تاريخ الدرس: 1996/05/10

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:31:06

سورة العاديات، الآيات: 1-12 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمّ التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد، وعلى أهل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المجاهدين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وعيسى، وعلى إخوانه النبِيِّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

تلخيص ما سبق من سورة الزلزلة

فنحن قد مرَّ معنا في الأسبوع الماضي تفسير سورة الزلزلة، ووَرَدَ في الحديث أنها تعدِلُ نصف القرآن 1 ، وفي روايةٍ أنها تعدِلُ ربع القرآن، لأنَّ القرآن يشتمل على ما يقرب مِنَ النصف أو الثلث عن حياة الإنسان بعد حياته على هذا الكوكب؛ حياة الخلود والأبَد والسعادة التي يقصُرُ عن إدراكها عقول العقلاء، يقول الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ وما غاب عنهم مِنْ حياة، ﴿مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] وهذا ما يُسمَّى بالآخرة والقيامة وبعالَم الروح.. وسورة الزلزلة باختصارها تتحدث عن هذه الحياة الأخروية وعن محاسبة الله عزَّ وجلَّ للإنسان على كلِّ أعمالِه صغيرها وكبيرها، وظاهرها: أي ما ظهَرَ للناس، وخفيّها: أي ما خفِيَ عن أعين الناس، كما يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ كأن تخفي الغش والغدر والخيانة والمكر والإيذاء أو تخفي الخير، أو تعمل الخير ولا يطَّلع على عملك إلا الله.. ﴿وَإِنْ تُبْدُوا وتُظْهِروا ﴿مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] يكافئكم على الخير بالخيرات، وعلى الشرِّ بما تستحقُّون مِنْ جزاء.

موقف الأعرابي من سورة الزلزلة

أتى أعرابيٌّ إلى النبي ﷺ، وقال له بما معناه: علِّمني مِنَ القرآن، ولكن عقلي لا يحتمل الكثير مِنَ القرآن، فعلِّمني قراءةً مختصرةً تكفيني وتنفعُني، فقرأ ﷺ عليه سورة الزلزلة، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يرى مكافأته وثوابه على ذلك الخير الذي عمِلَه، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8] يرى جزاءه ومكافأته عليه، فقال الأعرابي: “تكفيني تكفيني!” فقال عليه الصلاة والسلام: ((أَفلَحَ الرُّويجلُ، أَفلَحَ الرُّويجلُ)) 2 .

فانتبهوا إخواني إلى أن البدوي الأعرابي كان يستمع إلى القرآن ليفهَمه وليكون إمامه، فيقتدي به في حياته، وليتمثَّل القرآن فيه عملًا وأخلاقًا وسلوكًا، فمَنْ كان ينظر إلى أصحاب رسول الله ﷺ كان يقرأ القرآن في أعمالهم، فقد كانوا يحرصون على الخير مهما كان صغيرًا أو حقيرًا فضلًا عن الكبير، وكانوا يتحاشَون الشر والذنب مهما كان صغيرًا أو حقيرًا.

ماذا فعل قيس بن شماس رضي الله عنه مع قوله تعالى: ﴿ولا تجهروا له بالقول

لَمَّا نَزَل قوله تعالى في أدب المؤمن مع رسول الله ﷺ: ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ إذا خاطَبتَ النَّبيَّ ﷺ فلا يكن صوتك فوق صوته، بل أخفض من صوته، خاصةً في المسجد أو في مجلس النَّبيِّ ﷺ، فأن يكون صوتك مرتفعًا قلَّة أدبٍ بحسب القرآن، ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فإذا رفعتم أصواتكم فوق صوت النَّبيِّ ﷺ يُخشى: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].

وكان قيس بن شمَّاس بن ثابت رضي الله عنه مِنْ أصحاب رسول الله ﷺ، وكان في سمعِه ضعفٌ، والذي يكون سمعُه خفيفًا يظنُّ سمْعَ الناس خفيفًا أيضًا، لذلك يجهَرُ بكلامه إذا تكلَّم، فكان إذا كلَّم النَّبيَّ ﷺ يرفع صوته فوق صوت النَّبيِّ ﷺ، فلمَّا نزلت الآية تفقَّده النَّبيُّ ﷺ في مجلسه، إذ لم يعد يراه: ((أينَ ابنُ شمَّاسٍ؟)) هو غير موجود، قال: ((اسأَلُوا عَنه))، فقالت زوجه: عندما سمع الآية دخل الإسطبل وأغلق بابه وأقفله بالمسمار -لا بالمفتاح- وقال: واللهِ أنا الذي كنتُ أرفع صوتي فوق صوت رسول الله ﷺ، وربما يكون قد حبِطَ عملي كما قال الله تعالى، فواللهِ لا آكل ولا أشرب.. وظلَّ يبكي أيامًا بلا طعامٍ ولا شرابٍ، لأنه كان يرفع صوته فوق صوت رسول الله ﷺ، فلما بَلَغَ النَّبي ﷺ استدعاه، فكسروا الباب وأخرجوه مِنَ الإسطبل، وقال له: ((لا تَخَفْ، سَتَعِيشُ سَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ شَهِيدًا)) 3 ، فاستُشهِدَ في بعض الغزوات والمعارك تحت قيادة سيدنا رسول الله ﷺ.. والشاهد أنّ رفع الصوت مع أنه أمرٌ بسيطٌ يمكن أن يُحبِطَ العمل.

الحذر من الخطايا والذنوب

فسورة ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ [الزلزلة:1] علَّمَت المؤمنَ وأشعَرَته بأن يكون يقِظًا وحذِرًا مِنَ الخطايا والذنوب والأخطاء مع الله عزَّ وجلَّ ومع خلقِه، حتى ولو كان الخطأ مثقال ذرة، فلا يحتقِر عمل الخير مهما كان قليلًا، ولا يحتقِر عمل الشر ويبتعد عنه مهما كان قليلًا.. فما أعظَم وما أجلَّ هذه التربية القرآنية! والإسلام يحذِّرك ويُبعِدُك عن مثاقيل الذَّر، والذَّر: قالوا: هي النملة الحمراء الصغيرة، أو ذرة الغبار التي تُرى في شعاع الشمس، فمعنى ذلك أن الإسلام يُربِّي الإنسان لأن يكون مُعقَّمًا من الشر مهما دقَّ وحقُرَ وصَغُر.. فالجرثوم لا تراه العيون، وهل حجمه بمقدار ذرة؟ إنّ الذرة تُرى في شعاع الشمس، أما الجرثوم فلا يُرى، ومع حقارته وانفراده وقلة عدده إذا خالَطَ دمَ الإنسان قد يُهلِكُه أو يَسْلُبُه صحته وسعادته.

فهذه المدرسة السماوية الربانية جعلت مِنْ أبناء الصحراء الوثنيين الخرافيين الذين فقدوا الرحمة [أرحمَ أُمَّةٍ وخيرَ أمَّة أخرجت للناس]، فقد كانوا يقتلون أولادهم مِنَ الجوع، ويدفِنون بناتهم في الحياة مخافَةَ الفقر، وكانت المرأة إذا مات زوجها يرِثُها أكبر أولاد زوجها -يعني يرثون خالتهم- فكان الولد الكبير يجعل زوجة أبيه زوجته، بينما الإسلام اعتبرها أُمًّا لكبيرهم وصغيرهم.

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] هذه الآية ربَّت المؤمن والمؤمنة على عمل الخير مهما كان قليلًا وتافهًا وحقيرًا، وباعَدَت الإنسان عن عمل الشرِّ ولو كان حقيرًا وصغيرًا ونادرًا.

التحذير من خائنة الأعين

أحد الشعراء الذين كانوا يحاربون الإسلام بشعرهم وقع أسيرًا، ولم يكن قد ترك شيئًا مِنْ سبابٍ وشتائم للنبي ﷺ في الإيمان وفي أهله وعرضه وفي كلِّ شيء.. ولما فَتَحَ النبيُّ ﷺ مكة أتى هذا الشاعر إلى النَّبيّ ﷺ بعد صلاة الفجر والوقت ظلامٌ، ولم تكن في المسجد كهرباء أو إضاءة، فقال: يا رسول الله ما تقول في كعب بن زهير إذا أتاك مؤمنًا مسلمًا؟ هل تقبل توبته؟ فعرَفَه النَّبيُّ ﷺ مِنْ صوته، فسَكَت النَّبيُّ ﷺ ولم يردّ جوابًا، فأعاد السؤال مرةً ثانيةً وثالثةً فقال: ((نَقبَلُه وَنَعفُو عَنه))، وبعدما خرج وعفا عنه النَّبيُّ ﷺ قال: ((هلَّا قامَ أَحَدُكُم إلَيهِ بِالسَّيفِ فَرَمَى عُنُقَه؟)).. لأنه حارب الإسلام حربًا يريد بها أن يقتلِعَ الإسلام مِنْ جذوره، فقالوا: “يا رسول الله، لو أشرتَ إلينا بطَرَف عينك!” أي لو غَمَزْتَنا أن ارموا رأسه، فقال: ((ما كانَ يَليقُ وَلا يَنبغِي لِنَبيٍّ أنْ يَكونَ عنده خائنةُ الأعينِ)) 4 ، يعني لا يصح أن يُظهِر له السلام والأمان ومِنْ طرف عينه يشير لهم أن اقتلوه، هذا لا يليق بالمؤمن، فما أعظم التربية الإلهية!

والآن الإسلام شَوَّهَه المسلمون، وحَجَبوا جماله عن الناس، والناس يظنون أن الإسلام هو واقعُ المسلمين وأعمالهم وسلوكهم، والحال كما يقول الشاعر

طلَعَ الدَّينُ مستغيثًا إلى الله وقال العباد قد ظلموني يتسمّون بي وحقك لا أعرف منهم أحدًا ولا يعرفوني

الأمم المتقدمة عندما تتعرَّف على الإسلام ولو بواحدٍ مِنَ المئة تُلقي بنفسها فورًا على الإسلام فَرِحَةً جَذِلَةً، وتعطي الإسلام كلَّ ما يطلبه منها.

