تاريخ الدرس: 1995/03/10

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:31:11

سورة النبأ، الآيات: 17-30 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمِّدٍ خاتَم النبيِّين والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

يوم الفصل هو يوم القيامة

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] يوم الفَصل هو يوم القيامة: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6]، يقومون مِنْ قبورهم إلى محكمة الله، واللهُ تعالى هو قاضيها، وأعضاء الإنسان وجوارحه هم شُهودها، والملائكة الكرام الكَتَبة يُقدِّمون ما كتَبوا إلى الله عز وجل من أعمال الإنسان صغيرها وكبيرها: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17] وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].. فالإيمان بالقيامة أحد أركان الإيمان، الذي هو أن تُؤمن بالله وملائكته وكتُبه ورُسلِه واليوم الآخِر، فليس بمؤمن مَنْ لم يُؤمن بالقيامة.. والقيامة لها أسماءٌ كثيرة في القرآن، فتسمى الواقعة: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) يعني إذا قامت القيامة، ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ، حين تطلع الشمس هل يستطيع أحدٌ أن يكذِّب بطلوع الشمس؟ وكذلك إذا قامت القيامة فالذي كان كافرًا بها هل يستطيع في ذلك الوقت أن يجحَدها؟ ﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ [الواقعة:1-3]، تخفِضُ أناسًا لم يؤمنوا بها، حيث كانت أعمالهم مُخالفةً للإيمان بها، لأنّ الإيمان الحقيقي بالقيامة يجعل المؤمن يؤدِّي فرائض الله كلَّها ويبتعد عن محارم الله كلِّها بلسانه وعينه وأذنه ويده ورجله.

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فأيُّ عالَمٍ هذا العالَم إذا كان عرضُها السماوات والأرض! ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] فالجاحد والمنكِر بقوله أو بعمله والسارق حين يسرق هل يُؤمن بيوم القيامة؟ لو آمن لَمَا سرق، وشارب الخمر هل يؤمن بيوم القيامة؟ الإيمان الحقيقي عصمةٌ مِنَ الذنوب، والزاني عندما يزني هل يؤمن بيوم القيامة؟ لذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو مُؤمِنٌ)) 1 ، لأنه لو آمن بالله وبأن الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء [لما زنى]، ولو عَرَف الزاني أن طفلًا يُشاهده هل يمكن أن يقتحِم محارِمَ الله؟ والسارق لو عَلِمَ بأن شخصًا يُشاهده هل يُقدِم على السرقة؟ والكاذِب إذا عَلِمَ أن شخصًا يعلم كذبه وافتراءه هل يكذب؟

فكيف يقترف الإنسانُ الذنوب ويقول: أنا مؤمنٌ بالله، وأنا مؤمنٌ بيوم القيامة؟! كيف يقول: أنا مؤمنٌ والقرآن يقول: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]؟ “الرقيب”: هو الذي يُراقب أعمالك، و”العتيد”: هو حاضرٌ لا يغيب، وهو موكَلٌ بتسجيل أعمالك.. فالإيمان ليس بالتمني، ولا باللباس بأن يلبس الإنسان الجُبَّة أو العمامة أو يُطيل اللحية، الإيمان ((ما وَقَرَ في القَلبِ وَصَدَّقَه العَملُ)) 2 ، الإيمان نُقْلَةٌ كما يُنقَل الفحم [إلى ألماس]، ما أصل الألماس؟ الألماس يكون مِنَ الفحم، وأيُّ فرقٍ بين الفحم والألماس؟ هكذا يكون الفرق بين المؤمن وغير المؤمن، والذي يُفرِّق بينهما هو العمل والسلوك وتزكية النفس وأخلاقها.. إلخ.

العلم والمعلم

سورة النبأ التي يقول الناس عنها سورة ﴿عَمَّ، ويقرؤونها طوال العمر، ولعلَّ الكثير مِن الناس يموت ولا يفهمها، ويقرأ الواقعة آلاف المرات ولا يتأثَّر بها، مثل الذي يُلقي حبَّ القمح على أرض صخرٍ أو على البِلاط، فلو ألقى مئة طنّ على أرضٍ مبلَّطة كم كيسًا يحصد مِنْ أطنان القمح؟ ولا حبَّةً واحدة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74] هل يمكن أن يصير الإنسان نجارًا بلا معلِّمٍ ولا مُدرِّب؟ وهل يكون حدادًا مِنْ غير معلِّم؟ وهل يكون طيَّارًا مِنْ غير معلِّم ولا مُدرِّب؟ فكيف تكون كلمة مسلم بمعناها الحقيقي بلا مُعلِّمٍ ولا مُدرِّب؟

الصحابة قبل الإسلام كانوا مثل الفحم، ولَمَّا صار لهم المعلِّم والمربِّي المزكِّي المدرِّب صاروا أغلى مِنَ الألماس، ولذلك حين يقول النبي ﷺ: ((طَلَبُ العِلمِ فَرِيضةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ)) 3 ، طلب العلم يعني طلب المعلِّم، فهل يكون علمٌ بلا معلِّم؟

يوم الفصل له وقت محدد

الله تعالى يقول في سورة النبأ: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] له وقتٌ محدَّدٌ بالساعة واليوم والدقيقة والثانية، يُفصَلُ فيه بين الظالِم والمظلوم، وبين المؤمن والمنافق الذي يدَّعي الإيمان وأعماله ليست أعمال المؤمنين ولا أعمال المسلمين، لأن الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله وأن تنفِّذ أوامره وتجتنب محارِمه، فإذا فعلتَ ذلك فأنت مسلمٌ، يعني مُستجيبٌ لأوامر الله، وإذا ادَّعيتَ الإسلام ولم تُنفِّذ أوامِر الله، وارتكبتَ محارِم الله بقولك أو بعملك أو بقدَمَيْك أو بأيِّ جارحةٍ مِنْ جوارحك فأنت مُنافقٌ، وإذا أعلنتَ جُحودك وإنكارك للإسلام فأنت كافرٌ، فليزِن كلُّ واحدٍ منَّا نفسه، فتارةً يكون الإنسان مؤمنًا وتارةً يصير كافرًا: ((يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسِي كافِرًا، ويُمسِي مُؤمِنًا ويُصبِحُ كافِرًا)) 4 .

أصحاب رسول الله ﷺ لَمَّا توفي النبي ﷺ ودفنوه في ضريحه الشريف قالوا: “ما نفضْنَا أيدينا من تراب قبر رسول الله ﷺ” أي لم ينتهوا مِنَ الدفن “حتى أَنْكَرْنا قلوبَنا” 5 ، فقلوبهم تغيَّرت عمَّا كانت، يعني كانت في العُلا ونزلت درجةً أو درجتين أو ثلاثاً على حسب كلِّ واحدٍ منهم، لذلك لأداء فريضة العِلم وليكون المرء مسلمًا عليه أن يدخل مدرسة الإسلام ليتلقى الإسلام مِنْ معلِّم الإسلام ومِنْ مربِّي الإسلام الذي يُعلِّمه الكتاب وهو القرآن.

واليوم تسأل الذي صار عمره سبعين سنةً عن سورة النبأ: ما النبأ؟ لا يفهم شيئًا، وعمره سبعون سنةً أو أكثر أو أقل.. هذا الرجل إذا مات كيف سيموت؟ وانظر إلى أعماله وإلى كلامه وإلى نظره وإلى تصرُّفاته تجدها ليست على الإسلام، ((ولَيسَ الإيمانُ بالتَّمنِّي ولا بالتَّحلِّي)) أي الحلية واللباس، ((ولَكِنَّ الإيمانَ ما وَقَرَ في القَلبِ وصَدَّقُه العَملُ)) 6 .

