيب الله ورأوا أّنهم من أهل الجنّة حتَّى يقولوا هذا القول؟ فهذا قول إنسان غير عقلاني، ومن منطلق غير المسؤولية وغير المنطقي وغير العقلانية، وكلّهم معرضون ومعادون ومؤذون بالأقوال وبالأعمال وبكلّ وسائل الإيذاء، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحده.
القرآن موجَّه إلى كل إنسان
قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: 48] فحكم ربّك أن يمهلهم، وحكمك أن تبلِّغهم وأن تصبر وتصمد في معركة الدّعوة والتّبليغ.
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ تبلَّغ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الحكم، فهل هذا الكلام للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقط؟ وهل أُنزِل القرآن لشخص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ يعني إذا مات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعد هناك حاجة له، لأن المكتوب فقط له ليفعل ويترك، وقد فعل وترك، فعل ما أمره الله وترك ما حرّمه الله عزَّ وجلَّ، فإذا كان القرآن للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيجب أن يُرفَع القرآن ويُحرَق!
فهذا القرآن موجَّه إلى كلّ إنسان وإلى يوم القيامة، فواجب على كلّ مسلم، والإسلام يأمر كلّ مسلم بالدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ وبالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وماذا كان عمل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ دعوة إلى الله وأمر بمعروف ونهي عن المنكر.. وماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه؟ فهل نزل القرآن عليه؟ فأيضًا أبو بكر رضي الله عنه دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وكذلك الصحابة بأقوالهم وأموالهم وأرواحهم ودمائهم، وتركوا أوطانهم ليبلِّغوا رسالة الله إلى عباد الله. فأنت أيها المسلم: من شاب أو كبير سن أو صانع أو مزارع أو عامل أو طالب أو تاجر؛ وأنت أيتها المرأة: من متزوجة أو شابة أو معلِّمة هل تفهمين القرآن ومسؤوليّتك تجاهه بأنّ القرآن الآن موجَّه إليكِ؟
﴿فَاصْبِرْ﴾ عليك أن تصبر، فإذا لقيت المعاندين يجادلونك فقد علَّمك الله عزَّ وجلَّ طريقة الجدل كيف ترد الباطل بالحقّ.. فهل عملت على وقاية ابنتك وابنك وزوجتك وأبيك وأختك من نار جهنّم بدعوتهم إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأمرهم بفرائض الله، ونهيهم عن محارم الله؟ فهذا خطاب موجّه إلى كلّ مسلم ومسلمة، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في سورة التّوبة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، كتلة واحدة كشخص واحد.
ترك المسلمون اليوم المودة فيما بينهم والتّعاون
هل المسلمون الآن هكذا سواء العائلة أو الإخوة أو أبناء العمومة أو الشّركاء أو أصحاب المهنة الواحدة؟ ترى طبيبًا ينتقص طبيبًا آخر- ليس كلهم- والمحامي كذلك، وصاحب المحل يقول عن جاره: “بضاعتي أفضل من بضاعته”، حتَّى المنسوبين للدّين والعلم قد يقع بينهم هذا الأمر، فهذا دليل ضعف الإيمان، وضعف التّربيّة، والجهل بدل العلم، ففي العلم والقرآن: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، و((كالجسد الواحد)).
وبعد أن ذكر وحدة المسلمين ثنّى بقوله: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: 71] هذا موجَّه لكلّ واحد يقول: “أنا مسلم”، ولكلّ واحد يقول: “أنا مؤمن بالقرآن” ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6] هذه هي الهداية، وها هو الله عزَّ وجلَّ يهديك ويقول لك: عليكم أن تكونوا كتلة واحدة أيّها المسلمون، فها أنا أهديكم إلى الوحدة، وعليك أن تنبذ التّفرق، وتضع الأنانية والمطامع على جنب، ويكون كلام الله عزَّ وجلَّ إمامك ودليلك في الحياة.
الأمر بالمعروف فريضة
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: 71] إذا كان قد ترك فريضة من فرائض الله عزَّ وجلَّ، سواء فريضة من عبادة أو عمل أو حقوق أو معاملة أو ظلم أو حقد أو حسد أو غيبة أو نميمة أو ترك الصَّلاة أو منع الزّكاة، فمن فرائض الله عليك أن تأمر بالمعروف كلّ إنسان، فالكافر تأمره بالإيمان، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك تارك الصَّلاة، ومانع الزكاة، وعاقّ الوالدين، والمسيء للجيران، والزّوج الظّالم لزوجته، والزّوجة الظّالمة لزوجها، والقوّي مع الضّعيف، قال تعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران: 110] فهل آمنا بهذه الآية كما نؤمن بالأفعى فنجتنبها، وبالمال النّقدي إذا قُدِّم هدية فنتقبله، هل آمنا هذا الإيمان؟
((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه)) ما الإيمان؟ عندما تكون عطشانًا وتؤمن أنّ هذا ماء تشربه، لكن عندما تؤمن أنّه مازوت هل تشربه؟ لا، لماذا امتنعت؟ لعلمك بأنّه لا يصلح للشّرب، فإذا لم تعرف الإسلام المعرفة القلبيّة، بأن يصبح لك قلب عند صَنَّاعي القلوب وعند أطبّاء القلوب، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ في القرآن ﴿لَذِكْرَى﴾ [ق: 37]، وقال أيضًا: ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ في القرآن ﴿لَذِكْرَى﴾ [ق: 37] لمن؟ ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ عندما يقرأ القرآن بكلّ تدبر، حتّى يشهد الأشياء الكلاميّة كأنّها وقائع مشاهدة ومنظورة.. هكذا يُقرَأ القرآن، ولا يكون الإيمان بالقرآن إلّا بهذا الأسلوب القرآني.. فالمسلم الآن لا يفعل هذا؛ لأنّه لا معلّم له، ولا مربّي له، ولا مرشد له.
