تاريخ الدرس: 1994/07/08

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:28:53

سورة المزمل، الآيتان: 19-20 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّد، خاتم النّبيّين والمرسلين، والمبعوث رحمة لكلّ الشّعوب وللعالمين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعدُ:

فائدة الخلوة مع الله عزَّ وجلَّ

فنحن الآن في تفسير ما تبقى من سورة المزمّل، وهي من أوائل سور القرآن نزولاً، وكانت عقب عكوف واعتكاف سيدنا رسول الله ﷺ في غار حِراء، فظلَّ ﷺ يعتكف سنيناً، فكان يعتكف في كلّ سنة شهراً خلوةً مع الله وإجلاءً لمرآة قلبه وروحه من أن تتجه إلى غير الله عزَّ وجلَّ، فبهذا التوجه الإلهي النبوي الخاص انجلت مرآة بصيرته ومرآة روحه حتّى رأى روح القدس جبريل عليه السّلام وتلقّى منه الوحي مبتدئً بسورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1] ثمّ نزلت بعد ذلك سورة المزمّل عندما أصابته البرودة من اصطدام روح النبي ﷺ برؤية الملَك لأول مرة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: 2] فقيام الليل: خلوةٌ من نوعٍ آخر مع الله عز وجل، وتكون هذه الخلوة في كل مكان، فلا يشترط لها أن تكون في المغارات أو كهوف الجبال، بل المقصود والمهم أن تكونَ مع الله، لا إله إلا الله، فلا ترى من يستحقّ الوجود السّرمديَّ الأبديَّ إلّا الله، وأما الباقي فكما قال تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88]، وقوله أيضاً: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: 26] وأن تكون معاملتك مع الله عز وجل في كلّ شؤونك الجسديّة والمالّية والنفسيّة، فمعنى: “لا إله إلا الله” يعني: لا محبوب إلّا الله ولا مقصود قلبياً في كلّ شؤونك إلّا الله وإلّا رضاه.

فأنزل الله عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: 4] فكانت صلاة التّهجد- يعني الصّلاة في اللّيل- فريضةً على النبي ﷺ وعلى المسلمين، وكم مدَّة الصّلاة في اللّيل؟ قال: ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4] فنزل القرآن لتسمع كلام الله، فتسمعه من عظمته وقدسه وجلاله وكبريائه، وأنت أيُّ شيءٍ؟ فأنت لا شيء أمام من خَلَقَ كلَّ شيء، فتسمعه مع الحضور مع الله ومع عظمته ومحبَّته وخشيته وجلاله، بأن تجمّع كلَّ طاقاتك الفكرية والعاطفية والروحية مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: 79] فتصقل في هذا الحال روحك ونفسك وقلبك ويصرن مثل المرآة، فهذا التوجُّه إلى الله مع ذكره ومناجاته يجلو وينظِّف وجه المرآة، وبهذا التوجه تنعكس أنوار الله عزَّ وجلَّ وحكمته والكثير من العلوم حسب مشيئته في مرآة هذا الإنسان نبيّاً كان أو مؤمناً أو ولياً من أولياء الله عز وجل، فيصير علمه شهوديّاً.

فعندما كان النبي ﷺ يُخبِر عن الجنّة كان يخبر إخباراً شهودياً فيقول: “رأيت الجنة”، ويخبر عن النّار فيقول: “رأيت النار”، ويخبر عن العرش فيقول: “رأيت العرش”، ويخبر عن المعذبين فيقول: “رأيت المعذّبين”، وعن حساب يوم القيامة يقول: “رأيت الحساب”، فكان علمه من انعكاس هذه الحقائق في مرآة قلبه، وكان قيام الليل والتهجُّد فرضاً عليه وعلى المسلمين في حدود الثّلثين، أي يجب أن تكون مع الله مرتِّلاً للقرآن ثلثي الليل، وتستمع إلى الله فيحدّثك ويعلِّمك ويؤدِّبك ويُرشِدك إلى ما فيه سعادة الدّنيا والآخرة، وإلى ما فيه سعادة الجسد والرّوح، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص: 77] ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة: 201] فمن فقه الدّنيا ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: 67].

الاقتصاد في المعيشة

ومن جملة الفقه في أمور الدّنيا: ((الاقتصاد نصف المعيشة)) 1 ، يعني أنك تستطيع أن توفِّر من دخلك نصفه وتكتفي بالنّصف الآخر لتستعمل النّصف الأول في أمورٍ واجبة سواء لنفسك أو في عمل الخير، فقد كان النبي ﷺ يأخذ كسرة خبز تسقط من المائدة إلى التراب ويضعها على عينه ويقول: ((يا عائشة أكرمي مجاورة نعم الله، فإن النعمة إذا فرت قلما ترجع)) 2 ، ويلعق الصّحن بما تبقى فيه من بقايا قليلة.

فقد تمسّك المسلمون بحرفيّة النّص مع أن قطعة الخبز قد تتلوّث بالجراثيم، فقد يحمل قطعة الخبر ويترك الكهرباء والمصابيح مضاءة في النّهار، أليس واجباً أن نكرم مجاورة نعم الله؟ فهل يجوز أن نشغل المصابيح في النهار دون حاجة؟ فهل ثمن الكهرباء أكبر أم قطعة الخبز التي لا تصلح إلا للنمل؟ وهل لعق الصحن أكبر أم الذين يرمون الخبز واللحم والأرز في القمامة؟ وكذلك الأمر في البناء والإعمار واللباس والنفقات وفي كلّ شيء.

تطبيق الصحابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ

فالإسلام والقرآن يجعل الإنسان سعيداً في جسده وماله وعلمه وغضبه ومصائبه، فعند المصيبة كما قال ﷺ: ((من فقد إحدى كريمتيه -إحدى عينيه- فصبر واحتسب ضمنت له الجنة)) 3 ، فيخفف النبي ﷺ عنه ثقل المصيبة، فالله عزَّ وجلَّ يعزيك ولا يتركك في خطوة من خطوات الحياة ولا في أيِّ حادثة إن كان خيراً إلا ويعلّمك كيف تستعمله ليكون كلّه خيراً، وأما إن كان شراً فيعلِّمك كيف تجتنبه ولا تنهزم أمامه.

فقاموا الليل سنة كاملة، وفي كل ليلة عليهم أن يقوموا أقل شيء ثلث الليل، أو نصفه وهذا الوسط، أو ثلثيه وهذا الأكثر، ولم يكن عندهم ساعات لضبط الوقت، فكيف سيعرفون أنّهم أدوا الفرض بحسب ما حدّده القرآن؟ فكانوا يقومون الليل كلّه خشية ألا يقدّروا الوقت بدقة حتى انتفخت أقدامهم، وصارت الدّورة الدّموية من القيام تُتعِب القلب فلا يستطيع أن يسحب الدّم من القدمين، فانتفخت أقدامهم، واصفرَّت وجوههم، فهل قال أحدهم: لمَ؟ وهل قال أحدهم: كذا وكذا؟ لا؛ لأنّهم رزقوا ببركة صحبة ومحبّة سيّدنا رسول الله ﷺ وببركة الرّابطة الرّوحيّة معه ما لو أمروا لامتثلوا كما قال ابن الفارض

ولو قيل طَ النار والنار جمرةٌ لها لهبٌ ترمي الشّرارة كالقصر لما كان لمح البرق أسرع أن يُرى بأسرع منّي في امتثالي للأمر

﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ [المزمل: 3] فإن أتاهم الأمر بقيام الليل قاموا الليل كله، وكذلك إن أتاهم الأمر بقيام ثلثه أو ثلثيه قاموا، فمن خوفهم من المخالفة قاموا الليل كلَّه، فهل تأثرنا عندما نقرأ القرآن كما تأثَّروا؟ وهل ظهر فينا الامتثال كما ظهر فيهم؟ فهم زادوا في الامتثال خوفاً من التّقصير، فالمصلّي الآن قد يصلي قبل طلوع الشمس وقد لا يصلي إلا بعد طلوع الشمس، فأين صلاة التهجد؟

شروط المغفرة

يوجد من المسلمين اليوم من لا يصلّي أبداً ولا يصوم ويقول: “أنا مسلم!” فلو أصرّ على ترك الصلاة زمن النبي عليه الصلاة والسلام يُقتل، وإذا منع الزكاة يُحارب ويُحكم بردَّته، أين نحن وهم؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعفو عنّا، وأن يعفو عنا من غير توبة هذا لا يصير، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ [طه: 82] هل هذه فقط؟ ﴿وَآمَنَ [طه: 82] لا تكونوا كالذين ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة: 41] ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا [طه: 82] فقط؟ قال: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82] فعليه أن يطلب العلم والمعرفة والهداية إلى الصراط المستقيم، لكن صارت مدرسة المسلم في دينه أهواءه، وما يهواه هو دينه، وما تشتهيه نفسه هو إلهه، كما قال تعالى: ﴿اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية: 23] ونحن نسيء إلى سمعة الإسلام بانتسابنا إليه، وإلّا فالإسلام بمعناه الحيّ هو الاستجابة لأوامر الله عز وجل، فمن استجاب لأوامر الله فهو مسلم، ومن لم يستجب وهو يدَّعي الإسلام فهو منافقٌ، ومن لم يستجب وهو يجحد الإسلام فهو كافرٌ، نسأل الله أن يعفو عنا، والعفو يحتاج إلى عمل وليس إلى دعاء فقط، فإذا نزل أحدهم في النجاسة وازداد نزولاً فيها وهو يقول: “اللهم طهرني، اللهم عَطِّرني” فهل يستجيب الله دعاءه؟

قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55] قال بعض المفسرين: المقصود بالاعتداء ما كان في الدعاء، والاعتداء في الدّعاء: أن تطلب وتدعو الله بشيء وتترك الأسباب التي توصلك إلى ذلك الشيء، بأن تقول: “اللهم ارزقني ولداً”، ولم تنوِ الزّواج، أو أن تقول: “اللهم انصرنا على القوم الكافرين” ولا تفعل شيئاً، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج: 40]، وقال أيضاً: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] فإذا لم تنصر دين الله وما أعددت ما استطعت من قوة، وقلت: “اللهم انصرني” فأنت معتدٍ في الدعاء فلا يستجيب الله لك، والمعنى موضَّحٌ في آية أخرى، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] فهم يطلبون مني طلباً وأنا أطلب منهم طلباً ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة: 186] أي إذا ناديتهم ودعوتهم وطلبت منهم فليستجيبوا لطلبي لأستجيب لطلبهم، هذا الفقه في الدين، والفقه في كتاب الله المشروح بسنة رسول الله ﷺ قد حُرِمه السّواد الأعظم من المسلمين إلا من رحم الله.

أثر قيام الليل على الصحابة رضي الله عنهم

فقد وقع المسلمون في مشقة وحرج، وكانوا لا ينامون الليل شوقاً إلى الله وذكراً له وإقبالاً عليه، وفناءً في محبة رسول الله ﷺ، فلو أمرهم الله عزَّ وجلَّ أو رسوله ﷺ أن يقتلوا أنفسهم لفعلوه ونفَّذوه، ليس كحال بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: 66].

فلما شقَّ عليهم ذلك مدة سَنَةً، وقد وصلوا إلى علوم من المكاشفات ومن مقام الإحسان حتى صاروا كما قال عليه الصلاة والسلام: ((اعبد الله كأنك تراه)) 4 ، فإذا اقترب أحدهم من النّار فلا بدّ أن تسري فيه حرارتها ويظهر على وجهه وهجها ونورها، وكذلك ظهر فيهم بذلك القرب العلم والحكمة وتزكّت نفوسهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ تخفيفاً عنهم: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى أي أقلَّ ﴿مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل: 20] فأنتم لا تستطيعون أن تقدّروا مقادير الثلثين والثلث ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لا تستطيعون أن تضبطوا الحساب وإحصاءً كاملاً ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ [المزمل: 20] عفا عنكم، فهم قد قاموا الليل كلّه وعفا عنهم، وإذا كان يترك الصّلاة كلَّ عمره فماذا سيفعل الله به؟ يدّعي ويقول: سأدخل الجنة وأركل باب الجنة برجلي.. فهذه جرأة على الله وأمنٌ مِن مَكْرْهِ وبعدٌ عن دينه، والسّبب في ذلك: بعده عن المعلم والمربي، قال ﷺ: ((طلب العلم فريضة)) 5 . ماذا يعني طلب العلم؟ أي من المعلّم، وعلى المسلم طلب الحكمة، ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ الحكمة هي معرفة الأسباب والمسبّبات ﴿وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة: 129] ففرضٌ على كل مسلم أن يفتِّش عن الذي يعلِّمه الكتاب، المقصود به فقه القرآن المشروح بسنة رسول الله ﷺ، ويفتِّش عن الحكيم ليتعلَّم الحكمة حتى يكون مصيباً في أقواله إذا قال، وفي أعماله إذا عمل.

وكم يقع اليوم المسلمون من زعماء ورجال دين وإسلاميين في أخطاءٍ قاتلة لأنفسهم وللمسلمين وللإسلام، فهل هذا إسلامٌ؟ فالإسلام كلّه حكمة، والدّين كلّه حكمة، وقد قال الله عزَّ وجلَّ عن الأنبياء ورسالاتهم: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] قدَّم الحكمة، والحكمة تعقّل الأشياء بحقائقها ومعرفة ارتباط المسبَّبات بأسبابها، ويقولون في المثل: “يا معلم يا رئيس قبل أن تُفَصِّل قيس” أي قم بالقياس، وليس من غير قياس ومن غير أن يكون عندك متر تقص القماش، لذلك يصير الضّرر أكثر من النفع، والشر أكثر من الخير! ولماذا جعل الله للصّلاة مواقيت محددة؟ فلو صلينا الجمعة يوم الخميس لقول النبي ﷺ: ((بورك لأمتي في بكورها)) 6 ، “وخير البرِّ عاجله”، بأن تقول: فلنصلي يوم الخمس مسبقاً! فهل الدّين على مزاجك! فالحكمة تفرض عليك أن تبحث عن الحكيم الذي يعرف كيف يضع الأشياء في مواضعها، فالقبعة في الرأس والنعل في الرّجل، فإذا عكست الأمر فهل هذه حكمةٌ أم خلاف الحكمة؟ ولكن أخطر ما يكون إذا كان جاهلاً ويعتقد أنه حكيمٌ.

قصة عن الرجل الذي يعمل خلاف الحكمة

كمثال على ذلك قصة قد تكون رمزية، يقال: بأنّ أحدهم سمع أنّ من أكل السمك يوم الأربعاء وشرب اللبن ودخل الحمام يصبح مجنوناً، فقال: هذا الكلام غير صحيح، وسأجرِّب بنفسي وأثبت أن هذا الكلام غير صحيح، فذهب يوم الأربعاء فأكل السمك وشرب اللبن ودخل الحمام، وعندما انتهى خرج من الحمام عرياناً، وصار يمشي في السوق ويقول لهم: انظروا حتى تعرفوا أن هذا الكلام كذبٌ، فأنا في يوم الأربعاء أكلت السمك وشربت اللبن ودخلت الحمام وها أنا والحمد لله على سلامة العقل والدين! فهل يعرف المجنون نفسه أنّه مجنون؟ وهل يعرف الأحمق نفسه أنّه أحمق؟ نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحكمة.