الاستجابة إلى الهداية

فالله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] الشرطيُّ إذا قال للسائق: إنّ سلوك هذا الطريق ممنوع، والطريق مِنْ هنا، فماذا يقول السائق؟ يقول: أمرك سيدي.. والله عزَّ وجلَّ يُبيِّن لك طريقَ السعادة وطريق الرضاء وطريق التقوى وطريق الإسلام في كليات الأمور وفي جزئيَّاتها، فحين تقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فالقرآن يُبيِّن لك الصراط المستقيم، وأنت تترك الصِراطَ المستقيم صِراطَ الله، إلى صِراط الشيطان، ثم تكرر في الركعة الثانية: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فيقول لك الله: ها أنا أهديك.. إذاً أنت كذَّابٌ في طلبك، كالعطشان إذا قال: أعطوني الماء أنا عطشان، فإذا قُدِّم له الماء ورفضه، فالناس ماذا تقول عنه؟ تقول عنه: هو كذَّابٌ وليس بعطشان، وإذا قلت: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] والله عز وجل يقول لك: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] وما اتَّقيتَ ربك، فهو هداكَ إلى الصراط المستقيم، فإذا طلبتَ الهداية مرةً أخرى فالله يقول لك: أنت كذَّابٌ، وأنت لا تطلب الهداية، لأني هديتُك ودللتُك فلم تهتدِ ورفضتَ دِلالتي.

الله عز وجل يقول لنا الآن: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ [النبأ:17] ما الفَصل؟ هو القيامة، ولِمَ سُمِّيت بيوم الفَصل؟ لأن الله يفصل في ذلك اليوم بين المؤمن الصادِق وبين المدَّعي الكاذِب، ويفصل الله عزَّ وجلَّ بين التَّقي وغير التقي، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73] الأتقياء زمرًا زمرًا، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71].. فيُفرَّق فيه ويُفصَل بين الظالِم والمظلوم، والله عزَّ وجلَّ ينصر المظلوم وينتقم مِنَ الظالِم.. إلخ.

الحساب في الدنيا قبل الآخرة

قال تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] له وقتٌ معيَّن، فهذا يوم الفَصل في القيامة الكبرى، ويوجد الفَصل في الدنيا وهو القيامة الصغرى، فالله تعالى قد يُعاقب الإنسان على ذنبه في الدنيا، والقيامة هي محاسبة الناس يوم الحساب، وهناك من الذنوب ما يُحاسِب الله عز وجل صاحبها في الدنيا قبل الآخرة، ويُكافئ المؤمن على صالح أعماله في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ أي مقابل أعمالهم الصالحة، ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ [النحل:30] المكافأة في الآخرة أعظَم مِنَ المكافأة في الدنيا، ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) هذا في الدنيا، ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46] العذاب الأكبر، كما قال في آيةٍ أخرى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم للمتمرِّدِين على الله، للخارجين على أوامر الله، ﴿مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى يعني في الدنيا، ﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21].. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإيمان بالقيامة التي في الدنيا ومحكمة الله التي في الدنيا، وأن يحمينا مِنْ محكمة الله في الدار الآخرة.

قصة الفارس الشاب والراعي والرجل العجوز

ذكرتُ لكم فيما مضى، ولعلَّ بعضكم ما سمع: أنَّ سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كان على شاطئ نهر، وإذا برَجلٍ راكبٍ فرسًا يسقي فرسه وقد نزل ليستريح مِنْ سفره، حتى إذا صار وقت المساء ركب فرسه وذهب حيث يريد، ونسي خُرجَه المملوء بالذهب في موضع نزوله، [الخُرْج: شبه حقيبة توضع على ظهر الدابة لوضع الأشياء فيه، تتدلى من الجانبين]، فأتى شخصٌ آخر وهو راعي غنمٍ يرعى غنمه ويسقيهم من النهر، فرى الخُرج، فحمله على حماره وذهب به مع غنمه، ثم أتى شخصٌ ثالث عجوز شيخ -والشيخ بالمعنى اللغوي هو الرجل الهرم- كسَّار حطب، وثيابه تُعصَر من العرق، أخرج زاده مِنَ الخبز والبصل.. فرجع الفارس صاحب الخُرجِ فلم يجد الخرج، ووجد هذا العجوز كسَّار الحطب المنهَك مِنَ التعب، فقال له: أنت أخذتَ الخُرج وأنت أخفيته، ثم أخذ الفارس السيف وقطع رأس هذا الرجل العجوز الفقير الضعيف.. وعلى مشهَد ومرأى مِنْ سيدنا موسى عليه السَّلام، وكان سيدنا موسى عليه السلام حماسي ولا يتحمَّل مثل ذلك.. فقال: يا ربي ما هذا؟! أنت الحَكَم العَدل، هذا الرجل العجوز الفقير المسكين يُقطَع رأسه وهو بريءٌ! وذاك الراعي يأخذ الذهب بغير حق! وأنت بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وعلى كلِّ شيءٍ شهيد، وأنت السميع البصير.

ولكن هذه محكمة الله: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17].. سيدنا موسى والخضِر عليهما السَّلام لَمَّا اجتمعا مع بعضهما، فعل سيدنا الخضِر ثلاثة أشياءٍ مخالفة للمشاهدة والعقل والعدل، ولما كُشِفَ الغطاء وإذا بالأمور كلِّها كانت عدلًا وحقًّا وصوابًا.. قال: يا ربي إما أن تكشف لي الأمور وإلا فالإنسان إنسان.. فكشف الله له الحقيقة فقال: خُرْج الذهب هذا سرقه الفارس يومًا مِنَ الأيام أو اغتصبه مِنْ والد الراعي، فكبرَ الولد على فقر وصار راعيًا، فأتى وأخذ خُرْج أبيه، هذه هي ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ [النبأ:17] في الدنيا، يوجد قيامةٌ وحسابٌ في الدنيا يُحاسب الله فيه الإنسان، ويوجد حسابٌ وفصلٌ يوم القيامة أيضًا.. قال: وهذا العجوز المسكين الذي ظهره محنيٌّ لا يستطيع المشي، ويكسر الحطب حتى يأتي بالخبز والبصل، فما ذنبه حتى يُقطَع رأسه؟! قال: هذا العجوز حين كان شابًّا قَتل والد الفارس صاحب الذهب فأتى الابن فقتل قاتِلَ أبيه.

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] فتوجد قيامة الدنيا وتوجد قيامة الآخرة، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ [إبراهيم:42] لكن لا يتركهم ويُهمِلهم: ((إِنَّ اللهَ يُمهِلُ الظَّالِمَ ولا يُهمِلُه)) يُمهله ويُعطيه المهلة، لكن لا يهمله ويتركه، ((إِذَا أَخَذَهُ لا يُفْلِتهُ)) 7 إذا صارت رقبته بين يدي القاضي الإلهي.. وهذا في الدنيا.

قصة يا بُنَيّ ضعني حيث وضعتُ أبي

يقال بأن إنساناً كَبرَ والده عنده، وصار مِنَ الشيخوخة والضعف والعجز إلى درجة كبيرة، فملَّ خدمة والده، وتبرَّم وضجِرَ منها، فأخذه وحمله وأخرجه خارج المدينة إلى مكانٍ بعيدٍ ووضعه هناك، وقال له: أنا ذاهبٌ لأحضر لك الطعام والشراب حتى نمضي النهار، ونيَّته أن يضعه هناك حتى يموت ويتخلَّص مِنْ خدمته وبِرِّه، ولكن الأب عَرَف الحقيقة، وأن ابنه يريد أن يرميه هنا للوحوش ليتخلَّص مِنْ خدمته والتعب في رعايته، فقال له: يا بني أنا عرفتُ لماذا أتيتَ بي إلى هنا، أحضرتَني لتتخلَّص مني، لكن تعال لأُكمل لك الموضوع، ضعني عند تلك الصخرة على بُعد خمسين مترًا، فقال الولد: ولكن ما الفرق بين هذا المكان وتلك الصخرة؟ قال له: يا بني حين كنتُ شابًّا وشاخَ والدي مللتُ خدمته وتضجَّرتُ مِنْ رعايته فأخرجتُه مِنَ البلد إلى تلك الصخرة، فتركتُه هناك ليموت جوعًا وعطشًا، فضعني حيث وضعتُ أبي ليكون القصاص قصاصًا عادلًا شبيه الكف بالكف.