طرفة وقصة عن رجل منعته زوجته من التصدق
حضر أحد الأشخاص درسًا لأحد الشُّيوخ، فسمع في الدّرس أنّ من يتصدّق بصدقة على فقير فكأنّما فكّ حنك سبعين شيطانًا، فذهب إلى بيته ولم يكن عنده مال، وفكَّر، فدخل إلى بيت المؤونة وأخذ قليلًا من الطّعام، من موجودات البيت، ووضعها في ثوبه وخرج ليعطيها لأحد الفقراء في حيّه.
فرأته زوجته فقالت له: “ماذا تفعل؟” فقال لها: “واللهِ سمعت في الدّرس من الشَّيخ كذا وكذا”، فقالت له: “هل بسرعة لعب بعقلك؟ ارجع وأعد كلّ شيء إلى مكانه”، اختلافا ثمّ تصارعا، فكانت أقوى منه، فأوقعته على الأرض وانسكب الطعام على الأرض.. ثمّ عاد إلى درس الشَّيخ فرأى الشَّيخ وجهه قد اختلط بعضه ببعض، سأله: “خيرًا ما بك يا بني؟ إن شاء الله فككت حنك سبعين شيطانًا؟” فقال له: “واللهِ يا شيخي فككت حنك سبعين شيطان، لكنّ أمّ الشّياطين فكت حنكي!”.
بمَ ينتفع ابن آدم بعد الموت
فيا إخواني سنموت.. واللهِ سيأتي يوم من الأيام سنُجرَّد من ثيابنا ونُلَبَّس الكفن، واللهِ لنخرجنَّ من قصورنا ونوضع في حفرنا، وستُقسَّم أموالنا، ونساؤنا ممكن أن يتزوجن والله أعلم، وأولادنا: الأولاد منهم قرّة العين، ومنهم زينة الحياة الدنيا، ومنهم كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ [التغابن: 14] فلن تنتفع إلّا من الولد الصّالح، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) 9 ، فلنستعد إلى عمر الخلود والأبد في عمر الزوال والمؤقت.
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: 48] فالدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ فرض على كلّ مسلم، وكذلك الأمر بالمعروف، وستلقى الإيذاء والانتقاد والعداوات والإضرار، لذلك عليك أن تكون حكيمًا ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269] وكذلك ((أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر)) 10 ، فليس المقصود من السّلطان الحاكم، بل كلّ متسلّط، ولو كان زوجًا متسلّطًا على زوجته فهذا سلطان جائر، أو كان أخًا قويًّا متسلطًا على إخوته الصّغار: فهذا سلطان جائر، وهكذا.. لكن كلمة الحقّ يجب ألَّا تكون بفظاظة وغلاظة، كلمة الحق كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ بكلمة حق، لكن بماذا؟ ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125] أمّا إذا كانت كلمة الحق بالفظاظة والغلاظة فمرفوضة؛ لأنّها مخالفة لتعاليم الله عزَّ وجلَّ وتعاليم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومخالفة للحكمة التي هي ثلث الدّين.
العلم والحكمة والتّزكية
فثلث الدّين الأوّل: أن تتعلّم القرآن وعلومه، لتفهمه وتعمل به وتعلِّمه، فإذا تعاملت مع القرآن بهذه الأوصاف فقد تعلّمت القرآن.
والحكمة: هي الصّواب في القول والعمل، وأن تنجح في عملك بإتقان دراستك للأسباب والمسبَّبات.
﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: 129] تزكية النّفس وتنقيتها من رذائلها، وتزيينها بفضائلها، هذا هو الإسلام.