عدم تحقير المعروف ولو كان قليلًا

نرجع للآية: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] كان النَّبيُّ ﷺ في هذا الصدد يشرح هذه الآية، وكان يقول في هذا الموضوع: ((لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا)) افعل الخير مهما كان الخير حقيرًا وصغيرًا، ((لا تحقِرنَّ مِن المعروفِ شَيئًا، وَلو أنْ تُفرِغَ مِن دَلوِك في دَلوِ المْسُتسقِي)) إذا كنت على البئر تملأ دلوَك، وملأتَ قبل رفيقك، وخرج دلوك مِنَ البئر، ففرِّغَ دلوك في دلو مَنْ لم ينزل دلوه في البئر، وهل هذا شيء كبير؟ يعني جاء دوره الآن وسيُنزِل دلوه.. قال: اعمل الخير والمعروف مهما كان صغيرًا وقليلًا، ((لا تَحقِرنَّ مِن المعروفِ شَيئًا، وَلو أنْ تُفرِغَ مِن دَلوِك في دَلوِ المْسُتسقِي)) الذي جاء ليملأ دلوه، ((ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بوَجْهٍ مُنطَلِقٍ)) 5 ، إذا لقيتَ أخاك أو صديقك أو رفيقك فليكن وجهك ضاحكًا، ولا تعبِس ولو كنتَ حزينًا، بل تصدَّق عليه بانبساط الوجه.

سبحان الله! هذا الإنسان الأُمِّيُّ ابن الصحراء [يقول هذه الحكم العظيمة]، لأن معلِّمه وأستاذه كان الله رب العالمين.. هذا الوَرد أصله شوك، [يشير سماحة الشيخ إلى باقة ورد بين يديه]، فكيف أخرج الله تعالى مِنَ الشوك المنظر الجميل والرائحة العطِرة المنعِشة؟ ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [الأنعام:95].

وكان ﷺ يقول: ((اتَّقوا اللهَ)) تقرَّبوا إلى الله ((وَلو بِشِقِّ تمرةٍ)) 6 ، ((فإنَّها تَقَعُ مِن الجائعِ كما تَقَعُ مِن الشَّبْعانِ)) 7 ، يعني تسُدُّ زاويةً صغيرةً في معدته، وهي نصف التمرة.. مرةً أتت سائلةٌ فقيرة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها ومعها ابنتها، ولم تجد عائشة رضي الله عنها عندها ما تُعطيها إلا تمرة، فأعطتها التمرة، ولم تقل: عيب وهذه لا تساوي شيئًا.. بل افعل الخير مهما كان قليلًا، وهذه الفقيرة كذلك شقَّت التمرة نصفين، وأعطت ابنتها نصفها وأكلت هي النصف الآخر.

مسجد كَأَنِّي

يُذكَر عن رجلٍ عمَّر مسجدًا كبيرًا وسمَّاه مسجد “كَأَنِّي”، فما مناسبة تسمية المسجد بمسجد “كَأَنّي”؟ كان إذا أراد أن يشتري طَقْمًا جديدًا وعنده طَقْمٌ يقول عن الذي عنده: هذا الطقم لا بأس به يستر عورتي ويُدفِئُ بدني، وشكله أمام الناس جيد، ثم يقول: كَأَنِّي اشتريتُ طقمًا جديدًا، [الطَّقْم: لباس لكامل الجسم، يتألف من بنطال وقميص وربطة عنق].. ويأخذ ثمنه ويضعه في وعاء خاص، وعندما يريد أن يقوم بنزهةٍ يقول: كأني قمتُ بنزهة، ويضع مصروف النزهة في الوعاء، وإذا أراد أن يدعو أصدقاءه إلى الطعام يقول: كأني دعوتهم، وكذلك إذا أراد الركوب بالباص [الحافلة]، وهو يستطيع أن يمشي -والمشي رياضة- يقول: كأني ركِبتُ.. ولكن ليس طريقاً بعشرين كيلومتر أو من هنا إلى حمص.. يعني كلُّ هذه الأمور الثانوية التي ليست مِنْ ضروريات الحياة أو لا يكون منها عملٌ نافعٌ ومُنتِجٌ للآخرين كان يُفْرِزُ ثمنها ويدَّخرها حتى اجتمع معه مبلغٌ عظيمٌ مِنْ “كأنِّي”، فعمَّر به مسجدًا وسمَّاه مسجد “كأنِّي”.

انتصار المسلمين على الاستعمار العالمي بالتربية القرآنية

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] قال: ((ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ))، فاعتبر النَّبيُّ ﷺ لقاءك الناس وأنت مبتسمٌ صدقةً وعملًا خيِّرًا، وتُسجَّلُ لك حسنة تُؤجَر عليها عند الله يوم القيامة.. وكان ﷺ يقول أيضًا في هذا الموضوع: ((يا مَعشَرَ نِساءِ المؤمناتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لجارَتِها، ولو فِرْسَنَ شاةٍ)) 8 ، يعني إذا ذَبَحت ذبيحة فلتتفقَّد جارتها، قال: ولو برجل الخروف، ((ولو بفِرْسَنِ شاةٍ مُحرَقٍ))، كانوا يحرقون شعره ليصلح للأكل.. ولعل العرب كانوا يرمون تلك الرِّجل ولا يحتفلون بها.

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] الابتسامة ﴿خَيْرًا، إذا قدَّموا لك كأساً من الشاي قدِّمه لِمَن بجانبك، فهذا ﴿خَيْرًا، وإذا كنتم تمشون فقدِّم رفيقك أمامك تكريمًا، وهذا ﴿خَيْرًا، وإذا تكلَّمَ معك بكلمةٍ مزعِجَةٍ فلا تردَّ عليه، وهذا ﴿خَيْرًا.. فما أعظم مدرسة الله وثقافة السماء!

لما تولَّى عمر رضي الله عنه الخلافة أرسل كتابًا بعزل خالدٍ رضي الله عنه عن قيادة الجيش، وكان هو القائد العام لجيوش التحرير للبلاد العربية من الرومان، ووصل البريد في اليوم الثالث من معركة اليرموك التي استمرَّت ستة أيام، وفَتَحَ خالد رضي الله عنه الكتابَ، وإذا فيه عزلُه وتولية أبي عبيدة رضي الله عنه قائدًا مكانه، وكان هو قائدًا للجيش، وذلك في أثناء المعركة التي عليها مصير الأمة كلِّها، فوضع الكتاب في عمامته وأمر بسجن حامل البريد حتى لا يفشُوَ الخبر 9 ، وأكمَلَ المعركة، وهُزِمَ الرومان في اليوم السادس.. معركة الستة أيام بالمخطَّط السماوي وبالقانون العسكري القرآني الرَّباني، في ستة أيامٍ هزَمُوا إمبراطوريةً حكَمَت ألف سنةٍ نظامًا وثقافةً وفلسفة، وهؤلاء مِنَ الصحراء، ولكنهم دخلوا جامعة السماء، وكان أستاذهم خالِقَ الكون وقوانينه.. فبمعركة ستة أيام هزموا الاستعمار الغربي، وأنهوا كذلك معركتهم مع الاستعمار الفارسي الشرقي في القادسية بأربعة أيام، فهزَمُوا الاستعمار العالميَّ في عشرة أيام؛ أربعة في القادسية، وستة أيامٍ في اليرموك.. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3].

عودة المسلمين إلى مدرسة السماء

والآن ما أهون وما أسهل أن يعود المسلمون إلى هذه المدرسة بوسائل الإعلام الحديثة والأقمار الصناعية! فعبر الإنترنت يستطيع إنسان واحد مخاطبة العالم كلِّه، وأحد إخواننا الأخ فادي “الله يرضى عليه” كان في أمريكا، [الله يرضى عليه: أكثر دعوة تُقال في سوريا، خاصة من الأبوين للأولاد ومن المعلم لتلميذه، وتقال أحياناً: الله يرضى عنه]، وأخذ بعض الأحاديث مِنْ أحاديثي في المؤتمرات ووضعها بالإنترنت، وذلك عنْ طريق الجامعة التي كان يدرس فيها، فاطَّلع بعض الأمريكان على ذلك، وأتى مِنْ أمريكا ليلتقي بصاحب هذه الكلمات.. وبعض المحاضرات ألقيتُها في اليابان، فأراد بعض اليابانيين القدوم إلى دمشق ليروا صاحب الكلمة.. فيمكن بعشر أشخاصٍ وبعشر لغاتٍ أن يُقدَّم الإسلام؛ إسلام القرآن لا إسلام [التعصب] للمذاهب، ولا الإسلام الذي شُوِّه الإسلام به مِنِ اختلافاتٍ وجمودٍ وتخلُّف وتكفيرِ بعضهم لبعض، بل إسلام القرآن المشروح بالصحيح مِنْ حياة رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام، والعالَم كلُّه حينها يصبح بلدًا واحدًا وشعبًا واحدًا وعائلةً واحدة.. وأصغر دولة مِنْ دول الإسلام والعرب إذا تبنَّت هذا المشروع واستدعَت الدُّعاة الأكفاء ستنجح، وليس المهم السيارة ولا الطائرة، ولكن المهم هو القائد والطيَّار، والفَرَسُ مِنَ الفارس، وباللغات العالمية.. وهذه لحيتي! [تعبير شعبي يُقصَد به إثبات حدوث شيء ما] “فليجرِّبوا يا أخي!” وإذا لم يظهر الأثر بشهورٍ قليلةٍ فأنا أضع المصروف الذي يُكلِّف الدولة.. أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُلهِم مَنْ يملِكُ هذه الوسائل أن يُحقِّق هذا الهدف الذي فيه خير الإنسان وخير العالَم كلِّه.

[هذا المشروع الدعوي العالمي كان أحد الأمور التي كان يسعى إليها سماحة الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله تعالى بعد ظهور الانترنت، وقد تكَلَّم به مع بعض الجهات القادرة على ذلك وخاصة الحكومية، ولكن لم يجد آذاناً صاغية، لأنه كما هو معلوم أن أكثر القائمين على الحكم لم يكونوا مهتمين بالإسلام، أو ربما كان بعضهم من أعداء الإسلام، ولو خُيِّر بين نشر الإسلام ومحاربته لكان في صفوف المحاربين له، وخاصة ما كان عليه نظام الحكم في سوريا.. وقد تَكَلَّم الشيخُ مرةً بقلب محروق عن هذا المشروع في أحد دروسه التي كنتُ فيها حاضراً، وقال: سأكلم الرئيس بهذا الموضوع، لأن فيه خير سوريا وخير العرب..