هذه هي القيامة الصغرى ويوم الفَصل الأصغر، أما يوم الفَصل الأكبر: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] أنت يا مسلم وأنتِ يا مسلمة هل أنتِ مؤمنةٌ بسورة ﴿عَمَّ؟ الله سماها النبأ، والنبأ هو الخبر العظيم الهائل، وعندما يقول الله عزَّ وجلَّ عن النبأ: ﴿ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ [النبأ:2]، يعني النبأ الهائل الهائل الهائل.. فهل آمنتَ به؟ وما دليل الإيمان؟

بعض الأشخاص نزلوا وسبحوا في ماء النهر، وكان ماء النهر باردًا فبردوا، وازرقَّت شفاههم، وخرجوا من النهر وهم يرجفون، وإذا برجل يسأل: كيف ماء النهر؟ فقال أحدهم: هي دافئة، بينما شفتاه زرقاوتان ويداه وجسمه يرتجف، فأيهما أصدق لسانه أم جسده وشفتاه؟

كل شيء حسب الأسباب والمسبَّبات

فنسأل الله أن يرزقنا الإيمان، نحن ندعو أن يتوفَّانا الله على الإيمان، ولكن كيف إذا كانت كلُّ حياتك على الكفر بالله وبالقرآن وعلى العصيان والفسوق؟ كما إذا كنت طول عمرك ما تعلَّمتَ ولا قرأتَ ولا كتبتَ ولا دخلتَ إلى مدرسةٍ، وتقول: اللهم اجعلني طبيبًا أو أستاذ جامعة، فهل الله طفلٌ صغيرٌ ليجعلك أستاذ جامعة! قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:84-85]، فليُسائل كلُّ واحدٍ منكم نفسه: هل أنت مؤمنٌ بيوم الفَصل؟ ففي غضبك عندما تغضب هل تعرف أنك إذا ضربتَ إنسانًا أو شتمتَه أو ذممتَه وانتقصتَه أن الملَك يُسجِّل كلامك؟ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وعندما تريد أن تبيع وتغشَّ أو تحلِف يمينًا كاذبةً عند بيعك أو شرائك فهل أنت مؤمنٌ بالله وملائكته وبأن هناك ملَكًا يسمع ويُبصِر ويكتب كذبتك في سجلٍّ لا تمحوه الأيام والسنون؟ ويبقى السِّجِل حتى تلقى الله عز وجل، وحينها تشهد عليك أعضاؤك ولسانك وأنامِلك وكتابتك، هل أنت مؤمنٌ بيوم القيامة؟ هل قرأتَ سورة ﴿عَمَّ؟ هل تعلَّمتَها؟ قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] أَمَّا أن تقرأ القرآن ولا تفهمه ولا تنوي أن تفهمه ولا تنوي أن تعمَل به ثم تقول: أنا مسلم! فوالله إن قولك كاذبٌ، ووالله أنت لستَ بمسلمٍ، لأن كلمة مسلم تعني المستجيب لأمر الله والمطيع لشريعة الله، وأنت لستَ مُمتثِلًا ولا مُستجيبًا، وأنت مخالفٌ متمرِّدٌ تزداد يومًا بعد يوم بمعاصيك وتبتعد عن طاعة الله وعن تقواه، لماذا؟ لأنك ما ذهبتَ إلى المعلِّم، وما ذهبتَ إلى المربِّي، وما صار لك مَنْ يعلِّمك الكتاب والحكمة ويُزكِّي نفسك.

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ [النبأ:17] إذا كنتَ تُريد السفر إلى حلب وقال لك الميكانيكي وهو يفحص السيارة: هذه السيارة لا تُوصلك إلى حلب، فهي تحتاج إلى تصليح محرِّك أو تبديل بطارية، فهل تصدِّقه أم لا؟ وحين يقول لك الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] هل تُصدِّق الله أم لا تصدِّقه؟! إن أعمالك هي التي تُجيب الله عزَّ وجلَّ، إما بالتصديق الذي هو الإيمان والذي يظهر بالعمل، أو بالتكذيب، وهو الفسوق الذي يظهر بالعمل أيضاً، فَلِكَي تصير مسلمًا لا بدَّ لك من أن تهاجر وتفتِّش مثل العطشان الذي يفتِّش عن الماء حتى لا يقتله العطش، ومثل البردان الذي يُوقد المدفأة حتى يتخلَّص مِنَ البرد.

هذا في القيامة الصغرى، قال: ضعني على تلك الصخرة، والآن: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، فهنا وضعتُ والدي، وهكذا وضعني ولدي حيث وضعتُ والدي.. بذار القمح هل تنبت شعيرًا؟

قصة أريد أن أغسل رجليك يا أبي

عندما كنتُ في الحج في الأربعينات ذَكَر لي أحد التجار، وهو من عائلة الخِجَا ونسيت اسمه، قال: أنفَق في المدينة المنورة على الفقراء خمسة آلاف ليرة عثمانية إنكليزية، وبهذا الوقت كم تعادل؟ ربما مئة ضعف، فالخمسة آلاف أضف أمامها صِفْرَين، تصير خمس مئة ليرة ذهبية.. ومِنْ حديثٍ لحديثٍ ذكر لي برَّه بأبيه، قال: ماتت أمه فتزوَّج أبوه، وهذا شيءٌ طبيعي، فقمتُ بخدمة زوجة أبي التي يسمونها “خَالَة” خيرَ خدمة، [خَالَة: تُقال في اللهجة السورية لأخت الأم ولضرة الأم أيضاً، أي زوجة الأب]، قال: كنتُ حين أعود مِنْ بيروت إلى دمشق أحضر الهدايا مِنْ عطورٍ وغيرها للخالة حتى أكسب رضى والدي من خلال رضاها، ومرةً مِنَ المرات قال لأبيه: يا أبي أريد منك حاجةً صغيرة، ولكن أخاف أن لا تُلبِّي طلبي، قال: كيف لا ألبي؟ فأنت ولدٌ بارٌّ فهيم يجعل روحه بين قدمي والده، ولو طلبتَ روحي يا ولدي، ومالي كلُّه لك، قال: أريد أن تحلف لي يمينًا بالله أنك سوف تحقق طلبي، فقال الأب: أعوذ بالله! ماذا تقول يا بني! سأحقق طلبك، قال: لا أرضى حتى تحلف، فحلَف الأب يمينًا أن يُحقق له مطلوبه وما يريد، فقال له: أريد أن أغسل رجلَيك وأشرب ماءهما.. وهذا الأمر ليس ضرورياً، فإنك تستطيع أن تكسب قلبَ أبيك بشيءٍ ينفعه لا بشيء لا ينفعه، وقد تتضرر أنت أيضاً أو ربما لا تتضرر، “والنظافة من الإيمان” 8 .. [هناك من تلامذة سماحة الشيخ ومحبيه من يسعى لتطبيق ما يسمعه من الشيخ، لذلك يُبَيِّن هنا لإخوانه أنّ هذا العمل فردي وشخصي، ولا يكون قدوة بحرفيته، وأن البر الحقيقي للوالدين يكون بغير هذا وبما ينفع الوالدين ويدخل السرور عليهما، وأن شرب الماء غير النظيف قد يكون ضرراً للإنسان.. لكن يبقى هذا التصرف معبِّراً عن مدى اهتمام الولد ببر أبيه].. فقال الأب: أعوذ بالله كيف أَقْبَل بذلك! قال له: أنت حلفتَ يمينًا ووعدتَني، فقال الأب: حسنًا، إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم قال لزوجته: هيِّئي لي الحمَّام، فاغتسل وغسل يديه ورجليه بالصابون عدة مرات، حتى صارت رجلاه نظيفتين كنظافة وجهه، ثم نادى ابنه أن تعال وافعل ما طلبتَ، فقال الولد: لكني يا أبي أردت أن أغسل رجليك وأشرب الماء الذي فيه وسخ قدميك، لأكسَبَ رضاءك وبرك، فقال له والده: أنا وعدتك وحلفتُ يمينًا وهذه غُسالة رجليَّ.. فأكرمه الله أن جعله مِنْ أتقياء الله، وكانت مكانته بين الناس في غاية الاحترام، وجعله الله مِنْ كبار الأغنياء حتى وصلت صدقاته في حَجِّه في المدينة إلى خمسة آلاف ليرة ذهبية.. ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17].

