تاريخ الدرس: 1994/11/18
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:24:04
سورة القيامة، الآيات: 20-23 / الدرس 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلوات والتحيات على سيدنا محمد وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعد:
أقسام القيامة
فنحن لا نزال في تفسير سورة القيامة، وتنقسم القيامة في الإسلام إلى قسمين: القيامة الخاصة الصغرى والقيامة العامة الكبرى، وبين القيامتين حياة ثالثة وهي الحياة البرزخية التي لا يعيش فيها الإنسان بجسده [وهي حياة خاصة تبدأ من موت الإنسان وتنتهي بوصول الإنسان] لمستقر ونهاية مصيره، وهو ما يسمى بيوم القيامة وهي القيامة الكبرى، كما جاء في سورة الزلزلة: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ [الزلزلة: 1] فالقيامة الكبرى يوم تخرب الدنيا وتشتعل بحارها وتُنسف جبالها وتتفتت وتصير هباءاً منثوراً، وتتناثر نجومها وتذهب شمسها وقمرها، فهذه القيامة الكونية، ونحن لا يعنينا لو نُسفت الجبال أو اشتعلت البحار أو تساقطت النجوم، فالذي يعنينا مصيرنا الشخصي، ما سيكون مصيرنا؟ هل نكون بعد هذه الحياة من السعداء أم من الأشقياء؟ هل من الناجحين أو من الفاشلين؟ هل من المُعذَّبين أو من المُنْعَمِين في حياة الأبد والخلود؟
ففي الحياة الدنيا مهما نال الإنسان وأصابه من عذاب أو مرض أو فقر أو شدّة فإنّ هذه الأمور تنتهي بموت جسده، أمَّا في الحياة الآخرة فهناك حياة الأبد، فقد يعيش الإنسان شقاء الأبد وعذابه وتعاسته وفقره، وقد يعيش في سعادة الأبد وشبابه وصحته وعزته وكرامته.
فأتى القرآن لِيُرَبِّي الإنسان ليكون سعيداً في حياته الجسدية المُسَمَّاة بالحياة الدنيا، ومعنى الدّنيا من “دنى منه” يعني “اقترب منه”، فمعنى الدّنيا: الحياة القريبة من الإنسان، فأول ما يعي الإنسان ما حوله يعرف الحياة الدنيا، والحياة الآخرة: هي التي تأتي بعد هذه الحياة.. فالقرآن والإسلام يهتمان بالإيمان بالله، ومعنى الإيمان بالله: الإيمان بوجوده ومعرفة صفاته ومعرفة كيف يتعامل الإنسان معه، وهو الذي أوجدنا من العدم، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئَاً مَّذْكُورَاً﴾ [الإنسان: 1] فهل أتى؟ نعم، قد أتى.
تذكير الله تعالى الإنسان بأصل خلقه وفضله عليه
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُّطْفَةٍ﴾ [يس: 77] فما قيمتك وأنت نطفة؟ قيل: لو غرزت الإبرة في السائل المنوي لَعَلِقَ في رأس الإبرة خمسون ألف حيوان منوي، فهل مجموعكم في المسجد خمسون ألف؟ لا، [مجموع الحضور في هذا الدرس قرابة خمسة عشر ألف] إذاً فمجموعكم أقل ممّا يعلق في رأس الإبرة من النِّطاف.. فلم يكن لنا وجود، فأوجدنا في هذا الشّكل الكامل، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَينَيْنِ (8) وَلِسَانَاً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10] فالنَّجْدُ: هو الشيء المرتفع، وثدي الأم مرتفع في صدرها، وكلّ ثدي نجد.. فمن علَّمك وهداك إلى الرّضاعة لترضع؟
لَمَّا كنت في بطن أمك كان رأسك باتجاه الأعلى ورجلاك باتجاه الأسفل، وعند الولادة يقلبك الله فيجعل رأسك لأسفل وقدميك لأعلى.. ومن أرشدك على الدّهليز لتخرج من عالم الرحم وظلمات الأحشاء إلى عالم الدّنيا؟ فمن الذي هداك لذلك؟ ومن الذي علمك النطق؟ ومن الذي وهب لك العينين؟ قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ ومن وهبك النّطق وآلة النّطق؟ قال تعالى: ﴿وَلِسَانَاً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ ما معنى النّجدين؟ الثّديين، ثديي الأم.
ثمّ قال تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ [البلد: 11] فقد أوجدك الله عز وجل من لا شيء إلى كلّ شيء، وهيأ لك المدرسة وبعث لك الأساتذة أفضل الملائكة من السّماء إلى أفضل ولد آدم وسيدهم في الأرض الذي يحمل رسالة الله، فهل قرأت مكتوب الله؟ وهل قرأت رسالة الله؟ فإذا كنت رئيس شركة رأس مالها ألف مليون، وبعث لك عامل فيها مكتوباً وكنت رئيس الشركة فهل تقرأ المكتوب أم لا تقرأه؟ وهل تقرأه للفهم أم لعدم الفهم؟ وإذا قال لك: “غداً ستأتي البضائع إلى الساحل ويجب أن تخرجوا لتستلموها”، فماذا تفعل بموجب هذه الرسالة التي يقول فيها: “يجب أن تبعث موظفين لاستلام البضائع”؟ فهل تُنَفِّذ أم لا؟ فهل نقرأ القرآن الذي هو رسالة الله كقراءة مدير الشركة وصاحبها مكتوب ورسالة عامله، فهل هكذا نقرأ القرآن؟ فالنّاس لا يقرؤون القرآن، يقرؤون بأنغام وبتجويد الأحكام فقط، لكن لا يقرؤون لفهم المعاني وتنفيذ الواجبات.
قصة في تربية المسلمين الأُوَل لأولادهم
في العصر الأوَّل كانوا يُعلِّمون الأولاد الإسلام في بداية وعيهم للحياة، يُذكر عن أحد الصالحين أنه رأى أولاداً يلعبون في يوم عيدٍ ورأى طفلاً قد اعتزلهم وهو يبكي، فظنّ أنَّ هذا الولد محروم من بعض ما يشتهي من اللعب وأدواته، فأتاه وقال له: “لماذا تبكي؟ هل تريد أن أشتري لك لعبة؟” يقول هذا الصالح: “فنظر إليَّ مبهوتاً وبنظرة ازدراء واستغراب قائلاً: أَوَ لِلَّعِب خُلِقنا؟!” أمامنا حساب، وأمامنا وقوف بين يدي الله تعالى، وقد أعطانا فرصة الحياة فهل نُضيُّعها في اللعب؟ قال: “فدُهِشتُ من فقهه في الدين”، وقلت له: “أنت طفل صغير لست مُكلَّفاً، فلا يوجد مانع أن تلعب، واللّعب على كل حال جائز ومباح”، قال: “فنظر إليّ نظرة أخرى نظرة ازدراء واستخفاف قائلاً: أفي مثل شيخوختك وشَيْبَتِك تقول هذا الكلام؟ أَوَ لِلَّعِب خُلِقنا؟ أمَا سمعت الله تعالى يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ﴾ [الذاريات: 56] فهل قال إلّا ليلعبون أم ليعبدون؟” هكذا كانت تربية أطفالهم الصغار، وهكذا كان فقههم في الدين، قال ﷺ: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) 1 .
قصة في مراقبة البنت لله عز وجل
ويُذكر عن سيّدنا عمر رضي الله عنه وكان امبراطوراً، كان امبراطوراً وفي الوقت نفسه كان حارساً في الليل، وكان معظم الليل يطوف في المدينة من أجل أمن النّاس، فكان في الليل شرطياً أو حارساً ليلياً يحمي الناس من سارق أو مُتعدٍّ أو غير ذلك، فسمع وهو مارٌّ أمام أحد البيوت حواراً بين امرأة وابنتها، والظّاهر أنّ الأم لم تتربَّ التربية الإسلامية الكاملة وقد أدركت الجاهلية، أمَّا البنت فعاشت في جو المدرسة الإسلامية.