وبعض الجمل في الفقرة السابقة ربما تحتاج إلى قليل من البيان لتكون واضحة للقارئ.. لقد كان المطلَب الأول لهذا المشروع -حسب كلام الشيخ- أن يكون القائمون عليه من الدعاة الأكفاء، ولذلك قال شارحاً ذلك: “وليس المهم السيارة ولا الطائرة، ولكن المهم هو القائد والطيَّار”.. فالأمر يتوقف على كفاءة أولئك الدعاة وعلى أن يكون المشروع باللغات العالمية.. وكان رحمه الله واثقاً أن هذا المشروع سينجح نجاحاً أكيداً، لذلك كان كثيراً ما يُؤَكِّد كلامه بقوله: “وهذه لحيتي! أو: وهذه ذقني!” كما نقولها بالعامية السورية، ثم قال: “فليُجَرِّبوا يا أخي!” وهذه الجملة من اللهجة العامية، ولها دلالتها الخاصة التي ربما لا يعرفها إلا السورِيُّون، وكلمة “يا أخي” هنا ليست مقصودة بحرفيتها.. وهذه الجملة بهذا الشكل في مثل هذا الموضع تُقال عندما يكون قلبُ الإنسان محروقاً على شيء ويكون واثقاً من كلامه، وكلُّه رجاء وأمل في أن يُصَدِّق المخاطَبُ كلامَه ويُنَفِّذه.. وزيادة على تأكيد نجاح المشروع قال: “وإذا لم يظهر الأثر بشهورٍ قليلةٍ فأنا أضع المصروف الذي يُكلِّف الدولة”، يعني أنه مستعِدّ لدفع جميع المال الذي صُرِف على المشروع إذا لم يُحَقِّق نجاحَه.

ولا ريب أن هذا المشروع الدعوي لا زال ينتظر من يُنَفِّذه، وربما يكرم الله أحداً من أصحاب الإمكانات ممن تبلغه كلمات الشيخ هذه ليكون الفتح على يديه].

التحذير من الذنوب الصغيرة

كان ﷺ يقول: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلو بِشِقِّ تَمرةٍ))، ((يا مَعشَرَ نِساءِ المؤمناتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسَنَ شاةٍ))، وكان ﷺ يقول: ((رُدُّوا السَّائلَ)) الفقير ((وَلو بظُلْفٍ مُحرَقٍ)) 10 ، أي قَدَم الخروف المحروقة حتى قبل أن تُطبَخ.. هذا مِنْ جهة الخير، وأمّا مِنْ جهة الشر فكان النَّبيُّ ﷺ يقول لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشةُ! إيَّاكِ ومُحَقَّراتِ الذُّنوبِ)) 11 ، احترسي من الذنوب الصغيرة ولا تقولي: هذا بسيطٌ، والله غفورٌ رحيم.. [كما يقول بعض المسلمين اليوم].. هل أنت مديرُ الله حتى إذا غفرتَ يكون هو موظَّفَك ويكون تابعًا لك؟ [المُدِيْر: رأس الإدارة التي هو فيها، وبقية العاملين موظفون عنده يأمرهم وينهاهم] نحن نجعل أنفسنا أساتذةَ الله ومُدِيْرِيه! ومتى ما غفرنا يجب أن يَغْفِر! المدير إذا “وَقَّع” [وضع توقيعه أو إمضاءه على شيء] هل يستطيع الموظف الذي تحته أن يُعارِض؟ بينما الله تعالى يقول: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ لمن تَرَكَ الذنوب والمعاصي وأماكنها ورفاقها وأصحابها، ﴿وَآمَنَ [طه:82] آمن بالقرآن، وعندما تُؤمن بأن هذا سُمٌّ هل تشربه؟ وعندما تُؤمن أن هذا عسلٌ هل تَحقِره؟ فالإيمان الحقيقي هو الذي يقود للعمل بغير اختيار.

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] يقول النَّبيُّ ﷺ في هذا المعنى: ((يا عائِشةُ، إيَّاكِ وَمُحقَّراتِ الذُّنوبِ، فإنَّ لها مِن اللهِ طالبًا، وإنَّهنَّ)) أي المحقَّرات ((لَيجتمِعنَ)).. نقطةٌ على ورقةٍ مِنْ قلمٍ، هل تسوِّد الورقة؟ فكيف إذا كانت ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة؟ وإذا تتابعت أَلَا تسوَدُّ الورقة؟ ((وإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى تُهلِكَه))، وضرب النَّبيُّ ﷺ مثلًا لذلك فقال: ((كمَثلِ قَومٍ نزَلُوا أرضَ فَلاةٍ)) فحضر وقت طعامهم -وقت الغداء- ويريدون أن يطبخوا ولا يوجد حطب، فصاروا يجمعون مِنَ البرية ما يُوقِدون به لنُضجِ طعامهم، ((فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنطَلِقُ، فيَأتي بالعُودِ))، ورجلٌ آخر يُحضِرُ عودًا آخر، ((حتى جمعوا أعوادًا وحطبًا كثيرًا، وأجَّجوا النار وَأَنْضَجُوا ما فيها)) 12 .. لذلك فإن ذنبًا صغيرًا وفوقه ذنبٌ صغيرٌ وفوقه ذنبٌ صغيرٌ يصير كبيرًا.. وإذا استمررنا تصير ذنوبًا كبيرة.

مصاحبة السيئين معصية

فجلسةٌ مع إنسانٍ شريرٍ هذه سيئةٌ، وهذا مجلس شرٍّ، وكذلك جلسة مع خبيث أو خائن أو فاسِق أو سِكِّير أو مدمِن مخدراتٍ وعدو للخير ولأهله، والقرآن يقول: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا المكذبين وأعداء النَّبيِّ ﷺ، ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ يتكلَّمون بالسباب والشتائم وتشويه الإسلام، ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [النساء:140] إذا رأيتَ شخصًا معه كوليرا هل تُصافحه؟ هل رأيت الكوليرا بعينك في كفِّه؟ الكوليرا لا تراها العيون، هذا: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] هذا في الأمور المادية، وكذلك في الأمور الأخلاقية والعَمَلِية، فالذي أدمَنَ القِمار مِنْ أين كان مصدر اكتسابه لهذه الصَّنعة الخبيثة؟ صُحبَته للمُقامِرين، والذي استعمل المخدرات مِنْ أين أتاه استعمال المخدرات؟ مِنْ مجالَسَتِه لمستعملي المخدرات، لذلك كان يقول قائلهم

فَصاحِبْ تَقِيًّا عالِمًا تَنتَفِعْ بِه فصُحبةُ أَهلِ الخَيرِ تُرجَى وتُطلَبُ وإيَّاكَ وَالفُسَّاقَ لا تَصحبَنَّهم فقُربهمُ يُعدي وهذا مُجَرَّبُ كما قِيلَ: طِينٌ لاصِقٌ أو مُؤثِّرٌ كذا دُودُ مَرجٍ خُضرةً مِنه يكسبُ

“الفُسّاق”: المنحرفين، “طين لاصق”: إذا مشيتَ في أرض الطين يلتصِقُ بنعلِك شيءٌ مِنَ الطين، “أو مؤثِّرٌ”: بأن تترك على قدمك أثرًا من الطين، “كذا دُوْدُ مَرْجٍ”: دودة المرج ما لونها؟ خضراء، ومِنْ أين اكتسبت اللون؟ مِنَ الصُّحبة والمجالسة.

هذا فيما يتعلق بسورة الزلزلة.

وجوب العمل بما ورد في تفسير سورة الزلزلة

والآن درسكم في سورة ﴿وَالْعَادِيَاتِ، بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الله تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1].. ولكن هل تعاهدونني على العمل بسورة ﴿إِذَا زُلزِلَت؟ يعني تذكَّر القيامة، يومَ تُزلزَلُ الأرض زلزالها، ويوم تُخرِجُ الأرض أثقالها وأمواتها مِنْ قبورهم.. ﴿وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار:4]، ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا [الزلزلة:3] عندما يرى الجبال تطير: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) منبسطة، ﴿لَّا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه:105-107] لا واديًا عميقًا ولا جبلًا شاهقًا، ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ يخرجون مِنْ قبورهم ﴿أَشْتَاتًا [الزلزلة:6] يعني أنواعًا وأشكالًا، منهم السعيد ومنهم الشقي، منهم أسود الوجه ومنهم أبيض الوجه، منهم ﴿مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7]، ومنهم ﴿مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:8-9].

﴿إِذَا زُلزِلَت [الزلزلة:1] إذا: ظرف زمانٍ بمعنى اذكر يوم وحين تُزَلزَلُ الأرض زلزالها.. وأنت عندما تقرأ ﴿إِذَا زُلزِلَت [الزلزلة:1] والله يقول لك: اذكر القيامة، هل تفهم كلام الله؟ أم أن الله تعالى يُكلِّمُك بالتركي أو بالهندي أو بالألماني أو بالطليناني أو بالفَلَمَنْكي؟ [الفَلَمَنْكِي: كلمة تُستَخدَم هكذا باللهجة السورية، ويُراد منها لغة غير مفهومة، والكاف هنا تُنْطَق كالجيم المصرية]، إذًا أنت لا تفهم شيئًا، والله يُكلِّمك.. تسأله: ماذا قال؟ يقول: لم أفهم.. هل أنت أصمُّ؟ لا، بل لا تريد أن تفهم.. إذا أردتَ الفهم ولم تعرف فاسأل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وأنتم هل تُعاهدونني أن تقرؤوا سورة ﴿إِذَا زُلزِلَت بحقٍّ؟ وإذا قرأتم ﴿إِذَا زُلزِلَت ما معناها؟ يعني أيها المؤمن اذكر ولا تنسَ يوم القيامة ومقدماتها حين تُزَلْزَلُ الأرض زلزالها.. فهل حسبتم حساب ذلك اليوم؟ وتذكَّروا ذلك اليوم الذي تُخرِجُ الأرض فيه أثقالها، وتَخرُجُ الأموات مِنْ قبورها: ﴿يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78].