وهل من الممكن أن تصبح نجّارًا من غير معلّم أو حدّادًا من غير معلّم أو ميكانيكيًّا من غير معلّم أو طبيبًا من غير معلم؟ فمن أستاذك الذي علَّمك الحكمة، والذي علَّمك القرآن، والذي زكّى نفسك؟ لا يوجد؛ فإذًا أنت لستَ مسلمًا. إن لم تدخل كلّيّة الطّبّ، فكيف تكون طبيباً؟ وإذا لم تحصل على الثّانوية، ولست أستاذًا؛ فهل تستطيع أن تقول عن نفسك: “إنّك مثقف؟” وإن لم تجلس مع نجّار من النّجارين، وتأخذ العدّة واللوازم وتصبر، فهل تدَّعي أنك نجار؟ ألّا يضربك الناس عندما تخرب أخشابهم؟ نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم: 48]، من صاحب الحوت؟ ﴿وَذَا النُّونِ﴾ [الأنبياء: 87] صاحب الحوت، فمن هو صاحب الحوت وذا النّون؟ النبي يونس عليه السَّلام، وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن سورة يونس، وقال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: “إيّاك أن تفعل كما فعل يونس”، فماذا فعل يونس عليه السَّلام؟ أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى قومه في جهات الموصل في بلدة اسمها “نينوى”، وهي موجودة الآن، فدعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ. ومعنى دعاهم إلى الله: أي أنّ عليك أن تجلب وتحضر الأحجار من الجبل، فتنقّي حديدها من ترابها، وتصهره وتذيبه فتجعله طائرة وسيّارة ومصنعًا وغير ذلك، هل هذا أمر سهل؟ أم بمجرد ما تذهب إلى جبل الحديد تقول له: “كن سيّارة”؟ فهل بالتمني يكون؟ بل يحتاج إلى تعب.. والإسلام جهاد، كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا رجع من معركة الحرب يقول: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى)) 11 ، سواء أكنت تجاهد نفسك أم تجاهد نفوس الآخرين.
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطنّ الله شراركم على خياركم، ثمّ يدعو صالحوكم فلا يستجاب لهم)) 12 . يقول لك: “شيخي ادعُ الله لنا”، قل له: “لو دعوت لك فإنّ الله لن يستجيب” لماذا؟ لأنّكم لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر.. فليسلطنّ الله شراركم على خياركم، ودعاء الصّالحين صار غير مقبول.. في البداية دعهم يُصلحون أنفسهم كي أقبل دعوتك فيهم.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ وهو يونس عليه السَّلام، دعا قومه شهرًا وسنةً وسنينًا، وهم في إعراض وفي إدبار وفي إيذاء وفي سباب وفي شتائم، والآن تجد كثيرًا من النَّاس يعادي الشيخ مع أنّه لم يرَ الشَّيخ ولم يسمع كلامه ولم يعرف أعماله، لماذا؟ هل رأيتم أحدًا يعادي طبيبًا لم يره ولم يتطبّب عنده ولا جلس إليه؟ وهل رأيتم إنسانًا يعادي تاجرًا ما رآه ولا سمع كلامه ولا تعامل معه؟ وهل يذكر بسوء راقصة أو عاهرة أو فاجرة لم يرَها ولم يجلس معها؟
عاقبة بغض العلماء
لكنّك ترى كثيرًا من النَّاس في مجالسهم كلّ همهم الهجوم على الدّاعي إلى الله الذي يريد أن ينقلهم من الظّلمات إلى النّور، هذا مصداق قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أبغض المسلمون علماءهم، وأظهروا عمارة أسواقهم، وتألَّبوا)) ليلهم ونهارهم ودينهم وديدنهم ((على جمع الدراهم؛ ابتلاهم الله بخصال، منها: القحط من الزّمان))، ألا ترون القحط الآن وقلة الأمطار؟ وقد مضى أكثر فصل الشتاء،فأين المطر وأين الثلوج؟ أذكر أن الثلج كان فيما مضى يبقى في هذه المنطقة أربعين أو خمسين يوماً.
((القحط من الزمان، والصولة من العدو)) 13 ، الآن إسرائيل تصول وتجول في أجواء لبنان، وتحتل جنوب لبنان والجولان، وقبل ذلك احتلت سيناء، مع أنّها تحرّرت لكنّ الجيوش الأجنبيّة لا تزال محتلّة لها.
فذكر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المرض وأسباب المرض، ((إذا أبغض المسلمون علماءهم)) إن سألته: “هل سبّك الشَّيخ؟” لأجاب: “لا”، وهل آذاك الشَّيخ؟ لأجاب: “لا”، وهل أكل الشَّيخ مالك؟ لا، وهل تعدّى عليك الشَّيخ؟ لا، وهل رأيت الشَّيخ؟ لا، وهل سمعت كلامه أو رأيت عمله؟ لا.. فإذًا لماذا هذه العداوة، ولماذا هذا الإيذاء؟ هناك فسّاق وملحدون وكفرة وفجّار وعاهرون وعاهرات، لماذا لا تذكر هؤلاء بسوء؟ لأنه يعمل موظفًا عسكريًّا عند إبليس! قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: 112]. [كان سماحة الشيخ كفتارو رحمه الله يلقى أشكالاً متنوعة وفظيعة من إيذاء المسلمين؛ في عرضه وماله ودينه وغير ذلك.]