قصة نهاية غني كان عاقّاً بأمه

وأعرف رجلًا -لا أريد ذكر اسمه ذهب إلى رحمة الله- رأيتُه بعيني وأنا طفل وقد ضرب أمه -حماقةً وجهلًا وقلة دِينٍ- وكَبِرَ وصار شابًّا، وأقبلت الدنيا عليه، وصار عنده سيارةٌ خاصة وأكثر مِنْ سيارة، وصار له بيتان وزوجتان، ولكن كما يقولون: “الآخرة يا فاخرة” [مثل شعبي يعني أن الأمور بخواتيمها]، ويوجد مَثَلٌ آخر، يقولون: “ثعلب بَلعَ مَنْجَلاً، فقال بعضهم: أرأيتم رجولته فلقد بلع منجلًا! وهل هناك أعظم من ذلك! فقال آخرون: انتظروا حتى يقضي حاجته لتسمعوا ولاويله وصراخه”.. فهذا الرجل سَلَبَه الله عزَّ وجلَّ النعمة شيئًا فشيئًا، وكان له أكثر مِنْ دارٍ فسلبه الله بيوته وسيارته وأمواله ونِعمه، حتى لم يبقَ له إلا غرفةٌ مستأجَرة في بيتٍ خربٍ في حي الأكراد، [حَيّ الأكراد: حيّ شعبي في دمشق يقع على سفح جبل قاسيون]، وأنا شخصيًا كنتُ أساعده بقدر إمكاني.. إلخ، ولم تنتهِ الأمور هنا، بل إنه عند موته بقي ثلاثة عشر يومًا وهو في الاحتضار والنزع، والرغوة تخرج مِنْ فمه ولا تخرج روحه.. هذه هي القيامة الصغرى! ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21].

فالموفَّق بكلمةٍ واحدةٍ بإذن الله يَصْلُح، وأمّا غير الموفق: 41:20﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [البقرة:6-7] فيرى الأبيض أحمر، ويسمع صوت أم كلثوم صوت حمار، [أم كلثوم مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي، يُضرَب المَثلُ بجمال صوتها]، ويقول عن صوت الحمار حين يسمعه: هذا حجاز وهذا نهاوند، [من أنواع مقامات الغناء]، وهو نهيق الحمير، لماذا؟ لأنه حمار، فمَنْ يستلذُّ بنهيق الحمار؟ الحمير، ومَنْ يستلذُّ بصوت الغراب؟ الغربان، ومَنْ يرافق الجرذ؟ هل رأيتم شحرورًا وجرذًا يمشيان مع بعضهما؟! فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإيمان.

تعامل الإنسان مع نعم الله تعالى

هل أنتم مؤمنون بسورة النبأ؟ هل أنتم مؤمنون بقول الله: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17]؟ هل تؤمن بذلك إذا غضبت أو إذا طمِعْت؟ وفي بيعك وفي شرائك وفي معاملاتك وفي سهراتك ومع زوجتكَ ومع زوجكِ ومع “حماتكِ ومع الكنَّة ومع الصَّانِعَة” ومع الأجير وفي البيع وفي الشراء وفي الآجار والاستئجار؟ [حماتكِ: أم زوجِكِ، والكنَّة: زوجة الابن، والصَّانِعَة: تقال للخادمة في البيت وما شابه]، تقول شيئًا لتغشَّ وتخدَع.. ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]؟ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ [الأنعام:60] ﴿جَرَحْتُم: أي ما عملتْه جوارحكم يعني أعضاؤكم، فاليد اسمها جارحة والعين جارحة.. ومن الإيمان الإيمانُ بكتاب الله، فهل آمنتَ بجملة: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17]؟ وقتٌ محدَّدٌ لا بدَّ مِنْ وقوعه، ويوم الفصل لا بدَّ فيه من الحساب والمحكمة، وهناك لا يوجد محامٍ ولا يوجد كذبٌ ودجلٌ على الله: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].

﴿مِيقَاتًا [النبأ:17] له وقته بالساعة وبالدقيقة والثانية، وإذا قال الله لك: ألم نجعل لك ﴿عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [الغاشية:8-9]؟ أما أعطيناك النِّعم من الأولاد والزوجة والقوة والشباب والعقل والدماغ؟ فماذا فعلتَ فيما ائتمنتُك عليه؟ هل استعملتَها في رضائي وطاعتي؟ ماذا ستجيب الله؟ هذه المدرسة وهذه التربية هي التي أنتجت خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي هزم الاستعمار العالميَّ؛ الاستعمار الأوروبي الغربي الذي هزمه في معركة اليرموك في ستة أيام، وكان الرومان مع العملاء من العرب الخونة ربع مليون، وكان عدد الذين تخرَّجوا في مدرسة سورة النبأ ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] نحو أربعين ألفًا، وكانت المدة ستة أيام، وهل النصر كان للقليل أم للكثير؟ كانوا من البدو لا يقرؤون ولا يكتبون.. وخريجو مدرسة القرآن هزموا في ستة أيام الرومان بحضارتهم ومدنيَّتهم التي كان قد مضى عليها ألف سنة.

فهل المسلمون الآن يفهمون القرآن؟ هم يفتحون “الراديو” [المذياع] على القارئ عبد الباسط عبد الصمد، فهل فهم أحدهم مِنْ تلاوته كلمةً واحدة؟ هو يسمع موسيقا ونغماً، فإذا رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية كَلَّمك فهل يجب أن يغنِّي لك حتى تفهم؟ الكلام لا يحتاج نغمًا، والنغم هو نغم الفهم ونغم الإيمان، والإيمان الذي يُصدِّقه العمل، أمَّا إذا هززت جسمك وصرختَ وقلت: “الله الله!” ولم تفهم، ولا تنوي أن تعمل ولم تعمل، فأنت لا سمعتَ ولا قرأتَ ولا آمنتَ.. نسأل الله أن يحمينا بحماه، وأن لا يجعلنا مِنَ المنافقين، الذين هم ﴿صُمٌّ، فأُذُنُه تسمع كلَّ شيء، أما الحق فلا تسمعه ولا تفهمه، ﴿بُكْمٌ يعرف الحق ولا يناصره، ويسكت على الباطل ولا يستنكره، ﴿عُمْيٌ [البقرة:18] لا يرى الطريق المستقيم ويتركه إلى أهوائه ووحي شيطانه، ومثله مثل قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الحطاب والراعي والخَيَّال، وقصة العاق الذي قال له أبوه: لا تضعني هنا، فأنا وضعت أبي عند تلك الصخرة.

قصة “دقة بدقة ولو زِدْتَ لزادَ السَّقَّا”

يُذكَر عن رجلٍ مِنَ الصالحين -وهنا يظهر يوم الفصل الصغير- كان يعمل في سوق النساء صائغًا، وكانت عنده امرأةٌ صالحة، ففي يومٍ من الأيام جاءته بعض النساء إلى الدكَّان تريد شراء أساور، ويبدو أن تلك المرأة لم تكن صالحة.. والمهن التي تتعلق بالنساء إذا كان الإنسان فيها غير صالح.. نسأل الله أن يحمينا، وحتى الإنسان الصالح ليس معصومًا، فالبعد عنها أفضل.. فطلبت المرأة سوارًا، وأرادت لبسه فلم تستطع، فقالت له: ساعدني.. كيف يساعدها؟ فمسك يديها ولامسها وأحسَّ بنعومتها، والله أعلم ماذا دار في ضميره الداخليِّ.

أولًا لا يجوز للإنسان لمس المرأة الأجنبية، ثم إنه مع النية غير البريئة صار الأمر اثنين، فهذا الرجل لمس يد المرأة وتحسَّسها.. إلخ، ولم يحدث شيء غير هذا، وإلى هنا فقط.. وفي بيته كان السقَّا يُحضِر له الماء بالرَّاوِيَة [وعاء لنقل الماء]، يأتي السقَّا كلَّ يوم ويدق الباب ويضع الماء في البرميل.. وكان السقا رجلًا مِنَ الصالحين، وصاحب البيت لم يأتِ بسقّا ليس عنده تقوى أو دين.. وبالعادة عندما يأتي السقا يأخذ الإذن قبل الدخول، فجاء السقَّا حسب العادة ففتح الباب بلا إذن ولا استئذان وترك الرَّاوِيَة وجاء إلى زوجة صاحب البيت وأمسكها مِنْ كَفَّيها وصار يلمسها ويتحسَّسها، والزوجة تعرف أنه رجلٌ صالحٌ، والمرأة صالحة أيضًا، فدهشت من ذلك.. والأمر ما تجاوز أكثر مما حصل في الدكان، ثم تركها وأفرغ الرَّاوِيَة، وأخذت هذه المرأة الصالحة تفكِّر طوال النهار أن هذا الأمر لا بدَّ أن يكون مِنْ ورائه شيء!

