تاريخ الدرس: 1994/12/02
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:17:37
سورة الإنسان، الآيات: 1-5 / الدرس 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتم التّسليم على سيّدنا محمد، سيّد ولد آدم خاتم النّبيّين وإمام المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه المجاهدين الشهداء والصّديقين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعدُ:
نِعم الله التي لا تُحصى
فنحن الآن في تفسير سورة الإنسان، قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1] يسألنا الله عز وجل: هل أتى عليك وقت ما كنت شيئاً يُذكر في هذه الدّنيا، لم تكن جداراً لأنّ الجدار يُذكر، ولم تكن صخرةً ولا شجرةً ولا فرساً ولا أرضاً ولا سماءً، فلم تكن شيئاً مذكوراً؟ فجواباً على سؤال هل أتى: نعم، واللهِ أتى، فمن أوجدك من هذا العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة؟ ومن وَهَبَك السمع والبصر والنطق؟ ومن ركَّب لك العظام؟ ومن هندس لك العضلات؟ ومن وضع في فمك ست غدد؟ كلّ غدة تفرز اللعاب حتى إذا تكلَّمت يكون جهاز الكلام مُزَيَّتاً مُشَحَّماً [لَيِّناً رطباً يتحرك بسهولة]، وضع هذه الغدد الست التي تنبع بالريق حتى تنطق، فهل تنطق بالكلام الحسن أو الكلام القبيح؟ وأعطاك النّظر، هل لتنظر إلى ما يحبه ويرضاه أو إلى ما يُسخِطه ويُغضِبه عليك؟ وأعطاك السّمع، هل لتسمع أيَّ مسموع وأيّ كلام وأيّ منطوق؟ وهل لتسمع الزور والكذب وفاحش الكلام؟
لماذا أعطاك الله عز وجل اللسان؟ أعطاك اللسان من أجل ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، ومن أجل: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الحج: 24].
أعطاك الدّماغ فيه أربعة عشر مليار خلية، يوجد خلايا مختصة بجهاز السمع مرتبطة بأعصاب تعد بعشرات الملايين تأخذ الصّوت وموجات الصوت حتى توصلها إلى خلايا الدماغ، فالدّماغ هو مُسْتَقَرُّ الرّوح، وخلايا الدّماغ تفكر بأسرع من الصّوت ومن سرعة النّور [الضوء]؛ لتعمل بما تسمع في مصلحتك وفائدتك إن كنت من العاقلين، وقد تستعمل ما تسمعه في مضرتك وأذاك إن كنت من الحمقاء والطائشين.
كنتَ خلية واحدة، وكنت حيواناً منوياً لقَّح البويضة من الأم فصارت خليةً واحدة، وهذه الخلية انقسمت إلى خليتين، والخليتان انقسمتا إلى أربع خلايا، والخلايا الأربع انقسمت إلى ثمانية، والثمانية إلى ست عشرة خلية، ثمّ إلى اثنتين وثلاثين خلية ثمّ إلى أربعٍ وستين خلية، وجعل منها خلايا لهضم الطعام، ومجموع هذه الخلايا التي وظيفتها هضم الطعام اسمها المعدة، وخلايا أخرى للكبد الذي له أكثر من خمسين وظيفة لتنظيم حياتك، وجعل منها خلايا لعينيك وأعصاباً توصل الصور إلى الدماغ ليعمل بمقتضاها.. وأعصاب العينين تبلغ ثلاثين مليون عصب، فمن مدّدها؟ وأيّ مهندس صمّمها؟ وكيف رُكِّبت؟ ومن المهندسون القائمون على صيانتها؟
فسيارة من الفولاذ إذا لم تُصَن كلّ مدّة من الزمن تتوقف عن العمل، وكذلك الطّائرة والمصنع، وكذلك ثوبك إن لم تغسله بشكل دائم، فمن يغسل دمك من الجراثيم والسّموم والأوساخ؟ وما هي الخلايا التي تغسل الدّم؟ خلايا الكليتين، فتغسل الكليتان الدّم في الأربع والعشرين ساعة ستاً وثلاثين مرّة، يأتي الدّم إلى الكليتين، فتمتصّ الكليتان السموم وكلّ ما يؤذيك، ثم يرجع الدّم فيغذي خلايا العيون وخلايا الدّماغ وخلايا القلب.
شكر الله عز وجل على نعمه
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ﴾ وقتٌ ﴿مِنَ الدَّهْرِ﴾ من الزمن ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1] نعم واللهِ لم نكن شيئاً مذكوراً، والآن اسمك: “فلان” ولقبك طبيب أو مهندس أو صناعي أو تاجر أو عالم أو شيخ أو حاكم أو وزير، فهل أتى عليك حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً؟ فما أعظم الدّين! بكتاب واحد يربّي كلّ أصناف البشر، فمعنى ذلك: اشكر نعمة الذي أوجدك واذكر نعمة الذي هندسك، فلو زاد سن من أسنانك نصف سنتمتر أو نقص فلن يُمْضَغ الطّعام معك مضغاً جيداً، ولو كانت إحدى قدميك أطول من الأخرى كنت أعرجاً، ولو لم يجعل لك الجفون على العينين فإذا نمت ينزل التراب وتقف الذبابة على عينك وتأكلها، فمن جعل لك هذه الأبواب الأتوماتيكية الربانية؟ لو كانت من فولاذ لأكل الجفنُ العينين وأذابها، وتعيش سبعين أو ثمانين أو مئة سنة فيُزَيِّتها [يضع الله لك الزيت فيها] لك في كلّ لحظة، ويأتي الغبار فيصعد الجفن وينزل بشكل دائم مثل ماسحة السيارة التي على الزّجاج، حتى لا يمنع الرّؤيةَ غبارٌ ولا ماء ولا أيّ شيء.
فهل تذكر نعمة الوجود والنعم والتي يُذَكِّرُك بها الله عز وجل؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وقال أيضاً: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: 9] لماذا لا تشكرون؟ لأنّكم لا تَذْكُرُون، ولماذا لا تذكرون؟ لأنّه لا يوجد لك مُذَكِّر، وقد قال الله تعالى للنَّبيِّ ﷺ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: 21] فهل لك أيها المسلم وأيتها المسلمة من يذكّرك بالله؟ بأن يذكّرك بعطاياه ونعمه عليك، فهل يوجد من يذكرك بأنه معكم كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: 4] فهو معك في السّهرة وفي الذهاب وفي السيارة والعمل والوظيفة.
وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النحل: 19] ما معنى هذا الكلام؟ أي لا يكن في سرك ولا في نفسك إلّا ما يحبّه الله ويرضاه، فإياك أن تخفي شيئاً عن الناس لأنّه مذموم ولأنك تسقط من عينهم، فإن أخفيته عن النّاس فهل تتذكّر أن الله مُطَّلعٌ على سرّك وسريرتك؟ وهل عاملت الله فاستحييت منه وخشيت منه وهِبْته كما تهاب الطّفل الصغير إذا اطَّلع على نقائصك ومعايبك؟ هذا هو الإيمان! فإن قلت: “أنا مؤمن” فهذا هيّن، تستطيع أن تقول: “أنا ملك” فاللسان يطاوعك، لكن هل صرت ملكاً؟ يستطيع لسانك أن يقول: “أنا وزير”، ادخل إلى مصنع وقل: “أنا مالك المصنع، واخرج يا صاحب المصنع وأيها العمال لأني أنا المالك!” فما يتكلم به لسانك زوراً وبهتاناً فهل تنتفع منه في شيء؟
ما معنى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]؟ الله يقول لك: إن الكلمة التي تخرج من فمك تُسجَّل، وهناك من يراقبك متى تتكلم حتى يسجل كلماتك، فإن كانت خيراً جزيت بها خيراً من الله في الدّنيا والآخرة أو في أحدهما، وإن نطقت شراً عوقبت عليها في الدّنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعاً.