وجوب الصبر على الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ
﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: 48] بعد سنين طويلة ما استجابوا ليونس عليه السَّلام، فغضب وتركهم، وذهب حتَّى وصل إلى ساحل البحر، فرأى سفينة فأركبوه في سفينتهم، في أثناء الإبحار هاجت الرّياح وتلاطمت الأمواج وأشرفت السّفينة على الغرق، وكانت حمولتها كثيفة وهي مثقلة بالحمولة فصاروا يخفّفون منها ولكن لا فائدة، فقالوا: يجب أن نخفف من الركاب لأنّ عددهم كبير، فأجروا قرعة، فخرجت القرعة على نبي الله يونس عليه السَّلام، وكانوا يعرفون أنّه من الصّالحين المتّقين، فأعادوا القرعة مرة ثانية فخرجت القرعة على يونس عليه السَّلام، ثمّ أعادوها مرّة ثالثة، فخرجت على يونس عليه السَّلام! فعرف أنّه ملاحَق من قبل الشّرطة الإلهيّة، وذنب الكبير لو كان صغيرًا فهو عند الله عزَّ وجلَّ كبير، فلمّا رأى ذلك خلع ثيابه وألقى بنفسه في البحر، وإذ بالسّجن والزنزانة البحرية جاهزة، وإذ بحوت كبير فتح فمه وابتلعه.
﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ [الصافات: 142] يعني عمل عملًا يُلام عليه من قِبل الله عزَّ وجلَّ، لماذا؟ لأنّه لم يصبر على الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ ولم يصبر على هداية قومه.. إن أعرضوا فيجب أن تصبر، وإن آذوك فيجب أن تصبر، وإن سبّوك فيجب أن تصبر، فهذا كلّه أدب وتعليم لنا.. هل الله عزَّ وجلَّ راوي حكايات من أجل التّسلية؟ لا، لكن أولاً الدّرس موجَّه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد قوبل النّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بكلّ أنواع الإيذاء من القول والعمل، فأحدهم أخذ الرّمح وابنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم راكبة على جمل وهي حبلى، فنخز بها الجمل، فهاج جملها، فسقطت، فأسقطت ولدها وماتت.. هذا في سبيل أن يجعلهم ملوك الأرض.. هذا شأن الدّاعي إلى الله عزَّ وجلَّ، يحصل له إيذاء بالقول وبالعمل، وفي القلب، وغير ذلك.
والأمر الإلهي: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ صاحب الحوت لم يصبر، فإذا هرب من الوظيفة ألا توجد عقوبة؟ والعقوبة الإلهية: في كلّ لحظة لله عزَّ وجلَّ شرطة، وأين ما كنت فله سجون، وأين ما كنت فهناك مخابرات [ملائكة] ومراقبون، ولا تغترّ بحلم الله عزَّ وجلَّ إذا أخّرك، فإذا أصعدوك على الدّرج فأنت تظن أنّهم يرفعونك درجات، لكنّهم ينوون أن يدفعوك في آخر درجة دفعة واحدة، فهل الأفضل أن يدفعوك من أول درجة أم في الآخر؟ هذا هو الاستدراج: درجةً درجةً.. فاحذر أن تكون نعمة الله عليك استدراجًا لك، وأن يكون إعزاز الله لك استدراجًا منه لك، وكذلك صحّتك وشبابك وعزّك وجاهك، فعلى الإنسان ألّا يغتر بحلم الله عزَّ وجلَّ ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ [آل عمران: 133] ما المسارعة؟ بالتّوبة، وتفتيش أحوالك والتّنقيب عن أعمالك، ومسؤوليّتك بين يدي الله عزَّ وجلَّ، في قولك وفي عملك وفي نظرك وفي سمعك وفي معاملاتك مع الخلق.
الأمر بالصبر على الأذى
قال: يا مُحمَّد ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ لأنّ الآيات ذكرت مجادلة من قريش وإعراضهم وإيذاءهم ﴿فَاصْبِرْ﴾ فهذا الكلام موجَّه لكلّ واحد منّا، اذهب لجارك في البناء وقل له: ألست مؤمنًا؟ سيجيبك: “بلى”، فقل له: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: 71] فأنت تارك الصَّلاة، والصَّلاة معروف في الدّين وجوبها، فيجب أن تؤدّيها، فتكلمه بالشّكل وبالأسلوب الذي يتقبّله، ولو أن تدعوه أو تأخذ له هدية، أو تأخذ له زجاجة عطر، بالأسلوب الذي تراه مناسبًا، وبحدود طاقتك، وأقل الدّرجات بالكلمة الطّيبة، وإذا قابلك بالخشونة أو بالسّلبيّة فيجب أن تصبر.
قصة صبر الشيخ بشير الشلاح في سبيل الله
كان الشّيخ بشير الشّلاح رحمه الله تعالى من الفضلاء والصّلحاء والعلماء، وأكثر ما كان يعمل في بناء المساجد وجمع التّبرعات، ذُكر لي أنّه ذهب إلى أحد النَّاس فقال له: “نريد بناء المسجد الفلاني، ماذا يوجد لديك لله؟” ومدّ له يديه مفتوحتين، يبدو أن هذا الرّجل أحمقًا أو مغرورًا، فأخرج بلغمة من فمه وبصق في كفه! ألا يحتاج الأمر إلى صبر؟ إذا لم يكن عنده صبر فإمّا أن يلكمه أو يتسابَّا وتنتهي القصّة.