ولَمَّا أتى زوجها في المساء قالت له: أصدقني وقل لي ماذا فعلت اليوم؟ قال لها: لم أفعل شيئًا، إنما نزلتُ إلى الدكان وبعتُ.. قالت: ليس عن هذا أسألك، بل ماذا فعلتَ مخالفةً مع الله؟ لا بدَّ أنك فعلتَ شيئًا.. ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] لا بدَّ أن يرى العقوبة على الشرِّ، فمحكمة الله تعالى مثقال ذرة لا تضيِّعها، وإذا عملتَ مِن الخير مثقال ذرة أيضًا ستُكافَأ عليها.. قالت له: لا بد أنك فعلتَ شيئًا، قال: والله يا امرأتي إنّ كلامكِ صحيح، وفراستكِ في محلِّها، لكن كيف عرفتِ؟ قالت: قل لي أولًا ثم أقول لك، فأخبرها بالقصة والأمر كما حدث، وإذا بها مثل المرآة، فهل تُكَذِّب المرآةُ الرجلَ إذا نظر إلى وجهه فيها؟ فإذا كان له عينان هل تريه عينًا واحدة؟ إذا كان له عينان تظهر في المرآة عينان، وإذا كان وجهه أبيض يظهر وجهه أبيض.. قال لها: هكذا حدث معي، قالت له: وأنا اليوم أيضاً صار معي كذا وكذا، و”دَقَّةٌ بِدَقَّةْ، ولَوْ زِدْتَ لَزَادَ السَّقَّا”.

فهل تفهمون؟ يعني هل تفهمون في الجامع وخارج الجامع تنسون؟ وهل تصل معكم إلى البيت؟ هل ستبقى معكم إلى اليوم الثاني والثالث؟ نسأل الله أن يرزقنا الإيمان بكلام الله حتى نلقاه وقد طبَّقْنا القرآن سورةً سورة وآيةً آية وجملةً جملة وكلمةً كلمة، وبذلك تكون مسلمًا وتكونين مسلمةً، وإلا فلا تغترَّ! ((لَيسَ الإيمانُ بِالتَّمنِّي وَلا بِالتَّحلِّي، لَكِنَّ الإيمانَ ما وَقَرَ في القَلبِ وصَدَّقَه العَملُ)) 9 .

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] ميقات اللقاء مع الله ليُحاسبك على أعمالك في كتابٍ: ﴿لَا يُغَادِرُ يعني لا يترك ﴿صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف:49] ستُشاهد عملك بعينيك، ويُقال لك: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14] فإذا أحضروا له الفِيلم وهو يمسك الخنجر ويضرب الضحية حتى لفظ أنفاسه، ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ، ماذا يقول عن نفسه؟ هل يقول عن نفسه: إنه بريءٌ وغير مستحقٍّ للإعدام ويطلب الرحمة؟ نسأل الله أن يرزقنا الإيمان وأن يرزقنا أن نطلب مدرسة الإيمان وأستاذ الإيمان وصحبة أهل الإيمان، أما بلا مدرسة الإيمان ولا معلِّم الإيمان ولا صحبة أهل الإيمان إنما بصحبة الفجَّار والفسَّاق والجَهلة والمغضوبين لله ولرسوله ولقرآنه.. فكيف نريد أن نصير مِنْ أهل التقوى؟!

تَرجو النَّجاةَ وَلَم تَسلُكْ مَسالِكَها إِنَّ السَّفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

قصة من زرع الشعير لينبت قمحاً

يروى أن رجلًا كان من أهل الفسق ولا يحلِّل ولا يحرِّم، وكان له عبد صالح، وكلَّما قال له: اتَّق الله، يقول له: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]، فعندما أراد أن يزرع أعطى السيد عبدَه مئة كيسٍ من القمح ليزرعها، فباع العبد القمح، وزرع بدلًا منها شعيرًا، وعزل الفَرْق جانبًا، وعند الحصاد جاء سيده وشاهد الحصاد شعيرًا، وطار عقله، لأن النتاج كلّه شعير فقال له: ماذا زرعتَ؟ وأنا ماذا أعطيتُك؟ قال له: قمحاً، قال: من أجل ماذا؟ قال: كي أزرع قمحًا، قال له: وماذا اشتريتَ؟ قال: شعيرًا، قال: وأنا ماذا قلتُ لك؟ قال: قلتَ لي: ازرع القمح، قال: فهل تضحك عليَّ يا شقي؟ فقال العبد: اصبر ولا تستعجل حتى تسمع، قال: ماذا أسمع؟ قال العبد: ألستَ تقول دائمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]؟ قال: بلى، قال: فإنك ترجو مغفرة الله بمعاصي الله، وترجو رضاء الله بغضب الله، فهل هذا يُعقَل؟ وتريد أن يرضى الله عنك وأنت تفعل ما يُغضِبه، فهل هذا يصحُّ؟ هل تريد دخول الجنة وأنت تعمل عمل أهل جهنم؟! هل هذا يمكن؟ الله عز وجل قال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45] هل قال: “إن الفسَّاق في جناتٍ وعيون”؟ قال: أنا اشتريتُ شعيرًا وزرعتُه على نية أن الله قادرٌ على أن ينبته قمحًا، فقال السيد: قاتلك الله! هل إذا زرعت شعيراً يُنْبِتُه الله لك قمحًا؟ قال العبد: يا سيدي قل لنفسك هذا الكلام، فأنت تقوم بالمعاصي ليلًا ونهارًا وتريد الجنة، فإذا كان الشعير لا يُنبِت قمحًا فهل أعمال الضلال والفسق وغضب الله ستعطيك رضاء الله وجنة الله ويحشرك الله مع الصالحين من عباد الله؟! فقال السيد: نِعْمَ المعلِّم والأستاذ أنت، وأنت لستَ عبدًا، بل يجب أن أكون أنا العبد وتكون أنت سيدي وأستاذي، وأنا تائبٌ إلى الله عز وجل.. نسأل الله أن يجعلنا مِنَ النفوس الطيبة التي تقبل الكلمة الطيبة، ولا يجعلنا مِنَ النفوس الخبيثة التي تركض وراء الخبائث وتفرُّ مِنَ الطيبات.

الجرذ إذا أدخلوه قصر الملوك هل يجلس على عرش الملك ليلًا إذا كان فارغًا أو في صالون الملك وغرفة الملك؟ أين يجلس؟ يبقى يفتِّش ويشمُّ الرائحة حتى يجد المجاري القذرة فينزل إلى الأسفل ليصل إليها.. ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، وعلامة الإنسان الصالح أن يكون قرناؤه ورفاقه صالحين ومجالسه مع الصالحين، والعكس بالعكس: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:5].

النفخ في الصّور

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] هل آمنتم بيوم الفَصل؟ وهل آمنتم بالقيامة الصغرى؟ أكثر الناس يخافون مِنْ انتقام الله في الدنيا، والله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا لو عَجَّل ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ [فاطر:45] فهناك أناسٌ يؤاخذهم الله في الدنيا، وأناسٌ يُرجئ عذابهم إلى الدار الآخرة، ومنهم مَنْ يُعذِّبه ويُؤاخذه ويحاسبه في الدنيا والآخرة.

والنبي ﷺ قال: ((إذا أسأْتَ فأحْسِنْ)) 10 ، ((أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ)) يعني بالحسنة ((تَمْحُهَا)) فإذا فعلتَ ذنبًا فاستعجل بعملٍ صالحٍ يمحو ذلك الذنب، ((أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) 11 .