كانوا يبيعون الحليب، فقالت الأم لابنتها: “يا بُنَيَّتي ضَعي ماءاً في الحليب حتى يزيد وزنه لنبيعه في الصباح”، ماذا يعني هذا؟ غش، فقالت البنت الطفلة لكنها كانت مثقفة ومتفقهة في الدّين: “يا أماه، إنّ عمر نهى عن مزج الماء بالحليب”، فقالت الأم: “ويحك أَوَ يَراك عمر؟” هذا كلام الجاهل ولو كان كبيراً ولو كانت أُمَّاً، قالت الطفلة الصغيرة لأمها: “إذا كان عمر لا يرانا أفلا يرانا رَبُّ عمر؟”
فهذه هي الثّقافة، فهل هذه أفضل أم البكالوريا [الشهادة الثانوية] إذا كان حاملها لا يُحلِّل ولا يُحرِّم؟ وهل هذه أفضل أم الشهادة الجامعية إذا كان حاملها لا يُحلِّل ولا يُحرِّم؟ فهل هذه أفضل أم وزير وزارة لا يُحلِّل ولا يُحرِّم؟
قبل كلّ شيء ما معنى الثقافة والمثقَّف؟ الثّقافة: هي ما جَمَعَتْ علماً وأخلاقاً، أمّا إذا كان هناك علم بلا أخلاق، أو أخلاق بلا علم، فهذا لا يُسَمَّى مُثقَّفاً.
حقيقة الموت
والإيمان هو الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر الذي هو القيامة، والقيامة كما قلنا: هي خراب هذا العالم، قال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا البِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا القُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ [الانفطار: 4] خربت الدنيا وسماواتنا، قال تعالى: ﴿يَومَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاواتُ﴾ [ابراهيم: 48] سننتقل إلى مَجَرَّة أخرى، أين هي؟ وكم مسافتها؟ فبجسدنا لا نستطيع أن نصعد في عالم الفضاء، وما يُسَمَّى الموت يعني موت الجسد، فعندما تُرمى بأسفل البحر وتربط بأثقال الحديد ثمّ يقطع الحبل بينك وبين أثقال وأوزان الحديد ترتفع للأعلى، فالموت يقطع الحبل بين الإنسان وبين الجسد الذي يثقله في الدنيا كأثقال الحديد.. فعندما يموت الإنسان من الذي يموت؟ لم يمت الإنسان، ولكن تموت الأثقال التي تُلصِقُه في الأرض، ولذلك فإنّ الحياة الحقيقية ليست هنا، بل الحياة هناك، فهنا الإعداد للحياة، مثل الذي يذهب إلى السوق ويأخذ مؤونة البيت لسنة كاملة، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197] فالقيامة الكبرى: خراب العالم الذي نعيش فيه من سمائه وأرضه، وهذا لا يهمُّنا، فالآن إذا خربت كلّ البيوت وبيتك لم يخرب فأنت آمن، وإذا خَرِب بيتك وسلمت الدنيا كلّها فماذا تستفيد؟ فالذي يُخيف ليس القيامة الكبرى، بل الذي يُخيفك قيامتُك أنت، فإذا قامت قيامتك بمفارقة روحك لجسدك، كساعة الألماس إذا أخرجوها من علبة الكرتون، فماذا يفعلون بعلبة الكرتون؟ يلقونها إلى القمامة، وماذا يبقى؟ الألماس والجوهرة التي توضع في رقبة العروس، فروحك هي أنت، وأنت لا تُفكِّر في مستقبل الرّوح، بل دائماً تُفكِّر في مستقبل الجسد، تفكر في بيت الجسد وطعامه ونفقاته وسيارته، لكن هل تفكر في غذاء الروح وسعادتها ومستقبلها؟ وتفكيرك في غذاء الروح هو الإيمان.
الاستعداد للآخرة لا يعني ترك الدنيا
والإيمان لم يقل لك أهمل الجسد، قال ﷺ: ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته)) ما أعظم هذا الدين يا بُنَيَّ! ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته)) 2 ماذا يعني؟ يعني كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77] فماذا طلب سيدنا سليمان من الدنيا؟ قال: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكَاً لَّا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ [ص: 35] فيُعلِّمُك القرآن أنّ تكون همتك في الدنيا بأن تصل إلى أعلى مراحلها، لا أن تكون ملكاً، بل أن تكون أعظم الملوك، لا أن تكون غنياً، بل أعظم الأغنياء.
وماذا قال سيدنا يوسف للملك؟ قال: ﴿اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف: 55] اجعلني موظفاً عندك كوزير للمالية.. فهل نبيُّ يطلب من الملك أن يصبح موظفاً عنده! فهل هذا يجوز؟ كان المشايخ قبل خمسين أو ستين سنة يُفتون بأنه لا يجوز لأحدهم أن يعمل موظفاً عند الدولة، هذا ما أدركته وشاهدته، فهل هذا علم أم جهل؟ وكان اسمهم علماء المسلمين!
لقد منّ الله تعالى في القرآن الكريم على النبيِّ ﷺ فقال له: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلَاً﴾ [الضحى: 8] ما معنى عائلاً؟ فقيراً، ﴿فَأَغْنَى﴾ بأي شيء أغناه الله؟ بالدّين أم بعدم الدّين؟ حتى وصل إلى درجة أعلى من درجة الملوك، والأعلى من درجة الملوك: هي أن تصير ملكاً وتتنازل في نفسك فتجعل نفسك عبداً لا ملكاً، ولذلك لَمَّا نزل جبريل إلى النبيِّ ﷺ وقال له: “إن الله يُخيِّرك أن تكون ملكاً نبيَّاً أو عبداً نبيَّاً”، فقال له النبيُّ ﷺ: ما رأيك؟ فأشار إليه أن تواضع، فقال: ((عبداً نبياً)) 3 فأَعْظَم عظَمةِ الملوك أن يكونوا ملوكاً متواضعين، فيكونون مع الناس كأنّ أحدهم واحدٌ منهم، هكذا ربّى الإسلام الملك والإمبراطور أبا بكر، وهكذا ربى الإمبراطور عمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، جعلهم ملوكاً وجعلهم في الوقت نفسه عبيداً، و((من تواضع لله رفعه الله عز وجل)) 4 .
القيامة التي تهمنا
فالقيامة التي تهمُّنا هي قيامتك أنت، كما قال الشاعر
خرجتُ من الدنيا وقامت قيامتي
غداة أَقَلَّ الحاملون جنازتي
“خرجت من الدنيا وقامت قيامتي” انتهت الدنيا وذهبتَ الآن إلى المحكمة والحساب والتوقيف والمحاسبة على أعمالك، وعند قيامة الدنيا القيامة الكبرى فإذا سعد كل الناس لا تستفيد، وإذا دخلوا النار كلهم لا يمسّك الضر، فما مصيرك أنت؟
قصة الإمام الشافعي في مرض الموت
دخل الإمام الْمُزَنِي على أستاذه الإمام الشافعي رضي الله عنه في مرض موته، فسأله: “كيف أصبحت يا إمام؟ من السائل؟ المزنِيُّ يسأل شيخه الإمام الشافعي، فقال: “أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان والأحباب مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً”، لا يهمُّه صالح العمل، فصالح العمل لا يُخاف منه، والذي يُخيفه من الرّحيل سوءُ العمل “ولكأس المنية والموت شارباً، وعلى الله قادماً ووارداً”، فهذه القيامة، وهذه قيامتك “ولا أدري أتصير روحي إلى الجنة فأهنئها أم إلى النار فأُعزِّيها”.