العمل بالقرآن
فهذا الكتاب مأمور به كلّ إنسان من الامبراطور والملك ورئيس الوزراء والوزير ورئيس الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الأركان ومدير المخابرات والتاجر والغني والفقير، ومفروض عليه أن يدخل مدرسة القرآن، والناس كلُّهم في آن واحد يُهَذِّبهم القرآن ويزكي نفوسهم ويطهر أخلاقهم، وهو كتاب واحد، لكن الكتاب وحده لا يكفي، فكتاب الطبّ لا يجعلك وحده طبيباً، فلا بدّ مع الكتاب من المعلّم الذي يشرح لك المعاني، وهناك من العلوم ما يحتاج مع شرح المعاني إلى تهذيب النّفس وتأهيلها لأن تتقبّل معلومات الكتاب، فقد تقرأ ولكن لا تعمل أو تقرأ ولا تريد أن تعمل، وقد تقرأ ولا تريد أن تفهم، وهذا ما عليه أكثر المسلمين، يقرؤون القرآن، فهل يقرؤونه ليفهموه؟ أناشدكم بالله! فهل نقرأ القرآن لنفهم أنّ هذا مكتوب من عند الله جاء إلينا؟ فلو كنت مليارديراً وجاءك كتاب من خادمك فتقرأ مكتوبه من أجل أن تفهمه، وبعد القراءة تقول: كتب إلينا الخادم أنه سيأتينا غداً الضيف الفلاني، فيجب أن نستقبله في المطار، وفي اليوم الثّاني في الوقت المحدّد أين تكون؟ مع أنّك رئيس الشركة ورئيس المصنع وأتتك رسالة من خادمك؟ فكيف إذا جاءتك رسالة من خالق السماوات والأرض والذي خاطبك فقال لك: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1] فلم يكن اسمه أحمد ولا خالد ولا الأستاذ الفلاني ولا صاحب الشركة الفلانية ولا الطيار ولا رئيس الأركان ولا رئيس الجمهورية ولا المفتي.. الخ.
فمن أوجدك؟ ومن جعل لك هذا الوجود؟ ومن جعلك إنساناً من نطفة؟ مع أنّ الحمار أيضاً أصله نطفة وحيوان منوي، والحيوان المنوي من الحمار أصله من الفجل والتبن والنّخالة، والحيوان المنوي من الإنسان أصله من القمح والشعير وباقي الطعام، فبعملية خاصّة صاروا دماً وذهب الدم إلى الخصيتين، والخصيتان معمل ومصنع الحيوان المنوي، فهناك صنعك، فمن خلق الفجل والقمح والحليب؟ ومن جعل لك الأسنان؟ ومن جعل لك الريق [اللعاب]؟ لولا الريق فهل تستطيع أن تبتلع شيئاً؟
فمن يهضم الطعام؟ المعدة، والأمعاء تمتص من الطعام، والكبد له وظائف، وهكذا حتى صرتَ دماً، ثم انتقلت إلى الخصيتين، ثم صُنِّعتَ حيواناً منوياً ثم التقيت بالبويضة من المرأة فصرت خلية ملقحة، فأنت بهذا الشكل، وعندما تكبر تَتَكبَّر وتُشَمِّر وتحارب الله تعالى! والله عز وجل يقول لك: افعل كذا، تقول له: لا أفعل، وإن قال لك: اترك كذا، تقول له: لا أترك، إن قال لك: سأعذبك، تقول له: لا أخاف منك، يقول لك: سأثيبك، تقول له: لست بحاجتك، ويقول لك: أعطيك جنة عرضها السماوات والأرض، فتقول له: لا أريد جنّتك، وما هي الجنّة؟ فعندي ألف ليرة أحسن من جنّتك وأحسن من رضاك ومن دينك ومن القرآن وأحسن من كل شيء! أليس هذا واقع كثير من الناس أيها الإخوة؟ لماذا؟ فهم يقرؤون الكتاب، لكن هل يقرؤونه ليفهموه؟ فهل يقرأ الشريطُ المُسَجَّلُ القرآنَ أم لا يقرأه؟ لكن هل يفهم شيئاً؟ وهل يستفيد شيئاً؟ وهل يفهم ورق المصحف شيئاً من القرآن؟ فإذا كان ورقاً جامداً أو شريطاً جامداً فهذا لا يملك العقل، أمّا أنت فقد أعطاك الله العقل والفهم وأنزل أشرف ملائكته على أشرف أنبيائه، فمن بريد السّماء أشرف الملائكة، ومن بريد الأرض أشرف الأنبياء، ومَن المُرسِل؟ هو خالق الكون، فلو جاءك آذِن البلدية [خادم في البلدية] وبلّغك بلاغاً من البلدية أو من المخفر [مركز الشرطة] أنّه يتوجب عليك أن تكون في المخفر الساعة العاشرة من صباح الغد، فهل تأتي في الساعة الحادية عشرة؟ وإذا كانت الدعوة من المخابرات [مسؤولي الأمن] وقالوا لك: “غداً الساعة الثانية عشرة وثلاثين دقيقة عليك أن تكون عندهم”، فهل تستطيع أن تأتي بعد الموعد بخمس دقائق؟ قولوا وتكلموا! [يجيب بعض الحضور: لا والله لا نتأخر] وإذا أمرك الله أن تفعل فهل تفعل؟ وإن قال لك: لا تفعل، فهل تترك؟
فعندما قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: 30] فهل غضضت؟ وعندما قال: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36] فهل راقبت سمعك فلا تسمع إلا ما يحب الله؟ وهل حفظت بصرك؟ وأما عن سرائرك فقد قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق: 10] غداً سيرفع الله الستار عن مكنونات نفسك وعن نواياك التي كنت تخفيها عن النّاس وتُفضَح أمام الله وأمام النبيِّ، وتُكشَف نوايا السوء، وتفكير السوء، وتدبير السوء، فقد جعلت الله وراء ظهرك والقرآن وراء ظهرك وكلام النبي ﷺ وراء ظهرك، والآخرة وراء ظهرك، وبعد كل هذا فهل أنت مسلم؟
معنى الإسلام
ما معنى كلمة الإسلام؟ معنى الإسلام: هو الاستجابة لأوامر الله بعد أن تفهمها وتعلمها وتتدبّرها فتطبّقها وتنفّذها، فهذا العمل اسمه إسلام، وعامله ما اسمه؟ مسلم، فهل تستحق هذا اللقب وتأخذه بصدق كالطبيب الذي أخذ الشهادة بصدق من كلية الطب ووضع لافتة “الطبيب الفلاني”؟ وأما إذا كان لا يقرأ ولا يكتب وكان مع الجاهلين الحمقاء ووضع لافتة أنه مختص في جراحة القلب والشّرايين، فهل يفيده وَهْمُه أو خياله أو تجاهله أو حمقه؟
تكريم الله عز وجل للإنسان
فالأمر مبني على قوانين، فإذا جمعنا اثنين مع اثنين فالنّتيجة أربعة، لا يمكن أن يكونوا خمسة عشر ولا اثنان، لذلك فالله تعالى يقول: ﴿هَلْ أَتَى﴾ [الإنسان: 1] ما معنى هذا الكلام؟ يعني اشكر نعمتي التي أنعمت بها على وجودك وكرّمتك على كلّ مخلوقات الأرض، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70] وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: 13]، وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4] فلو كانت إحدى عينيك كبيرة والأخرى صغيرة، أو لو كان طول إحدى أذنيك شبراً ونصف والأخرى طبيعية فهل يكون هذا شيئاً جميلاً؟ لو لم تطبق شفتاك إحداهما على الأخرى لسال اللعاب، ولو أفرزت غدد اللعاب لعاباً أكثر من الحاجة لجاء كل واحد منكم إلى الجامع ووضع قطعة قماش على صدره من أجل لعابه والذباب يتجمع عليه. ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14] نعم يا رب واللهِ أتى عليَّ حين من الدهر لم أكن شيئاً مذكوراً، فقد أنعمت عليَّ بنعمة الوجود ونعمة التصوير، قال تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [التغابن: 3]، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14] فبعد أن صوّرك وسواك فعدلك ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 8] سخر لك الشّمس لتعطيك نوراً ودفئاً وتنبت لك الزّرع والثّمار وتعطيك الظّلال والورود والزهور.