معنى الحكمة

والحكمة: “معرفة ارتباط الأسباب بالمسبَّبات والأمور بحقائقها والعمل بمقتضى الحقيقة”، إن رأينا عقرباً نجتنبه، أو عسلاً فيه شفاء نتناوله، وهذا فرضٌ علينا أن نعمله.

ما معنى الرّسالة وما هي؟ هي فقه القرآن وأن تكون حكيماً وأن تتزكّى نفسك من نقائصها ورذائلها وشرورها وضعفها- فالإيمان كله قوة- وتتزكى من ذلها- فالإيمان كلُّه عزَّة- قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، وقال ﷺ: ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)) 7 ، فالإيمان غنىً وثروة وليس فقراً، وقد قال الله تعالى عن اليهود: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة: 61] فالذلَّة تسلُّط العدو والاستعمار، والمسكنة الفقر، وهل مَنّ الله عزَّ وجلَّ على نبيّه ﷺ بالفقر أم بالغنى؟ فهل قال له: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 8] أم قال له: ووجدك غنياً فأفقرك؟ وقال: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة: 28] عَيلَة: فقراً.. خافوا إذا استمسكوا بالإسلام أن يفتقروا ولا يأتي أحدٌ إلى الحج فيقاطع الناس مكة، فقال: لا تخافوا، وقال أيضاً في تعدد الزوجات: ﴿فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: 3] فذلك الاكتفاء بالواحدة سواء الحرَّة أو بملك اليمين ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء: 3] أقرب ألّا تكثر عيالكم وألا تفتقروا، فالإسلام كلُّه منطق ودراسة وعقل وأسباب ومسببات، وورد في الأثر: ((إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه)) 8 ، فالله بذاته إذا أراد أمراً يقول له: كن فيكون، ولكن لا يكون إلّا بعد أن يهيئ الأسباب، وهو قادر على كلّ شيء.. هذا هو الإسلام!

فنحن نعمل عكس الإسلام، مرَّةً دخل أحدهم على شيخنا رضي الله عنه -وشيخنا كان يعرف اللغة الكردية- فقال: “يا شيخي لم أرَ أسهل من تعلم اللغة الكردية”، قال: “كيف؟” قال: “لقد تعلَّمتها بنصف ساعة”، قال: كيف بنصف ساعة! وهي لغة مثل غيرها من اللغات فيها نحوها وصرفها ومفرداتها، فقال له: بنصف ساعة تعلَّمتها، بل بأقل، بخمس دقائق، فقال له: كيف؟ قال له: أعطاني أحدهم قاعدةً أن كل كلمة بالعربية أقرؤها مقلوبة تصبح كردية، فالجمل لمج، والخبز زبخ، والشاي ياش، وكان قد كتب مفرداتٍ وأشياءًا.. فضحك شيخنا كثيراً.

والآن نحن المسلمون نفهم الإسلام المعكوس، ولذلك جاءت النتائج معكوسة، يقول الله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] فهل الذين يدَّعون الإسلام ينتصرون أم ينهزمون؟ وهل يرتفعون أم ينخفضون؟ لمَ؟ لأنّهم فقدوا ثلث الإسلام الذي هو الحكمة، وكذلك نصف النّبوة، فالنبوة كما قال تعالى: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] فالحكم: الحكمة وبعد ذلك العلم، فالإسلام عقلٌ وعلم والعقل الحكيم والعلم الحقيقي الواقعي الصحيح المرتبط بالأسباب والمسببات، مع الارتباط بخالق الأسباب والمسببات، فهل يمكن أن يفشل في الحياة حامل هذه المعاني حين يمشي بضوء العلم الرباني مع العلم العقلاني ومع العلم بكلّ شيء يفيده ومع استجابته للحديث: ((طلب العلم فريضة)) 9 ؟

لذلك كان الجهاد في الإسلام في سبيل الله، وما سبيل الله الذي فُرِض الجهاد من أجله؟ سبيل الله هو تعلّم الكتاب والحكمة وتزكية النفس، فكان المسلمون يضحُّون بدمائهم وأرواحهم ليحرّروا الشّعوب من الاستعمار البيزنطي والفارسي، وليعلِّموا الشّعوب العلم والحكمة وليزكُّوا النّفوس ليس بالقهر والاستبداد إنّما بالحرية والاختيار، وهذا هو سبيل الله.

فنسأل الله أن يهيئ للمسلمين فقهاء القلب وفقهاء الحكمة وفقهاء كتاب الله عز وجل وسنَّته، ولا يمكن أن نستعيد عزّتنا وأداء واجباتنا نحو أنفسنا والإنسانية إلّا بالعودة إلى دستور الله وقانون السّماء الذي يكفل للإنسان سعادة الجسد والرّوح، وسعادة الأرض والسّماء.

قصة أبو الدحداح في تطبيقه للقرآن الكريم

فبعد أن مضت سنة في قيام الليل، وصُقِلت القلوب وتنظَّفت المرايا، وانعكست أنوار الله في قلوبهم، وصاروا أهلاً ليحملوا شهادة: ((حكماء علماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) 10 ، فالنبي هو الذي يبني أُمَّةً وشعباً، فبنوا شعوباً وأُمَماً -رضي الله عنهم وأرضاهم- فعند ذلك نسخ الله عزَّ وجلَّ قيام الليل بهذه الأوقات المحدّدة فقال: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل: 20] لا تستطيعون أن تحصوا الوقت بشكل صحيح ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20] فلكم قيام ثلث الليل أو نصفه أو أقل من ثلثه أو ربعه، حتى ولو ثماني ركعات أو ركعتين؛ لأنّ الطعام إذا طُهي لا يحتاج إلى النّار كثيراً، فإذا برد يسخن بنار قليلة.. فكانوا مع الله عز وجل بأحاسيسهم ومشاعرهم وأعمالهم، وكانوا يؤدّون ما أمر الله عز وجل على الوجه الأتم، وحين تنزل آيةٌ من القرآن يحوِّلونها مباشرةً من سماعٍ إلى يقين وإيمان وعلم وتعليم وعمل، ولمّا نزلت آية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] فانظر كيف كانوا يقرؤون القرآن؟ أتى صحابيٌّ اسمه أبو الدّحداح فقرأها، فما المقصود من هذه الآية؟ ونحن [مع الأسف] كل هدفنا من القرآن أن نقرأ، وإذا كنا نريد السماع فنريد أن يكون صوته جميلاً، وإذا كان صوته غير جميل لعل كثيراً منا لا يسمع أو نسمع ونحن نلغو، فأين أدب السماع وقد قال تعالى: ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: 204].

فأتى أبو الدحداح إلى النبي ﷺ، فقال: “يا رسول الله، يقول الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] وإن أحبَّ أموالي إليَّ حائط- بستان- اسمه بيرحاء فأُشهِدك أني قدَّمته في سبيل الله تضعه حيث شئت”، فقال عليه الصلاة والسلام له: ((أرى أن تضعه في أقاربك وأرحامك)) 11 ، وورد في الحديث: ((لا تقبل صدقة وفي أقاربك وأرحامك ذو حاجة)) 12 ، ((الأقربون أولى بالمعروف)) 13 .. وأنا برأيي- وأسأل الله أن أكون صائباً- بأن نصف الزكاة يجب أن تكون لبناء الإسلام وتجديده وفي المشاريع الإسلامية، ويُصرف النصف الآخر حسب ما ورد في الشريعة المطهَّرة، فذهب إلى البستان قائلاً لزوجته: “يا أم الدحداح لقد أقرضت ربي بستاني وجعلته صدقة”.. فهل ولولت أم الدحداح؟ فالآن المسلم إذا فعل هكذا سيقول له أولاده وأقاربه وجيرانه: لعب الشيخ بعقله وانجذب، فهل هذا الإسلام؟ ماذا قالت المرأة المسلمة؟ قالت: “ربح البيع ربح البيع”، وقد قال النبي ﷺ: ((كم من عرق ردّاح في الجنة لأبي الدحداح)) 14 .. فعوَّضه الله عزَّ وجلَّ عن بستانه ببستانٍ في الجنة.