هذا هو العلم! فما الفائدة إن أخذت شهادة ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه وكنت لا تخاف الله ولا تفرِّق بين حلال وحرام، وكنت جريئاً على انتهاك محارم الله، ومُهملاً لواجباتك نحو الله؟ ولو كنت حاصلاً على خمسة آلاف شهادة لازداد عذابك على عذاب الجاهلين، وإذا كانت فيك هذه الصفات [المؤهلات]، ولكنك كنت جاهلاً.. فنسأل الله العافية من الإفلاس في الدين والإيمان، فإفلاسُ الدنيا ينتهي بالموت، أمَّا إفلاس الدين ينتقل من إفلاس الدنيا إلى إفلاس الآخرة، نسأل الله أن يرزقنا حقائق الإيمان والإيمان الحيّ، ثم أنشد يقول
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلماً
هذا حال الإمام الشّافعي الذي كان ثلث ليله للعلم وثلث للنّوم وثلث للتهجد، مع ورعه وتقواه، حتى بلغ القمة وصار أحد الأركان الأربعة في الفقه الإسلامي في العالم الإسلامي، ماذا ينظر لنفسه؟ وبماذا يصفها؟ هل بالعظمة والتعالي؟
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سُلَّماً
فهو يقول: أنا مُذنب أنا مخطئ أنا مُقصِّر، فما حالك أنت الذي كلك قصور وتركت كل الواجبات وتعمل أكثر المحرمات بيدك ولسانك وفي بيعك وشرائك وفي مالك ومع زوجتك وفي بيتك ومع جيرانك؟ فهل عندك شعور؟ إذا كان أحدهم مُخدَّراً أو ميتاً وذبحوه فهل يخاف؟ وهل يصيح؟ كما قال الشاعر: “ما لجرح بميت إيلام”
فعدم مخافتك هو من موت قلبك وموت إيمانك، وهو بسبب شدة المرض الذي أفقدك الإحساس بآلام المعاصي وآلام الذنوب.
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلماً
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربّ كان عفوك أعظما
لم يقل: علمي وعظمتي وأني نشرت العلم وأحييت الإسلام، ينظر إلى نقائصه وتقصيره، وهذا هو الكامل! فالكامل دائماً ينظر إلى نفسه بنظرة النقص وإلى غيره بنظرة الكمال، والنّاقص ينظر إلى نفسه بنظرة الكمال وإلى غيره بنظرة النّقص، فتجده دائماً يعيب على الآخرين ويعمى عن عيوب نفسه، قال
تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته
بعفوك ربّ كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب
لم تزل تجود وتعفو مِنَّةً وتكرُّماً
أنا لا أستحق، لكن إذا عفوت عني فهذا من فضلك ومن كرمك.
القيامة الحقيقية
وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يقول: “يقول الناس القيامة القيامة، وإنما قيامة أحدكم في موته” فمتى ما متَّ فقد انتهيت.. يُستدعى الإنسان إلى المخفر، فإذا كان سارقاً فهناك يظهر مصيره ونهاية عمله، وإذا أتته دعوة إلى القصر الجمهوري من المخفر [ليكون مع الرئيس]، وطلبه المخفر للحضور وأراه الدعوة إلى غداء أو حفلة، فكيف دخول هذا إلى المخفر وخروجه منه ودخول ذاك وخروجه منه! فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الاستعداد.
الإيمان دافع للتقدم والرقي في الدنيا
والإيمان بالقيامة هل يُضيِّع عنك شيئاً من أمور دنياك؟ هل يقول لك: لا تعمل، لا تتاجر، لا تزرع، لا تبيع، لا تشتري؟ لا، فقد عمل النبيُّ ﷺ راعياً للغنم، وعندما أصبح شاباً عمل أجيراً وشريكاً مضارباً في مال خديجة.
وعمل سيدنا علي ابن عم رسول الله وزوج ابنته فاطمة أجيراً عند يهودي في المدينة، يُخرج له الماء من البئر بوساطة الدلاء، كلّ دلو بتمرة، صهر النبيِّ ﷺ أجير عند يهودي! هذا سيدنا علي!
وطلب سيدنا يوسف في القرآن أن يكون موظفاً عند ملك مصر ﴿اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف: 55].
وطلب سيدنا سليمان وهو نبيٌّ ورسولٌ من ربه أن يكون أعظم إنسان في الدنيا، وهو أن يكون مَلِكَاً وليس مُلْكَاً عادياً ﴿مُلْكَاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ [ص: 35] هكذا ينبغي أن تكون همَّة المسلم والمسلمة في أمور الحياة وأمور الدنيا.
أما في أمور الدين والآخرة فيجب أن تكون دنياه نقطة في الهِمَّة والعزيمة والإرادة، وآخرته ماذا تكون؟ تكون بحراً.. هكذا تربَّى أصحاب رسول الله ﷺ، وهكذا علَّمهم المعلم الأول، وبعد ذلك صار العلم يتأخر ويضعف ويتقهقر، حتى وصل إلى كلمة “الزّهد في الدّنيا” بمعنى أن تترك الدنيا، ووصل إلى إهمال العقل والفكر وترك الأسباب باسم التوكل، حتى نام المسلمون عن العلوم وعن الحياة وعن أمور الدنيا، واستيقظ الأوربيون بالعقل والفكر والأسباب والمسببات، فهاجموا العالم الإسلامي واستعمروه من شرقه إلى غربه، لذلك علينا أن نرجع إلى تربية القرآن ومن أول وَعْيِنا بالحياة، فعندما يأتيك ولد ويبدأ بالنطق تُعلِّمه ما يمكن أن يتعلَّمه كحب الله والنبيِّ ﷺ، والحلال والحرام.
قصة في تربية النبي ﷺ للصغار على الحلال والحرام
كان النبيُّ ﷺ في المسجد مرَّة ومعه الحسن، فوجد تمرة، وأتى الحسن ليأكلها، فالنبيُّ ﷺ قال له: ((كخ كخ، لولا أخشى أن تكون من تمر الصدقة)) 5 لأن الصدقة مُحرَّمة على النبيِّ ﷺ وعلى أهل بيته؛ فهي تُعتبر من أوساخ المتصدِّق ولا يليق بالنبيِّ ﷺ أن يأكل هو وأهله من أوساخ النّاس، فهذا طفل علَّمه ما هو الحرام ليجتنبه.. هكذا كانوا يُعلِّمون أطفالهم وصغارهم حتى ينضجوا في الحياة فينجحوا في كل شؤونها، فإذا بهم بأقل مدة توسعت جزيرة العرب حتى صارت حدودها في فرنسا وفي بكين في الصين، وامتد الحكم العربي بالبعث القرآني والباعث النبويِّ المُحَمَّدِيِّ، فليس المهم البعث، ولكن المهم الباعث مع البعث، فإذا البعث كان صحيحاً والباعث كان كفؤاً فالأمة تصير في أرقى درجات مجدها وعزها في دنياها وفي آخرتها، فنسأل الله أن يبعث أمتنا بعثاً مُحمَّدِيَّاً قرآنياً عقلانياً حياتياً دنيوياً وأخروياً.
[يستخدم سماحة الشيخ كلمة “البعث” ويؤكد عليها هنا مشاكلة أو تلميحاً لأعضاء حزب البعث الحاكمين في سوريا، فالحكومة وأعضاؤها دائماً يفخرون بانتسابهم للبعث، فكأن الشيخ يقول لهم: لماذا لا يكون بعثكم إسلامياً؟ وكلمة البعث موجودة في الإسلام، فأنتم لستم بعيدين عن الإسلام.]
تعهد الله تعالى بحفظ كتابه الكريم
قد مرَّ معكم في تفسير السورة أن النبي ﷺ كان أثناء وحي جبريل إليه بسورة القيامة يخاف ألّا يحفظ السورة بتمامها، فكان يُكرِّر تلاوة السّورة أثناء إيحاء جبريل بها، ففي أثناء تكرار النبيِّ ﷺ التّلاوة أوحى الله إليه ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ [القيامة: 17] يعني في صدرك فلا تنساه ﴿وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ﴾ فاستمع قرآنه، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: 19] هذا أثناء الوحي بالسورة، كما قال في سورة أخرى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [الأعلى: 7] فكان بعد ذلك إذا أُوحي إليه شيء من القرآن كان يستمع بكل إنصات ولم ينسَ منه حرفاً واحداً.