كم المسافة بين الشّمس وبين الأرض؟ المسافة ثلاثة وتسعون مليون ميل، فلو كانت أقرب من هذه المسافة لاحترق كلّ شيء في الأرض، ولو كانت أبعد من هذه المسافة لتجمّد برداً كلّ شيء في الأرض، ولو كانت الأرض ثابتة والشّمس ثابتة لكانت المسافة مضمونة، لكنّ الأرض تمشي في السّاعة بسرعة مئة وثمانية آلاف كيلومتر في السّاعة، والشّمس تجري أيضاً بسرعة أكبر من هذه السّرعة، فمن حفظ الموازنة بأن تبقى المسافة كما هي لا تزيد ولا تنقص؟ مِن أجل مَن؟ من أجل الصعلوك الفلاني.. بينما هو لا يعرف ربّه ولا يعرف الذي خلقه من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ولم يكن قبل ذلك شيئاً مذكوراً، فإذا وُجِدت فكن على كل حال شيئاً مذكوراً وشكوراً، لا تكن شيئاً مذكوراً وكفوراً، كن شيئاً طائعاً لا عاصياً، كن تقياً لا تكن فاسقاً، كن عالماً لا جاهلاً، كن تقياً مؤمناً صادقاً خاشعاً تكسب بذلك الدّنيا مع الآخرة، وإذا غفلت عن الله فكلما كسبت من الدنيا أكثر اشتد حسابك وعذابك، هذا إذا لم تمش أنت ومالك حسب منهاج الله عز وجل، وإذا لم يأتك المال، فلا يوجد عندك إيمان ولا علم ولا مال، كما قيل
من فاته العلم وأخطأه الغنى فذاك والكلب على حَدٍّ سَوا
لا دين ولا دنيا، كما يقال: “مثل فقراء اليهود”.. من فاته التقوى وأخطأه الغنى.. فإذا فاتتنا الدنيا فلا تفوتنا الآخرة يا بني! وإذا كنت رجلاً حقيقياً فالرّجل الحقيقي هو الذي يجمع الدّنيا مع الآخرة والآخرة مع الدّنيا، وكما قال النّبي الكريم ﷺ: ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته)) تترك أمور الحياة باسم الزّهد والآخرة فهذا خطأ، ما معنى كلام النبي ﷺ” ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته))؟ فهذا ترك الدنيا زهداً فيها حتى يملأ وقته وعمره كلّه بالأعمال الصالحة والتّقوى، وإذا ترك الدنيا ولا يوجد عنده أعمال صالحة ولا تقوى، فهل هذا في خيركم؟ إذاً ما هذا؟
ما معنى ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه))؟ فقط همه الدنيا والدنيا، فإذا جاءه الموت؟
قصة عن قرب الأجل
الأخ شاكر البساتنة -رحمه الله- تعرفونه أو يعرفه بعضكم، كان من الشباب الطيبين، وأنا أثني عليه خيراً، كان عمره قرابة الخمسين، استقبل في المطار بعض أهله أو أصدقائه، تسابق مع صهره عندما كان راجعاً في طريق المطار بالسيارات، وعندما وصلوا إلى البيت جاء ليضع المفاتيح في الباب فانتهى كل شيء، وكان عنده من الثروة ملايين الملايين رحمه الله تعالى وغفر الله لنا وله.
الشاهد يا بني: أنّه في كل لحظة ممكن أن تموت، فليس شرط للموت أن تكون مريضاً، كما قال الشاعر
وكم من صحيح مات قبل سقيم ذهبتُ نفسُه النفيسَةُ فَلْتَة
فإذا لم تحصل على الدنيا وذهبت أيضاً إلى الآخرة بغير زاد، فما هذه العيشة؟ مثل فقراء اليهود.. نسأل الله أن يحمينا ولا يجعلنا من المناحيس.
وما معنى كلام النبي ﷺ: ((ولا من ترك آخرته لدنياه))؟ ولكن من خيركم؟ ((من يصيب منهما جميعاً)) 1 ، وكيف يصيب منهما جميعاً؟ ففي الدّين يجب أن يكون لك المعلّم المربّي الحكيم، وفي الدنيا يجب أن تشمِّر وتعمل بالجدّ والاجتهاد وعدم تضييع الوقت والشباب، وفي الطريق الحلال وفي الطريق الشريف الطاهر.
معنى الهوى
وهكذا علّمنا النبيُّ ﷺ، فالذين تعلَّموا في حياته أو بعد وفاته سَعِدوا في الدّنيا قبل الآخرة، وذهبوا من الدّنيا إلى الآخرة وهم سعداء ليكونوا أعظم سعادة، والذين أهملوا وآثروا الجهل على العلم، وآثروا الفوضى على النّظام، وآثروا الفسق على التّقوى وآثروا السّخط على الرّضا خسروا الدّنيا وسيذهبون إلى الآخرة كما قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ﴾ وهنا قِلَّة العقل ﴿أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: 104] يرى نفسه أن عقله أحسن العقول وعمله هو الصحيح وعمل الآخرين خطأ كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: 8] لذلك كان من دعاء النبي ﷺ: ((اللهم أرنا الحق حقاً)) فلماذا دعا النبي ﷺ بهذا الدعاء؟ لأن هناك من يرى الحق باطلاً ويرى الباطل حقاً، ولو قال له أهل الدنيا كلهم: “أنت على باطل”، يقول: “لا؛ بل أنا على حقّ”، ويكون هو على باطل، ((وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعلهما متشابهين علينا فنتَّبع الهوى)) 2 ، ما الهوى؟ أن يقول: “أنا هكذا أريد”، تقول له: “أخي هذا غير صحيح”، يقول: “لا؛ بل صحيح”، تقول له: “أخي هذا لا يجوز”، يقول لك: “بل يحوز” فهل هذا مؤمن؟ هذا كافر فاسق ليس بعاقل، بل مجنون، وإلى أين سيصل بعقل الجنون هذا؟ إلى مشفى المجانين، والذي يأكل التبن أين سيصل؟ إلى الخان. [الخان في اللهجة العامية السورية بمعنى البناء المُعَدّ للحيوانات من الأحصنة والحمير والبغال].
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حقائق الإيمان، فهل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ أنتم أيها المستمعون الموجودون: هل أنتم مؤمنون؟ إذاً فهل فهمتم القرآن؟ فهل آمنتم بالقرآن عن فهم أم عن غير فهم؟ فعندما تؤمن بليرة الذهب تحرص عليها وتعرف قيمتها، أمّا الطفل الصغير فهل يحرص على ليرة الذهب أم على ألعابه؟ لماذا؟ لأنّه لم يعلم قيمة الليرة الذّهبية فلم يؤمن بها.. فعدم الإيمان دليلٌ على الجهل، والإيمان هو الذي يثمر العمل، فإذا قلتَ: “أنا مؤمن” ولم يثمر فيك العمل، فأنت منافق.