ويقول النبي ﷺ: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)) 15 ، هذه شجرة فكيف إذا كان بستاناً؟! ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17].

الفهم المقلوب للدين

فنقرأ القرآن الآن مثل الذي يأتيه شيكٌ بأن يقبض من البنك مئة ألف فيأخذه ويقرأه في كل المجالس وهو جائعٌ وسيموت من جوعه، ويشعر بالبرد ولا يوجد عنده ثيابٌ ولا بيتٌ، لكنّه يفتخر في كل مجلس قارئاً: “ادفعوا لحامله مئة ألف دولار”، ماذا يسمون من يفعل هذا؟ عاقلٌ أم مجنون؟ فهل يقرأ المسلمون القرآن الكريم كما كان الصحابة يقرؤونه؟ وهل يستمعونه كما استمعوه؟ هذا كان من مدرسة قوله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: 2] إذا لم يكن هناك مجاهدةٌ للنفس ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت: 6] والآيتان في سورة العنكبوت، ونزلت سورة العنكبوت في مكة ولم يكن في مكة آنذاك جهادٌ، إذاً المقصود منه جهاد النفس، فالجهاد الأكبر جهاد النّفس والهوى.. فمن روَّض نفسك وعلَّمك الجهاد بعلمه وعمله وإخلاصه وصدقه وربانيَّته؟ فهل يمكن أن تتعلم اللغة الكردية على طريقة ذلك الذي تعلّم الكردية بقراءة الكلمة مقلوبة؟! فالآن كلُّ شيءٍ مناقض للإسلام يفهمه المسلمون أنّه إسلام، ولذلك نرى الفشل تلو الفشل، والهزائم تلو الهزائم، والهوان تلو الهوان، وفي الإسلام لا يوجد هوانٌ، فعندما كان النبي عليه الصلاة والسلام في مكّة ومات عمه أبو طالب وفقد الذي كان يحمي الدعوة ذهب إلى الطائف مستعيناً بزعمائها، ولم يطلب منهم إسلاماً وإيماناً إنّما طلب منهم حمايةً ومنعةً، وهذه حكمةٌ، ونحن مباشرة من ليلة العرس نريد ولداً له شوارب وعمره أربعين سنة ويكون رئيس وزارة، فالحشّاش لا يفعل ذلك، حتى أصبح الإسلام أضحوكة ومهزلة واشمئزازاً ومحارباً من الدّاخل ومن الخارج، وهذه النتائج، فلكل مقدمة نتائجها ولكل بذور ثمراته وحصاده، ونحن نخالف الحكمة ونخالف الإسلام، فإنّ الله عزَّ وجلَّ لن ينصرنا؛ لأننا نخالف حكمة الله عز وجل، وعندما ردّوه ولم يساعدوه، بلغ أهل مكة فغضبوا فمنعوه من دخول مكة، فطلب حماية وجوار المطعم بن عدي وهو مشركٌ، وهل يصح أن يستعين المسلم بالمشرك؟ أليس هناك حديث ((لا نستعين بالمشركين على المشركين)) 16 ، فهذا الحديث له زمانه ومكانه وإمكانه، فمثلاً يلبس أحدهم لباس الصيف في فصل الشتاء في شهر كانون الثاني [ديسمبر] ودرجة الحرارة خمسة تحت الصفر؛ مستدلاً بأنّ النبي ﷺ هكذا فعل، فالنبي ﷺ لبس هذا اللباس في شهر تموز وآب.. وضربتُ القميص لكم كمثال لذلك.

فكان عند المطعم بن عدي شهامة فخرج ومعه أبناؤه وجعلوا دائرةً حول النبي ﷺ ودخل مكة، فكيف يطلب النبي ﷺ حماية كافر! وقد قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ [الروم: 47] ينصرك إذا اتَّبعت حكمته وتعاليمه واتَّبعت سنة النبي ﷺ وطريقته في بناء الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وهل هناك ألعن من فرعون؟ مع أنّ موسى كليم الله وأخوه هارون نبي الله فقال الله لهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه: 44] هذه كلمة حق وقد قال النبي ﷺ: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) 17 ، وقد قال سيدنا موسى عليه السلام كلمة الحق أمام فرعون ذاك السلطان الجائر، لكن كيف كانت كلمة الحق التي قالها؟ فالله عزَّ وجلَّ هو الذي يعلمنا، فكأننا نقرأ القرآن بالتركية أو الإيطالية فلا نفهمه.

اللقاء الأول للشيخ أمين كفتارو مع شيخه

كان شيخنا رضي الله عنه من كبار العلماء ومن حفظة كتاب الله، فلمّا أكرمه الله بشيخ التربية والتزكية، كان يقول لنا: بمجرد المصافحة والتّوجه- وهي لحظات- رأيت روحي تعرج في السماء مع روح شيخي، وفي درجة معينة امتزجت الروحان كما يمتزج الحليب بالماء، ثم رجعتا فنزلتا في قالبهما الجسدي، فالتفت شيخه إلى شيخنا قائلاً له: يا ولدي هل رأيتَ كما رأيتُ؟ قال له: يا سيدي رأيت، لكن لا أعرف، قال له: قُل- وكان شيخه يتكلم الفصحى- قال: كذا وكذا، قال له: صحيح، وما حصل لمريدٍ قبلك كما حصل لك، ودخولك في الخلوة اختياريٌّ، فكان يقول لي رحمه الله: ما قمت من مجلس شيخي إلّا وقلبي مملوءٌ من محبة الله ويكاد يحترق من عشق الله، وكان يذكر الله بلا اختيار.. إلى آخره.

فقال له: عليك أن تترك كلَّ شيء وتشتغل بالذّكر فقط إلّا الفرائض والصلوات الخمس، فقال لي: كنت أرى شيخي خلال الأربعين يوماً وهو في بيته وأنا في بيتي وأسمع حديثه وأرى جلساءه ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)) 18 ، هذا من خدَّام النبي ﷺ بعد خمسة عشر قرناً، فكيف حال تلاميذ وأصحاب النبي ﷺ؟ وكيف حال مقام النّبوة؟ فهذه المدرسة التي نقلتهم كما قال: ((ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف بين قلوبكم؟ وضلالاً فهداكم الله بي؟)) 19 . فالإسلام نقلةٌ من الفقر إلى الغنى، ومن الضّعف إلى القوة، ومن الجهل إلى العلم، ومن اللا عقلانية إلى العقلانية، ولكن شوَّه المسلمون في الأعصر الأخيرة الإسلام بضعف الفهم وسوء القدوة، كما قال الشّاعر

طلع الدين مستغيثاً إلى الله وقال العباد قد ظلموني يتسمَّون بي وحقّك لا أعرف أحداً منهم ولا يعرفوني

وكلام الشّاعر ليس كله صحيحاً، لأن النبي ﷺ يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)) 20 .