الإسلام توازن واعتدال وسعادة للإنسان:
ثمّ قال الله عز وجل بعد ذلك: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ﴾ [القيامة: 20] بعدما ذكر ﴿بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ [القيامة: 5] يُحب الإنسان بطبيعته أن يكون مُتحرِّراً من كلّ قيد بأن يتكلم لسانه كما يريد، وتنظر عينه كما تريد، وتسمع أذنه كما تريد.. لا، فهل يصح أن تأكل كلّ شيء كما تريد؟ هناك شيء مضرٌّ إذا زدت في الكمية أو أنقصت، وهناك طعام بنفسه ضار قليله وكثيره، كذلك في استعمال أعضائك وجوارحك ووقتك، فهناك استعمال ضار واستعمال نافع، فلم يأمرك الدين بشيء إلا لسعادتك ومنفعتك، وما نهاك عن شيء إلا لأن فيه مضرَّتك وإيذاءك، لكنك لا تستعمل عقلك، وهذا مثله كالذي يشرب السيجارة، فهل الذي يشربها يستعمل عقله؟
قصة طبيب لا ينفذ ما ينصح به
ذكر لنا أحدهم عن طبيب ألقى محاضرة عن أضرار التدخين، بأن التدخين يضر كذا كذا.. وبعد المحاضرة رآه أحد تلامذته يشرب سيجارة، فقال له: ما هذا يا أستاذ؟ قال له: أُرَوِّح عن نفسي.. فهذا عقله مُختلٌّ، ليس هو فقط، لكن هو وكل من يشرب سيجارة.. هذه السيجارة ما فائدتها؟ قال الله عز وجل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: 31] فإذا أكلت بالمقدار المطلوب فهذا يكون نافعاً، وإذا زدت يصير ضارَّاً، فالضّار يصبح حراماً، وكذلك في الشّراب، فكل ما يؤذيك سواء في كميته أو في حقيقته يصير حراماً، ماذا حرَّم الله عز وجل؟ الخمر، لماذا حرمها؟ الآن تستغيث أوروبا وأمريكا بسبب عواقب الخمر، ولماذا حرَّم المخدرات؟ قامت قيامة العلم [المقصود بـ”قامت قيامة العلم”: استنفر العلماء] على المخدرات، لكن الهوى يغلب العقل والعلم، أمّا الإيمان فإنه يغلب الهوى ويُناصر العلم والعقل، فنحن نفقد مُعلِّم الإيمان ومُربِّي النّفس ومُزكِّيها، الذي يجعلها نفساً لا تعشق ولا تطلب إلا الخير والنّافع، ولا تهجر ولا تترك إلّا المؤذي والضار، هذا هو الدين، وهذا هو العقل والفكر والنّجاح والسّعادة في دينك وفي دنياك، وعلى قدر فقهك وفهمك للدّين تكون سعادتك.
الإسلام يدعو للعمل واغتنام الوقت والبعد عن الإهمال والتفريط
لا تظن السعادة بكثرة المال، وإن كان المال مُسعِداً وشيئاً جيداً، ولذلك طلبه الأنبياء، وكان من دعاء النبيِّ ﷺ واستعاذته ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن الذل)) 6 ، لم يستعذ من الغنى، لكنه استعاذ من الفقر، ولذلك جعل أحد أركان الإسلام الخمسة الغنى والثروة، أركان الإسلام كم؟ أليست خمسة؟ ما الزكاة؟ يعني أن تصير غنياً سخيَّاً تشارك الفقراء في غناك وثروتك، هل جعل من أركان الإسلام الخمسة الفقر والتّسول والجوع والعُرِي؟ فهل من أركان الإسلام أن تكون فقيراً ومتسولاً وجائعاً وعرياناً لا تجد ثمن الدواء؟ لا؛ بل من أركان الإسلام أن تكون غنيّاً تطعم الجائع وتكسو العريان وتساعد المريض وتهيئ السكن لمن لا سكن له، هل هذه صفة الأغنياء أم الفقراء؟ فالغنى هو أحد أركان الإسلام الخمسة.. والفقر يأتي نتيجة لما عملتَ، فأنت بنفسك تجعل نفسك فقيراً.
والفقر له طريق وله أبواب تدخلها فتصل إليه، والغنى له طريق وله أبواب تدخلها فتصل إليه، فالغنى يكون بالعمل والعقل والأخلاق والوعي وعدم إضاعة الوقت، فكما قيل: “الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك”.
يُذكر عن الإمام الشافعي أو غيره قال: “جالست أهل الحكمة والتربية عشرين سنة” قالوا: ماذا استفدت منهم؟ قال: “استفدت منهم كلمتين وحكمتين، الأولى: “الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك” إذا لم تستعمله فيما يفيدك وفيما يسعدك وينفعك يذهب منك عمرك، ويُرمى في القمامة، والكلمة الثّانية: “ونفسك إن لم تشغلها في الخير” بصحبة أهل الخير ومجالس الخير والعلم والحكمة “إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشّرّ” والحقيقة فإن كل كلمة منهما تساوي أكواماً من الجواهر.
فالغنى له أسبابه والفقر له أسبابه، ومرض الجرَبُ له أسباب، ما سبب مرض الجرب؟ سبب مرض الجرب مصاحبة المصابين بالجرب، أليس كذلك؟ إذا أكلت معهم وشربت معهم وسهرت معهم ونمت معهم وذهبت معهم، ماذا يحدث في النهاية؟
وما سبب مرض السِّلِّ؟ صُحْبَةُ المصابين بالسِّلِّ، وما سبب الشَّقاء؟ صُحْبَةُ الأشقياء، وما سبب الفشل والخذلان؟ صحبة ومحبّة ومجالسة المخذولين، وكذلك العكس فما سبب السعادة؟ صحبة السعداء ومحبتهم ومجالسته، ولذلك قالوا
فجالس تقياً عالماً تنتفع به
فصحبة أهل الخير تُرجى وتُطلَبُ
وإيَّاك والفُسَّاق لا تصحبنَّهم
فقربهم يُعدي وهذا مُجرَّبُ
كما قيل طينٌ لاصقٌ أو مُؤثِّرٌ
كذا دودُ مرجٍ خُضرَةً منه يكسبُ
“كما قيل طينٌ لاصقٌ” فإذا مشيت في أرض طينٍ يلتصق الطين على قدميك، “كذا دودُ مرجٍ خُضرَةً منه يكسبُ” من أين أتى اللون الأخضر للدودة الخضراء؟ لأنها تعيش وتتغذَّى في الحشائش الخضراء.
قصة في حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم
فبعد أن ذكر الله عز وجل في السورة: ﴿بَلْ يُرِيْدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ﴾ [القيامة: 5] يظل فاجراً، ﴿أَمَامَهُ﴾ يعني في مستقبله، ويريد أن يبقى على حالِهِ فاجراً فاسقاً لا يُحلِّل ولا يُحرِّم، لا يؤثر فيه كلام ولا يوجد عنده أعمال ولا صحبة ولا مجالس العلم.. إلخ، فقال الله عز وجل: ﴿كلَّا﴾ يعني أيّها الإنسان انتهِ عن هذا التفكير وعن مداومة الفجور والفسق والجهل وصحبة الجهلة ومجالس الجهل، وعليك بمجالس العلم.
يُذكَر عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وكان من أصحاب رسول الله ﷺ، وهو في المدينة، بلغه حديث عند عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وهو في الشام، فهيّأ راحلته ليسافر من المدينة إلى الشّام ليسمع حديثاً واحداً، لو كان السّفر في الطائرة فسيصل في ساعة ونصف، أو في السّيارة فسيصل بأربعة وعشرين ساعة، أمَّا على الجمل كم يستغرق؟ شهراً كاملاً.
ومَن جابر بن عبد الله؟ من أصحاب رسول الله، وعبد الله بن أنيس كذلك من أصحاب رسول الله ﷺ، فهيؤوا له ناقته وركبها حتى وصل إلى الشام، واستدلَّ على بيت عبد الله بن أنيس، وطرق عليه الباب فخرج بعض أهل البيت وقال: “مَن؟” فأجاب: “جابر بن عبد الله”، فقيل له: “ماذا تريد؟” فقال: “عبد الله بن أنيس”، دخلوا عليه وقالوا له: “إن الطارق جابر بن عبد الله”، قال: “ابن عبد الله صاحب رسول الله”؟ قالوا: “لا ندري”، فلَمَّا خرج لاستقباله وإذا هو بصاحب رسول الله، فتعانقا وقبَّل كلٌّ منهما الآخر، فبعدما استقرا جالسين قال له: “خيراً إن شاء الله”، فقال له: “بلغني أنه يوجد حديث عندك فأتيت من المدينة إلى الشام لأسمعه وأستفيد منه”، انظروا كم كان للعلم شأن وقدر وتعظيم وتكريم!