وعندما يرى الإنسان هذه الأهوال يُدهَش فيقول: ﴿مَا لَهَا (3)؟ ماذا حصل؟ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:3-4] يعرف أنه صار وقت الحساب وعَرْض الأعمال على الله في محكمته: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] والأرض التي عصَيْتَ الله فيها ستشهد عليك، والتي أطَعْتَ الله فيها ستشهد لك، فـ﴿إِذَا زُلزِلَت [الزلزلة:1] تذكَّر ذلك اليوم.. وخلاصة ذلك اليوم أنك ستُحاسب على النقِير والفتيل والقطمِير ﴿إِلَّا مَن تَابَ [مريم:70] انقطع عن كلِّ أعمال الشرِّ والآثام وصُحبة أهل الشَّرِّ والآثام، واتجه نحو الخير وصحبة أهل الخير ومجالِس العِلم والتقوى، ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا عن جهنم ﴿مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ لا زُلزِلَت ولا أَخرَجَتْ.. ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ [الأنبياء:101- 103] مِنْ قبورهم: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا أي الجنة ﴿خَالِدِينَ [الزمر:73].. اللهم اجعلنا منهم.. لكن “اللَّهمَّ” تحتاج إلى تشمير وتذكير وعَمَل.

معنى العاديات

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1] ما معنى العاديات أبا حسن؟ [يسأل سماحة الشيخ أحد إخوانه المقربين منه، وهو أبا حسن، وكان معروفاً بتوبته على يد الشيخ وحبه الشديد له والتزامه بحضور دروسه، وخدمته وخدمة ضيوفه]، العاديات: مِنَ العَدْوِ، لا مِنَ العَدُوِّ، العَدْوُ: هو الرَّكض، والعاديات: الرَّاكضات، فالمقصود منها هي الخيل عندما تركض في الجهاد في سبيل الله، وهذا الجهاد اسمه: “الجهاد في سبيل الله” فهو ليس في سبيل الاستعمار أو استعلاء الإنسان القويِّ على الضعيف، أو نهْبِ القوي للضعيف، أو التحكُّم في الضعفاء، أو تمزيق وحدتهم، فالفتح في سبيل الله، وما هي سبيل الله؟ أن تُعلِّمَهُم الكتاب -القرآن- وهو مدرسة الله والثقافة الإلهية وبرنامج السماء، وتُعلِّمهم الحكمة وتزكِّيهم، هذا هو سبيل الله؛ تعميمُ العِلم للجميع، وبناءُ العقل الحكيم للجميع وبشكلٍ إلزامي ومجاني، وتربيةُ الأخلاق الفاضلة للجميع، هذا معنى في سبيل الله.. فهل يوجد قانونٌ في الدنيا مِنْ خلق آدم عليه السَّلام إلى الآن وإلى أن تقوم الساعة مثل هذا القانون الإلهي؟ هل يوجد مثل هذه الثقافة الربانية تاريخيًّا وعمَليًّا وواقعيًّا؟ وعندما مشى العرب عِلمًا وثقافةً وعَملًا وتطبيقًا على منهاج الله عزَّ وجلَّ هل ربِحوا أم خسِروا؟ هل انتصروا أم انهزَمُوا؟ هل عُزُّوا أم ذلُّوا؟ هل افتقَروا أم استَغْنَوا؟ وهل كَتَبَ التاريخ للإنسانية مجدًا مثلما كَتَبَ التاريخ للعرب بالإسلام؟

وكانوا يقولون: “نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام” لا بالوطنية، مع أن الإسلام يُقدِّسُ الوطن، ولا بالقومية، مع أن القرآن والإسلام يُقدِّسان العروبة والقومية، وهذا واجب، ولكن العروبة التي هي انتماءٌ لبلدٍ أو التكلُّم بلغةٍ هل ترفَع أو تخفِض؟ أرض الوطن هل ترفَع أو تخفِض؟ الذي يرفَع ويخفِض هو العِلمُ والجهل، والعقلُ الحكيم والعقل الأحمق الجاهل الطائش، والأخلاقُ العالية أو الرديئة، هذا الذي يرفَع ويخفِض ويُعزُّ ويُذِلُّ.. ولكن الإسلام تجمَّد في عقول كثير مِمَنْ نُسبوا إليه، وهجروا القرآن إلى آراء المَذْهَبِيِّين، فصار هناك حجابٌ بين المسلمين وإسلام القرآن، ومِنْ هنا ضعُفوا وتمزُّقوا وفقَدوا العالِم الوارِث النبوي الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس.

﴿وَالْعَادِيَاتِ [العاديات:1] هي الخيل عندما تركض في سبيل الله لإنقاذ الشعوب الضعيفة والفقيرة لنقلها مِنَ الفقر إلى الغنى، ومِنَ الجهل إلى العِلم.. فاللهُ عزَّ وجلَّ يحضُّنا على العمل والجهاد، وأنت أيها المسلم لا تحتقر عمَلك، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] فالذي تسمعه علِّمْهُ لجارك ورفيقك، والمرأة عليها أن تُعلِّمه لجارتها “وكنَّتها” وابنتها، [الكَنّة: زوجة الابن]، وهل الكبير يبدأ كبيرًا أم صغيرًا؟ فإذا أردتَ الكبير ابدأ بالصغير، وإذا أردتَ العظيم ابدأ بالحقير، وإذا أردتَ المُتَمَنَّى ابدأ بالمُمْكِن.. ويوجد كثيرٌ مِنَ الإسلاميين يبدؤون بالمُتَمَنَّى، فلا يصِلُون إليه، ويَفوتهم المُمْكِن فيخرجون خاسِرِي الأمرين؛ فلا يحصلون على الممكن ولا على المتمنّى، وعليهم أن يضعوا أيديهم بأيدي حكوماتهم الوطنية، فالحاكِم هو ابن بلدك أو ابن حَارَتِك أو جارُك أو قريبك.

وجوب الصلح مع الحاكم وعدم الخلاف معه

اذهب إليه: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى والحاكم ليس هو فرعون ولا النمرود، وهو إما جارك أو ابن بلدك.. ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43-44] هذا مع فرعون، فكيف إذا كان جارُك ويقول: ربِّيَ الله! حتى ولو حمَلْتَ نعلَه وخدَمته بهدف أن تتعاون معه كما علَّمنا النَّبيُّ ﷺ فقال: ((الإسلامُ والسُّلطانُ أَخوانِ تَوأمانِ)).. هؤلاء المسمَّون بالإسلاميين أو الأصوليين يُحرِّفُون كلام النَّبيِّ ﷺ، ويُحرِّفُون هذا الحديث بالشكل الآتي: “الإسلام والسلطان عدوَّان مُتقاتلان، لا يصلُحُ أحدهما للقاء الآخر”، هكذا يقرؤونه، أما قراءة النَّبيِّ ﷺ فهي: ((الإسلامُ والسُّلطانُ أَخوانِ تَوأمانِ، لا يَصلُحُ أَحدُهُما بِدُونِ الآخَرِ)) 13 ، فالشرطيُّ “والمَخْفَرُ” [قسم الشُّرْطَة في الحَيّ] والقاضي والجيشُ مع الإسلامِ والداعي إلى الله والشيخِ أخوان توأمان.. والدِّين يُصلِحُ النفوس، والحاكِم مُهمَّته أنه إذا سرَقَ السارق يبدأ وقت عمله، أما الدِّين أو الإسلام فمُهمَّته أن يمنَعَ الإنسان من أن يصير سارقًا، فأي العملَين أعظم؟ هذا يمنع وجود السارق، والثاني إذا وجد السارق يقطع يده، فإذا اجتمعت هاتان الطاقتان فلا تُقطَعُ يدٌ ولا يوجد سارِق، ولا يُشْنَق قاتل ولا يكون قاتل، ولا يكون فقيرٌ ولا يكون جائعٌ.

قراءة القرآن للفهم والعمل

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1] ما معنى ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا؟ مَن قرأها منكم فليرفع أصبعه، [سماحة الشيخ يسأل أحد الحضور:] هل قرأتها أنت؟ وهل قرأتَها أبا حسن؟ [يجيب أبو حسن: نعم.. ولقد كان أبو حسن دائم الجلوس في الصف الأول، وكان يحب كثيراً ملاطفة الشيخ كفتارو وإدخال السرور عليه، وكان الشيخ يمازحه ببعض الكلمات أيضاً، لذلك قال له:] لماذا لم ترفع يدك؟ ولَمَّا قرأناها هل فهمناها؟ وهل فكرنا أن نُحوِّلها مِنْ ألفاظٍ تُقرَأ وتُتلى إلى أعمالٍ تُرى وتُشاهَد؟ القرآن لهذا يُقرأ.. إنك تأخذ الوَصْفَة الطِّبِّية خطًّا مكتوبًا إلى الصيدلي، وهناك تدفع الثمن وتأخذ الدواء، وهذا يكون ثمنًا وأخذًا للدواء، ويكون عند المريض استعمالًا وشُرْبًا، فتكون النتيجة شفاءً وهزيمةَ المرض ومجيءَ العافية، أما إذا أخذتَ الوصفة وقرأتَها ولم تفهم شيئًا، ولم تذهب إلى الصيدلي ولم تستعمل الدواء فلا تستفيد شيئًا.

يقولون: الحمد لله وما شاء الله! هذا الشخص يحفَظُ القرآن مِنْ أوَّلِه لآخره، ولكن ماذا فهمتَ مِنْ أوَّلِه لآخره؟ وماذا عمِلتَ مِنْ أوَّلِه لآخره؟ وماذا علَّمتَ مِنْ أوَّلِه لآخره؟ ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] القرآن أُنزِلَ لا لحِفْظِ كلماته، بل أُنزِلَ لتتحوَّل كلِماته إلى أعمالٍ وأخلاقٍ وواقعٍ وصفاتٍ.. ((خَيرُكُم مَن تَعلَّمَ القُرآنَ وَعلَّمَهُ)) 14 .. لا بأس أن تعمل لدُنياك، ولكن هل كلُّ عملك لدنياك؟ وإذا صار عمرك خمسين وستين وسبعين وثمانين وتسعين سنة، هل تُحب أن تبقى مُعَمِّراً للمئة أو المئة وعشرين أو المئة وثلاثين حتى تغرَقَ في أوساخك وأقذارك ويهرُبَ منك ابنك وابن ابنك؟ هل ستُخلَّدُ؟ بل ستنتقل، فماذا هيَّأتَ لعالَم الخُلود وللعمر الذي لا نهاية له؟ نحن الآن في غفلة.