الواجبات على حسب المسؤولية

نعود إلى الآية: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لا تستطيعون أن تحدّدوا الوقت الذي طلب منكم ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20]، ما تيسر على المتهجد، ولكن بقي التّهجد فريضةً، ثمّ عندما نضج المسلمون وبلغوا ما بلغوا من معرفة الله نُسِخَت كذلك فريضة التهجد إلى الصلوات الخمس، فعندما أتى الأعرابيُّ إلى النبي ﷺ وعلَّمه قال له: “هل عليّ غيرها؟” قال: ((لا إلا أن تَطَّوع)) 21 ، فما رأيكم بهذا الكلام وبهذه القصة؟ أليست حقاً؟ لكن يوجد عليها تعليق، فبالنسبة للبدوي ليس عليه غيرها، أمّا بالنسبة للداعي إلى الله، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] وقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: 31] لا يتساهل ولو قالوا نُسِخ، فبالنسبة للبدويِّ منسوخ أما الذي يريد أن يصبح من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، فعليه أن يعمل على حسب منطوق السّورة، فنسأل الله أن يجعلنا منهم بفضله وكرمه.

﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى [المزمل: 20] فالمريض لا يستطيع أن يقوم الليل ولا نصفه ولا ثلثه ولا ربعه ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: 20] فهؤلاء في النّهار عندهم تعب ومشاق، وفي الليل عندهم قيام كل الليل، فالطّاقة البشرية لا تتحمّل، لذلك نُسِخ الوجوب.

﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ يبذلون مهجهم وأرواحهم لكن ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل: 20] لأجل تعميم الثقافة الإلهية على الأرض وليس بالإكراه، بل بالإقناع وبيان الحكمة في أحكام الله عز وجل وفي ثقافة السماء.

ممن يتعلم المسلم الصلاة؟

﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: 20]، إن كان متعباً أو مريضاً، لكن كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يسهر بعد صلاة العشاء، أمّا أن تسهر إلى الساعة الثانية عشرة والساعة الواحدة ليلاً فهل تكون حينها من أهل ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا؟ [المزمل: 2] فقانون الله بالجسد يرفض ما تصنع، أمّا أن تصلي العشاء وتنام فستقوم نشيطاً قبل الفجر وفي ساعات التّجلي الإلهي، وإذا نمت واستيقظت فهل تعرف كيف تتهجد؟ وهل تعرف كيف تصلي؟ فتحتاج إلى من يعلِّمك الصلاة، فالصّلاة الجسدية أمرها سهل، فالطّفل يتعلّم الصلاة من الرؤية مرة أو مرتين، أمّا الصّلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر فهل تعلَّمتها؟ فهل أنت مصلٍّ؟ تقول: نعم، فهل ظهرت ثمرات الصّلاة ونهتك عن الفحشاء والمنكر؟ وإذا بنا نرى في قولك فحشاً، وكذلك في عملك، وكذلك صفاتك منكرة ينكرها الله ورسوله ﷺ، فإذاً أنت لم تصلِّ الصّلاة التي أرادها الله، يوجد صلاة أرقى، ما الأرقى؟ هي ما ورد: “الصّلاة معراج المؤمن” 22 وهي عروج وارتقاء من النقص إلى الكمال، ومن الغفلة إلى الحضور، ومن الحجاب إلى رفع الحجاب حتّى تعبد الله كأنّك تراه، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي نفي الصفات السلبية، أمّا اكتساب الصّفات الإيجابيّة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 2] فالخشوع من أعمال الجسد أم من أعمال القلب؟ فهل لك قلبٌ؟ وهل تعلم ما هو القلب؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] ما القلب؟ يقول بعضهم

أخي كن لأرباب القلوب ملازماً وفي قربهم حصِّل لك القلب سالماً

إذا أردت أن تصير نجّاراً فابحث عن معلّم نجارة ومعلمي نجارة وارتبط معهم تصبح نجاراً، ليس الارتباط بحبل؛ فالدابة تربط بحبل، أمّا الرّابطة المقصودة فهي رابطة الحب في الله الذي هو من أعلى شعب الإيمان.

أخي كن لأرباب القلوب ملازماً وفي قربهم حصِّل لك القلب سالماً

قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 89]

وإن رُمْتَ من خِلٍّ قديمٍ جماله فقلبك مرآةٌ فقابله دائماً

وإن رمت: إن أردت، من خِلٍّ: من خليلك وحبيبك.. نسأل الله أن يجعل “الله” أحب إلينا من كل محبوب.

قال تعالى: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ [الأنعام: 79]، يعني قلبي ومشاعري وأحاسيسي وأفكاري، فهل تعلّمت هذه الصلاة؟ لماذا لم يذكر الفقهاء معاني الصّلاة التي ذكرها القرآن؟ اكتفوا بالصّلاة الجسدية وكيف يركع الجسد ويقرأ اللسان، أمّا قلبك وأن تتطهَّر من الفحشاء والمنكر ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 3] الخ.. بالإضافة للحكمة وخاصةً للعالِم، قال تعالى: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: 2] ترى بعض من أخذ الدكتوراه والليسانس لو وضعته على مقاييس القرآن ترى من البعد ما الله أعلم به.

الفرق بين الإيمان واليقين

﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل: 20] لأنّه مع مرور الوقت كثرت الواجبات والأعباء على الإنسان المسلم؛ لكنهم أُعِدُّوا إعداداً روحياً وإيمانياً وعقلياً وحكمةً، وتزكَّت منهم النفوس وطَهُرت منهم القلوب وسَلِمَت من الأمراض والعيوب ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] هل يؤمنون أم يوقنون؟ هل هناك فرقٌ بين الإيمان واليقين؟ إذا قال قائل: إنّ أحمد كفتارو كان في الجامع هنا يتكلم ثم ذهب إلى المرجة وتكلم، [المرجة: ساحة ومنطقة في وسط مدينة دمشق] فإذا صدّقوه فهذا إيمان، أمّا من رآني في الجامع فهذا اسمه يقين، وإذا لم تنتقل من الإيمان إلى اليقين فلن تصير للمتقين إماماً، ما شرط الإمامة؟ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة: 24] على ماذا؟ هل صبروا على أكل الحلويات؟ وهل صبروا في ليلة العرس؟ صبروا على المشقات والمصاعب ومخالفة النفس وعلى هجران كلّ ما أمر الله بهجره؛ بأن تهجر اللغو، قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ [المؤمنون: 3] لغو الكلام ولغو الأعمال ولغو الظّنون والأوهام، بأن تظن في أخيك الظنَّ السّوء، فأين نحن من فقه الإسلام؟ وأين نحن من فقه القرآن؟ فإذا قرأنا أبواب الطهارة وجعلناها خمسين مذهباً، وصار كلّ مذهبٍ كأنه دين مستقل.. وكان قبل خمسين أو ستين سنة التعصب المذهبي موجود، وقبل ذلك كان على أشدِّه، فالإسلام دين واحد، وماذا كان المذهب الشافعي والمذهب الحنفي؟ كان مذهبهم إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، لكن عليك أن تأخذ فهم الحديث من علماء الحديث، وتأخذ النّجارة من معلم النّجارة، والخياطة من معلّم الخياطة.

حكم صلاة قيام الليل الآن

قال: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: 20] خَفَّف فريضة التهجُّد على المسلمين، لكن بقي الوجوب، فلما فُرِضت الصلوات الخمس نُسِخَ الوجوب، ولكن بقي الاتباع والقدوة ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحظَّ الأوفر من كلّ ما يحبّه الله ورسوله ويدعو إليه الله ورسوله ﷺ.