السؤال عن النعم يوم القيامة
يسألك الله هنا: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ﴾ [الإنسان: 1] ما معنى كلامه؟ أي اذكر نعمة الإيجاد التي أنعمتُ بها عليك، وخلقتك إنساناً ولم أخلقك بغلاً، مع أنه يوجد بغال أفضل كثيراً من الرجال، لأنّ البغل لا يصدر منه سوء كل عمره، شغِّله كل اليوم واشتمه واضربه بالسياط وضعه ليجُرّ العربة، فهل يقول لك: لماذا ضربتني؟ ولماذا شتمتني؟ ولماذا فعلت معي كذا؟ قال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 8]
فالشّاهد أنه علينا أن نشكر نعمة الإيجاد، ثم إذا أوجَدَنا وأعطانا العقل والسمع والبصر والفؤاد لنستعملها فيما يرضيه وفيما يحبه ويرضاه، وكذلك نستعمل شبابنا وغنانا وعقلنا ووظائفنا وقوتنا وعلمنا؛ لأنّه سيأتي يومٌ يسألك الله فيه عن كلّ نعمةٍ أنعم بها عليك، قال ﷺ: ((لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) في محكمة الله، وما معنى يوم القيامة؟ ﴿يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [المطففين: 6] يعني إلى محكمته، فيسألك هناك، فالنبي ﷺ يقول: لن تغادر المحكمة ولن تخطو خطوة إلى خارجها حتى تسأل عن أربع، ((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ)) تُذهب شبابك في شرب الخمر وترك الصلاة وصحبة الفاسقين وسهرات البطالة واللّغو وكما تشتهي ومن دون توقف عند حلال وحرام، ومن دون السّؤال هل يجوز أو لا يجوز، سواء كان بظلم أو تعدٍ، وفي وظيفتك وعملك وسلطانك ونفوذك، فالله سيسألك عن شبابك وعن عمرك: ((عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ)) 3 ، ستسأل عن بقية العمر وعن الشيخوخة أيضاً.. متى يصير الإنسان شيخاً؟ عندما يصبح عمره أربعين سنة، فالشيخوخة تبدأ من سن الأربعين.
وقال ﷺ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)) من جملتهم ((شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى)) 4 فما أجمل أن يكون عمرك في طاعة الله من الشباب إلى آخر نَفَس! نسألك يا الله أن ترزقنا من فضلك وكرمك! فإذا أضعت من عمرك ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه فاستدرك ما تبقى لتوفي ديوناً ترتبت عليك، فلعلَّ الحسنات يذهبن السيئات، وإذا صار عمرك أربعين سنة ولم تعد إلى رشدك وإلى الصراط المستقيم فهل تحب أن أُعَرِّفك ما هي وظيفتك ومنزلتك؟ ورد في الأثر: ((إذا بلغ العبد أربعين سنة)) والمقصود بالعبد الرجل أو المرأة، وليس المقصود بها الرجل أو الذكر، يعني: ((إذا بلغ الإنسان أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره)) ولم يغلب تقواه على فسقه، ولا استقامته على جهله وجاهليته فهذا معنى الحديث، أما اللفظ: “لم يغلب خيره على شره”، وكلمة “خيره” يدخل فيها العلم والتقوى والاستقامة وإلى آخره، والشر يدخل فيه كل أنواع المعاصي.
((إذا بلغ “الإنسان” العبد أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره يأتي الشيطان فيقبّله بين عينيه)) يقول له: هات أعطني قُبلَةً! فمن أين؟ هل من خده؟ لا يأخذها من خده ولا من كتفه ولا من رأسه بل من بين عينيه؛ لأن القُبلة بين العيون دليلٌ على شدة محبته للمُقبِّل ((قبّله الشيطان بين عَينَيْه، وقال: فُدِيْتَ وجهاً)) 5 سأفديك بنفسي، أي أن الشيطان سيكون فداء له، يعني يموت من أجل بقائه، يموت الشيطان ولكن هو يبقى موجوداً؛ لأنه يتمم عمل الشيطان وزيادة بالمئة مئةً وخمسين، وقال: ((فُدِيْت وجهاً لا يُفْلِح أبداً)) هل تحبّون أن يُقبِّلكم الشّيطان من بين عيونكم أم ملائكة الرّحمة وسيدنا جبريل أم أن يُقبِّلك النبي ﷺ من بين عيونك، أم يقبلك الشيخ من بين عيونك؟ نسأل الله أن يجعلنا من أحباب الله.
هل جهزت نفسك لسؤال المحشر؟
قال ﷺ: ((لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ بين يدي الله، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ: وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ)) والآن المطلوب من المؤمن أن يكون غنياً؛ لأنّ الغنى هو أحد أركان الإسلام الخمسة، ما أركان الإسلام الخمسة؟ هل فيهم: الغنى من أركان الإسلام؟ أنا أقول لكم أحد أركان الإسلام الخمسة هو الغنى، لكن الغنى بماذا؟ الغنى بالحلال، والغنى بالشرف، والغنى بالطهارة والنظافة وليس الغنى بالحرام والمخدرات والسرقات والخيانات وبما حرم الله، بل الغنى عن طريق الحلال، ما معنى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة 43]؟ أي كونوا طاهري الثياب والبدن من الحدث الأصغر والأكبر ثم صلّوا، أما الصلاة بلا وضوء فهل تصح؟ هي صلاة باطلة، وما معنى ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43]؟ هل يعني: أيّها المفلسون الفقراء المعدَمون آتوا الزكاة؟ يقولون: “يا رب ليس عندنا شيء، وعلى ماذا سننفق الزكاة؟” معنى الزكاة: أن كونوا أغنياء، والغنى كيف يكون؟ بالجدّ والاجتهاد والسّهر والتّعب والشّرف والأخلاق والاستقامة، فالذين سلكوا هذا الطّريق أغناهم الله من فضله، والغنى له طريق والفقر له طريق، والنّجاح له طريق والفشل له طريق، كما قال الشّاعر
ترجو النّجاة ولم تسلك مسالكها إنّ السّفينة لا تجري على اليبس
“ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها” ترجو السعادة ولم تسلك مسالكها، تريد أن تكون من السّعداء ولا تمشي في طريق السّعادة، بل تمشي في طريق الأشقياء.
“إن السفينة لا تجري على اليبس” فهل تمشي السّفينة على الجبل؟ فأين تمشي؟ في البحر.
((وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ)) ألم تكن تأتي إلى الشّيخ وتسمع الدرس؟ يقول: “نعم”، فهل تعلّمت؟ يقول: “نعم”، وهل طبقت؟ يقول: “لا”، فيقال له: ضعوه في العقاب.. هناك عذابٌ في الدنيا وعذاب في الآخرة، ففي الدّنيا كقوم نوح عذّبهم بالغرق بعد أن صبر الله عليهم كثيراً، ومن أسماء الله الصبور، وقد صبر نبيهم عليهم طويلاً وبعدها قال: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ﴾ أي أحياء ﴿يُضِلُّوا عِبَادَكَ﴾ والجيل التّالي يكون ألعن منهم ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: 27]. ((وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ)) هناك شخصٌ يسمع كلمة واحدة يسعده الله بها، وشخص كان يسمع في مجلس النبي ﷺ وهناك نور النبوة وعظمة النبي وحكمته ووجوده ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾ [محمد: 16] ما هذا الكلام الذي ليس له قيمة؟ ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا﴾ [التوبة: 124] هذا كلام من؟ الذي رأى النبي وجالسه، ولا يوجد في الدّنيا أعظم من رؤية النبي ﷺ، لكن هذا ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر: 42] وما زادهم إلا كفراً وفجوراً، فهل النّقص من النبي ﷺ أم منهم؟ وهل عدم الكفاءة منهم أم من النّبيّ ﷺ؟ مثل المطر ينزل على التّين والعنب فيزيدهما حلاوة، وينزل على الحنظل فيزيده مرارة.
((وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ)) فأنتم مسؤولون عن هذا الدرس ليس لتعملوا به فقط، بل ولتعلّموه لغيركم، فترجع إلى المنزل وتتفقد الجيران والأولاد وقرابتك وأصدقاءك والنّاس في السّوق، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا)) إنساناً واحداً، فالمرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل، والشّاب مع الشّاب، والصّانع مع الصّانع، [الصانع في اللهجة العامية بمعنى الأجير العامل في حرفة ما كالنجارة والحدادة] والموظف مع الموظف ((لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) 6 .
إذا متَّ ماذا ستأخذ من الدنيا؟ هل يوجد غير الكفن حتّى تستر عورتك ولا تكون صورتك بشعة لمن يراك؟ أمّا الذي ينفعك ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46] مع ذلك قال الدّين لك: ((ولكن يُصِيب مِنْهُمَا)) 7 ، هل هذا دين فقط! هذا هو الحياة والسعادة والذي يجعلك سعيداً في الأرض والسماء، وناجحاً في كل أعمالك، ففرضٌ أن يقرأ هذا الكتاب كل من الملك والرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والوزير والجند والمخابرات، هذا كتاب يعلم الجميع الفضائل والكمالات والخير والإحسان، فما أعظم دين الله عز وجل في صناعته للإنسان الفاضل والإنسان النّاجح السّعيد!
نزل القرآن على العرب وكانوا أميين لا يقرؤون ولا يكتبون، ولا ابتدائية ولا إعدادية، ولا ثانوية ولا ليسانس ولا ماجستير ولا دكتوراه، فهل هم أفضل أم نحن؟ هم تخرجوا من الجامع، وما هو الجامع؟ الجامع هو الذي يجمع وهو يعلمهم الكتاب والحكمة والتزكية، فإذا كان في الجامع بضاعة العلم وعلوم القرآن والمعلم الذي يعلّم القرآن بأن يعلّم أحكامه وحِكَمَه وفرائضه وسننه ويحذر من المهالك والمخاطر فهذا هو الجامع، أمّا الجامع فلو كان من الذهب ومفروش من أفخر السجاد وفيه ثريات وليس هناك من يعلّم القرآن ويعلم الحكمة ويزكيهم، ولم يجمع العلم والحكمة والتزكية، فهذا بناء يبقى اسمه جامعاً وله قدسيته، لكن ليس له الثّمار المطلوبة، فنسأل الله ألا يجعلنا حطب جهنم وأن يجعلنا أعْمِدَة الجنة، وهذا يكون بالعمل وليس بالتّمني، ((لَيْسَ الإِيمَانُ ِ بِالتَّمَنِّي -ولا بالأماني- ولكن الإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 8 .
عجز الإنسان
ما معنى قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾؟ [الإنسان: 1] أي اذكر نعمتي أيها الإنسان -نعمة الخلق- فقد خلقتك من العدم وأنعمت عليك بالحياة وشرَّفتك على كل ما في الأرض من مخلوقات، فهل أنت أشرف وأكرم وأفضل أم الأسد والفيل والزرافة والجمل والحصان والبغل والحمار؟ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70] وسخر لنا ما في الأرض جميعاً، ماذا سيكون موقفك أمام هذا المنعم المحسن المتفضل؟ هل كنت من الشاكرين لنعمه؟ وهل كنت من المصغين لخطابه وندائه؟ وهل كنت من الممتثلين لأمره الواقفين عند حدوده المجتنبين المبتعدين عن معاصيه ومخالفاته؟ وهذا معنى: ﴿هَلْ أَتَى﴾ فالله يُذَكِّرك بنعمه ويُذَكِّرك بنفسه، فإذا قلتَ له: “اذهب، فأنت لا تَهُمُّني ولا يهمني كلامك” ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان: 1] أيضاً يوم القيامة عندما يرمونك في نار جهنم تولول، قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19].
قال: سأقص لك قصة تاريخك، فأنت لم تكن شيئاً مذكوراً، فهل تستطيع أن تنكر ذلك؟ هل يمكن أن تنكروا ذلك بأن تقولوا: كنا موجودين من خمسة آلاف سنة أو عشرين ألف سنة، فلماذا الله يمن علينا؟ هل هذا الكلام صحيح؟ إذا ما الجواب؟ الجواب: نعم يا رب واللهِ لم نكن شيئاً مذكوراً، فأنت الذي أنعمت علينا بنعمة الوجود وبالنعم في أنفسنا وفي حياتنا وفي هوائنا وفي شمسنا وفي قمرنا.. الورد الجوري كم نوعاً خلق لك منه؟ ألا يكفينا نوع واحد؟ فعندما نشمّ الوردة هل نشكر صانعها ونذكر مهندسها ومبدعها؟ هل نشكره على الزّوجة وعلى كل شيء؟ وعلى شرب الماء؟ فهل الماء بنفسه وصل إلينا هكذا؟ من يخرجه لك من البحر ويصفّيه من الأملاح ويسوقه بالرياح إلى أماكن، ويُخَزِّنُه في باطن الأرض عيوناً وأنهاراً، حتى إذا كادت أن تفرغ يُشَغِّل “الموتور” [المحرك] مرة ثانية “ويكبس على الزر” [يضغط على المفتاح الذي يُشَغِّل الآلة، وهو تشبيه، ولكن المعنى المراد أن إرادة الله تأتي بالماء مرة أخرى] فلا ترى إلا وقد اشتغل المحرك والرعد ونزل الغيث.. فنسأل الله أن يرزقنا وأن يجعلنا من الذاكرين لنعمائه والشاكرين على عطائه والمستقيمين على طاعته.
أطوار خلق الإنسان
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [الإنسان: 2] لم تكن شيئاً، فمن الذي عملك كلّ شيء؟ الله ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ من المني ﴿أَمْشَاجٍ﴾ اختلطت بها نطفة الرجل أي الحيوان المنوي من الرجل والبويضة من المرأة ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ لنرى عمله، فقد أنعمنا عليه بكلّ هذه النعم.. بالسّمع والبصر، وسخرنا له الأرض والسّماء والأمطار والسّحاب والشّمس والقمر، وخلقنا له معدة، فهل تستطيع أن تخلق أو تصنع لنفسك معدة أو عيناً أو سِناً أو يداً أو رِجلاً أو شعرة؟ ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ حتى نراه شاكراً أم كفوراً؟ طائعاً أم فاجراً فاسقاً؟ مسارعاً إلى مرضاتنا أم مسارعاً إلى غضبنا وسخطنا؟ طائعاً أم عاصياً؟ ﴿نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا﴾ [الإنسان: 2] حتى يتعلّم من طريق استماع مجالس العلم ومجالس الذّكر وصحبة الصّالحين وصحبة الأتقياء.