هل ذهبتَ إلى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]؟ هل ذهبتَ إلى ((العُلماء وَرَثة الأنبياءِ)) 15 ليجعلوا منك مُسلمًا حقيقيًا أصيلًا لا مسلمًا اسميًّا مُزيَّفًا؟

﴿وَالْعَادِيَاتِ [العاديات:1] الواو واو القسم، يعني أَحلِفُ وأُقسِمُ، فالله يقول: أُقسِم، لِمَن؟ لأخينا أبي حسن، ألا تُصدِّق الله أبا حسن حتى يحلِفَ لك يمينًا؟ ألا نستحق أن يضربونا مئةُ ألف صفعة! لأن الله عزَّ وجلَّ يحلف لنا.. وقد حلف لنا لأنه يعلم أننا لا نُصَدِّق.. فلو أنك تعرف شخصًا يُصدِّقك هل تحلِفُ له يمينًا؟ قولوا؟ [يقول الحضور: لا نحلف] إذاً فالله تعالى يعلم أننا كذّابون ومُكَذِّبون؟ ومع أن الله تعالى قد حلف لنا لكننا لم نستفِدْ ولم نفهم.

﴿وَالْعَادِيَاتِ [العاديات:1] أُقسِمُ بالخيل الراكضة والمهاجمة على الطغاة والجائرين والاستعمار والمذِلِّين للإنسانية.. مذبحة قانا اليهودية، بررَّتها أمريكا أمُّ الحرية وأمُّ الإنسانية وحقوق الإنسان، لقد برَّرت المذبحة ولم ينقُصْها إلا أن تُعطي شهادةً لإسرائيل لتبرير ما فعلَتْه في العدوان على النساء والأطفال والشيوخ والعُجَّز، أين المدنية؟ وأين الإنسانية؟ أين التقدُّمية؟ إننا نحتاج إلى العاديات، لأن النفوس الظالمة لا تفهم إلا بطريق الخيل العاديات الهاجِمات.

وصف العاديات في المعركة

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1] الضَّبح هو صوت الفرس عندما تركض طويلًا، حيث تُصْدِر صوتًا مع نَفَسِها “أه أه”.. والذين يملكون الخيل يعرفون هذا، أليس كذلك أبا الخَيْر؟ [الشيخ يسأل أحد إخوانه ممن له معرفة بالخيل، واسمه أبو الخير]، فالضَّبْح صوت الخيل عند ركضها، أما الخيل الجالسة التي لا تركض ولا تُستعمَل في سبيل الله ولا تَضْبَحُ فهذه لا يحلِفُ الله عزَّ وجلَّ بها، لأنها لا قيمة لها، وليست التي تكون لسباق الخيل واللهو والبطالة، فيجب أن تكون عادياتٍ وراكضاتٍ في سبيل الله، وليس فقط العاديات أن تكون في سبيل الله، بل كلُّ شيءٍ تملِكُه في الحياة يجب أن تُفكِّر في أن تستعمِلَه في سبيل الله؛ شبابك وعِلمك وجاهُك ووظيفتك وقوَّتك ومالُك كلُّه يكون في سبيل الله، وما معنى العبودية؟ العَبْد وما ملَكَت يداه لسيِّده.

أُقسِمُ بالعاديات ضَبْحًا، فقط؟ قال: ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:2] عند هجومها لا يهمُّها الصخر والجبال، فإذا جاءت حوافِرُها على الصخر تقدَحَ شررًا، قال: أُريدُ أن تقدَحَ خيلكم على الصخور في عدْوِها وهُجومها على الطغيان وعلى الجبَّارين المستعمِرِين الظالمين، ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:2] الخيل التي تقدَحُ الشَّرَر تحت حوافِرها.

﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:3] إنّ فرسانها لا ينامون الليل، يُهيِّئون فرصة الهجوم الناجح التي تكون قريب الصبح، لأنهم إن هجَموا عليهم بعد العصر يكونون كلُّهم جالسين ومستيقظين، فيكون النصر مشكوكًا في تحقيقه، أما عندما يكونون نائمين تكون كلّ قواهم خامدة.. وهذا كي تكسب النصر بأقلِّ الكُلَف مِنْ سفك الدماء.

وإذا اجتازوا المسافات وصاروا في وسط القوم وفي الصباح، يعني هل ناموا الليل؟ لا، بل سهروا الليل، لماذا؟ لإنقاذ الضعيف مِنَ الطغاة وتعميم العِلم على كلِّ شعوب الأرض.

﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) النَّقع هو الغبار، فعندما تحدث المعركة يصير الغبار والعَجَاج في الفضاء، ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا [العاديات:4-5] في قلب المعركة.

إنّ الله عزَّ وجلَّ يحلِفُ بالخيل خيل المجاهدين، وهل الخيل أعظم أم راكِبُها؟ إن الله تعالى حلَفَ بفَرَسِك، إنّه مِنْ شدة حبِّه لك حلَفَ بفَرَسِك، وأنت ألا يحلِف بك؟ فما أحلى كلام الله! وما أحلى تعليم الله! فبدلًا مِنْ أن يقول: “هيِّئوا الخيول” قال: أُقسِمُ بالخيول، وبدلًا مِنْ أن يقول: “جاهدوا على الخيول”، قال: سأجعل من خيولكم يمينًا مقدَّسة.. فهذا الإسلام هو دِين النضال والجهاد، لماذا؟ لا لاغتصاب ونهْبِ الأموال، ولا لإذلال الإنسان، ولا لإبقاء الشعوب جاهلة.

الاستعمار استعمَرَ إندونيسيا ثلاث مئة سنة، فهل نهَضَ بإندونيسيا كما هو حال المستعمِر [في بلده] في النَّهضات العِلمية أم أبقاها في جهلها وأُمِّيَّتها وتمزُّقِها وأمراضها؟ أما الإسلام فلم يدخل بلدًا إلا ونهَضَ بذلك الشعب حتى جعله على مستواه عِلمًا ومعاملةً وإخاءً ومحبةً ورحمةً، ومع الحرية الدينية: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256].

﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا [العاديات:4] نحن نحتاج إلى خيل تُثير الغبار، نحتاج إلى خيل تقدَحُ حوافِرُها نارًا، نحتاج إلى خيل هجومية على الطغاة والاستعمار، فإذا كانت الخيل هكذا فما أعظم ركَّابها وفُرسانها! فكونوا مثل أولئك الفرسان لتكون خيولكم قَسَمًا لله ويمينًا للرحمن، واليوم صارت الدبابات والطائرات بدلًا مِنَ الخيل.. هذه هي العاديات، فأين عادياتُنا؟

إعداد المغيرات

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) بهديرها ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) تراها [الطائرات والدبابات] ليلًا والنار تخرج مِنْ ذيلها، وهذا بدل الغبار في ذاك الزمان.. ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:1-3] يُغيرون في الصباح والنهار وعند الغروب والشروق، فأين مُغيراتنا على الظلم والطغيان والطغاة؟ وأين نحن؟ وأين قرآننا؟ ولا تيأسوا.. لكن ابدؤوا.

إذا رأيتَ شجرة التين الكبيرة، وأنت لا تعرف التين ولا زراعته، تقول: ليتَ عندي شجرةٌ مثل هذه الشجرة، يقولون لك: هل تريد؟ نعم، إِذَن، خُذْ هذه البذرة الصغيرة وضَعْها في الحوض، واسقِها لتصبح عندك بعد مدةٍ معينةٍ شجرةً كبيرة، وستخرج هذه الشجرة مِنْ هذه البذرة، تقول: هل مِنَ المعقول أن توضَعُ الشجرة الكبيرة في هذه البذرة الصغيرة؟ هل هذا يدخل في العقل؟ الله تعالى يقول لك هذا، فهل صدق الله العظيم أم لم يصدُق؟ ابدؤوا بالبذرة، والبذرة هي: ﴿اقْرَأْ [العلق:1]، والبذرة: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، والبذرة: ((وَأَجوَدُهم بَعدي رَجلٌ)) ماذا؟ [سماحة الشيخ يسأل أحد الحضور:] أنت قُلْ، [فيجيبه: ((تَعَلَّمَ عِلمًا فعَلَّمَه)) فيقول سماحة الشيخ:] ثم؟ ((يُحْشَر يَومَ القِيامةِ أُمَّةً وَحدَهُ)) 16 ، الإسلام يقول لك: أنا أجعلُكَ أُمَّة، فأي مبدأ في الحياة يجعل إنسانًا في الميزان بوزن أمَّة؟

حقيقة الإسلام بعيدة عن واقع المسلمين اليوم

ما هذا الإسلام الضائع عن المسلمين والمظلوم مِنَ المسلمين والمجهول منهم ومِنْ غيرهم! وماذا ربِحَ المسلمون بجهلهم وهجرِهِم للإسلام؟ وماذا ربحوا بثقافات كلّها غثائيَّة؟ وأما الثقافة الحقيقية فلم نصِل إليها اليوم.. الإسلام وحَّدَ العرب وجعلهم دولةً وأمَّةً واحدة، فهل العرب الآن أمة واحدة؟ هم اثنان وعشرون دولة، والإسلام وحَّد الشعوب، والمؤتمر الإسلامي الآن اثنان وخمسون دولة، هل هذا إسلام؟ لو كان الإسلام لصاروا دولةً واحدة؟ وهذا الأمر يحتاج إلى العلماء ورثة رسول الله ﷺ، وماذا يرِثون؟ يرثون أن يُعلِّمُوا الناس القرآن، لا النطق بألفاظه والإجادة والتجويد لأحكامه من المدود والغُنَّة والقَلقَلة، وهل كان النَّبيُّ ﷺ هكذا يُعلِّم القرآن؟ هل كان يقول لهم: المدُّ المتصل والمنفصل؟ بل كان يُعلِّمُهم قرآن العمل والحياة والقوة والجهاد والكفاح لتحقيق العدالة والسلام والإخاء والحب في العالَم كلِّه.

﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا [العاديات:5] هل أنتم الآن في قلب أوروبا وأمريكا واليابان والصين ووسطهم؟ القرآن هكذا يقول، وذلك لتحمِلُوا إليهم العِلم والحكمة وتُزكُّوا النفوس وتحقِّقوا الإخاء وتحقِّقوا حقَّ الإنسان بصدقٍ لا بدَجلٍ.. الآن حقوق الإنسان في أمريكا يطبقونها على شعبهم، ولكنهم يستعملون حقوق الإنسان في البلاد الأخرى ليتسلَّطوا على تلك البلاد، كمثل الذئب الذي رأى الخروف في الحمَّام، فقال له: لماذا تُثير الغبار عليَّ؟ فقال له الخروف: وهل يوجد في الحمَّام غبارٌ لأثيره عليك؟ إذا أردتَ أن تأكلني فكُلني ولا تخترع أعذارًا “خُنْفُشارِيَّة”. [أي أعذاراً واهية كاذبة لا حقيقة لها].

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] إن مِنْ طبيعة الإنسان أنه متى ما قَوِيَ بالمال أو بالقوة أن يطغى على أخيه الإنسان الضعيف، ولكن الإيمان هو الذي يجعل مِنْ قوة القوي إسعافًا ومساعدةً للإنسان الضعيف.

أمريكا والدَّجَّال

والآن بسبب ظهور مظاهر إسلامية في بعض الدول الإسلامية مثل السودان “حَطِّتْ -وضعَت- أمريكا رأسَها برأسِ السودان” [أي تفرغت لها بالعداء والإضرار والإهلاك وتَوَجَّهَت بكُلِّيَّتها لمحاربته، ولن تتوقف حتى تُنْجِز فيه هدفها.. وهذا القول مصطلح عامّي في اللهجة السورية، وعادة ما يكون من كبير على صغير، فنقول مثلاً بالعامِّيَّة: “الوزير حَطّ راسو براس هذا الموظف”]، وفي ليبيا ظَهَرَ شيءٌ مِنَ الإسلام فوضعت رأسها برأس ليبيا، وفي إيران ظَهَرَ شيءٌ مِنَ الإسلام فوضعَت رأسها برأس إيران، وأما إسرائيل المجرمة قاتلة الأطفال والنساء والشيوخ والضعفاء، فإن أمريكا -بلد الحرية- هي المحامية عنها.. فهذا زمان المسيح الدجال، والنَّبيُّ ﷺ يقول: ((ما مِن نَبيٍّ إلَّا أَنذَرَ قَومَه المسيحَ الدَّجَّالَ)) 17 ، ((فإنْ يَخرجْ وأَنا فِيكُم فأَنا حَجِيجُه عنكم)) أنا أتولى أمره ((وإنْ لم أَكنْ فاقْرَؤُوا عَليه فَواتحَ سُورةِ الكَهفِ)) 18 انتبهوا، سورة الكهف الفواتح هي العشر الآيات الأُوَل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) لا اعوِجَاج فيه، إذًا ماذا يوجد فيه؟ ﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [الكهف:1-4] مَنْ الذي يتخذ لله ولَدًا؟ أمريكا وفرنسا، والعالَم الغربي الذي هو أوروبا وأمريكا هم الذين اتَّخذوا لله ولدًا، إذًا هذا هو الدَّجَّال، وإذا لم يكن هو بشخصه فبمعناه، وإذا كان له شخصٌ معينٌ “فمرحبًا”، [مرحباً بهذا الرأي، ولا تعارض بين القولين]، ولكن ظاهر كلام النَّبيِّ ﷺ قال: إذا لم أكن موجودًا فتحصَّنوا، واعرفوا مَنْ هو الدجال؟ ﴿الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ لا يتكلمون عن عِلمٍ وحقيقة ﴿وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:4-5] إلى آخر الآيات.

ليبيا اليوم تُهدَّد، وتُمنَعُ طائراتها مِنَ الحج ومِنْ أداء النُّسك المقدسة، والأغرب مِنْ هذا أن الدول العربية استجابت لمثل هذه القرارات، فأين الإسلام؟ وأين العروبة والقومية؟ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم [النجم:23].

الانتصار للحلفاء

حالف بنو خزاعة النَّبيَّ ﷺ في صلح الحديبية وحالف بنو بكرٍ قريشًا، وهما من قبائل العرب، وبعد ذلك اعتدى حلفاء قريش على حلفاء النَّبيِّ ﷺ، وقتلوا منهم ثلاثة عشر شخصًا، فجاء وفد بني خزاعة إلى النَّبيِّ ﷺ يَشكُون الغدر والعدوان مِنْ بني بكرٍ وبمؤامرة قريش، مثل مؤامرة أمريكا مع إسرائيل، فهي تمدُّها بالسلاح والمال والتكنولوجيا، والآن تريد أن تقيم معها حِلفًا، يعني العدوان على إسرائيل عدوان على أمريكا.. فلمَّا بَلَغَ النَّبيَّ ﷺ ما قالوا بكَى رسول الله ﷺ على العدوان على الضعفاء الآمنين، فيا تُرى هل بكى العرب؟ بل يوجد منهم مَنْ حالَفَ إسرائيل، ومنهم مَنْ “قَبَّل شوارب إسرائيل” [تعبير شعبي يقصد به الاحترام والصلح بعد العداوة] ومنهم ومنهم..

فبكَى النَّبيُّ ﷺ، وعبَّر عن تأثُّرِه بالعدوان على حلفائه فقال: ((لا نُصِرتُ)) يعني لا نصَرَني الله ((إنْ لم أَنصُركم))، قال لهم: ((ارجعُوا إلى مَكَّةَ، وَلا تُخبِرُوا أَحدًا أَنَّكم أتيتُم إليَّ)) 19 ، ((استَعِينُوا عَلى قَضاءِ حَوائِجِكم بِالكِتمانِ)) 20 ، وأمَرَ عائشة رضي الله عنها بأن تُهيِّئ عدة السفر، ودخل أبو بكر رضي الله عنه فرآها مشغولةً، فسألها عن ذلك؟ فقالت: لا أعلم.. لقد كانت أزواج النَّبيِّ ﷺ يكتُمْنَ أسراره.. ثم أخبَرَ النَّبيُّ ﷺ أبا بكرٍ رضي الله عنه، وجَمَعَ الصحابة وسار بجيشٍ من عشرة آلاف رجل، وأمَرَ بوضع قوىً على كلِّ الطرق التي تُوصِلُ إلى مكة كي لا يصِلَ خبر الزحف نحو مكة، وحتى يأخذهم فجأةً.

الحرب تحتاج إلى تخطيط وكتمان وعمل

﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:3] وصل الجيش إلى مكة ولا أحد يدري ما الذي يحصُل، فأي تخطيطٍ عسكريٍّ وهجوميٍّ ومخابراتيٍّ هذا! [مُخابَراتي: أَمْنِي وبشكل سِرِّي].. أمَرَ النَّبيُّ ﷺ سيدنا العباس رضي الله عنه بأن يَبقى في مكة ويبْعَثَ له أخبار قريش، فمن كان مدير مخابرات النَّبيِّ ﷺ؟ العباس رضي الله عنه، يعني الأمر ليس بالبلاهة والدعاء ودلائل الخيرات، بل كلُّه بالحكمة والعِلم وتعاليم القرآن.. والمسلمون اليوم هل يقرؤون القرآن؛ قرآن الفهم والعِلم والعمل والتطبيق؟ وهل نفهمه؟ وهل آمنَّا به؟ فإذا آمنتَ بصُرَّةٍ فيها مئة ليرةٍ مِنْ ذهب وقال لك شخص: تَفَضَّل [خُذ] هذه الصُّرَّة، وأنت مؤمنٌ بما فيها، هل ترفضها؟ وإذا كان في الصُّرَّة “حَنَش” [ثعبان]، ورأيتَه وأنت تعرف ما الذي في الصُّرة، وقال لك: تفضل، هل تَقبَل هذه الصُّرة؟ ما الذي جعلك تَقبَل الأُولى؟ إيمانك بحقيقتها، وما الذي جعلك ترفض الثانية وتبتعِدُ عنها؟ إيمانك بحقيقتها، فهل نحن مؤمنون بالقرآن لنعمَل بحقيقته؟ والعمل هو دليل الإيمان: ((لَيسَ الإيمانُ بالتَّمَنِّي ولا بِالتَّحلِّي)) 21 .

وأعود وأقول لكم: يجب أن نبدأ ونجعل: ((السُّلطانُ والإسلام -والقرآنُ- أَخَوانِ تَوأَمَانِ -مُتعاوِنانِ- لا يَصلُحُ أَحدُهما بِدُونِ الآخَرِ، فَالإسلامُ أُسٌّ)) أساس النصر والعز والمجد العقيدة والتربية والأخلاق، ((وَالسُّلطانُ حارِسٌ)) القوة التي تحرِسُ البلاد والعقيدة والأمَّة، ((وَما لا أُسَّ لَه)) لا عقيدة له ((يَنهدِمُ، وما لا حارِسَ له يَضيعُ)) 22 .

قَسَمُ الله دليلٌ على عظمة المُقْسَم به

﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا [العاديات:5] رُكَّاب الخيول العاديات وفوارسها إذا حلَفَ الله بخيولهم ألا يستحقون أن يُحلَفَ بهم؟ وهل حلَفَ الله بهم؟ نعم حلَفَ بهم، أين؟ قال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) ما معنى “لا أقسِم”؟ يعني أُقسِم، و”لا” لتأكيد القسَم ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2] الرقيبة على صاحبها، التي متى ما أخطأ تقول له: أخطأتَ، “وتَشُدُّ أذُنَه، [شَدُّ الأُذُن كناية عن العقوبة والتأديب]، وتقول له: لا تُعِد الذنب.. وتلُومه، ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:2] اللوَّامة إذا بقيَت على عملها تستقيم أعمالها وتتزكَّى وتصير مُطمئنة، ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ إلى عطائه وإلى جنَّته وإلى نصرِه، ﴿رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) لا في عباد الشيطان، ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].