ثمّ قال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [المزمل: 20] أي صلّوا الصّلاة المقوَّمة التي لا اعوجاج فيها يمنة ولا يسرة، المقوَّمة المستقيمة بتوجه القلب إلى الله مباشرةً بكلّ شعورك وإحساسك حتّى تشعر بأنّ عظمة الله تملأ قلبك وروحك وشعورك، وعندئذ تشملك آية ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] وهل المؤمنون فقط؟ لا، بل كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 2] فإذا ما كانوا في صلاتهم خاشعين لا يكونون من المفلحين، فعندما يقول المؤذن: “حيَّ على الفلاح” فما الفلاح؟ في صلاتهم خاشعون، هذا الفلاح، وما الفلاح؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] فالصّبر تحمُّل المكاره على النّفس، فيثقل على النفس أوامر الله وترك محارم الله، فالصبر أن تفعل الأوامر وتترك المحارم، أمّا “صابروا” فإذا دعاك شيطانك أو نفسك الأمَّارة بالسّوء للمخالفة فتبقى مهما وسوست لك، وكذلك إذا دعاك إخوانك وأصحابك، فتكون في حالة أن تصلي أو لا تصلي وأن تذكر أو لا تذكر.. فيجب أن يكون صبرك ومقاومتك أكثر حتّى يغلب نورك على ظلامهم وهداك على ضلالهم وحتّى تكون من المفلحين، فإذا أتيت إلى الجامع “حيَّ على الفلاح” حتى تفلح، والآن نأتي إلى الجامع فلا نفلح، لأنّه لم نفهم مادة الفلاح التي هي كلام الله وكتاب الله عز وجل؛ لأننا لا نبحث عن المعلّم، نريد أن نتعلّم الإنكليزية فنذهب للأستاذ الكرديِّ! ونجتهد في الليل وفي النهار، ومتى سنتعلم الإنكليزي؟ وهل نتعلم؟

قالوا: الفقه.. فقه الوضوء والاستنجاء وصلاة الجسد هذا شيءٌ لا بد منه، فأين فقه القرآن؟ وأين فقه السنة؟ وأين فقه الصلاة التي ذكر الله صفاتها في القرآن العظيم ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج: 20]؟ هذا الإنسان الخام مثل الحديد الخام في الأحجار والتراب ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ هذه طبيعة الإنسان ﴿جَزُوعًا [المعارج: 20] لا يتحمَّل مرضاً أو مصيبةً أو فقد المال ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 21] صار غنياً أو ذا جاه فلا يساعد الناس بما آتاه الله، قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ أمّا المصلي فلا يكون منوعاً لخير يملكه عن الناس ولا يكون جزوعاً ضعيفاً أمام الشّدائد وفي الأزمات: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج: 23].. الخ.

فإذا أردت أن تصير مسلماً فعليك أن تتعلَّم الإسلام من أستاذ الإسلام؛ إسلام الأخلاق وإسلام الحكمة وإسلام القلب، الإسلام الذي بنى أعظم أمّةٍ في التّاريخ، وليست أمّة قوميّة تتكلّم لغة واحدة، بل جعل من هيئة الأمم أمّة واحدة، وما انتهت ثلاثون سنة إلّا كان عَلَمُ دستور الله وقانونه وعَلَم الإسلام على بكين عاصمة الصين وفي بواتييه، بل في مدينة سانس التي تبعد عن باريس سبعة وعشرين كيلو متراً، وهذه كلها ضمن ثلاثين أو أربعين سنة.

والآن العرب بالقومية والوطنية والحزب الفلاني والحزب الفلاني فإلى أين استطاعوا أن يوصلوا وطنهم؟ فهل استطاعوا أن يوحّدوا بين بلدٍ عربي وآخر؟ أوروبا كلّها مع اختلاف لغاتها وأجناسها توحَّدت، والصّين مليار ومئتا مليون شخص موحَّدة، والعرب لغتهم واحدة وبلدهم واحد بالإضافة لوحدتهم بأمور أخرى فهم الآن عشرون دولة أو يزيدون.

أمّا الإسلام إسلام الاستجابة إلى أمر الله عزَّ وجلَّ وفقه القرآن، والصلاة التي هي معراج المؤمن، والصّلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصّلاة التي هي بوجود المعلم الذي يعلِّمك الكتاب والحكمة ويزكيك، بالإضافة إلى الهجرة إليه، وهل كانت الهجرة للمدينة أم لمعلّم الكتاب؟ فهل وقع في خَلَدِك أن تفتِّش نفسك هل تفقَّهت بالقرآن كفقهك لحقيقة الأفعى والثعبان؟ فحين تفقه حقيقة الثعبان والأفعى فما مقتضى هذا الفقه؟ هل تعمل الأفعى ربطة عنق لك أو عمَّة على رأسك، فهل هذا فقهٌ أم جهل؟ فإذا قلت: إنّ الأفعى قاتلة وسامَّة وتفعل هذا الفعل، فهذا علامة أنّك شقيٌّ لأنّ العلم لم ينفعك، فالعلم هل ينفع الجدار؟ فأنت حائط [جدارٌ].. صحيح أنك قرأت العلم، لكنك حائط.. فإذا كُتِب العلم على الجدار هل فهم شيئاً وهل عمل شيئاً؟ نسأل الله ألّا يجعلنا حيطان علم وأن يجعل قلوبنا مرآةً للعلم تنعكس فيه إلى أعمال، سواء أعمال الجسم أو أعمال القلب نوراً وإيماناً ويقيناً أو أعمال العقل حكمةً وحقيقةً وصواباً.

الصلاة المطلوبة

﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [المزمل: 20] فيجب أن تكون صلاتكم مستقيمة نحو الله ونحو فهم خطاب الله ونحو العمل بأوامره والوقوف عند حدوده حتى تصير قرآناً، فهذا القرآن الذي أمامي قرآنٌ مكتوبٌ، وفي الإذاعة قرآنٌ مسموع، وتكون أنت قرآن العمل، القرآن المعمول به، ويُقرأ القرآن في أعمالك، فإذا كنت تقرأ: ﴿‌إِنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ ‌الْفَحْشَاءِ ‌وَالْمُنْكَرِ انظر لمصلٍّ حقيقي تجد صلاته نهته فتقتدي به، ((والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 23 .

﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ فالصلاة صلةٌ بين العبد وربه، وحياةٌ للروح بروح الله، وتزكية للنفس وتحلية لها بفضائل الأخلاق، وحكمة تجنِّب الإنسان أن يقع في الأخطاء في أمور دينه ودنياه؛ لأن النبي ﷺ علَّمنا وعلَّم أصحابه أمور الدنيا وأمور الآخرة.

عالمية الإسلام

ولذلك كان الإسلام أمّة عالميّة ودولة عالميّة وإخاءً عالميّاً ليس إخاءً قوميّاً ولا وطنيّاً، كان النّبيّ ﷺ بعد كل صلاة يقول: ((اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد بأنك أنت الإله وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك)) قال: “عبدك” حتى لا يجعله أحدٌ إلهاً، فقال في البداية: عبدك وبعد ذلك رسولك ((وأنا شهيد بأن العباد كلهم إخوة)) 24 ، الناس كلهم إخوة، وهذا دينٌ! فأين هيئة الأمم ومجلس الأمن؟

وقال ﷺ: ((المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)) 25 . فالمسلم الذي لا يؤذي أحداً لا بكلامٍ ولا بعمل، هذا هو الإنسان الفاضل، والفلاسفة قالوا في المدينة الفاضلة كلاماً بكلامٍ، أمّا الإسلام فلم يقل كلاماً ولا كتابةً على أوراق، بل كتب في الواقع العمليِّ وجعل من نصف العالم أمة واحدة، بل عائلة واحدة، بل جسداً واحداً وإِخْوَةً أبناء أب واحد بواقع عملي وإلى الآن وبعد خمسة عشر قرناً.