عظمة الإسلام
ومر معكم في الدرس السابق أنّ أحد الصحابة أتى من المدينة إلى الشام ليسمع حديثاً واحداً، فما هذه الروح التي خلقها الله بالإسلام في نفوس الأُمِّيّين حتى يسافر شهراً في الصحراء تحت حرارة الشمس المحرقة ليسمع حديثاً واحداً عن رسول الله ﷺ؟ بهذا جعلهم الله أعظم من “كلينتون” [رئيس أمريكا] وأعظم من مجلس الأمن ومن هيئة الأمم، فهل هيئة الأمم ومجلس الأمن ينفذان العدالة على الشعوب؟ ففي البوسنة والهرسك خلال سنتين أو ثلاثة تُغتَصب الأعراض ويُقتل الأطفال والنّساء وتُدمَّر البيوت، وقد مَنَعُوا السلاح عن المسلمين، فكل أمم الأرض وبقيادة أوروبا وأمريكا لم يوقفوا ما يجري.
فالمسلمون كانوا مجلس أمن، لكنّه كان عادلاً، فلا يفرقون بين قريب وبعيد ولا بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: 90] هل للمسلمين أم للناس أجمعين؟ فعندما مشى أبناء الصّحراء على هدي هذا الكتاب الواحد صاروا هيئة الأمم ومجلس الأمن، لكنّه العادل الفاضل، وكانوا يجاهدون لنشر العلم على كل شعوب العالم، وفتحوا البلاد لا ليستعمروها وينهبوا أموالها ويذلّوا شعوبها؛ ولكن لينقلوها من الجهل إلى العلم، ومن الحمق إلى الحكمة، ومن الفقر إلى الغنى، لذلك جمع النَّبيُّ ﷺ الصّحابة مرّة عندما أعطى الغنائم للمؤلفة قلوبهم، فقال بعض الصحابة: “نحن قاتلنا وضحينا والغنائم لغيرنا؟”، فجمعهم النبي ﷺ فقال: ((ما قالة بلغتني عنكم؟)) نقدتموني وقلتم كذا وكذا، قالوا: “نعم يا رسول الله قلنا”، قال: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي؟)) هذا أليس عطاءً؟ فهل هذا أعظم أم المال؟ ((ألم أجدكم أعداءً فألف بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى، فقال: ألم أجدكم عالةً فقراء فأغناكم الله بي؟)) 9 .
إذاً فالإسلام ينقلك من الضلالة إلى الهدى ومن الجهل إلى العلم ومن الفقر إلى الغنى ومن الظلم إلى العدل ومن الأنانية إلى الإنسانية الكاملة.
أتى الإسلام بحرية المعتقد، جاء وفد نجران إلى النبيِّ ﷺ بعد العصر فحان وقت صلاتهم، فأقاموا صلاتهم النصرانية في مسجد رسول الله ﷺ.
واستقبلوا جهة الشرق ولم يستقبلوا القبلة، وعلى مشهد من النبي ﷺ والصحابة، وصلوا صلاتهم النصرانية في مسجد النبي ﷺ بحضور النبي ﷺ وصحابته.. ويزعمون اليوم أنه يوجد في أوروبا حرية المعتقد! [وهل هي حقيقية كما هي في الإسلام؟] أراد الصحابة أن يمنعوهم ((فقال لهم النبي ﷺ: لا تمنعوهم ودعوهم يصلون لربهم)) 10 ، هذه هي حرية المعتقد!
فأي دولة وأي قانون نُفِّذ بإخلاص وبلا تفريق بين دين ودين، وبين لون ولون، وبين قومية وقومية إلّا شريعة الإسلام؟ فهل سنبقى في جاهليتنا أم يجب أن نرجع من الجاهلية إلى الإسلام؟ لا تظن أن تصير غنياً بقولك: “أنا غني” إن كان بالقول فيجب ألا نشتغل ونتعب.. ولا تظن أنك تصير مسلماً حقيقياً بمجرد الأماني ووسوسة الشيطان، فأنت لن تصير نجاراً إلا بمعلم، ولا بَلّاطاً إلا بمعلم، وإذا صرت نجّاراً فكم طَيَّارة ضُرِبْتَ على رقبتك؟ [طيارة بالعامية الدمشقية ضربة بالكفّ على الرقبة، حيث إن الغالب في المهن اليدوية أن يضرب صاحب العمل أو المعلِّم الأولاد الذين يشتغلون عنده عندما يخطئون العمل] صارت رقبتك مطاراً لمئات الطَيَّارات حتى صِرْتَ نجاراً أو بلاطاً.. وحتى تصير المسلم المستجيب لله لتُعَزَّ في الدنيا والآخرة ولتصير غنياً في الدنيا والآخرة ومكرَّماً في الدنيا والآخرة [عند أي معلم تعلمت؟].. هل تظن أنّ المسألة كشرب كأس من الشاي؟ وهل يوجد لديك المهندس الذي يصنعك ويصنع إسلامك؟ الإسلام الحقيقي؛ إسلام الدنيا والآخرة، إسلام القلب والعقل، إسلام الجسم والروح، هذا هو الإسلام! إسلام العز فلا ذلَّ فيه، وإسلام العدل فلا ظلم فيه، وهو سعادة المجتمع، فلا يوجد فيه بائس، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: ((ما آمن بي)) ساعة من نهار، أي هذا لم يرَ الإيمان ولا ساعة واحدة في حياته ((من أمسى شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)) 11 وهناك جائع معذور في جوعه إمّا لمرضه، أو شيخوخته أو لإعاقته فلا يستطيع، أمّا أن يعطى الإنسان القوة والشباب وكلّ الإمكانات فيعطل قواه ويُؤْثِر الجوع على الشّبع والفقر على الغنى وبعد ذلك يلوم الآخرين، لماذا لا تطعمونني؟ هذا يجب أن نطعمه التّبن، والتّبن كثيرٌ عليه؛ لأنّ الحمار إذا أكل التبن يعمل، يعني يأخذ تِبْنَه بعرق جبينه، أليس صحيحاً؟ وإذا أكل “فصّة” [برسيماً] فبعرق جبينه، ولكن إذا كان حماراً لا يعمل، فهل أحد يطعمه؟ وإذا صار مكسوراً ماذا يفعلون به؟ يذبحونه ويجعلون من جلده طبلاً، أليس كذلك؟ [يقول ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك] وإذا مشى الإنسان هذا المسلك فهل يلوم الآخرين أم عليه أن يلوم نفسه؟ نسأل الله أن يرزقنا الإيمان بالقرآن.
فهل أنتم مؤمنون؟ هل نختبركم؟ فالكلام سهل جداً، تستطيع أن تقول عن نفسك: “أنا رئيس الجمهورية وأنا ملك الملوك” فهذا سهل، أما عند الحقيقة
وإذا المقال مع الفِعال وزنته رجح الفِعال وخفَّ كلُّ مَقَالِ
لماذا خلق الله عز وجل الإنسان؟
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الإنسان: 2] إذا كنت بَصْقَةً، فالبصقة تخرج من الفم، ومن الممكن أن تكون مقبولة وألا يتقزز منك أحد، وإذا نزل البصاق على ثيابك فلا يعيبك كثيراً، أمّا النطفة فمن أين خرجت؟ من الفم أم من الأذن أم من الأنف أم من الأسفل؟ يعني: اعرف نفسك ولا ترفع أنفك وتتعالى على الناس ولا تؤذهم وتتجبر عليهم، ارحمهم وعلِّمهم، وإذا كانت عندك نعمة تستطيع أن تساعدهم بها فساعدهم في حدود شريعة الله وفي حدود الإمكان.