هذا الإنسان الذي حلَفَ الله بخيلِه مِن باب أَوْلى أن يحلِفَ به.. قال: ويوجد إنسانٌ آخر بالمقابل، وهو الإنسان الكنود الكَفُور الجَهول، وهو الإنسان الخام الذي لم يدخل مدرسة القرآن، ولا أخذ علوم القرآن مِنْ مُعلِّم القرآن، ومَثَلُه مثل الأرض البور، مهما كانت واسعةً ولو كانت مئة ألف دونم، [الدونم: ألف متر مربع]، وليس لها فَلّاح فإنها لا تُنبِتُ إلا الأشواك، ولا تُربِّي إلا الحشرات والأفاعي والوحوش، أما المزرعة التي لها مُزارعها فإنها تُنبِتُ: ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:7]، ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:68-69] الآلاء هي النِّعم، وإذا استعملناها نرى الآلاء والنِّعم والعطاء والخيرات.

فهل تريدون أن تكون تربةُ نفوسكم صحراء قاحِلةً لا ماء فيها ولا خُضرة ولا نبات، أم أن تكون جنةً فيحاء مثمرةً خضراء تجري مِنْ تحتها الأنهار؟ وهذا يكون بفهم القرآن، وعلينا أن نبدأ بالعمل، فهل أنتم مستعدون لتبدؤوا؟ ابدؤوا بأنفسكم، ثمَّ بأهليكم ثم بجيرانكم، [واهتمّ بذلك وفَكِّر به] مثلما تُفكِّر بطعامك، وأنت تعرف ماذا يحدث في النهاية بعد الأكل بعشر ساعات أو خمس عشرة ساعة، ومثلما تفكر بشربك، وأنت تعرف ما الذي يحدث، وتفكِّر بنومك، حيث تُعطِّل به مِنْ عمرك ثلثه.. أمّا واللهِ إذا جعلتَ غذاءك القرآن عِلمًا وقلبًا وعملًا فأنت أسعد السعداء.

حال المعرِض عن ذكر الله عزَّ وجلَّ

أما الإنسان الثاني الذي أعرَضَ عن القرآن: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي عن القرآن ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] لأنه كان في الدنيا أعمى لا يرى الحق ولا الواجب ليُؤدِّيه، ولا كلام الله ليعمَل به.

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ الخام الذي لم يحصل على المعلِّم والمرشد والمزَكّي والحكيم الذي يُعلِّمه القرآن ﴿لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] كفُورٌ بنِعَمِ الله وتعاليم الله، ومُعرِضٌ عن مدرسة الله عزَّ وجلَّ، لأنه لا مُعلِّم له ولا مُرشِد له ولا مُربيَ له.. فإذا أردت أن تتعلم اللغة الإنكليزية هل يمكن أن تتعلَّمها مِنْ دون مُعلِّم؟

هناك قصةٌ غابت عن بالي، كان شيخنا يقولها لنا عن شخص تعلَّم اللغة الكردية، هل تذكرون أولها؟ قال: أراد رجل تعلُّمَ اللغة الكردية، فذهب إلى رجل وقال له: أريد تعلُّمَ اللغة الكردية، وهي صعبة، فقال: لا تَهتم، فهي سهلة جدًّا، قال: كيف؟ وهي تحتاج إلى كثير مِنَ المال وإلى المعلِّم ليُعلِّمها، قال: لا تهتم، قال: كيف لا أهتم؟ فقال له: أنا أعلِّمُك إياها بخمسِ دقائق، قال: ما هذا الكلام؟ قال له: كلُّ كلمةٍ باللغة العربية اقرأها بالمقلوب تصير كردية.. وهذه قصةٌ واقعية، والذي حصلتْ معه قالها لشيخنا، وأنا سمعتُها مِنْ شيخنا.. وكان الذي علَّمه “يضحك عليه” [يسخر منه]، قال: فجاء هذا الشخص وأحضر كتابًا وكتَبَ: الخبز، كيف كتبه بالمقلوب؟ زَبَخ، والشاي: ياش، والقلم: مَلَق.. وكتب كتابًا من مئة صفحةٍ، وصار يحفظ منه ليتكلَّم الكردية، فجاء وقال لشيخنا ذلك، قال له: يا شيخي، اللغة الكردية كم هي سهلة؟ قال له: كيف تكون سهلة يا بني؟ قال له: أنا تعلَّمتُها بخمس دقائق، قال: كيف بخمس دقائق؟ هذه لغةٌ مثل كلِّ لغات العالَم، لها نحوُها وصَرْفها وقواعدها، قال له: لا يا شيخي أنت لا تعرف، [كان الشيخ أمين كفتارو والد الشيخ أحمد يتكلم الكردية]، فقال له: يا بني كيف؟ قال له: اسألني عن أي كلمة بالكردية لأقولها لك، قال له: ما الخبز بالكردية؟ قال له: زبخ.. -الخبز بالكردي: “نان”- وما الماء؟ قال: آم.

ونحن الآن مَثَلُنا كهذا المثال، نفهم الإسلام بالعكس، نفهم الهِمَّة أن نترك العمل باسم “تَوَكَّلْ على الله”، ونفهم الحكمة أنَّ ما أراده الله سيحدث، أما أن نستعمل عقولنا وتفكيرنا ونرجِع لقرآن العِلم، ونُفتِّش عن العالِم الذي يُعلِّم القرآن، فلا.. ولا فَرَجَ لنا إذا لم نُدْخِل الإسلام الحقيقي العِلْمي العَمَلِي في المعركة، وتكون معركةَ سلامٍ ومعركةَ حبٍّ ومعركة وحدةِ العالَم.

﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ هل لتتقاتلوا وتتحاربوا؟ بل ﴿لِتَعَارَفُوا.. والسِّباق في مَيدان السِّباق: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فالذي يمتثِلُ أوامر الله عزَّ وجلَّ أكثر هو الأكرم والأسبَق.

الجهول الكنود هو الذي لم يدخل مدرسة القرآن

فالإنسان الثاني الذي لم يدخل مدرسة القرآن هل هو مؤمنٌ أم كفُورٌ؟ هل هو شاكرٌ أم كنودٌ لنِعَم الله؟ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ [العاديات:6] الخام الجَهول الذي ليس له مُعلِّمٌ ولم يدخل مدرسة القرآن.. فاسأل نفسك هل أنت كنُودٌ أم شكورٌ؟ هل أنت مُتعلِّمٌ أم جاهلٌ؟ هل أنت أمِّيٌّ أم مُثقفٌ بثقافة القرآن؟ المحامي أمِّيٌّ في عِلم الطب، والطبيب أمِّيٌّ في عِلم المحاماة، والنَجَّار مُثقفٌ بالنجارة، وأنت المسلم هل تعلَّمت الإسلام؟ هل تعلَّمت القرآن؟ مَنْ مُعلِّمُك؟ وأين مدرستك؟ لا مُعلِّم ولا مدرسة، ولكن كان أبوه وجدُّه وجدُّ جدِّه حَدَّادِين فأخذ هو لقب حداد، لذلك صار حدادًا، أو كان أبوه وجدُّه حكماء فأخذ لقب حكيم، لذلك هو وأولاده مِنْ بطون أُمَّهاتهم يخرجون حكماء.. هذا هو إسلام المسلمين الآن.

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] هل تريد أن تكون مِنَ الإنسان الكَنود أم مِنْ راكِب العاديات ضَبْحًا؟ [سماحة الشيخ يسأل أحد الحضور:] أنت من أي الفريقين؟ [فيجيبه: من العاديات، فيقول له:] من العاديات؟ إذاً ستصير حصاناً أو فرساً! [يقول الشيخ ذلك ملاطفاً وشارحاً، فيستدرك الأخ ويقول: من راكب العاديات]، الآن صح الجواب.. وأنت؟ هل من راكب العاديات أم كنود؟ [يجيبه الأخ: من راكب العاديات، ويتابع الشيخ:] هذا بالكلام، ولكن هل هو بالفعل؟

القراءة الصحيحة للقرآن الكريم

فجُدُّوا يا بُني وكونوا أنتم راكبي العاديات، والذي لا يملك الفرس إذا حدث الهجوم ألا يركض مع الرَّجَّالة ويَعدُو مع العاديات؟ [الرَّجَّالة: جمع رَاجِل، وهو الماشي، وهي خلاف الفرسان]، وهل الجيش كلُّه فُرْسَان؟ يوجد فرسان ومشاة، والمشاة يفيدون أيضًا، أليس كذلك؟ فكونوا إما مشاةً أو رُكبانًا.. وعلينا أن نحوِّل القرآن بالقراءة الصحيحة إلى قرآن العمل والتعليم بالأعمال وبالأقوال وبحضور المدرسة، يعني هل يمكن أن تأخذ “بكالوريا” [الشهادة الثانوية] بأن تأتي يومًا واحدًا في السنة إلى المدرسة؟ أو أن تصير طبيباً بأن تأتي في السنة ساعةً إلى كلية الطب؟ هل يمكن؟

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ [العاديات:6] أيُّ إنسانٍ؟ الجهول الذي لم يُهاجِر، فقد كان المسلم يُهاجر مِنْ مكة إلى المدينة ليتعلَّم الكتاب والحكمة وتتزكَّى نفسه مِنَ المعلِّم الحكيم المزكِّي، فمَنْ مُعلِّمك الحكيم المزكِّي؟ وهل تُداوم على الدروس؟

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] أرجوك يا رب، هل أنا مِنَ الكَنُود أم مِنَ راكِب العاديات؟ افحصوا أنفسكم، وإذا فحَصْتَ نفسك قد تُعطي لنفسك علاماتٍ ناجحة، ولكن غدًا أمامك فحصُ الله عزَّ وجلَّ، فإذا فحَصَك الله هل تكون كَنودًا؟ هناك في التحقيق لا يوجد إلا أنكَر ونَكير، ثم بعد التحقيق يكون التوقيف، وبعد التوقيف على حسب أعمالك: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90] أما بالتَّمني والكسل والقعود وبلا جهدٍ ولا بذلٍ فهذا لا يصح.. والمسلمون هكذا، وهم نيامٌ مثل أصحاب الكهف: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ [الكهف:18].