منذ سنتين كنت في الصين وبينما أمشي في بعض شوارعها ومعي بعض المرافقين، وأنا في عرض الشارع رأيت صينياً متجهاً نحوي حتى صرت وإياه وجهاً لوجه، فخاطبني بلهجة الصين بلفظ المستفهم السائل: “الله أكبر”؟ يسألني: “الله أكبر”، ماذا يعني؟ هل أنت مسلم؟ قلت له: نعم الله أكبر، فلم أنته من لفظها إلا عانقني وصار يبكي ويقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] فهل الفرنسيُّ مع الفرنسي والمسيحي مع المسيحي والإيطالي مع الإيطالي والعربي مع العربي واليمني مع اليمني يفعل هكذا؟! لقد عدنا إلى الجاهلية.

أبو ذرٍّ رضي الله عنه شتم مرةً بلالاً الحبشي قائلاً له: “يا ابن السوداء”، فشكى بلالٌ أبا ذرٍّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فدعا النبي ﷺ أبا ذر وعنَّفه قائلاً له: ((إنّك امرؤ فيك جاهلية)).. يعني لا زلتَ في الجاهلية لم تنتقل إلى الإسلام في هذا الموقف، ففيك صفات الجاهلية ولم تتنظف منها بعد، ((أما علمت أنه ليس لابن البيضاء فضل على ابن السوداء)) 26 . يقولون: حقوق الإنسان! وكلُّه حبرٌ على ورق، ويستغلونها لمصالحهم القومية والاقتصادية، أمّا الإسلام فهو عقيدة سماوية دينية لا يقبل الله دينك إذا لم تحقق كل ما أمرك الله به.

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ فالصلاة مدرسة تهذيبية علمية، تتعلم ما يجعلك الإنسان الفاضل والعاقل الحكيم والإنسان الملَك في الأخلاق والمعاملة.

الحقوق الواجبة على المال

﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ يقولون: اشتراكية شيوعية! “آتوا الزكاة” فعليك أن تُخرِج من مالك من غير جابٍ ولا سلطة الدولة، بل سُلطة الإيمان والضمير والوجدان بأن تخرج من مالك في كلّ سنة بالمائة اثنين ونصف، وهناك أصناف من الأموال يجب إخراج الزكاة عنها بالمائة خمسة أو عشرة أو عشرين على حسب نوع المال، فالذي يخرج له كنزٌ من الأرض فهذا كم زكاته؟ وتوزع الأموال المنوَّعة المسماة بالزكاة في كل سنة على الفقراء والمحتاجين، وإذا لم تكفِ الزكاة فيقول النبي ﷺ: ((إن في المال حقاً سوى الزكاة)) 27 ، يعني إذا لم تكفِ الزكاة فعليك أن تخرج إضافةً على الزكاة، ويقول النبي ﷺ: ((ما آمن بي- ساعة من نهار- من أمسى شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)) 28 ، هذا ليس مخصوصاً بالشخص الفرد، بل شعبٌ مجاورٌ لشعبٍ وقارَّةٌ مجاورةٌ لقارَّةٍ، والآن صار العالَم كله ليس كقرية واحدة بل كبيت واحد أو قرية فيها خمس أو ست منازل، فإذا تكلمت في اليابان يسمعك من في واشنطن، مع أنّك في بيتك إذا تكلمت فهل يسمعك جارك؟ فصار المشرق والمغرب أقرب إلى بعضهما من سكان البيت الواحد في أن يسمع أحدهما الآخر.

﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ [المزمل: 20] الزكاة من أجل مكافحة الفقر؛ لأن النبي ﷺ حارب الكفر، والكفر الذي هو الجهل في الحقائق، وحارب الفقر وقال: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)) 29 ، فكما نعادي الكفر يعني الجهل وننقله إلى العلم كذلك يجب أن نعادي ونحارب الفقر.

قال: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ [المزمل: 20] الزكاة نسبة معينة بالمئة وإذا لم تكفِ ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المزمل: 20] فالزكّاة فريضةُ الصّدقة، والإقراض نافلةُ وسُنَّةُ الزكاة، فصلاة الظهر أربع ركعات، لكن يصلى أربع ركعات سنة قبلية وأربع ركعات سنة بعدية، فإذا أردنا أن نقيس الزكاة على صلاة الظهر فيجب أن تخرج اثنين ونصف قبل الزكاة ومثلها بعد الزكاة، فتصبح سبعة ونصف بالمائة أليس كذلك؟ مع أنّ الله لم يحدِّد ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا.

فكان أصحاب رسول الله ﷺ ومنهم طلحة رضي الله عنه بامتثالٍ قوله تعالى: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قد شَطَرَ ماله في حياته أربع مرات، فكان يقسم ماله نصفين يُبقي لنفسه النصف ويتصدَّق بالنصف الباقي على المجتمع في أعمال البر والخير.

اشترى عبد الله بن عمر رضي الله عنه فرساً من أجمل الخيل فأعجبته لمّا رآها، فقال: هي في سبيل الله؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92].

وقُدِّم لآخر طعام من أشهى الطعام قد اشتهاه منذ زمن، فسمع سائلاً يطرق الباب فقال لهم: أعطوه الطعام، فقالت زوجته له: أنت منذ زمن وأنت تشتهيه وأنت مريض وقد أحضرناه لك، فأعطوا للسائل ثمن الطعام وأعادوا الطعام، فقال: لماذا لم تعطوه، قالوا له: أعطيناه ثمنه، قال لهم: “أرجعوا إليه الطعام ولا تستردوا ثمنه” هذا إسلامٌ! أما إسلامنا فإسلام القراءة، كقراءة الشيك ونحن نموت جوعاً وننام في الشوارع ومعنا شيكٌ بمليون دولار، فماذا تفيدنا القراءة؟ كذلك لا تفيدنا قراءة القرآن ولا سماع القرآن، لأننا ما أخذناه من معلمه وما أخذناه من مصدره الروحاني الرباني، من مصدر العلم والحكمة والتزكية.

﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا [المزمل: 20] فالقرض الحسن ما تُقدمه زائداً على زكاتك، فالزكاة فريضةُ الصّدقة، والقرض الحسن نافلةُ وسُنَّةُ الزكاة، فصلاة العشاء في رمضان أربع ركعات، وكم ركعة نافلة بعد صلاة العشاء في رمضان؟ فهل تستطيعون أن تدفعوا نافلة الزكاة بالقياس على صلاة العشاء والتراويح في رمضان؟ [يقولها الشيخ مازحاً] فالزكاة أقلُّ أقل ما تستحق به في الميدان المالي أن يُقال لك: مسلم، فهذا أضعف الإسلام، أمّا كمال الإسلام أن يكون مالك كلّه تحت تصرف الله وتنفقه حيث يدعوك ويناديك الله إلى الإنفاق.

كان بعض الصحابة يخرج ماله كله في سبيل الله، وكذلك بذلوا أرواحهم وأوقاتهم للنهوض وصناعة الإنسان الفاضل، وقد حقّقوا الأمّة الفاضلة من عشرات الأمم، وصاروا من أعلم علماء عصرهم وأعدل ملوك وحكام عصرهم.. فكان وحي القرآن والعدالة الاجتماعية والعدالة بين النّاس [منهج حياتهم]، فلا فرق بين أبيض وأسود وبين قوي وضعيف ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل: 90].

الجزاء في الدنيا قبل الآخرة

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل: 20] فالذي قدَّمه أصحاب رسول الله ﷺ هل وجدوا ثوابه عند الله؟ وهل وجدوه في الدنيا أم في الآخرة؟ أم في الدنيا قبل الآخرة؟ كانوا لا شيء فجعلهم الله في العالَم كلَّ شيء، وكانوا أجهل الناس فصاروا أعلم الأمم، وكانوا أفقر الناس فصاروا أغنى الناس، وهذا هو الإسلام بأن تنتقل من جهلٍ إلى علم ومن ضعفٍ إلى قوة ومن فقرٍ في العلم والمال وفي كلّ شيء إلى الغنى، وأن تنتقل من الأنا إلى نحن، وأن تنتقل أنا ونحن إلى “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”.