فأخذ كفيه ومسح ببلغمة هذا الرّجل وجهه ولحيته وقال له: “هذه لي! فماذا يوجد لديك لله؟” هذا سلاح الصّبر، وسلاح الحلم، واللهِ هذه بطولة! ولذلك قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتدرون من الصُرعة فيكم؟)) قالوا: “الذي يصرع الرّجال ولا تصرعه الرّجال”، فقال: ((ولكنّ الصّرعة الذي يملك نفسه عند الغضب)) 14 ، فلمّا تقبّلها بهذا القبول فهذا سيف اللطف وهو أقوى من سيف العنف.
مدّ له يده مرة أخرى وقال له: “ماذا عندك لله؟” فعندما قابله بهذا السّيف ذاب وتلاشى أمامه، ومباشرةً بلا اختيار وبلا إرادة فتح له صندوق الحديد وقال له: “خذ ما شئت!”.
هذه ثمرة ﴿فَاصْبِرْ﴾، فلو أنّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما صبر وعمل كصاحب الحوت؛ ولكنّ أستاذه ربّ العالمين ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: 5].
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ عندما خالف أمرنا مباشرة انتقل للمعاقبة، والمحكمة الفوريّة الآنيّة، لا يوجد تأجيل لشهر وشهرين وخمسة وعشرة، فإذا أجّلك تكون فرعونيًّا، فقد أجّل الله عزَّ وجلَّ فرعون مع أنّ الحكم قد صدر قبل أربعين سنة، فلا تغترُّوا بحلم الله عزَّ وجلَّ.
المسارعة إلى المغفرة
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133] فالمسارعة إلى المغفرة بماذا تكون؟ بالمسارعة إلى التّوبة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: 8] فالتّوبة النّصوح هي ألّا تعود إلى الذّنب كما لا يعود اللّبن إلى الضّرع، فإذا حلب أحدهم البقرة فهل يرجع الحليب إلى الضّرع؟ فهكذا التّوبة الصّادقة أن تترك الذّنب وصحبة المذنبين وصحبة الفاسقين، وتتجه إلى مجالس العلماء ومجالس التّقوى ومجالس الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وتغير كلّ حياتك، هذه هي التّوبة النّصوح.
﴿إِذْ نَادَى﴾ اذكر وتذكّر يا مُحمَّد يونس عليه السَّلام عندما وضعناه في بطن الحوت ﴿نَادَى﴾ اللهَ عزَّ وجلَّ ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ مهموم مغموم مكروب، ويشعر بالهلاك في كلّ لحظة ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [القلم: 49] لأنّه لمّا صار في بطن الحوت شعر أنّه قد فعل مخالفة مع الله عزَّ وجلَّ، وهرب من المأمورية الإلهية، وفرّ من وظيفته: وظيفته الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ والصّبر حتَّى النّفس الأخير ولو بذل الرّوح والمهجة والوجود وكلّ شيء.. هذا هو الإيمان الذي فهمه أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي سبيل هداية الخلق تركوا أوطانهم، وتركوا أزواجهم وأولادهم وأعمالهم؛ ليموتوا في سبيل إنقاذ الإنسان، وإخراجه من الظّلمات إلى النّور، وليسعد في الدّنيا والآخرة، هذا هو الإسلام في المسلم.
الذي لا يعرف إلّا شهواته ليس بمسلم حقيقي
أمّا أن يكون المسلم لا يعرف إلّا البطن والفرج والجيب، ويركض ليل نهار لدنياه، وقد نسي قرآنه، وليس له صلة بالقرآن، وإذا قرأه يقرؤه للقراءة، وإذا سمعه فللنّغم لا للعلم ولا للعمل؛ لأنّه ليس له قلب، والقرآن ذكرى ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37] والقرآن ليس لمن ﴿عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [مُحمَّد: 24] بل لمن فُتِّح قلبه بنور الله عزَّ وجلَّ، وبكثرة ذكر الله، وبصحبة أحباب الله، ولذلك كانت الصّحبة واجبة على المسلم أن يهاجر مئات الكيلومترات حتَّى يصحب المعلّم المزكّي الذي “يعلم الكتاب والحكمة ويزكّيهم”.
﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ من صاحب الحوت؟ يونس، ﴿وَذَا النُّونِ﴾ [الأنبياء: 87] والنّون هو الحوت أيضًا ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ عندما يكون الواحد حزينًا وغضبان ومهمومًا ويكبت، فإذا صرخ في بطن الحوت فما الفائدة؟ يشتكي لمن؟ فحزنه وغمّه وهمّه صار في قلبه، لكنّه في هذه الحال تذكّر أنّه قد خالف أمر الله عزَّ وجلَّ وترك فريضة الله في الصّبر على عباد الله المعرضين الجاهلين الغافلين أصحاب القلوب القاسية.