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [النبأ:17-18] كما يُنفَخ في الجيش في البوق، وكل نفخةٍ لعلامة مختلفة، فنفخةٌ لعلامة الاجتماع، ونفخةٌ لعلامة التفرُّق، ونفخةٌ لعلامة الاستراحة.. فالله تعالى ذكر النفخ بالصور كمثالٍ لجمع الخلائق يوم القيامة للحساب وللثواب والعقاب.

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ:18] أي جماعاتٍ جماعات، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73] جماعاتٍ جماعات، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71] أيضًا جماعات.. فنسأل الله أن يجعلنا مع زمرة أحباب الله، ومع زمرة الصالحين مِنْ عباد الله، وعلى حسب مَنْ تجتمع بهم في دنياك تكون في زمرة مَنْ تجتمع بهم يوم القيامة في آخرتك.

بدء المحكمة الإلهية

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ [النبأ:18-19] لنزول الملائكة والعَرْض الأكبر وفتح المحكمة العظمى لمخلوقات الله أجمَع، حتى إنه يُقتَصُّ للشاة وللغنمة التي ليس لها قرون من الشاة التي نطحتها بقرونها 12 ، هكذا قال نبيكم ﷺ، حتى الحيوانات يُؤخَذ الحق مِنْ ظالمِها لمظلومها.. فهل آمنتم بمحمد رسول الله ﷺ؟ وهل آمنتم بكلامه؟ وهل مشيتم على هديه ونُصحه؟ الطبيب عندما يقول للمريض: يلزمك حمية، فلا تأكل الحلويات والدهن، فمتى يُفيده كلام الطبيب؟ إذا حُوِّل إلى التطبيق والتنفيذ، وإذا قال المريض له: شكرًا يا دكتور، ولكنه خالف، فإنه لا يستفيد مِنَ الطبيب ولا من الوصفة الطبية ولا مِنَ الدواء.. اللهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه.

قصة العبد الذي يقضي حاجتين

يُقال: إن رجلًا أراد أن يشتري عبدًا، فذهب إلى سوق العبيد، ووجد عبداً طويلًا ذا عضلات وهيئة فسأل عن ثمنه، فقالوا له: ثمنه خمسون ليرة سورية، فقال للبائع: ولكن هذا العبد يعادل خمسين ليرة ذهبية، فكيف تطلب خمسين ليرة سورية؟! قال البائع: نحن مسلمون لا نغشُّ، وهذا فيه عيبٌ، ولذلك أنا أبيعه لك على عيبه، وعلى عيبه لا يساوي أكثر مِنْ خمسين ليرة سورية، فقال في نفسه: هذا عبد طويلٌ عريضٌ وأكتافه مثل الحائط، ولو كان حمارًا صغيرًا فإنه يكبر ويصير حمارًا، والجرو كذلك يكبر ويصير كلبًا، والعجل إذا كبر يصير ثورًا.. [هنا يضحك سماحة الشيخ، ويتابع قائلاً:] نسأل الله أن يحمينا مِنْ هكذا كِبَر، والصُّوْص الذكر إذا كبِر يصير ديكًا، وهكذا الشحرور الصغير أيضًا.. نسأل الله أن يجعل كَبْرَتَنا [كِبَرنا] صالحة، وأن يجعل صِغَرَنا صالحًا.. قال البائع: إن عيب هذا العبد أنه يقضي الحاجة بحاجتين، فإذا أرسلته ليقضي لك حاجة فإنه يقضي لك حاجتين، فقال: هذا شيء جيد، وهذا يجب أن يساوي مئة ليرة ذهبية.. فاشتراه وهو فَرِحٌ أن اشتراه بخمسين ليرة، وقال البائع: ((مَن غَشَّ فلَيسَ مِنَّا)) 13 .. الناس يظنون أنه فقط: ((مَنْ غشَّنا فليس منا)) 14 ، وهذا خطأ فالحديث: ((مَن غَشَّ فلَيسَ مِنَّا))، يعني لا يجوز أن تغشَّ المسلم ولا غير المسلم، بل عليك أن تكون ناصحًا مع كلِّ الناس.. وفي يومٍ من الأيام مرض سيده، فقال له: أحضر لي الطبيب الفلاني مِنَ المكان الفلاني، فذهب العبد ورجع مع الطبيب وأحضر أيضًا حفَّار القبور وقِفَفاً ومجارف ومعاول [لحفر القبر] وكفنًا وكافورًا وقُطْنًا، فقال له السيد: ما هذا؟! قال: سيدي الذي باعني لك هل غشَّك؟ أَمَا قال لك: إني أقضي الحاجة بحاجتين؟ فقال: وما هما تلك الحاجتان؟ قال: هذا الطبيب جئتُ به حتى يعالجك، فإذا شُفيتَ فالحمد لله، وإذا لم تُشفَ أحضرتُ لك حفار القبور والكفن حتى لا نضيِّع الوقت، [يضحك الشيخ كثيراً ويضحك معه الحضور].. نسأل الله أن يحمينا ويُوفقنا وأن يجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول ويحوِّلونه إلى عمل.. فكلمة الخير إذا سمعتها عليك أن تحوِّلها إلى عمل.

﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ [النبأ:19] لنزول الملائكة، كما يصطفُّ الجنود للرئيس أو الملِك إذا حضر، وهذا كلُّه تمثيلٌ للإنسان لعظَمة ورهبة ذلك اليوم العظيم، الذي هو القيامة.

سواد الدنيا وسواد الآخرة

﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ لنزول الملائكة ﴿فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [النبأ:19-20]، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه:105] والقيامة لا تكون في هذه الأرض: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم:48].

﴿إِنَّ جَهَنَّمَ هذه ليست “الفَلَقَة” بل المَشْنَقَة، [الفَلَقَة كناية عن العقوبة الخفيفة، حيث يُضرَب المذنب بالعصا على أسفل القدمين، أما المشنقة فهي العقوبة النهائية القاضية]، ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] تنتظرك، وخَزَنة جهنم ينتظرونك.. لقد بقي لك خمس دقائق أو بقي عشر دقائق، وإذا بك يُؤتى بك [في الوقت المُحَدَّد].. ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41] وجهه أسود: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] كيف بك إذا أردتَ أن تذهب إلى حفلةٍ وقد سوَّدوا لك وجهك بالشحَّار [الشّحَّار: ما يتركه دخان النار من سواد]؟ مع أن هذا الشحّار يذهب بالماء دون الصابون، وإذا كان السواد “بدِهانٍ” فإنه يحتاج إلى القليل من “زيت الكاز”، أليس كذلك؟ [الدّهَان: المادة التي تُطلى بها الجدران والأخشاب، وهي مادة سائلة سميكة خاصة للألوان، ولا تزول بالماء والصابون، بل تحتاج إلى مادة كيميائية لإزالتها، مثل “زيت الكاز”، والذي هو مادة سائلة تُستَخدَم وقوداً وتُستَخرَج من النفط، وتُستَخدم عادة لتنظيف اليدين والثياب من الدِّهَان]، فكيف إذا صبغ الله وجهك بالسواد؛ سواد الغضب الإلهي! أما سواد الدنيا، فهذا: ((لا فَضْلَ لِأَبيضَ عَلى أَسودَ إلَّا بالتَّقوَى)) 15 ، فلا تفاضُل بالألوان في الدنيا، إنما التفاضل بالأعمال، ولكن يوم القيامة فإنّ العلامة بين الأشقياء والسعداء هي بياض الوجوه وسوادها.. نسأل الله أن لا يسوِّد وجوهنا عند لقائه، وأن لا يسوِّد وجوهنا في الدنيا، وليس السواد المقصود لون الجلد، بل هو العمل القبيح والعمل الرذيل الناقص.