أهمية الاستغفار

ومع كل ما تعمل وتقدم من مال وروح وحياة وجهاد فعليك ألا تشعر بالعجب، وتقول: أنا فعلت وفعلت.. قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [المزمل: 20] سبحانك يا رب ما عبدناك حقَّ عبادتك، وكان رسول الله ﷺ يقول: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مئة مرة)) 30 . فإذا كان النبي ﷺ يستغفر كل يوم مئة مرة فنحن كم مرة يجب أن نستغفر؟ هل بعدد نجوم السماء؟ بل نحتاج أكثر.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. وإذا استغفرت فما الاستغفار؟ طلب المغفرة، فحين تطلب ثوباً من بائع الثياب كيف تطلبه بالقول أم بالثّمن؟ وعندما تطلب الثانوية هل تطلبها بالقول أم بالدراسة الجادَّة؟ وعندما تطلب من الأرض أن تعطيك المشمش هل بالطّلب القولي والدّعاء أم بغرس شجر المشمش؟ وإذا أردت أن تطلب المغفرة فالبذرة التي تثمر المغفرة ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ [طه: 82] فعليك أن تترك كلَّ نقائصك وشرورك وأعمالك الناقصة إلى عكسها من الأعمال الفاضلة، ﴿‌لِمَنْ ‌تابَ ‌وَآمَنَ أن تشتغل بإيمان القلب وأن تبحث عن معلّم القلوب وعمن يصنع القلوب العامرة بالله، فعِلْمٌ بلا معلّم لا يصير، ولا تصير عالماً بالكتب والقراءة، قال أحدهم

ومن طلب العلوم بغير شيخ يكون أضل من تُوما الحكيم

بغير شيخ يعني بغير معلم، وتوما: قرأ كتاباً ولم يكن في زمنهم نقط، فقرأ في كتاب طبٍّ حديثاً نبويّاً أنّ ((الحبة السّوداء -أي حبة البركة- شفاء من كلّ داء)) 31 ، ولم يكن تحت كلمة “الحبة” نقطة فقرأها الحيَّة، من أكل الحية كانت له شفاء من كل داء، فذهب وبحث عن ثعبان وشواه وأكله فذهب إلى أين؟ إلى جَدَّته [كناية عن الموت، يقولها الشيخ وهو يضحك]، فذهب في جريرة أن يأخذ العلم من غير مصادره ومن غير أهله.

﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [المزمل: 20] اطلبوا المغفرة بالأعمال والندم والتوبة وبصحبة الأبرار وترك صحبة الأشرار ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ أي لذنوبكم الماضية و﴿رَحِيمٌ [المزمل: 20] يقبل أعمالكم الصالحة.

اللّهم طهِّر قلوبنا واجعلها أهلاً لأن تهضم وتفهم كلامك القديم ويتحوَّل فينا إلى أعمالٍ ترضيك وترضى بها عنا يا أرحم الراحمين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. الديلمي في الفردوس (420)، وأخرجه البيهقي في الشعب (6568)، والطبراني في الأوسط (6744)، بلفظ ((الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة)) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
  2. ابن ماجه كتاب الأطعمة باب النهي عن إلقاء الطعام (3353) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَمَسَحَهَا، ثم أكلها، فَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ أَكرمي كريما، فانها مَا نَفَرَتْ عَنْ قوم فَعادت إِلَيْهِمْ)). المعجم الأوسط، رقم: (7889)، (8/38)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4557)، (4/ 132)، بلفظ: «يَا عَائِشَةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ ...».
  3. صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره، رقم: (5329)، (5/ 2140)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12490)، (3/ 144)، بلفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ».
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50). وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان رقم (8). والسنن الكبرى للنسائي، كتاب الرقائق، رقم: (11803).
  5. سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
  6. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (754)، (1/229)، وهو في سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب ما يُرجى من البركة في البكور، رقم: (2236)، وسنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر، رقم: (2606)، وسنن الترمذي، أبواب البيوع، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، رقم: (1212)، جميعهم بلفظ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)).
  7. لفظه: ((المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير..)) صحيح مسلم، عن أبي هريرة، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم: (2664) مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366).
  8. هو مما يجري على الألسنة كما قال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 63)، وفي معناه: «اللهم الطف لي في تيسير كل عسير، فإن تيسير كل عسير عليك يسير، وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة»، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (1250)، (2/ 61).
  9. سبق تخريجه.
  10. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، رقم: (1392)، (2/ 530)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، رقم: (998)، (2/ 693)، عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ))، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
  12. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8828)، (8/ 346)، ومجمع الزوائد للهيثمي، رقم: (4652)، (3/ 297)، بلفظ: ((يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لا يَقْبَلُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إِلَى صَدَقَتِهِ، وَيَصْرُفُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  13. المقاصد الحسنة السخاوي، رقم: (141)، ص: (134)، الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للملا علي القاري، رقم: (51)، ص: (101).
  14. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (763)، (22/ 300)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12482)، (19/ 464)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ)).
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم: (6186)، (5/ 2398)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، رقم: (2828)، (4/ 2176)، أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  16. مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده، رقم: (15763).
  17. مسند أحمد بن حنبل، رقم: (11159)، (3/ 19)، سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي المنكر، رقم: (4011)، (5/144)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)).
  18. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الحجر، رقم: (3127)، (5/ 298)، التاريخ الكبير للبخاري، رقم: (1529)، (7/ 354). عن أبي سعيد الخدري
  19. متفق عليه، صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، بلفظ: كنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم ...رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061). ولفظ البخاري: عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال ((لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن)).
  20. صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي، عن المغيرة بن شعبة، رقم: (7311)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي..، رقم: (1920).
  21. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، رقم: (46)، (1/ 25)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، رقم: (11)، (1/ 40)، عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، بلفظ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ»)).
  22. ليس بحديث، إنما اشتهر من أقوال المفسرين، انظر تفسير الرازي، (1/226).
  23. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378). مسند أحمد، رقم: (8028)، (13/398)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7319)، (4/188). شعب الايمان للبيهقي، (8990)، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  24. أخرجه أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب ما يقول الرجل إذا سلم، رقم: (1508)، (1/ 473)، والنسائي، رقم: (9929)، (6/ 30)، باب ثواب من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، وأحمد بن حنبل، رقم: (19312)، (4/ 369)، بلفظ: ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في دبر صلاته "اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام، اسمع واستجب، الله أكبر الأكبر، الله نور السموات والأرض))، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
  25. متفق عليه، صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم: (10)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأيُّ أموره أفضل، رقم: (65). سنن الترمذي، أبواب الإيمان: باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم: (2627)، بلفظ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
  26. البيهقي في الشعب، عن أبي أمامة، (4772).
  27. سنن الترمذي، كتاب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن المال حقا سوى الزكاة، رقم: (660)، (3/ 48)، سنن الدارقطني، رقم: (11)، (2/ 125)، سنن الدارمي، رقم: (1677)، (2/1019)، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
  28. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)). والبخاري في الأدب، (112)، بلفظ: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع الى جنبه)). عن ابن عباس رضي الله عنهما.
  29. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6188)، (9/12)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/53)، الدعاء للطبراني، رقم: (1048)، (1/319). عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  30. سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، رقم: (3815)، (2/ 1254)، مُصنف ابن أبي شيبة، كتاب الدعاء، ما ذكر في الاستغفار، رقم: (30055)، (10/ 297)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  31. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الحبة السوداء، رقم: (5364)، (5/ 2154)، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب التداوي بالحبة السوداء، رقم: (2215)، (4/ 1735)، بلفظ: ((في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام))، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
WhatsApp