الآن نهتم بالغناء والرقص وكرة القدم، لا يوجد مانع من الرياضة البدنية بشرط ألا يطول تفكيرنا في الكرة وفي القدمين، فيجب أن نفكّر ونستخدم عقولنا في الأمور الجوهرية التي بعثت العرب وجعلتهم ملوك العالم، ملوك العدل والعلم والتقدم والإنسانية، فنسأل الله أن يَرُدَّنا إلى الإسلام الحقيقي ردّاً جميلاً، وهذا يكون بكم أنتم، بأن يصلح كلّ واحد منكم نفسه، ويحيي بذكر الله قلبه، ويملأ بالعلم والحكمة عقله وفكره، ويكون في مجالس العلم والفقه والحكمة وذِكْرِ الله، فالطبّ يُنال في كلية الطب، والصيدلية بأساتذة الصيدلة وعن طريق علمائها وحكمائها ومربِّيها.. فنسأل الله أن يوفقنا.
فقال عبد الله بن أنيس: “لعل الذي تريده خيراً يا جابر بن عبد الله”، قال له: “سمعت أنّك تحفظ حديثاً في القصاص” ما القصاص؟ يعني محاكمة الله للإنسان على أعماله إن خيراً فخير وإن شرّاً فَشَرٌّ، “فجئت من المدينة لأجل أن أسمع منك هذا الحديث، فحدثني بما سمعت عن رسول الله ﷺ”.
فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((يُحشر الناس إلى الله يوم القيامة حُفاةً)) لا يوجد نعل ولا غيره، سواء كانت في الأرض حجارة أو شوك أو كانت وعرة ((حفاةً وعراةً)) من دون ملابس، قالت السيدة عائشة في حديث آخر مستفهمة: يا رسول الله النساء والرجال؟ قال: ((النساء والرجال)) فقالت: “واسوأتاه” 7 قال النبيُّ ﷺ: لا، ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُّغْنِيهِ﴾ 8 [عبس: 37] الرجل لا يُفكر في المرأة ولا المرأة تُفكر بالرّجل من هول ذلك اليوم، فهل أنت مؤمن بكلام النبيِّ ﷺ؟ في الشهادة نقول: “وأشهد أن محمداً رسول الله”، ما معنى الشهادة؟ أن تؤمن بكلامه، وإذا آمنت بكلامه فهل تستطيع أن تعصي الله طرفة عين؟ فإيماننا مريض والطبيب صار كالمفقود، والصّيدلية مليئة، لكن لا يوجد صيدلي يعطيك الدواء بالمقدار النافع والمحدد.
((يُحشر الناس يوم القيامة إلى الله حُفاةً عُراةً غُرْلاً)) غرلاً يعني ستعود الجلدة التي تقطع في الختان ((بُهْماً)) معنى بهماً يعني لا يوجد معك شيء، لا دولارات ولا نقود سورية ولا جنيه إسترليني ولا نقود يابانية ولا طُليانية ومن غير رُتَب ولا شهادات، مُجَرَّدٌ من كل شيء كان لك في الدنيا ممّا كان يعطيك القوة والعزة والكرامة، ثمّ يقول الله تعالى للإنسان: ((أنا الملك)) أنا الحاكم ((أنا الديَّان)) الذي يَدِين الناس بأعمالهم ويُجازي الصالحين بالأجر والثواب، والفجّار والأشرار بالقصاص وبالعقاب.
((لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخلها وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أَقُصَّه منه)) فلا يجوز أن تتعدى على شرير- ولو كان من أهل جهنم- بأن تأكل حقه أو تظلمه، ولو كان فاسقاً فهذا لا يجوز، فإن تعديت على حقه فهذا لا يجوز، وإن كنت مؤمناً صالحاً فلن تدخل الجنة حتى تؤدي الحق لصاحبه ولو كان من أهل النار، فلا يصح أن تعتدي عليه ولو كان تارك صلاة أو زانٍ، ففِسْقُهُ بينه وبين الله، فالله عز وجل يُحاكمه، أمَّا إن تعديت على حق من حقوقه المالية أو غير المالية فهذا لا يجوز.
((ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى يقُصَّهُ الله منه)) 9 فلمّا استمع جابر بن عبد الله الحديث عانق عبد الله بن أنيس وقبَّله وقال له: الحمد لله أن سفري لم يذهب سدى.
فأنتم الآن قد سمعتم الحديث فكم مشيتم من أجله؟ فهل سافرتم من أجل هذا الحديث سفر شهر؟ هكذا كان تقديرهم لدينهم ولفقههم في الدّين وحرصهم على الزّيادة فيه مع أنّه كلاهما من أصحاب رسول الله ﷺ.
ضعف الإيمان يُميت الشعور بمراقبة الله تعالى
قال الله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ﴾ لماذا يستمر الإنسان في فجوره وفي فسوقه؟ لعدم إيمانه بالآخرة ولعدم إيمانه بالقيامة ولعدم إيمانه بأن الله سيحاسبه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسهُ﴾ [ق: 16] ماذا يعني توسوس به نفسه؟ يعني احذر، لا يكون في نيتك دغل أو غش أو كذب أو خيانة أو مكر أو خديعة أو رياء، وليكن باطنك وظاهرك سواء، وليكن كلامك صادقاً بلسانك وقلبك، وليكن حبك لمن يُحَبُّ بلسانك وقلبك وبظاهرك وباطنك، فلا تنوي سوءاً لإنسان، ولا تنوي شراً على إنسان، هذا معنى: ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسهُ﴾، فالذي تُضمره من السوء أو الشيء المعيب وتُخفيه عن الناس حياءً منهم وخجلاً، لإيمانك بأنهم إذا اطلعوا عليك نقص قَدْرُكَ في نظرهم، أفلا تخجل من الله؟ وهل أنت مؤمن بأنّ الله موجود؟ وهل أنت مؤمن بأنّ الله مُطَّلِعٌ على سريرتك ونواياك وخفايا صدرك؟ وإذا علمت أنّ الله مُطَّلِعٌ فهل استحييت منه؟ وهل خِفت أن يسألك عنه؟ وهو يقول لك: ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ﴾.
ويقول الله تعالى أيضاً: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ﴾ [ق: 17] أيضاً هناك معك ملكان؛ مخابرات إلهية، [“مخابرات” بالعامية السورية تعني رجال الأمن، وهم أشد قوة من الشرطة] فالمخابرات البشرية تراهم في الشارع ربما تعرفهم أو لا تعرفهم، أمَّا مخابرات الله فلا يُرَوْنَ ولا يفارقونك إلّا عند الجماع والغائط فيبتعدون عنك، أمَّا في طعامك وشرابك وسَمَرِك وعندما تتكلم بالكلام الفارغ أو الغيبة أو النميمة أو الرذائل أو الحقد، وقد قال الله تعالى عن نفسه: ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسهُ﴾، وقال أيضاً عن الملائكة: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ﴾ فالكلمة التي تخرج تُسجِّلُها الملائكة مباشرةً ﴿عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18] رقيبٌ: ينتظر ويراقبك، وعتيدٌ: حاضرٌ لا يغيب، فهل أنت مؤمن بالقرآن؟ وهل آمنت بهذه الآيات؟ لو آمنت بأن هذه “السُّكَّرة” مسمومة [“السُّكَّرة” في اللهجة الدمشقية قطعة حلوى صغيرة مُغَلَّفَة مصنوعة من السُّكَّر، ويشير الشيخ إليها] فهل إيمانك يجعلك تستعملها أو تضعها في فمك؟
فالإيمان الحقيقي هو الذي يدفعك إلى العمل الصالح ويمنعك من العمل الفاسد، فإذا كنت لا تمتنع عن السيئات ولا تسارع بالخيرات فأنت لست مؤمناً إلا باللسان ولست مؤمنَ القلب، قال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُم﴾ [المائدة: 41] هؤلاء الذين قال الله عنهم: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ [البقرة: 10] فالمريض يجب أن يبحث عن الطبيب، وما أقلَّ الأطباء وما أندرهم! ولو رأيتهم، فالطبيب يضع لافتة وعنده شهادة، أمَّا طبيب القلوب وطبيب النفوس وطبيب الإيمان فهذا أندر وأندر من النادر، واللهِ إنّ قيمته أعظمُ من قيمة مُنقذ الغريق من أعماق البحار، فهذا إذا عالجه ساعة أو نصف ساعة يُخلِّص جسده من عذاب الموت، أمَّا موت القلب فأمره لا ينتهي بنصف ساعة ولا بساعة ولا بيوم، يُخشى أن يقع في العذاب الأبدي السرمدي، قال الله تعالى عن الذي لا يُفكر بالقيامة ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ﴾ [القيامة: 6] فيقول: “أرونا إياها” تكذيباً وفجوراً وإلحاداً وإنكاراً ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الملك: 25].