الدين بحقيقته وجوهره

عندما أصدَرَت أمريكا قرار مقاطعة ليبيا لو وُجِدَت العروبة الحقيقية والقومية بالمعنى الصحيح فهل يهتمون بقرارات هيئة الأمم؟ هذه إسرائيل خمس مئة ألف قرارٍ ولم تسأل، [المقصود من الرقم الكثرة]، فماذا حصل لها؟ نحتاج إسلامًا حقيقيًّا، بحقيقته وجوهره، وهذا يحتاج إلى مُعلِّم، وهل تتعلَّم الرياضة والنِّجارة والطيران بلا مُعلِّم؟ هل يصح؟ فمَنْ مُعلِّمُك؟ هل زوجتك أم حَمَاتك؟ ﴿وَإِنَّهُ هذا الكَنود ﴿عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد [العاديات:7] أعماله تَشهَد عليه أنه كَنُود، ((إنَّما هيَ أعمالُكُم أُحصِيها علَيكم، ثمَّ أُوفِّيكم إيَّاها)) 23 ، ﴿وَإِنَّهُ أين عقله؟ ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ والمال ﴿لَشَدِيدٌ [العاديات:8] عقله في المال والدنيا.

الإنسان محاسَب على كل شيء

يكفيكم إلى هنا، ولكن يمكن أن نكمل لكم مختصراً.

﴿أَفَلَا يَعْلَمُ هذا الكَنود ﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [العاديات:9] وشُقَّت الأرض: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:3-5].

﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10] جُمِعَ وأُخرِجَ ما خُبِّئَ في الصدور، فإذا كنتَ ستُحاسَب على ما في الصدور فكيف لا تُحاسَب على ما صنعَتْه يداك ومشَتْهُ رجلاك وأبصَرَتْهُ عيناك وتصرَّفتَ فيه بالمال بالحلال والحرام؟ ﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات:11].

نسأل الله أن يجعلنا مِنَ الذين يستمِعون القول فيتَّبِعون أحسَنه، وأن يُعلِّمنا القرآن فهمًا وعِلمًا وعملًا، وأن يفرِّج عن إخواننا في ليبيا، وأن يرفَع عنهم تسلُّط أمريكا وهذه الأحكام الجائرة والغَيْرَة الدَّجّالة الكاذبة.. فقرارات هيئة الأمم تُطبَّقُ على المسلمين، بينما إسرائيل تَذبَح وتسفِكُ الدماء، وتُهَدِّمُ وتُخرِّب وتُدمِّرُ، ولكن بردًا وسلامًا.. هذا هو زمن المسيح الدَّجال إلى أن يأتي الدَّجال الأكبر، والله أعلم بالحقيقة.

وصلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

أسماء بعض الإخوة لمشاركتهم بالتهليلة

بعض إخوانكم تُوفُّوا رحمة الله عليهم، وهم السابقون ونحن اللاحقون، ومنهم الشيخ فؤاد شميس عليه رحمة الله، وهو صديقنا وحبيبنا، ومن أسبوع أو عشرة أيام وقع في نفسي أن أسأل عنه أو أزوره، وفي اليوم الأخير بلغني وفاته، فنسأل الله المغفرة له ولكل من سَبَقَنا، وكذلك أخونا أبو فاروق الإسطواني، [أحد الحضور يقول لسماحة الشيخ: هؤلاء أولاد فؤاد شميس، فيقول لهم:] أهلًا وسهلًا ومرحبًا، أَنْعِمْ وأكرم! سبحان الله قبل وفاته بأسبوع كان يأتي في بالي، وأردتُ أن أزوره.. وأسأل ربي عزَّ وجلَّ أن يتغمده برحمته، ويحشره مع عباده الصالحين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في إذا زلزلت، رقم: (2894)، (5/166)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (2514)، (2/496)، عن ابن عباس رضي الله عنه، بلفظ: ((إِذَا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ)).
  2. سنن أبي داود، باب تحزيب القرآن، رقم: (1399)، (1/445)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب فضائل القرآن، باب إذا زلزلت، رقم: (8027)، (5/16)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6575)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ الر فَقَالَ كَبُرَتْ سِنِّي وَاشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسَانِي قَالَ فَاقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ حاميم فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ الْمُسَبِّحَاتِ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ مَرَّتَيْنِ)).
  3. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12422)، (3/137)، مسند الشاميين للطبراني، رقم: (2582)، (4/11)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إِلَى قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، فَتَفَقَّدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَأَجْهَرُ بِالْقَوْلِ حَبِطَ عَمَلِي، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَوْا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: لاَ، بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ أَنَسٌ: وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الاِنْكِشَافِ ، فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، وفي رواية أخرى: ((جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَسَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرَ بِخَبَرِهِ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا؟» فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ)).
  4. سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، رقم: (2683)، (2/65)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب المحاربة، باب الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّ، رقم: (3516)، (3/443)، بلفظ: ((عن سعد قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرِّجْلَيْنِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟» قَالُوا: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ».
  5. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، رقم: (2626)، (4/2026)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))، وفي السنن الكبرى البيهقي، رقم: (7613)، (4/188)، بلفظ: ((يا أبا ذر لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ منبسط ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى وإذا طبخت قدرا فأكثر مرقتها واغرف لجيرانك)).
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، رقم: (1351)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، رقم: (1016)، بلفظ: عن عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)).
  7. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24545)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِنَ الشَّبْعَانِ)).
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لا تحقرن جارة لجارتها، رقم: (5671)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بقليل، رقم: (1030)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ)).
  9. البداية والنهاية لابن كثير، وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ، (7/4)، بلفظ: ((قَالُوا: وَبَيْنَمَا هُمْ فِي جَوْلَةِ الْحَرْبِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى وَالْأَبْطَالُ يَتَصَاوَلُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، إِذْ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنْ نَحْوِ الْحِجَازِ فَدُفِعَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ لَهُ: مَا الْخَبَرُ؟ فَقَالَ لَهُ- فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ-: إِنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ الله عنه قد توفى واستخلف عمر، واستناب عَلَى الْجُيُوشِ أَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَأَسَرَّهَا خَالِدٌ وَلَمْ يُبْدِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ لِئَلَّا يَحْصُلَ ضَعْفٌ وَوَهَنٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَقَالَ لَهُ وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ: أَحْسَنْتَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَدْبِيرِ الْحَرْبِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَأَوْقَفَ الرَّسُولَ الَّذِي جاء بالكتاب- وهو منجمة بْنُ زُنَيْمٍ- إِلَى جَانِبِهِ. كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَسَانِيدِهِ. قَالُوا وَخَرَجَ جَرَجَةُ أَحَدُ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ مِنَ الصَّفِّ وَاسْتَدْعَى خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فجاء إليه حتى اختلفت أعتاق فَرَسَيْهِمَا، فَقَالَ جَرَجَةُ: يَا خَالِدُ أَخْبِرْنِي فَاصْدُقْنِي وَلَا تَكْذِبْنِي، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يَكْذِبُ، وَلَا تُخَادِعْنِي فَإِنَّ الْكَرِيمَ لَا يُخَادِعُ الْمُسْتَرْسِلَ باللَّه، هَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ سَيْفًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَعْطَاكَهُ فَلَا تَسُلُّهُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا هزمتهم؟ قال: لا! قال: فيم سُمِّيتَ سَيْفَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ فينا نبيه فَدَعَانَا فَنَفَرْنَا مِنْهُ وَنَأَيْنَا عَنْهُ جَمِيعًا، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَنَا صَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ، وَبَعْضَنَا كَذَّبَهُ وَبَاعَدَهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ كَذَّبَهُ وَبَاعَدَهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ بِقُلُوبِنَا وَنَوَاصِينَا فَهَدَانَا بِهِ وَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَدَعَا لِي بِالنَّصْرِ، فَسُمِّيتُ سَيْفَ اللَّهِ بِذَلِكَ فَأَنَا مِنْ أَشَدِّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ...)).
  10. الموطأ للإمام مالك، كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في المساكين، رقم: (1646)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27490)، بلفظ: ((رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ))، عَنْ كُبَيْشَةَ رضي الله عنها.
  11. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24460)، شعب الإيمان للبيهقي، فصل في محقرات الذنوب، رقم: (7261)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا)).
  12. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (3818)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (10500)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا)).
  13. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
  14. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/ 460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  15. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  16. مسند أبي يعلى الموصلي، رقم: (2790)، الكامل لابن عدي (1/358) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الأَجْوَدِ الأَجْوَدِ؟ اللَّهُ الأَجْوَدُ الأَجْوَدُ، وَأَنَا أَجْوَدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا، فَنَشَرَ عِلْمَهُ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَّةً وَاحِدَةً، وَرَجُلٌ جَادَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ)).
  17. صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ولتصنع على عيني﴾ [طه:39]، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13955)، بلفظ: ((عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ)).
  18. صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم: (2937)، سنن أبي داود، رقم: (4321)، بلفظ: عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ»، قُلْنَا: وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ "، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ».
  19. أخبار مكة للفاكهاني، (5/66)، وينظر السيرة النبوية لابن هشام (5/49)، ودلائل النبوة للبيهقي، باب نقض قريش ما عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، رقم: (1754)، (5/5)، بلفظ: ((عن عبد الله بن مسعود عن خالد بن عبد العزيز قال إن المستنصر مستنصر خزاعة خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه ما صنع بهم فقدم عليه وهو يقول: اللهم إني ناشد محمدا *حلف أبينا وأبيه الأتلدا * أنا ولدناك فكنت ولدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا * فأنصر هداك الله نصرا أيدا * وادعوا عباد الله يأتوا مددا *فيهم رسول الله قد تجردا *إن قريشا أخلفتك الموعدا * ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا * وبيتونا بالوتير هجدا * قتلونا ركعا وسجدا* فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أنشده: ((لا نصرت إن لم أنصركم ثم سار صلى الله عليه وسلم من المدينة نحو مكة يريد نصر خزاعة)).
  20. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (183)، مسند الشاميين للطبراني، رقم: (408)، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2455)، بلفظ: ((اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ))، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه.
  21. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفاً عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561).
  22. سبق تخريجه.
  23. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب: تحريم الظلم، رقم (2577)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7088)، (5/405)، عن أبي ذر رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)).
WhatsApp