مصير الطاغين الأبدي

﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] خَزَنة جهنم ينتظرونك، وعندما تأتي كيف يستقبلونك! نسأل الله أن يحمينا مِنْ هذا الاستقبال.. ﴿لِلطَّاغِينَ [النبأ:22] الطاغي: هو العاصي المتمرِّد الذي لا يتوب مِنْ ذنبه، ولا يقبل نصيحة الناصحين، ولا يستجيب لكلام الله عزَّ وجلَّ ولا للقرآن.. والله تعالى يُخوِّفنا فلا نخاف، ويُرغِّبنا فلا نرغب، ويُنادينا فلا نستجيب، والشيطانُ -شيطانُ الإنس وشيطانُ الجن- يُنادينا فنستجيب.. وهؤلاء: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] تنتظرهم لحظةً بلحظة، وعندما تراهم تكون مثل الباشق إذا شاهد العصفور ينقضُّ عليه انقضاضًا ويُمزِّقه شرَّ ممزَّق.

﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا [النبأ:22] مصير الطاغين الأبديُّ في جهنم، ﴿لَابِثِينَ فِيهَا كم مدة الإقامة؟ هنا [في سجون الدنيا] أطول مدة خمس عشرة سنة، ويقولون: مؤبَّد، يعني مدى الحياة، والحُقْبَة: ثمانون سنة، و﴿أَحْقَابًا [النبأ:23]: الله تعالى لم يحدِّد ثلاث أحقاب أو أربع أحقاب أو خمس أحقاب أو خمسين أو خمس مئة أو خمسة آلاف؟ نسأل الله أن يحمينا.. واللهِ إذا أُوقِف أحدُنا في “المَخْفَر” [مركز الشرطة] ساعة واحدة فإنه يخاف ويُذَل، فكيف بنا أمام رب العالمين وأمام سعادة الأبد وشقاء الأبد وأمام الأنبياء والمرسلين وأمام المخلوقات أجمعين! وهذا في القيامة الكبرى، فكيف إذا قامت قيامتك في الدنيا قبل الأخرة! يعني كان مِنْ المناحيس في الدنيا والآخرة، [المَناحِيْس: جمع منحوس، وهو سيء الحظ والشقي الخاسر] فأين عقلك؟ حتى الحيوان يا بنيّ يُمَيِّز ما يضرُّه مما ينفعه.

قصة القرد الذي عرف حيلة السارق من أول مرة

مرة كان رجلٌ يربي قردًا في دكانه، وكان إذا ذهب إلى الصلاة يتركه ليحرس الدكان، فجاء لصُّ يريد أن يسرق “غَلَّة” الدُّكّان، [الغَلَّة: تستخدم في العامية السورية للمال الذي يُحَصِّله البائع من ثمن ما يبيع في يومه]، وكلما أراد الاقتراب هجم عليه القرد ليعضَّه، فدخل عليه بالحيلة، ووقف أمام القرد وصار يتناعس ويُغمض عينيه ويرخي رقبته، ومِنْ قوة الرابطة والتوجه [هنا يضحك الشيخ والحضور].. يا بُنَيّ إنّه “مَنْ جالَس جانَس”، فاصحَبِ الصالحين، واصحَبْ مَنْ هو أفضل منك، وإذا لم تحصل عليه فمَنْ هو مثلك بالخير، وإذا صحبتَ الشرير الأكثر أو المثل فإنه يزيد شرَّك.. وبعد خمس دقائق أو عشر دقائق نام القرد، فدخل السارق وفتح “الدُرْج” وأخذ المال وهرب، [الدُّرْج: درج الطاولة الذي يضع البائع فيه المال]، وجاء صاحب الدكان وشاهد القرد وهو يشخر نائمًا، وفتح الدّرْج فوجد الغَلَّة قد سُرِقت، فأخذ “الكُرْبَاج” [السَّوط] وضرب القرد ضرباً شديداً، وبعد حوالي ستة أشهر جاء السارق ليُعيد الكَرَّة، ووقف أمام الدكان وأخذ يتناعس أمام القرد، ولكن القرد فهم درسه، فأخذ يفتح عينيه بأصابعه حتى لا ينام، [يضحك الشيخ والحضور].. فالقرد قد فهم مِنْ مرةٍ واحدة، والإنسان الذي لا يفهم مِنْ مئة مرةٍ هل هو أسوأ أم القرد؟ نسأل الله أن لا يجعلنا قرود بني آدم، وأن يجعلنا نفهم كلام الله.. ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30].

الحميم والغساق

﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا [النبأ:24] في جهنم التي حرارتها سبعون ضعفًا من حرارة نار الدنيا، ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا الماء المغلي ﴿وَغَسَّاقًا [النبأ:24-25] الغسَّاق هو الدم والقيح الذي يخرج مِنْ أبدان الجهنميِّين، وهذا شرابهم الذي يتبرَّدون به وهذه سقياهم.. هذا كلام من؟ هذا كلام الله تعالى، فإذا كنتَ تشكُّ بهذا الكلام ولو بنسبة واحد بالمليون تخرج مِنَ الإيمان إلى الكفر، هل صدَّقتَ؟ إذا صدقتَ فهل تستطيع أن تعصي الله عزَّ وجلَّ؟ فلماذا تقرأ القرآن ولا تعمل به؟ لأن إيمانك ضعيفٌ، ويلزمك أستاذ الإيمان، ويلزمك الذكر، ولقد كان الصحابة ينادي بعضهم بعضًا: “تعالوا نؤمن ساعةً” فيجلسون ويذكرون الله تعالى 16 ، حتى إذا انقضى مجلسهم قالوا: “هذا مجلس الإيمان” 17 .

فهل عندك مجلس الذكر ومعلم الذكر ومعلم الإيمان؟ إنّ الحلال والحرام كلُّ الناس تعرفه، وهل هناك من لا يعرف أن الزنا حرامٌ والسرقة حرامٌ والخيانة حرام والظلم حرامٌ والصلاة فرض والصوم فرض، هل أحدٌ يشكُّ في ذلك؟ فالعِلم موجود لكن التطبيق غير موجود، إذًا العِلم وحده لم يُفِد، لأنّه يَنْقُصه الإيمان، وينقص صاحبه الإيمان.. حتى القط عنده عِلم، أعطِه قطعة لحمٍ من مائدتك، أين يأكلها؟ يأكلها بجانبك، لماذا؟ لأنه يعرف أنه لم يفعل ناقصةً، بل يأكلها بالحلال، فهو لا يخاف ولا يستحي ولا يخجل من أحد، وإذا خطفها فأين يأكلها؟ يأكلها على السطح، فهل هذا عالمٌ أم جاهل؟ وهل هو عالم بالحلال والحرام؟ وهل هو فقيه؟ هو فقيهٌ لكن هل نفعه فقهه؟ [يقصد سماحة الشيخ بهذه المقارنة فقيهَ اللسان وعالمَ اللسان الذي لا ينتفع بعلمه].. ((اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا)) 18 .

الجزاء الرباني على الأعمال

هذا الحميم والغسّاق ﴿جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، لا يوجد هروبٌ مِنَ الله، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90]، ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14] ما أعظَم هذه التربية في القرآن! والصحابة كانوا يقولون: “أوتينا الإيمان قبل القرآن”، وكانوا يقولون للجيل الذي بعدهم من التابعين: “وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان” 19 ، ومِنْ أين أوتوا الإيمان؟ مِنْ صحبة رسول الله ﷺ، وأنت هل تبحث عن صحبة وارِث لرسول الله ﷺ لتتلقَّى الإيمان مع القرآن؟ لقد صار هذا في هذا الوقت مِنْ أندر ما يكون.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفِّقنا لِما يحبُّه ويرضاه.