تفاهة الدنيا أمام الآخرة
فقال الله تعالى لهم: ﴿كَلَّا﴾ يعني ارتدعوا عن جهلكم وجاهليتكم، فهذه حقيقة يقولها ربّ العالمين خالق الكون، والذي خلقك من نطفة، فهل أنت الآن خصيم مبين؟
﴿بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ﴾ [القيامة: 20] تؤثر لذائذك المؤقتة الفانية الزّائلة ﴿وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ﴾ [القيامة: 21] الباقية الخالدة، يقول النبيُّ ﷺ: ((ما شبّهت الدنيا بالنسبة للآخرة)) يعني نعيمهم ((إلا كمثل رجلٍ وضع إبرته في بحرٍ ورفعها، فما عَلِقَ في الإبرة من ماء البحر هو دنياكم)) 10 أيهما أكثر ما علق في الإبرة أم ما بقي في البحر من المياه؟ فالذي يتمسك بما في رأس الإبرة من الماء ويترك البحر المحيط فهل هذا يمتلك عقلاً؟ وإذا أعطاه البحر المحيط فهل يقول الله عز وجل له: اترك الدنيا؟ يقول له: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77]، وقال أيضاً: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ يعني استعملوا عقولكم، وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُوَنَ﴾ يعني استعملوا تفكيركم، وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ﴾ يعني اعتبروا بمن أخطأ قبلكم كيف كانت عاقبته، وبمن مشى على الصراط المستقيم كيف كانت سعادته!
الشقاء قي قصر الجهد على الدنيا والجهل بأمر الآخرة
فالإسلام يُثير فيك كلّ القوى لتُحقِّق سعادتك وتُجَنِّبك شِقوَتك في الدّنيا وفي الآخرة، فنحتاج إلى الطبيب المعلِّم الحكيم، فإذا كان من أجل حديث واحد، سافر صحابيٌّ من الصحابة مسافة شهر، والآن الذي يذهب من أجل الكرة في الملاعب كم يمشي؟ وهل يوجد سقف إذا نزل مطر عليهم؟ وعندما يدخلون هل يدفعون مالاً؟ فلو كان الدفع للمسجد كم يدفعون؟ هل يدفع خمسة وعشرين ليرة؟ فلو أوجبنا عليكم أن تدفعوا إلى المسجد خمسة وعشرين أو خمسين ماذا تفعلون؟ [خمسون ليرة سورية كانت تساوي حينها دولاراً أمريكياً واحداً] كم واحد سيأتي إلى المسجد؟ وماذا ستتكلمون عن الشيخ؟ فهل أحدٌ يتكلم على لاعبي الرياضة؟ والمطر يهطل! سبحان الله! فهؤلاء في الأشياء الزائلة واللعب واللهو هكذا يبذلون وهكذا يُقدِّرُون.
فطبيب الجسد الذي يزيل من عينك المياه الزرقاء حتى ترى الجسر وتُفرِّق بين السيارة وبين الحمار، وطبيب القلب الذي يُفتِّحُ لك عين قلبك حتى تُميِّز بين سعادة الأبد وبين شقاء الأبد، فهل تُقَدِّر هذا كما تُقَدِّر ذاك؟ فنسأل الله أن يُوقظنا من نوم الغفلة وموت القلب، قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].
﴿كَلَّا﴾ يعني ارتدعوا عن جهلكم وعن إنكاركم للقيامة، والذي يدفعكم إلى ذلك أنكم كالأطفال الذين يحبون العاجلة، فالولد الصغير إذا أعطيته قطعة شوكولا وأعطيته شكَّاً بمئة ألف دولار أيّهما يأخذ؟ وإذا قلت له: خُذِ الشَّك فهذا أفضل لك، فهل يقبل؟ فهل عدم قبوله قائم على العلم وتقدير الأمور بحقائها أم على منتهى الجهل؟ فيريد العاجلة، فهذه مباشرة يضعها في فمه وتلك لا يفهمها ولا يفهم أبعادها، هكذا الإنسان بالنسبة للدنيا والآخرة، مع أنه- واللهِ يا بُني- من عرف الدّين بحقيقته وطبَّقه بكل واجباته- واللهِ- لَيَسعد في الدنيا قبل الآخرة؛ بالغنى والعِزِّ والمجد والكرامة، هكذا قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل: 30] وقال الله تعالى عن سيدنا إبراهيم: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: 27] فهل أعطى الله للنبيِّ أجره في الدنيا أم في الآخرة؟ وهل أعطاه في الآخرة ولم يعطه في الدنيا؟ لم يخرج من الدنيا إلا وهو مَلِكُ الجزيرة العربية، ووضع المخطط لتمتد الجزيرة العربية حتى تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، وفي أقل من مئة سنة وصلوا إلى باريس وإلى بكين.
مبادئ الإسلام العظيمة كفيلة في تحقيق سعادة الدنيا والآخرة:
العرب- مع احترامنا لهم وإخلاصهم- إلى الآن لم يستطيعوا تحرير فلسطين خلال خمسين سنة، أما- واللهِ العظيم- لو نفقه الإسلام لتغير الحال، والحقّ علينا نحن المشايخ، فنحن غير أكفاء لنؤدي هذا الواجب بأن نبني الإنسان المسلم في عقله وفكره وهِمَّته ومعرفته بشؤون الحياة.
﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ﴾ إن أحببت الدّنيا فهذا لا بأس به، لكن بشرط ألّا تترك الآخرة، أمَّا أن تفعل كحال الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ﴾ فهذا المذموم، أمَّا الممدوح كما قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
هل يوجد أحد يستطيع رفض هذا المبدأ؟ وهل هناك أحد يستطيع أن يقول هذا لا ينفع أو هذا رجعيٌّ أو هذا جامد؟ لكن نسأل الله أن يهيئ للمساجد الأئمة الذين يُحيُون المساجد.
العرض الصحيح للدين يُعطي قابلية من قبل الناس جميعاً:
يتراكض المسلمون ويتسابقون إلى بناء المساجد، ويُشكَرون على ذلك، فعندما يَصِلون إلى السقف والجدران ينتهي عملهم، أمَّا أن يبحثوا عن الإمام الذي يُحيي المسجد ويجعل منه روحاً تُحيي كلّ من يدخله، فيجعل منه الإنسان السّعيد النّاجح القوي الغني العاقل الحكيم الموفّق، فهذا الذي لا يُفكّرون فيه؛ لأنّهم لا يعرفونه، فنسأل الله أن يُهيِّئ، فهذا دعاء والدعاء لوحده لا يكفي، لكن مع الدعاء نحتاج إلى سعيٍ، فعلى كلّ واحد منكم صغيراً أو كبيراً أن يعمل بأداء هذا الواجب، فما تعلَّمه يُعلِّمه لغيره، فعلى الطفل أن يُعلِّم الطفل، وعلى المرأة أن تُعلِّم المرأة، والجارة تُعلِّم جارتها، وبالحكمة والموعظة الحسنة.. وكما قلت لكم وأكرر: ما رأيتُ في حياتي وفي كلّ أسفاري من اليابان إلى أمريكا رجلاً رفض الدّين، وما رأيت إنساناً لا يقبل الدين، لكن [إن عُرِض عليه] بالحكمة، فتين الصبَّار إذا كان في البراد ومُنَقَّى [من الشوك] فهل هناك أحد يرفضه؟ وإذا أردت أن تضعه بشوكه في فمه فهل يقبله؟ والخاروف المحشو [الخاروف يُحشى عادة بالرز الفاخر والمكسرات، وهو من أرقى موائد الأغنياء والزعماء] الذي يخرج من مطعم الأمراء، فهل هناك جائع يرفضه؟ وإذا كان الخاروف مطهيّاً بجلده وأمعائه [وأوساخه] وبطنه وقرونه وأظلافه فهل أحد يأكله؟ ماذا اسمه؟ فهذا خاروف محشو وهذا خاروف أيضاً.