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان: 2] لماذا خلقناه؟ لنرى هل يشكرنا على نعمة الخلق وعلى نعمة الإيجاد؟ ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا﴾ [الإنسان: 2] حتى تصل إليه رسالتنا، فقد عَبَّدنا له الطّريق حتى تصل إليه الرّسالة، و ﴿بَصِيرًا﴾ لينظر في آيات الله، ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: 101]، وقال أيضاً: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: 17] انظر في الجمل من خلقه؟ ومَن ذَلَّلَهُ؟ فهل الذبابة ذُلِّلت لك وتطيعك إن قلت لها: “اخرجي من النافذة”، فهل تخرج؟ فالجمل مذلَّل لك، فإذا أمسك ولدٌ صغير الرَّسَنَ فإن خمسين جملاً يمشي وراءه، فمن طوّعهم؟
قصة فيمن ظلم الحيوانات
وبمناسبة ذكر الجمال، يقال: إن ّالجِمال يوم القيامة يشتكون إلى الله على الجَمَّال، فإذا ظلمت فإن الله عز وجل سيأخذ الحق منك.. يقال: إنّ أحد الأولياء ركب على حمارٍ وكان الحمار كسولاً قليلاً فضربه بخشبة على رأسه، فأنطق الله الحمار فقال له: “اضرب ما شئت أن تضرب، وعزة ربي لأضربك يوم القيامة قصاصاً مثل ما ضربتني في هذا اليوم”، فالأولياء يُسمِعهم الله كلام الحيوانات وكلام الجمادات.. فيسأل الله الجَمال: ما شكواكم؟ فيقولون: كان هذا الجمَّال يحمِّلنا فوق طاقتنا فنصبر، وقد نكون مجروحين فنسمع كلامه، ويضربنا فلا ننتقم منه، لكن أن يربطنا بذيل حمار ونحن خمسين أو ستين جملاً، ويجعله قائدنا! فإذا مشى يميناً يجب علينا أن نمشي إلى اليمين، وإذا مشى إلى اليسار أيضاً نمشي إلى اليسار! نسأل الله ألا يجعل قائدنا حماراً وألا يجعل قائدنا الشيطان، نسأل الله أن يجعل قائدنا كتاب الله وأحباب الله وأولياءه.. ويا سعادة من يكون قائده من يوصله إلى رضاء الله ورضاء رسوله ﷺ، واللهِ سيوصله إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
جعل الله عز وجل الاختيار للإنسان
﴿نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا﴾ [الإنسان: 2] فاستعمل سمعك فيما يسعدك وبصرك فيما يسعدك في دنياك وأخراك.. ولم يكتفِ بأن قال: ﴿سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: 2] فقد توجد أُذُن، فإذا وُجِدت ولا يوجد علم ومعلّم فما فائدة الأذن؟ قال: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: 3] بعثنا له الرسالة بواسطة الرسول لتصل إليه من طريق سمعه، وليرى نور النبوة من طريق بصره، وليرى أعمال النبوة وأعمال الإسلام كيف أسعدت أصحابها، فمن طريق السمع والبصر يتقبّل هدايتنا ورسالتنا وتعاليمنا، ليكون السعيد لا الشقي، وإذا رفضت هَدِيَّة الله وقبلت هدية الشيطان، فهل الشيطان يَصْدُقُك أم يَكْذِبُك؟ وهل ينفعك أم يضرك؟ وهل يهديك أم يضلك؟ وشيطان الجن أمره هين، فإذا ذكرت الله خنس ونكص وأدبر وهرب، أمّا أخطر الأخطار فهو شيطان الإنس، فقد يكون زوجتك أو ابنك أو أبوك أو أخوك أو صديقك.. ولو كانت عينك شيطانة فاقلعها، ولو كان لسانك فاقطعه، ولو كان أقرب الناس إليك فقاطعه في الله ولله، وإذا كانت عندك قوة تنقذه فمرحباً، وإذا كنت لا تملك قوة وقمت كي تنقذه! وقد قيل: “يا صياد احذر أن تُصاد”، تريد أن تذهب لتصطاد أرنباً بالجِفْت فمرحباً [الجِفْت: بندقية خاصة للصيد، وهي غالباً تقتل الحيوان الصغير ولا تقتل الحيوان الكبير، وكثيراً ما يستخدمها الصيادون في سوريا]، أما أن تصطاد سبعاً فهو سيصطادك.. نسأل الله أن يرزقنا التوفيق ويرزقنا العقلَ الموَفَّق.. السارق هل عنده عقل أم ليس عنده عقل؟ لكن هل هو عقل مُوَفَّق؟ وكذلك الكذاب والمؤذي والغشاشّ والنمام والخائن وناقض العهد، فكلّ هذا سيظهر للناس، فتسقط قيمته بين الناس إن لم يكن بألسنتهم فبقلوبهم، ويسقط من نظر الله فيخسر في النهاية الدّنيا مع الآخرة.
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: 3] عند قراءة المسلم الفاتحة ألا يقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6] فماذا أجابنا الله عز وجل؟ تعالوا سأهديكم إلى الصراط المستقيم ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم﴾ [الفاتحة: 7] هل في الدنيا أم في الآخرة؟ هل سيهدينا الله إلى سعادة الدنيا أم سعادة الآخرة؟ إلى السعادتين، لذلك المسلمون الأوائل عندما تقبَّلوا الإسلام بكليته هل أسعدهم الله في الدنيا أم الآخرة أم في كليهما؟ وأنتم يا بنيَّ واللهِ واللهِ واللهِ سيسعد من يتقي الله تماماً بسمعه وبصره وجوارحه وسره وعلانيته وفيما بينه وبين الله ويأخذ كلام الله مئة على مئة، فالسيارة إذا لم تكن كاملة مئة على مئة بأن نقصت عجلة، ولو كانت مرسيدس موديل [طراز] خمس مئة أو ست مئة فهل فيها فائدة؟ لماذا؟ لأنه ينقصها العجلة، ولو كان ينقصها هواء عجلة، فالعجلة موجودة لكن لا يوجد فيها هواء، وإذا كان هناك هواء لكن العجلة مثقوبة، فإنها لن تسير، فإذا لم يكتمل إسلامك تماماً ولم تحول القرآن إلى عمل وخلق وسلوك كما تحوّل المعدة الخبز واللحم إلى دم وقوة، وإلا كما قال ﷺ: ((وعن علمه ماذا عمل به)) 12 ، ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ)) 13 ، والآن ألم تصيروا علماء بهذه الآيات؟ فإذا عملتم بها فقد سعدتم وإذا لم تعملوا بها فأنتم أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة، فلا تفرحوا أنكم أتيتم إلى الشيخ وسمعتم درس المفتي، وتقولون: ما أجمل كلامه! فإذا تحوّل فيك هذا الكلام والدرس إلى عمل وخلق وسلوك وواقع كما يتحول الحليب إذا وضعنا له ملعقتين من اللبن، ماذا يصير حينها؟ لبناً، فهنيئاً لك، وإن شاء الله تكونون كلكم أهلاً للتهنئة.