مغفرة الله تعالى ونعمته
قال تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ فبندمه واعترافه بخطيئته ومخالفته لأمر الله عزَّ وجلَّ ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾ [الأنبياء: 87] أنت الفعّال، وأنت الذي عاقبتني هذه العقوبة، وهذا دليل على أنّ أحباب الله يسارع الله عزَّ وجلَّ في عقوبتهم.. فالطبيب يرتدي الثوب الأبيض، فإذا اتسخ بقدر رأس القلم مباشرةً يخلعه ويرتدي ثوبًا جديدًا، أمّا الحداد فلو اتسخ ثوبه أو سقط عليه حبر أو أي شيء فهل ينظِّفه؟ لا يغسله طول عمره ولا مرّة، وفي آخر الأمر يضعه في الكور ويحرقه مع الفحم، فإذا كنت تعمل السيئات والله عزَّ وجلَّ لا يعاقبك فلا تظن أنّ الله عزَّ وجلَّ غافل عنك، ولا لأنّك مكرّم عنده، فمعنى ذلك أنّه تركك للآخرة، وفي الآخرة أنت مثل ثوب الحداد.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصحِّينا من غفلة القلوب عن الله، ويجعلنا من التّلامذة النّجباء في كتاب ومدرسة القرآن.
﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ ما النعمة؟ عطف الله عليه لمّا اعترف بخطئه قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ فما ظلمتني بما فعلتَ بي ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الانبياء: 87] ائتمنتني على عبادك لأبلّغهم رسالتك، وأمرتني بالصّبر، فما صبرت ولا صمدت، فهربت وتركت.. والهارب من العسكرية ماذا يفعلون معه؟ العقوبة التي نصّ عليها القانون.
﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ بقبول توبته وأوبته ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ﴾ في الصّحراء ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [القلم: 49] لكن تداركته نعمة الله فقبل الله عزَّ وجلَّ توبته وقَبِلَ استغفاره، فنبذه من بطن الحوت وهو غير مذموم، فبتوبته ورجعته إلى قومه قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ بعد خروجه من بطن الحوت ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات: 147-148] هذه ثمرة ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾.
كل أمر فيه خير يحتاج إلى صبر:كان شيخنا يقول لي: “إنّه أتى إلى هذا المسجد وكانت مساحته ستين مترًا، بحصر سوداء، فأمره شيخه بأن يلازم مسجد أبي النّور ولا يوجد فيه منبر ولا مئذنة ولا موضَّأ ولا تواليت”، فلزمه، وقال: “بقيت سنتين وأنا أدرِّس ولا يحضر درسي إلّا رجل أعمى”، فبالصّدق والإخلاص صار ما صار، فنحن الآن نعيش على بركة شيخنا رضي الله عنه بفضل الله وكرمه، فالأمر يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى صمود، فالفسيلة إذا لم تثبت في أرضها لا تنبت لها أوراق ولا تزهر ولا تثمر، فإذا لم تثمر أول سنة فنقلتها، وفي السّنة الثّانية لم تثمر فنقلتها، فبعدها في النّهاية تكون حطبًا لا يصلح إلّا للنّار.
لكن لمّا تداركته نعمة ربه وتاب ورجع إلى قومه ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القلم: 50] فلو لم يتب ولم يرجع ولم يراجع خطأه لما جعله من الصّالحين، فأنت يا مُحمَّد اصبر، فهل استجاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأمر الله عزَّ وجلَّ فصبر؟ صبر فقال: ((ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)) 15 . مضى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فهل انتهت الآيات، وهل انتهى حكمها؟ وهل انتهت صلاحيتها؟ فهذه موجَّهة إلى كلّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة؛ لأنّ مهمّة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانت الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، فقد قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، وقال أيضًا: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ [آل عمران: 104]، وقال أيضًا: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل: 125] فهل هذه فقط للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ بل هذه موجَّهة إلى كل مسلم ومسلمة.
هل تقرأ القرآن لتنفذ أوامر الله عزَّ وجلَّ؟
فهل أنت تقرأ القرآن حتَّى تنفذ أوامر الله عزَّ وجلَّ؟ تقول له: “لا يا ربّ، أنا سأقرأ رسالتك وبلاغك الإلهي السّماوي الرّسمي ولا أريد أن أعمل بأيّ واحد منها”، هذا معنى قراءتك، إذا كان هكذا فالأفضل ألّا تقرأ، حتَّى لا تقوم عليك الحجّة مضاعفة أضعافًا مضاعفة.
ما الذي يمنعك أن تذهب إلى جارك بزيارة لله عزَّ وجلَّ، وبأسلوب حسن لطيف، تدعوه إلى الله عزَّ وجلّ وتذكّره به وبالموت، وبالدّار الآخرة، أين آباؤنا وأين أجدادنا وأين الملوك وأين العظماء؟ مهما عاش في الدنيا سيعيش سبعين أو ثمانين سنة وبعده يخرج جيل ثانٍ، مثل البرسيم الذي يُقَص ثم يخرج جيل آخر.
النَّاس بخير ولكن دعوتهم تحتاج إلى صبر
والنَّاس بخير، أنا رأيت النَّاس في معظم بلاد العالم، من اليابان إلى أمريكا.. من أسبوعين رأيتم رئيس أساقفة أمريكا، لمّا حضر مع خمسة أو ستة من كبار رجال الكنيسة في أمريكا وفي لبنان، وسمعتم بآذانكم ورأيتم بأعينكم أثر الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ بالحكمة والموعظة الحسنة، أمّا سمعتموه هو والوفد معه قالوا: “لا إله إلا الله الواحد الأحد؟” أما رأيتموها بأعينكم وسمعتموها بآذانكم؟ وقال رئيس أساقفة نيويورك: “وأشهد أن إبراهيم وموسى وعيسى ومُحمَّدًا في السماء عند عرش الرّحمن”.