﴿إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً جزاءً على العمل، ﴿وِفَاقًا [النبأ:25-26] موافقاً للعمل، لماذا؟ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا [النبأ:27] وما كانوا مؤمنين بيوم الحساب وبيوم الفَصل، ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا [النبأ:28] إذا قلتَ له: يوجد آخرة ويوجد عقاب والله تعالى موجودٌ يقول لك: “حُطْ بالخُرْج.. بَلَا الله بَلَا بَلُّوْط” [مقولتان منتشرتان في اللهجة السورية، تقال لتصغير الشيء وعدم الاهتمام به والاستخفاف به.. وكلمة “حُطْ” بمعنى: ضَعْ، و”الخُرْج”: ما يكون على ظهر الحمار ويتدلى من الجانبين، ليُوضَع فيه ما يحتاجه الفلاح من خضار وثمار وأدوات زراعة، كما يوضع فيه أحياناً روث الحيوانات التي تكون غذاءً للنبات، لذلك يكون المعنى العام والمراد من “حُط بالخرج”: لا تهتم ولا تبالي، فالأمر تافه.. وأما القول: “بَلا الله بلا بَلُّوْط”: البَلُّوط: شجر وله ثمر، وهو عند الناس حقير ولا قيمة له، ويكون المعنى المراد: لا تهتم بالله، فهو والبلوط سواء.. نعوذ بالله من ذلك] ويقول: أنا غداً سأرفس باب الجنة برجلي وأكسره.. البِغال لا تدخل الجنة، فالجنة ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:133-134]، ويجب عليك أن تُنفق مِنَ الحلال لا أن يكون مِنَ الحرام، كما قيل: “زَنَت ثم تصدَّقت، وليتها لم تزنِ ولم تتصدقِ!”.. [كأن سماحة الشيخ يشير إلى قول الشاعر:

ومطعمة الأيتام من كَدِّ فَرْجِها فليتكِ لم تزن ولم تتصدقِ

حيث كانت هناك داعرة تزني وتتصدق على أيتام، فكتب هذا الشاعر يخاطبها بشعره].. فإذا أردتَ أن تتصدَّق فتصدَّق مِنْ عَرَق جبينك ومِنَ المال الحلال.

مقتضى الإيمان الحقيقي

﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ:28-29] كلُّ شيءٍ مِنْ أعمالك مسجَّل ومحصيٌّ ومكتوبٌ، فهل تُصدِّق الله؟ وهل تؤمن بكلام الله؟ إذا أمنتَ بالأفعى فما مقتضى الإيمان؟ هل تجعلها “كرافة” [ربطة عنق] أو تضعها حول رقبتك أو داخل قميصك؟! إنّ الإيمان أن تبتعد عنها، والعقرب أين تضعه؟ هل تضعه في كفك؟ بل تدوسه بنعلك، فالإيمان إذا لم يقتضِ العمل فهذا إيمان ميِّت لا خير ولا نفع فيه.

﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) تكذيبًا، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ:28-29] الشرطيُّ إذا قال لك: سأسجِّل لك مخالفة، تتذل أمامه وتقول له: أرجوك لا تكتب! أطال الله عمرك! [سماحة الشيخ يُقَلِّد حركة من يُقَدِّم الرشوة لشرطي المرور فيضحك الحضور]، ولكن الله لا تُدفَع له الرشوة، الآن أنتم في الدنيا: ﴿ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ [فصلت:4]، أما غدًا فيوجد حسابٌ على كلّ شيءٍ؛ فكلامك مسجَّل وسمعك مسجَّل ونظرك مسجَّل وبيعك وشراؤك وغضبك وخيانتك وأمانتك واستقامتك واعوجاجك، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ:29]، ثم ماذا يقال للطاغين في النهاية: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]، كلما مرّ الوقت يزداد العذاب.. وهذا ليس شرطيًا يتكلَّم ولا قاضيًا يتكلَّم فتقول: سأستأنِف.. بل إن كلام الله لا يوجد فيه استنئناف ولا تمييز [الاستئناف والتمييز محكمتان لقبول الحكم بعد حكم المحكمة أو رفضه].. نسأل الله عزَّ وجلَّ بفضله وإحسانه أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه.

مُلْحَق

في الختام

سنقرأ التهليلة على روح الشهيد الشيخ عبد الوهاب قانقوش في حرب الشيشان، وسنصلي عليه صلاة الغائب، وأيضًا أخونا أبو حسن متيني رحمة الله عليه وغفر الله لنا وله، هذا كان من خلَّص المحبين، فنسأل الله له المغفرة، وكذلك أبو عمر شَرَف، وهذا كان من إخوان شيخنا رضي الله عنه وعن شيخنا وعن إخواننا الذين سبقونا إلى رحمة الله.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب إثم الزناة، رقم: (6425)، (6/2497)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، رقم: (57)، بلفظ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  2. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفاً عليه، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561).
  3. سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224)، (1/81). شعب الإيمان، للبيهقي، باب في طلب العلم، رقم: (1663)، (2/253). عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  4. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، رقم (186)، سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم، رقم: (2195)، بلفظ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  5. سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3618)، سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم، رقم: (1631)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13857)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَقَالَ: ((مَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا)).
  6. سبق تخريجه.
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: ﴿وكذلك أخذ ربك﴾، رقم: (4686)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، عن أبي موسى رضي الله عنه. صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يمهل الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَنْفَلِتْ)) ثم تلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾)).
  8. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (7311)، (7/215)، بلفظ: «تَخَلَّلُوا، فَإِنَّهُ نظافةٌ، وَالنَّظَافَةُ تَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْجَنَّةِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، وفي المجروحين من المحدثين لابن حبان، رقم: (1121)، (3/57)، بلفظ: ((تَنَظَّفُوا فَإِنَّ الإِسْلامَ نَظِيفٌ وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَظِيفٌ))، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
  9. سبق تخريجه.
  10. صحيح ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب الجار، رقم: (524)، (2/283)، شعب الإيمان للبيهقي، باب: في حسن الخلق، رقم: (8027)، (6/245)، بلفظ: ((أن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصيني، قال: ((اعبد الله لا تشرك به شيئا)) قال: يا نبي الله زدني قال: ((إذا أسأت فأحسن)) قال: يا رسول الله زدني قال: (استقم وليحسن خلقك))، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
  11. سنن الترمذي، أبواب ما جاء في البرِّ والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم: (1987)، (4/355)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (21392)، (5/153)، بلفظ: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه.
  12. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2582)، (4/1997)، سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، رقم: (2420)، (4/614)، بلفظ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  13. سنن الترمذي، كتاب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع، رقم: (1315)، (3/606)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  14. صحيح مسلم، باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غشنا فليس منا، رقم: (101)، (1/99)، صحيح ابن حبان، باب ذكر الزجر عن أن يمكر المرء أخاه المسلم أو يخادعه في أسبابه، رقم: (567)، (2/326)، بلفظ: ((مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  15. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137)، (4/289)، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، وفي مسند أحمد بن حنبل، رقم: (23489)، (38/474)، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه بنحوه.
  16. مُصنف ابن أبي شيبة، كِتاب الإِيمانِ والرّؤيا، رقم: (31065)، بلفظ: ((كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْخُذُ بِيَدِ النَّفَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: تَعَالَوْا نُؤْمِنُ سَاعَةً تَعَالَوْا فَلْنَذْكُرَ اللَّهَ وَنَزْدَدْ إيمَانًا، تَعَالَوْا نَذْكُرُهُ بِطَاعَتِهِ لَعَلَّهُ يَذْكُرُنَا بِمَغْفِرَتِهِ))، ورقم: (31000)، بلفظ: ((عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلالٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً، يَعْنِي نَذْكُرُ اللَّهَ))، ورقم: (31003)، بلفظ: ((عَنْ زِرٍّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ مِمَّا يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: قُمْ بِنَا نَزْدَاد إيمَانًا))، وروى البخاري معلقاً، كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس)، فقال: ((وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً)).
  17. نوادر الأصول للحكيم الترمذي، (1/122)، تاريخ دمشق لابن عساكر، (28/111)، بلفظ: عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "كان عبد الله بن رواحة إذا لقيني قال اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة فنجلس فنذكر الله تعالى بما شاء ثم قال: "يا عويمر هذا مجلس الإيمان" إن مثل الإيمان ومثلك مثل قميصك بينا أنت نزعته إذ لبسته وبينا أنت لبسته إذ نزعته يا عويمر القلب أسرع تقلبا من القدر إذ استجمعت غلبا".
  18. صحيح ابن حبان، كتاب العلم، باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها، رقم: (82)، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (9050)، بلفظ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ))، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  19. سنن ابن ماجه، باب في الإيمان، رقم: (61)، شعب الإيمان للبيهقي، باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه، رقم: (51)، بلفظ: عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْبَجَلِيَّ قَالَ: " كُنَّا فِتْيَانًا حَزَاوِرَةً مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ".
WhatsApp