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: 3] بيَّنا له الطريق، فهذا طريق الخير والسعادة والنجاح والغنى وهذا طريق الشقاء والتعاسة والهلاك، فاختر ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ [المدثر: 37] ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29] هل هناك أوضح من هذا؟
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3] فأنتم من أي قسم؟ من كان من قسم “شاكراً” فليرفع إصبعه، ولا تَكِذِبُوا عليّ [يخاطب الشيخ إخوانه الحضور مع ابتسامة] ولا تَكْذِبُوا على الله، علينا أن نمشي.. كفى.. وإن كنا مقصرين، فكفانا تقصير.. ماذا بقي من الحياة؟ قد تكون شاباً ولا تصير عجوزاً، وقد تكون صحيحاً لا تمرض، فتموت من غير مرض، وقد تكون ذاهباً إلى النزهة وعزرائيل ذاهبٌ معك، يقبض روحك في منتصف الطريق، فهل أنت من حزب “شاكراً” أم من حزب “كفوراً”؟ يجب أن تراقب تقوى الله في أنفاسك ونظراتك وسمعك وصاحبك وصديقك ومالك وبيعك وشرائك ونطقك، فبذلك تكون شكوراً.. نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين ولا يجعلنا من الكافرين، وإذا كفرت فماذا تُكَلِّف الله؟ فجهنّم موجودة والوقود عند الله كثير.. وهل الله يحتاج إلى وقود؟ فهو خلقه، وهل يحتاج إلى فحم حجري؟ فهو خلقه أيضاً.
عقابك من جنس عملك فاحذر
فإذا كفرت ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾ [الإنسان: 4] فيوم القيامة يضعون سلسلة في رقبتك ﴿وَأَغْلَالًا﴾ في يديك وأقدامك ﴿وَسَعِيرًا﴾ إلى جنّهم، فهل تريد أن يسوقك الله غداً هكذا؟ إذا كانت لك خمسين نجمة [شارات لعلوِّ الرتبة] هنا فهل هناك نجوم؟ إذا كان لك خمسون لقب: وزير وصاحب المعالي وصاحب الفخامة وصاحب الدولة وصاحب السماحة، فهناك لا يوجد سوى القرآن، فإذا تحوّل القرآن فيك من كلام إلى عمل فيا هنيئاً لك! وإذا كنت كفوراً فماذا تُكَلِّف الله؟ الأمر عنده: كن فيكون، ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا﴾ هيأنا ﴿لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾ هل تريد أن يضعوا السلسلة في رقبتك؟ ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة: 32] وإذا كنت شكوراً كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ﴾ [الإنسان: 5] إذا وردت الكأس في القرآن فمعناها الخمر، يعني أن أهل التقوى كلهم يشربون الخمر، لكن في الآخرة وليس في الدنيا، والذي يشرب في الدنيا لا يشربها في الآخرة، وقد قال الله تعالى عن خمر الآخرة: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ [الصافات: 47] أي لا تَغْتَال عقولَهم، فيبقون بعقولهم ومداركهم ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: 47] ولا ينفد عند أحد، فالخمر دائماً موجودة.
من هم الأبرار؟
فنسأل الله أن يرزقنا أن نكون من الأبرار، والبَّر: “هو من لا يؤذي الذَّر، ولا يمر بخاطره وقلبه شيء من الشر”، فلا ينوي ولا يفكر ولا يصاحب ولا يجلس ولا يسمع أي شيء له صلة بالشّر، والأبرار جمع بَر، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: 5] كافور الجنة غير كافور الدنيا، وإذا كنت من الكافرين فقد قال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: 4] فمن هو من حزب سلاسل وأغلالاً وسعيراً فليرفع إصبعه كي نرى؟ من السهولة الآن أن تكذب، ففي الجامع كلكم جَيِّدون، أما إذا ذهبتَ إلى سُوْقِك أو دكانك أو مَكتبِك وفي سهرتك ومع رفاقك نسيت الجامع ونسيت الشيخ ونسيتَ قوله تعالى: ﴿سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا﴾.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37] لذلك عليك أن تبحث عن جليس صالح ورفيقٍ تقيٍّ ذاكرٍ فتَذْكُر معه، تَذْكُر معه حتى يحيا قلبُك بذكر الله وتصير أرضُ قلبِك خصبةً، فإذا أُلقيت فيها البذار أنبتت من كل زوج بهيج، وأما إذا تركتَها بوراً فالأرض البور ماذا تُنْبِت؟ ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: 12] نسأل الله ألا يجعل قلوبنا بوراً، ويحيي قلوبنا بذكر الله وعقولنا بحكمته ونفوسنا بكلامه، ويجعلنا للمتقين إماماً.
مُلْحَق
خاتمة المجلس
تكلمت لكم عن كتاب “الحياة الزوجية” فهل اشتريتموه يا متزوجين؟ هل نفد بأن لم يعد موجوداً؟ كثير من الزوجات والأزواج الرّجال والنساء لا يعرفون كيف يتزوجون، وكثيراً ما يكون المنزل شقياً وتعيساً لجهلهم بالثقافة الإسلامية الزوجية، فالكتاب يُشرى بوزنه ذهباً، هذا أمر.
والأمر الثاني: نريد أن نشارك في التهليلة أم حسن التي خدمتنا في المنزل كثيراً، وهناك أبو زياد شخاشيرو نشاركه أيضاً، ونشارك إخوانَنا كلَّهم.. نسأل الله أن يغفر لنا ولهم، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- تاريخ دمشق لابن عساكر، (65/ 197)، ومسند الفردوس للديلمي، رقم: (5249)، (3/409)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((لَيْسَ بخَيركُمْ من ترك دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا آخرته لدنياه، ولكن يُصِيب مِنْهُمَا جَمِيعاً)).
- تفسير ابن كثير، (2/ 281)، قال: " وَفِي الدُّعَاء الْمَأْثُور " اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اِتِّبَاعه وَأَرِنَا الْبَاطِل بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اِجْتِنَابه وَلَا تَجْعَلهُ مُتَلَبِّسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"، وعزاه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة ص: (40) لسيدنا عمر رضي الله عنه، فقال: ((وَكَانَ مَنْ دُعَاءِ عُمَرَ اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَوَفِّقْنِي لِاتِّبَاعِهِ وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَوَفِّقْنِي لِاجْتِنَابِهِ)).
- أخرجه الترمذي، (2417) عن أبي برزة. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (111)، (20/ 60)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1785)، (2/ 284)، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟")).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، رقم: (1357)، (2/517)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم: (1031)، (2/715)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).
- بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزي، رقم: (11)، ص: (15)، بلفظ: ((إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة وَلم يغلب خَيره على شَره قبله الشَّيْطَان بَين عَيْنَيْهِ، وَقَالَ فديت وَجها لَا يفلح أبدا فَإِن من الله وَتَابَ عَلَيْهِ واستنقذه من الضَّلَالَة واستخرجه من غَمَرَات الْجَهَالَة يَقُول الشَّيْطَان: لَعنه الله واويلاه قطع عمره فِي الضَّلَالَة فَأقر بالمعصية عَيْني ثمَّ أخرجه الله بِالتَّوْبَةِ من الْجَهَالَة فَأكْثر بِالتَّوْبَةِ حزني)). وأخرجه أبو الفتح الأزدي مختصراً عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:" من أتى عليه أربعون سنة فلم يغلب خَيره على شَره فليتجهّز إلى النار" الدر المنثور للسيوطي، (325/13).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رقم: (3498)، (3/ 1357)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رقم: (2406)، (4/ 1872)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (934)، (1/315)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، بلفظ: ((خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)). وفي رواية: الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 484) ورقم (1375). عن ابن جعفر «خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
- سبق تخريجه.
- ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) وهو قول الحسن، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4075)، (4/ 1574)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، رقم: (1061)، (2/ 738)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالة فأغناكم الله بي)). كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن...)).
- السيرة النبوية لابن هشام (1/ 574)، تفسير الطبري (6/ 152)، فتح الباري لابن رجب الحنبلي (2/ 439)، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ((لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ، جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ، فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعُوهُمْ))، فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِقِ.
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)).
- سبق تخريجه.
- شُعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1778) و (2/ 284)، المعجم الصّغير للطبراني رقم: (507) و (1/305) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ)).