ما معنى عند عرش الرحمن؟ كانوا يقولون عن مُحمَّد: “صنم”، وكانوا يقولون عن مُحمَّد: “دجال”، وكانوا يقولون عن مُحمَّد: “كذّاب”، فلمَّا قرنوه بإبراهيم وموسى وعيسى.. وهل أسمعتم ما قاله المطران الماروني؟ هذا أثر الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ بالحكمة والموعظة الحسنة.. وتذكرون من سنتين اتحاد الكنائس العالمي الذي يمثّل كنائس العالَم؛ وفيه ممثل كنيسة روسيا وإنكلترا وألمانيا وسلوفاكيا، لمّا ألقوا الكلمات بدأها كلّ واحد منهم “ببسم الله الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى ومُحمَّدا رسولان من عند الله”.
رأيتم بأعينكم وسمعتم بآذانكم، هذه هي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وفي الكريملين نفسه لم تكن الاستجابة من عظماء الشّيوعيين بأقل من هذا.
فإذًا النَّاس بخير، لكنّ إذا وضعنا في السّيارة البنزين الممتاز تمشي بشكل ممتاز، وإذا وضعت لها زيت كاز تتعبك في المشي، وإذا وضعت لها حساء وعرق سوس وماء زمزم؟ فلن تمشي.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الحكمة بفضله وكرمه.
يقبل الله توبة من أناب
فإذًا أخطأ يونس وخالف أمر الله عزَّ وجلَّ، ولكنّه تاب وأناب ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾، والآن هل كلنّا خطاؤون ومقصّرون أم لسنا مقصرين؟ فهذا درس للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم تقبَّله وعمل بمقتضاه، فصار ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، فهل أنتم مستعدون أن تتقبّلوا درس الله عزَّ وجلَّ ورسالته؟ على كلّ واحد منا ينطلق إلى جيرانه، وإلى إخوانه، وكذلك تنطلق المرأة إلى جيرانها، وإلى أخواتها، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
نعود إلى قصة الشيخ بشير فقال له: “ماذا عندك لله؟ وبماذا قابلها؟ كما قال تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [الرعد: 22]، وقال أيضًا: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: 96] لو لم يفعل هذا هل كان حصل شيء من الخير؟ بل كان صار الشّر مضاعفًا.
الحكمة أن تتحمّل وتقابل السّيئة بالحسنة
فهذه الحكمة، وتحتاج إلى صبر ﴿فَاصْبِرْ﴾ فحكم ربك أن تصبر، وأن تتحمّل، وأن تقابل السّيئة بالحسنة.. فهل فهم ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصبر؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما أوذي نبي مثلما أوذيت)) ماذا كانت النّتيجة؟ صار ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] والإسلام سيصل إلى ما وصل إليه الليل والنهار، وأنا كفيل بذلك.
تذكرون عندما قلت لكم في سنة الثمانين: “ستنتهي الشّيوعية في عشر سنوات”، فأنا لا أعلم الغيب لكنْ شيء وقع في قلبي، وأنا الآن وقع في قلبي أنّه لا ينتهي هذا القرن إلّا سيسود الإسلام العالم الغربي.. لكن فقط كونوا جنود الإسلام؛ لأنّه إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أمرًا هيّأ أسبابه، فشيء بلا أسباب لا يحصل، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من جنود الله ومن جنود القرآن، وإذا صدَقْنا قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [مُحمَّد: 7] يعني لا تُهزَمون في المعركة.
بعض ما عانى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من إيذاء
﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [القلم: 51] يصف بعض ما عانى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الإيذاء: كانوا إذا سمعوا القرآن أو رأوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ينظرون إليه نظرة مثل الرّصاص الذي يقتل من يصل إليه، ونظراتهم ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ نظرة الحقد والعداء حتَّى ليكاد المنظور إليه من شدّة ما يظهر من غضب زعمائهم وكبرائهم أنّ يتعثر الإنسان ويسقط على وجهه، وقال بعض المفسرين: “إنّهم كانوا يستعملون الإصابة بالعين”، كان هناك بعض الناس قد اشتهروا بالإصابة بالعين، يجوِّع نفسه ثلاثة أيام ثمّ يأخذونه إلى الذي يريدون إصابته بالعين، ويقول له: “ما أحسن صحتك، وما أحسن شبابك! وغير ذلك”، فلا يتركه حتَّى يسقط على الأرض، فأتوا له بالصّائبين بالعين إضافة إلى نظراتهم الحاقدة الغاضبة الماكرة المملوءة بالعداوة.
﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ﴾ يكادون أن يسقطوك على وجهك فتسقط، من شدّة حقدهم ووسائلهم المدمّرة ﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ فذنبك أنّك تريد أن تجعلهم ملوكًا وهم صعاليك، وتجعلهم كالجسد الواحد وهم متناحرون متقاتلون ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [القلم: 51] عن سيِّد ولد آدم علمًا وعقلًا وخُلقًا يقولون عنه: “إنّه لمجنون”، فإذا تكلم النَّاس عليك فقد تكلموا على سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وتكلّموا على الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، “والمنحوس منحوس ولو وضعوا بين عيونه خمسين فانوسًا” فهل يفيد الأعمى سطوع الشَّمس أو ألف شمس أو أكثر؟ فنعوذ بالله من أن نكون من عميان القلوب.
مهمة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إيقاظ وتنبيه العالمين
﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ﴾ إيقاظ وتنبيه ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم: 52] لنُقلتهم من الشّقاء إلى السّعادة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذّل إلى العزّ، ومن التّناحر إلى التّحابب، ومن التّمزق إلى الوحدة والتّوحّد.
وهكذا لمّا تقبل العرب القرآن علمًا وعملًا، وفي ظلّ المعلّم الحكيم المربّي المزكّي سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ صاروا ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((خير أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج)) يعني وسط أعوج ((ليسوا من أمتي، ولستُ منهم)) 16 ، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون من آخر الأمّة التي قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عنها بأنّها كأول الأمّة في الخيريّة. اللّهمّ اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- سيرة ابن هشام (4/179)، دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (1317)، (3/ 435)، بلفظ: "قال معتب بن قشير، أخو بني عمرو بن عوف كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط"، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (3017)، (3/ 166)، بلفظ: ((يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لا يَأْمَنُ عَلَى خَلائِهِ)).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، رقم: (3422)، (3/1325)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، رقم: (2918)، (4/ 2236)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)).
- مسند الفردوس للديلمي، رقم: (2770)، (1/ 191)، عن بريدة، بلفظ: ((الحكمة ضالة المؤمن حيث ما وجدها أخذها))، سنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2687)، (5/51)، وسنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحكمة، رقم: (4169)، (2/ 1395)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها)).
- المدخل لابن الحاج (1/ 176).
- شُعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1642) و (3/273). المعجم الصّغير للطبراني رقم: (507) و (1/305) عن أبي هريرة.
- صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، رقم: (1804)، (2/ 673)، السنن الكبرى للنسائي، رقم: (3245)، (2/ 238)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- إحياء علوم الدين للغزالي بلا سند عن أنس رضي الله عنه. (1/274).
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8542)، (9/98)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4452)، (6/ 440)، بلفظ: "عَنْ مَعْمَرِ بن بُرْقَانَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ وَلا يَخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ.. إلخ"، وفي السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (6014)، (3/ 215)، ((قال ابن شهاب وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب: كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ ولا يحف، لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا وما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله فلا يكون شيء إلا بإذن الله))، وفي الضعفاء للعقيلي (4/ 89)، بنحوه إلا أنه قال: ((عن ابن شهاب عن عمه عن سالم قال سمعت أبا هريرة يقول إذا خطب كلما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ)).
- صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم: (1631)، (3/1255)، سنن الترمذي، كتاب الأحكام، باب في الوقف، رقم: (1376)، (3/660)، سنن النسائي، كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة عن الميت، رقم: (3651)، (6/251)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- مسند أحمد بن حنبل، رقم: (11159)، (3/ 19)، سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي المنكر، رقم: (4011)، (5/144)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)).
- الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165)، بلفظ: ((قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ. قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ))، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، رقم: (7075)، (13/ 92)، مسند البزار، رقم: (8510)، (15/163)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بلفظ: ((لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ شِرَارَكُمْ عَلَى خِيَارَكُمْ، فَيَدْعُو خِيَارَكُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ)).
- مستدرك الحاكم، عن علي بن أبي طالب، رقم: (7923)، (4/361). واللفظ: ((إذا أبغض المسلمون علماءهم وأظهروا عمارة أسواقهم وتناكحوا على جمع الدراهم رماهم الله عز وجل بأربع خصال: بالقحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الأحكام، والصولة من العدو)).
- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، رقم: (2608)، (4/ 2014)، سنن أبي داود، كتاب الأدب: باب من كظم غَيظاً، رقم: (4779)، (2/663)، مسند أحمد بن حنبل، رقم: (3626)، (1/ 382)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، بلفظ: ((فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).
- سنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في صفة الحوض، رقم: (2472)، (4/645)، سنن ابن ماجه، كتاب افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل سلمان، وأبي ذر، والمقداد، رقم: (151)، (1/ 54)، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: ««لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا مَا وَارَى إِبْطُ بِلَالٍ».
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم، عَنْ عُرْوَةَ: (6/123)، شرح مشكل الآثار للطحاوي، رقم: (2473)، (6/270)، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، (115)، بلفظ: ((إِنَّ خِيَارَ أُمَّتِي أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ ثَبَجٌ أَعْوَجُ، لَيْسُوا مِنْ أُمَّتِي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ))، عن عبد اللهِ بن السَّعْدِيِّ.