الدعوة إلى الله عمل كل مسلم:
فنسأل الله عز وجل أن يهيئ للمساجد الإمام، وأن يجعلنا للمتقين إماماً، فكونوا أئمة، وليس المراد بالإمام أن تكون إمام مسجد، يعني قدوة؛ سواء مع جيرانك أو مع أصحابك أو في سهرك أو في الحافلة، فأينما كنت ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ﴾ [النحل: 125]، ما الحكمة؟ الإقناع بحسب القابلية العقلية التي يقبل فيها الكلام، ﴿وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125]: بأن تُرَغِّبُه في هذا العمل، فتُبيِّنُ له عواقبه النافعة له، وتُبيِّن له عواقب الحرام الضارة، ويكون ذلك بالأسلوب المناسب والتواضع وبشاشة الوجه وحنان الطبيب الحكيم على المريض الخَطِر، يقول النبيُّ ﷺ: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) 11 فإذا هدى الله تعالى على يدكَ واحداً بأن كان أباكَ أو عمّك أو أخاك أو ابنك، أو هدى الله على يدكِ واحدةً إن كانت جارتكِ أو قريبتكِ أو كنَّتكِ أو حماتكِ، [فهذا خير لك من الدنيا وما فيها]، اللهم اجعلنا هادين مَهديِّين.
مبادئ الإسلام الحكيمة تجعل مُنصفي العالم يقدّمون لها الاحترام:
فهل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة؟ لا، بل نريد الآخرة مع الدنيا ونريد الدنيا مع الآخرة، وهذا تطبيقاً للقرآن ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ ومع حديث النبيِّ ﷺ ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته)) 12 و((اليد العليا خير من اليد السفلى)) 13 هل هذا دين يا بُنَيّ! هذا الاقتصاد والغنى والسعادة والعز والمجد.
كنت في أمريكا في مؤتمر وبعد أن ألقيت المحاضرة في المؤتمر زارني رهبان بوذيون، وعندما دخلوا غرفتي دخلوا ساجدين، سجدوا مع أنّ سجود الإنسان للإنسان حرام، لكنّ في دينهم يجوز ذلك، قلت لهم: “هذا حرام في ديننا”، الخلاصة: بعد أن انقضى المجلس لم يخرجوا مديرين ظهورهم [مدبرين] إلى الداعي إلى الله، بل رجعوا القهقرى، هؤلاء بوذيون!
وهكذا رؤساء الأديان في كلّ العالم، حيث لم يكن الموقف معهم أقل من هذا، وهكذا مع عظماء رجال الدّولة والسياسة في العالم الغربي والشرقي، الشيوعي والرأسمالي، فما كان استقبالهم للإسلام بأقل من هذا، فالعبرة ليست بطراز الطائرة فقط “البوينغ” لكن العبرة أيضاً في الطيَّار، فالطائرة ماذا تحتاج؟ فإذا أتينا بسائق عربة البغال ليقود الطائرة نكون قد ظلمنا الطائرة المسكينة! أتى بكيس التبن وملأ خزان الوقود تِبْنَاً، وسيقودها بالسياط والعصا، فكسَّر الزجاج، وصار يلعنها ويلعن من اخترعها، ويقول: العربة تمشي معي وهذه لا تمشي.. فاستنتج أن في صنعها غلط، فهل صنعها غلط أم عقله غلط؟ فقد نعى الله عز وجل على من يحب الدنيا ويذر الآخرة، ودعا إلى العمل للدنيا مع الآخرة.
الدار الآخرة دار سعادة للمؤمن وشقاء للكافر:
وماذا يكون المصير في الآخرة؟ ﴿وُجُوهٌ يَوَمئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ [القيامة: 22] يعني مشرقةٌ مُنوَّرة لَمَّا ترى رضا الله ومغفرته ونعيمه ﴿وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24] فكيف يظهر الفرح والسرور الذي في قلبهم على وجوههم ﴿وُجُوهٌ يَّومَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ﴾ كيف الفجر لَمَّا يُسفر ويضيء ينقلب الظلام إلى نور، وهكذا وجوه المؤمنين الصادقين الذين حوَّلوا القرآن من كلمات إلى أعمال وصفات ﴿وُجُوهٌ يَّومَئِذٍ مُّسْفِرِةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ [عبس: 39] وقال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾ مُنَعَّمة ﴿لِسَعْيِهَا﴾ لِعَمَلِها التي عملته في الدنيا والمكافأة والثواب ﴿رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيْهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية: 11] هل هذه أفضل أم حال من ذكرهم الله عز وجل؟ ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَام﴾ [الرحمن: 41] يُمسكونه من رجليه ومن شعر رأسه ويكبكبوه ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)﴾ [الشعراء: 97].
في هذه السّاعة يعترف، لكن بعد ماذا؟ فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا اليقظة حين تنفعنا اليقظة في الحياة قبل الموت.
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ﴾ ما معنى ناضرة؟ مُضِيئةٌ مُشرِقةٌ ضاحكةٌ مستبشرةٌ ﴿ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)﴾ [عبس: 39-42] فالقيامة ليست بعيدة، لعلَّ بعضكم تقوم قيامته بعد سنة، والثاني بعد ستة أشهر، والآخر بعد خمس سنين، فالقيامة غير بعيدة، أقصد القيامة الخاصة، أما القيامة الكبيرة فماذا تُفيدنا، وماذا تضرُّنا إذا الله تعالى ختم لك بالإيمان، وقامت القيامة بأن ذهبت الجبال ونُسفت الدنيا وصارت هباءاً منثوراً؟ فلا يضرُّك إذا كان الله راضياً عنك، المهم قيامتك الخاصة، كم بينك وبين قيامتك الخاصة؟ فمهما طالت عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين لا بد أن تقع، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الاستعداد وأن نتزود في المدة الباقية لعمر الأبد وسعادة الأبد.
تدرس عشرين سنة من أجل الشهادة ومن أجل مستقبلك الزائل المؤقت الفاني، ومستقبلك الباقي الذي لا يفنى ماذا تعمل له؟ هذا دليل على ضعف إيمانك أو فقد إيمانك لا سمح الله.
أعظم جزاء للمؤمن رؤية الله تعالى في الدار الآخرة:
﴿وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: ((إنكم سترون ربكم عياناً يوم القيامة، هل تُضارُّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما حجاب))؟ إذا كانت الشمس ساطعة وكذلك القمر ولا يوجد في السماء غيوم فهل تَشُكُّون في رؤيتهم؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: ((هكذا ترون ربكم يوم القيامة)) 14 .
وقال ﷺ: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم: فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)) 15 وهي الزيادة التي ذكرها الله في القرآن ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى﴾ وهي الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26] ما الزيادة؟ هي النظر إلى وجه الله الكريم، ويقول في حديث آخر: ((إن أدنى أهل الجنة منزلةً عند الله عز وجل من ينظر في ملكه ألفي سنة)) يعني مهما كان أحدهم إقطاعياً [عنده أراض كثيرة] في الدنيا فكم يملك؟
((أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر ألفي سنة في ملكه وخدمه ونعيمه، وإن أعلاهم منزلةً من ينظر إلى وجه الله كل يوم مرتين، كل مقدار غُدوة وعشيَّة)) 16 المقصود مقدار الصباح، لأنّ هناك لا يوجد ليل ونهار، لكن مقدار يوم وليلة، ففي الصباح ينظر إلى وجه الله ومساءاً ينظر إلى وجه الله ﴿وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ نسأل الله أن يجعلنا الله منهم، وأن يَغُضَّ نظرنا عن محارم الله، سواء نظر العيون أو نظر النّفوس، ويُقنِّعنا بما آتانا، ويُوقِفنا عند حدوده، ويُوفِّقنا إلى مرضاته، ويجعلنا من المسارعين ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
مُلْحَق
وفاء الشيخ رحمه الله لإخوانه وأحبابه
[أُخبِر الشيخ في هذه اللحظة بوفاة الأخت أم حسن، فقال:] كان عندنا المساعدة في البيت أم حسن توفيت الآن، رحمها الله وغفر الله لنا ولها، كان حبّ هذه المرأة يشبه حُبَّ الصحابيات، حُبٌّ عارم بلا حدود وخدمة وتفانٍ بلا حدود، فرضي الله عنها وأرضاها، أنا أعدُّها من عائلة الشّيخ في الدنيا إن شاء الله وفي الدار الآخرة، سنصلي عليها الآن صلاة الغائب.. هذا أمر.
والأمر الثاني هناك خديجة الدرة بنت الشيخ عبد الجليل الدرة، والشيخ عبد الجليل أعرفه كان من كبار علماء دمشق، نشاركها في التهليلة، ونشارك الشيخ عبد الجليل رحمة الله عليه.
قصة في حكمة الشيخ في الرد على الأسئلة
اجتمعنا عند شكري القوتلي في مجلس، وصار حوار بيني وبين بطرك الكاثوليك في الجلسة بحضور كلّ المشايخ في ذلك الوقت وحضور رابطة العلماء رحمة الله علينا وعليهم، وصار هناك إشكال، فالتفت شكري القوتلي سائلاً: من يتكلم؟ ومن التقديرات أني تكلمت، [يسأل الشيخ:] هل كنت معنا شيخ رجب؟ لم تكن.
وكان الكلام بفضل الله وكرمه ما جعل البطرك في موقف السمع والانقياد، وكان الشّيخ أبو الخير الميداني والشيخ الكتاني وكل المشايخ وكان التصفيق وكذا، إلخ.. ولَمَّا خرجنا قال لي شكري القوتلي: بيّضت وجهنا بيّض الله وجهك، وعانقني الشيخ عبد الجليل رحمة الله عليه وقبَّلني، فنشاركه أيضاً في التهليلة.
وأيضاً أحد إخوانكم صلاح بغدادي مريض شفاه الله وعافاه.
دعوة الشيخ لإتمام بناء جامع أبي النور وتبرعه بأرض لتوسعة الجامع
بقي موضوع تكملة توسعة الجامع، تكلمت معكم الجمعة الماضية بأنه يجب أن نُنهيها قبل الشتاء، فعندنا أربع طوابق يقومون بكسوتهم الآن، والطّابق الخامس سنكمله إن شاء الله بناء وكسوةً، فتكلمت الجمعة الماضية فأتت إحدى الأخوات بخمسين ألف وقالت: بأن نقرأ التهليلة على روح أمها خديجة بنت الشيخ عبد الجليل، فنريد هِمَّتكم جميعاً، والذي ليس لديه يُحرِّضُ الآخرين، فهناك أناس كثيرون طيبون وأغنياء يحبون فعل الخير ويحبون أن يَرَوْا الشيء بأعينهم، فنحن الآن عندنا هذه التوسعة، وأنا عندي أرض تساوي خمسة وعشرين مليوناً وهبتها للجامع ليكون امتداداً لمصلحة الجامع إذا شاء الله، أيضاً هذا سنبنيه، فالذي يتبرع معنا لتكميله جزاه الله خيراً، لكن الآن قبل كل شيء نريد أن نكمل خمس طوابق، فقد أكملنا طابقين وبقي ثلاث طوابق: كسوتهم وفرشهم وكل المتممات، وكذلك نحتاج لأجهزة تلفزيون، من الممكن أن يكون عددهم عشرة أجهزة أو قريب من ذلك، فلجنة الجامع تعرف المقدار المطلوب، فالذي عنده استعداد فليتبرع والذي ليس لديه استعداد عليه أن يحض على ذلك، قال تعالى: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ﴾ [الماعون: 3] والساعي في الخير كفاعله، وفاعله في الجنة.
الآن نقرأ التهليلة على أرواح من ذكرنا، وبعد التهليلة نُصلِّي صلاة الغائب على روح أم حسن، وأم حسن أعتبرها من عائلة الشيخ رحمة الله عليها وغفر الله لنا ولها ورضي الله عنها؛ لأن الواقع كان حُبُّها كحُبِّ أصحاب رسول الله، وهنيئاً للذي يموت في حياة الشيخ ويكسب تزكية الشيخ وثناءه عليه، ثبتكم الله وزادكم على ما أنتم عليه إيماناً وتقوى ومن خيرات الدنيا والآخرة.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- متفق عليه، صحيح البخاري، عن معاوية، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين رقم: (71)، (1/ 25). صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، (2/ 719).
- تاريخ دمشق لابن عساكر عن يزيد بن زياد القرشي البصري، رقم: (8276)، (65/ 197). بلفظ: ((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه، ولكن يصيب منهما جميعاً)). وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (50).
- السنن الكبرى للنسائي، كتاب الوليمة، باب الأكل متكئا، رقم: (6743)، (4/ 171)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1452)، (2/ 167)، عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عَبْداً نَبِيّاً أو مَلِكاً نَبِيّاً فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عبداً نبياً»، قال: فما أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا.
- جزء من حديث: ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ. عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح مسلم، الرقم: 2588.
- متفق عليه، صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الجنائز، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (1491)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، رقم: (1069)، مسند أحمد، رقم: (9308)، (15/177)، بلفظ: ((أَنَّ الْحَسَنَ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَة)).
- سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في الاستعاذة، رقم: (1544)، (1/ 482)، سنن النسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الذلة، رقم: (5460)، (8/ 261)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8039)، (2/305)، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ)).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق: باب كيف الحشر، رقم: (6161)، (5/ 2391)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها: باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، رقم: (2859)، (4/2194)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)).
- سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة عبس، رقم: (3332)، (4/ 432)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بلفظ: ((تحشرون حفاة عراة غرلاً فقالت امرأة أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال يا فلانة: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُّغْنِيهِ﴾.
ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أنس أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كيف يحشر الناس؟ قال: "حفاة عراة". قالت: واسوأتاه! قال: إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثيابك أو لا قالت: وأي آية هي؟ قال :لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.. الدر المنثور السيوطي: (255/15). - مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (16085)، (3/495)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: بلغني حديثٌ عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريتُ بعيرًا، ثم شَدَدْتُ عليه رَحْلي، فَسِرْتُ إليه شهرا، حتَى قَدِمتُ عليه الشَّام فإذا عبد الله بن أُنيس، فقُلت للبوَّاب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يَطَأُ ثوبه فَاعْتَنَقَنِي، وَاعْتَنَقْتُهُ، فقلت: حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القِصَاص، فخشيتُ أن تموت، أو أموت قبل أنْ أسْمَعَه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحْشَرُ الناسُ يوم القيامة -أو قال: العباد- عُراةً غُرْلًا بُهْمًا» قال: قلنا: وما بُهْمًا؟ قال: «ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يَسْمَعُه مَن بَعُدَ كما يسمعه مَن قَرُبَ: أنَا الملك، أنا الدَيَّان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النارَ، وله عِنْد أحد من أهل الجنة حقٌّ، حتى أَقُصَّه منه، ولا ينبغي لأحد مِنْ أهل الجنَّة أَن يَدْخُل الجنَّةَ، وِلَأحَد مِن أهْل النَّار عِنْدَه حقٌّ، حتى أقصَّه منه، حتَّى اللَّطْمَة» قال: قلنا: كيف، وإِنَّا إِنَّما نَأْتِي اللهَ عزَّ وجّلَّ عُراةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قال: بِالحَسَنَات والسيِّئَات.
- صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، رقم: (2858)، (4/2193)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18038)، (4/ 229)، عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه، بلفظ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟))
- الزهد والرقائق لابن المبارك، باب فضل ذكر اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رقم: (1375)، (1/ 484) بلفظ: عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا يُعَلِّمُ الدِّينَ قَالَ لَهُ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
- سبق تخريجه.
- صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غني، رقم: (1361، (2/518)، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}، رقم: (7000)، (6/2704)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم: (182)، (1/ 163)، سنن الدرامي، كتاب الرقاق، باب النظر إلى الله تعالى، رقم: (2801)، (2/419)، عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قالوا: "وهل ينظر أحدنا يوم القيامة إلى ربّه يا رسول الله؟" فقال: ((هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قالوا: لا، قال: ((هَكَذَا تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)).
- صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم: (181)، (1/163)، عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه.
- سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة القيامة، رقم: (3330)، (5/ 431)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (5317)، (2/64)، عَنْ ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما، بلفظ: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنةٍ يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظرُ في أزواجه وخدمه، وإن أفضلهم منزلةً لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين)).